هل يقبل الإسلام قتل إنسان لأنه غيَّر دينه

اقبال السباعي   في السبت ٠٣ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


 
أثارت آراء الشيخ جمال قطب الخاصة بحد الردة ورفضه لجميع فتاوى الفقهاء التى تؤكد وجوب قتل المرتد الكثير من الجدل بين رجال الدين ما بين مؤيد ومعارض.  
 
المعارضون استندوا لحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - «من بدل دينه فاقتلوه»، ومنهم د. عبدالمعطى جاب الله سالم - عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بدسوق - الذى أكد إجماع أهل العلم على وجوب قتل المرتدين، وهو مذهب أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد بن حنبل، فالإمامان مالك والشافعى يؤكدان أنه يستتاب ثلاثاً، وروى ذلك عن عمر وعثمان رضى الله عنهما، وذكر أبويوسف عن أبى حنيفة أن المرتد يعرض عليه الإسلام، فإن أسلم وإلا قتل مكانه إلا أن يطلب التأجيل، فإن طلب أجل ذلك ثلاثة أيام وعند الحنابلة لا يقتل حتى يستتاب ثلاثة أيام. وأضاف الدكتور عبدالمعطى: إن قتل المرتد أجمعت عليه المذاهب الأربعة، وهو مذهب أبى بكر وعمر وعثمان وعلى ومعاذ وأبى موسى وابن عباس وخالد وغيرهم. ولم ينكر أحد ذلك فكان إجماعا لأن المرتد متلاعب بالدين والإسلام لا يجبر أحدا على الدخول فيه، وقد قال تعالى: «لا إكراه فى الدين»، لكن لا يسمح لأحد بعد أن يدخل فيه أن يتلاعب به ويعلن السخط عليه والارتداد عنه.  
 
ويفسر الدكتور عبدالمعطى عدم قتل رسول الله «ص» المنافقين مع علمه بكفرهم، لأنهم يظهرون الإسلام، لكن المرتد اعتدى على الإسلام واستخف به والإسلام حين يعلن تلك العقوبة يقول لمن يريد الدخول فيه لابد أن تدخل عن اقتناع، فإن دخلت فلا يجوز لك التلاعب به والخروج عليه، وروى أن معاذا قدم على أبى موسى فوجد عنده رجلا موثقا «أى مقيدا» فقال: ما هذا؟ قال: رجل كان يهوديا فأسلم، ثم راجع دينه فتهود، فقال: لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله ثلاث مرات، فأمر به فقتل، وهو حديث متفق عليه. وأضاف: إن القتل يكون بالسيف لأنه آلة القتل ولا يحرق بالنار، فقد قال النبى «ص» من بدل دينه، فاقتلوه ولا تعذبوا بعذاب الله، أى لا تعذبوا بالنار، أخرجه البخارى وأبوداود، وقد روى عن البيهقى عن ظبيان بن عمارة أن رجلا من بنى سعد مر على مسجد بنى حنيفة فإذا هم يقرأون برجز مسيلمة فرجع إلى ابن مسعود فذكر ذلك له فبعث إليهم فأتى بهم فاستتابهم فتابوا فخلى سبيلهم، إلا رجلا منهم يقال له «ابن النواحة» قال: قد أتيت بك مرة فزعمت أنك قد تبت وأراك قد عدت فقتله.  
 
ويؤكد الدكتور عبدالمعطى أن الإسلام لا يقتل إلا من يجاهر بالارتداد عن الدين ويمتنع عن شهادة أن لا إله إلا الله وعن الصلاة وفى موطأ الإمام مالك وسنن الدارمى روى أن رجلا سار رسول الله «ص» فلم يدر ما ساره به حتى جهر رسول الله «ص» فإذا هو يستأذنه فى قتل رجل من المنافقين فقال رسول الله «ص»: أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولا شهادة له، قال: أليس يصلى؟ قال: بلى، ولا صلاة له، فقال رسول الله «ص»: أولئك الذين نهانى الله عن قتلهم. ويضيف: إن قتل المرتد يكون للحاكم فقط، ولا يجوز لغيره قتل المرتد، وقد توعد الله المرتد بقوله «ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون»، وقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم»، وفى هذه الآية إعجاز للقرآن الكريم، والنبى «ص» إذ أخبر عن ارتدادهم ولم يكن ذلك فى عهده، فكان غيبا أخبر عنه القرآن فحدث بعد موت رسول الله «ص»، وقد قاتل أبوبكر أهل الردة. ويضيف «د. عبدالمعطى»: قال ابن إسحق لما قبض رسول الله (ص) ارتدت العرب إلا ثلاثة مساجد مسجد المدينة ومسجد مكة ومسجد جؤائى بالبحرين، وكانوا فى ردتهم على قسمين، قسم نبذ الشريعة كلها وخرج عنها وقسم نبذ وجوب الزكاة واعترف بوجوب غيرها فقالوا نصوم ونصلى ولا نزكى فقاتلهم الصديق جميعهم وبعث خالد بن الوليد إليهم بالجيوش فقاتلهم وسباهم على ما هو مشهور من أخبارهم.  
 
ويؤكد الدكتور عبدالمعطى أن قول الله تعالى: «فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه»، والذى يستند عليه الرأى القائل بأن القرآن الكريم لم يشر إلى قتل المرتد أن هذه الآية نزلت فى أبى بكر الصديق وأصحابه كما أشار الحسن وقتادة. أما السدى فقال: نزلت فى الأنصار وقيل أيضا أنها إشارة إلى قوم لم يكونوا موجودين فى ذلك الوقت، وأن أبا بكر قاتل أهل الردة بقوم لم يكونوا قبل نزول الآية، وهم أحياء من اليمن من كندة وبجيلة ومن أشجع وقيل نزلت فى الأشعريين وقبائل اليمن من طريق البحر فكان لهم بلاء فى الإسلام فى زمن رسول الله «ص»، لذلك قتل المرتد بعد استتابته أصل من أصول الإسلام، وهو حق له حتى لا يستهين به أحد أو يتلاعب به، وقد قال النبى «ص» لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان أو قتل نفس بغير حق. ويوافقه فى الرأى الدكتور أحمد سعد الخطيب - أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر والعميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية بقنا - ويؤكد أن الانشغال بالطعن فى حكم ثابت فى مصادر تشريعنا هو مضيعة للوقت والجهد من جهة ومدعاة إلى عدم الوثوق بالقائل وقوله من جهة أخرى، والأهم من الانشغال بإنكار ما هو ثابت هو معرفة فلسفة تشريع هذا الحكم وفهم ضوابط تطبيقه وكيف يكون؟ ومتى يكون؟ ومن الذى يطبقه؟ وقد يكون من غير المقنع لمن يهمه الأمر الاشتغال بإنكار حكم المرتد الذى نطقت به النصوص الثابتة ووقع الإجماع عليه وهو ما نقله كثير من العلماء فى كتبهم ومنهم الصنعانى فى سبل السلام وابن قدامة فى المغنى فلم ينكره أحد من الصحابة ولا من العلماء المحققين. فعقوبة الردة هى عقوبة ثابتة بالسنة الصحيحة الصريحة فى حديث النبى «ص» كما عند البخارى «من بدل دينه فاقتلوه»، والحديث المتفق عليه واللفظ المسلم «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزانى والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة».  
 
ويؤكد الدكتور الخطيب على الآية القرآنية: «يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم». فقوله تعالى: «فسوف يأتى الله بقوم يحبهم»، هو جواب الشرط فى قوله: «من يرتد» وعليه فالآية تحتمل أن يكون هؤلاء القوم الذين يحبهم الله ويحبونه هم القائمون على حدوده المطبقون لأحكامه، وإلا فما الرابط بين الشرط والجزاء؟! والحاصل أنه لا يملك أحد دليلا على إنكار حد الردة أو عقوبة الردة، كما لا يملك أيضا دليلا على أن هذه العقوبة كانت مرهونة بعصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذن فما الذى فعله أبوبكر رضى الله عنه حين قاتل المرتدين بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - وما الذى سطره فقهاؤنا فى كتبهم حكما عاما غير محدد بوقت ولا مختص بزمن؟! وما جدوى هذا العموم فى تعبير النبى صلى الله عليه وسلم «من بدل دينه فاقتلوه»، والحصر فى الحديث المتفق عليه «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث» وذكر منها «المارق من الدين التارك للجماعة» كما هو نص البخارى أو «التارك للإسلام المفارق للجماعة» كما هو نص مسلم. كما يؤكد أن ولى الأمر وحده هو المنوط بتطبيق الحدود ولتوضيح الكفر الصريح الذى يتعصب له صاحبه ويدعو إليه معاديا دينه الأول ومجتمعه وهويته، والذى يقضى بردته بعد المناقشة والاستتابة، فى رأيى أن الاشتغال بهذا هو المطلوب.  
 
ومن المقرر الثابت لدينا أن الإسلام لا يكره أحدا على الدخول فيه وهى قضية محسومة فى الأصل، لأن الدين يقين فى القلب ومن ذا الذى يستطيع أن يسيطر على قلب أحد؟! ففكرة الإكراه على اعتناق دين ما.. هى فى الأصل غير مقبولة لاستحالة حدوثها، ولذلك جاء فى القرآن بالأسلوب الخبرى قوله تعالى: «لا إكراه فى الدين» وعليه فإن المرتد الذى يضمر ردته فى نفسه ولا يعمل على إثارة الفتن لا سلطان لأحد عليه، لكن عندما يصبح المرتد عضوا مثيرا للفتن مزلزلا لكيان المجتمع، فلابد من مناقشته والرد على شبهاته والكشف عن وجه الحق فيها ثم استتابته مدة تعددت فى تحديدها الآراء ما بين مضيق وموسع، ثم يأتى آخر الدواء وهو تطبيق الحد تفاديا للفتن التى يثيرها، فالعضو الفاسد يبتر من الجسد كى لا يفسد بقيته. ويطلق العلماء على هذه الردة هذا التعبير «الردة المغلظة»، لكن لا يدخل فى باب الردة المتأول والمشتبه، فهؤلاء التعامل معهم يكون بمناقشتهم ومحاورتهم وإقناعهم. ويرى الدكتور حسين محمد عبدالمطلب - عميد كلية الدراسات الإسلامية بقنا - أن النبى «ص» أقام حد الردة على من ارتد، وكذلك أبوبكر الصديق، ويرى أن فى هذا ردا على من يزعم أن الردة كانت فى عهد النبى فقط، وما يفعله النبى «ص» يعتبر تشريعا لا يجوز لأحد أياً كان أن يخالفه.  
 
ولكن الشيخ جمال البنا يرفض كل هذه الحجج جملة وتفصيلا، ويؤكد عدم وجود عقوبة أصلا على الارتداد فى عصر الرسول «ص» أو فى أى وقت من الأوقات، ففى عهد النبى «ص» ارتد عدد من المسلمين بالفعل وعدد ليس بقليل، ولم يتعقبهم الرسول بعقوبة، فالإسلام يقرر حرية الفكر والاعتقاد على مصراعيها، ويجعل الإيمان والكفر والهدى والضلال أمرا شخصيا لا دخل للنظام العام به، ولا لأية مؤسسة، فمثلا لو أن مسلما تنصر أو نصرانيا أسلم لا أحد يستطيع أن يتدخل لا الكنيسة ولا المسجد، ولا حتى الحكومة، فهذه مسألة ضمير والقرآن أكد هذا حين قال: «من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها». ويضيف «جمال البنا»: هذا الحديث رفض الإمام مسلم أن يدخله فى صحيحه، وكفى بذلك شبهة، فعندما يأتى إمام كبير مثل الإمام مسلم ويرفض قبول الحديث، فهذه شبهة ولا يؤخذ به. وهو حديث إما موضوع أو راويه ليس ثقة، فالحديث يرفض لأسباب معينة من أكبر هذه الأسباب أن راوى الحديث يكون لديه شك.  
 
د.آمنة نصير - عميدة كلية الدراسات الإسلامية بالأزهر سابقا - أكدت أن ما جاء فى حديث الآحاد «من ارتد فاقتلوه» حديث لا يؤخذ به على علاته، وإنما لابد من توضيح الارتداد عن الدين كأن يكون فلان مسلما ثم يذهب لعقيدة أخرى، وهذا حقه لأن القرآن أعطى حرية العقيدة فى إطار محدد وهو أن يغير الإنسان دينه وهو فى بيته دون أذى لجماعة المسلمين أو دون أن يتحالف مع أعداء المجتمع الإسلامى للاعتداء على المسلمين، فإن حدث ذلك هنا يخرج من دائرة تغيير الدين إلى دائرة كونه عدوا محاربا، فيصدق عليه القتال على اعتبار أنه حد ردة يتبعه أذى، أما أن يغير الإنسان دينه دون إثارة أذى أو بلبلة فهو حر فيما يعتنقه. حد الردة يطبق مثلما حدث مع الممتنعين عن الزكاة فى عصر الخليفة «أبوبكر» لأن الزكاة ركن من أركان الإسلام وصاحب الامتناع عن الزكاة الحرب، وهنا نخرج من قضية الإيمان إلى قضية «المحاربة» لأن القضية هنا أصبحت امتناعا عن دفع الزكاة وهى جزء أصيل فى أركان الإسلام، ولكن حرب المرتدين فى عصر الخليفة «أبوبكر» تختلف عما يطرح الآن، فحد «الردة» لايطبق إلا إذا ترك شخص الإسلام ثم انقلب إلى مفسد على الإسلام بأن يوغر صدور المسلمين، ويغريهم ضد الإسلام، وهذا يعتبر إفسادا فى الأرض ويستحق القتال تحت ما يسمى بـ «حد الردة» نظرا لأذى المسلمين.

اجمالي القراءات 9268
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   زهير قوطرش     في   الأحد ٠٤ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[3522]

الارتداد

المشكلة الكبرى في عالمنا الاسلامي ،وخاصة في حركات الاسلام السياسي، أنهم يعتقدون جازمين بأنهم يملكون الحقيقة المطلقة والعالم كله ما عداهم على خطأ وهم على صواب، والواقع أن الحقيقة موزعة على الجميع لدينا قسم منها وللاخرين نصيب فيها أيضاً. ولهذا فأن الارتداد هو فعل شخصي لايمكن أجبار الناس على التقيد بما لايؤمنون به ، ويعتقدون حسب رايهم أن الحقيقة في الطرف الأخر.هذاحقه ،عقوبة الارتداد كانت لها ظروفها السياسية والاجتماعية أنذاك، أما نحن في عالم اليوم فلا أعتقد أن مبدأ قتل المرتد يمكن تطبيقه إلا على المستوى النظري والجدال العقيم.اتركوا الناس وما يعتقدون....

2   تعليق بواسطة   داليا سامي     في   الخميس ١٥ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[3987]


الهدف ليس تطبيق شرع الله وغيرتهم على دينة , هؤلاء يريدون حشد عدد كمي من المسلمين بالعدد فقط ويخوفونهم من تركة بتشريع قتل المرتد ويرضوا ان يبتلى المسلمين بعدد لا باس بة من المنافقين الهم اشد خطر من الكفار ولكن لا باس طالما العدد مريحهم

هل عندما نجبر شخص على الاستمرار فى دين معين لا يكون اكراه ؟ هل بقاء شخص فى الدين خوف من القتل وليس حب ورضي بهذا الدين .. الا يكون ذلك اكراه ايضا
الله تعالى يقول لرسولة ( أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين ) ..

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق

اخبار متعلقة