رقم ( 7 )
الباب الرابع : دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قوة الدولة الاسلامية

الباب الرابع : دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قوة الدولة الاسلامية

 

الفصل الأول: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و طبيعة الدولة (إسلامية أو إستبدادية(

 

 أولاً:

1 ـ الدولة إختراع بشري أقيم لتنظيم شئون المجتمع وحمايته والدفاع عنه. وتنقسم الدول إلى نوعين حسب المستفيد، هل هو الشعب بكل أفراده أم المستبد بجنده وأعوانه. أي لدينا نوعان: دولة يقيمها زعيم عصابة لصالحه ودولة يقيمها أفراد المجتمع نفسه لصالح الشعب.

 

2 ـ دولة زعيم العصابة وقطاع الطرق تعني أن عصابة ما تتكون من زعيم وقادته ومعه جنده وأتباعه يسيطرون على مجتمع ما، إما أن يكونوا من داخل المجتمع أو جاءوا غزاة له وتحكموا فيه. هذه العصابة تحمي المجتمع وترعاه من منافسين لهم، إمّا غزو لصوص آخرين من الخارج، أو من لصوص آخرين من الداخل. يقوم زعيم العصابة الحاكمة بتنمية موارد الأرض وببعض العناية بالمجتمع شأن من يملك مزرعة وحيواناتها، ولا بد له من رعاية المزرعة وحيواناتها ليزداد دخله. زعيم العصابة قد ينشىء الطرق ويقيم الجسور وينشىء المدن ويشق الترع ويرفع العمائر وعليها إسمه، ويقوم بتسخير أفرد الشعب فيما يفعل، وهو في كل ما يفعل إنما ليزيد موارده ويعظم ثروته ويرفع إسمه وشهرته.  وهو في كل ما يفعل يؤمن أنه يملك الأرض ومن عليها من بشر وحيوانات ومزارع وعقارات. هذه هي دولة المستبد البدائي .

 

3 ـ التطور البشري أجبر المستبد على إجراء بعض التعديل والتعليل والتبرير ليقنع شعبه بقبول الإستبداد، وليأمن ما استطاع  تمرد المنافسين، فأصبح زعيم العصابة يتحجج بالدين فيقيم دولة دينية يزعم أنه هو الممثل لرب العزة جل وعلا والمختار من لدنه لحكم المجتمع، وبالتالي فإن أي إهانة له فهي إهانة للدين فقد تقمّص هو وأتباعه الدين، ومن ينتقده فهو كافر يستحق القتل ودخول جهنم وبئس المصير. وقد يتستر زعيم العصابة بالقومية، فيزعم أن أفراد المجتمع كلهم متميزون عن بقية الخلق، وهو يمثلهم ولا بد أن ينصهروا فيه طاعة له، ومن ينتقده فهو خائن للقوم. وقد يزعم (الزعيم) أنه ممثل الوطن، وان الوطن قد حلّ به وأنه إتحد بالوطن، ومن ينتقده فهو خائن للوطن .

4 ـ تحررت أوروبا والغرب وأقامت دساتير تحفظ الحقوق، وعلى أساسها قامت دولة القانون بديلا عن دولة الفرد المستبد، ونشأت ديمقراطيات نيابية بانتخابات ومجالس تمثل الشعب ونواب يتحدثون باسمه، وسلطة تنفيذية تراقبها السلطتان التشريعية والقضائية واعلام حر يتابع ويفضح ويناقش. وبدأت شعوب الشرق التعس تتطلّع وتتحسّر وتحلم وتتحرّك وتستنكف فاضطر المستبد الشرقي لاخفاء عورة استبداده ببعض الديكور الديمقراطي، من دستور هزلي وقوانين استثنائية وطوارىء مستمرة وانتخابات مزورة ومجالس نيابية من الراقصين والمصفقين، واعلام يسيطر عليه البهلوانات والحواة ، ومجتمع يتحكم فيه رجال الدين ورجال الأمن .

5 ـ هذا المستبد الشرقي يواجه الآن تحدياً من شباب الانترنت ومن زخم ثقافة حقوق الانسان والديمقراطية، وسينتهي إن عاجلا أو آجلا فلم يعد العصر عصره. بل سيشهد المستقبل القريب تطور الديمقراطية النيابية لتصبح ديمقراطية مباشرة وكاملة، وهي نظام الشورى الاسلامية.

 

وندخل بهذا على النوعية الثانية من الدول : الدولة  التي يقيمها المجتمع نفسه :

 

6 ـ دولة الناس (We People) يقيمها الناس جميعاً وفق عقد وعهد ودستور يحفظ الحقوق وينظم العلاقات بين أفراد المجتمع. الأغلب السائد الآن هو الديمقراطية النيابية بمجالس تشريعية يمثل فيها النوّاب المواطنين حسب مناطقهم. وعيبها تركز الحكم في الطبقات الثرية التي تستطيع التبرع للمرشحين في حملاتهم الانتخابية، ومن ثم السيطرة عليهم وتوجيه القرار السياسي لصالح المؤسسات الكبرى التي تملك معظم الثروة، وبالتالي تتحالف الثروة مع السلطة تحت واجهة الديمقراطية المنقوصة أو الديمقراطية غير المباشرة أو الديمقراطية النيابية التمثلية التي (يمثل) فيها (الأقلية) الغنية القادرة على الترشيح يخدعون فيها (الأغلبية) التي لا تملك سوى التصويت. هي  (ديمقراطية الملأ القرشي الحاكم). ولكن تظل بما فيها من حرية وليبرالية وتمسك بالقيم العليا أفضل ملايين المرات من الاستبداد بكل أنواعه.

 

7 ـ الأفضل ـ وهوالأقل حالياً ـ  أن تكون ديمقراطية مباشرة بلا مجالس نيابية بل بجمعيات عمومية يحضرها أفراد الشعب في نظام لا مركزي في كل قرية وكل حي وكل مدينة، ويختارون أولي الأمر أو اصحاب الاختصاص ليباشروا الادارة وخدمة المواطنين تحت رقابة ومحاسبة الشعب في كل مستوى من القرية إلى الحي إلى المدينة. مع تقسيم للمهام وتنسيق بين العاصمة والشئون القومية العامة للدولة من علاقات خارجية ودفاع وأمن ..الخ من ناحية وشئون محلية داخلية تخص كل قرية وحي ومدينة .

 

8 ـ وهذه هي الديمقراطية الاسلامية أو الشورى كما جاءت في القرآن الكريم. ولنا في هذا بحث بالعربية سننشره لاحقاً بعون الله جلّ وعلا، مع بحث آخر بالانجليزية منشور في موقعنا. على أن هذه الدولة الشورية الديمقراطية ليست بدعاً من الدول. فقد أقيمت قديماً في اليونان، وتأخذ بها محلياً بعض المناطق في سويسرا ودول اسكندنافيا وبعض مناطق في الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن الذي يهمنا إنه تم إقامتها في دولة الاسلام الأولى، والاخيرة ـ في المدينة في عهد خاتم النبيين عليه وعليهم السلام.

 

9 ـ إقامة دولة الشورى (الديمقراطية المباشرة) في عصرنا أيسر كثيراً من العصور الماضية  التي أقيمت فيها في اليونان وفي المدينة. بوسائل الاتصالات الحديثة المباشرة وبالانترنت يمكن بكل سهولة عقد الجمعيات العمومية العلنية لكل بلد وقرية وحي ومدينة حيث يحضرها كل أفراد البلد أو القرية أو الحي أو المدينة، وفيها يتم اختيار الخبراء (أولي الأمر) وتتم مناقشتهم ومحاسبتهم. ويكون ذلك علناً أمام الجميع داخل البلد والقرية والحي والمدينة وخارجها على مستوى الوطن والمجتمع كله .

 

10 ـ التحدي الوحيد هنا هو موضوعنا (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، بمعنى آخر هل المجتمع حيّ ومتفاعل ونشط بكل أفراده، يتواصى فيه الجميع بالخير ويتناصح فيه الجميع بالمعروف المتعارف عليه من عدل وقسط وحرية وخير وحق، ويتناهى فيه الجميع عن الظلم والكذب والبغي والخيانة والفسق والشرور ؟  أم هو مجتمع خامل نائم ؟ مجتمع ( وأنا مالي ؟ ) مجتمع (إذا جاءك الطوفان فضع ابنك تحت رجليك) مجتمع (ضرب الحاكم شرف) مجتمع (علقة تفوت ولا حد يموت) مجتمع (إذا كانت البلد بتعبد عجل قم حشّ له البرسيم) مجتمع (إذا كان لك عند الكلب حاجة قل له يا سيدي) مجتمع (اللى يتزوج أمي أقول له ياعمّي) مجتمع الأغلبية الصامتة الساكنة الساكتة المقهورة .

 

11 ـ في وجود هذه الأغلبية الصامتة يصل للحكم أي معتوه مثل القذافي وأي بليد مثل مبارك وأي جاهل أمّي مثل عبد الله آل سعود. بل من مضحكات عصرنا أن بعضهم ابتدع للقذافي (الكتاب الأخضر) ونظرية عصر الجماهيرية وحكم الجماهير، والمجالس الشعبية التي تحكم محلياً من القرية إلى المدينة. هو كلام رائع وجميل، ولكن كان التطبيق على العكس تماماً، وبه اصبح القذافي هو القائد المتحكم في كل شيء حتى في تفكير الناس وفي نفس الوقت ليس له منصب رسمي .! . الذي ساعد القذافي ليس فقط سياسة الارهاب الأمنية ولكن صمت الأغلبية وخنوعها. فلما تحركت الأغلبية إهتز عرش القذافي، ثم زاد تحركها وغليانها فانهار القذافي وصار إضحوكة في مماته كما كان في حياته. الآن تتحرك عناصر من الأغلبية الصامتة يمثلون الشباب الثائر، بينما تختار معظم الأغلبية الجلوس على الارائك ينظرون يشاهدون الأخبار ويعلقون متكاسلين .

 

12 ـ في موضوعنا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لدينا طوائف ثلاث : شباب الثورة، وهم بما يفعلون ـ وحتى وهم لا يدركون ـ يقومون بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثم هناك الحكام الطغاة والساعون إلى وراثتهم من الوهابيين السنيين وأمثالهم، وأولئك باستبدادهم وظلمهم وفسادهم ـ أي بافعالهم ـ يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ثم هناك الصامتون الساكتون عن الحق ( حزب الكنبة ).

 

 

 

 

 

13 ـ نجاح الثوار مرتبط بصمودهم وبإنضمام معظم الأغلبية الصامتة اليهم.. استمرار وجود الأغلبية الصامتة معناه وقوع البلاد في حمامات دم، وسيكون الضحايا هم الأغلبية الصامتة نفسها وابناؤها، أي إن الأغلبية الصامتة ستدفع الثمن من أبنائها ومن حاضرها ومستقبلها. ففي حالة عدم الحسم واستمرار القلاقل والفتن والاعتصامات والمظاهرات والمحاكمات والشائعات والمناورات والمؤامرات سينهار الاقتصاد وستستشري المجاعات والكوارث الاقتصادية وينعدم الأمن، وتتجهز البلاد لحروب أهلية وحمامات دم. يمكن تقصير أمد المعاناة لو تحركت الأغلبية الصامتة وكسرت حاجز الخوف وودعت الصمت والسلبية والخمول والذل والاستكانة ووقفت إلى جانب حقوقها مع أبنائها شباب الثورة. عندها سيقف العالم بكل قوة إلى جانب الثورة الحقوقية بلا خوف من سيطرة السنيين والارهابيين، وسينهار معسكر الظلم من المستبد القائم في الحكم والمستبد الساعي إلى الحكم.

 

14 ـ لو نجح الثوار في سعيهم لاقامة الأمر بالمعروف وفي التصدي للمنكر فربما تقام دولة الاسلام الحقيقية القائمة على الديمقراطية المباشرة والقسط والحرية الدينية والسياسية وحقوق الانسان .

 

 أخيراً :

 

ندخل بهذا على القسم الرابع من الفصل الأول وهو عن دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قوة الدولة الاسلامية في لمحة قرآنية تاريخية. ونبدأ في المقال القادم بالحديث عن أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إقامة مقاصد الشرع الإسلامي، حيث يتأسس هيكل الدولة الاسلامية على مقاصد الشرع الالهي وهي الحرية والعدل والتقوى .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الرابع : دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قوة الدولة الاسلامية

الفصل الثاني : أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إقامة مقاصد الشرع الإسلامي

 

تأسيس الدولة الاسلامية على الحرية والعدل و التقوى:

  

1 ـ خلق الله جل وعلا السماوات والأرض والكون الذي بينهما من كواكب ونجوم ومجرات لكي يختبر الانسان في هذا اليوم الدنيوي (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (هود 7). وبعد أن تأخذ كل نفس فرصتها في الاختبار الدنيوي يتدمر هذا العالم ويؤتى بكل نفس للحساب (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)(ابراهيم 48). أساس الحساب يوم الدين هو حرية البشر التي أعطاها رب العزة في هذه الدنيا ليكونوا مسئولين عن إختيارهم الديني يوم الحساب. مصادرة الحرية الدينية في هذه الدنيا هو بمثابة تضييع لمساءلة البشر يوم الحساب، لأنه سيعطي عذراً بالاكراه في الدين، وليس على مكره مجبور مؤاخذة، أي لا بد أن تكون حراً في أختيارك الديني حتى تكون مسئولاً ومساءلا يوم القيامة، حيث الخلود في الجنة أو الخلود في النار. وليست هذه الدنيا المؤقتة القصيرة سوى مرحلة أختبار لهذا اليوم الآخر الخالد. والاختبار يستلزم الاختيار، لذا فالحرية الدينية أساس خلقنا وأساس محاسبتنا يوم الدين. ومن يعتمد الإكراه في الدين فهو عدو لرب العالمين. وبالتالي فإن أي دولة تقوم على الإكراه في الدين هي دولة تعادي رب العالمين، وكل دولة تضمن حرية الدين المطلقة بلا أي إستثناء فهي دولة اسلامية من هذه الناحية. ويتبقى لها جانب آخر لتكتمل إسلاميتها وهو قيامها على القسط والعدل.

 

2 ـ فالعدل أو القسط هو الهدف من ارسال الرسل وانزال الكتب السماوية للعالم كله (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )(الحديد 25)، وأي نظام حكم مستبد ظالم مناقض للقسط والعدل هو خصم لله جل وعلا، خصوصاً إذا تستّر بالاسلام، لأنه بذلك يظلم رب العزّة ذاته، ويرتكب جرائمه وظلمه باستغلال إسم الله ودينه، ويجعل دين الله هو المتهم ظلماً وعدواناً .

 

3 ـ وبالحرية والعدل تقوم الدولة الاسلامية، وهما من مقاصد التشريع الكبرى في الاسلام. ولكن لكي تستمر ويتم تفعيل شرع الله فلا بد من التقوى، وهي المقصد الأكبر والثالث من مقاصد التشريع. والتقوى هي الخوف من الله جل وعلا ومحاسبة الفرد لنفسه في الدنيا قبل أن يحاسبه الله جل وعلا يوم الحساب. التقوى أن يخلص الفرد لربه في العقيدة وفي العبادة ـ وهذا شيء خاص بين كل فرد وربه، ولكن ثمرة التقوى تتجلى في تعامل الفرد مع مجتمعه بدءاً من الأسرة والعائلة والجيران إلى الزملاء والاصدقاء والغرباء وكل الناس. بالتقوى يكون الفرد فاعلا للخير آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، ولا يستنكف أن يعظه الناس كما يعظ الناس. بالتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمكن إقامة وإستدامة الدولة الاسلامية القائمة على القسط والحرية المطلقة في الدين .

 

 دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في استدامة العدل والحرية :

 

1 ـ لقد خلقنا الله جل وعلا  فرادى، وكل منهم متميز ببصمته الوراثية جسدياً والنفسية برزخياً، ولكل منا مسئوليته الشخصية نحو نفسه ومجتمعه، وكل منا سيؤتى به يوم القيامة للحساب فرداً. (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (الانعام 94)، يسرى هذا أيضاً على الملائكة والجن والشياطين (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) (مريم 93)، وكل منا سيدافع عن نفسه يوم الحساب (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) ( النحل 111) .

 

2 ـ وقد عرفنا أن جانب الإلزام القانوني من المجتمع للفرد ضئيل حسب التشريع الإسلامي، وهو لا يتعدى بعض الالتزامات التي يفرضها المجتمع في الحقوق للأفراد الآخرين أو لحق المجتمع. والمساحة واسعة للإلتزام الفردي الطوعي في العقيدة وفي العبادة وفي التمسك بالقيم العليا والمعروف وعمل الصالحات، أوعكسها. هذه المساحة المتروكة للحرية الفردية دون تدخل من سلطة المجتمع هي المجال الأساسي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيها يأتمر الجميع بالمعروف ويتناهى الجميع عن المنكر، ويكون الفيصل هو الفطرة السليمة التي تتعارف على القيم العليا من القسط والحرية والرحمة والاحسان والكرم والشجاعة والمروءة والصدق والشهامة والنبل وسائر الأخلاق الزكية، وتتعارف أيضاً على رفض الظلم والفساد والبغي والطغيان والفواحش والكذب والخداع. لايهم إن كانت هي (التقوى) أو (النفس اللوامة) أو (الفطرة) في المفهوم القرآني، أو ( الأنا العليا ) أو (الضمير) في ثقافتنا الراهنة. تتعدد الأسماء ولكنها تعني (وجود طاقة حية متفاعلة بالخير في مجتمع الدولة الاسلامية، حيث تتحرك في داخل كل فرد تدفعه للخير، وتجعله ينصاع للحق لو ظلم أو إعتدى) .

 

3 ـ وقد يكون صعباً قيام دولة الاسلام على القسط والحرية في الدين والسياسة، ولكن إستمرارها هو الأصعب. فالاستمرار هنا يستلزم (وجود طاقة حية متفاعلة بالخير في مجتمع الدولة الاسلامية، حيث تتحرك في داخل كل فرد تدفعه للخير، وتجعله ينصاع للحق لو ظلم أو إعتدى). أي وجود فرد يتعامل بالتقوى مع الله جل وعلا ومع الناس، أو على الأقل مع الناس. وبالتالي يتفاعل إيجابيا بالخير مع نفسه ومجتمعه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يعزّز من ذلك مسئولية الفرد الذاتية والطوعية أمام الله جل وعلا يوم الحساب ـ ليس فقط عن نفسه، ولكن أيضاً نحو بيته وأسرته ومجتمعه وبلده ودولته باعتبار أنه لا بد أن يتفاعل ـ بالخير. بدون تفاعل أفراد المجتمع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تصبح هذه الدولة شيطانية بسبب اعتماد معظم تشريعاتها على الفرد دون إلزام من سلطة المجتمع، ولهذا فلو فسد هذا الفرد سيتحول المجتمع إلى غابة، إذ لا يكفي أن تتأسس دولة ما على القسط والحرية، فلا بد أن يكون شعبها حيّاً متفاعلاً نشطاً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر حتى يحافظ على الحرية والعدل. بوجود أغلبية صامتة ساكنة ساكتة لاهية سيتحكم في الأمر أقلية متحركة تتداول بينها السلطة والثروة، ويتأسس الاستبداد والظلم والفساد ويضيع القسط والعدل .

 

4 ـ وإقامة القسط ليس مجرد بداية وبعدها نضمن إستمرار القسط  اوتوماتيكياً وذاتياً، وإقامة القسط ليس جهد فرد أو طائفة، وإقامة القسط ليس مجرد الدعوة للقسط. التدبر في الآية الكريمة يعطي معاني مختلفة : برغم الايجاز في الجملة القرآنية (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) فهي تعني الآتي: قيام الناس بالقسط بمعنى تطبيق القسط ، وتطبيق القسط يستلزم في البداية دعوة يقتنع بها الناس ووعياً بأهمية القسط في حفظ الحقوق وفي أمن ورفاهية الفرد والدولة والمجتمع، وبناء على هذه الدعوة وذلك الوعى يقوم (الناس) بتفعيل وتطبيق القسط .و(الناس) ليس مجرد حاكم فرد ولا طائفة أو مجموعة، ولكن ( كل الناس) من ذكور وإناث وأغنياء وفقراء وشباب وكهول ؛ كل الأفراد على قاعدة المساواة عليهم المشاركة في إقامة القسط. وتعبير(ليقوم) أي ليس مجرد التفعيل ولكن الحفاظ على الشيء المقام ومتابعته بالصيانة والاستمرار والاستدامة خصوصاً مع استعمال الفعل المضارع المستمر ( ليقوم ). وطالما يقوم المجتمع كله بالقسط ليل نهار فرداً فرداً فلا بد من التناصح والتشاور لا فارق بين فرد وآخر، وهنا تتجلى فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام أمن للعدل وضماناً ضد الظلم والبغي. وهذا يستلزم النقاش والحوار والحجة والاقناع والعلم والتعليم ممّا يسهم في  تطوير الوعي لدى الأفراد.  وهذا التفاعل الايجابي بالمشاركة في صنع القرار وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجعل الفرد معتزّاً بذاته، وعلى مستوى الأفراد جميعاً يزداد إنتماؤهم لمجتمعهم الذي يضمن لهم حريتهم وكرامتهم، ويحسّون أنهم يمتلكون دولتهم وأنهم شركاء متساوون في المواطنة. مجتمع كهذا يجعل الفرد مستعداً للتضحية بنفسه دفاعاً عنه. وليس كما يحدث في دول الاستبداد حين يضحي الأفراد دفاعاً عن وطن لا يملكونه وعن مستبد يقهرهم وعن دولة يملكها مستبد خائن لشعبه ووطنه وقومه .

 

 بين سلطة ( التقوى ) في التشريع الإسلامي وسلطة القانون في المجتمع الغربي:

 

1 ـ  لا بد من وجود سلطة من الناس تقوم بالضبط والإثبات وبالحكم على الجاني وتنفيذ العقاب، ولكن إنفرادها في ظلّ غيبة الناس يؤدي إلى فسادها، فالمجتمع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو ضمان أمن يحفظ الحقوق ويقي الناس من تغول السلطة و يجعلها تحت رقابة الناس وفي خدمتهم وفي خدمة المعروف المتعارف على أنه عدل وحق وخير. السلطة الحقيقية هنا ليست لحاكم مستبد وليست حتى لحاكم غير مستبد، بل ليست مطلقة للمجتمع. إذ يشاركها سلطة أعلى هي سلطة (التقوى) أي الضمير الفردي اليقظ  لمن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر. وهذه التقوى تسطع في السلوك في التعامل مع الناس وقوفاً إلى جانب الحق ودفاعاً عن المظلوم وإيثاراً وإحساناً وكرماً ومروءةً وحلماً وصفحاً ورحمة وغفراناً .

 

2 ـ في الديمقراطية الغربية النيابية توجد سلطة القانون والضبطية القضائية، ويكون نموذج العدل فيها أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. فارق هائل بين هذا المبدأ الغربي في الديمقراطية الغربية وبين نظام حكم الاستبداد الشرقي حيث يكون الفرد المستبد فوق القانون وحيث يكون الفرد العادي المقهور متهماً مهما تثبت براءته. ومع ذلك فإن روعة النظام الغربي في (إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته) ليست بشيء بالمقارنة بنظيرها في التشريع الإسلامي. فالسلطة الأولى والكبرى ليست للقانون ـ مع الاحترام للقانون ـ ولكنها في التشريع الإسلامي للضمير الفردي أو التقوى، وهنا يبادر المتهم ـ بل قبل أن يكون متهماً بالاعتراف والندم. ليست الضبطية القضائية هي المحكّ كما في المجتمع الغربي، وحيث يتحايل المحامون بإجراءات شكلية وحيل قانونية تجعل أعتى المجرمين بريئاً طاهر الذيل. الوضع هنا مختلف لأن المؤمن هو الذي يراقبه ضميره، ويجعله يخشى الله جل وعلا قبل أن يخشى القانون، ويجعله يؤدي الفرض بدافع ذاتي، ويجعله يتورع عن الخطأ والخطيئة وهو في خلوته لا يراه القائمون على الضبطية القانونية القضائية، ولكنه يعلم أن الله جل وعلا يراه وشاهد عليه. (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) (النساء 108) (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) (القلم 14) المؤمن يعلم أن القانون الالهي حاسم وجازم وأن من يعمل سوءا يجزى به (مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا) ( النساء 123)، وأن الله جل وعلا يعذّب في الدنيا قبل الآخرة ( فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)، (وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ )(التوبة 55 ، 85)،(لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ) (الرعد 34) (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (السجدة 21). لاتستطيع أن تهرب من الله جل وعلا في الدنيا أو في الآخرة. لا مهرب ولا مفر من السلطة الالهية بينما هناك ألف الف مهرب من السلطة البشرية. ومن هنا يحتاج المجتمع إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حفظاً للفرد والمجتمع. وهناك آلاف الآيات القرآنية في الوعظ والتذكير .

3 ـ والملاحظ في المجتمع الغربي والأمريكي تغليب جانب الحرية على جانب المسئولية في تربية الأطفال، لذا يعاني المجتمع الغربي من انفلات الشباب وطيشهم في مرحلة المراهقة. وهو طيش يعتبر النصح تعدياً وتدخلاً في حرية الشاب، إذ يعتبر الشاب من الاهانة ان تنصحه بما يفعل. ويؤمن أن من حقه أن يختار حياته كما يحلو له، وأن يتصرف في جسده كما يريد. وكل هذا حقيقي ولكن تظل الصورة غير مكتملة بغياب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتكون فرضاً يسري على الجميع ويعمل به الجميع ويتقبله الجميع ولا يعتبر تدخلا في الحرية الشخصية، بل هو تذكير بالمعادل الموضوعي للحرية وهو المسئولية. ومن أدبيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التذكير بالمسئولية والتواصي بها .

4 ـ وللإنصاف نذكر ـ كما نلمس هنا في المجتمع الأمريكي ـ حرص المدرسة ومؤسسات الرعاية الاجتماعية على النصيحة والتقويم، ولا ينافسها في ذلك إلا الدراما الأمريكية والاعلام الامريكي وما تظهره من عورات المجتمع وتناقشها دون خجل أو حرج. ولكنه جهد لا يكفي في تعويض الغياب لسلطة المجتمع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خصوصاً مع الغياب الواضح للكنيسة ورجال الدين في امريكا في هذا الشأن. بل إن بعض الكنائس تعاني من فضائح القائمين عليها ووقوعهم في الفواحش مع الأطفال والنساء بما يجعلهم أحوج الناس للوعظ والتقويم .

 

أخيراً:

 

1 ـ الحرية الدينية المطلقة هي في صالح الحق، لأن الباطل لا يصمد أمام نقاش حرّ. الأديان الأرضية لكي تتسلط على مجتمع ما لا بد لها من نظام حكم غاشم يرغم الناس على قبولها ويمنعهم من مناقشتها .

2 ـ الحرية الدينية التي تساوي بين (الأمر بالعروف والنهي عن المنكر) و (الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف) ليست عائقاً في الرقي الأخلاقي والتمسك بالقيم العليا المتعارف عليها. لأن هذه الحرية هي التي ستجعل دعاة المنكر يخجلون من أنفسهم، وستشجع الساكتين على التصدي لهم بالحجة والنقاش ـ وبالتالي سيخسرون. ويسمو المجتمع ويفلح فقد تم دحض دعاوى السوء والتردي الأخلاقي والظلم، واستراح الناس إلى العدل والأمن واحترام الحرية باعتبارها تتطلب المسئولية ولا تصادرها. بهذا يتحول المجتمع كله إلى أمة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران 104)، وعندها تكون هذه الأمة مستحقة لوسام يقول أنها خير أمّة أخرجت للناس (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) (آل عمران 110 ).

3 ـ من التزوير والكذب على الله جل وعلا أن يقال أن الآية الكريمة السابقة تنطبق على مسلمي اليوم .!! لذا وجب التنويه والتحذير.

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الرابع : دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قوة الدولة الاسلامية

الفصل الثالث :  التقوى أساس القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 

أهمية التقوى كمقصد تشريعي مهيمن على الأوامر التشريعية :

 

1 ـ إنّ كل العبادات في الاسلام ـ سواء كانت فردية أو جماعية ـ إنّما هي مجرد وسائل للتقوى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ( البقرة 21 ) والتقوى هي السمو بالنفس وتزكيتها سواء في التعامل مع الله جل وعلا بتقديسه وحده وعبادته وحده واخلاص الدين له وحده، وفي التعامل مع الناس بـ التي هي أحسن وبالتفاعل معهم بالخير والتواصي بالحق والصبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

2 ـ حين يقول جل وعلا في تشريع الصوم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة 183)، فهنا أمر تشريعي بالصوم ، أما المقصد التشريعي فهو التقوى. وبعدها بعدة آيات يقول جل وعلا رداً على سؤال (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ( البقرة 189). فهنا تأكيد على أن التقوى مقصد تشريعي. وفي تشريع القتال الدفاعي يقول جل وعلا ( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (البقرة 194)، فالله جلّ وعلا مع المتقين وهو جل وعلا لا يحب المعتدين (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة 190)، فالتقوى مقصد تشريعي يهيمن على الأمر بالقتال ويحصره في الدفاع فقط، ويوقف القتال الدفاعي حين ينتهي الهجوم (فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) (البقرة 192). وفي فريضة الحج  يتكرر التأكيد على أن الحج مناسبة للتزود بالتقوى، يقول جلّ وعلا (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ) (البقرة 197)، فالمقصد التشريعي وهو التقوى أساس ومهيمن على الأمر التشريعي بالحج .  

 

 

 

 

 

 

 

 

بدون التقوى يكون الفساد في تطبيق أوامر الشرع:

 

1 ـ هذه أمثلة متتابعة من سورة البقرة في سياق بعض تشريعات الاسلام يتضح منها أن الأمر التشريعي يخضع لمقصد تشريعي أعظم، وتنفيذ الأمر التشريعي بمعزل عن المقصد التشريعي يعني الفساد،  فلو صام المؤمن دون تقوى أصبح الصوم مجرد جوع وعطش، بل أصبح كما هو الحال في عصرنا وسيلة لتبرير سوء الخلق والغضب بلا داع، والسهر بالليل لملء البطون والتسلية والمجون ثم نوم بالنهار لتمضية الصيام كيفما كان. وفي الحج بلا تقوى يصبح حامل لقب (عمك الحاج) يشجع على الرياء وووسيلة للنصب والخداع، ولا ريب في ذلك فقد رجع من الحج عرياناً كيوم ولدته أمّه .!. والقتال ( وقاتلوا ) فقط بدون تقوى يعني الهجوم بالاعتداء ليس في سبيل الله جل وعلا ولكن في سبيل المال والثروة والجاه والغلبة والاحتلال والسيطرة، أي في سبيل الشيطان كما كان فيما يسمى بالفتوحات الاسلامية ، والاسلام منها بريء .!

 

2 ـ إذن لدينا مشكلة التطبيق في أوامر الشرع هنا، وهي أن الأوامر يتم التركيز عليها وتطبيقها بمعزل عن الغاية منها وهي المقصد التشريعي المهيمن عليها والحاكم فيها. وبالتالي يتحول التطبيق إلى عصيان وحرب لله جل وعلا لأنه يتم تطبيق (شرع الله) بما يخالف شرع الله ، ومن ثمّ يتوجّه الاتهام لرب العزة وللإسلام بأنه دين الارهاب والتزمت والتخلف .

 

3 ـ تتطور الخطورة في أن غياب التقوى لا يعني فقط  سوء التطبيق وتحويل العبادات إلى رياء و فسوق وعصيان، بل هناك ما هو أفظع، وهو تبرير هذا بأحاديث زائفة توجب وتفرض الحرام وتستحل الحرمات وتنشىء أدياناً أرضية، وهذا ما حدث في تاريخ المسلمين. فقد بدأ بالصحابة سوء التطبيق مبكراً بعد موت خاتم المرسلين في تشريع القتال الذي يقول فيه رب العزّة (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)(البقرة 190)، جاء سوء التطبيق هنا بالتركيز على الأمر (وَقَاتِلُواْ) ونسوا القاعدة التشريعية المذكورة في صُلب الآية بعد الأمر مباشرة ( فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ)، ونسوا المقصد التشريعي وهو التقوى الذي جاء ضمنياً في قوله جلّ وعلا (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) وجاء صريحا في الآية الأخرى (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (البقرة :194). والتقوى  مقصد عام في كل التشريعات ومنها القتال في سبيل الله جلّ وعلا، ولكن للقتال في سبيل الله مقصد خاص به وهو منع الاضطهاد الديني أو الفتنة ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) (البقرة 193). وهذا أيضاً تم تجاهله. وكان لا بد من ملء الفراغ بعد تضييع شرع الله جل وعلا في القتال الدفاعي، ولا بد من ملء الفراغ بما يسوّغ الاعتداء ويبيح الاكراه في الدين، وهنا يتولد الدين الأرضي بالافتراء على الله جل وعلا وصياغة الوحي الشيطاني، ومنه هذا الحديث الذي أنجبه وافتراه البخاري القائل : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ...).

أهمية التقوى لسلامة الفرد والمجتمع:

 

وتشريعات الاسلام ـ التي تهيمن عليها التقوى ـ تحتاج في التطبيق لمجتمع يعرف التقوى فيتفاعل بالخير على مستوى الفرد والمجموع. وتشريعات الاسلام ـ التي تهيمن عليها التقوى ـ تؤكد هذا التفاعل بين الفرد ومجتمعه. ولنتدبر قوله جل وعلا (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (النساء 58)، فنلاحظ  الآتي :

 

1ـ إنّ الله جل وعلا يخاطب المؤمنين مباشرة وبلا واسطة موجهاً لهم الأمر المباشر فرداً فرداً. وهذا يعني أن المفترض أن يتقوا الله جلّ وعلا، وأن ينفذوا أوامره باخلاص ودقّة .

 

2ـ مجيء الأوامر بتأدية الأمانات إلى أهلها والحكم القضائي بين الناس بالعدل قد يعني وجود دولة لها نظامها القضائي في الحكم بين الناس، وقد يعني وجود مجتمع شبه دولة كالقبيلة والجماعة المنظمة. وفي كل الأحوال فإن النظام القضائي في الفصل في النزاعات بين الأفراد والجماعات هو من أوائل مهام نظام الحكم حتى في دولة الاستبداد الفردي، وحتى في عدم وجود دولة بالمفهوم الحديث .

 

3ـ والخطاب هنا أيضاً ليس فقط لنظام الحكم والسلطة القضائية ولكن أيضاً للمجتمع وتشكيلاته الشعبية وأفراده بتأدية الأمانات  ـ أي الحقوق ـ إلى أهلها. وهنا التفاعل بين الفرد والمجتمع .

 

4ـ وهذا التطبيق للأوامر التشريعية في تأدية الأمانات ـ أي الحقوق ـ يخضع للمقصد وهو التقوى. ولم يأت لفظ التقوى صريحاً، ولكن جاء معناه بالتذكير بأن الله جل وعلا سميع وبصير (إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً)، أي على كل شىء شهيد، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر19)، ويعلم السّر وأخفى (وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) ( طه 7). وبالتالي فإذا كنتم تحتالون على القانون وتستخفون من الناس فلا يمكنكم الهرب من رب الناس، وهو جل وعلا معكم أينما كنتم (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (المجادلة 7).

 5ـ وهذا التشريع وتطبيقه بتقوى الله جل وعلا وبأفضل ما يكون هو نعم التشريع ونعم التطبيق، وهو نعم الوعظ الالهي (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ). أي هو الخير كل الخير للفرد وللمجتمع . وتخيل مجتمعاً يضمن الحقوق لأصحابها ويقيم العدل بين أفراده بأقصى طاقة بشرية، هنا يتحقق حلم الفلاسفة في اليوتوبيا، وينام جون ملتون مؤلف قصيدة (الفردوس المفقود) في قبره قرير العين . 

الأغلبية الصامتة ظالمة بعيدة عن التقوى الاسلامية:

 

1 ـ هذا المجتمع المتقي الناشط بالحق والناطق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بد أن يتكون من أفراد قاموا بتغير ما بأنفسهم من سلبية وخنوع ومن أنانية وشحّ إلى (تقوى) وهي (أم الفضائل).

 

2 ـ بدون هذه التقوى يكون المجتمع فاسداً مؤهلا للهلاك، ويعايش الظلم ليل نهار. ويتنوع الظالمون فيه إلى أقلية تحتكر الثروة والسلطة، وأغلبية مقهورة مغلوبة على أمرها ساكنة ساكتة، ولكنها ظالمة لنفسها أكثر من ظلم المستبد وأعوانه لها. السبب الحقيقي في الظلم هو وجود قوم لديهم الاستعداد للرضى بالظلم والتعود عليه. إذا كان هناك من يركع يهيء ظهره لمن يركب فلا تلومنّ الراكب، بل اللوم للمركوب أولا إذ لولا أنه جعل ظهره ذلولاً للراكبين فلن يركبه أحد. لو وقف شامخاً برأسه مثل الآخر فلن يركبه الآخر.هو الذي بدأ يطأطىء رأسه ثم يركع ليدعو الآخر لركوبه.

 

3 ـ لا يمكن لهذا أن يكون متقياً لله جلّ وعلا، لأسباب كثيرة منها: لأن الركوع والسجود والخضوع لا يكون إلا للخالق جل وعلا وهم يخضعون للبشر الحاكم أكثر من خضوعهم لله جل وعلا، ويخشونه ويخافونه أكثر من خيفتهم وخشيتهم من الله جلّ وعلا، ولأن المستبد سواء كان مستبداً عادياً أم مستبداً مستغلاً بالدين لا بد أن يزعم الالوهية لنفسه صراحة أو ضمناً ويجعل تلك الأغلبية تقدسه. وفي أغلب الأحوال يعتمد المستبد على دين أرضي يفرضه على الناس ويجعل لرجاله السيطرة، ويزعمون لأنفسهم سلطة دينية في التحكم في الناس، وبنفوذهم الديني يتأكّد نفوذ المستبد السياسي. وبالتالي فإن هذه الأغلبية الساكتة عن الظلم والمتعايشة معه تظلم رب العزة حين تجعل من المستبد وأعوانه شركاء لله جلّ وعلا في الالوهية .

 

4 ـ بالإضافة إلى هذا الظلم العقيدي الذي يجعلها تتقي الحاكم ولا تتقي الله تراها بخضوعها هي المشجّع الأكبر للمستبد الحالي، فإذا ثار عليه منافس له وغلبه واغتصب منه العرش تجد ظهر تلك الأغلبية عرشاً جاهزاً للمستبد الجديد. ولا يكون سهلا ذلك الانتقال من نظام حكم مستبد لآخر مستبد، بل يتم هذا بحروب ومذابح وسلب ونهب فوق ظهر المركوب، أي تدفع الأغلبية فاتورة الصراع على السلطة من دمائها وأموالها وحياتها. وهي بذلك ما كسبت الدنيا وما ربحت الآخرة .

 

 

 

 

5 ـ والله جلّ وعلا أوضح في القرآن أن الظالمين في السلوك ليسوا فقط من يرتكبالظلم والاعتداء، بل أيضاً ذلك المستضعف الذي يرضى بالظلم ويعايشه إلى أن يموت عليه. عندما يموت تبشره ملائكة الموت بجهنم (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) (النساء 97 : 99). وهنا نلاحظ  انه لم يرد وصفهم بالإيمان بل بوصفين : الاستضعاف وانهم ظالمو أنفسهم حين عاشوا في قهر الظالم لهم ولم يهاجروا في أرض الله الواسعة. وأنه ليس عذراً لهم هذا الضعف والتكاسل عن الهجرة إلّا إذا كانوا فعلا غير قادرين عليها. ولقد كان الاضطهاد الديني والسياسي والظلم ـ ولا يزال ـ من أهم أسباب الهجرة .

 

6 ـ  ومن عجب أن تجد الأغلبية الصامتة عن الحق تخرج عن صمتها وتصرخ أحياناً بالهتاف والتأييد للظلم، تهتف للمستبد الظالم ( بالروح والدم نفديك يا عبّاس ) فإذا رحل عباس وجاء عبّاس آخر هتفت له الأغلبية (الصامتة) بنفس الهتاف لعباس. أي هي أغلبية صامتة عن إنصاف نفسها، وهي أغلبية صارخة هاتفة زاعقة في تمجيد المستبد الذي يقهرها ويعذبها ويستنزف دماءها ويقتل أبناءها. لا وجود للمستبد بدون رعيته كما لا وجود للراكب بدون دابته. كلاهما يوالي الآخر. يقول جل وعلا بإيجاز وإعجاز في الظلم السلوكي الذي يكسبونه بأعمالهم ( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) (الانعام129 ).

 

7 ـ والله جل وعلا يقول ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ )(النحل 61). وهذا يعني أن كل الناس ظالمون مستحقون للهلاك لولا رحمة الله جل وعلا . فكيف يكون البشر جميعاً ظالمين ؟ الاجابة هي أنهم نوعان : نوع يقوم بالظلم وآخر يتحمل الظلم. أو نوع يظلم غيره، ونوع يظلم نفسه بالخنوع والرضى بالظلم. وبالنوعين معاً يكون البشر كلهم ظالمين مستحقين للمؤاخذة والهلاك العام والتام لولا رحمة الله جلّ وعلا.

 

أخيراً:

 

إن عاقبة المجتمع الظالم هي الهلاك إذا استمر على ظلمه وإن لم ينقذ نفسه بفضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

 

 

 

الباب الرابع  : دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قوة الدولة الاسلامية

الفصل الرابع : التقوى أساس تنفيذ أوامر الشرع في المجتمع المتفاعل بالخير

 

  مقدمة

حتى لا يحل الهلاك بالمجتمع لا بد من تفعيل واصلاح الأغلبية الصامتة لأنها أغلبية ظالمة لنفسها ولا تتقي الله عزّ وجل واستمرار وجودها نذير شؤم على المجتمع. وقلنا إن التقوى كمقصد للتشريع الإسلامي هي التي تهيمن على الأوامر التشريعية، وبها يمكن تنشيط المجتمع ليكون آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، وإلّا فالهلاك قادم. نتوقف هنا مع أثر التقوى في تطبيق الأوامر التشريعية التفصيلية، بضرب بعض الأمثلة في الحقوق وفي العقوبات. وجود التقوى يضمن تنفيذ تلك الأوامر على أتمّ وجه، وغيابها يضيع تلك التشريعات ويغيّبها، بل أحيانا ينشىء الدين الأرضي بدائل لها ظالمة بالتزييف والتلفيق. هو موضوع طويل نقتصر منه على بعض الأمثلة، وندعو الباحثين المسلمين لاستكماله .

 

أولا ً: في حقوق الميراث:

 

المفهوم أن الميراث شأن خاص بالورثة وحقوقهم في التركة التي لا يشاركهم فيها غيرهم، إلا إن التدبر القرآني يؤكد الصلة العضوية بين الأسرة والمجتمع في تنفيذ هذا التشريع إطار التقوى :ـ     

1ـ فالمجتمع من خلال السلطة القضائية هو الذي يتولى رعاية اليتيم الوارث، وهو الذي يعين وصياً على حراسة أمواله واستثمارها من أجله ويحاسب ذلك الوصي، والمجتمع هو الذي يختبر كفاءة اليتيم إذا بلغ الرشد فإذا تحقق من رشده وكفاءته أعطاه تركته وإذا ظهر أنه سفيه استمر في الحجر عليه واستثمار المال مع إعطائه حقوقه في ريع التركة في جميع احتياجاته (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيبًا) (النساء 5 : 6).

2ـ والقرآن يعطي اليتيم غير الوارث حقاً في تركة الآخرين لمجرد حضوره تقسيم التركة، ويشاركه في ذلك الحق عند حضور المسكين الذي لا يجد القوت والأقارب من غير الورثة، أي أن هناك جانبا من التركة يذهب لغير الورثة إذا حضروا قسمة التركة يقول تعالى (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا) (النساء 8). أي يأخذون المال ويتمتعون أيضاً بالمعاملة الطيبة وقول المعروف. والمعنى المقصود أن يكون التسامح والإيثار هو أساس التعامل إلى درجة الإحسان من التركة على غير المستحقين إذا حضروا القسمة.

3ـ وقبل توزيع التركة لابد من سداد الديون وتنفيذ الوصية بلا ضرر لأحد، وبذلك تكرر التأكيد في القرآن (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)، (مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ)، (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ) (النساء 11).  ثم إنه من غير المقبول أن يتقاسم الورثة التركة دون أن يسددوا ما عليها من ديون ولذلك أوجب القرآن سداد الديون قبل توزيع التركة.

 

4ـ وهناك أثر اجتماعي واضح في الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين، والوصية للوالدين وهما من مستحقي الميراث أيضاً فيه دلالة واضحة على رعايتهما، إذ يعني ذلك بلوغهما أو أحدهما أرذل العمر ولذا يستحقان مع الميراث وصية خاصة بهما وهي في النهاية ستعود سريعاً بعد موتهما إلى نفس الورثة، ولكنهما يتمتعان بالوصية والميراث فيما تبقى لهما من عمر. وهنا يقدم القرآن حلاً تشريعياً مهماً لمشكلة المسنين وكبار السن. وحين يكون معهم المال سيجدون الكثيرين ممن يقدمون لهم الخدمة والرعاية أملا في الاستفادة الآجلة والعاجلة منهم ..

 

5ـ والمجتمع الإسلامي يقوم على العدل. وتفصيلات تشريع الميراث يتضح منها ميزان العدل في التوزيع والقسمة. فالقاعدة العامة في القسمة أن للذكر مثل حظ الأنثيين وينطبق هذا على الأبناء، فالابن يرث ضعف ميراث البنت، وينطبق على الأخوة في حالة عدم وجود الأبناء، فالأخ له ضعف نصيب أخته، كما أن للزوج ضعف الزوجة. ولكن هذه القاعدة لا تسري على الوالدين، فلكل واحد منهما الثلث إذا لم يكن للميت أولاد وأخوة. وكلاهما له السدس إذا كان له أولاد أو أخوة. وتلك ميزة تضاف إلى مميزات الوالدين في  الميراث والوصية، حتى لا يقهرهما أحد في أرذل العمر وحتى يتمتعا بالرعاية في الشيخوخة.

 

والمعنى المقصود أن الرجل ـ  بسبب مسئولياته نحو المرأة وطبقاً للعدل  ـ يحوز على ضعف نصيب المرأة إذا كان ابناً أو زوجاً أو أخاً ولكن يتساوى في نهاية العمر مع المرأة حيث أن المرأة قد بذلت عمرها في تربية ابنها ورعايته مع زوجها وبذلك تستحق المساواة بالرجل .

 

إن الرجل في بداية حياته هو الذي يدفع الصداق ليتزوج وهو الذي يعمل ويتعب لينفق على زوجته ولذلك فمن حقه أن يحصل على ضعف المرأة إذا كان ابناً أو أخاً أو زوجاً. والمرأة لها نصف الرجل بالإضافة إلى التزامه بالإنفاق عليها ورعايتها، وهكذا يتحقق العدل فيما فرضه الله تعالى لها في الميراث. ولكن المرأة والرجل يتساويان في نهاية العمر في حقوقهما في ميراث الأبناء إذا لم تعد على الرجل (الأب وكذلك الجد ) التزامات الرعاية للأبناء، بل العكس أصبحت رعايتهما واجبة على الأبناء .

 

 

 

يتعزّز هذا بالأمر بالإحسان للوالدين الذي يأتي تالياً للأمر بعبادة الله وحده وعدم الإشراك به ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء 23، 24). ولنتأمّل موقع ومغزى ومعنى كلمة (ِعِندَكَ) في قوله جلّ وعلا (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا)، فهو خطاب للإبن والإبنة عن الأب والأم أو أحدهما عند بلوغ الشيخوخة فيضطر لأن يكون (عندك) أيها الابن وايتها البنت. أي في رعايتك. من قبل كان الأب والأم في عنفوانهما وكانا أرباب البيت والمسئولين عليه، وكنت أنت أيها الابن وأيتها البنت (عندهما) في الصغر تعتمدان عليهما في الأكل والشرب واللبس والنظافة والنوم والرعاية. الآن إنقلب الحال ووصل الأب والأم الى أرذل العمر (بما في كلمة ( أرذل) من معان)، يعانيان من الضعف والمرض، وهي مرحلة من مراحل العمر يمر بها البشر (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفي وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) (الحج 5)، (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً) (الروم 54)، (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ) ( يس 68). يعود الانسان في شيخوخته إلى نوع آخر من الطفولة، طفولة مقترنة بالضعف والمرض والعجز والنسيان والشعور بالوحدة والعزلة مع الحاجة الشديدة للغير. تتعقد المأساة في أن الطفولة الأولى تنعم بحب الناس ورعايتهم، فالطفل يحتفل به الجميع بدءاً من الوالدين إلى الأقارب والغرباء. أما الشيخوخة فإن الابن الذي كان طفلا ولقي العناية من الأبوين سرعان ما يضيق بالأبوين عند شيخوختهما وينظر اليهما كعبء ثقيل ومصدر متاعب له مع زوجته .

 

من هنا نفهم لماذا أوصى الله جل وعلا بالوالدين عند الكبر، ولم يوص بالأطفال عند الصغر، فالغريزة قوية في رعاية الطفل لا تحتاج إلى توصية، ولكن ليس في الغريزة إهتمام بالوالدين في أرذل العمر. ونفهم المبالغة في رعاية الوالدين العجوزين وعدم الضيق بهما مهما بلغ الضيق منهما. وليس هناك أروع من قوله جل وعلا في وصف حالهما وضرورة الرفق بهما  (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا). فعندما ربياك صغيرا لم يقولا لك (أف) ولم يتبرما بصراخك ولم يدخرا وسعاً في تدليلك. الله جل وعلا أمر المؤمن التقي بحفظ حقوق الوالدين في الميراث وفي الوصية وفي حسن المعاملة لهما بأقصى درجة ممكنة .

 

والمجتمع شاهد على التنفيذ، والمجتمع المسلم يقوم على الأسرة  التي تشمل الوالدين والجد والجدة والأبناء والأحفاد ، ويحفظ حقوق الجميع.

 

 

 

6ـ ولقد تعود البشر علي هضم حقوق اليتيم وأنصفه تشريع الميراث. كما أن المرأة كانت ولا تزال مهضومة الحق ولكن صان القرآن حقوقها ويكفي أن أول آية في تفصيلات الميراث تقول ( لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ) (النساء 7). وفي نهاية تفصيلات الميراث يحذر رب العزة من تعدي حدوده التشريعية في الميراث ويعتبرها حدود الله،  وينذر من يتعدى حدود الله في الميراث بالخلود في النار حتى لو كان شيخاً للأزهر (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (النساء 13، 14 ).

 

ثانياً:

أدعو الباحثين المسلمين المستنيرين لمتابعة هذا البحث في وجوب الوصية عند الموت للوارث وغيره ووجوب الوصية للوالدين خلافا للتشريع السّني، ودور المجتمع في الاشراف على تنفيذ الوصية دون تبديل ودوره في تعديلها بالمعروف لو كان فيها إجحاف وظلم، بما يعني حضور المجتمع إلى فراش المريض عند الاحتضار وشهادته على الوصية، فالمجتمع هنا حاضر حتى وقت وفاة أحد أفراده . ليس القصد المجتمع كله، ولكن من يمثلهم، ونفهم هذا من قوله جل وعلا (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ( البقرة 180 : 182 ).

 

ثم دعوة الباحثين لمتابعة البحث في موضوعات الأحوال الشخصية ودور المجتمع في حلّ الخلافات الشخصية بين الزوجين بالتدبر في هذه الآيات الكريمة (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) (النساء 35) وفي الطلاق في وجوب الشهادة عليه أي إشراك المجتمع عليه حفظاً لحقوق المرأة ـ خلافاً للتشريع السّني ـ في قوله جلّ وعلا (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) (الطلاق 1 : 2)، وفي حقوق المطلقة حيث يقوم المجتمع بعقد (مؤتمر) يأتمر فيه المجتمعون في صيانة حقوق المطلقة في السكن والنفقة وفي حالة حملها ورضاعة الوليد ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى)   (الطلاق 6).

ثالثاً :  في عقوبات الزنا و إتيان الفواحش:

 

1ـ يقول جلّ وعلا ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) (النساء 15)، الشهادة هنا عن وصفهن باللاتي يأتين بالفاحشة. أي (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) الاستشهاد هنا يعني أن تطلب السلطة من نشطاء متفاعلين مع مجتمعهم في القرية أو الحي أو المدينة لكي يشهد أربعة منهم بأنها تأتي الفاحشة (فَإِنْ شَهِدُوا) على هذا (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً). أي يتم حبسها في بيت تتوفر فيه كل الرعاية والارشاد والتعليم، وتظل هكذا إلى أن تتتوب أو تموت، وبالتالي فلا بد لها أن تتوب وتخرج ، وبتوبتها يمكن لها الزواج .

 

وهنا فارق بين هذه الشهادة وشهادة الزنا المثبتة (للزانية والزاني)، و التي يصفها رب العزة بأنها (مبينة) في قوله جل وعلا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) (النساء 19)، (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ) (الاحزاب 30)،(يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) (الطلاق 1). الفاحشة المبينة يعني المثبتة بالوصف العياني والتفصيلي من الشهود بأنهم رأوا الاثنين ـ الذكر والانثى ـ يفعلان كذا وكذا بالتفصيل. وهنا تكون العقوبة إيجابية. أما هنا فنحن بصدد أنثى فقط محترفة ومشهورة ومعروفة ومقصودة للزنا، ولكن مع عدم الاثبات، أو وجود أدلة ثبوتية لا تكفي، أو أقل من أربعة أشخاص ولكن معهم كثيرون على استعداد للشهادة بأنها معروفة بإتيان الفاحشة أو محترفة ـ كل هذا يخضع لتقدير الجهات المختصة في إيقاع العقاب السلبي بعزلها إلى أن تتوب أو تموت، وبالتالي فالمنتظر أن تعلن توبتها. دور المجتمع هنا هو الرقابة الأخلاقية بالتواصي بالحق والخير ووعظ المنحرفين، واصلاح المتهمة بالفاحشة حتى تتوب وتتزوج، وتحمي أخرى من الاتهام بالزنا إلا بالاثبات.

 

بدون مجتمع  نابض بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يمكن تطبيق هذا التشريع. بوجود مجتمع فاسد بأغلبية صامتة ساكنة ساكتة ومقهورة، تتحكم فيه أقلية مستبدة بالحكم متحكمة في الثروة، كالسعودية ـ فإن المعروف يصبح منكراً والمنكر يصبح معروفاً، ويمكن استخدام هذا التشريع وغيره للفتك بالمعارضين معنوياً ومادياً.

 

 

 

 2ـ ويقول جلّ وعلا (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (النور2 : 5). هنا تشريع يتحرك وسط مجتمع متفاعل بالعدل والحق والخير. فالخطاب هنا للمجتمع وليس لحاكم فرد. هذا المجتمع المتفاعل النشط هو الذي يقع عليه عبء الاثبات المبيّن بأن هذه زانية وأن هذا زان (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي)، إن إعترفا إختياراً فهذا يعني التوبة، والتوبة الظاهرية تسقط العقوبة، والمجتمع هو الذي يراقب هذه التوبة، فإن ثبت بالدليل وقوع الزنا مجدداً وجبت العقوبة واستحق الجاني لقب الزاني واستحقت الجانية وصف الزانية. فإن لم تكن هناك أدلة كافية وجب العقاب السلبي بامساكهن في البيوت. وهنا العقوبة للأنثى وليس الذكر، لأن الإثبات الفعلي يستلزم وجود الذكر في حالة وقاع فعلي مع الانثى. والعادة ان التي تحترف الفاحشة تمارس الزنا بدون تمييز مع كل من يأتي اليها، أي مع رجال غير معروفين يتسربون اليها. وهنا الفارق بين الزنا المثبت في حالة محددة بذكر وأنثى واللاتي يأتين الفاحشة مع من يعرفن ومن لا يعرفن من الرجال. طبقاً لمصطلحات القانون هو (زنا بلا تمييز) وطبقاً لمصطلحات القرآن فهناك فرق بين التي يزني بها خليلها والتي تزني مع كل من يأتيها، يقول جل وعلا (مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ)(النساء 25). (المحصنة) الصالحة للزواج هي العفيفة الشريفة التي لا تقع في الزنا. (المسافحة) هي التي تزني بلا تمييز مع كل من يأتيها. (متخذات أخدان) يعني العشيقة التي لا تزني إلا بشخص واحد.  المجتمع المتفاعل النشط هو المطالب بالإثبات وهو القادر عليه بالعدل والحق وبلا تلفيق أو ظلم. وهو المطالب بتوقيع العقوبة السلبية باستشهاد أربعة شهود، والايجابية بالجلد  أيضاً بأربعة شهود مع اختلاف صيغة الشهادة. وهذا المجتمع هو المطالب بحضور بعض المواطنين ليشهدوا العقوبة الايجابية بالجلد للزاني والزانية (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ). ثم هذا المجتمع هو المكلف بتطبيق الآية التالية في تحريم الزواج من زانية أو زان (الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) الزانية هنا تعني الرافضة للتوبة المصصمة على الزنا و(الزاني) هو الرافض للتوبة المصمم على الزنا. والمشرك هنا بمعنى الشرك السلوكي، أي هو الذي يتعدّى على الناس بسلاحه يستحلّ الدماء والأعراض والأموال كما هو حال الارهابيين في عصرنا. والاعتداء بهذا الشكل الذي يبيح انتهاك الأعراض وسلب المال وقتل النفوس هو قريب من الزناة، وبالتالي فهم أولياء لبعضهم البعض، ولا محلّ لهم في الزواج الإسلامي. ولكي تتزوج الزانية إسلامياً فلا بد أن تزول عنها صفة (الزانية)، وكذا الزاني، ويكتسب كلاهما وصفاً جديداً هو التائب والتائبة (وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (الفرقان68 : 70).

 أي لا بد من التوبة، ولا بد أن تمكث التائبة حتى براءة رحمها لتصلح للزواج، مع ملاحظة أن الله جل وعلا لا يذكر لفظ (الزواج) ولكن (النكاح) أي عقد الزواج، وبالتالي فإن عقد النكاح محرم إبتداءاً للزانية أو الزاني. وبالتالي فليس لها سوى خيارين : أما التوبة و الزواج، وإما أن تظل في متاهة العقوبات الايجابية بالجلد أو بالحبس. الذي يقوم على منع زواج الزانية والزاني والذي يقوم على تحديد التائبة أو المصرّة على الزنا هو ذلك المجتمع الناشط المتفاعل في الخير.

 

رابعاً :

أدعو الباحثين المسلمين المستنيرين لمتابعة بحث هذا الموضوع في العقوبات، مثل عقوبة القتل بالقصاص وحق ولي الدم في القصاص بيده وسلطة المجتمع عليه حتى لا يسرف في القتل (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) (الاسراء)، وحقه في أخذ الدية ودور المجتمع في تقديرها وتنظيم تسليمها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة 178: 179).

 

وفي عقوبة السرقة في دور المجتمع في إقرار العدل أولاً وكفاية ورعاية المحتاج وإعطاء (المستحقين حقوقهم) في الصدقة والفيء وغيرها وكفالة كل المحتاجين، وفي تحديد معنى السرقة المعاقب عليها، وتطبيق قطع اليد على السارق بعدها مهما بلغ جاهه حيث لا وجود لحاكم بالطريقة المعروفة، ثم سقوط العقوبة عند التوبة ودور المجتمع في جدية التوبة (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (المائدة 38 : 39).

 

ونفس الحال في مواجهة الارهابيين الذين يستحلون قتل الأبرياء وسلب أموالهم، وتنفيذ أقصى العقوبات عليهم طبقاً لجرمهم هل هو قتل وسلب واغتصاب وسبي أم قتل فقط ام سلب فقط ام ترويع فقط، للمجتمع تقدير العقوبة وتقدير العفو عند توبة المجرم وتسليم نفسه طوعاً وفق قوله جل وعلا في أمر مباشر موجّه للمجتمع التقيّ (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة 33 : 35). ومن أسف أن قطّاع الطرق هم الذين يحكمون المسلمين اليوم، وأن الذين يسعون للوصول للسلطة محلهم هم أولئك الارهابيون الذين يحاربون الله جل وعلا ورسوله ودينه .

 

وهذا المجتمع التقي مفروض فيه أنه قد تربى على حفظ الوصايا العشر التي جاءت في هذه السورة المكية (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الانعام 151 : 153). وهنا أيضاً ندعو الباحثين المسلمين لتدبر هذه الوصايا العشر القرآنية في ضوء سلطة المجتمع  التقيّ وتنفيذه لفضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

أخيراً : عند غياب التقوى .. لا يمكن تطبيق تلك التشريعات :

 

1 ـ  إنظروا إلى واقع المسلمين، وخصوصاً حين تحكمهم شريعة الدول الدينية سنية وشيعية .. من الرجم إلى تشريع الزنا تحت مسوغ (زواج المتعة) فتتزوج المرأة عدة مرات يومياً زواج متعة بأجر. ومن أكل مال اليتيم البالغ الناضج العاقل غير السفيه إلى تسليم  ثروة الأمة إلى حاكم مستبد سفيه ، ينفقها هو وأولاده وأتباعه في المجون وإفتتاح المزيد من السجون وفي إعلام مزيف دجّال للضحك على الذقون، وهذا ما يسير عليه السعوديون والمستبدون وسيتبعهم الاخوان المسلمون في حكممهم الميمون ! فالمجتمع  في الاسلام هو الذي يملك الموارد الاقتصادية والثروة، وهو الذي يقوم عليها يستثمرها للصالح العام، ولا يرث الفرد ثروته ويملكها إلا بمعيار الكفاءة في استثمارها، ولكن المستبد الشرقي يملك الثروة والارض ومن عليها. خلافاً لقوله جل وعلا للمجتمع القوي المتفاعل بالخير ( وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا). ثم انظر إلى تحقير المرأة وتعليبها في حجاب ونقاب إلى حرمانها من حقوقها في الزواج والطلاق. عشرات الآيات القرآنية التي جاءت بتفصيلات بعضها تم تكراره والتغليظ عليه والتحذير من عصيانه ، ولكن بكل جرأة تم عصيانها وتجاهلها في شريعة السلفيين .

 

2 ـ وأولئك المعتدون على شرع الله جلّ وعلا تناصرهم الأغلبية الصامتة بصمتها حيناً وبصراخها حيناً وبتصويتها لصالحهم دائما. حتى المرأة التي صارت ضحية لتلك الأديان الأرضية من سنية وشيعية تنازلت عن حقوقها في القرآن وارتضت أن يعبئها أعداء الرحمن بضاعة رخيصة للذكور من شيوخ وصبيان .

3 ـ  هذا هو حال الأغلبية الصامتة الكارهة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل إنها حين تتخلى عن صمتها وتنطق تراها تصرخ بالأمر بالمنكر والنهي عن المنكر. هذه الأغلبية الصامتة الظالمة لنفسها هي نذير شؤم على مجتمعها .. كيف . ؟ أنتظرونا

الأمـر بالـمـعــروف والـنـهـي عــن الـمـنـكــر في الاسلام
كتاب (الأمـر بالـمـعــر وف والـنـهـي عــن الـمـنـكــ ر بين الاسلام والمسلمين) يتناول فى دراسة تحليلية أصولية تاريخية التناقض بين الأمـر بالـمـعــر وف والـنـهـي عــن الـمـنـكــ ر بين الاسلام والمسلمين. وهذا الجزء الأول يتعرض فى لمحة عامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فى الاسلام بتأصيل مفهوم المعروف والمنكر قرآنياً وتشريعياً ومدى تطبيقه في الدولة الاسلامية في إطار الحرية الدينية المطلقة للفرد، ثم تعقبه ـ فيما بعد بعون الله جلّ وعلا ـ الأجزاء التالية تتبع مسيرة الأمـر بالـمـعــر وف والـنـهـي عــن الـمـنـكــ ر في تقعيدات وتنظيرات فقهاء المسلمين وفي تاريخهم من عصر الرسالة والصحابة
more