الدولة المدنية‏..‏ السيد المواطن المحترم

عثمان محمد علي   في الإثنين ٢٠ - يونيو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً


الدولة المدنية‏..‏ السيد المواطن المحترم
بقلم: د.أحمد ابوزيد
 
 
 
د.أحمد ابوزيد
 
 
73
 
عدد القراءات


يكتشف المتأمل لعملية ارتقاء الروح المدنية عبر التاريخ‏,‏ ان هذا الارتقاد يرتبط ارتباطا وثيقا بإعلاء شأن الانسان‏,‏ واعتباره مركزا للكون فغاية كل فلسفة انسانية ومقصدها‏.
 

وغاية كل عقيدة ومقصدها, وغاية كل فعل سياسي رشيد هو ذلك الكائن الذي يطلق عليه الإنسان, والذي يجسده الانسان الفرد الفاعل في هذه الحياة الدنيا. ولم تختلف النزعات الفكرية الانسانية ولا الشرائع السماوية حول هذه النقطة, فالغاية التي تنشدها هذه وتلك هي ان يعيش هذا الانسان سعيدا حرا مصونا في ماله ونفسه وعقله وعرضه وعقيدته, ولايملك فر من ذوي البشر القدرة علي ان ينتزع منه هذه الحرية وتلك السعادة, الا اذا كان طاغية او مستبدا ظالما لا يملك الا الجور والطغيان والاستبداد وسيلة لحكمه وسيطرته.

ولقد كان علي النظم السياسية المدنية الديمقراطية ان تسعي الي حماية الانسان بهذا المعني, وان تمنح له حقوقه غير منقوصة, وان تحقق له الوجود الاسمي الذي يستحقه, واحسب ان تأسسس هذه النظم علي مفهوم المواطنة كان يرمي بالاساس الي ان يحقق هذه الروح المدنية في مركزية الانسان وتعظيم شأنه فالمواطنة من اكثر المفهومات حيادا وموضوعية, فهي رابطة قانونية وسياسية تسمو علي كل الروابط التي يمكن ان يتسرب اليها التحيز والتعصب كالرابطة الاقليمية او اللغوية او العرقية او الدينية. وبناء عليه يمكن النظر الي مفهوم المواطن علي انه يجسد ـ علي ارض الواقع ـ فكرة الانسان, الذي تمكنه مشاعره الإنسانية من ان يتدبر بعقله ان الحياة مع الاخرين والعيش المشترك معهم امر ضروري, وان من واجب كل المواطنين ان يسخروا كل مالديهم من اجل خدمة الهدف العام او المصلحة العامة. ومن هنا كانت العلاقة بين فكرة المواطنة وفكرة الصالح العام علاقة وثيقة, فتأسيس المجتمع علي المواطنة هو تأسيس للصالح العام وسعي نحو تحقيقه كماان الابتعاد عن فكرة المواطنة هو تمزيق وتفكيك لهذا الصالح العام.
وفي ضوء ذلك فإنني لا أميل إلي فهم المواطنة بوصفها رابطة قانونية تجمع الافراد تحت لواء دستور واحد فحسب, كما لاأميل الي فهمها علي انها مفهوم يسمو فوق ماهو عرقي وديني واقليمي فحسب, فالمواطنة عندي اوسع واشمل من ذلك مادام قصدنا من وراءها تجسيد فكرة الانسان بوصفه الهدف والغاية, ان المواطنة هي بجانب كل هذا رابطة اجتماعية وثقافية, توجد لدي الافراد طاقة معرفية ونفسية تجعلهم اكثر ارتباطا بالارض التي نشأوا عليها واشد انتماء الي ثقافتها وتراثها وتاريخها, واكثر قدرة علي انتاج ممارسات واساليب سلوك تقوي من الرابطة الجمعية بين الافراد وتعلي من أن المصلحة العامة, والقدرة علي تجاوز كل من شأنه ان يدمر هذه المصلحة او ان يصيبها بالشلل, هذه الطاقة المعرفية والنفسية التي تمكن الافراد من تحقيق اسس المعاشرة الاجتماعية, والعيش المشترك, الذي يدرك فيه كل فرد ان مصلحته هي مصلحة الجماعة, وان لاوجود له الا بمواطنيه. ان المواطنة تنقلنا هنا من الشعور بالانا الي الشعور بالنحن أي الانتقال من الشعور الاناني المفرد بالذات الفردية, الي الشعور الجمعي بالذات الجماعية. يدرك الفرد حينئذ انه ليس وحده في المجتمع وان الحيز الاجتماعي والمكاني ليس حيزه وحده, وانما هو حيز يتسع للجميع وان المحافظة عليه هي واجب الجميع, وقد اذكر هنا بأفكار نعرفها جيدا عبرنا عنها بشعارات الكل في واحد وكلنا سيد في ظل الجمهوريةوهي تعكس هذا الاحساس العميق بالمواطنة وقد ازيد بالقول بأن هذه الطاقة المواطنية هي التي تمنع الافراد من ان يشردوا عن وطنهم اما بإلقاء ذواتهم في اطار ايديولوجية فوق وطنية, او بترك الوطن والنزول الي اسفل للالتصاق بالهويات والانتماءات الضيقة, اوحتي بالرضا بالعيش السلبي الخامل في كنف الوطن.
ولذلك فإن المواطنة لاتتحقق بمجرد التواجد الفيزيقي علي ارض الوطن, ولكنها تتحقق بالايجابية في السلوك والشعور العميق بالمسئولية الاجتماعية التي في المشاركة العامة في الحياة السياسية, واحترام المجتمع, والعمل علي تحقيق اقصي مراتب الانجاز, والشعور بالمسئولية تجاه الاخرين وتجاه المجتمع في ضوء مفاهيم واضحة للعدالة والمساواة والحرية حقيقة ان هذه صورة مثالية للمواطن, ولكن رسوخها في وجدان الفرد وضميره يكفل قدرا واجبا من الايجابية, ويعمل علي تحويل جل المواطنين الي مواطنين نشطين يحملون في اعناقهم مسئولية اجتماعية, مبتعدين بذلك عن السلبية او الانتهازية اوالهامشية, وجميعها صفات تبعد المواطن عن الصورة المثالية ذات الطابع الايجابي.
واذا يسعي الفرد الي تكريس حياته لخدمة وطنه علي هذا النحو, فإن الوطن لاينساه فالوطن يوفر له كل استحقاقاته في العيش الكريم, كما انه يقدم له كل صور التكريم نظير انجازاته في خدمة الوطن, لذا نري ان المجتمعات التي ترتقي فيها الثقافات المدنية ترتقي فيها النظرة الي المواطن, فتجله خيراجلال, ترعاه صغيرا وشابا وكهلا, وتقدم له كل صور التكريم شيخا وكبيرا, فيصبح المواطن المبجل او المواطن الامثل, وكلما تفاني المواطنون في ايجابياتهم وخدمة مجتمعاتهم, كلما كان تكريمهم في شيخوختهم اعمق واكبر, لا بالجوائز والالقاب فحسب, بل بالتوقير والاحترام والتبجيل, هنا يتحول المواطن إلي سيد الموقف, ويصبح بحق السيد المواطن المحترم, الذي سيد الموقف كله في ظل الدولة المدنية ولاشك ان هذه السيادة هي التي تجعل لصوته كل هذه القيمةفي صناديق الانتخاب.

اجمالي القراءات 5788
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   ميرفت عبدالله     في   الأربعاء ٢٤ - أغسطس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[59751]

وعن المصري المواطن قرأت للأستاذ محمود مرسي .

أذكر في هذه المشاركة أنني قرات مقال للأستاذ محمود مرسي بعنوان (المصري الفرد خير من المصري المواطن )تناول فيه الإنسان المصر والتفريق بين المواطن المصري وشخصية الإنسان المصري وسلوكه مع أقرانه فقال : إن المصري أصيب في جانب "المواطن" من شخصيته، فلم يعد ذلك المواطن الصالح الذي كان، ومعنى هذا التحليل هو أن موضع الشكوى والنقد والتقويم لا يشمل "المصري" بكل وجوده، بل يشمل جزء من ذلك الوجود، وهو الجزء الذي "يواطن" به الآخرون من أبناء الوطن الواحد.




ولو نظرنا للمصريين "أفراداً" في حياتهم الخاصة، بين أقاربهم وأصدقائهم، لوجدناهم كما نريد لهم أن يكونوا، وكعهدنا بهم، أوفياء متعاونين يخلصون الود ويصدقون النصيحة، ثم لو نظرنا إلى كثرة منهم في ميادين العمل والتعامل، نجدهم قد تهانوا فيما عرفوا به من صفات من توادٍ وتراحم وتعاون وإخلاص: العامل يريد الأجر الكبير الفادح بلا عمل، والزميل يراوغ ويخادع زميله وينافق رئيسه في العمل.




لا يزال المصريون على إمتلائهم بالقيم المصرية الأصيلة وامتلاكهم لها وهم فرادى، أعني وهم في دنايهم الخاصة وحياتهم الاجتماعية اليومية، لكنهم في "المواطنة" قد أصبحوا صرعى للفردية وكأنهم أعجاز نخل خاوية وذلك وفقه التعبير القرأني العظيم..!


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق




مقالات من الارشيف
more