بين هارون الرشيد وقصص العشق الملتهبة

عثمان محمد علي   في الخميس ٠٦ - يناير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً


بين هارون الرشيد وقصص العشق الملتهبة 

حين غزا الشرق أوروبا بالقهوة وألف ليلة
 

لهنّ – شيرين صبحي

 

 

 

 
       

على المقاهي ولد كتاب ألف ليلة وليلة، فهو أدب شعبي مجهول النسب والجنسية جاءت جذوره من بلاد الهند وفارس، لكن الخيال الشرقي راح يضيف ويزيد على مقاهي بغداد ودمشق والقاهرة أثناء الحكم الفاطمي.

 

وكان من الممكن ألا يزدهر الخيال في ألف ليلة لو لم تصل إلى الشرق العربي، خاصة بغداد في عصر الخلافة العباسية، حيث الحياة المترفة، وقد بهر رواد المقاهي بحكايات الخليفة الرشيد ووزيره الذي تنكر في زى درويش، كما فتن رواد المقاهي بعلاقات العشق الملتهبة. أما المقاهي في مصر فقد أضافت إلى الحكايات القصص المنقوشة بالسحر والحسد.

 

كان للمقهى دور اجتماعي كبير لا يمكن الاستهانة به، وقد أبرزه شيخ الروائيين العرب نجيب محفوظ في العديد من أعماله، ولكن كيف تسللت المقاهي إلى أوروبا؟!

 

هذا ما ترويه سلمى قاسم جودة في كتابها "الحريم والسلطة"، ففي عام 1665 عندما أرسلت الدولة العثمانية محمد علي باشا سفيرا للباب العالي إلى فيينا، وخلال عام واحد قضاه هناك استمتعت الارستقراطية الأوروبية في قصره بكل مظاهر البذخ والفخامة.. لقد عرفوا لأول مرة الآيس كريم وعصائر الفاكهة واللكوم "الملبن" والدخان المشبع بالعنبر وماء الورد، وعرفوا لأول مرة مشروبا داكنا يوقظ الحواس، فقد عرفوا القهوة السوداء المشهورة الآن بالقهوة التركية!

 

 

 

 
       

كانت القهوة تقدم إليهم في طقوس غريبة لم يألفوها من قبل، فكانت تأتي مجموعة من الغلمان يتسمون بجمال طاغ - وصفهم أحد الأوروبيين بأنهم كانوا مثل البدر في ليلة التمام - يرتدون الحرير المزركش المرصع بالفضة والذهب، ويغرقون أنفسهم بالعطور، وينحنون وهم يقدمون القهوة وينتظرون حتى ينتهي الضيف على مهل من ارتشافها.. هؤلاء هم القهوجية تلك الأيام.

 

عاد محمد علي إلى بلاده، لكن بقيت القهوة.. وفي عام 1683 كانت النمسا محاصرة من الأتراك، وفي قلب الحصار ظهر فجأة مغامر بولندي يدعى "كولتشسكي" نجح في اختراق الحصار وفتح الطريق أمام الحلفاء بعد أن تنكر في زى الأتراك، وجاء بمعلومات خطيرة أدت لاسترداد النمساويين لبلادهم.

 

طلب المغامر البولندي مكافأة غريبة وهي الأكياس المكتظة بالحبوب التي تركها الأتراك بعد انسحابهم، والتي ظن الجميع أنها طعام الجمال، لكنها كانت حبوب البن التي عرفها المغامر في أسفاره إلى الشرق العربي، وكان يعلم كيفية تحضيرها، لكنه أضاف إليها التحلية بالسكر والعسل لتتوافق مع الذوق الأوروبي.

 

تضاعف جنون الغرب بالشرق، كما تؤكد مؤلفة الكتاب، بعد أن أيقظ أنطوان جالان الفتنة النائمة وترجم ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، وقام بأول دراسة غربية عن القهوة، وأدى ذلك إلى ما عرف بالولع الغربي بتركيا ومصر وبدأ ما عرف فيما بعد بالاستشراق، فراحت أميرات أوروبا يلبسن الثياب الشرقية ويشرب القهوة ويضطجعن على الأرائك ويدخن النرجيلة مثل محظيات الشرق.

 

أخذت النساء يفرطن في شرب القهوة والشيكولاته والشاي، وقيل إن الماركيزة دوكوبلين أنجبت طفلا أسمر من كثرة التهام الشيكولاته والقهوة، أما الملك لويس الرابع عشر فقد غير نظام حياته، فلم يعد يفطر نبيذا، وراح يحتسي القهوة التي كانت لا تزال غالية الثمن وحكرا على الطبقات الحاكمة والأرستقراطية.

 

أشهر المقاهي العالمية

 

مقهى أينشتاين: يعتبر من أهم الأماكن في برلين، ويقع في ?يلا كانت سابقاً موقعاً لكازينو, وقد تم تجديد مقهى أينشتاين علي طراز المقاهي التقليدية في ?يينا ليتم إعادة افتتاحه في عام 1996.

 

 

 
  مقهى اينشتاين    

 

مقهى دي فلوري باريس: تم افتتاحه عام 1890 , ويقع في منطقة فريدة من نوعها في حي سانت جيرمان المميز في باريس. منذ أوائل القرن العشرين, كان المقهى ملتقي الكتاب والمثقفين والرسامين الناشرين وصناع الأفلام. ومن الزائرين الذين اعتادوا التردد على المقهى ابولينبر, جون بول سارتر, سايمون دي بوفوار, جياكوميتي, هيمينجواي, وبيكاسو.

 

 

 
  دي فلوري    

 

مقهى بروكوب- باريس: يعتبر أقدم مقهى في باريس, ويقع في قلب الحي اللاتيني. وتم إنشاؤه عام 1686, ويقال أنه أقدم مقهى علي مستوي العالم. وعلى الرغم من بدايته الغامضة، إلا أنه تطور ليصبح ملتقى مثقفي القرن الثامن عشر, مثل فولتير وبينجامين فرانكلين وتوماس جيفرسون. وكان الكسندر فون همبولد وجورج ساند من أشهر المترددين على هذا المقهى في القرن التاسع عشر. وقد تم تجديد مقهى بروكوب عام 1989 علي طراز القرن الثامن عشر.

 

 

 
  مقهى بروكوب    

 

مقهى جريكو بروما: استحق هذا المقهى أن يكون مقراً لجوته، ?اجنر، ميندلسون، ستندال، ليزست، وكازانو?ا، إنه يقع على بعد خطوات من المدرجات الإسبانية، وتم افتتاحه في عام 1760. وعندما كان جوته يسافر عبر روما في عام 1786، اعتاد أن يستمتع بقهوته هناك، حيث كان الجو العام في مقهى جريكو يمثل إلهاماً كبيراً للكثيرين، ومن يومها وهو المكان المفضل للمبدعين.

 

 

 
  مقهى جريكو    

 

مقهى هافيلكا بفيينا: يعد واحداً من المقاهي التقليدية القليلة الباقية في وسط أوروبا. وقد اعتاد التردد عليه كثيرٌ من الكتاب والفنانين مثل فريدينشريخ هانديرتوازير، إيرنست فوخس، هيلموت كوالتينجر، أوسكار ويرنر، نيكولاس هارنونكورت، جورج دانزر، وأندريه هيلير. ويتمتع هذا المقهى بجو فني مميز، مما جعله مفضلاً لدى السياح وسكان المدينة على حدٍ سواء.

 

 

 
  مقهى هافيلكا    

 

مقهى سنترال بفيينا: تم افتتاحه عام 1860، وأصبح الموقع المفضل للقاء نخبة المفكرين في فيينا، ومنهم هوغو فون هوفمنستال، أنطون كو، وأدولف لوس. وحتى عام 1938 كان هذا المقهى يعرف باسم "مدرسة الشطرنج" لأن الكثيرين من لاعبي الشطرنج اعتادوا التردد عليه، ومنهم الثوري الروسي ليو تروتزكي. وبعد إعادة تجديد المقهى بالكامل في عام 1986، استمرت شهرته الكبيرة، وخاصةً لدى السياح الذين يزورون فيينا.

 

 

 
  مقهى سنترال    

 

مقهى نيويورك ببودابست: مع مطلع القرن العشرين، كانت بودابست تضم أكثر من 500 مقهى، وكان من بينها أقدم مقاهي العاصمة المجرية وهو مقهى نيويورك، ومثله كمثل غالبية تلك المقاهي، تعرض مقهى نيويورك للدمار أثناء الحرب العالمية الثانية، ولكن أعيد افتتاحه في مايو 2006 بنفس بهائه القديم ومع وجود شرفة خارجية رائعة، ومصابيح دائرية فريدة وأسقف مزينة باللوحات الجصية.

 

 

 

 
  مقهى نيويورك    

مقهى براغ: يقع في قبو مبنى مجلس النواب، ويعد تحفة رائعة. وهو على مقربة من عدد من المتاحف والمطاعم، فضلاً عن قاعة Smetana Hall، التي تم فيها إعلان الاستقلال في 28 أكتوبر 1918، وكذلك إعلان الدستور التشيكي.

 

 

 
  مقهى براغ    

 

مقهى سلافيا: منذ افتتاحه في عام 1863، يعتبر من أشهر المطاعم والمقاهي في العاصمة التشيكية براغ. يقع هذا المقهى أمام المسرح القومي، ولذا يشتهر بإقبال العاملين في حقل التمثيل ببراغ عليه، وكان يتردد عليه في الماضي أيضاً كبار الكتاب مثل فرانز كافكا، راينر ماريا ريلكه، والشاعر ياروسلاف سيفيرت، ومشاهير مؤلفي الموسيقى مثل سمتيانا ودفوراك.

 

 

مقهى هامبورغ: على الرغم من أن هامبورغ شهدت افتتاح أول مقاهيها في عام 1677(قبل ?يينا), إلا أن هذه المدينة التي تقع في شمال ألمانيا لم تشتهر بأهمية مقاهيها بها منذ ذلك الحين. ولكن افتتاح مقهى Literaturhausبها في عام 1989 جعلها تشتهر بوجوده كأحد المقاهي ذات الطراز الأصلي لوسط أوروبا، كما أنه يعتبر منتدىً لقراءات الكتاب من جميع أنحاء العالم. ولقد اشتهر هذا المقهى باسم "مقهى الفلاسفة"، حيث يقام به حوالي 90 احتفالية ثقافية في كل عام.

 

 

 
  مقهى هامبورج    


 

اجمالي القراءات 8540
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق