رقم ( 11 )
الفصل الرابع : السلفية الوهابية فى مصر

الباب الثالث : الاخوان المسلمون فى مصر صناعة سعودية وهابية

الفصل الرابع : السلفية الوهابية  فى مصر

 أولا : مقدمة  

1 ـ قلنا إن شجرة الاخوان المسلمين زرعها عبد العزيز آل سعود فى مصر عن طريق عملائه فى مصر. بدا بالسلفية وأبرز زعمائها رشيد رضا  ، ثم أنصار السنة ، والشبان المسلمين ، ثم أخيرا الاخوان المسلمون عام 1928.  وذلك بعد أن قضى عبد العزيز على (الإخوان النجديين ) التابعين له والذين أنشأ بهم ملكه. وإثناء الصراع بينه وبين الآخوان ( النجديين )، وبمجرد الاستيلاء على الحجاز ومكة وشعيرة الحج استقطب له أنصارا من مصر ، وعمل مبكرا فى وجود الاخوان النجديين على إقامة ( إخوان ) آخرين فى مصر ، فتحولت الجمعية الشرعية المصرية الى الوهابية عن طريق شيخها الشيخ السبكى ، وأنشأ عملاء عبد العزيز له ( أنصار السّنة ) و( الشبان المسلمين ) لنشر الوهابية ، ثم إختير ( حسن البنا ) من داخل الشبان المسلمين لتولى تأسيس ( الاخوان المسلمين ). ليعوّض بهم رفاقه المشاكسين ( الاخوان النجديين ) ، وليستغلهم فى الوصول لحكم مصر لتصير مصر عمقا تابعا له ولأسرته. 

2 ـ مع إتحاد الاخوان والسلفيين فى الدين الوهابى إلا إن الهدف الأول للإخوان هو الوصول للحكم ، وما يستلزمه هذا من صراع ونفاق وإزدواجية الخطاب . على العكس من ذلك ، يمتاز معظم السلفيين الدعاة بالصراحة فى التعبير عن معتقداتهم الوهابية فى أنهم الممثلون لله جل وعلا والمحتكرون وحدهم للاسلام ، وبالصراحة فى رفض المختلف معهم دينيا ومذهبيا وسياسيا وفى اعتبار الديمقراطية كفرا . وحين عملوا مؤخرا بالسياسة كانت محاولة كبح جماح صراحتهم وتعليمهم التقية والنفاق وإخفاء أنيابهم مرحليا حتى الوصول للسلطة، ومع ذلك فإنه لا تزال فلتات لسانهم تفضح حقيقة توجهاتهم السياسية والدينية . وحتى الآن فالاخوان المسلمون ورثوا وتعلموا من رائدهم حسن البنا أصول النفاق ، وتميزوا بهذا عن السلفيين المصرين . السلفيون المصريون  ـ فى معظمهم ـ عاشوا وتعايشوا على حفظ رسائل ابن عبد الوهاب وابن تيمية وابن القيّم فى إنفصال تام عن الحاضر .

3 ـ فى عصر مبارك أتيح لهم التوسع والانتشار واخترقهم ( امن الدولة ) واستغلهم فى أعماله القذرة . لم يعملوا بالسياسة ولم يتعلموا حنكة الاخوان ودهاءهم ونفاقهم . وبعد أن تحرروا من سيطرة ( أمن الدولة ) بسقوط مبارك ظهروا مرة واحدة فى المشهد السياسى المصرى. وبعضهم تعلم الارهاب على ايدى العسكر حين خدم العسكر ، أو بسبب تعذيب العسكر .

4 ــ ونعطى لمحة سريعة

أولا : بين الاخوان والسلفيين

1 ـ فى سياسته فى التجميع كان السلفيون أهم مجموعة يبدأ بها حسن البنا، خصوصا وقد بدأ بهم أول إتصالاته ، وكسب ثقة رشيد رضا ، وتولى بعده رئاسة المنار ، وإكتسب ثقة محب الدين الخطيب ، وبعد موته قال عنه محب الدين الخطيب : ( إن الأستاذ حسن البنا أمة وحده ،وقوة كنت أنشدها في نفس مؤمن فلم أجدها إلا يوم عرفته ...وكنت (ابن صنعة) يوم اكتشفت بيني وبين نفسي حاجة الاسلام إلى هذا الداعية القوي ، الصابر المثابر،الذي يعطي الدعوة من ذات نفسه ماهي في حاجة إليه من قوة ومرونة ولين وجلد وصبر وثبات إلى النهاية . وكثيرًا ما كنت أفكر في هذا الجيش اللجب من الإخوان المسلمين ومالهم من مئات الشُّعَب وكيف استطاع رجل واحد أن يحقق ذلك بعد أن كان أملاً بعيدًا لكل غيور على الإسلام  ).

2 ـ وأتيح لحسن البنا أن يقود فصيلا من السلفيين من خلال اشرافه على مجلة المنار بعد موت رشيد رضا. وإستطاع ان يجتذب كثيرا منهم الى جماعته الاخوان . وإنتشر الاخوان وتشعبوا داخل مصر وخارجها ، وكان السلفيون الأكثر إنتشارا بسبب تخففهم من العمل السياسى وتركيزهم على الدعوة الوهابية باسم الاسلام . دخل الاخوان فى صدام مع مصر الليبرالية ثم مع مصر العسكرية من عبد الناصر وحتى الآن ، بينما كان السلفيون يتغلغلون فى مصر بآلاف الجمعيات ومئات الالوف من المساجد تحت شعار الاسلام و ( الكتاب والسنة ) .

3 ـ  وبينما نشب الخلاف وتم الطلاق بين السعودية والاخوان فإن السلفيين حظوا برعاية السعودية بسبب ولائهم للسلطان القائم وتفرغهم للدعوة ،فتقاطر عليهم التمويل من السعودية والخليج ، ونشطت تجارة إقامة المساجد  الوهابية ، واصبحت وسيلة هامة فى تكوين الثروات ، وصارت مساجد إستثمارية ، تتكون من مستشفى ودروس خصوصية و محلات تجارية .

4 ـ عبد الناصر لم يتعرض للسلفيين حين عصف بالاخوان فى الخمسينيات وفى الستينيات ، لأنه لم يشعر بالخطر منهم ، بل ترك تنظيماتهم الدعوية تعمل بنشاط دون تحجير ، ولهذا ظلت الجمعية الشرعية وأنصار السُنّة تعمل فى عهد عبد الناصر العروبى ( العلمانى ) المعادى للسعودية .

5 ــ ثم دخلت الوهابية فى انقلاب خطير فى عصر السادات وتحالفه مع السعودية والاخوان والسلفيين معا. أراد أن يركبهم جميعا بإعتباره الرئيس المؤمن الذى يتشبه يتشبه بالخليفة عمر بن عبد الخطاب . وكان مجلس الشعب على وشك إقرار ( الشريعة الوهابية ) تحت مسمى الشريعة الاسلامية ، ومنها ( حد الردة ) . وظهر قادة وهابيون جُدُد ، إشتهروا فى عصر السادات ، كان منهم الشيخ  الاخوانى صلاح أبو إسماعيل ( 1927 : 1990 ) ، الذى   سادت شهرته طيلة عصر السادات وحتى عصر مبارك . وفى نضاله ضد العسكر كان ينجح فى الانتخابات رغما عنهم بسبب شعبيته الكبيرة والانتشار الهائل للسلفية الوهابية. وبعد موته ورث شهرته ابنه حازم الذى تحالف مع الاخوان ، وأرتكب أعمالا ارهابية فى فترة الاضطراب التى جاءت بعد عزل مبارك . شهرة صلاح ابو اسماعيل وابنه حازم من بعده تعطى مؤشرا على علو النفوذ السلفى . فليس لهما تميز علمى ، سوى الشهرة فى خطاب العوام . 

6 ــولم يمنع الصدام بين السادات والاخوان تراجع النفوذ السلفى ، بل زاده توسعا بسبب حاجة السادات للأزهر والسلفيين حتى يحتفظ بمسحته الدينية فى مواجهة خصومه من اليساريين والماركسيين والقوميين العروبيين . كان السلفيون ينتشرون بمساجدهم وتنظيماتهم فى العمران المصرى فى كل مدينة وكل قرية وكل حىّ . وأتيح لهم ــ مع الاخوان ــ السيطرة على التعليم والاعلام والأزهر والأوقاف ، بإعتبارهم انهم ( الاسلام ).  وفى عصر السادات إنبثقت من الوهابية تنظيمات مختلفه وأطياف متنوعة من الجهاد والجماعة الإسلامية وازدهرت حركات مختلفة. وحين تصدى لهم قتلوه .  

7 ـ بعد إغتيال الاخوان للسادات ومجىء مبارك وضع أمن الدولة المصرى عينيه على الجماعات السلفية ،فهى التى تمثل ( الاسلام ) من وجهة نظر المجتمع المصرى ، وليس لها  طموح سياسي ، بل هى تعمل فى خدمة أمن الدولة ليتمتع قادتها بالثروة والسلطة فى عصر الفساد الذى تغلغل فى مصر بتغلغل السلفية فيها . وصار ملحوظا هذا التناغم بين إنتشار الفساد وإنتشار التدين السطحى بفعل الوهابية السلفية وإحترافها الدينى . وبينما حارب مبارك  الأخوان وما ظهر وما بطن من تنظيماتهم فقد سيطر امن الدولة على الجسم الأكبر للدعوة الوهابية ، وهو الجمعيات السلفية   .وبالتمويل السعودي والدعم المصري تمدد وتشعب التيار السلفي الدعوى أكثر وأكثر ، وانتشرت تنظيماته وتكاثرت مساجده بالآلاف ، وتسلل إلى الأزهر والتعليم والأعلام والنوادي .. وبتأثيرهم انتشر الحجاب والنقاب ، ووقع الأضطهاد على أهل القرآن لمجرد أنهم يواجهون الوهابية من داخل الإسلام ، بل وتفرغ التيار السلفي لمطاردة المفكرين العلمانيين بمحاكم التفتيش أو " الحسبة " ومطاردة الأقباط ،

8 ـ إقترف السادات خطايا عُظمى : التحالف مع الوهابية والسعودية ( محور الشّر ) دون أن يدرك خطورة اللعب مع العقرب الوهابى ، هذا لأنه أراد أن يستمر فى الحكم الى النهاية ، بإعتباره الرئسس المؤمن الذى يحرم عزله . لذا قام بتغيير الدستور ليمنحه أن يظل رئيسا مددا بلا تحديد ، وأرضى الوهابيين المصريين بالنصّ على مبادىء الشريعة ( الاسلامية ) مصدرا للتشريع ، وأعطى للرئيس فى الدستور سلطة مطلقة دون مُساءلة ـ بنفس شريعة الوهابيين . ولأنه حين كان نائبا لعبد الناصر فقد تآمر على جمال عبد الناصر وإغتاله لصالح السعودية، فقد كان حريصا على أن يكون نائبه بلا لون ولا طعم ولا رائحة ، خاليا من أى طموح ومن أى موهبة ، فإختار حسنى مبارك . بهذه الخطايا العظمى الثلاث وصل مبارك الى الحكم بعد أن شارك فى قتل السادات بيد خالد الاسلامبولى وفرقته . وصل مبارك للحكم ومعه دستور يعطيه الحق فى الترشح للرئاسة والبقاء فى الحكم طالما ظل على قيد الحياة ، وان يمارس سلطته دون مساءلة . رفض مبارك من البداية والى النهاية تعيين نائب له حتى لا يتآمر هذا النائب على حياته بمثل ما فعل السادات مع عبد الناصر وبمثل ما فعل هو مع السادات . تعاون مبارك مع فريق من الوهابيين فى إغتيال السادات وخوفه من الاخوان المسلمين جعله يركز على إستمالة السلفيين والدفاع عن الوهابية فى نفس الوقت الذى يضطهد فيه الاخوان ومن ينتقد الوهابية أيضا .

9 ـ فى هذا السياق وصل التعاون بين جهاز أمن الدولة فى عهد مبارك والسلفيين الى مرحلة خطيرة ، إذ استغلهم أمن الدولة في احداث القلاقل التي تبرر تمديد قوانين الطوارئ .

وبتسلل امن الدولة إلى جسم الحركة السلفية امكن إنشاء تنظيمات مختلفة تعمل لصالح الأمن. بل نجح الامن في عقد صفقة مع زعماء المساجين من الجماعة الإسلامية والجهاد فيما يعرف بالمراجعة الفكرية وبها يتخلون عن " العنف " والعمل السياسي وطريق الاخوان ويتراجعون إلى المربع الأول أي الدعوة ، أي معسكر السلفية التى تعمل في خدمة امن الدولة وتنظيماتها السلفية السرية ، ومنها ما يتولى لأمن الدولة تنفيذ العمليات القذرة ، مثل تفجير كنيسة القديسين في الأسكندرية ،وتفجيرات شرم الشيخ في سيناء.

ثالثا:بعد سقوط مبارك

1ـ سقط مبارك وسقط أمن الدولة وظهر جسم الحركة السلفية متحرراً من سيطرة الأمن ،  يملك التوسع والأنتشار والنفوذ بين العوام والأزهر والأوقاف والتعليم والأعلام ، وأهم من ذلك ملايين الأتباع والأنصار في القرى والنجوع والأحياء الشعبية ، وظهر تأثيرهم السياسى واضحا يشير إلى طموح سياسي انطلق فجأة يستثمر الوضع القلق بعد عزل مبارك وحالة السيولة التي تعيشها مصر وقتها ـ مع انفلات أمنى ، وهذا فى وقت مفصلى بين غروب دولة بوليسية وملامح فوضى متفرقة ومظاهرات ومطالب فئوية ، ومجلس عسكري لم يكن أعضاؤه جاهزين لإدارة دولة مدنية ، وبقايا أمن الدولة ونظام قديم لا يزال يعمل في الظلام لإسترداد ما سبق  أو حتى على الأقل للإفلات من العقاب بإيقاع مصر في الفوضى ، والسبيل إلى ذلك أن يتعاون العسكر وبقايا نظام مبارك مع البلطجية ومتطرفي السلفيين لإحداث فوضى بتدمير الكنائس أو الأضرحة . وهذا ما كان .

2 ـ فى هذه الفترة تحتم على السلفيين العمل ، إمّا مع الاخوان أو العسكر . زعماء السلفيين الحاليين هم صنائع أمن الدولة ، وقد تربوا على التعامل مع أمن الدولة في عصر مبارك طيلة ثلاثين عاماً.لذا إختار السلفيون التعاون سرا مع العسكر ضد الاخوان ، وخدعوا الإخوان . وضاع الاخوان وإحتل السلفيون مكانهم ، وعادوا الى سيرتهم الأولى أدوات للعسكر فى قهر الشعب المصرى .

3 ـ الخطورة هنا ان عمل بعض السلفيين مع أمن الدولة وقيامهم بأعمال ارهابية لصالح دولة العسكر أدخل أولئك السلفيين فى مربع الارهاب ، أو ممارسة السياسة بالمفهوم الارهابى العسكرى والاخوانى . لم يعودوا دُعاة بل إرهابيين . فصيل آخر من السلفيين لعب فى المربع الرمادى بين الاخوان والسلفيين فتعرض للسجن والتعذيب فخرج ناقما ، ورضى أن يتعاون مع الأمن أو أضمر الكيد للأمن ، وبالطريقين ترك الدعوة وأصبح إرهابيا محترفا ، زالت الفوارق بينه وبين الاخوان المسلمين الارهابيين .

4 ــ وتنوقف مع أهم الجمعيات والجماعات السلفية فى مصر .

 

   الجمعيات السلفية فى مصر :  الجمعية الشرعية

أولا : تأسيس الجمعية الشرعية وأئمتها :

1 ـ الجمعية الشرعية : أسسها الشيخ محمود خطاب السبكي ( 1858 : 1933  )  سنة 1913 علي اساس الولاء المطلق للتصوف. ولأنه كان  صوفيا يؤمن بعلو التصوف على الفقه ( السنى )  بطريقة الصوفى عبد الوهاب الشعرانى فقد كتب أول مؤلفاته في اربعة اجزاء ، في اخضاع الفقه للتصوف ، وهو : ( اغلب المسالك المحمودية في التصوف والاحكام الفقهية  ). وإسم ( المحمودية ) يشير الى إسمه ( محمود ) على طريقة الأولياء الصوفية ، حيث كانت الجمعية الشرعية وقتها أقرب الى الطريقة الصوفية ، غير أن مؤسسها كان من علماء الأزهر . وعاش الشيخ السبكى معظم حياته صوفيا ( 1858 : 1926 )

2 ـ ظلت الجمعية الشرعية على ولائها للتصوف وبالتالى على عدائها للوهابية حتى عام 1926، إذ تحولت الى النقيض ، أى الدفاع عن ( السُّنّة ) أى الوهابية . واتخذت مؤلفاته طابعا جديدا ، هو الهجوم على التصوف ، وحمل لقبا جديدا توارثه من جاء بعده وهو ( إمام أهل السنة والجماعة ) . فى الترويج للوهابية وفي هذا الاتجاه الجديد كتب 26 كتابا ،خلال سبع سنوات فقط ،  منها كتاب "الدين الخالص"، و"المنهل العذب المورود في شرح سنن أبي داود". و مات سنة 1933 . إشتهرت الجمعية الشرعية بعد عام 1926 بالهجوم على الصوفية ، وقيل عن أرباب الجمعية الشرعية : ( كان الصوفيون ينبذونهم بالـ "وهابية" و كراهية الأولياء ...الخ... كما كانوا سلفيين أقحاح في أغلب مسائل العبادات و المعاملات. و كانوا أول من دعى في مصر - في هذا العصر - إلى صلاة التراويح ثمانية ركعات كما هي السنة)

3 ــ وعلي طريقه سار ابنه امين السبكي الذى تولى رئاسة الجمعية حتى وفاته  1968 . وقد قام بتحقيق مؤلفات والده ، وكتب في الدعوة الوهابية تسعة من الكتب . منها "إرشاد الناسك إلى عمل المناسك"، و"الفتاوى الأمينية" التي تضم فتاواه في مناحي الحياة المختلفة. وفي عهده انتشرت مساجد الجمعية في كثير من أرجاء مصر.

 4 ـ وتولى بعده الشيخ عبد اللطيف مُشتهري، وهو من أشهر رؤساء الجمعية بعد مؤسسها، وشهد عهده انطلاقة كبيرة للجمعية وأنشطتها في مصر، وتوفي في (28 من أغسطس 1995م).

5 ـ تولى بعده الشيخ محمود عبد الوهاب فايد: وكان من العلماء ومن المشتغلين بالصحافة، وله مؤلفات منها "صيحة الحق". توفي في ( 12 من يونيو 1997م).

6 ـ ثم الشيخ الدكتور فؤاد علي مخيمر: وقد تفرغ لعمل الجمعية حتى إنه ترك بيته بعد تولي رئاستها، وسكن في مقر الجمعية . ومن مؤلفاته الوهابية "السنة والبدعة بين التأصيل والتطبيق"، و"الشباب وقضايا العصر"، و"قبسات من المنهج التربوي في السنة". توفي في (24 من إبريل 2002م).

7 ـ ثم الشيخ  د .  محمد المختار محمد المهدي: كان  أستاذ الدراسات العليا بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالازهر،   وعضو هيئة كبار علماء الأزهر ورئيس لجنة القرآن وعلومه والإعجاز العلمي بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.  من أبرز أعماله إصدار وتحرير مجلة التبيان،  وتطوير معاهد إعداد الدعاة للدارسين والدارسات واختيار مناهجها واعتمادها من وزارة الأوقاف وإطلاق نشاط الجمعية داخل مصر وخارجها عن طريق المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والاغاثة.  ومات  فى 1 فبراير 2016 . 

8 ــ قررت الحكومة المصرية عام 1967  دمج "الجمعية الشرعية" مع جماعة "أنصار السنة"( و هم سلفيون أقحاح) في جمعية واحدة بسبب توحدهما فى الوهابية . و ظل الدمج قائما حتى منتصف السبعينيات تقريبا قبل انفصالهما مرة أخرى. واستمرت الجمعية الشرعية أكبر مركز للدعوة الوهاببية السلفية ، وفازت بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة ( الاسلام ) عام 2009 .

ثانيا : ملاحظات على الجمعية الشرعية :

1 ـ وجهها الأزهرى : جذبت اليها الكثيرين من الأزهريين ، وكل أئمتها من شيوخ الأزهر. وللجمعية الشرعية "هيئة من كبار العلماء" من الأزهريين وهم يتصدون للفتوى ، وبشيوخها الأزهريين أنشأت الجمعية 26 معهداً لإعداد الدعاة، ينتسب إليها الراغبون في الانضمام لفريق الدعاة إلى الله، من غير خريجي الأزهر الشريف، من الرجال والنساء على السواء.

2 ـ هى أكبر جمعية دينية فى مصر، وتنشر الدعوة الوهابية من خلال قرابة 6000 مسجد وزاوية، منتشرة في مختلف قرى ونجوع مصر من أقصاها إلى أقصاها. ويتخرج فى معهدها للدعاة خطباء ووعاظ بالمساجد التابعة للجمعية الشرعية . كما يقوم فريق من علماء الجمعية بتشكيل "قوافل الدعوة" التي تجوب المحافظات، للدعوة الى الوهابية ومواجهة ( المفاهيم المغلوطة التي يبثها أعداء الإسلام بين أبنائه) . وللجمعية الشرعية مجلة أسبوعية شاملة .

3 ـ تتميز بأعمالها الخيرية والاجتماعية والطبية الصحية والتعليمية والتى تجذب بها التمويل وتكتسب الارباح والأنصار.

ثالثا : الجمعية الشرعية والاخوان :

1 ـ التمويل السعودى والخليجى هو سبب الانتشار الهائل للجمعية الشرعية فى مصر ، به تحولت الى أكبر جمعية دينية ، تتغلغل فى أحشاء المجتمع المصرى . وكان من الطبيعى أن يتسلل اليها الاخوان المسلمون ، يستغلون إنتشارها فى العمران المصرى .

2 ـ برز من أعمدة الاخوان المرتبطين بالجمعية الشرعية د منير جمعةاستاذ مساعد بجامعة ام القرى من عام 2008 ، و أ.د. طلعت عفيفي وزير الأوقاف السابق فى عهد محمد مرسى ، والشيخ مصطفى إسماعيل.  وأبرز قيادات الجمعية الشرعية هو مفتى الاخوان المسلمين الشيخ الأزهرى د . عبدالرحمن البر،المشهور بأنه مفتى الارهاب أو مفتى الاخوان .

رابعا : د . عبد الرحمن البر

هو محصلة سيطرة الوهابية على الأزهر والاخوان والجمعية الشرعية .  ونأخذ عنه لمحات : 1 ـ هو ( عبدالرحمن عبدالحميد أحمد البر) المشهور بلقب ( مفتي جماعة الإخوان). ، ولد بقرية سنبخت مركز أجا بمحافظة الدقهلية عام 1963، وتخرج فى كلية  أصول الدين والدعوة بالمنصورة . قسم التفسير والحديث عام 1984. حصل على ماجستير في الحديث وعلومه من كلية أصول الدين عام 1989، إضافة لحصوله على الدكتوراه في ذات التخصص عام 1993، من كلية أصول الدين بالقاهرة، وتدرج البر في العمل من معيد في قسم الحديث وعلومه بكلية أصول الدين والدعوة بالمنصورة عام 1985، إلى أن أصبح أستاذا بنفس القسم والكلية عام 2004،  إضافة لكونه عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين. وإلى جانب عمله «مفتي الجماعة»، شغل البر عددا من المناصب، وشارك في نشاطات أخرى، من بينها عضويته في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو الجمعية التأسيسية لوضع الدستور المصري في 2012، وعضو مجلس إدارة جمعية جبهة علماء الأزهر عام 1995.ودرس البر بمعاهد إعداد الدعاة بالجمعية الشرعية ووزارة الأوقاف.  وأشتهر "البر" بتصريحاته المثيرة  من على منصة اعتصام جماعة الإخوان برابعة العدوية، وبعد فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس عام 2013. وتمكنت الأجهزة الأمنية من القبض على عضو مكتب الإرشاد والمكني بـ "مفتي الجماعة" في إحدى المناطق السكنية بـ6 أكتوبر.

2 ـ من فتاويه : أجاز لأعضاء الإخوان مقاتلة الآخرين،  وبالجهاد والإمساك بالسلاح ضد الشرطة والجيش واعتبار كل من هو ليس معهم يكون ضدهم ويوجب عليهم القتال ضده حتى لو كان سلميا. واضطر الأزهر ودار الافتاء الى رفض فتاويه .

3 ـ صدر الحكم عليه بالإعدام، ثم قضت محكمة جنايات شبرا الخيمة، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة، الخميس، بمعاقبة عبدالرحمن البر، مفتى الإخوان، و2 آخرين بالسجن 5 سنوات في إعادة محاكمتهم في قضية «قطع الطريق الزراعي بقليوب».  

 

 

 

  أنصار السُّنّة

مقدمة :

جمعية انصار السنة اقامها الشيخ حامد الفقي احد الازهريين فى عام 1926 ، للدعوة الوهابية تحت مسمى ( السُّنّة ) ، وقد انشأ له عبد العزيز آل سعود منزلا في حي عابدين يتكون من ثلاث طوابق ، كان مقرا لإقامته ولمكتبته وللدعوة الوهابية ،وتخصصت هذه الجمعية في نشر الفكر الوهابي ومؤلفات ابن تيمية وابن القيم ،كما انشأ مجلة الهدي النبوي  سنة 1936    

أئمة أنصار السنة :

الأول : مجمد حامد الفقى : مولود  عام 1892  فى اسرة ريفية متدينة ، ثم تعلم فى الأزهر ، ملتزما بالمذهب الحنبلى .  ومارس الدعوة للحنبلية قبل وبعد تخرجه فى الأزهر 1917 . ولفتت جهوده عملاء عبد العزيز آل سعود ، فكان إشهار ( أنصار السُّنة ) عام 1926 . إشتهر بما يعرف بالتفسير . وبنشر مؤلفات ابن تيمية وابن القيم الجوزية والسيوطى والهروى وغيرهم .  وتوفى يوم 16 يناير 1959 .

الثانى : عبد الرزاق عفيفى :  وهو مصرى ينتسب الى قبيلة نجدية . مولود عام 1905 وتوفى فى الرياض فى اول سبتمبر عام 1994 ، تعلم فى الأزهر وتخصص فى الفقه ، وعمل مدرسا بالأزهر ، ثم استدعاه عبد العزيز آل سعود عام 1950 ليقوم بالتدريس في كلية الشريعة في الرياض إبان إنشائها. ثم عين مديرا للمعهد العالي للقضاء ثم دار الإفتاء، ثم عضوا في هيئة كبار العلماء، وفي اللجنة الدائمة للإفتاء، حتى صار نائبا لرئيسها، وذلك إلى أن توفي. تولى الإشراف العلمي على عدد من الرسائل العلمية العالية، الدكتوراه والماجستير. من تلامذته أشهر علماء الوهابية السعوديين : مثل ابن عثيمين والجبرين وابن قعود وصالح الفوزان .

الثالث : عبد الرحمن الوكيل ( 1913 :  1970)

1 ـ نشأ فى بيئة ريفية أزهرية  وتخرج بتفوق فى كلية أصول الدين بالأزهر ، وعمل أول تخرجه مدرسا ثانويا ، ثم أُنتدب للتدريس بالسعودية بالرياض عام  1952م.وفي الستينيات انتقل إلىٰ كلية أصول الدين مدرسًا بها. في عام 1936م التحق بجماعة أنصار السنة المحمدية بتزكية خاصة من السيدة نعمة صدقي صاحبة كتاب التبرج، حيث شارك بعدها في أعمال الجماعة المختلفة، إلى أن أصبح وكيلا أولا للجماعة، وزادت مكانته الخاصة عند الشيخ محمد حامد الفقي، وقد عرفه قراء مجلة الهدي النبوي بقدرته الفائقة على الإقناع، وإفحام خصومه من أصحاب الطرق وأهل الأهواء والفرق؛ من قأديانية وبهائية وغيرهم، من خلال سلسلة الأبحاث التي كان يحررها تحت عنوان "طواغيت" ولذلك لقبه قراء المجلة "بهادم الطواغيت"، مما عرضه ذلك للتحقيق أمام النيابة العامة بسبب شكاوى مشايخ الطرق الصوفية ضده، التي رد عليها في كتابه "رسالة إلى شيخ مشايخ الطرق الصوفية" التي  صدرت فيما بعد بعنوان "هذه هي الصوفية" وترجمت إلى اللغة الإندونسية.

2 ـ  شغل منصب رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية فرع مصر القديمة، ثم اختير وكيلًا أولًا للجماعة بمصر.وفي  27/8/1959 تم انتخابه نائبًا لرئيس الجماعة الثاني الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، وترأس تحرير مجلة الهدي النبوي، وكان يكتب التفسير بها حتىٰ توقفت . انتخب رئيسًا عامًّا لجماعة أنصار السنة المحمدية في مصر بعد سفر رئيسها الشيخ عبد الرزاق عفيفي إلىٰ السعودية فى 9/7/1960؛ فكان بذلك ثالث رئيس للجماعة بمصر.وانتخب نائبًا له محمد خليل هراس ، واستمر علىٰ رأس إدارة الجماعة إلىٰ أن أدمجت في الجمعية الشرعية، بعدها انتدب للتدريس بكلية الشريعة بمكة المكرمة، وعمل أستاذًا للعقيدة بقسم الدراسات العليا إلىٰ وفاته بمكة المكرمة عام  1970 .

3 ـ إشتهر بمهارته البحثية ـ وهى صفة تميز بها عن شيوخ الوهابية ، ومنمؤلفاته :هذه هي الصوفية. البهائية: تاريخها، عقيدتها، وصلتها بالباطنية والصهيونية. الصفات الإلهية. صوفيات.- زندقة الجيلي. الجيلي وكتابه الإنسان الكامل. من ضلالات الصوفية.سيد الخلق صلي الله عليه وسلم بشر.وسائل التوحيد. أثر التصوف في العقيدة.-نظرات في التصوف. .-   الطواغيت.الغزالي عند أهل السنة والجماعة. .-مفتريات.-  حول القاديانية.تفسير القرآن: الكهف، مريم، الإسراء. - جمهرة المقالات. .-الصوفية وأثرها في العقيدة. -تحذير المسلمين من إتباع سنن السابقين -عبر وذكريات.  لمحات عن جهاد شيخ الإسلام ابن تيمية -ديوان أشعاره. الصفات الألهية بين السلف والخلف.- دعوة الحق.

أما تحقيقاته وتعليقاته فهي عن الكتب الآتية:(  الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، للإمام المحدث عبد الرحمن السهيلي. إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن قيم الجوزية. مصرع التصوف، لبرهان الدين البقاعي.)

 الرابع : د .  محمد خليل حسن هراس. مولود بقرية قطور ، وتخرج فى الأزهر عام 1940 ، تخصص فى الفلسفة ثم إعتنق الوهابية التيمية وجعله موضوع رسالته فى الدكتوراة  . واستدعاه عبد العزيز بن باز ليقوم بالتدريس فى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، ثم عاد إلى مصر ثم أُعير مرة أخرى، ليشغل منصب رئيس شعبة العقيدة في قسم الدراسات العليا في كلية الشريعة سابقاً - وهي جامعة أم القرى حالياً- في مكة المكرمة. بعد عودته إلى مصر، شغل منصب نائب الرئيس العام لجمعية أنصار السنة المحمدية، ثم الرئيس العام لها.  وتابع شيخه حامد الفقى فى نشر التراث السنى الحنبلى والتعليق عليه ، وكان له تلامذة من الوهابيين السعوديين . وتوفى عام 1975 .

من أعلام أنصار السنة :

أحمد محمد شاكر المشهور بمحقق الحديث ، وعبد الظاهر أبو السمح أول إمام للحرم المكي في العصر السعودي ومؤسس دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة.وأبو الوفا درويش ، وعبد الرزاق حمزة عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية سايقاً ، بالاضافة الى رؤساء الجماعة اللاحقين : محمد عبد الرحيم الرئيس  الخامس للجماعة،وصفوت نور الدين الرئيس العام السادس للجماعة،  و عبد الله شاكر الجنيدى الرئيس العام الحالي للجماعة.

ثانيا : ملاحظات على جماعة أنصار السُّنّة :

1 ــ موقف حامد الفقى من الاخوان المسلمين تطابق مع موقف عبد العزيز ، أنكر عليهم عملهم بالسياسة وتعاملهم مع المخالفين للوهابية مشاركا لاخوان النجديين صلابتهم الوهابية . ومن الطريف انه سمّاهم ( الخوّان المسلمين ) .

2 ــ  إنتماء أنصار السنة الى عبد العزيز آل سعود أكثر من إنتمائهم الى مصر ، وأكثر من إنتماء الجمعية الشرعية للسعوديين  .

3 ــ في عام 1967م أدمجت الحكومة المصرية جماعة أنصار السنة المحمدية في الجمعية الشرعية .ثم أعاد إشهارها رشاد الشافعى عام 1972  مستفيدا بتحالف السادات مع الوهابية . وأصدر مجلة التوحيد بعد ثلاث سنوات من إعادة الاشهار لتكون بديلا عن مجلة الهدى النبوى .

4 ـ إنفصل عن انصار السنة جميل غازى وكوّن جمعية مسجد العزيز بالله ،  و سيد رزق الطويل الذى أسس جماعة دعوة الحق الاسلامية .و توسعت الجمعيتان السالفتان ( جمعية مسجد العزيز بالله ،وجماعة دعوة الحق الاسلامية) ،

5 ــ كما توسعت الجماعة الأم ( أنصار السُّنّة ) وبلغت فروع الجماعة في مصر الآن أكثر من 150 فرع، وبلغ عدد المساجد التابعة للجماعة ما يقرب من 2000 مسجد في جميع أنحاء جمهورية مصر العربية، وانتشرت دعوتها منذ تأسيسها وذاع صيتها في داخل مصر وخارجها وتأسس لها فروع في عدد من البلدان الإسلامية فى افريقيا .

 

 مسجد العزيز بالله، ود . جميل غازى

 

 أولا : حى الزيتون ومسجد العزيز بالله

1 ـ حىّ الزيتون من أهم مناطق تجمع المسيحيين بالقاهرة ، وسكانه ينتمون الى الطبقة الوسطى ، وكان يخلو من مسجد كبير جامع .  أيضا كان يسكن فى الحى الشيخ عبد الحليم محمود اشهر الصوفية فى مصر ( 1910 : 1978 ) ، والذى أصبح شيخا للأزهر فى عصر السادات فيما بين :( 1973 : 1978 ). . لذا خطّط الوهابيون السلفيون من أنصار السنة الى تأسيس مركز سلفى وهابى قوى يواجه المسيحيين فى الحى بل وفى القاهرة ومصر ، ويواجه الصوفية أيضا .

2 ـ بالأموال السعودية والخليجية تم تأسيس مسجد ( العزيز بالله ) فى شارع العزيز بالله ، بجوار بيت الشيخ عبد الحليم محمود ، وبالقرب منه واحدة من أكبر الكنائس فى مصر كلها . وتعيّن إماما للمسجد الشيخ محمد جميل غازى ، أفصح خطيب فى عصره ، وبفصاحته ودروسه فى ( التفسير ) فى خطبة الجمعة إحتل مسجد العزيز بالله المكانة التى كان يحتلها مسجد الشيخ عبد الحميد كشك ( 1933 : 1996 ) فى حى حدائق القبة بالقاهرة . جدير بالذكر أن السادات منع الشيخ كشك من الخطابة عام 1981 .

3 ـ منذ إنشائه عام 1968 أحدث مسجد العزيز بالله تغييرا هائلا فى حى الزيتون وفى القاهرة وفى مصر بأسرها . اصبح حىّ الزيتون معقلا للوهابية ومركزا لنشر الوهابية من كتب وصحف وشرائط ، وراجت فيه تجارة السواك والعسل الجبلي وبول ولبن الإبل و القباقيب والبخور والحجامة والزى السلفى من الجلباب الأبيض القصير للرجال، وإسدالات ونقاب وجوارب وقفازات كلها باللون الأسود  للنساء ،كل هذا بفصاحة محمد جميل غازى ، وأشرطته التى إنتشرت فى مصر وخارجها تنافس أشرطة الشيخ كشك .

4 ـ كان المسجد يضم قسمين أحدهما للرجال وآخر للنساء، يشمل مستشفيا كبيرا من عدة طوابق وجمعيات لمساعدة الأسر الفقيرة وغيرها من الأعمال الخيرية، التى تقوم إدارة المسجد بتوصيلها للأسر المحتاجة.. وتؤكد إدارة المسجد أنها تنفق أموالها على مساعدة الفقراء والمحتاجين بعد أن تتلقى تبرعات الأغنياء على حساب رقم 66162 فى بنك فيصل الإسلامى- فرع روكسى ( مصر الجديدة ) ، وهناك تبرعات عينية مباشرة . أما ساحة المسجد الداخلية فواسعة للغاية، وهى تمتلئ بأكثر من ألفى شخص فى صلاة الجمعة وغيرها من الأيام التى تقدم فيها دروس دينية.

5 ــ تطور الأمر ليتحول من مجرد مسجد إلى مؤسسة تعنى بنشر الفكر السلفى والدعوى فى مصر تضم عدداً من المؤسسات الأخرى، منها اللجنة الشرعية التى تتكون من نخبة من علماء السلفية ، ومعهد علوم القرآن والسنة، يقوم بإعداد الدعاة وتخريجهم لنشر الفكر السلفى، ويقوم بالتدريس بالمعهد نخبة من أساتذة الأزهر السلفيين ، كما يقوم المركز بتنظيم مؤتمر سنوى ( إسلامى) ، وقام المركز بإنشاء قسم خاص للإنترنت، لنقل المحاضرات والمؤتمرات التى تعقد بالمركز،بالصوت والصورة على الهواء. كما يضم المركز مكتبة صوتية تحتوى على العديد من الشرائط المسجلة بالمسجد للدعاة، كما يشتمل كذلك على مكتبة مرئية تحوى العديد من شرائط الفيديو واسطوانات الليزر، وكذلك يضم المركز مكتبة مقروءة تحوى العديد من الكتب التى يحتاج إليها طلبة العلم فى جميع المجالات الشرعية. استطاع المسجد تخريج مجموعة كبيرة من دعاة السلفية ومنظريها ممن كانوا يعرفون بمشايخ الكاسيت قبل أن يتحولوا إلى الفضائيات مثل محمد حسان و أبوإسحاق الحوينى . أول من تأثر بهذا الفكر كان هو نجل مؤسس المسجد محمد جميل مغازى الذى أدين فى قضية أندية الفيديو الشهيرة.  وبسبب مسجد العزيز بالله فى الزيتون تحولت الأحياء القريبة منه الى مراكز للإرهاب ، خصوصا أحياء المطرية وعين شمس والزاوية الحمراء والقصيرين وشبرا الخيمة حيث مسجد الفتح الذى كان الإمام فيه عبد البديع غازى ابن عم جميل غازى .

5 ـ بعد موت جميل غازى عام 1988 حرص الوهابيون على إستمرار المسجد فى دوره فتعاقب على إمامته أشهر الدعاة السلفيين من عمر عبد الرحمن الى محمد حسان ويعقوب ، وبهم أصبح مسجد العزيز بالله أكبر تجمع سلفى فى القاهرة الكبرى ، وقائدا للمراكز السلفية الأخرى فى مصر.

ثانيا : د جميل غازى :

1 ـ محمد جميل غازى مولود عام 1936 فى قرية كفر الجرايدة بمحافظة كفر الشيخ ، وإشتهر فى شبابه بميوله الأدبية والشعرية فى المعهد الأحمدى الأزهرى فى طنطا ، وبسبب فصاحته فى الخطابة تلقفته جمعية أنصار السنة وجمعية الشبان المسلمين . وفي عام 1959م انتقل محمد جميل غازي إلى كلية اللغة العربية جامعة الأزهر بالقاهرة،وحصل على الليسانس عام 1963 ، وعمل موظفا بوزارة الثقافة ، وحصل على الماجيستير ثم الدكتوراة فى الآداب فى كلية اللغة العربية عام 1972 . قام بنشر بعض الكتب التراثية لابن تيمية وغيره بنفس طريقة الشيخ حامد الفقى . مجرد تعليقات ساذجة لا تعكس ثقافته السلفية ، كما أصدر بعض المؤلفات عن القرآن وعن الصوفية . وظل محافظا على وظيفته فى وزارة الثقافة برغم عدم إنتظامه فى الحضور ، ووصل الى درجة كبير الباحثين فى المجلس الأعلى للفنون والآداب . 

2 ـ شهرة د جميل غازى تتركز فى فصاحته فى الخطابة و( التفسير ) الذى وصل به الى سورة القارعة ، وإشتهر أيضا بالهجوم على الصوفية ، برغم علاقته الطيبة بالشيخ عبد الحليم محمود ، حاره فى المسجد وفى السكن أيضا . 

ثالثا : معرفتى بجميل غازى

1 ـ إقتربت من د جميل غازى فى أعوام ( 1977 : 1979 ) كنتُ مدرسا مساعدا فى قسم التاريخ كلية اللغة العربية بالقاهرة ، أخوض صراعا ضد الصوفية وزعيمهم شيخ الأزهر عبد الحليم محمود الذى كان مع أتباعه الصوفية داخل جامعة الأزهر يضغطون علىّ لتغيير ما أكتب فى رسالة الدكتوراة ( اثر التصوف فى مصر العصر المملوكى ) لتكون مدحا لأولياء التصوف بدلا من نقدهم وتحليل أقوالهم وتاريخهم . وكنت أعيش فى حىّ المطرية ، وتصلنى أخبار جميل غازى وهجومه على الصوفية . قرأت ما كتبه جميل غازى عن الصوفية فوجدته سطحيا ، لا يختلف كثيرا عن اللهجة الخطابية للشيخ عبد الرحمن الوكيل ، مع ما لهما من الريادة فى الهجوم على التصوف والتعامل المباشر مع بعض كتب التصوف . رأيت أن إتصالى بجميل غازى يفيده ويفيدنى ، فلنا خصم مشترك وهو الصوفية ، وكنت وقتها سنيا معتدلا ، لا أرى باسا بالأحاديث طالما لا تتعارض القرآن الكريم . مأ قوله هنا هو شهادة سأكون مسئولا عنها يوم القيامة أمام الواحد القهار .

2 ـ كان جميل غازى مثل الراحل فرج فودة فى ميوله الأدبية والعبقرية فى إجتذاب الناس بالكرم وحُسن العشرة وحلاوة الحديث . كان لجميل غازى شلّة ( مجموعة) من الأصدقاء المقربين ، أصبحت منهم وقتها ، وكنا نجتمع معه فى بيته القريب من مسجده وفى مكتبه داخل مسجده . فى هذه الجلسات ترى فيها جميل غازى الانسان المختلف تماما عن جميل غازى السلفى الخطيب . فى الجلسات الخاصة يختلف الحديث ، وتصبح الجلسة جلسة أدبية لا تخلو من الفرفشة والنكات والتدخين ، والبطل هو جميل غازى الذى كان من الحكائين .

3 ــ كانت تمر أوقات الصلاة فأقوم للصلاة وهو لا يتحرك ، ولفت نظرى أنه لا يذهب للمسجد إلا فى صلاة الجمعة حيث يؤدى خطبته الشهيرة . وسألته مرة ( لماذا لا تصلى ؟ ) ورد بكلمة أضحكتنى سنوات ، قال (أنا مصلحة).النكتة يفهمها أبناء جيلنا. قوله :(مصلحة) يشير الى ( مصلحة ) النقل العام فى القاهرة، والتى كانت تعطى الحق للموظفين فيها بالركوب المجانى . وبينما ندفع نحن الركاب اجرة التذكره فإن الموظف بالمصلحة يكفى أن يقول للكمسارى ( مصلحة ) أى إنه يعمل فى ( المصلحة ) ليعفيه من دفع التذكرة . هنا نكتة جميل غازى التلقائية ، هو لا يصلى لأنه تابع للمصلحة بل رئيس المصلحة وهو المسجد الذى يصلى فيه الناس .

4 ــ من هنا نفهم شخصية جميل غازى ، فهو محترف سلفية ، وليس سلفيا فى حقيقته ، يؤكد هذا شخصيته الأدبية ، وهوايته الشعر وتخصصه الأدبى . غاية ما هناك أنه بفصاحته الفذّة وجد طريقا للثراء والشهرة ، وهو إلقاء خطبة الجمعة الاسبوعية ، التى أبهر بها الناس ، فكان له منهج ( فى التفسير ) ( الأدبى ) مختلفا عن التفسيرات السلفية المُغرقة فى الخرافات والتخريجات النحوية والتشنجات العصبية الحنجورية .

إمتاز جميل غازى أيضا ب ( تحرره ) الأخلاقى ، ولم يكن فيه هذا النفاق الذى يغلب على الدُّعاة السلفيين الذين يكتمون إنحلالهم الخلقى الطبيعى والشاذ ، يزايد بعضهم على بعض بمظاهر التقوى . لم يكن جميل غازى يتحرج من الحديث عن مغامراته العاطفية وزواجاته السرية . وقال لى مرة إنه يعرف المأذون الذى قام ــ سرا ــ بتزويج عشرات النساء للشيخ عبد الحليم محمود ، وكأنه قال هذا ليبرر المرات القليلة التى فعل فيها هذا الفعل .

5 ـ تبسطه مع أصدقائه وكرمه أطمع فيه كثيرين . منهم رجل من أبناء الحى أطلق لحيته وصار ملازما لجميل غازى ، ومسئولا عن التمويل . وعجبت حين طُلب منه دفع مبلغ معين فأخرج رزمة أموال كبيرة من جيبه ، وأعطى منها المبلغ المطلوب ، بلا سؤال أو إستفهام وبلا كشف حساب . بعدها ظهرت إختلاسات هذا الرجل ، وبإقتراح من جميل غازى إكتفى مجلس الادارة بطرده وعدم مساءلته عما سرق ، مما جعل الشبهات تحيط بجميل نفسه ، وجعل بعض أهل الحى يتساءلون عن مصدر البذخ الذى يعيش فيه . جدير بالذكر أن ملايين التبرعات والتمويلات التى تنهال على الجمعيات والمساجد والمراكز الدينية يغوص معظمها فى الجيوب العميقة للشيوخ الأفاضل .

5 ـ بتبسطه وحلاوة معشره إكتسب صداقة مخبر أمن الدولة الذى كان لا يفارق مجالسه ، وإكتسب صداقة ضباط أمن الدولة فى ( لاظوغلى ) وقتها ، كان يؤرقهم دعوته السلفية وتأثيرها فى تحويل الشباب السلفيين الى مربع الارهاب . كان لجميل غازى منزلة عندهم فلم يتعرضوا له بأذى ـ رغم ذلك ، وربما أيضا لأن الصدام معه يعنى ثورة يشعلها آلاف السلفيين المتشددين . وكان من ناحيته ( متعاونا ) معهم بالقدر الذى يوازن فيه بين زعامته وسلامته . وأذكر أنه أراد أن يترشح نائبا لمجلس الشعب ، فذهب يستشير أمن الدولة . وصحبته مع بعض أصدقائه ، وأذكر أننا جلسنا فى الشارع المقابل تحت لظى الشمس حتى سمحوا لجميا غازى بالدخول ، وقابلهم ،ورجع بالرفض .

6 ـ لم أستفد من جميل غازى فى معركتى مع الأزهر أثناء الاضطهاد فى أعوام ( 1977 : 1980 ) ، ولكنه إستفاد منى إذ أعطيته معلومات عن التصوف من رسالتى ، وبالتأكيد إستفاد منها فى محاضراته وندواته وخطبه . ولهذا إشتهر بحدته فى فضح الصوفية ، خصوصا فى كتابه ( الصوفية الوجه الآخر ).

 

 

 

 

  جماعة دعوة الحق

أولا : بين جميل غازى وسيد رزق الطويل

1 ـ إنحسرت الأضواء عن الجماعة الأم ( أنصار السنة ) لتتركز على مسجد العزيز بالله فى الزيتون ، ثم يشاركه فيما بعد مسجد ( دعوة الحق ) فى منطقة الدقى الراقية فى القاهرة .

 2 ـ رئيس جماعة أنصار السنة ( رشاد الشافعى ) كان موظفا فى وزارة التموين ومحترفا سياسيا فى المظاهرات ، وإتخذ من إنضمامه الى أنصار السنة وسية للإرتزاق من السعودية ، وبجهوده إستطاع إعادة تسجيل أنصار السنة جماعة مستقلة وفك إرتباطها بالجمعية الشرعية . كان إداريا ولم يكن عالما فقيها أو حتى حافظا للقرآن ، أو خطيبا مفوها . بإمكانيته المتواضعة واجهته مشكلة الحديث الموضوع . ظهر كتاب لضابط بحرى من الاسكندرية ينتقد بعض أحاديث البخارى ، أثار ضجة فى أوساط أنصار السنة خصوصا فى القاهرة . وكان عبد الرحمن الوكيل الرئيس الأسبق لأنصار السنة قد تعرض فى بعض خطبه بالنقد لبعض أحاديث البخارى . وتركز النقد على أحاديث ( رهن درع النبى عند يهودى ) و ( قيام يهودى بسحر النبى ) و ( حديث الذبابة : إذا وقع الذباب فى إناء أحدكم ) . إنتشر الجدل بين مؤيد أو منتقد لتلك الأحاديث ، ووصل الى السعودية ، وأسهم فيه الشيخ الألبانى ، وإتجهت الأنظار الى  رشاد الشافعى رئيس أنصار السنة ، فلم تسعفه إمكاناته فى حسم الموضوع ، فتهاوت أنصار السنة ، وتعرض رشاد الشافعى للإنتقاد . ثم ظهر جميل غازى فتم إحتواء المشكلة .

3ـ فى جلسة خاصة عقدها جميل غازى حضرها مندوب ايرانى للترويج لموضوع التقريب  بين السنة والشيعة . كان المندوب مصارعا سابقا ومتحدثا لبقا بالعربية ، وإستحوذ على إهتمام الحاضرين . وبدأ الجو ملائما لدعوته فى التقريب ، ولكن تكهرب الجو حين قلت له : ( وماذا تفعل مع الأحاديث المتعارضة بين السنة والشيعة ، وهى أساس العداء بين الفريقين ، مثلا هناك أحاديث مع عائشة وأخرى ضدها ).؟ تدخل جميل غازى وهدّأ الجو بطريقة مرحة . بعدها قال لى ألّا أدخل فى موضوع الأحاديث لحساسيتها . ربما كان جميل غازى يميل الى توثيق علاقته بإيران وأن يستفيد منها بالتلاعب فى المنطقة الرمادية بين الشيعة والسنة . ولكن إثارتى للخلاف الأساس بينهما أعاق ذلك . ظل هذا فى ذاكرتى بعد أن تركت جميل غازى ـ ولم أكن منضما رسميا لجمعيته ـ والتحقت رسميا بجماعة دعوة الحق ، بعد تعرفى ب د . سيد رزق الطويل . 

ثانيا : بينى وبين د سيد رزق الطويل

 1 ـ سمعت به لأول مرة عام 1979 ، من ابن عمى الشقيق :د عبد الحميد أحمد محمد على ( المدرس  بقسم البلاغة بنفس الكلية التى كنت أعمل فيها مدرسا مساعدا )، قال لى : ( إن صديقك سيد رزق الطويل دافع عنك بشدة ) . قلت : ( من هو سيد رزق الطويل ؟ ) قال : ( هو مدرس فى كلية الدراسات الاسلامية ورئيس جماعة دعوة الحق ) . وقال إنهم فى مكتب عميد كلية الدراسات الاسلامية كانوا يهاجمونك بسبب رسالتك عن التصوف ، وتصدى لهم د سيد رزق الطويل مدافعا عنك ، فظننته صديقا لك . ذهبت الى كلية الدراسات الاسلامية ، وكان الطلبة فيها يدرسون فى داخل الجامع الأزهر ، وسألت عنه ، وقلت له : أنا أحمد صبحى منصور . نهض ورحّب بى بحرارة ، وأصبحنا صديقين .

2 ــ كان د سيد رزق الطويل دمث الخلق مع تحفّظ يحافظ  به على إحترام أصدقائه ومعارفه ، لم يكن متبسطا مع الناس مثل جميل غازى ، ولم تكن لسيد رزق الطويل جلسات خاصة مع معارفه ، كان متفرغا لأسرته وعمله فى الجامعة وفى جماعة دعوة الحق . وكان حسبما أرى يؤدى الصلاة فى موعدها  ، وكان الجانب البحثى فيه أكبر من جميل غازى ، مع إختلافهما فى التخصص ، كلاهما تخرج فى كلية اللغة العربية ، ولكن تخصص سيد رزق الطويل فى علوم اللغة بينما كان تخصص جميل غازى فى الأدب. كان جميل غازى أفصح من سيد رزق الطويل فى الخطابة ، وكانت قدرة  سيد رزق الطويل البحثية أكبر من جميل غازى .

3 ـ أعجبنى فى سيد رزق الطويل موقفه من الحديث ــ هذا فى بداية تعرفى به . طلب منى مباشرة أن أعمل معه فى جمعيته . وجعلنى مدير التحرير لمجلة الهدى النبوى والأمين العام لجماعة دعوة الحق . وأدخلت معى صديقى د عبد القادر سيد أحمد عميد كلية الصيدلة بجامعة القاهرة وصديقى وأستاذ الجغرافيا فى قسم التاريخ فى كلية اللغة العربية د ياسين مراد ، ومعهما شقيقى د محمد علاء الدين منصور المدرس بقسم اللغات الشرقية بكلية آداب القاهرة ، فكان يكتب فى مجلة الهدى النبوى ، وكنت أكتب فيها ( منسوجات صوفية ) أهاجم فيها الخرافات التى ينسجها الصوفية بما يسمى الكرامات . ثم أضفت مقالات بعوان ( ليس من السُّنّة ) أعرض فيه للأحاديث الموضوعة منبها على أنه ليس كل الأحايث صحيحة . وحرصت على النقل مما كتبه ابن القيم الجوزية فى كتابه ( المنار المنيف فى الصحيح والضعيف ) وكتاب ( أحاديث القصاص ) لابن تيمية . وكنت أظن أن نقلى من ابن القيم وابن تيمية يجعل رئيس التحرير ورئيس الجمعية د سيد رزق الطويل يتغاضى عن الموضوع ، لولا أنى قرأت له نقدا هادئا فى جريدة الهدى النبوى لعقوبة الرجم او ( حد الرجم ) إذ ذكر الأحايث المتعارضة فى البخارى ومنها حديث يفيد بالعفو عن الزانى المحصن طالما أى الصلاة . عندها تيقنت أنه يوافقنى فى موقفى ضد الأحاديث المخالفة للقرآن . وكنت وقتها أرى أنه لا بأس بالحديث المتفق مع القرآن الكريم ، مع أن الأغلبية الساحقة من مؤلفاتى وقتها كانت بلا أحاديث على الاطلاق . وأول كتاب ظهر لى عام 1982 كان عن ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ) ومع ضخامته فلم يكن فيه سوى حديث واحد . وكان د سيد رزق الطويل هو الذى كتب مقدمته ، وأشار فيه الى ما تعرضت له من إضطهاد فى جامعة الأزهر بسبب رسالتى للدكتوراة عن التصوف .

4 ــ إستمرت صحبتى لدكتور سيد رزق الطويل من أواخر السبعينيات حتى تركت الجماعة والأزهرعام 1985 . كانت صلتى قد توثقت بالأخ الأكبر لدكتور سيد رزق الطويل ، وإسمه عبد القادر . كان مدرسا فى التعليم الثانوى ، وأهمل إستكمال رسالته العلمية للدكتوراة ، وكانت عن ( أدب المقالة الصحفية عند عباس محمود العقاد ) . وأقنعته بإستكمالها وقمت بمساعدته أنا وشقيقى محمد علاء الدين منصور . وحصل على الدكتوراة فى قسم الأدب بكلية اللغة العربية . وحفظ لى الجميل ، وتوثقت صداقتنا على مستوى الأسرة ، إذ كان يسكن فى حلمية الزيتون قريبا منى . ولأنه كان نائب رئيس جماعة دعوة الحق فقد أصبح قائما برئاستها حين  سافر رئيسها شقيه د سيد الطويل في اعارة للسعودية سنة 1982 فأصبحت من خلال صداقتى ل د عبد القادر الطويل المسيطر الفعلي علي الجمعية.

5 ـ كان تمويل جماعة دعوة الحق وتمويل مسجد العزيز بالله يأتى من السعودية ، وتقريبا يقوم به شخص واحد ، تاجر سعودى من اصل يمنى ، وهو رجل أعمال ميلونير مقيم فى القاهرة ، وكان يتولى جمع الأموال من أثرياء السعودية للجمعيتين وغيرهما . وعلى العكس من جمعية مسجد العزيز بالله فقد توجه التمويل فى جماعة دعوة الحق الى تأسيس  المساجد فيما بين القاهرة والجيزة وطنطا ودمياط والمنوفية ، مع الانفاق على الدعاة وإستكمال المركز العام لجماعة دعوة الحق فى شارع بابل بالدقى ، وكان مسجدا فخما ذا طوابق متعددة ، وفيه مستشفى ومقر للجمعية وإدارة المجلة وفرع لأحد البنوك التى تعمل فى ( توظيف الأموال ) .

6 ـ كان الممول السعودي يقلقه اشد القلق انني ارفض ان اخذ اجرا مقابل عملي في تحرير المجلة او في الدعوة . وقد بدأت أمارس الخطابة فى صلاة الجمعة لأول مرة فى المسجد العام للجماعة . كنت متهيبا من الخطابة ثم أصبحت مٌحبّا لها ، وكان هذا بتشجيع الأخوة فى الجماعة ، ثم أصبحت الخطيب الاول فيها بعد اعارة رئيسها الي السعودية . كنت أخطب الجمعة الأولى فى كل شهر فى المسجد التابع للجمعية فى طنطا ، واهاجم فيها الصوفية والولى المشهور المدفون فى طنطا :( السيد البدوى ) ، بعد شهرة كتابى عنه ، وإعتاد معظم دعاة الجمعية فى محافظة الغربية حضور خطبتى . وكنت أذهب الى دمياط  والاسكندرية والمساجد الأخرى التابعة للجماعة فى قرى الجيزة وفى القاهرة الكبرى . وتكونت معى مجموعة أصبحت مركز قوة داخل جماعة دعوة الحق .

7 ــ وفى عام 1984 بدأت فى خطبى أؤكد بالقرآن الكريم ان النبي عليه السلام لا يشفع يوم الدين ، وان عصمته بالوحي فقط وانه لا يصح ان نفضله علي الانبياء لأن ذلك مرجعه لله تعالي يوم الدين ، و بدأ الدعاة في داخل الجمعية يقتنعون بما اقول ، ووصلت الاصداء الي السعودية فسارعوا بإرسال رئيس الجمعية د سيد رزق الطويل  للقاهرة عام 1985 لمواجهة الموقف ومعه عشرات الالوف من الجنيهات التي فرقها علي اعضاء مجلس ادارة الجمعية وكبار الدعاة فيها ، وبعدها عقد الرئيس مجلسا لمناقشة ما اقوله في الخطب وخروجها عن سياسات الجمعية ، وفوجئت بأن اعضاء مجلس الادارة والدعاة كلهم ينقلبون ضدي بعد اعجاب سابق استمر عاما .. فقدمت استقالتي وتركتهم ..

8 ـ وفي هذه الاثناء كنت قد ادخلت تلك القضايا المشار اليها ( الشفاعة ، العصمة ، التفضيل بين الانبياء ) ضمن مقررات الدراسة علي الطلبة في العام الدراسي ( 1984- 1985) وذلك في خمسة كتب هي ( الانبياء في القرآن الكريم ، العالم الاسلامي بين عصر الخلفاء الراشدين وعصر الخلفاء العباسيين ، حركات انفصالية في التاريخ الاسلامي ، غزوات المغول والتتار ، دراسات في الحركة الفكرية في الحضارة الاسلامية ) ، وفوجئت بالجامعة تصدر قرارها في 5/5/1985 بايقافي عن العمل وحرماني من السفر ومن الترقية واحالتي الي التحقيق . أى إنه فى عام واحد تركت جماعة دعوة الحق وجامعة الأزهر . وبدأت مسيرة القرآن وكفى .

 

10 ـ مع هذا فلا زلت أُقدّر للدكتور سيد رزق الطويل أنه تحملنى وصبر علىّ حتى تدخل الضغط السعودى بما يفوق قدرته على التحمل . إبتعدت عنه ، ومات عام 1998 ، وقد شهد التطور الفكرى الذى دخلت فيه منذ تركته ، وشهد معاناتى من السجن والمتابعة الأمنية ، وعملى بنشر مقالاتى وكتبى خلال التسعينيات . لم نلتق بعدها حتى شهد الاعلام المصرى مشغولا بالهجوم على شخصى بسبب مشروع إصلاح التعليم ، والذى أدخلت فيه كل القضايا التى تركت بسببها جماعة دعوة الحق وجامعة الأزهر. وتبارى شيوخ الأزهر فى الهجوم علىّ وتجريحى والدعوة لقتلى . ولم يشارك فيها د سيد رزق الطويل . وكان الأشهر بين شيوخ الأزهر وقتها . وشكرت له هذا . وموعدنا أمام الواحد القهار ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون .

أخيرا : معلومات عن د سيد رزق الطويل ( منقول )

1 ـ الاسم : السيد عبد الوهاب رزق الطويل.مولود فى نوفمبر 1932 في قرية "نكلا" في محافظة الجيزة، وحصل على جائزة صغار الحفاظ للقرآن الكريم عام 1944، والتحق بمعهد القاهرة الديني الابتدائي عام 1946م، حيث حصل على الابتدائية الازهرية عام 1950، وعلى الثانوية العام 1955 ثم عالمية اللغة العربية مع علوم التربية العام 1959 م ، وبعد تخرجه عمل بالتدريس في محافظة المنيا ثم الجيزة وعمل في وزارة المعارف السعودية لمدة عامين، ثم في ليبيا لمدة خمس سنوات من 1967 الى عام 1972.وعمل في جامعة أم القرى في المملكة العربية السعودية من عام 1982 وحتى 1986.
2 ـ حصل على الماجستير عام 1967 من قسم اللغويات في جامعة الأزهر، ثم على الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى عام 1974 من القسم نفسه. وكان موضوع أطروحته للدكتوراه "الخلاف بين البصريين والكوفيين وأثره في الدراسات النحوية حتى نهاية القرن السادس الهجري".. في عام 1976 التحق بجامعة الأزهر مدرساً للغويات في كلية الدراسات الإسلامية والعربية، وتدرج فيها حتى شغل منصب عميدها من العام 1988 ولفترتين متواليتين.
وظل يعمل أستاذا متفرغا في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الأزهر بعد إحالته للتقاعد من نوفمبر 1997، وحتى وفاته.كان الشيخ عضوا في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية لجنة السنة و السيرة 
3 ـ علاقته بأنصار السنة المحمدية: 
انضم إلى جماعة "أنصار السنة المحمدية" وكون لها فرعاً في بلدته "نكلا" وهو في سن الثامنة عشرةكان متأثرًا في آرائه وأفكاره ومنهجه وعلمه بالشيخين أبي الوفا درويش ، وعبد الرحمن الوكيل. ومن فرط محبته للشيخ عبد الرحمن الوكيل أنه عندما أراد أن ينشئ جماعة دينية أطلق عليه اسم أحد كتبه ، وهو كتاب ( دعوة الحق ) ، كما كان حريصًا على المشاركة والمساهمة في طبع كتب شيوخه الراحلين القدامى ، إذ ساهم بنصيب وافر في طبع كتاب ( دعوة الحق ) للشيخ عبد الرحمن الوكيل ، وكتاب ( الأسماء الحسنى ) للشيخ أبي الوفا درويش.

وأسس جماعة دعوة الحق الإسلامية عام 1395 هـ ( 1975 م ) لنشر الدعوة السلفية ويصدر عنها مجلة الهدي النبوي.  وفكر "دعوة الحق" - على حد قول شقيقه الدكتور عبدالقادر الطويل نائب رئيس الجمعية - لا يختلف عن فكر أنصار السنة في المنهج ككل، وهو "الأخذ بكتاب الله وسنة رسوله ومحاربة البدع والخرافات والدجل والشعوذة"، ولكنه يميل في الوقت نفسه الى الاعتدال في الدعوة والتعامل مع التيارات الأخرى على الساحة بالحوار البناء.وتضم الجمعية فروعا رئيسية في المحافظات، تتبع كل منها فروع أخرى بالمدن والقرى تشرف على عشرات المساجد ، وهي تعمل في ميدان الخدمات الدينية والاجتماعية والثقافية.
مؤلفاته:الدينية - العقيدة فى الإسلام ، منهج حياة وزارة الأوقاف( المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 1981 ) 176 ص.- في علوم القراءات ، مدخل ودراسة وتحقيق ( المكتبة الفيصلية مكة المكرمة ، 1985) 320 ص . - بنو إسرائيل في القرآن ، تاريخ وتحقيق ( دار المعارف 1975 ) 159 ص.- الدعوة في الإسلام عقيدة ومنهج ( رابطة العالم الإسلامي 1984 ) 256 ص . - الإسلام دعوة الحق ( رابطة العالم الإسلامي 1985. - مشرق الرسالة الخاتمة والسابقون إليها ( المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - لكي تعود خير أمة ( المؤسسة العربية الحديثة1988 ) 215 ص . - لكي تستعيد أمتنا ذاكرتها ( المؤسسة العربية الحديثة)
-
الصيام حكمة وأحكاما وتاريخا ( المؤسسة العربية الحديثة، 1988 ) 128 ص . - كارثة الخليج العربي والقضايا الخمس المطروحة على الساحة الإسلامية ( دار الصحوة للنشر، 1990. - الحياء سمة الحضارة الإسلامية الإسلام ( المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية 1998 ــ - الصحابة المعلمون ( المؤسسة العربية الحديثة، 1988 ) 159 ص
مؤلفاته اللغوية:- الخلاف بين النحويين ، دراسة وتحليل وتقويم ( المكتبة الفيصلية مكة المكرمة ، 1984 ) 663 ص . - مقدمة في أصول البحث العلمي وتحقيق التراث ( المكتبة الأزهرية للتراث 2003. - الخلاف بين البصريين والكوفيين وأثره في تطوُّر الدراسة النحوية حتى نهاية القرن  السادس الهجري ( رسالته للدكتوراة ـ - اللسان العربي والإسلام معا في معركة المواجهة ( رابطة العالم الإسلامي 1986ــ - أساليب الاستغراق و الشمول : دراسة في الإعراب و التراكيب ( المكتبة الفيصلية مكة المكرمة 1986ــ - أبنية الأفعال في اللسان العربي دار الطباعة المحمدية، 1979 ــ - من قضايا اللسان العربي دراسة في الإعراب والأبنية دار الهدى، 1991 ــ - النحو الوسيط : دراسة جديدة موثقة لقضايا الإعراب والتراكيب 2 مجلد ـ دار الطباعة المحمدية 1989 ). كما كان للشيخ بحوث كثيرة نشرت في مجلات كثيرة منها:- ظاهرة التوهم في الدراسة النحوية والصرفية ــ - إمام النحاة وقضية الاستشهاد بالحديث ـ - ظاهرة الاستغناء في الدراسة اللغوية ـ - ضوابط الكتابة في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ـ -لغة الإمام الشافعي. 

الدين الوهابى المعاصر: تأسيسه فى نجد وإنتقاله الى مصر
الجزء الثانى من كتاب ( نشأة وتطور أديان المسلمين الأرضية ):
هذا الكتاب
الكتاب السابق عن تأسيس وتطور الديانات الأرضية فى تاريخ المسلمين كان الفصل الأخير منه عن الوهابية . وقد رأيت أن أتوسع فيه ليكون كتابا كاملا ، فكان هذا الكتاب الذى يقع فى ثلاثة أبواب تتضمن تسعة فصول ، تتخصص فى تأسيس الوهابية فى نجد فى أواخر العصر العثمانى ثم إنتقالها وانتشارها فى مصر فى القرن العشرين .
more