رقم ( 3 )
الفصل الأول : معنى العذاب والتعذيب

 

(المقال الأول )  : الأرضية التى يزدهر فيها التعذيب : تعذيب البشر للبشر 

أولا : لا كهنوت فى الدولة الاسلامية
1 ـ  حيث يسيطر الكهنوت الدينى تنعدم الحرية الدينية ، وتزدهر الحروب الدينية والمذهبية و المحاكمات الدينية والتخلص من المخالفين فى الدين وفى المذهب ب ( حدّ الردة ) و ( من بدل دينه فاقتلوه ) و ( الزندقة ) و ( التارك لدينه المخالف للجماعة ) و ( الهرطقة ) . الاسلام ضد هذا الكهنوت المسيطر والذى يغتصب سُلطة الله جل وعلا ويقيم محاكمة فى الدين قبل يوم الدين .
2 ـ  وفى الدولة الاسلامية الحقيقية لا إكراه فى الدين . والمواطنة فيها حسب الاسلام السلوكى الظاهرى بمعنى السلام ، وكل إنسان مسالم فهو مواطن فى الدولة الاسلامية ، يتمتع  فيها بحريته الدينية بلا قيود أو حدود ، ويمتع بالعدل وسائر حقوقه وبالمساواة مع الآخرين ، وكان هذا وضع المنافقين فى دولة النبى حيث مارسوا أقصى المتاح لهم فى المعارضة الدينية التى وصلت الى ايذاء النبى والسخرية بالقرآن الكريم والصّد عن سبيل الله وإقامة مسجد للتآمر ، ولا يتعرض لهم أحد سوى بالاعراض عنهم ، طالما لا يرفعون سلاحا.
3 ـ وخارج النفاق كان هناك صحابة مؤمنون بمعنى إلتزام الأمن مسلمون بمعنى إلتزام السلام ، أى مسالمون . وفى حياتهم الدينية كانوا يعكفون على تقديس القبور ( الأنصاب ) ويشربون الخمر ويلعبون الميسر ويحترفون اللعب بالأزلام ، أى الكشف عن الغيبيات . ولم يمنعهم الرسول لأنه لم يكن عليه سوى البلاغ . وكان هذا من أواخر ما نزل فى القرآن الكريم فى خطاب مباشر من رب العزة للمؤمنين المسالمين من الصحابة عُبّاد( الأنصاب ( القبور المقدسة ،قال لهم جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة ) .
4 ـ كان هذا فى دولة ليس دورها إدخال الناس للجنة ، لأن الهداية مسئولية شخصية ، ومن إهتدى فلنفسه ومن أساء فعليها :   ( يونس 109 ، الاسراء 15 ، النمل 92 ، الزمر 41 ،)،  ولأن، للدين ويوما هو يوم الدين الذى سيحكم الله جل وعلا بين الناس فيما هم فيه مختلفون ( الزمر 7 ،  46 )
5 ـ  هذه الحرية الدينية فى الدولة الاسلامية تمنع من الأساس وجود الكهنوت ، والنبى نفسه لم يكن كهنوتا فلم يأخذ من الناس أجرا ، ولم يكن مسئولا عن هداية أحد ، ، قال جل وعلا له : ( لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) (272) البقرة )أى من يشاء الهداية بمشيئته الشخصية يهده الله .  وقال له ربه جل وعلا  انه مجرد مبلّغ للرسالة وليس عليهم  بمسيطر ( الغاشية 21 : 26  )  وليس عليهم وكيلا موكلا مسئولا عنهم ( الأنعام 66 ، 107 ، يونس 108 ، الاسراء 54 ، الفرقان 43 ، الشورى 6   ) )، بل هو مأمور أن يقول لهم :  ( قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) الزمر  ) تركهم يعبدون ما يشاءون إنتظار للحكم الالهى عليه وعليهم يوم القيامة.وتكررهذا  فى سور :  (الانعام 135 ، هود 121 / 122 ) .)
6 ـ لم يحدث تعذيب فى دولة النبى محمد عليه السلام فى ظل هذه الحرية الدينية ، هذا مع أن النبى والمؤمنين معه تعرضوا لاضطهاد فى مكة . وكان الرّدُ فى دولة المدينة تسامحا لا مثيل له ، وحرية دينية لا نظير لها ، وبهذه الحرية دخل العرب فى دين الله أفواجا ، دخلوا فى الاسلام بمعنى السلام . ثم تغيرت الأمور وتبدلت .
ثانيا : لا إستبداد فى الدولة الاسلامية :
1 ـ الشورى في الدولة الاسلامية تعنى الديمقراطية المباشرة . ومن أُسُسها الاسلامية  الدينية :
 1 / 1   أن   الحاكم  يكون مساءلا أمام الشعب ، لأن الله جل وعلا وحده هو الذى لا يُسأل عما يفعل : ( لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) الأنبياء  )، وبالتالى فإن الحاكم المستبد الذى يستنكف من مُساءلة الشعب له إنما يرفع نفسه الى درجة الألوهية ، أى ينازع رب العزة جل وعلا فى ألوهيته .
1 / 2   والنبى كان مأمورا بالشورى ـ وهو النبى الذى يأتيه الوحى ، وبالتالى فإن من يستنكف من الشورى الاسلامية إنما يرفع نفسه فوق مستوى النبوة ـ أى يزعم لنفسه الألوهية . ولهذا فإن المستبد هو مُدّع للألوهية صراحة أو ضمنا .
2 ـ والدساتير الديمقراطية تجعل الأمة أو (  الناس ) هم مصدر السلطة ، وهى توكل بهذه السلطة هيئات تمثل الأمة ، وتكون مساءلة أمام من ينوب عن الأمة ومن يمثلها  . والشورى الاسلامية لم تعرف الديمقراطية النيابية أو التمثيلية ، بل هى الديمقراطية المباشرة ، وتعرضنا لتفصيلاتها فى كتاب منشور هنا .
3 ـ والنبى محمد عليه السلام حين كان قائدا لدولة المدينة كان يستمد سلطته ـ ليس من الله جل وعلا ـ ولكن من الناس ، ولذا أمره الله جل وعلا أن يكون لينا فى التعامل معهم ، وان يعفو عنهم ويستغفر لهم وأن يشاورهم فى الأمر لأنهم أصحاب الأمر ، ولأنه لو كان فظا غليظ القلب لانفضوا من حوله ، ولو إنفضوا من حوله فلن تكون له سُلطة ولن تكون حوله دولة ، لأنه بقوتهم وأجتماعهم حوله صارت له دولة وسلطة إستمدها منهم ، فهم مصدر السلطة . هذا مفهوم من قوله جل وعلا لخاتم النبيين :  ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران).
ثالثا : حاجة المستبد الى التعذيب
1 ـ النبى محمد عليه السلام كان مأمورا بأن يكون لينا ، ومنهيا أن يكون فظا غليظ القلب لأنه يستمد سلطته من الناس ، وهو نفس الحال مع الديمقراطيات الحديثة ، حيث يكون ممثلو السلطة خدما للشعب ، يتحببون اليه ليبقوا فى مناصبهم ، ثم هم تحت المساءلة ويتعرضون للعزل والمحاكمة والعقاب لو أخلّوا بالمسئولية ، وتكون التهمة هى الخيانة العظمى ، أى بقدر المسئولية .
2 ـ وعلى النقيض ، فالمستبد   فظ غليظ القلب  ، يستخدم جيشه وقواته المسلحة الأمنية والعسكرية فى قهر الشعب ، والتعذيب ضرورى لفرض سيطرته ، ليس فقط فى الانتقام ممّن يعارضه قولا أو فعلا ، ولكن ـ وهذا هو الأهم لأنه بالتعذيب يُرهب  ــ مقدما ــ من يفكّر فى المعارضة . المستبد يتشبث بالسلطة لأنها بالنسبة له مسألة وجود ، حياته أو موته . إما أن يظل حيا فى عرشه ، وإما أن يفقد حياته وعرشه وأمنه . لكى يشعر بالأمن  ( الظاهرى ) لا بد أن يكون التعذيب روتينيا و عشوائيا ، ولا بد أن تصل أنباء التعذيب وصرخات المعذبين الى الشعب . وهو يرى أن تعذيب عشرات الألوف يكفيه لارهاب عشرات الملايين . وبالتعذيب يظن نفسه قد أسكت الناس وأخرسهم .
3 ـ ولكى يمارس التعذيب آمنا ، ولكى يستمر فى إستبداده فلا بد له من كهنوت دينى يسبح بحمده ويتعيش من فُتات مائدته العامرة بالسُّحت . وأعوانه من الكهنوت الدينى  لا بد أن يستمدوا منه النفوذ . والكهنوت الدينى هو الأكثر تأثيرا فى الأغلبية ،وأكثرهم من  العوام . وهذه الأغلبية بجهلها تقع أسيرة لرجال الكهنوت . طاعة الأغلبية للكهنوت هى طاعة للمستبد ، لذا يحرص المستبد  على كهنوته الدينى ويسارع الى معاقبة من يجرؤ على مناقشة كهنوته الدينى ، ليظل الناس فى جهل دينى ، فبالجهل الدينة بالذات يكون الشعب مطية للمستبد ، خانعا له ، يتغنى بمواويل الصبر .  
4 ـ الاسلام هو أكبر خطر على المستبد ، بشهادته أنه ( لا إله إلا الله)  وعدم تقديس البشر وبشريعته الديمقراطية وبما جاء فى القرآن عن خاتم المرسلين فى دعوته وفى نظام حكمه. أخوف ما يخافه المستبد هو دعوة رب العزة جل وعلا فى كل الرسالات الالهية الى أن يقوم الناس بتحقيق العدل والقسط ، قال جل وعلا  : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) الحديد  ). لا يمكن أن يتحقق هذا إلا بالوعى بحقائق الاسلام . ولا يمكن أن يتنازل المستبد طواعية عن سلطانه ، أى لا بد من اللجوء الى الحديد والبأس الشديد .
5 ـ لذا فإن التحول الديمقراطى لا بد أن يبدأ بتقرير حرية الدين وما يتبعها من حرية الرأى والفكر والابداع . المستبد يركب الكهنوت الدينى ، وهذا الكهنوت الدينى يركب الشعب . وهذا الكهنوت الدينى جهل مركب لأنه مستمد من دين أرضى مبنى على الخرافات والأوهام التى لا تصمد أمام أى نقد ، وتحتاج الى سيف المستبد ليحميها من النقاش وليفرضها على الناس . بفتح نوافذ الحرية يسقط الكهنوت الذى يحتمى به والذى يركبه المستبد . بسقوط الكهنوت وبسقوط سيطرته على الاعلام وأفئدة الناس تسقط هيبته ، وينتهى الى زوال .
6 ـ وفى قيامنا بنشر الوعى بالاسلام نتعرض نحن أهل القرآن الى حرب مزدوجة من المستبد الشرقى ومن الكهنوت ، وهم مع إختلافاتهم بين سُنّة وشيعة يتّحدون ضدنا ، ويعملون ما فى وسعهم فى التعتيم علينا ، حتى فى أمريكا .
7 ـ أمريكا بلد الحرية ، وهى أيضا بلد الدولار و ( اللوبيات ) أى مراكز الضغط السياسى ، حيث يتحكم من له مال فى توجيه السياسة بقدر ماله من مال ، وبقدره يفوز على المنافسين ، وهذا فى سوق مكشوفة ومفتوحة لكل جماعات الضغط . ونحن فيها مثل ( الأيتام  على  مائدة اللئام ).!
والسعودية منبع الارهاب الوهابى هى التى تقدم نفسها لأمريكا مناضلة ضد الارهاب . ليس مهما أن يصدقها الشعب الأمريكى الذى لا يعلم كثيرا عما يجرى خارج امريكا ، المهم هو شراء أصحاب النفوذ . وهذا هو ما ينجح فيه اللوبى السعودى . ونحن ندفع الثمن تعتيما ، نظل نصرخ فى الهواء ، وأكثر ما نحصل عليه هو الرثاء .!!
 
 
 
 

المقال الثانى : معنى كلمة ( عذاب )

أولا : 

 مقدمة : كلمة ( تعذيب ) لم تأت فى القرآن ضمن مصطلح ( عذاب ) ومشتقاته . ونتتبع مفهوم ( عذاب ) قرآنيا . 
أولا : عذاب بمعنى الخسارة المالية والعينية : 
1 ـ ضرب الله جل وعلا مثلا لعاقبة البخل  بفتية يملكون حديقة ، وقد عزموا على منع المساكين حقوقهم من ثمر الحديقة ، فأحرقها الله جل وعلا :( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ (21) أَنْ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) القلم )، وسمّى الله جل وعلا إحراقها بأنه ( عذاب ) وقال عن عذاب الآخرة إنه (أكبر ) : ( كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33) القلم ). 
2 ـ هذا عذاب دنيوى ـ وسنتعرض لعذاب الدنيا بتفصيل قادم . وسنعرف أن هناك عذابا دنيويا يكون عقابا ، قد يتوب من يعانيه ، فلا يكون من المعذبين يوم الدين . وهؤلاء الفتية الذين بخلوا ثم رأوا حرق حديقتهم إعترفوا بالذنب ، والمفهوم من إعترافهم بالضلال والطغيان ثم التسبيح والدعاء أنهم تابوا. وقوله جل وعلا : ( كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)  (33) لا يعنى بالضرورة أنهم من أصحاب النار فى الآخرة ، لكنه يعنى أن عذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون. 
3 ـ وهو مثل لوعظ البخلاء ، والله جل وعلا توعد البخلاء بعذاب فى الدنيا، نفهمه من قوله جل وعلا للصحابة وللمؤمنين :  (  هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38) محمد ) ، وبعذاب أخروى إن لم يتب الباخلون ، قال جل وعلا  (   َلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)آل عمران ).  
ثانيا : العذاب بمعنى عقوبة الزنا 
1 ـ الجلد ـ وليس الرجم ـ هو لمن يثبت عليه أنه إرتكب الزنا من ذكر وانثى ، محصنا متزوجا أو غير محصن ، هذه العقوبة إن لم يتب توبة علنية . إن تاب أصبح وصفه ( تائبا ) ، من يصمم على الزنا يستحق لقب الزانى / الزانية . وعقوبة الجلد أن تكون علنية وعظا ، قال جل وعلا : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (2) النور ).
2 ـ ولقطع الطريق مقدما على أولياء الشيطان الذين إفتروا أن عقوبة الزنا هى الرجم  للمحصن والمحصنة ـ  جاء وصف العقوبة بالعذاب ـ وليس الموت والقتل. 
2 / 1  ـ فيما يخص ملك اليمين التى تكون عقوبتها نصف المحصنة الحرة أى خمسين جلدة : ( فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ )(النساء 25 ))  ) فعذاب المحصنات الحرائر 100 جلدة ، والمملوكة خمسون فقط . 
2 / 2 : وهناك تضعيف العقوبة لأزواج النبى لو إرتكبت إحداهن نفس الجريمة:( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ) ) الاحزاب 30 ) .)
2 / 3 : ،وقال جل وعلا عن الزوجة التى يتهمها زوجها بالزنا : ( وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ  إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ  ) (النور 8 ). ) هى زوجة محصنة وعقوبتها الجلد . 
3 ـ الجلد عذاب بعقوبة يمكن تضعيفها ويمكن تنصيفها ، ولكن القتل رجما ليس عذابا ولا يمكن تضعيفه أو تقسيمه . 
4 ـ عقوبة الجلد فى الزنا تتضمن تشهيرا(  وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (2) النور ). هذا التشهير يعنى الخزى والاهانة ، وهى عقوبة نفسية مضافة الى العقوبة الجسدية للجلد . 
ثالثا : العذاب الجسدى والعذاب النفسى ( الخزى ) فى الدنيا :
1 ـ الشعور بالخزى والعار عذاب مؤلم ، ويمكن أن نتعرف عليه من موقف النبى لوط  من قومه حين جاءوا الى بيته يريدون الفسق بضيوفه ، فقال لهم : (  واتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ ) (الحجر 69 ). ) وفى تفصيل أكثر: (  وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ  ) هود 78 ))
2 ـ وهناك عذاب الخزى وحده:
2 / 1 : وهو ينتظر رجال الكهنوت الذين يتحكمون فى المساجد ، وهم من أظلم الناس ، قال جل وعلا : (  وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) البقرة ) ، لهم خزى فى الدنيا وعذاب عظيم فى الآخرة . 
2/2  ـ أيضا ذلك الذى يجادل فى آيات الله ليضل الناس عن سبيل الله جل وعلا :  ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۖ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ )الحج 9 ))
3 ـ وهناك عذاب الخزى مع العذاب فى الدنيا فيما فعله فرعون ببنى اسرائيل ، فرعون عذّب بنى اسرائيل عذابا شديدا ، كان يقتل أبناءهم ويستحيى نساءهم ، أى جمع مع القتل الاهانة والخزى ، قال جل وعلا يصف هذا العذاب إجمالا(  وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ  ) الدخان 30 ))
4 ـ : وفى إهلاك الأمم السابقة إقترن عذابهم الجسدى بالاهلاك مع الخزى.
4 / 1 : قال جل وعلا عنهم جميعا : ( كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ  ) الزمر 26 ). ) سمّى الله جل وعلا إهلاكهم أو عذابهم بالخزى ، ثم ينتظرهم عذاب فى الآخرة أكبر . 
4 / 2 :    كان قوم نوح يسخرون منه وهو يصنع السفينة إنتظارا للطوفان القادم: ( وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ) وردّ عليهم نوح عليه السلام :( قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) هود 39 ). ) أى الطوفان قادم بعذابهم وإغراقهم وخزيهم ،ثم سيحل بهم عذاب مقيم بعده فى البرزخ . 
4 / 3 :    بعدهم قوم عاد الذين كفروا برسالة نبيهم هود عليه السلام . وعن إهلاك أو عذاب قوم عاد قال جل وعلا ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ  ) فصلت 16  ).  ) هنا عذاب مُسمّى بالخزى فى هذه الحياة الدنيا ، ثم عذاب الأخرة أخزى .
4 / 4  :   بعدهم قوم ثمود ، وقد كذبوا رسالة نبيهم صالح ، وكان إهلاكهم عذابا وخزيا ، قال جل وعلا :(  فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ۗ ) هود 66 ))
4 / 5  :   وفيما بعد تكرر نفس الحال فى قوم مدين مع نبيهم شعيب . قال لهم  شعيب عليه السلام: (  وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ ۖ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ  ) هود 93 ))
4 / 6 .   نجا من هذا الخزى أو الاهلاك أو العذاب قوم يونس الذين سارعوا بالايمان حين شاهدوا بوادر الاهلاك ، فكشف الله جل وعلا عنهم هذا الخزى والعذاب ، قال جل وعلا :  ( فَلوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ  ) يونس 98 ) )
5 ـ( الخزى )  كعقوبة نفسية نجدها فى عقوبة الارهابيين الذين يقتلون الأبرياء ويسلبون أموالهم ، ويقطعون الطريق ، مثل الدواعش وأمثالهم ، يقول جل وعلا : ( إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  ) المائدة 33  ). ) هنا عقوبة جسدية ( القتل والتقطيع ) وعقوبة نفسية( خزى )، وينتظرهم عذاب عظيم فى الآخرة .
رابعا : العذاب / الخزى مع عذاب الآخرة :
1 ـ يصف الله جل وعلا عذاب الكافرين يوم القيامة بأنه  مهين وأنه أليم :(  وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) البقرة )( وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) البقرة) ، أى هو مهين للنفس ـ أى خزى ، وهو أليم للجسد .!
2 ـ وعموما فإن كل من يدخل النار فهو فى خزى ، أخزاه الله جل وعلا ، وهذا هو ما يدعوه المؤمنون يقولون : ( ربَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ) ( رّبنا َوَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) آل عمران 192 ، 194  ) وقالها جل وعلا فى حكم عام أن الخلود فى جهنم يعنى الخزى العظيم (   أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ ) التوبة 63 ). ) قد يتندر بعضهم على هذا ، وسيكون جزاؤه الخزى العظيم فى عذاب يوم الدين . 
3 ـ خزيهم الأعظم حين لقاء الرحمن جل وعلا ، وهو جل وعلا الذى يخزيهم : ( ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ  ) النحل 27 ))
4 ـ ولهذا أمر الله جل وعلا رسوله أن يقول لقومه أن يظلوا على ماهم عليه وسيظل هو على ما هو عليه الى أن يأتى يوم القيامة ، وعندها سيعلمون من سيحل به عذاب يخزيه ويظل خالدا فيه : (  قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39)  مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ  ) الزمر 40 ).)
5 ـ وسينجو من هذا الخزى يوم القيامة النبى والمؤمنون التائبون ، الذين تحيط بهم أنوار الهداية رحمة من الرحمن جل وعلا . قال جل وعلا يدعو المؤمنين للتوبة النصوح :  (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) التحريم  8 ) )
 
 

المقال الثالث : ( ذوق العذاب )

  مقدمة 

1 ـ يتكون الانسان من نفس وجسد . تنتمى النفس الى عالم برزخى أتت منه فاحتلت الجنين الخاص بها فصار إنسانا ، ثم خرجت به طفلا ، وعاشت تسيطر على جسدها بمثل ما يسيطر السائق على سيارته ، ترتاح النفس من سجن الجسد فتعود لبرزخها يوميا بالنوم ، ثم حين يأتى أجلها تغادر جسدها نهائيا بالموت ، عائدة الى برزخها الذى أتت منه .
2 ـ ( حواس ) الجسد تتجمع نهاياتها فى جزء أعلى من الجسد هو ( المخ ) ، وهو قاعة التحكم للنفس . والنفس هى التى ( تُحسُّ ) بما يصل اليها من مشاعر اللذة أو الألم ، والسعادة أو الحزن . 
3 ـ ولآن النفس أكبر وأعمق من سجنها الجسدى فهى تتحرر منه منطلقة فى التصور وفى التفكير وفى أحلام اليقظة . ولأنها أكبر وعمق من جسدها فإن أحاسيسها بالمتعة أو بالعذاب لا يستطيع اللسان البشرى التعبير عنها . لذا فهناك فجوة هائلة بين الاحساس النفسى وبين المقدرة على وصفه بدقة . الانسان يحسُّ باللذة الجنسية ، ولكن لا يمكنه وصفها وصفا علميا دقيقا . هناك أنواع مختلفة من الألم ، ألم الصداع مختلف عن التهاب المفاصل عن قُرحة المعدة عن حصوات  الكلى ..الخ . ولكن من الصعب التفريق بينها بدقة تساوى درجة الاحساس بها وبما يميّز بينها . يعرف الانسان الفرق بين طعم البطاطس والكوسة والقلقاس ، كما يعرف الفرق بين طعم التفاح والكمثرى ، والفرق بين اللوبيا والفاصوليا وبقية البقوليات . هى أنواع متقاربة فى الشكل وربما فى الطعم ، ولكن هناك فروقا بينها تميزها النفس ولا تستطيع وصفها بسبب عجز جسدها عن التعبير. 
4 ـ من ضعف الجسد أن له طاقة محدودة فى تحمل الألم ، إذا تعداها غابت عنه النفس بالغيبوبة ، ولم يعد يحس بالألم . وإذا أوصل المرض أو الجُرح الى الجسد الى الموت فإن الجسد أيضا يفقد الاحساس بالألم ، ويدخل فى غيبوبة الموت . نفس الحال فى الاحساس باللذة . هناك أيضا حد أقصى للشعور باللذة ، لا يستطيع الجسد تجاوزها ، عند هذا الحد تفقد النفس الاحساس باللذة ، وإذا حاول الانسان تعدى هذا أوقع نفسه فى الألم وفى تدمير نفسه . يختلف الحال حين تتحرر النفس من هذا الجسد الهالك المتهالك ، فتكون فى الآخرة قابلة للإحساس بالعذاب بلا حد أقصى ـ لو كانت فى النار ، كما تتمتع بالنعيم بلا حد أقصى إذا كانت فى الجنة . 
5 ـ التعذيب أو  ( العذاب )  شىء نعرفه بالاحساس ، سواء كان عذابا جسديا أو نفسيا بالخزى والاهانة .  بدون الاحساس لا يوجد تعذيب . وبدون الاحساس لا توجد اللذة. 
6 ـ المصطلح القرآنى هنا هو (ذاق ) ومشتقاته. ونعطى بعض التفصيل:
أولا : ( ذاق )  ليس لنعيم الجنة 
لا يأتى مصطلح( ذاق ) مطلقا فى وصف نعيم الجنة . هو يأتى فى وصف عذاب النار . هذا يعنى أن نعيم الجنة لا يمكن وصف تذوقه ، هو فوق ما نتصور ، هو كما قال رب العزة جل وعلا  : ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) (17) السجدة)، لذا يأتى التعبير عنه بالاسلوب المجازى التشبيهى وليس الحقيقى كما جاء فى الآية 15 من سورة ( محمد  )  . أما عذاب الآخرة فيأتى بتفصيلات حقيقية مفهومة يمكن تخيلها ، وهى مصحوبة أحيانا بمصطلح ( ذاق ) 
ثانيا :  (  ذاق ) فى الدنيا : لذة وعذابا 
مصطلح ( ذاق ) يأتى فيما يخص الدنيا عن تذوق النعمة وأيضا تذوق النقمة ، أى عن تذوق اللذة وتذوق الألم . ونعطى أمثلة :
1 ـ فى تذوق النعمة :(   وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ  ) (46) الروم ). 
 
2 ـ فى تذوق العذاب : عذاب الدنيا  :  
 2/ 1 : فى التشريع العقابى : الذى يقتل الصيد فى الحرم متعمدا عليه تقديم هدى من الانعام مماثل للصيد الذى قتله أو ما يعدله منصيام أو صدقة ليذوق عقابه، قال جل وعلا : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ) (95) المائدة )
2 / 2 : ذوق العذاب فى الاهلاك الكلى :جاء قصص موجز عن إهلاك الأمم السابقة فى سورة ( القمر ) وكان التعليق يتكرر بقوله جل وعلا لهم : ( فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ).
 وفى تفصيل عن إهلاك قوم ( عاد ) قال جل وعلا :  (  فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (16)  فصلت ). ظلوا يذوقون عذابا مهينا تحت قصف الريح تحملهم وتهوى مدة اسبوع .  
2 / 3 ـ انتهى الاهلاك العام لقوم بعينهم ، وبدأ عصر التعذيب بالاهلاك الجزئى  ، وقبل الفتنة الكبرى بين الخليفة ( على بن أبى طالب )  وخصومه جاء النبأ بها مقدما فى قوله جل وعلا : ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ  )(65)  الانعام ). ولأن المحمديين حولوا مجرمى الخلفاء الى آلهة فلا يزالون يسيرون فى نفق الفتنة الكبرى حتى الان ، يقتتلون شيعا واحزابا ، ( يذيق)  بعضهم بأس بعض .!
2 / 4 :وقد توعّد رب العزة من ينوى الالحاد والظلم فى البيت الحرام بعذاب أليم ، مفهوم أنه الدنيا قبل ألاخرة ، قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) الحج ) .هذا عن مجرد النية فقط ، فكيف بالعدوان والحرب داخل الحرم ؟ وقد وقع ذلك كثيرا فى تاريخ العرب   .!
2 / 5 : وقد حذّر رب العزة المؤمنين من استغلال الدين فى التجارة بيعا وشراءا ، قال جل وعلا: ( وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) النحل ) . والآن يخلط المحمديون الدين بالسياسة ، ولنا كتاب منشور حلقاته هنا بعنوان ( تحذير المحمديين من خلط السياسة بالدين )..
2 / 6 : وعموما عندما يسود الفساد فى دولة ما فإن أهلها يدفعون الثمن ، يذوقون التلوث والفتن والاضطرابات ، قال جل وعلا :(  ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)  الروم ) 
3 ـ فى تذوق الرحمة وتذوق العذاب والنقمة :
3 / 1 : عادة الانسان غير المؤمن أنه هلوع عندما يذيقه الله جل وعلا مصيبة ، فيقع فى اليأس ، فإذا أذاقه الله جل وعلا نعمة إغتر وكفر بالنعمة وأنكر الآخرة ، وتكرر وصف هذا فى القرآن الكريم . قال جل وعلا(  لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51) فصلت  ). ( وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) الروم ) ( وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ (48)  الشورى )( وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلْ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) يونس )
3 / 2 : لا يفعل هذا المؤمنون الصابرون الصالحون ، قال جل وعلا:  (  وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) هود ) 
ثالثا :  (  ذاق) فى الموت :
1 ـ قبل أن نأتى الى هذه الحياة الدنيا كانت أنفسنا ميتة فى البرزخ ، ثم أحياها الله جل وعلا بجسد تعيش فيه وتتحرك به فى هذه الكرة الأرضية ، ثم تموت تاركة جسدها تعود للبرزخ ، ثم يكون البعث بحياة أخرى أبدية فى الجنة أو النار . أى نحن كنا أمواتا فأحيانا رب العزة جل وعلا ، ثم يميتنا ، ثم تكون الحياة الأبدية ، قال جل وعلا(  كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) البقرة).  نحن لا نتذكر وقت موتنا فى البرزخ ، لأننا لم نذقه . لكى نذوق الموت لا بد أن نكون احياء ثم نحسُّ بالموت أو نذوق الموت . لذا فالموت فى هذه الحياة الدنيا هو فقط الذى نشعر به ونذوقه ، ويكون بالنسبة لتذوقنا إياه أنه الموتة الأولى . وهذا مفهوم من قوله جل وعلا: ( لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى )(56) الدخان ). 
2 ـ عند الموت يكون الفرد إما صالحا من أولياء الله جل وعلا أو يكون فاسقا من أولياء الشيطان . ولا توسط هنا . المتقون تتلقاهم الملائكة بالتحية وتبشرهم بالجنة وأنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . ، كما جاء فى : (  يونس 62 : 64 ،  فصلت 30 : 32 النحل    32  الاحقاف13 ) أما أولياء الشيطان فتتلقاهم الملائكة بالصفع والركل ، ليس لأجسادهم بل لأنفسهم ، فالنفس كائن برزخى يحمل ملامح الجسد الذى كان يحتله ، قال جل وعلا :ـ(  فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) محمد) ، وعن تذوقهم هذا العذاب قال جل وعلا  (  وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) الانفال ) 
رابعا ( ذاق ) فى عذاب الآخرة 
1 ـ عن تذوق الجن للعذاب فى الآخرة قال جل وعلا :  (  وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12)  سبأ ) .أما الكافرون  من البشر فقد تنوع الحديث القرآنى عن تذوقهم العذاب . 
2 ـ أحيانا يوصف بأنه عذاب كبير للظالمين ( وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً (19) الفرقان )
3 ـ أو أنه عذاب شديد لأعداء القرآن الكريم :(  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) فصلت ). 
ومثله قوله جل وعلا عن أصحاب الأحاديث الضالة : (  قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (69) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمْ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70) يونس )( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (10)  الحج ). 
وسيقال لرجال الكهنوت الذين يكنزون الأموال السحت تقريعا وتأنيبا : ( هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُون ). وقال جل وعلا :  (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35) التوبة)
وهناك معاملة خاصة مع أئمة الضلال فى النار ، إذ مع إستمرار تعذيبه يتم تذكيره بسخرية، يقال له : (  ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ  ) قال جل وعلا فى وصف عذاب وإهانته :  (  إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) الدخان ) . وأئمة الأديان الأرضية عليهم أن يتذكروا جيدا هذه الآيات الكريمة ــ ليتوبوا قبل فوات الأوان 
4 ـ وعموما سيقال لهم أن يذوقوا العذاب على سبيل التقريع والاهانة والتحقير ، وتكرر هذا كثيرا فى القرآن الكريم فى مواقف متعددة وبخطابات متنوعة ، منها :  ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) آل عمران)( وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (30 ) الانعام) ( وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (35) الانفال )( فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (39) الاعراف )( وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) آل عمران )( ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52) يونس )( ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ(14) الانفال ) ( فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) السجدة ) ( فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42) سبأ ) (   وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) الزمر )  ( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) الاحقاف ) ( هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) ص ) 
5 ـ وسيقال لهم هذا مع خلودهم فى النار ، كلما نضجت جلودهم نبتت جلود غيرها   ليذوقوا العذاب . قال جل وعلا  : (  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56) النساء ) ، كلما أرادوا الهروب اُجبروا على العودة حتى يذوقوا العذاب ، قال جل وعلا (  وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمْ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) السجدة )، وفى شرح لهذا قال جل وعلا :( هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) الحج ). الحريق فى هذه الدنيا يتم إطفاؤه ، ويستريح المحترق بالموت ، ولكن حريق السعير خالد ولا خروج منه ولا تخفيف فيه .!
6 ـ وسيقال لهم هذا والعذاب يكتنفهم محيط بهم : (  وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55) العنكبوت  ).
 7 ـ وسيقال لهم هذا وهم يصطرخون فى العذاب يرجون الخروج بلا فائدة :  (  وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) فاطر ). وسيقال لهم هذا وهم يطلبون التخفيف فتأتيهم الاجابة : (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً (30) النبأ )
8 ـ وسيقال لهم هذا وهم يُسحبون فى النار على وجوههم :  (  إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) القمر)
 

المقال الرابع :  

 وصف العذاب : 
مقدمة : 
1 ـ النفس هى التى تتذوق العذاب ، أو التى تحس بالعذاب ، إذا غابت عن جسدها بالاغماء أو بالتخدير لم تشعر بالعذاب ، فجسدها الضعيف هو وسيلة إتصالها بالعالم المادى ومؤثراته من خلال الحواس من السمع والبصر واللمس والجلد .
2 ـ يختلف الحال فى الآخرة . فهى بنفسها بدون ذلك الجسد الفانى . أصبح لها جسد آخر خالد لا نهائى ، ترتديه ، هو عملها الذى تأتى يوم القيامة تحمله على ظهرها . إذا كان عملا صالحا يصبح نورا فى البعث ، وتدخل به الجنة تتمتع بهذا العمل الصالح . إذا كان عملا سيئا تحول الى نار خالدة تشتعل فيها، ويستمر تعذيبها به فى جهنم . 
3 ـ وبهذا فنحن الذين نختار مستقبلنا يوم القيامة ، من يشأ ويقرر دخول الجنة ويعمل لها عملها الصالح وهو مؤمن ، سيدخل الجنة ، لأن الله جل وعلا وعد بهذا ، وهو جل وعلا لا يخلف الوعد ولا يخلف الميعاد . وإذا نسى وغفل وشاء الدنيا وعصى وظلم فإن السيئات التى يرتكبها ستكون عذابه يوم القيامة ، وسيكون حطبا ووقودا للنار .
4 ـ  وفى الحالتين ، فأصحاب الجنة يتنعمون بعملهم الصالح الذى كان فى الدنيا ، لهم فيها حسنة:, (  قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ  ) (10) الزمر )، وسيقال لهم وهم فى الجنة ( وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43) الاعراف ). 
والعصاة يلقون عذابا فى الدنيا ثم فى الآخرة ، قال جل وعلا عن عذابهم فى الدنيا والآخرة : ( لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا  وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ ۖ وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ )(الرعد 34 )(  )( وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) السجدة 21 )
وكما يتنعم أصحاب الجنة بعملهم الصالح فى الدنيا يتعذب المجرمون فى جهنم بما كانوا فى الدنيا يعملون، وسيقال لهم هذا :  (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (90) النمل ) .هو نفس الحال للجميع ، كل فرد يتنعم بعمله الصالح أو يتعذب بإجرامه فى الدنيا ، وسيقال للجميع :  ( فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (54) يس )، وهذا طبقا لكتاب الأعمال الذى يتم فيه تدوين وكتابة ونسخ كل أفعالنا وأقوالنا فى هذه الدنيا ، يقول جل وعلا عن الأمم يوم القيامة : ( وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29) الجاثية )..
5 ــ وبالتالى فلا يظلم ربك أحدا .أصحاب النار ما ظلمهم الله جل وعلا ولكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم :  (   إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمْ الظَّالِمِينَ (76)  الزخرف )، ونفس الحال مع من عذبهم الله جل وعلا فى الدنيا بالاهلاك من الأمم السابقة ، قال جل وعلا عنهم :( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ )(101) هود ).
6 ـ هذه مقدمة تمهد للوصف القرآنى للعذاب فى الدنيا وفى الآخرة . 
ونعطى بعض الأمثلة :
أولا : مجىء نفس الوصف للعذاب 
 يأتى وصف ( أليم) للعذاب ، وهو صيغة مبالغة من الألم . 
1 / 1 : يأتى تهديدا للمؤمنين بعذاب أليم لو تقاعسوا عن القتال الدفاعى( إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) التوبة 39 ))، أو تقاعسوا عن حضور مجالس الشورى :  (  لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا  قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا ۚ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النور 63 )).
1 / 2 : يأتى وصفا لعذاب الله جل وعلا للكافرين فى الدنيا.
عن إهلاك قوم عاد قال جل وعلا ( بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ )الاحقاف 24 )، ) وصالح عليه السلام حذّر قومه من عقر الناقة قائلا:  ( وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) الاعراف ).
1 / 3 : ويأتى وصفا لعذابه للكافرين والمنافقين فى الآخرة : ( وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) البقرة ) ( بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (138) النساء)  
1 / 4 : ويأتى وصفا للعذاب فى الدنيا والآخرة معا . توعّد رب العزة أولئك الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى مجتمع المؤمنين  بعذاب أليم فى الدنيا والآخرة : ( إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) ) النور)  19 ))، وقال عن المنافقين :  (  فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ ۖ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) ) التوبة 74 )). 
2 ـ ويأنى وصفا لتعذيب الكافرين للمؤمنين فى الدنيا، وقد قال أهل القرية لرسل ثلاثة :  ( قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ  ) يس 18 ) . ) وقالت زوجة العزيز لزوجها عن يوسف :  (  مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  ) يوسف 25 ))
 3 ـ ويأتى وصف (مهين ) مرادفا لوصف ( أليم) ، ففى سورة البقرة ( وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) ( (104 ) دلالة على إقتران العذاب الجسدى بعذاب نفسى هو الخزى .
  ويأتى وصف ( عظيم ) مرادفا لوصف (أليم )
1 ـ  فى عذاب الكافرين فى الآخرة  :  (  خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)  البقرة ) ( ولا تكونوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) آل عمران ) ( وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176)  آل عمران).   
2 ـ وفى الدنيا ، تهديدا للصحابة بعد موقعة بدر :  (  لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  الانفال 68 ) ).
3 ـ وفى وصف عذاب الاهلاك للأمم السابقة :  ( وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ   ) الشعراء 156 ) ( ) ( فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) الشعراء 189 ) )
ونفس الحال مع وصف ( شديد) .
1 ـ  يأتى وصفا لعذاب دنيوى يلحق بالعصاة المترفين حين يتحكمون فى قرية أى مجتمع أو دولة :  (  وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا )  58 ) الاسراء ). 
2 ـ وللجيل الأخير من البشر والذى يشهد قيام الساعة وتدمير العالم : ( يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَاللَّهِ شَدِيدٌ ) الحج 2  ).
3 ـ وللكافرين فى الدنيا عذاب ، حدث مثله مرتين لقريش ، فى مرة كان أشد من السابقة :  ( وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ  حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ) المؤمنون 76 : 77 ) )
4 ـ وللكافرين فى اليوم الآخر :  (  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) آل عمران ).
5 ـ ويأتى وصفا لعذاب الكافرين فى الدنيا والآخرة : ( فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) آل عمران ). 
ثانيا : الفروق فى توصيف العذاب :
إحساس النفس بالألم يصل الى نهايته فى الدنيا عبر جسده المادى ، وأيضا يصل الى نهايته فى الآخرة بلا جسد مادى . ولهذا كان الاشتراك فى وصف العذاب بأنه أليم وشديد وعظيم . ولكن هناك فارقا  بين درجة الألم فى الدنيا والألم فى الآخرة ، وهناك أيضا فارق فى المدة ، فبينما هو وقت ضئيل فى الدنيا بعده تغيب النفس عن تذوقه والاحساس به وتدخل فى إغماءة تعود فيها الى موطنها الأصلى فى البرزخ فإن هذه النفس تتحمل عذابا أشد فى الدرجة بلا نوم وبلا إغماء ، وبلا نهاية ، بل فى خلود أبدى . 
إن عذاب الآخرة أشد وأشقّ وأكبر من عذاب الدنيا . قال جل وعلا  فى المقارنة بينهما :  ( لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ ۖ وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ ) (الرعد 34 ) ( وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )  (21 )  السجدة) .   ونعطى أمثلة إضافية :
1 ـ فى الكهنوت المتحكم الذى يمنع المؤمنين من مساجد الله قال جل وعلا :  (  وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) البقرة  ) .وصف عذابهم فى الآخرة بأنه عظيم يفيد أنه أكبر من الخزى الذى يلحق بهم فى الدنيا .
2 ـ عن الذين يسارعون فى الكفر بعد الايمان ، لم يقل رب العزة بقتلهم بما إخترعه أئمة المحمديين ( حد الردة )،  وإنما امرهم متروك للرحمن جل وعلا القائل عنهم للرسول :  (  يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) المائدة ). 
3 ـ و عقوبة ( الارهابيين ) هائلة ، وهم الذين يقطعون الطريق ويعتدون على الآمنين الأبرياء وهى تتنوع حسب الجريمة  من القتل والصلب والتقطيع، وهى  مجرد خزى فى الدنيا ، وينتظرهم فى الآخرة ما هو أفظع وأعظم ، قال جل وعلا :  (  إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(  المائدة 33  ).)
4 ـ  وهو نفس الحال مع أقرانهم من أهل الكتاب الذين توعدهم رب العزة بالخزى فى الدنيا وأشد العذاب فى الآخرة :  (  إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ )(85) البقرة).  
5 ـ  مثلهم المسرفون المكذبون لكتاب الله من متبعى الأحاديث الضالة ، قال جل وعلا عنهم (  وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ  وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ  ) طه 127 )  ) ، لهم عذاب فى الدنيا ، ولكن عذاب الآخرة أشد من حيث درجة الألم ، وهو خالد وأبقى . 
6 ـ الأشد عذابا هم أولئك الصحابة الذين مردوا على النفاق من أهل المدينة ، وعاشوا قريبين من النبى وكتموا نفاقهم حتى لا يفضحهم القرآن الكريم وإلتزموا الطاعة والولاء فلم يعرف النبى حقيقتهم ، ثم بعد موته أصبحوا هم الخلفاء أصحاب الفتوحات والفتنة الكبرى . هؤلاء توعدهم رب العزة بعذاب دنيوى مرتين ، ثم بعذاب عظيم فى الآخرة ، قال جل وعلا :   ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ  ) التوبة 101 ). ) . وبالتالى فهم لم يتوبوا بل عاشوا بعد النبى فى فسادهم وعصيانهم الى أن ماتوا به فاستحقوا العذاب العظيم يوم الدين .
أخيرا 
فى كل الأحوال يقول رب العزة إنه مستغن عن عذاب الناس . لو آمنوا وشكروا ربهم فلا حاجة لتعذيبهم :  (  مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ) النساء 147 ) أى إن شكرتم وآمنتم فالله جل وعلا هو الشكور العليم . 
 
 
 

المقال الخامس :

 الفرق بين الابتلاء والتعذيب
نوجز الفروق بينهما فى الآتى :
أولا: التعذيب هو إنتقام الاهى  فى الدنيا والآخرة يلحق بالكافرين فقط ، ونعطى أمثلة : 
1 ـ  تدمير الأمم السابقة ، قال جل وعلا :  (   وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنْ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) الروم ) ، هذا وصف لهم بالاجرام ، أى إستحقوا إنتقام الله جل وعلا بإهلاكهم وتعذيبهم بسبب إجرامهم ، بينما أنجى الله جل وعلا المؤمنين من بينهم . وقال جل وعلا  أيضا عن الأمم السابقة ومترفيها :  ( فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) الزخرف )، ومنهم فرعون وقومه، قال عنهم جل وعلا : (( فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) الاعراف ) ( فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) الزخرف )، وأصحاب الأيكة : ( وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79) الحجر ).
2 ـ عذاب جزئى لقريش ، تمثل فى انتقام الاهى حلّ بهم مرتين : الأولى بعد أن أخرجوا النبى من مكة ، قال جل وعلا لخاتم النبيين : (  فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) الزخرف  )،  وقال جل وعلا عن عذابهم الأول فى حياة النبى محمد عليه السلام :( بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمْ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) الدخان  ). وقال جل وعلا عن العذاب الآخر الذى حلّ بهم بعد موت النبى وهو الفتنة الكبرى ، والتى عادوا بها للكفر فإستحقوا البطشة الكبرى :  (  إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ (16) الدخان ).
3 ـ وهذا الانتقام الالهى مستمر بالتعذيب يحلُّ بمن:
3 / 1 : يعرض عن القرآن الكريم ، قال جل وعلا :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ (22)السجدة ).
3 / 2 : الذين يتعمدون إنتهاك حُرمة المسجد الحرام بقتل الصيد ، قال جل وعلا :(  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (95) المائدة )، وهو عذاب يلحق بمن يريد ــ مجرد إرادة ـ الالحاد والظلم فى الحرم ، قال جل وعلا :  ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) الحج ) 
4 ـ هذا عدا الانتقام الالهى فى الآخرة ، قال جل وعلا : (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) آل عمران )( فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) ابراهيم  ).
ثانيا : الابتلاء هو للبشر جميعا : 
1 ــ بينما يكون عذاب الله جل وعلا إنتقاما من الكافرين فقط فإن الابتلاء يكون  للبشر جميعا ، قال جل وعلا عن الابتلاء لجميع البشر وأنه لتمييز الصالح من العاصى منهم :: ( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7) الكهف )
2 ـ مصطلح( الانسان ) فى القرآن هو للبشر الكفور ، وهو يرسب فى إختبار الابتلاء ، إذا إبتلاه الله جل وعلا بالنعمة إغترّ وإذا أبتلاه بالنقمة ضلّ ، قال جل وعلا :  ( فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) الفجر )
3 ـ والابتلاء يلاحق الفاسقين ، قال جل وعلا عن اهل قرية اسرائيلية ساحلية إعتدت فى ( السبت : (( وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) الاعراف )
4 ـ وليس الدخول فى الايمان بعاصم من الابتلاء ، بل لا بد من الوقوع فى الابتلاء لتتبين حقيقة الايمان ، هل هو صادق أم كاذب ، قال جل وعلا :  ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) العنكبوت  ). 
وفى إختبار وإبتلاء المؤمنين يظهر زيف الايمان لدى بعضهم ، قال جل وعلا :   (  وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) الحج )
5 ـ والجهاد بالمال وبالنفس أكبر إختبار للمؤمنين ، به يظهر الصابرون المجاهدون الحقيقيون. عن الابتلاء الخاص للمؤمنين قال جل وعلا : (  وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) محمد )
ثالثا : العذاب الالهى ألم هائل ، أما الابتلاء فهو بالخير والشّر :
قال جل وعلا :  (  وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) الانبياء).
رابعا : العذاب الالهى ألم هائل أما الابتلاء بالشر فهو من رب العزة جل وعلا ، وهو  مجرد خسارة فى الأموال والأنفس مقابل أجر عظيم . 
وجاءت تفصيلات هذا فى قوله جل وعلا : ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِين (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157) البقرة) ، فالمقتول فى سبيل الله يفوز بأعظم أجر ، يكفى أنه لا يموت . وهناك الابتلاء بالخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات ، وكلها أنواع من الأذى والفائزون فى هذا الاختبار هم الصابرون الذين تتنزل عليهم رحمة الله جل وعلا وصلواته .
خامسا : الابتلاء هو أيضا ( أذى)يلحقه الكفار بالمؤمنين . 
1 ـ  قالت كل الرسل لأقوامهم  :( وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) ابراهيم) . أى صبروا على الأذى . 
وكان أذى كفار مكة للنبى محمد قوليا ، وكان يضيق صدره بأذاهم القولى فقال له ربه جل وعلا: (   وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) الحجر ) وكانت أقوالهم تصيبه بالحزن، فقال له ربه جل وعلا ليتأسى بالرسل السابقين فى الصبر على الأذى:  ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) الانعام ).
سادسا : وفى الجمع بين الاثنين :
1 ـ يقول جل وعلا :  ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186) آل عمران ) .هنا إبتلاء فى الأنفس والأموال من الله جل وعلا وأذى يسمعه المؤمنون من الكفار من العرب وأهل الكتاب. 
2 ـ ولو حدث قتال فسينتصر المؤمنون إن كانوا حقا مؤمنين ، ولن ينالهم من كفار أهل الكتاب إلا مجرد ( الأذى ) : ( لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمْ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111) آل عمران ).
3 ـ وعمّن نجح فى إختبار الابتلاء بالجهاد والهجرة والقتال فى سبيل الله جل وعلا وتحمل الأذى إبتغاء مرضاة الله جل وعلا ، يقول جل وعلا :  (  فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) آل عمران ).
خامسا : تحديد مفهوم الأذى بما يناقض مفهوم العذاب : 
1 ـ يأتى الأذى بمعنى الألم البسيط من حشرات الرأس :  ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ  (196) البقرة). 
2 ـ ووصفا للمحيض :  ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى)(222) البقرة ).
3 ـ  ووصفا للمنّ ب ( الصدقة ) : ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنّاً وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى) (264) البقرة ).
4 ـ ووصفا للتأذى بنزول المطر :  (  وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ) (102) النساء).
5 ـ  وصف عقوبة الزنا بالعذاب  (وهو 100 جلدة ) وليس بالرجم .  قال جل وعلا :  ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (2) النور)، أما عقوبة الشذوذ فهى مجرد التوبيخ والأذى القولى ، قال جل وعلا :  ( وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَحِيماً (16) النساء ) 
أخيرا :
1 ـ العذاب الالهى هو إنتقام بألم هائل يوقعه رب العزة بالكافرين  المعتدين البُغاةُ  فقط  بما كسبت أيديهم ، وهو يحدث فى الآخرة ، كما يحدث فى الدنيا . وهو قد ينتهى بالموت والتدمير الكلى كما حدث فى الأمم السابقة ، وقد يكون إهلاكا جزئيا للكافرين بعد نزول القرآن الكريم . وقد ينتج عنه موت ، وقد يكون للتحذير والوعظ  حتى ينجو من عذاب الآخرة ، قال جل وعلا : (  وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) السجدة  )
2 ـ أما الابتلاء فهو إختبار بالخير وبالشر للبشر جميعا ، وإختبار الشّر فيه ليس بألم هائل ولكن بأقل ، وبكونه ) إذى) أوقعه الكفار بالمؤمنين . وبهذا الابتلاء يتبين المؤمن من الكافر ، كما يتبين المؤمن الصادق الصابر المجاهد من المؤمن المزيف الذى يعبد الله جل وعلا على حرف .
3 ـ يتفق العذاب والابتلاء فى أنهما يحدثان مباشرة من الله جل وعلا ، وقد يحدثان بتدخل بشرى .  
كتاب العذاب والتعذيب : رؤية قرآنية
كتاب العذاب والتعذيب : رؤية قرآنية
هذا الكتاب تم نشره مقالات ، وننشرها الآن فى هذا الكتاب عن العذاب والتعذيب فى رؤية قرآنية ، عن عذاب الله جل وعلا للمستحقين له فى الدنيا ثم فى الآخرة. ثم فصل عن التعذيب فى مصر الفرعونية.
more