رقم ( 6 )
الفصل الثانى من الباي الثانى : دور حافظ وهبة

الفصل الثانى : دور حافظ وهبة    

فهرس الفصل الثانى  : ( الفصل الثانى : دور حافظ وهبة    

فهرس الفصل الثانى :دور حافظ وهبة  : (  مقدمة : 

أولا : دور حافظ وهبة فى تلافى آثار حادث المحمل : ( المحمل والأزمة مع مصر ـ المحمل والأزمة مع إخوان عبد العزيز ( الإخوان النجديين ) .

الصحفى المغمور الذى استقدمه حافظ وهبة ، ورحلته وكتابه : (  إستقبالات رائعة لصحفى مصرى مغمور فى ضيافة عبد العزيز  ــ أولا : من هو الصحفى محمد شفيق مصطفى  ــ   رسائل بعث بها عبد العزيز للمصريين عبر الصحفى المصرى المغمور ــ   اللقاء الأول بالملك عبد العزيز  ـ   حضور الصحفى المغمور مجلس عبد العزيز مع مستشاريه ـ  الصحفى المصرى المغمور يحاور الملك عبد العزيز  ــ الصحفى المصرى يقوم بالدعاية لعبد العزيز ـ  حافظ وهبة هو المؤلف الحقيقى لكتاب ( فى قلب نجد والحجاز ) .

أخيرا:  حافظ وهبة ودولة عبد العزيز )

 

الفصل الثانى : دور حافظ وهبة   

 

 مقدمة :

حافظ وهبة هو أهم مستشارى عبد العزيز ، ليس فقط لأنه مصرى من مدرسة محمد عبده ( ثم إرتد عنها شأن رشيد رضا ) ولكن لأنه كان خطيبا مفوها ومُتقنا للإنجليزية وصاحب علاقات واسعة داخل مصر وخارجها . حافظ وهبة كان أستاذا لإبنى عبد العزيز ، سعود وفيصل . وتعلما على يديه السياسة ، وكان مرشدا للأمير سعود فى رحلاته فى مصر ، كما كان مرشدا للأمير فيصل فى رحلته الى انجلترة . تأثير حافظ وهبة فى إقامة دولة عبد العزيز يحتاج بحثا مكتملا ، وخصوصا فى التنسيق بينه وبين رشيد رضا . فى موضوعنا هنا نقتصر على سياسة حافظ وهبة فى تلافى الآثار السيئة لحادث المحمل ، نأخذها على دهائه وإجادته اللعب من وراء ستار . وكان هذا دوره مع عبد العزيز ألذى كان شبه أُمّى وصعب التفاهم معه بسبب لهجته البدوية . إلا إن من ذكاء عبد العزيز أن إعتمد على مستشارين مختلفى الثقافة ، وكان ابرزهم حافظ وهبة .  

 

أولا : دور حافظ وهبة فى تلافى آثار حادث المحمل

 

مقدمة عن حادث المحمل

 

1 ـ المحمل المصرى القادم الى الحرم كان دليل تبعية الحجاز لمصر . وأصبح خروج هذا المحمل من القاهرة ـ من بركة الحاج ـ  بإحتفالية رسمية وشعبية من ملامح الحياة الدينية المصرية فى العصر المملوكى، يجرى التأريخ له ، وله مؤسسة رسمية خاصة تقوم بكسوة الكعبة وتسيير المحمل فى حماية العسكر الذين يقودهم أمير مملوكى أميرا للحاج ، ومعه كبار الفقهاء والأمراء والنفقات والحبوب والمواد الغذائية لسكان ( الحرمين ) ، والذين ينتظرون قدوم المحمل ، ويتعيشون من صدقاته من الأوقاف المصرية المحبوسة على رعاية ( الحرمين ) والسكان هناك . وبسبب سيطرة المماليك على سوريا فقد كان يخرج محمل آخر من نائب السلطان المملوكى فيها . لم ينقطع هذا التقليد بعد إحتلال العثمانيين لمصر وأملاكها فى سوريا .

2 ـ عندما تأسست الدولة السعودية الأولى وإحتل سعود الكبير الحجاز بعث برسالة جافة الى السلطان العثمانى سليم الثالث : ( 1789 – 1807 ) يقول له فيه:( إني دخلت مكة ، وأمنت أهلها على أرواحهم وأموالهم بعد أن هدمت ما هنالك من أشباه الوثنية ..…… فعليك أن تمنع والي دمشق ووالي القاهرة من المجيء إلى هذا البلد المقدس بالمحمل والطبول والزمور فإن ذلك ليس من الدين في شيء . ).

 3 ـ بإحتلال عبد العزيز لمكة وسيطرته على شعيرة الحج واجهته مشكلة المحمل المصرى ولم يكن قد عمل حسابا لها . بإخوانه ( الوهابيين ) ووحشيتهم توسع مُلك عبد العزيز حتى إحتل الحجاز. بسيطرتهم على مكة ـ مع وجود عبد العزيز فيها ـ كان لا بد أن يحدث صدام بينهم وبين الحامية العسكرية المصرية التى جاءت بالمحمل المصرى ـ حيب العادة المستمرة قرونا .

4 ـ تنوعت روايات حادثة المحمل ، وموجزها أن الإخوان النجديين فوجئوا بقدوم المحمل بما يصحبه من موسيقى فهاجموه ، فتصدى لهم العسكر المصرى وأطلق عليهم النار ، وعلم عبد العزيز بالأمر فأسرع بنفسه يحجز بين الطرفين حتى لا يتفاقم الأمر .

5 ـ ونعطى بعض التفصيلات عن هذا الحادث .

أولا : رواية  خير الدين الزركلى :

فى كتابه ( شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز ) :يقول صفحة 661 )

 ( صرفت ثمانية عشر عاماً ، من 1353 ـ 1371هـ ( 1934 ـ 1952 م) منقطعاً  إلى تمثيل الملك عبدالعزيز ، وقضاء مصالحه الإدارية والسياسية ، والخاصة  والعامة ، في بلاد وادي النيل . وما كتب لي يوماً بشأن مصر ، ولا سمعته يتحدث في سر أو علن عن مصر ، إلا بما فيه الحرص والحض على حسن العلاقة ، وتوطيد الحب والصداقة ، بينه وبين المصريين حكومة وشعباً. تسلمتُ عملي ، مستشاراً، في "الوكالة العربية السعودية" بالقاهرة ، سنة 1353هـ (1934م) ، والدولتان ـ السعودية والمصرية ـ على غير وفاق . لا تمثيل دبلوماسي ولا اعتراف . وحديث " المحمل  " على كل لسان . ) ( وكان من خبر" المحمل " بعد ذلك بقليل ، مالا يزال يذكره الكثيرون إلى الآن . في موسم حج تلك السنة ، في اليوم الأول من عيد الأضحى 10 ذي الحجة 1344 ( 22 يونيه 1926 ) وحجاج العالم الإسلامي من جميع الممالك والأقطار، مجتمعون في مخيماتهم ببلدة "منى "  تلفت ٍعربان نجد ، وكانوا أكثر الحجاج عددا في ذلك العام ، فرأوا أمامهم " المحمل " القادم مع الحج المصري ،على جمل يتهادى بين الجموع ، تحيط به موسيقاه وعساكره ودبدباته. وتصايحوا: الصنم . الصنم ! ..وتهافتوا يرشقونه بالحجارة ، وهم بملابس الإحرام . ولم يكن من أمير الحج المصري  "محمود عزمي باشا " إلا أن أمر بنصب المدافع والرشاشات وإطلاق نيرانها على الجموع .. وأخبرني ثقات من حجاج ذلك العام أن عبدالعزيز لما علم بالخبر ، وهو على رأس الحجيج ، نهض من سرادقة ، وأسرع يعدو ، إلى ان توسط مابين العربان ونار الجند ، وبسط ذراعيه يصيح : أنا عبدالعزيز ! أنا عبدالعزيز ! وكان من حسن حظ العرب والإسلام ، أنه لم تتناوله رصاصة طائشة أو متعمدة ، وهذا إطلاق النار ، وتدخل الجند السعودي ، وانكف الناس . وأمر بحجز المحمل عن الآنظار .ووصل الخبر إلى فؤاد الأول (ملك مصر يومئذ) وزيد عليه أن المحمل سيُمنع دخوله بعد الآن إلى الحجاز ، فازداد حنقاً على عبد العزيز . وكان  من المعتاد أن ترسل مصر ، مع المحمل ، كسوة للكعبة ، ومبلغاً من المال من ريع أوقاف الحرمين في الديار المصرية، وبعض الهدايا ؛ فأمر الملك فؤاد بالانقطاع عن إرسال شيء من ذلك كله . وعلى الرغم من أن الملك عبدالعزيز ، أرسل كبير أبنائه " سعود بن عبدالعزيز " سنة 1346 هـ (1926م) إلى مصر ،لمعالجة عينية وتصفية الجو مع القصر الملكي فيها ، فإن الفجوة   استمرت .

ماذا قررت مصر ؟

 عرض ذلك على مجلس الوزراء في القاهرة ، في 10 ذي القعدة 1345 (12 مايو 1927) فقرر ما نصه (1) :

"العدول  عن إرسال المحمل في هذا العام ، وإعلان الحجاج المصريين بأنهم بسفرهم قد يستهدفون لبعض المخاطر، وأنهم إذا رأوا ، مع ذلك السفر في هذه الظروف ، فإن ذلك يكون تحت مسؤوليتهم "  . لا محل ولا حج رسمي : ومن هذا التاريخ انقطعت الحكومة عن إرسال المحمل ، وهن السماح ـ إلى حين ـ لحجاج مصر (رسمياً) بتأدية الفريضة .

آخر أيام الملك فؤاد

وظل البلدان متقاطعين (رسمياً ) إلى آخر أيام فؤاد . ودخل عليه رئيس ديوانه " علي ماهر " وهو يحتضر ، فقال :ألا تجعل في صحيفة عملك الدخول في مفاوضة مع بلاد الحرمين الشريفين ؟ فأشار : لا بأس .

معاهدة الصداقة :

ومات فؤاد سنة 1355 هـ ( 1936 م ) وانقشعت غمامة الجفاء ، وعقدت معاهدة " الصداقة " بين البلدين في 7 مايو ، من السنة نفسها ،وعُمل بها ابتداءً من 8 نوفمبر 1936م )

 ثانيا : بحث للراحل د . يونان لبيب رزق عن المحمل منشور فى جريدة الأهرام

 

 

 

http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/6/28/newuonanlbeb2m.jpg

 

طالع قارئ الأهرام صباح يوم الخميس‏24‏ يونيو عام‏1926‏ خبرا أزعجه كثيرا‏,‏ فتحت عنوان معركة في الحجاز بين قوة المحمل والنجديين‏-‏ جرح ضابط وثلاثة من الجنود المصريين‏-‏ قتل‏25‏ من النجديين‏,‏ نشرت الجريدة برقية بعث بها أمير الحج اللواء محمود عزمي باشا إلي وزارة الداخلية‏,‏ كما نشرت في نفس الوقت بلاغا من مملكة الحجاز وسلطنة نجد وملحقاتها‏.‏
نص البرقية التي أرسلها أمير الحج بالشفرة‏:‏ اعتدي جمع من البدو مساء أول أمس‏(‏ أي مساء‏21‏ الجاري وهو يوم العيد‏)‏ علي ركب المحمل برمي الأحجار والرصاص بجوار‏(‏ مني‏)‏ وقد رددت علي الاعتداء بإطلاق بعض طلقات من المدافع والبنادق تسبب منها بعض الخسائر في أرواح المعتدين بعد ما ذهبت مساعي ابن سعود سدي وجرح الضابط علي أفندي موسي وثلاثة من العساكر جروحا بسيطة من رمي الأحجار وقتل بعض الجمال من الرصاص‏,‏ وقد تبادلنا رسائل رسمية مع ابن سعود نرجو تبليغ وزارة الحربية بما يخصها‏.‏
أما نص البلاغ‏:‏ جاء المحمل المصري من جدة وخيم في مكانه المعتاد من ضاحية مكة ثم انتقل منها يوم التروية إلي‏(‏ مني‏)‏ حيث بلغ آخرها بسلام‏,‏ وهناك ارتفعت أصوات أبواق حرس المحمل فاستنكرها العرب من النجديين وغيرهم الذين يعتقدون حرمة جميع المزامير ولا سيما في هذه المشاعر العظام‏.‏ فاجتمع بعض الغوغاء المجهولين منهم إلي مصدر الصوت وكثر اللغط في ذلك وكان مع المحمل بعض الحامية النجدية فأخذوا يردون الغوغاء بالضرب والتهديد‏,‏ وقد وصل الخبر لجلالة الملك فأرسل في الحال نجله سمو الأمير فيصل بقوة فذهب لمكان الحادثة وطلب من رجال المحمل أن يقفوا في أماكنهم وأخذ يقاوم الغوغاء وطلب زيادة قوة من أبيه فأمده بأخيه سمو الأمير سعود مع قوة معه‏,‏ وبينما جند الحكومة تدافع الغوغاء وإذا برجال المحمل يطلقون المدافع والأسلحة التي معهم بغير حساب علي الأماكن التي يخيم فيها الحجاج النجديون فقتل من الأبرياء الذين هم في أماكنهم خمسة وعشرين بين رجل وامرأة وطفل وقتل أربعون بعيرا‏.‏ ولما وصل الأمر لهذا الحد خرج جلالة الملك بنفسه يحف به جميع أولاده وأفراد عائلته وحاشيته‏,‏ وكان أهل نجد في أشد ما يكون من الحنق ولكنه خاطبهم وقال‏(‏ أذكركم بالله في هذا المقام ثم أذكركم بشرفكم وحجتكم وأخبركم بأن هذا المحمل لا يمكن أن يتجاوز عليه أحد وبأحد ممن معي بقية من حياة‏),‏ ولما سمع بذلك أهل نجد ورغما عما أصابهم من بلاء لم يستوجبوه رجع عاقلهم علي سفيههم حتي ارتدت جميع تلك النفوس ببضع دقائق إلي أماكنهم وطفئت الفتنة ثم سار المحمل محفوفا بقوة من جند الحكومة ولم يصب منهم أحد بأذي وساد السكون والأمان‏,‏ ولم يحصل ما يكدر بعد ذلك‏.‏
ونترك الخلاف بين الروايتين‏..‏ الرواية المصرية بأن رجال المحمل كانوا في حالة دفاع عن النفس‏,‏ ورواية ملك الحجاز وسلطان نجد بأن القوة المصرية قد أطلقت نيرانها بغير حساب ودون مبرر‏(!),‏ نتركهما لنروي طرفا من تاريخ المحمل‏,‏ هذا من جانب‏,‏ والظروف السياسية التي أحاطت بتلك المعركة من جانب آخر‏.‏
أما عن التاريخ فقد أمدنا الدكتور فؤاد الماوي في كتابه‏:‏ العلاقات الاقتصادية والمالية بين مصر والحجاز بتفاصيل كثيرة عن الأعباء المالية التي تحملتها مصر خلال العصر العثماني تجاه الحجاز‏,‏ وكان المحمل أحدها‏;‏ أولا‏:‏ مصروفات حماية قافلة الحج التي تراوحت بين نفقات القوة العسكرية التي تصاحبها‏,‏ والتي كان يقل عددها إلي خمسمائة جندي في سنوات الاستقرار ويزيد ليصل إلي ألفين في أعوام القلاقل‏,‏ ومصروفات القلاع المنتشرة بطول درب الحجيج‏,‏ وعوايد العربان القاطنين علي جانبي هذا الدرب‏.‏
ثانيا‏:‏ الكسوة التي كانت تعلق علي الكعبة الشريفة‏,‏ وهي غطاء مطرز بالذهب‏,‏ ونهاية حوافه مطرزة بالفضة وملبسة بقشرة من الجواهر‏,‏ وكانت يشرع في صنعها في شهر ربيع الثاني لتصبح جاهزة خلال ستة أشهر‏,‏ وكان الوالي يفتش عليها بين الحين والآخر‏,‏ ويقوم بوزنها الذي كان يصل عادة إلي سبعة عشر قنطارا من الحرير‏,‏ وثلاثة قناطير من الفضة الخالصة‏.‏
ثالثا‏:‏ الغلال المرسلة للحرمين إذ كان علي الخزينة المصرية أن ترسل‏40‏ ألف أردبا من الغلال كل عام لإطعام أهالي مكة والمدينة‏,‏ وكان يتم نقلها بالطريق البحري من السويس إلي جدة‏,‏ ومعها تعيينات أشراف الحرمين التي كانت ترسل للأشراف‏,‏ وغالبا ما كانت تقدم علي شكل نقدي‏,‏ وهي تورث من الأب للابن مثلما يورث مركز الشريف نفسه‏.‏
وكان المسئول عن حماية القافلة وحمل الكسوة شخصية عسكرية كبيرة هو الذي لقب بأمير الحج‏,‏ وبلغ من الأهمية إلي حد أنه وضع في المرتبة الثالثة بعد كل من الباشا والدفتردار‏,‏ وكان يخرج في كل عام في موكب كبير وسط احتفالات شعبية عارمة‏..‏
قدمت لنا الدكتورة ليلي عبد اللطيف صورة لتلك الاحتفالات في كتابها عن المجتمع المصري في العصر العثماني كان مما جاء فيه أنها تقام في منتصف شهر شوال‏,‏ فيدور المحمل في احتفال كبير بعد أن يقوم أرباب الحوانيت التي سيمر بها بتزيينها وكان يحتشد الكثيرون من سكان القاهرة لمشاهدة الركب الذي توضع فيه الكسوة الثمينة علي جمل مزين يشق طريقه وسط زغاريد النساء ودعاء العامة وتهليلهم‏,‏ متقدما إلي قراميدان بالقلعة‏,‏ وأمام الموكب يسير فرسان الأوجاقات وتصطحبه فرق الموسيقي حتي يصل إلي القلعة فينزل الباشا لتسليم الكسوة الشريفة إلي‏(‏ أمير الحج‏),‏ يلي ذلك احتفال آخر يقام بخيمة في البركة لتسليم‏(‏ الصرة الإرسالية‏)‏ المرسلة لأهالي الحرمين الشريفين‏.‏
ومن التاريخ إلي السياسة‏,‏ فبعد مرور أكثر من قرن وربع علي نهاية العصر العثماني‏,‏ وفي عام حدوث واقعة المحمل علي وجه التحديد‏,‏ وبعد تطورات تاريخية عميقة عرفها المصريون إبان تلك الفترة‏,‏ قدمت الأهرام صورة للمتغيرات التي حدثت علي موكب الحج من حيث التركيب والاحتفالات والالتزامات‏,‏ ولم تكن كبيرة‏..‏
أمير الحج أصبح يعين بأمر ملكي جاء فيه نظرا لقرب أداء فريضة الحج هذا العام ولما نعهده في اللواء محمود عزمي باشا من الجدارة والاستقامة‏,‏ أمرنا بما هو آت‏:‏ عين اللواء محمود عزمي باشا وزير الحربية والبحرية سابقا أميرا للحج في طلعة سنة‏1344.‏
أما عن القوة العسكرية المصاحبة للحملة فقد قدمت الأهرام في عددها الصادر يوم السبت‏5‏ يونيو إحصاء لها جاء فيه أنها تتشكل من عشرين ضابطا علي رأسهم القائمقام جلال منير بك‏,422‏ صف ضابط وعسكري‏;‏ وهم‏300‏ من رجال أورطة المشاة التاسعة‏,6‏ من الخيالة‏,89‏ من المدفعية‏,5‏ من القسم الطبي‏,2‏ من القسم البيطري‏,20‏ من الهجانة‏,‏ وأخيرا‏10‏ من المستخدمين الملكيين‏.‏
وأما عن الاحتفالات فقد بدأت بنقل الكسوة من محل صنعها بالخرنفش إلي ميدان محمد علي فسار أمامها بلوكان من أورطة المشاة التاسعة بموسيقاها وعلمها وتبعت الجماهير هذا الموكب الفخم حتي الميدان‏,‏ وفي المساء عرضت الكسوة في المصطبة وتوافد الناس زرافات لرؤيتها ولما انتظم عقد الحضور من الأمراء والأعيان أديرت عليهم المرطبات والحلوي وكان الشيخ أحمد ندا والشيخ علي محمود يرتلان آي القرآن الكريم حتي مضي الهزيع الأول من الليل‏.‏
في اليوم التالي أجريت مراسم احتفال تشييع المحمل والتي رأسها الملك وحضرها الوزراء وكبار موظفي القصر وغيرهم من كبار العلماء والموظفين والتجار والأعيان‏,‏ والكل بكساوي التشريفة الكبري والنيشانات‏,‏ وتم استعراض الحامية المصرية وأسلحتها أمام الملك وأطلق‏21‏ مدفعا عند تشريف جلالته ميدان محمد علي و‏21‏ مدفعا مثلها عند انصرافه منها‏.‏
أكثر من ذلك أن الملك بنفسه اعتمد برنامج الرحلة أو ما أسمته الأهرام مواعيد أسفار المحمل‏..‏ السفر من محطة مصر في الثامنة وخمس دقائق من صباح يوم الاثنين‏7‏ يونيو‏,‏ الوصول إلي السويس في الثانية بعد الظهر‏,‏ والسفر في اليوم التالي إلي جدة ليكون الوصول إليها بعد يومين‏,‏ يتوجه منها إلي مكة المكرمة ويبقي فيها حتي يوم‏25‏ يونيو ليسافر إلي المدينة المنورة ليصلها يوم‏7‏ من الشهر التالي‏,‏ حيث يبقي لمدة أسبوع يتوجه بعدها يوم‏14‏ يوليو إلي ينبع بعد ستة أيام‏,‏ ليقلع بعدها متوجها إلي الطور‏,‏ غير أنه لم يقدر لهذا البرنامج الملكي أن ينفذ‏,‏ فلم يكن رجال قصر عابدين ولا دوائر الحكومة المصرية قد وضعت حساباتها في ضوء التغييرات السياسية الكبيرة التي حدثت في الأراضي المقدسة‏!‏
فقبل نحو ستة أشهر‏,‏ وبعد هزيمة حسين ملك الحجاز علي أيدي قوات سلطان نجد عبد العزيز بن سعود‏,‏ الذي دعمه الجيش شبه النظامي من أبناء القبائل النجدية المعروف بالإخوان‏,‏ وفي يوم‏8‏ يناير عام‏1926‏ علي وجه التحديد نادي أعيان جدة ومكة بالقائد المنتصر ملكا علي الحجاز‏,‏ وما ترتب علي ذلك من وقوع الأماكن المقدسة تحت حكم الوهابيين المعروفين بتشددهم الديني‏,‏ وهو الأمر الذي تخوف منه المصريون وغيرهم‏.‏
غير أن نظام الحكم الجديد قد سعي إلي تهدئة مخاوف المسلمين في شتي أنحاء المعمورة مما نتبينه من البرقية التي نشرتها الأهرام يوم‏27‏ إبريل عام‏1926‏ وكان نصها‏:‏ لقد أصبحت جميع الأراضي الحجازية بنعمة الله مملكة هادئة وكل الناس أحرار أن يقيموا فيه تقاليدهم الإسلامية وأن يزوروا جامع نبي الله وإننا نضمن بعون الله طمأنينة ورفاهية الحجاج أثناء إقامتهم وتنقلهم في الأمكنة المقدسة في الحجاز‏.‏ وكل ما يقوله أعداء العدالة غير صحيح فإن غايتهم هدم الديانة الإسلامية بغية إرضاء مصالحهم الشخصية وإيقاع الضرر بشعب الأراضي المقدسة‏-‏ ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها‏-‏ الختم‏:‏ عبد العزيز بن سعود‏.‏
وفي اعتقادنا أن الملك عبد العزيز كان مخلصا في نواياه بتأمين شعائر الحج‏;‏ رغبة منه في تهدئة مواقف الشعوب الإسلامي‏,‏ غير أنه‏-‏ في ظننا‏-‏ لم يكن سعيدا بقدوم المحمل المصري‏,‏ ولأكثر من سبب‏;‏ ذلك أن قدوم أي موكب حج في ظل الحماية العسكرية للدولة التي يتبعها يحمل معني الانتقاص من سلطة الملك الجديد‏,‏ ثم أن الحجاج المصريين كانوا يصلون إلي الأراضي المقدسة ومعهم كثير من العادات التي تتعارض مع تعاليم الوهابية‏,‏ أولها تدخين النارجيلة‏,‏ فضلا عما كان يحصل عليه أشراف مكة‏,‏ خصومه التقليديين‏,‏ من معونات يحملها لهم أمير الحج‏,‏ ومن ثم لم يكن غريبا ما حدث‏!‏

 

http://www.ahram.org.eg/Archive/2001/6/28/842_8m.jpg

 

في يوم‏11‏ يونيو عام‏1926‏ احتفل بوصول المحمل إلي جدة في استقبال خاص في دار القنصلية المصرية بالمدينة حيث اجتمع حاكم المدينة وأعيان وقناصل الدول وممثلوها والجالية المصرية وحيا الجنود العلم المصري وهتف الجميع لجلالة الملك‏..‏ وبدأ البحث عن الجمال اللازمة للسفر إلي المدينة بعد الحج عن طريق ينبع لأنها الأصلح والأوفق‏,‏ وبدا مع ذلك وكأن كل شيء يسير في طريقه المرسوم‏,‏ غير أنه لم يمض وقت طويل حتي حدثت الواقعة بكل مضاعفاتها‏,‏ والتي دخل معها تاريخ المحمل المصري أيامه الأخيرة‏!‏
أولي هذه المضاعفات بدت في ردود الفعل التي نتجت عن الحادثة‏,‏ فقد احتجت الحكومة المصرية لدي وكالة نجد والحجاز بالقاهرة علي العبارات التي وردت في البلاغ الذي كان قد أصدره ملك الحجاز وسلطان نجد‏,‏ والذي يفهم منه أن الجيش فعل ما فعل عن رعونة وبشكل غير مبرر‏,‏ وأن المجاملات السياسية بين الدول تقضي أن يتشاور الممثلون السياسيون مع الدولة المضيفة في حالة إصدار مثل هذه البلاغات التي تتصل بالعلاقة بين الطرفين‏.‏
بيد أنه تم تسوية الأزمة سريعا بعد أن قدم ممثل الملك عبد العزيز اعتذاره‏,‏ وأنه قبل بنشر البلاغ تحت إلحاح الصحفيين المصريين وانه يعمل دائما علي زيادة العلاقات الودية بين حكومته والحكومة المصرية‏,‏ وأنه واثق بأن الحجاج المصريين سيلقون كل حفاوة وتسهيل من جانب الملك ابن السعود وحكومته‏.‏
غير أن الجانب الديبلوماسي لم يكن الوحيد في الأزمة‏,‏ فقد كان هناك الرأي العام المصري‏,‏ والذي مثلته الصحف من مختلف الاتجاهات‏,‏ ففضلا عن الأهرام كان هناك البلاغ وكوكب الشرق الناطقتين بلسان الوفد‏,‏ والسياسة الناطقة بلسان الأحرار الدستوريين‏,‏ فضلا عن الاتحاد الناطقة بلسان الحزب الموالي للملك‏.‏
البلاغ وصفت الحادث بأنه مؤسف ولا يحسن موقعه في نفس أي مصري ولا نجدي ممن يحرصون علي السلم والوفاء‏,‏ وسخرت الجريدة مما قيل عن أن سبب اعتداء النجديين علي موكب الحجيج المصري أن أصواتا ارتفعت من أبواق حرس المحمل‏,‏ فلو أن ذلك الحرس كان يعزف بأنغام الموسيقي وألحان اللهو والتطريب لفهمنا العذر‏,‏ أما وهي أصوات عسكرية نظامية‏,‏ أو‏(‏ نفير حرب‏)‏ مباح في كل مكان كالذي يسمع في كل معسكر‏-‏ وفي معسكرات بن سعود أيضا‏-‏ فلا نفهم عذرا ما لتلك الحركة الحمقاء‏.‏
كوكب الشرق كانت أكثر حدة حين ذكرت بأن الأماكن المقدسة ملك لكل من يدين بهذا الدين الحنيف‏..‏ وبذلك فإن أقل حادث يحدث في هذه البلاد‏-‏ مهما كان طفيفا‏-‏ يؤلم نفس كل مسلم ويهز عاطفته حزنا وأسفا‏..‏ وإذن فليعلم الوهابيون أنهم إن أرادوا أن يميتوا الحجاز جوعا وعطشا‏-‏ لا قدر الله‏-‏ فليمضوا في غوايتهم‏,‏ وليسيروا في هذا التصلب الشاذ‏.‏
أما جريدة السياسة فقد استخدمت نغمة معتدلة في التعليق علي الواقعة‏,‏ غير أنها كشفت لنا عن حقيقة هامة وهي أن حكومة بن سعود كانت قد أرسلت إلي الحكومة المصرية تنصحها بعدم إرسال المحمل خلال ذلك العام‏,‏ وأثارت مع ذلك بعض الشكوك أن يكون أتباع الملك عبد العزيز وراء الواقعة‏!‏
بقيت الاتحاد صحيفة الحزب الموالي للقصر‏,‏ وكانت الأكثر اعتدالا فيما نتبينه من مطلع تعليقها عن الحادث‏,‏ والذي جاء فيه‏:‏ النجديون إخواننا في الدين‏,‏ ويفرحنا كثيرا أن يكون هناك فريق من المسلمين يتمسك بمذهب السلف الصالح‏,‏ كما يفرحنا أكثر وأكثر أن يكون لهذا الفريق سلطان علي البيت الحرام مصدر هذه الشريعة الطاهرة‏,‏ ولكن لكل شيء نهاية وحد‏,‏ وكل ما تجاوز حده استحال إلي ضده‏,‏ وخير الأمور أوساطها كما أن شر البدع مستحدثاتها‏.‏
وعلي غير عادة الأهرام‏,‏ فقد اكتفت في هذه المناسبة بنشر آراء الآخرين واحتفظت برأيها‏,‏ ويمكن أن يعزي ذلك إلي أن القضية ذات طابع ديني‏,‏ وأن المسئولين عن الجريدة من المسيحيين الشوام كانوا حريصين دائما في تلك المناسبات علي النأي بصحيفتهم عن إبداء الرأي فيها‏,‏ منعا من إثارة أية حساسيات‏,‏ وهي لم تنفرد بهذا الموقف فقد جارتها فيه الصحف المشابهة مثل المقطم والمجلات الصادرة عن دار الهلال‏!‏
وبعيدا عما كان يحدث في القاهرة واجه محمود عزمي باشا بعد الواقعة موقفا حرجا ربما لم يواجهه أحد من أسلافه القريبين حين كانت مهمتهم ذات طابع احتفالي‏,‏ وقد انبعثت مخاوف الباشا المصري مما هو معلوم عن أخلاق البدو من تقديس للثأر‏,‏ وكما كتب أحد قراء جريدتنا أنهم يضعونه في حياتهم في المنزلة الأولي بعد الدين‏,‏ فهم قد يطيعون ملكهم أو الإخوان ولكنهم لا يطيعونه في التقاليد الدينية أو ما يظنونه من الدين‏,‏ ولا في الثأر المتأصلة جذوره في نفوسهم‏!‏
انعكست هذه المخاوف في أنه قد ارتأي تجنبا للمخاطر ألا يكمل رحلته إلي المدينة برا‏,‏ وفضل العودة إلي جدة من حيث يستقل باخرة تنقله مع رجال المحمل إلي ينبع‏,‏ ويتجه من هناك إلي المدينة‏,‏ وقد حصل علي موافقة جميع الأطراف علي هذه الفكرة‏,‏ الحكومة المصرية التي أبرق لها بها‏,‏ وحكومة نجد والحجاز التي شجعته علي تنفيذها‏,‏ يدفعها إلي ذلك الرغبة في التخلص من مسئولية ما إذا تعرض الموكب للخطر‏,‏ خاصة وأنه كان سيتوجه إلي المدينة علي ظهور الجمال في رحلة تستغرق أكثر من عشرة أيام‏,‏ كما كان يدفعها أيضا الرغبة أن يفهم المسئولون المصريون أن الزمن لم يعد نفس الزمن‏!‏
يؤكد ذلك ما تعرض له موكب الحج المصري من مضايقات لم يعتدها خلال السنوات السابقة‏,‏ والتي تعددت مظاهرها‏,‏ فيما تضمنه تقرير طويل رفعه عزمي باشا إلي الحكومة المصرية بعد عودته‏;‏ منها‏:‏ أن العادة كانت أن تطلق طوبجية المحمل المدافع في أوقات الصلاة يوم الوقفة وأيام العيد وقد أطلقت الطوبجية المدافع فعلا يوم الوقفة فجاء رسول يبلغ عزمي باشا اعتراض ابن سعود علي إطلاقها‏,‏ فأصر الباشا علي إطلاقها إلا إذا جاء كتاب من الملك ابن سعود بذلك وقد جاء هذا الكتاب‏!‏
ومنها أيضا أن الأمير فيصل طالب عزمي باشا أن يمنع استعمال الأبواق لأن النجديين يستنكرونها أشد الاستنكار ويسمونها مزامير الشيطان‏,‏ ولما لم تستجب قوات المحمل لهذا المطلب تعرضت للهجوم من هؤلاء‏.‏
ومنها ثالثا أن المحمل كان قد أخذ معه سيارتين ولوري للنقل وطلمبة مياه‏,‏ وما كادت تسير في مكة حتي صدر أمر بمنع ركوب السيارات بدعوي أنها تخيف الجمال‏,‏ وقيل أن الملك نفسه وأهل بيته سيمتنعون عن ركوب السيارات ويعقب عزمي باشا علي ذلك بالقول أنه رأي بعدئذ سيارات الملك وأفراد أسرته تسير في المدينة كعادتها فلم أجد بدا من العودة لاستخدام السيارات لنقل المرضي وغير ذلك من الشئون‏.‏
ومنها أخيرا أن العادة كانت قد جرت من قبل علي وضع المحمل في الحرم الشريف بعد العودة من مني مباشرة ويبقي به لحين السفر‏,‏ غير أن ابن سعود ورجاله أظهروا عدم رضائهم عن ذلك‏,‏ وعندما طلب الشيخ حافظ وهبة مستشار بن سعود من أمير الحج المصري إخراج رجاله رفض عزمي باشا مما دعا إلي إبلاغه بأنه إذا لم يخرج بالحسني فسوف يخرج بالقوة فطلب أمير الحج أمرا كتابيا بذلك فأطلعه علي الأمر الصادر‏..‏ وانتهت الأزمة ببقاء المحمل في الحرم إلي يوم السفر فخرج بالاحتفال المعتاد‏.‏
وقد عرفت الأيام التالية تحولا جذريا في برنامج المحمل‏,‏ فبعد أن كانت المشاورات تدور حول أنسب الطرق لاستكمال الرحلة بالذهاب إلي المدينة المنورة‏,‏ أخذت تدور حول الاكتفاء بزيارة مكة وأن تتم العودة إلي جدة لتقفل منها راجعة إلي أرض الوطن‏.‏
وانتهت المشاورات بالموافقة علي هذا الخيار الأخير‏,‏ فبعد اجتماع لمجلس الوزراء برئاسة عدلي يكن باشا يوم الأربعاء‏30‏ يونيو لبحث اقتراح وزير الحربية بعدم ذهاب المحمل إلي المدينة وعودته إلي مصر تمت الموافقة عليه متذرعا بوفاة قائد المدفعية المرافقة له‏,‏ البكباشي محمد توفيق بسكتة قلبية‏,‏ ومرض قائد حرس المحمل العام وقائد الهجانة‏,‏ وخشية من زيادة حوادث المرض بين الضباط والجنود والحجاج‏,‏ ولم يكن قراء الأهرام في حاجة إلي ذكاء كبير ليدركوا أن هذه ليست الحقيقة‏!‏
وفي يوم‏17‏ يوليو وصل المحمل المصري إلي القاهرة مبكرا عن ميعاده العودة المفترضة بأكثر من عشرة أيام‏,‏ غير أن ذلك لم يمنع من إقامة الاحتفالات المعتادة إذ خرج في السادسة والنصف من صباح ذلك اليوم من ميدان الحصوة في العباسية إلي ميدان محمد علي أمام القلعة في موكب فخم يتقدمه أرباب الطرق والأشاير فقوة من رجال الجيش فحرس المحمل فموظفوه يتقدمهم حضرة صاحب السعادة محمود عزمي باشا‏.‏
وكان أهم ما حدث بعد ذلك ما كشف عنه أمير الحج من بعض جوانب الواقعة في حديث طويل مع محمود أبو الفتح مندوب الأهرام نشرته الجريدة في أول أغسطس‏,‏ وكان رأيه أنها مدبرة‏,‏ وأن بعض رجاله سمعوا نفرا من هجانة الملك المرافقين للمحمل يقولون الإخوان متواعدون الليلة هنا‏,‏ وأن جمعا عظيما من هؤلاء قد أخذوا في رمي المحمل والركب بالحجارة وهم يصيحون يامشركين ياكفرة ياعباد العود‏!‏
كشف أيضا عن نية الحكومة المصرية علي التوقف عن دفع الإحسانات والصدقات التي ظلت تدفعها طوال العصر العثماني لأشخاص معينين مدي الحياة من الذين يشغلون وظائف بذاتها في الحرم‏,‏ خاصة وأن الملك عبد العزيز وقبله الملك حسين قد رفضا أن يتولي أمراء الحج توزيع هذه الصدقات علي الناس مباشرة‏,‏ وفضلوا القيام هم بتوزيعها مما لم يكن محل رضاء المصريين‏.‏
وقد تضمن التقرير الذي قدمه عزمي باشا للحكومة المصرية عشرات الأمثلة علي حصول من لا يستحقون علي تلك الإحسانات والصدقات‏,‏ لدرجة أن أحدهم كان له رأسمال يزيد عن عشرة آلاف جنيه‏,‏ وآخر كان يحصل علي أربعة مرتبات بصفات مختلفة‏,‏ وأنه قد عاد بأغلب المبلغ المخصص لها وقدره‏31‏ ألف جنيه بعد أن وزع منه أقل من‏360‏ جنيها‏!‏
ولا شك أن ما نشرته الأهرام وغيرها من الصحف في هذا الشأن مهد لانتهاء عصر المحمل ليحل محله بعثة الحج التي يترأسها موظف كبير لا يحمل لقب الأمير‏!‏

 
   
   
   
     

 

 
 

 

  المحمل والأزمة مع مصر :

1 ـ بإستيلائه على الحجاز ومكة وبعد مذبحة الطائف التى إنتشر خبرها كان متوقعا أن يتحسّب عبد العزيز لموقف مصر بالذات ، وهو يعلم كراهيتها للوهابية . ويذكر  خيرالدين الزركلي  فى كتابه : ( شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز) حرص عبد العزيز على كسب ود مصر ، يقول ص (  661 ـ ) ( صرفت ثمانية عشر عاماً ، من 1353 ـ 1371هـ ( 1934 ـ 1952 م) منقطعاً  إلى تمثيل الملك عبدالعزيز ، وقضاء مصالحه الإدارية والسياسية ، والخاصة  والعامة ، في بلاد وادي النيل . وما كتب لي يوماً بشأن مصر ، ولا سمعته يتحدث في سر أو علن عن مصر ، إلا بما فيه الحرص والحض على حسن العلاقة ، وتوطيد الحب والصداقة ، بينه وبين المصريين حكومة وشعباً.تسلمتُ عملي ، مستشاراً، في "الوكالة العربية السعودية" بالقاهرة ، سنة 1353هـ (1934م) ، والدولتان ـ السعودية والمصرية ـ على غير وفاق . لا تمثيل دبلوماسي ولا اعتراف . وحديث " المحمل  " على كل لسان .وقبله خبر " المؤتمر " وقبلهما " من يحكم الحجاز " ؟ ) .

2 ـ  قبل أن يستولى عبد العزيز على جدة التى تحصّن فيها على بن الشريف حسين بعد هزيمته وإستيلاء عبد العزيز على مكة ـ دعا عبد العزيز الرؤساء والملوك العرب والمسلمين للنظر فى إصلاح الحجاز ، وكان توقيت هذا المؤتمر 1925 . يقول الزركلى فى كتابه السالف ( 662 ـ ): (  بعد إن استقر الملك عبدالعزيز ، في مكة سنة 1343 هـ (1924 م)وأقام يحاصر جدة وفيها الشريف ( الملك ) علي بن الحسين ومن معه ؛ بعث بكتاب  في 11 ربيع الثاني 1344 (آخر اكتوبر 1925) إلى ملوك المسلمين والجمعيات ، والمنظمات الإسلامية ؛ يدعوهم فيه إلى إرسال مندوبين عنهم، للنظر في مستقبل الحجاز .).ولم يتم عقد هذا المؤتمر .

3 ـ جدّد عبد العزيز دعوته الى عقد مؤتمر آخر  للنظر في إصلاح الحجاز. يقول الزركلى : (  فكتب عبدالعزيز إلى الحكومات والشعوب الإسلامية ، يدعوها إلى  "مؤتمر " يُعقد بمكة في 20 من ذي القعدة 1344 (3/ 6/ 1926م) ولبى الدعوة من لباها ؛ ورفضها ملك مصر ؛ فكان هذا أول مظهر للخلاف بينه وبين عبدالعزيز ، ولم يأت المؤتمر بنتيجة . ) .

رفضت مصر حضور هذا المؤتمر ولكن حضره رشيد رضا ، وكانت أول مرة يلتقى فيها سيده عبد العزيز آل سعود . أى إن مصر الرسمية رفضت حضور المؤتمر الذى دعا اليه عبد العزيز تعبيرا عن رفضها إحتلاله الحجاز ، ولكن مصر الليبرالية سمحت لرشيد رضا بحضور هذا المؤتمر . وكان هذا مبعث تفاؤل لدى عبد العزيز وهو يلتقى لأول مرة رشيد رضا الذى شارك بكل حماسة فى هذا المؤتمر برغم إصابته بالحمّى .

ولكن نغّص عليهم حادث المحمل الذى حدث فى نفس شهر عقد المؤتمر فى عيد الأضحى 10 ذي الحجة 1344 ( 22 يونيه 1926 ) ..

4 ـ وسارع عبد العزيز بارسال ابنه الأكبر الأمير سعود الى مصر ومعه مستشاره حافظ وهبة لتطيف الأجواء مع مصر بعد حادث المحمل ولم تنجح المحاولة. يقول الزركلى : ( وعلى الرغم من أن الملك عبدالعزيز ، أرسل كبير أبنائه " سعود بن عبدالعزيز " سنة 1346 هـ (1926م) إلى مصر ،لمعالجة عينية وتصفية الجو مع القصر الملكي فيها ، فإن الفجوة استمرت .)

5 ـ بل على العكس أدّت رحلة سعود الى مصر الى تعميق الخلاف بين عبد العزيز والاخوان النجديين الذين فتحوا له الحجاز ومعظم ما قبل الحجاز . واضح أنهم رأوا زعيمهم عبد العزيز فى صراعهم مع المحمل الممثل لمصر ـ يبذل وسعه لارضاء مصر منحازا لمصر ضدهم . ومصر بالنسبة لهم مشركة ، وطبقا للديانة الوهابية وتعاليم ابن عبد الوهاب فإنه يحرم التودد للمشركين .

6 ـ جدير بالذكر أن الأمير سعود بن عبد العزيز وهو فى رفقة حافظ وهبة نصحه حافظ وهبه بتقديم تنازلات دينية يكتسب بها قلوب المصريين وبها تخفُّ عداوتهم للوهابية ، وهى أن يزور ضريح الامام الشافعى وضريح الحسين . وكاد الأمر يتم ، لولا أن رشيد رضا الذى كان قد عاد لمصر بعد مؤتمر الحجاز بعث الى عبد العزيز يحذّر من قيام ابنه سعود بزيارة هذين المسجدين حتى لا يعطى فرصة للإخوان فى المزايدة عليه . وإستجاب عبد العزيز فبعث برسالة سرية لابنه سعود يمنعه من ذلك ( جلال كشك : السعوديون والحل الاسلامى : 540 : 541 ).

توضيح هذه النقطة يستلزم الرجوع بضع سنوات لإعطاء لمحة عن بدايات التذمر بين عبد العزيز وإخوانه قبل المحمل ثم بعده.

 

  المحمل والأزمة مع إخوان عبد العزيز ( الإخوان النجديين )

 1 ـ بدخول عبد العزيز فى إتصالات ــ لا بد منها ـ مع الانجليز بدأت الفجوة بين متطلبات السياسة والمعيشة والتعاليم الوهابية الصارمة . وبدأ الخلاف بين عبد العزيز والفقهاء الوهابيين ومعهم تلاميذهم الاخوان النجديين . كان هذا هو فحوى الخلاف بينهما فى مؤتمر العلماء سنة 1919. حمل المؤتمر قضايا فقهية لكن بغرض سياسى يعكس حرص الاخوان على إشعار عبد العزيز أنه لا بد من مشاركتهم فى الحكم ، فبسيوفهم توسع ملكه وهم اصحاب حق فى مشاركته فيما أسهموا فيه . ثم تطور الأمر الى مؤتمر الارطاوية عام 1924 الذى تزعمه فيصل الدويش زعيم الاخوان ليضغط على عبد العزيز بالتعجيل بفتح الحجاز ، وهم يعلمون أن عبد العزيز يخطط لهذا على مهل ، ولكن فيصل أراد المزايدة على عبد العزيز باسم العقيدة ، واذعن لهم عبد العزيز فارتكبوا مذبحة الطائف . وعندما نشرت الصحف المصرية والسورية والإيرانية أنباء عن قتل الأخوان للنساء والأطفال في الطائف أرسل لتلك الصحف يستنكر نشر هذه الأخبار وكانت البرقية موقعة باسم ابنه الأمير فيصل ،وأرسل الرسالة الي حافظ وهبة مستشاره يؤكد فيها ضمانه الكامل لسلامة المدنيين وممتلكاتهم .

2 ـ وبدلا من تفاقم الأمر حاول منع الاخوان من ارتكاب المزيد من المذابح لأن العالم ـ لم يعد مثلما كان الأمر فى الدولة السعودية الأولى ـ أصبح يسمع ويرى ويحتج وتصله الأنباء فى يومها . إختار عبد العزيز بعد مذبحة الطائف الحصار والمفاوضة بدلا من الهجوم والاستيلاء بالقوة علي جدة والمدينة المنورة . كان فيصل الدويش زعيم الاخوان قائد الجيش المتوجه لفتح المدينة . وفى طريقه إستباح قرية العوالي القريبة من المدينة قتلا ونهبا، وقد صمم علي قصف المدينة بالمدافع واستباحتها كما فعلوا بالطائف. وعزل عبد العزيز فيصل الدويش، وعين ابنه محمد بن عبد العزيز مكانه وجرت مفاوضات انتهت بتسليم المدينة بلا حرب في صباح السبت 5/ ديسمبر /1925 . وغضب فيصل الدويش ، وغادر الى قلعته الارطاوية مغاضبا لعبد العزيز.

3 ـ  بعد ضم الحجاز اكتملت أهداف عبد العزيز السياسية ولم يعد بحاجة الي قوة الأخوان ،كما لم يعد يتحمل مشاكلهم ،وأراد ان يعتمد علي أنظمة حديثة يساير بها التطورات العالمية دونما معارضة ،كما ان حماية أرجاء بلاده الواسعة تطلب تطويرا في حرب الصحراء وفي الأسلحة التي لم يكن للإخوان ان يتأقلموا عليها . ولذلك أعاد عبد العزيز الأخوان الي نجد مع مكافآت مجزية من المعاشات والأراضي وغنائم الحرب ،ولكنهم كانوا يريدون استمرار الجهاد والتوسع ،ولم يعرفوا انهم وصلوا الي الحدود المسموح بها دوليا ،وان الأمر اصبح بيد إنجلترا والقوي الدولية معا . وتألم الأخوان عندما وجدوا  عبد العزيز يحسن معاملة الإنجليز الكفار و(المشركين) من الأردن والعراق والحجاز بل ويبعث بابنه فيصل الى لندن وابنه سعود الى مصر .!

4 ـ وأدى حادث هجومهم علي المحمل المصري الي تأكيد الأهمية عند عبد العزيز على عودتهم الي نجد ،حتي لا يسببوا لعبد العزيز المزيد من المشاكل في الحجاز ،حيث يضم الحجاز خليطا من البشر والثقافات ،وبينه وبين نجد عداء متراكم منذ العصور الوسطي ،وكانت علاقات الأخوان بالحجاز إحدى تجليات هذا العداء . كان حادث المحمل هو الحاضر الغائب فى مؤتمر الارطاوية .

 5 ـ مؤتمر الارطاوية :في ديسمبر 1926 بعد زيارة سعود لمصر مباشرة :

 أعدّه فيصل الدويش بدون حضور عبد العزيز ردا على ما إعتبروه موالاة لانجلترة ومصر ، وحضرة مشايخ مطير وعتيبة والعجمان ،ووجهوا لعبد العزيز الانتقادات الآتية :إرسال ولده سعود الي مصر و ولده فيصل الي لندن وهما من بلاد الشرك .دخول المحمل المصري الي مكة مسلحا .استخدام التليفون والسيارات والتلغرافات وهي من أعمال السحر .طلب تفسير لمنع التجارة مع الكويت .فان كانوا مسلمين تعاملنا معهم وان كانوا مشركين حاربناهم . المكوس والضرائب في نجد والتشريعات الوضعية .لماذا السكوت عن شيعة الاحساء والقطيف والتغاضي عن إدخالهم في دين الجماعة .لماذا السماح لبادية العراق وشرق الأردن بالرعي في مراعي المسلمين .وهدم القبور. .

6 ـ وتطورت المعارضة السياسية بالمؤتمرات ثم إنتقلت الى الصدام المسلح والذى إنتهى بتخلص عبد العزيز من إخوانه النجديين بعد فوزه عليهم فى موقعهة السبلة 1929 : 1930 ، وحكم منفردا ، ثم ما لبث أن اعطى دولته إسم عائلته عام 1932 . 

أخيرا  : حادث المحمل الذى فجّر الخلاف علنيا بين عبد العزيز والاخوان النجديين أدى الى تفكير عبد العزيز فى تكوين (إخوان ) فى مصر يقومون بحكم مصر وتحويلها الى عُمق لدولته ، ولكى ينجح هذا التطور السياسى لا بد من إقامة جمعيات سلفية وهابية تُحوّل مصر من دينها التصوف السنى الى الوهابية . وهنا تكمن أهمية رشيد رضا .

 ولكنه لم يكن الوحيد . كان صاحب التأثير الأعلى هو حافظ وهبة مستشار عبد العزيز ، وهو الذى دبّر إستقدام صحفى مصرى ليكتب كتابا دعائيا عن مُلك عبد العزيز ، ليتلافى به الآثار التى خلّفها حادث المحمل .

ونتوقف مع هذا الصحفى وكتابه لندرك دهاء حافظ وهبة الذى كان هو المُخرج لهذه المسرحية ــ من وراء ستار .

 

الصحفى المغمور الذى إستقدمه حافظ وهبة ،  ورحلته وكتابه :

 

 إستقبالات رائعة لصحفى مصرى مغمور فى ضيافة عبد العزيز  

مقدمة :

1 ـ لتلافى أثر حادث المحمل ولإجراء عملية تجميل للوهابية ولحاكمها الجديد الذى إحتل الحجاز بعد مذبحة الطائف إستضاف عبد العزيز صحفيا مصريا ليكتب عنه مقالات ينشرها فى الصحف المصرية.  كان هذا أثناء زيارة الأمير سعود بن عبد العزيز للقاهرة ومعه مستشار والده المصرى الداهية حافظ وهبة . عثروا على ( محمد شفيق مصطفى ) .هو صحفى مغمور لا نعرف عنه إلا من خلال هذه المقالات ، وبالتالى نفهم ان هذه المهمة قد رفضها مشاهير الصحفيين والكُتّاب فى ذلك الوقت .

2 ـ هو صحفى متواضع المستوى ، يظهر هذا فى عبارات النفاق غير المعتادة لعبد العزيز بما يترفع عنه ــ فى هذا الوقت ــ أى كاتب صحفى محترم . ثم وهو يلعب دور الرحالة يكتب عن رحلته ( في قلب  نجد والحجاز ) فإنه ينسى أهم شىء يحرص عليه من يكتب رحلته وهو تاريخ بدء وانتهاء رحلته وتاريخ تنقلاته . مقالات ( في قلب  نجد والحجاز )لا تجد فيها مطلقا أى تاريخ باليوم والشهر والسنة ، كما لو أن الكاتب يحكى لنفسه .

3 ـ هذه المقالات نشرتها ( مكتبة الثقافة الدينية ـ القاهرة ). ونعطى بعض التفصيلات :

 

 من هو الصحفى محمد شفيق مصطفى

1 ـ لم أعثر على ترجمة له ، وواضح أن عدم شهرته كانت سببا فى قبوله القيام بتلك الرحلة .   ونستشف شخصيته وظروف قبوله هذه المهمة مما قاله فى مقدمة كتابه .

2 ـ يقول ص 7 : ( وعليه نتوكل وبه نستعين وبعد : فلست أنكر أنني كنتُ إلى ما قبل زيارة حضرة صاحب السمو الملكي الأمير سعود ـ ولي عهد نجد والحجاز ـ لمصر في صيف العام الماضي أجهل كل شيء عن أحوال  البلاد العربية التي ندين وإياها بدين الإسلام الحنيف ، اللهم  إلا القدر الذي يعرفه سواد المتعلمين من أبناء مصر وغير أبنائها . )

2 / 1 : لم يذكر تاريخ بدء رحلته ، ذكر فقط مقابلة الأمير سعود فى الصيف الماضى ).

2 / 2 :  يلفت النظر أن المؤلف هنا يطلق على ( نجد والحجاز ) إسم ( البلاد العربية ) . وقتها لم تكن ثقافة العروبة والقومية العربية قد ظهرت . كان يُطلق على المنطقة لقب ( الشرق ) . بعدها بثلاثة عقود قام عبد الناصر بنشر ثقافة القومية العربية بينما قام أبناء ( الجزيرة العربية ـ النجديون السعوديون ) بنشر ثقافة الوهابية . ودار الصراع بين الثقافتين فى خصومة عبد الناصر مع الاخوان والسعوديين . عبد الناصر رفع أيدلوجيته المصنوعة ( القومية العربية ) الى الحد الذى أطلق على مصر إسم ( الاقليم الجنوبى ) حين إتحد مع سوريا وكوّن ( الجمهورية العربية المتحدة) . ومع سقوطها فقد سار على دين القومية العربية صدام والقذافى . وكم فى الشرق ( الأوسط / الأتعس ) من أعاجيب .

3 ـ  ويقول فى ص 8 : (  وإن أنس لا أنسى ما أبداه سمو الأمير سعود أثناء زيارته مصر من هذه الرغبة السامية ودعوته المفكرين لزيارة بلاده واستطلاع شئونها ونشر الحقائق المجردة عنها للناطقين بالضاد ممن لا يزالون يجهلون عنها كل شيء . ) أى إن الأمير سعود فى رحلته لمصر دعا المفكرين لزيارة بلاده . لم يستجب أحد من المشاهير . فاستجاب هو ، وهذا هو السبب الأول لقيامه بالرحلة .

4 ـ يقول بعدها عن بقية أسباب رحلته : ( من أجل ذلك ولأنى من نعومة أظفارى أشعر بميل خاص الى إحتذاء أثر المستطلعين لأحوال الأمم والبلدان ، وكنت ـ ولا أزال ـ ممن يؤمنون بالتطور فى كل شىء حتى إنى كنت ارقب عن كثب خلال زيارة الأمير النجدى ( يقصد الأمير سعود بن عبد العزيز ) وحاشيته الكثيرة العدد مصرـ ما تحمله هذه الزيارة لمصر المتمدينة العظيمة التحضر فى نفوسهم من الأثر والتطور النسبى فى حركاتهم وسكناتهم ومقدار قابليتهم وإستعدادهم للأخذ بأسياب الحضارة ..) .

المؤلف هنا يتكلم عن أحوال نجد فى وقته ، وقد كان الإخوان النجديون يرفضون المحترعات الحديثة وقتها من التليغراف والتليفون والموتوسيكل ، وقد أتعبوا عبد العزيز بسبب هذا . المؤلف هنا يعرض بتلقائية بين تقدم مصر وتخلّف نجد . 

5 ــ ثم يقول : ( فكنت ألمس أشياء كثيرة مما كنت أومن به فى هذه الناحية الحساسة ، سواء كان فى إجتماعاتهم بزائريهم من المصريين والأجانب ، أو معاملاتهم الخاصة ، وفى خلال مشاهداتهم لعظمة الحضارة المصرية وأسباب العمران الاجتماعى ، وما إقتناه سمو أميرهم من نفائس المصنوعات وبدائع الأشياء ، وتقديره لكل ما يقع تحت ناظريه مما كان يعدُّ فى نظره جديدا غريبا .) .

5 / 1 : واضح هنا أنه شاب صحفى أثار إنتباهه مجىء الأمير سعود بحاشيته الكثيرة ، وتتبعهم بفضوله الصحفى وإقترب منهم ، وتعرف الي الحاشية فقدموه الى الأمير سعود ، فرافق الأمير وكشف لنا عن أن سعود كان فى رحلته للقاهرة يقابل ليس المصريين فقط بل الأجانب ايضا ، وهذه من أكبر الكبائر فى الدين الوهابى ــ وقتئذ .

5 / 2 : ولقد إشتهر سعود فى حكمه بالاسراف الشديد ، والمؤلف يكشف عن هذه الخصلة فيه وهو أمير جاء لمصر فإنهمك فى الشراء منبهرا بكل ما يرى .

6 ـ ولا ريب أن المؤلف فى تزلفه الى الأمير سعود وحاشيته قد أعطاهم اُذنيه ـ منبهرا ـ بما يسمعه من اقوالهم فى مناقب الملك عبد العزيز. ويجعل هذا آخر أسباب  رحلته، يقول: ( فإذا أضفت الى ما تقدم ما كان ينقله الى سمعى الرواة عن فعال جلالة الملك عبد العزيز ، سواء فى تدبير شئون بلاده من الوجهتين الاجتماعية والسياسية ، والأحاديث التى كانت تنشرها الصحف لجلالته ، مما يدل على سعة إطلاعه وحدة ذهنه وبُعد نظره فى جلائل الشئون ، وإتفاق قلوب رعاياه على حبه وإجلاله ، مع بقاء أكثرهم على بداوتهم .. كان كل ما تقدم من الأسباب المباشرة التى دفعتنى للقيام بهذه الرحلة الشاقة ..) .

5 ـ بإيجاز ، هو صحفى مصرى أنتجته الليبرالية المصرية وقتها،والتى كانت تُتيح له ولغيره الكتابة بحرية . وقد وجدها فرصة للمغامرة فلم يضيعها . قام بالرحلة وكتب عنها هذه الوثيقة التاريخية ، وهى مادة شيّقة للباحث التاريخى . 

   

  التخطيط المسبق للرحلة والالتزام بهذا التخطيط

1 ـ الهدف من هذه الرحلة هو الدعاية لعبد العزيز ، وشرح أهم إنجاز حقّقه ، وهو نشر الأمن فى ربوع البلاد التى حكمها بعد أن كان الأعراب يسلبون من يمرّ بهم . لذا لم يستعمل محمد شفيق مصطفى السيارة أو الطائرة ، ولم يذهب مباشرة الى لقاء عبد العزيز ، بل إرتدى زيا بدويا وركب الناقة وسار فى الصحراء فى الطرق المعتادة .

2 ـ وفى التخطيط المسبق لهذه الرحلة كان الجميع فى إستقبال الصحفى محمد شفيق مصطفى يحوطونه بالتكريم أينما حل ، لينقل صورة رائعة للمصريين والصحفيين المصريين فيما يكتب .

3 ـ يقول فى صفحة 9  : ( وإني لمدين بشيء كثير من الفضل في نجاح هذه الرحلة إلى تلك الخلال العربية الكريمة التي أبداها لي زعماء قبائل نجد عن طيبة خاطر وإلى استتباب الأمن في تلك الربوع ، وأخيراً ، بل وأولاً وآخراً إلى رعاية حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز التي شملتني قبل ان يعلم بأمر رحلتي ، حتى بلغت "الرياض " أثر عودة جلالته إليها من الحجاز.)

3 / 1 : منطقة نجد التى كانت تُخيف الغرباء خصوصا بوجود الاخوان النجديين فيها قد تحولوا الى بشر مسالمين ، وهذا بفضل عبد العزيز وسياسته الأمنية القاسية . وهو هنا يعترف بأن عبد العزيز هو الذى أمر برعايته .

3 / 2 : والمؤلف يشير الى تاريخ رحلته وبلوغه الرياض بذكر حادث مشهور هو رجوع عبد العزيز من الحجاز الى عاصمته الرياض . ولم يذكر تاريخ اليوم والشهر والعام ، كما لو ان القارىء فى عهده يعرف .

 نماذج من الاحتفال به :

1 ـ  يقول فى : ص  13 : ( وما كدتُ أصل إلى " قريات الملح " وهي اول بلد يدخل في منطقة نفوذ ابن السعود وأبدي رغبتي لبعض زعماء القبائل لزيارة عاصمة نجد حتى أسرع إلى إعداد قافلة مؤلفة من خمسة جمال امتطيت أحدها ، وكان ركاب الأربعة الأخرى بمثابة خدم خاص . ). !

2 ـ ص  14 ( وقد استقبلني أمير قريات الملح على " مصطبة " كان يجلس عليها بجانبه سيفه ، وحوله عدد من أخصائه ، وبعد أن قُدمت لنا القهوة النجدية طلب إلي أن أظل في ضيافته أياماً ، ولكني اعتذرت لرغبتي بمواصلة السفر . )

3 ـ ص  15 : ( ومن ألطف ما لاحظته في رفاقي أنهم أثناء الصلاة كانوا يراعون واجب المجاملة باعتباري مصرياً فيبتهلون إلى الله بالدعاء لمصر وأهلها وجلالة مليكها المعظم ، فكانت هذه المجاملة في ذاتها تسري عني وعثاء السفر وتقرب القوم إلى قلبي كثيراً وتشعرني بعظمة الرابطة الإسلامية التي يدين بها شعوب الإسلام . )

4 ـ ص  17 : ( ووصلنا إلى بلدة " الجوف " ، فما علم رجال اميرها عبدالله بن عقيل بقدومنا حتى خفوا إلى لقائنا ، وكان الأمير ذاته على أبواب المدينة في انتظارنا ليحيينا ويدعونا لضيافته باسم جلالة الملك ابن السعود ، وهكذا لبينا الدعوة شاكرين . )

5 ـ ص  21 : ( وما كان فجر اليوم السابع ينبلج حتى وصلنا بلدة تدعى " جبة "ذات مبان من طين أبيض يلفت الأنظار ، فأخذنا حاجتنا منها بعد أن استرحنا قليلاً ، وما كان أكبر دهشتي حتى أقبل علينا نفر من أهل تلك البلد يحتفون بنا ويسألون عني بالاسم ...) 

6 ـ ص21 ( ولما صرنا على قيد أميال من حائل كان نائب الأميرعبدالعزيز ابن مساعد بن جلوي ، وهو ابن عم جلالة الملك ابن السعود في استقبالنا ، وقد رحب بنا باسم أميره ، وسار بنا حتى دخلنا " حائل "   

 7 ـ ص  24 : ( في ضيافة امير حائل : وفي اليوم التالي لوصولنا دعانا الأمير عبدالعزيز بن مساعد إلى قصر الإمارة وقد استقبلنا فيه استقبالا حسناً وأنزلنا فيه بمنزل خاص ورتب لنا خدمة خاصة ، وهو مطلق الحكم في إقليمه وما يجاوره من ملحقات نجد الشمالية ، فهو الحاكم المسموع الكلمة النافذ الإرادة بعد الملك ابن السعود . )

8 ـ  ص 26 : ( في بريدة : وكان أمير بريدة  قد بلغه خبر قدومنا ، وهو يُدعى : مبارك بن مبيريك ، فخف لاستقبالنا باسم جلالة الملك ابن السعود استقبالاً هو غاية في الود ونهاية في الكرم ، وأنزلنا في داره ضيوفاً كراماً . )

9 ـ ص 29 : ( إلى الرياض : وحدث في الأثناء أن أُذيع خبر عودة جلالة الملك عبدالعزيز من المدينة المنورة إلى عاصمة نجد للمرة الأولى  بعد فتحه الحجاز ، فاخترنا طريق المستوي كي نعجل بالوصول إلى الرياض لنشهد حفلات استقباله . ).

 10 ـ ص  31 : ( تعطفات ملكية :  وكان جلالة الملك قد علم بقدومنا فأرسل مندوباً عنه لاستقبالنا بباب المدينة ، وسار بنا إلى قصر جلالته ، وقد دخلنا عليه  لأول مرة ، فإذا به يستقبلنا استقبالا ودياً كأننا كنا على صداقة قديمة بيننا وبين جلالته ، ولما علم بغرضنا من رحلتنا سُر وأظهر عطفه على رغبتنا في استطلاع أحوال  شبه الجزيرة العربية ، وأمر بإعداد منزل خاص لإقامتنا ، وطلب إلينا أن نحظى بمجلسه في أي وقت شئنا ، ومن ثم أخذنا نتعرف بكبار ذوي الشان في عاصمة نجد لنستطلع ما جل ودق من شئون البلاد ، جملة وتفصيلاً . وبدأنا نجمع المعلومات الدقيقة عما كان قبل إعلان الحرب على الهاشميين ، وفي خلال تلك الحرب ،وما جرى بعد ذلك من التطورات حتى الآن ، مما سنأتي عليه .)

11 ـ ص 39 : ( حقيقة زواج الأميرة سارة  : ودُعيت لحضور حفلة زواج الأميرة سارة ابنة جلالة الملك  على ابن عمها الأمير فيصل بن سعود . ).

12 ـ ص  56: ( إلى أم القرى : تركنا " الرياض " وكان من  حسن الحظ أن رافقنا في رحلتنا منها إلى أم القرى سعادة الطيب بك الهزازي ، رئيس ديوان جلالة الملك ابن السعود ، يحمل الهدية السعودية إلى صاحب السمو الأمير فاروق ولي عهد الدولة المصرية ، وهي الجياد الأربعة التي وصلت إلى مصر منذ شهرين . )

  هذه الاستقبالات الرائعة .. لماذا ؟

1 ـ هذه الاستقبالات الرائعة وصلت الى دعوته لحضور زفاف بنت الملك عبد العزيز ، بل تعدت هذا فى مظاهر أخرى ، مثل مقابلته للأمير سعود وحفاوة الأمير به ، ومقابلته للملك عبد العزيز وحفاوته به وحضوره مجلسا سياسيا للملك عبد العزيز مع مستشاريه ، ثم الحديث الصحفى الذى أجراه مع الملك عبد العزيز والرسائل التى حمّلها له الملك وقبله الأمير سعود للشعب المصرى والصحافة المصرية .

2 ـ البحث فى هذا يدخل فى موضوع جديد ، هو إستخدام عبد العزيز لهذا الصحفى بوقا إعلاميا له ، يقوم بعملية تجميل للنظام السعودى فى مصر إثر حادث المحمل وما سبقه من إحتلال الحجاز ومذبحة الطائف .

3 ـ وهو ذكاء نادر يُحسب لمن خطط لهذه الرحلة . فليس ممكنا وليس منتظرا أن يقوم عبد العزيز بنفسه بالرحلة الى مصر كى يقابل صحافتها ويخاطب ليبراليتها مدافعا عن نفسه ودينه الوهابى . وقد رأينا موقف الاخوان من زيارة الأمير سعود الى مصر ، فكيف لو سافر أبوه ؟ الحل هنا أن تأتى مصر الليبرالية مُمثلة فى هذا الصحفى المغمور الذى يسهل إبهاره بما يراه من جديد ، ليس فقط فى إستقبال حافل به لم يكن يتخيله ، بل فى رؤية عالم ( وهابى ) مختلف ( ومتخلف : وقتها ) برغم أنه ليس بعيدا عن مصر . ثم أن تكون هذه الرحلة مع أهميتها ومع ثمرتها السياسية والدعائية ـ بأرخص التكاليف . تنقل ضيفا لم يكلف أضيافه سوى المشاركة فى الطعام الموجود والنوم فى الفراش المتاح . لا فنادق ولا سيارات ولا طائرات .

4 ـ ولو إفترضنا أن عبد العزيز أنفق الملايين على هذا الشاب الصحفى المغمور فإن العائد لكتابات هذه الرحلة أثمن من الملايين . يكفى أنها أصبحت وثيقة تاريخية تنبض بالدعاية لعبد العزيز . أى ذهب ما أعطاه عبد العزيز لهذا الصحفى وبقى ما أعطاه هذه الصحفى لعبد العزيز .  وهذا من دهاء حافظ وهبة .

 

  رسائل بعث بها عبد العزيز للمصريين عبر الصحفى المصرى المغمور

مقدمة :

فى مقابلاته مع الأميرين سعود وفيصل ووالدهما الملك عبد العزيز تم تحميل الصحفى المصرى رسائل غرامية فيها الهيام بالشعب المصرى وصحافته ، فى وقت كانت الوهابية لا تزال ممقوتة وكانت أصداء مذبحة الطائف لا تزال حيّة . كان لا بد من هذه الرسائل للتخفيف وللتبريد وللتلطيف . وإبتلع الصحفى المصرى الطُّعم وقام مخلصا بتوصيل الرسالة منبهرا بالجو الأسطورى الذى أحاطوه به ، فكان هو الأكثر إقتناعا بما ينقل . ونعطى تفصيلا :

أولا : لقاؤه مع الأمير فيصل حاكم الحجاز باسم والده عبد العزيز .

1 ـ فى ص 57 ، يقول : ( وفي مساء ذلك اليوم بلغنا أبواب مكة ، فكان  أول ما قمنا به أن طفنا حول البيت الكريم وسعينا بين الصفا والمروة سبع مرات ، وهذا فرض واجب على كل داخل مكة . وكان رجال الحكومة قد أعدوا لنا منزلاً خاصاً قضينا فيه ليلتنا ، وفي اليوم التالي قابلنا سمو الأمير فيصل نائب جلالة والده في حكم الحجاز  فشاهدنا فيه أميراً عربياً حلو الشمائل عذب الحديث ذكي الفؤاد ، وكان ارتياحه إلى رحلتي عظيماً ، ولم ينس أثناء الحديث أن يذكر مصر وجلالة مليكها ورجال الأقلام في مصر بنوع خاص بأحسن ما يذكر من طيب الحديث . ). اكرموا الصحفى بمنزل خاص ، ثم إلتقى الأمير فيصل ، ومدحه ، ونقل عنه مدحه للمصريين وملكهم فؤاد الأول ، وصحافة مصر وكُتّابها  ( بنوع خاص ).! رسالة موجّهة لمن يهمه الأمر . وقد وصلت لمن يهمه الأمر .

2 ـ ونصب الصحفى نفسه مدافعا عن إحتلال عبد العزيز للحجاز وتولية فيصل حكم الحجاز بعد الشريف حسين . هذا يدل على تعمق تأثره بما أحاطوه به من رعاية وعناية . يقول ص 62 تحت عنوان ( الأمير فيصل ) : ( ولما كان جلالة الملك عبدالعزيز بحكم اضطراره لمباشرة شئون نجد على الأخص ، ولأنه في الواقع لا يريد أن يحصر همه في إدارة شئون الحجاز فقد اقتضت حكمته أن يولي سمو الأمير فيصل ، ثاني أنجاله ، بمثابة قائمقام له في إدارة حكم الحجاز ، بعد ما  آنس من تعلق الحجازيين بذاته وميل الشعب الحجازي إلى تسيير شئون الحكم على مقتضى نظام الشورى . وقد أصاب في ذلك كل الإصابة ، وقد أظهر هذا الأمير الصغير السن حكمة الشيوخ ولباقة الحكماء ، فجمع القلوب حوله ، حتى إن ممثلي الدول الأجنبية الذين خالطوه بحكم مهامهم الرسمية شهدوا له بحدة الذكاء وبُعد النظر ورقة الجانب، وكانت رحلته في عواصم أوربا في خلال الصيف الفائت مما أيد حسن ظن هؤلاء وأولئك فيه فنشر دعاية العرب بين أمم الغرب من طريق غير مباشر، وعاد يحمل  إلى قومه وبلاده ثقة الأمم المتمدينة بعد أن كان الاعتقاد السائد بينهم أن بلاد العرب يحكمها أناس بعيدون عن المدنية مجردون عن صفات التهذيب الإنساني . ).

الكاتب هنا فى إغراقه فى مديح الأمير فيصل يعرّض بطريق غير مباشر بالشريف حسين الذى ساءت سُمعته بعد هزيمته وظهور خيبته . ونعيد التذكير هنا أن مصطلح ( بلاد العرب ) و ( العرب ) كان يعنى سكان الجزيرة العربية خصوصا نجد والحجاز. كانت فكرة الغرب عنهم سيئة ، ويقول الكاتب فى مدحه لفيصل أنه فى لقاءاته مع الأوربيين نجح فى تغيير هذه الفكرة عن ( العرب ).

 

 لقاؤه مع الأمير سعود .

1 ـ يقول ص 40 تحت عنوان ( عند الأمير سعود ) : ( وقد دعاني سمو الأمير سعود إلى زيارته في قصره الخاص ، فكان أول ما ابتدرني به قوله : لن أنسى ما عشت أهل مصر وحفاوتهم بي ، كما لا تبرح عن مخيلتي تلك المكارم التي طوقت بها عنقي  الحكومة المصرية ، ولا أنسى على مدى الدهر عطف حضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد الأبوي ، أثناء تشريفي بمقابلته السنية ، فهي صفحات ما فتئت أقلبها منذ وطئت قدماي أرض بلادي بعد عودتي من مصر .وإن قومي ليحفظون كل ذلك لمصر ، ويعدون كل ما نلته من مظاهر الحفاوة والتكريم إنما اختصوا هم به ، فكان موجههاً لهم بالذات .وقال : ولن أنسى كذلك أن أخص بالشكر رجال الصحافة المصرية الذي برهنوا على عظيم محبتهم للإسلام وأهله ،وإني لذلك  ما زلتُ أدعو لمصر بكل خير ، وأتمنى من صميم قلبي إحكام صلات الود والصفاء بين البلدين ) .

هذه رسالة غرامية بلا شك .!!

 

 

  اللقاء الأول بالملك عبد العزيز

ثم إلتقى فى نهاية المطاف بالملك عبد العزيز ليرحّب به الملك عبد العزيز .!!

 

  1 ـ تحت عنوان ( أول حديث ملكي معنا  ) يقول ص :  36 : ( وما يجدر بي ذكره أنه بعد أن مثلت بين يدي جلالة الملك كان أول ما ابتدرني  به من الحديث أنه هنأني بسلامة الوصول ، وطفق يسألني باهتمام عما شاهدته أثناء سفري الطويل الشاق ، فكان يبتسم ابتسامات الإعجاب كلما أجبته عن سؤال بما لا يخرج عما أسلفتُ بيانه في مقالاتي السابقة . )

 عبد العزيز يبدأ بتهنئة الصحفى المصرى ( المغمور ) بسلامة الوصول فى اول كلامه معه . ثم يأخذ من الصحفى تقريرا عن مشوار رحلته وما حدث له فى سفره الطويل ، أى يريد الاطمئنان على نجاح الخطة التى وُضعت لابهار الصحفى . وجاءت الاجابة إيجابية . بعدها أخذ الملك يحدث الصحفى ليزيد إبهاره . نعود الى المؤلف ، وهو يقول:

2 : ( ومن ثم بدأ جلالته يحدثني قائلاً : " وليس عندنا سوى دين واحد ، ومذهب واحد ، والجميع يؤذن للصلاة وراء إمام واحد  ، وهذا ما نشكر الله سبحانه وتعالى عليه ، نعم إن المذاهب أربعة ، ولكننا نعتقد أن مذهب الإمام ابن حنبل هو أقرب المذاهب للسنة النبوية السمحة .  فلا نجد  عندنا إلا ما يقوله المسلم لأخيه المسلم : السلام عليكم ، وهم مرتبطون جميعاً بكلمة التوحيد ، وعلى هذا الأساس يقوم ملكنا والحمدلله ، نحن لا نبغي الملك لذاته ، فالملك لله  الواحد القهار ، فوالله وبالله ، لو أُعطينا ممالك الأرض طراً وأحسسنا أن ببعضها شركاً لبعدنا عنها بُعد السماء عن الأرض ، وليس يعيننا أن نقاتل الكفار ، ولا نبغي عليهم إلا أن يهديهم الله سواء السبيل ، فما داموا بعيدين عنا فليس ينالنا منهم شيء ، ولا نحب أن نذهب إلى ديارهم ، ولا أن نتشبه بهم ، حتى ولا نرتدي شيئاً يلبسونه ، إن المسلم الحقيقي هو الذي يتبع أُصول دينه ، ويرعى أمر الله ، فمن شابه الكفار أو تشبه بهم فلا خير له في الدنيا ولا الحياة الآخرة "

 2 / 1 : بعد أن وضع عبد العزيز ضيفه الشاب فى حالة الإبهار جعله يبتلع الأكاذيب ، منها أنه جعل مذهب الحنبلى أقرب المذاهب للتسامح.

2  / 2 : ـ وقوله : ( فلا نجد  عندنا إلا ما يقوله المسلم لأخيه المسلم : السلام عليكم ) هو صحيح وفق الدين الوهابي الملاكى الذى يجعل أتباعه يحتكرون الاسلام لأنفسهم ، فهم وحدهم المسلمون يشيع بينهم السلام لأنهم وفق تشريع الدين السنى هم ( دار السلام ) وما عداهم ( دار الكفر والحرب ) ، لأن من عداهم فهم مشركون ( من بقية المحمديين ) أو كفرة ( أهل الكتاب ).

2 / 3  ـ وهذا هو معنى التوحيد عندهم ، فهم أصحاب مذهب واحد يقوم عليه ملكهم . وهم المسلمون الحقيقيون الذين لا يتشبهون بالكفار ، فمن شابه الكفار فلا خير فيه فى الدنيا والآخرة . أى إن لم تكن وهابيا فلا خير فيك فى الدنيا ولا فى الآخرة .  والوهابيون وقتها كانوا يرمون غيرهم من المحمديين بالتشبه بالكفار .

  حضور الصحفى المغمور مجلس عبد العزيز مع مستشاريه :

1 ـ نشرت صحيفة سورية خبرا يقول إن عبد الله بن عابد ترك مكة وحشد جيشا يحارب به عبد العزيز . هو خبر كاذب فقد أصبح ابن عابد من المقربين لعبد العزيز . وجدها عبد العزيز فرصة للتأثير على الصحفى المصرى ، فدعاه لحضور المجلس الملكى الاستشارى ، وقبله تعرف الى عبد الله بن عابد . وحضر الصحفى المصرى المجلس الملكى وكان ضمن الحضور عبد الله بن عابد . ووضعوا نسخة الصحيفة السورية بخبرها الكاذب بجانب الصحفى المصرى ، فقرأه واندهش من الكذب لأن ابن عابد المذكور يجلس فى المجلس مستشارا لابن سعود وليس ثائرا عليه ، لذا تجرّا الصحفى وتكلم منتقدا وناصحا وأثنى على الصحف المصرية فى تثبتها وعدم كذبها . وإلتقط منه عبد العزيز الخيط ،  يمدح الصحف المصرية ويلفت النظر الى أنه ليس كل ما تكتبه الصحف يكون صحيحا ، . بالتالى فإن ما يقال ــ مثلا ـ عن مذبحة الطائف ليس كله صحيحا . هذا هو الغرض من إبهار هذا الصحفى الشاب بحضوره هذا المجلس الملكى . أن يرسل رسالة دعائية ودفاعية للشعب المصرية .

2 ـ  نرجع الى رواية الصحفى فى كتابه : يقول ص 42 تحت عنوان (في المجلس الكبير ): (  ولهذه المناسبة أذكر أن جلالته تفضل بدعوتي إلى هذا المجلس . وفي الأثناء لفت نظري إلى نبذة في إحدى الصحف السورية جاء فيها أن السيد عبدالله بن عابد ترك مكة وانه حشد جيشاً على جلالة الملك ابن السعود ، في حين أن السيد المشار إليه كان بين الحاضرين في المجلس ! فلما قرأت هذا ابتسمتُ وقلتُ لجلالته :(وما آفة الأخبار إلا رواتها ) فلا يصح يا صاحب الجلالة أن تكون مثل هذه الرواية المكذوبة دليلاً قائماً على أن الصحف سواسية في هذا الباب ،يدلك على ذلك أن الصحافة المصرية مثلاً شديدة التدقيق في رواية الأخبار ، فهي لا تقنع من صحة رواية بما يصل إليها من مصدر معين إلا إذا تثبتت كل التثبت من صدقه ، وكذلك الشأن في كل صحيفة تحترم نفسها ، ولا تبغي سوى تقرير الحقائق وإنارة أذهان الجمهور بها . وهنا قال لي جلالته : إنه يجل الصحف المصرية ويعتبرها في طليعة صحف العالم الإسلامي ، وما كان يقصد من لفت نظري إلى تلك النبذة إلا ليلفتني كصحفي إلى أن كل ما يقال غير صحيح ، وأن جلالته وجيرانه وكل من يتصل بملكه من كبار رجال العشائر وأقطابها على اتفاق ووئام ، فأمن المجلس على قول جلالته وفي مقدمتهم السيد عبدالله المذكور. ).

دهاء عبد العزيز ـ بهذه المسرحية ـ يعنى أنه تلاعب بهذا الصحفى المصرى ذات اليمين وذات الشمال .!!

 

 الصحفى المصرى المغمور يحاور الملك عبد العزيز

 

  الحديث الصحفى مع الملك عبد العزيز

 مقدمة : ـ لا نجزم أن هذا أول حديث صحفى يدلى به عبدالعزيز بعد إحتلال الحجاز ، ولكن نزعم أنه أول حديث صحفى يدلى به الملك عبد العزيز فى قمة إنتصاراته الى صحفى مصرى ( مغمور ) حرصا منه على الافلات بإنتصاره وإحتلاله الحجاز . ننقل فقرات الحوار ثم نعلق عليها .

الحوار وتعليق عليه

1 ـ فى ص 52 وتحت عنوان : حديث ملكي هام ، قال : ( بدأ جلالته حديثه قائلاً : أرجو ألا تكونوا قد تأثرتم بشيء مما بدا لكم من خشونة بعض سكان البادية وجفاء طباعها أو شدة تعصبهم للدين ، فلذلك أمر يرجع إلى الفطرة التي نشأوا عليها ، على أني شخصياً وكبار  أقطاب دولتي لسنا على شيء من هذا ، يدلك على هذا أن مندوبي الدول ذات الشأن بنا يدخلون معنا في مفاوضات طويلة فلا نشتد وإياهم ، أو نسلك معهم مسلكاً ينأى بهم عنا ، بخلاف ما شاهدتموه أنتم شخصيا إذا طوحت بكم أحاديث كهذه مع قبائل البدو الذين هم على الفطرة ، وإني أحمد الله أن شعباً كهذا يلين بالولاء لمليكه ، ويرفع كلمته عند الشدة ، ويبذل مهجه عند الضرورة ، ويقنع بالقليل من أود الحياة ، ولعل أخبار حربنا مع الشريفين وما أبداه شعبنا من بسالة وإقدام وتفان في رفع راية مليكه اكبر شاهد على ما أقول .)

تعليق :

الملك هنا يجعل فارقا بينه وبين الاخوان النجديين المتعصبين الذين يجعلون كراهية الآخر فرضا دينيا ، وهو يعلل هذا بأنهم بدو ، متناسيا أنه هو الذى علمهم الوهابية فى المستوطنات التى أعاشهم فيها يحفظون كتب ابن عبد الهاب ويخرجون منها يقتلون ويغزون ويفتحون البلاد لسيدهم عبد العزيز. وهو يستشهد على تسامحه بأنه وكبار دولته يتفاوضون مع أقطاب الدول الأخرى . أى يمتنّ على زعماء الدول بأنه يفاوضهم ولا يقاتلهم . وهو مضطر للتفاوض معهم لأن هذا هو المتاح وغير المتاح قتالهم لأن قتالهم يعنى القضاء عليه .

2 ـ ( سألنا جلالته : وهل تتنازلون جلالتكم ببيان الأسباب المباشرة لقيام الحرب الحجازية الأخيرة ؟ . فأجاب :

نعم ، وإني لأقسم لك بأني ما كنت أبغي الحرب معهم ، لولا ان الشريف حسيناً هو الذي ألجأنا إلى قتاله بما ارتكبته عصابته في السنوات الأخيرة من سوء معاملة حجاج بيت الله الحرام ، ليس بالنسبة للنجديين وحدهم ، بل وسواهم من أُمم الإسلام الأُخرى ، ولقد صبرنا عليهم صبراً جميلاً وفوضنا الأمر فيهم لله تعالى ، فما ازدادوا إلا بغياً وعدواناً وأنذرناهم بداءة  بدء بسوء المصير ولكنهم تمادوا عتواً، وأعمل رجالهم صلفاً وإرهاقاً مما لا قبل لنا على المزيد من الصبر عليه ، فاضطررنا  في نهاية الأمر إلى تسيير جيشنا إلى الحجاز ، وإذا سمعت مني كلمة : جيش فليس ذلك الجيش إلا أولئك البدو البواسل الذين تشاهدهم حولك هنا وهناك ، فعلنا ذلك وكان يقيناً أننا نطهر أرض الحجاز من أهل البغي ونؤمن طريق الحجاج ونحمي أرواح المسلمين ، ليس في نيتنا أن نتملك الحجاز لذاته او نزيد ملكنا بسطة وسلطاناً فقد كنا نعلم أن لأهل الحجاز عقائد وتقاليد تخالف عقائدنا ، وهناك عصابات القتل والنهب والإخلال بالأمن من الصعب قطع دابرها أو تحويل عقائدهم  وأحكامهم إلى مثل الحال في بلادنا ، نجد ، وكنا نعلم أكثر من ذلك  ان امتلاك الحجاز ربما يسبب لنا متاعب ويفتح الباب لتدخل بعض الدول الأُوربية معنا ، ولكنا خضنا الحرب مع ذلك تحت تاثير غرضنا الأسمى ، الذي أسلفت لك بيانه ، وهكذا كُتب لنا النصر بعد حرب لم تدم طويلاً بسبب تذمر الحجازيين من سوء حكم الشريف ، حتى لقد كان رجالنا لا يلقون في أكثر المواقع الحربية  مقاومة تُذكر ، وكنا كلما دخلنا مكاناً أهل بنا أهله كافة ، بل ما كدنا نطرد الشريف وعصبته ونقبض على ناصية الأمور في الحجاز ونعلن لأهلها عدم رغبتنا في حكم الحجاز حتى اجتمع زعماؤه وأصحاب الكلمة فيه وأجمعوا رأيهم على مبايعتنا الملك فيه، وهكذا لم نر بداً من أن نقبل هذه البيعة  وأن نقبل حكم الحجاز بدين الله وسنة  نبيه الكريم .)

تعليق :

1 ـ لو تخيلنا وجود الشريف حسين فى المجلس يدافع عن نفسه قائلا الصدق لاعترف بمساوئه فى معاملة رعيته وفى إستغلال الحجاج . ولكن السيئات التى فعلها لا مجال لمقارنتها بالكبائر الذى ارتكبها الوهابيون عندما استولوا على الحجاز فى الدولة السعودية الأولى وفى إحتلال عبد العزيز له. يكفى ذبحهم لأهل الطائف مرتين . ثم إن الوهابيين تحكموا فى الحج فمنعوا مخالفيهم من الحج ، فعلوا هذا فى الدولة السعودية الأولى . ولم يجرؤ عبد العزيز على ان يفعل ذلك فى وضعه وهو يستجدى سكوت مصر عنه . ولكنه فعلها أبناؤه فيما بعد من حرمان المصريين من الحج فى عهد عبد الناصر وحرمان الايرانيين بعدها .

2 ـ ويكذب عبد العزيز فى زعمه أنه لم يكن يريد إحتلال الحجاز إلا إنه إضطر لذلك بسبب فساد حكم الشريف . وهل هو المُطالب بتأديب الشريف وهل هو المُخوّل وحده بالضرب على يد الشريف ؟ . واقع الأمر أن منهج عبد العزيز هو إسترداد ما يزعم أنه كان مُلكا لأسلافه ، وطالما إستولى أسلافه على الحجاز لسنوات قلائل فلا بد أن يستعيده الى ممتلكاته ، سواء كان حاكم الحجاز فى فساد الشريف حسين أو فى تقوى عمر بن عبد العزيز.

3 ـ ويكذب عبد العزيز فى زعمه ترحيب أهل الحجاز بحكمه وبجيشه ، فمذبحة الطائف جعلت أهل مكة والمدينة وجدة بين أمرين : المقاومة وما تعنيه من ذبح الجميع أو الحياة فى ظل حكم عبد العزيز . بعث عبد العزيز بإخوانه المتوحشين وهو يعرفهم ويعرف ثقافتهم فى الاستحلال للدماء والأمول على أنه الجهاد الذى يعنى دخول الجنة . وبعد أن أرعب سكان الحجاز بذبح سكان الطائف تدخل يمسح الجراح ويلعب دور القديس ، فوجد اهل الحجاز فيه القشة التى يتعلقون بها من الغرق فى بحر الدماء . فالاخوان لا يزالون ـ وقتها ـ موجودين ، والتهديد بهم قائم . ولو ثار أهل الحجاز فلن يوجد من يدافع عنهم بعد طرد الشريف حسين وأسرته. أى لم يبق لهم سوى الاختيار بين عبد العزيز ( المنافق الذى يظهر الاعتدال ) والاخوان الذين كانوا يطبقون خاتمة العقد بين ابن سعود وابن عبد الوهاب ، وهو شعار : الدم الدم الهدم الهدم .

3 ـ ( وسألنا جلالته ـ وماذا أبدلتم من نظام الحكم في الحجاز ؟

فأجاب جلالته : إن النظام الأساسي لحكومته لم يتغير ، فأبقينا كبار الموظفين الذين عهدنا فيهم الصدق والإخلاص لنا ، بل الذين كانوا في مقدمة الذين بايعونا الملك وكل ما أحدثناه هو إبدال القوانين التي شرعها لهم الشريف باتباع حكم الشرع ، كما هو الحال في نجد ، وقد استقبل الناس ما شرعناه  لهم بمزيد الابتهاج . والرضى ، وقد كان لذلك اثره الفعال في سرعة تبدل الحال واستتباب الأمن وقطع دابر الفوضى من أرض الحجاز ، كما سنرى عندما تزورها . )

تعليق :

1 ـ سارع كبار الموظفين فى الحجاز الى مبايعة عبد العزيز فأبقاهم فى مناصبهم طالما يضمن إخلاصهم لهم. ما فعله ببساطة هو إخضاع الحجاز للوهابية باسم حكم الشرع ، فهم الشرع مع ان شرعهم هو صناعة بشرية وأقوال فقهاء نجديين يجترون ما كتبه الحنابلة السابقون ، وأن ما يوجد فى الحجاز من قوانين هى أيضا صناعة بشرية لكنها لا تزعم قدسية الشرع الالهى كما تفعل الوهابية .

2 ـ قوانين الحجاز التى أبطلها عبد العزيز كانت أكثر عصرية بحكم أن الحجاز كان الأكثر حضارة وإنفتاحا على العالم ويعيش فيه بشر من مختلف أنحاء العالم عكس نجد وانغلاقها وتزمتها . ومن الطريف أن الكاتب عرض للتخلف الذى كانت تعيش فيه مملكة عبد العزيز من حيث الأنظمة الحكومية ، بحيث يمكن القول أنه لم تكن هناك حكومة بالمعنى المألوف . ثم إضطر عبد العزيز بعد ظهور البترول الى إستحداث قوانين جديدة ليواكب العصر . وقد شرحها الزركلى فى كتابيه عن عبد العزيز .  ولم ير عبد العزيز فى (أنظمته ) الجديدة خروجا على الشرع .

4 ـ ( وسألنا جلالته : قلتم لنا إنه لم يكن بد من تدخل بعض الدول في شأن من يحكم الحجاز ، فماذا تقصدون بتلك الدول ؟

فأجابنا : تعلمون أن أكثر دول أوربا وفي مقدمتهم إنجلترا تحكم أمما إسلامية ، فكان من البديهي أنها تهتم بشئون حجاجها . مثل ذلك أن الأزهر الشريف فيه رواق لكل دولة ومن حقها أن تتدخل مع  الحكومة المصرية في كل ما يمس  شئون شيوخه وطلابه ، فالمسألة في حكم الحجاز من حيث تدخل الدول لا تتعدى هذا الشأن فقط ، وإذا جاز لي ان أخص بعض الدول بالثناء فإنما هي إنجلترا التي برهنت في أكثر من موقف على أنها لا تبغى بنا تحكماً فيما هو خارج عن حدودها ، فمادام رعاياها من الحجاج في أمن واطمئنان وأسباب رعاية  صحتهم متوفرة بينهم فهي لا تحرك شأناً ، قل أو عظم .)

هنا رسالة ذكية من عبد العزيز للحكومة المصرية ، بمعنى إذا كانت انجلترة التى تحكم الهند ومصر وغيرهما لا تتدخل فى أمور الحجاز طالما كان الحجاج من مستعمراتها فى سلام فالأولى بالحكومة المصرية ألا تتدخل فى شئون الحجاز طالما كان الحجاج المصريون فى أمان . ينسى عبد العزيز أن لمصر حقوقا تاريخية فى الحجاز من ألف عام قبل ظهور محمد بن سعود عميد الأسرة السعودية . وإذا كان عبد العزيز يرى لنفسه حقا فى الحجاز لأن الدولة السعودية إحتلته سنوات فى القرن التاسع عشر ، فماذا عن مصر ؟ 

5 ـ ( سألنا جلالته : وما رأيكم في الخلافة الإسلامية ولماذا لا ترغبون فيها ؟

فأجابني مبتسماً : لإني أعتذر لك عن الخوض في هذا الشأن الخطير لأسباب أراها لا تتفق مع تمسك أهل بلادنا بنصوص حكم الشرع ، ولا أرى من اللياقة وحسن المجاملة أن أنبسط معك في هذا الموضوع .).

هى لياقة فعلا من عبد العزيز ألا يتكلم فى موضوع الخلافة لأنه قد يتعرض الى عدم أحقية ملك مصر فؤاد الأول الطامع فيها . ويرى عبد العزيز أنه الأحق بهذا المنصب الدينى ، لكن الوقت غير مناسب ، خصوصا مع سياسته فى التمهل ومراعاة المناخ السائد ، وهو يريد تحييد مصر وعدم إثارتها عليه  ليسهل عليه غزوها فكريا ودينيا بالوهابية ، وعندما تدين  مصر بالوهابية تصبح تابعة لأسرته السعودية . وهذا ما يحدث الآن . اصبحت السعودية (المولودة عام 1932)هى الشقيقة الكبرى لمصر (المولودة من خمسين قرنا قبل السعودية ).

6 ـ ( قلنا لجلالته : وما رأيكم في توظيف أذكياء المصريين في وظائف دولتكم ؟

فأجابنا جلالته قائلاً : إن حبي وتقديري لأبناء مصر فوق ما تتصور أنت ، فهذا مستشاري الأمين وساعدي الأيمن فضيلة الشيخ حافظ وهبة ، له عندي المقام الأسمى وعظيم التقدير ، وإني أُرحب بمن يرغب في تولي مناصب البلاد من أبناء هذا البلد الغني الوفير الخيرات ، وإني أرجو الله أنهم يتسع  نطاق العمران في بلادي  على مدى الأيام وتزيد موارد  دولتي فيكون المجال فسيحاً أمام هؤلاء الإخوان الذين أتمنى وجود أكثر عدد منهم بين موظفي حكومتي . )

عبد العزيز هنا يفضحه لسانه . يريد من مصر (إخوانا ) يعملون لديه . وكان فى هذا الوقت يعمل لنشر الوهابية فى مصر ليؤسس له وهابيين فى مصر يكونون إخوانا له بعد أن أيقن أنه لا بد له من الصدام مع (إخوانه ) النجديين .

7 ـ ( قلنا لجلالته : وما رأيكم في حادث المحمل المصري ؟

فأطرق جلالته قليلاً ثم قال :

ليت تلك الساعة العصيبة التي وقع فيها هذا الحادث المنكود لم تكن مسطورة في حساب الدهر ، فقد جرها اناس لا ينظرون إلى أبعد من اُنوفهم ، وهم في ساعة غليان ، أحمد الله الذي كتب لحامية المحمل المصري السلامة ولم يحملنا وزر ما جرى أوما كان ان يكون ، فمصر هي أقرب دول الإسلام جواراً لنا ، وجلالة مليكها فؤاد الأول له في فؤادنا أجل مكان ،وإني أؤكد لك بأنه على توالي الأيام سيدرك أمثال الذين أثاروا هذه الحادث برعونتهم أن لا شيء أحب إليهم من تمتع الأراضي المقدسة بأعظم انواع السلام والطمأنينة .) .

هنا مربط الفرس ، والسبب الذى جىء بهذا الصحفى الى حضرة عبد العزيز . أن يزيل الآثار المترتبة على حادث المحمل . وكلام عبد العزيز أبرع ما يقال فى هذا المجال .

8 ـ ويختم الصحفى حديثه فيقول : ( وكان هذا خاتمة حديثنا مع جلالته. وبعد أن شكرنا ما لقينا في بلاده من ضروب الحفاوة والإكرام وما خصنا به جلالته وسائر أفراد أسرته الكريمة من الرعاية والعطف استأذناه في السفر الى مكة المكرمة . )

أخيرا : نحن ننسب الاجابات لعبد العزيز وفقا لما كتبه الصحفى المغمور . ولكن الواقع أن الذى كتب الأسئلة والاجابات هو ذلك الداهية حافظ وهبة . هو المخرج الذى كان وراء ستار . وتلك كانت وظيفته مع عبد العزيز مستشارا له .

 

الصحفى المصرى يقوم بالدعاية لعبد العزيز

 مقدمة

كل كتاب الصحفى محمد شفيق مصطفى هو دعاية للملك عبد العزيز بن سعود . منها دعاية غير مباشرة ، ودعاية صريحة واضحة فجّة . هنا نعرض لبعض هذه الدعاية الصريحة الفجّة .

أولا : فى مدح الملك عبد العزيز وأهله :

1 ـ يخاطبه بألفاظ الجلالة ، وعبارات النفاق بما يخرج عن الحياد المفترض ، وينسحب هذا على والد عبد العزيز وأولاده بل وشقيقته . يقول مثلا  يصف جدول أعمال الملك عبد العزيز ص 43: (  وبعد أن ينفض ذلك المجلس يذهب جلالته إلى القصر الخاص الذي يُقيم فيه والده الشيخ ، وهو ـ رغماً عن كونه في العقد التاسع من عمره ـ على جانب  عظيم من الذكاء وسرعة البديهة ورقة الجانب ، فضلاً عن كونه محبوباً من سائر أهل نجد . وبعد ان يقضي في حضرته برهة ينتقل إلى زيارة كبرى شقيقاته الأميرة "نورة " التي يجلها جلالته ويضعها في مكان خاص من نفسه ، فقد جرت عادة اهل نجد أنهم يخصون كبرى شقيقاتهم بأجلى مطاهر التوقير والإجلال.ومما أذكره أيضا بالشكر والثناء لهذه الأميرة الجليلة ذلك الكرم العربي ومكارم الخلال ، فقد كانت تبعث إلي يومياً بمختلف أنواع الطعام ولا تنفك تستفسر عن حالي وتبالغ في إكرام جانبي . ) 

2 ـ وفى ص 41 يقول عن حياة الملك اليومية : ( وبعد ذلك يستقبل وفود الأخوان ، فيقضي في الاحتفاء بهم ومسامرتهم وسماع ما يدلون به إليه من الأقوال والأحوال وقتاً غير قليل . ومما يُذكر أن أولئك الإخوان يتحدثون إلى مليكهم كأنما يخاطبون واحداً من إخوانهم البدو في الصحراء . مثال ذلك أني رأيتُ أحدهم يخاطب مولاه الملك بقوله : " يا عبدالعزيز! فاستكبرتُ ذلك منه وكدتُ لا أُصدق سمعي لحقارة شأن المتكلم وسعة صدر جلالة الملك ، لولا أن أحدهم همس في أُذني قائلاً : "ذلك هو الدستور الذي شرعه لنا الملك ،فهو يقبله على العين والرأس ولا يرضى سواه بديلاً". ) .

المؤلف هنا يتكلم عن شيوخ القبائل ويخلط بينهم وبين الإخوان النجديين الذين كانوا وقتها فى خصومة معلنة مع عبد العزيز ، ولا نتصور ـ كما يقول المؤلف ـ أنه كان يقضى وقته يحتفى بهم ويسامرهم ويسمع لهم . شيوخ القبائل إعتادوا مخاطبة عبد العزيز باسمه المجرد . وهذا ينسحب على البدو العاديين وقتها ، وقد ذكر المؤلف عنهم ص 15 : (ومع أن أؤلئك البدو لا يزالون على سذاجتهم فهم يدلون بأقوالهم وأفعالهم عن فطنة وانتباه إلى ما يصدر منهم ، فلا يتخذون من الشئون السياسية والمباحث الخاصة برجال دولتهم مثارا للبحث أو التسلية ، كما يفعل غيرهم من أبناء الأمم الشرقية الأخرى ، فهم يقتصرون على ترديد هذه العبارة " الملك لله ثم لعبدالعزيز بن السعود " ) .

الدعاية هنا مؤثرة لدى المصريين ، بالذات . لأنها تدفعهم الى المقارنة بين ( الملك عبد العزيز ) و ( الملك فؤاد ). الملك عبد العزيز يتسامر مع رءوس الناس وينادونه بإسمه المجرد ( يا عبد العزيز ) ، بينما الباشوات وكبار المصريين يركعون أمام الملك فؤاد يقبلون يده وينادونه بصاحب الجلالة . ويأتى مدح المؤلف لعبد العزيز بقوله  : (  وكدتُ لا أُصدق سمعي لحقارة شأن المتكلم وسعة صدر جلالة الملك ، لولا أن أحدهم همس في أُذني قائلاً : "ذلك هو الدستور الذي شرعه لنا الملك ،فهو يقبله على العين والرأس ولا يرضى سواه بديلاً". ) . هذا الكلام إختراع من المؤلف لأنه من المستبعد أن يتحدث أحد من ( نجد ) قائلا (ذلك هو الدستور الذي شرعه لنا الملك ) . فكلمة الدستور لم تكن معروفة أو مستعملة وقتئذ بين النجديين والعرب عموما. هى مستلزمات الدعاية التى تخاطب المصريين بثقافتهم ، أى إذا كان لديكم دستور وملك تركعون له فإن الدستور العملى فى مملكة ابن سعود أن يخاطبه الناس بإسمه المجرد كأنه واحد منهم . ومن المستحيل أن يقول أحد الوهابيين ( .. الذى شرعه لنا الملك ) ، لأن التشريع لا ينسبونه للبشر بل لرب العزة جل وعلا . وتشريعات الفقهاء السنيين ينسبونها لرب العزة على أنه شرع الله .

 3 ـ وللدعاية فإن المؤلف يؤكد حٌبّ الملك عبد العزيز للملك فؤاد بقوله ص 43 :

 ( وقد رأيت بين سيارات جلالته سيارة يهتم بها جد الاهتمام ، ولا يركبها إلا في الحفلات الهامة ، تلك السيارة الفخمة التي أهداها له حضرة صاحب الجلالة فؤاد الأول ، صاحب النيل . )  

4 ـ ومن فنون الدعاية ما سبقت الاشارة اليه فى حديث المؤلف عن الرعاية والحفاوة والتشريف الذى تمتع به فى رحلته وفى لقائه بالملك وإبنيه سعود وفيصل حاكم الحجاز . وهو هنا يقول ص 67 عن رحلته من مكة الى جدة : ( قد انتهينا من رحلتنا واستوعبنا ما يهم قومنا وبلادنا الاطلاع عليه ، واعتزمنا مبارحة مكة ، فودعنا سمو الأمير فيصل ، الذي كان على الدوام لا يكف عن التلطف  بنا والاستفسار عنا . ) .

ثانيا :   فى موضوع الاخوان :

1 ـ ربما لم يلتفت مؤرخو عبد العزيز الى هذا الكتاب الذى كان فيه المؤلف شاهدا حيا على ظروف خاصة ودقيقة حين إحتل عبد العزيز الحجاز بسيوف الاخوان النجديين ، وتوترت العلاقة بين عبد العزيز وإخوانه . كان الاخوان لا يزالون فى المشهد السياسى بعد حادث المحمل ، ونقل مشاعر الاخوان ضد عبد العزيز وإتهامهم إياه بأنه إنحاز للمصريين ضدهم فى موضوع المحمل .

2 ـ يقول ص 44 تحت عنوان : ( بين زعماء قبائل نجد ) ويقصد بهم الاخوان النجديين : ( وعلى ذكر ماروته بعض الصحف أثناء وجود سعادة الطيب بك الهزازي رئيس ديوان جلالة الملك ابن السعود في مصر أخيراً عن وجود خلاف بين بعض زعماء قبائل نجد أمثال فيصل الدويش ، زعيم قبيلة الأرطاوية ،( الارطاوية ليست قبيلة وإنما هى إسم للمستوطنة أو الهجر التى كانت تحت قيادة فيصل الدويش )  وسلطان بن مجاد ( الصحيح : ابن بجاد )، زعيم قبيلة الغطغط ، من جهة ( الغطغط أيضا هو مستوطنة وليس قبيلة ، ونسى المؤلف أن يذكر الزعيم الثالث للإخوان ، وهو ضيدان بن حثيلين )، وبين جلالة ابن السعود ، من جهة اخرى ، أقولإني سمعتُ شيئاً في هذا الموضوع أثناء وجودي في" الرياض " ذلك أنهم يعزون وقوع ذلك الخلاف إلى حادث الاعتداء  على المحمل في منى ، فقد   قيل : إن القتلى من النجديين كانوا من قبيلة فيصل الدويش ، وقد اعتبر بعض غلاة هذه القبيلة أن تصرف جلالة الملك عبدالعزيز كان مُهيناً لهم ، وكان من واجبه أن يثأر لهم ، ولكن ما كان أخيب رجاء الغلاة عندما علموا ان فيصلا هذا ذهب إلى " الرياض " عقب وصول جلالة الملك بعد ان تعرف على الحقيقة من جلالته وأمن عليها وانقضى بذلك كل قيل وقال.أما سلطان بن مجاد فقط قيل: إن نزاعا قام بينه وبين جلالة الملك على تطبيق بعض الأمور الشرعية ، ولكنه بعد أن تبين الحقيقة قصد إلى "الرياض " وقابل جلالة الملك وخرج من لدنه شاكراً.ولكن يظهر أن بعض دعاة السوء أرادوا بث دعايتهم في قلب نجد بعد أن فشلوا في الحجاز فلم يفلحوا ، وهكذا عادت المياه إلى مجاريها وانقضى الأمر. )

3 ـ المؤلف هنا ينقل يعض معلومات خاطئة لمجرد الدعاية . إذ لم يتم الصلح بين عبد العزيز والاخوان بل تطور الى معارضة سياسية دينية بالمؤتمرات ثم تصاعدت الى الحرب بينهما . ولكن صحيحا ما يقوله المؤلف عن شعور الاخوان بالاهانة من تحيز عبد العزيز للمصريين فى حادثة المحمل وبعدها . وقد استنكروا فى مؤتمر الارطاوية سفر سعود الى مصر بلد الشّرك فى عقيدتهم الوهابية .

4 ـ الرسالة الدعائية الواضحة هنا أن عبد العزيز إنحاز للمصريين ضد إخوانه النجديين .

ثالثا : هجاء الشريف حسين ومدح الملك عبد العزيز .

يقول ص 63 : 64 : تحت عنوان ( الحج ومراسيمه ) :

( ومما يذكر حيال الحج ومراسيمه أن جماعات المطوفين كانوا إلى ما قبل حكم الملك ابن السعود في الحجاز أشبه بجماعات التراجمة الذين يصاحبون السياح الأجانب في مصر ، فيمثلون معهم شتى ضروب القبائح ويرسمون أمام انظارهم أشنع صنوف الموبقات ، ويصورون لهم الأمة المصرية تصويراً ذميماً ، مما حمل الصحافة المصرية في الأيام الأخيرة أن تطلب من الحكومة المصرية الوقوف في وجههم ومصادرتهم وسن اللوائح لإيقافهم عند حدهم محافظة على كرامة مصر مصر وسمعتها .

وقد كان أولئك المطوفون يتلقفون الحجاج ، ولاسيما بسطاؤهم فيبتزون أموالهم ويلقنونهم أقولاً خرافية منافية للشرع والعقل معاً ،مثال ذلك أن يمسك احدهم بحاج ساذج ويلقنه العبارة التالية ، بصوت خافت على باب الحرم الشريف ،كأنما هو ينزل عليه آية من السماء ، وهذا هو :" اللهم إني نويتُ إعطاء مطوفي مبلغ كذا من المال بنية الله ورسوله " فإذا ما نطق الحاج بهذه الكلمات حسب أنها سجلت عليه في لوح مسطور لا سبيل إلى نقضه بحال  حتى إذا فرغ من طوافه أدى ما تعهد به لذلك المطوف المحتال بغير إمهال ، وهكذا دواليك . وأكثر منه مما كان يجري في السر والعلانية ، وقد يكون بعضه مما يُغضب الله ويندى له وجه الآداب

أما الآن فقد قضى نظام الحكم الجديد على تلك المظالم والبدع السخيفة ، ووضع أولئك المطوفون تحت مراقبة شديدة ، فإن أقل شكاة يرفعها أحد الحجاج ضد أحدهم تكون كافية لإبعاده عن حظيرة المطوفين .

أما مشكلة الأمن العام التي كانت هي في الواقع أم المشكلات ، ورأس كل الخطايا ، مما كان يحسب له المسلمون الراغبون في حج بيت الله الحرام أكبر حساب ، فقد كانت طليعة المشكلات التي استطاعت الحكومة الجديدة حلها على أهون سبيل ، فمنذ حل حكم الشرع محل القانون المدني والجنائي وأدرك دعاة الشر والإجرام ما هو حكم الشرع حيالهم نزعوا عنهم ثيابهم وغسلوا أيديهم من أوزار الماضي ووضعوا أنفسهم رهن ما قضى به حكم الشرع ،إذا ما حدثتهم نفوسهم بمخالفة ما تقضي به هاتيك الأحكام ، فكان أهم ما انقطع دابره تلك الفعلة المشئومة التي كان يلجأ إليها أشرار البدو الحجازيين، ولا سيما رجال قبيلة عتيبة وبني هذيل وحرب ،الذين كانوا يستدينون الأموال من بعضهم بعضاً على أن يقوموا بسدادها من أسلاب الحجاج وما يغنمون من أموالهم ،فقد عمد الملك عبدالعزيز فوق اعتماده على إنفاذ حكم الشرع إلى بسط يده بالإحسان إلى فقراء هؤلاءالبدو ، وبذلك أمنت القوافل التجارية على ما تحمله من بضائع وسلع مهما بلغت قيمتها ، وأمن الحجاج كذلك على أرواحهم ومتاعهم ، يدلك على ذلك أن رجال المحمل المصري عندما سافروا العام الماضي أثبت سعادة أمير الحج في تقريره لولاة الأمور أن عصابات البدو التي اعتادت غزو المحمل ورجاله لم يبق لها اثر في الحجاز ، وفي هذا العام سافر الحجاج المصريون وعادوا دون أن يصيبهم أقل اعتداء ، حتى قال لنا احد الحجاج :"  إن امرأة مصرية تستطيع أن تبرح مصر بمفردها وتقصد إلى قلب الحجاج وتقوم بفريضة الحج ثم تعود دون أن يصيبها أقل مكدر" . والظاهر أن استقرار حالة الأمن حملت أحد أعضاء مجلس الشيوخ المصري على التصريح رسمياً بأن المحمل وحرسه أصبح بدعة يجب إبطالها ، وقد تألفت لجنة خاصة للنظر في هذه المسألة .

رابعا : عودة الى حادث المحمل :

ثم يعود المؤلف الى موضوع المحمل فيقول موجها دعايته وحديثه لأولى الأمر فى مصر تحت عنوان ( موضوع المحمل  ) ص 65 : ( على أن هناك رأياً آخر هو أنه إذا استقر الرأي في نهاية الأمر على منع سفر المحمل فليس من العدل أن يحرم فقراء الحجاز من الميرات وخيرات الواقفين التي اعتادت مصر إرسالها  إلى الحجاز من قديم الزمان ، ولعل ذوي النظر البعيد من ولاة الشأن في مصر سيراعون هذه النظرية بما تستحقها من  العناية والاهتمام .)

أخيرا : خاتمة الكتابة دعاية فجّة ونفاق واضح لابن سعود

يقول ص 69 : 70 : ( الخاتمة :

هكذا تطورت الحال في مملكتي نجد والحجاز وتم لهما ذلك الاندماج المتين فخرجت " نجد " من عزلتها الطويلة عن بقية الشعوب الإسلامية المتحضرة ،وأصبح ملكها هو صاحب الكلمة النافذة والصوت المسموع في الأراضي المقدسة وشئونها ، وبات اسمه علماً بين ملوك الإسلام يشار إليه بالبنان ، وقد أثبت بالفعل لا بالقول أنه جدير بهذا الملك المترامي الأطراف ، الجليل الشان في عيون سائر المؤمنين ، وانه بعد أن طهر الاراضي المقدسة من أدران المفاسد والمظالم التي نشرها رجال الحكم البائد استطاع أن يقطع دابر عصابات النهب والسلب ويضرب بعصا من حديد على أيدي قطاع الطريق ، فأمن سبل الحج لكافة المسلمين ونظم شئون الصحة العامة ، وأقام  حكم العدل بين سائر رعاياه ، لا فرق بين نجدي وحجازي .

ومما لا ريب فيه أن بلادا كهذه  وقد خرجت من عزلتها ووضعت يدها بأيدي جاراتها من البلاد المتحضرة سيكون لها حظها من الحضارة  بحكم  المجاراة على مر الأيام .

ومن يعلم ما كانت عليه الحجاز قبل ان يحكمها جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود كيف كانت الفوضى ضاربة أطنابها وأموال الناس وأرواحهم في خطر دائم من أعتداءات البدو الحجازيين واستخفافهم بالنظام والحكومة القائمة بالأمر، وهذا ركب المحمل المصري كان على الدوام هدفاً لاعتداء المعتدين ،  وفتك الفاتكين ، فبات الحجاج يسافرون أفرادا وجماعات حتى دون أن يرافقهم  حرس المحمل ، ثم يعودون دون أن يصيبهم أقل أذى ، ولم يكن هذا شأن حجاج مصر وحدهم بل هي الحال مع سائر المسلمين الذين يحجون بيت الله الحرام .

وإذا كان كل شيء في أوله صعباً فلا عبرة البتة ببعض ما قام من وجوه الخلاف في الرأي بين الحكومتين المصرية والحجازية بشأن المحمل المصري ، وقد يأتي  وقت تضع فيه حكومتا البلدين اتفاقاً متيناً يرتب شئون الحج ومراسمه في المستقبل وطبقا للتطورات الحادثة بين الأمم والآراء العامة .

وكذلك فإذا كان بعض الذين لا يحلو لهم الصيد إلا في الماء العكر قد زين إليهم أن يثيروا العواصف ويشيعوا الأكاذيب عن حكم الحجاز وآراء الوهابيين الدينية قصد تنفير الأمم الإسلامية من حكم جلالة الملك عبدالعزيز فحسبنا أن مثل هذا وأكثر منه يقع عادة بين سائر الأمم ، ولاسيما عقب الفتوح والانقلابات السياسية ولسوف يضرب هؤلاء  وأولئك من حسن نيات الملك ابن سعود وضروب الإصلاح في بلاد الحجاز ذاتها ما يسكت ألسنتهم وينطقهم بالحق من حيث لا يشعرون ،على أن دعاة هذه الدسائس ـ والحمدلله ـ ليسوا من البراعة والدهاء ما يخشى شرهم ويؤثر سوء فعلهم فجلهم من حثالة الناس ، أو أذناب الحسين وأنصاره ، ممن لا يعتد بشأنهم ولا يؤبه بحالهم .

وإنا لنسأل الحق جلت قدرته أن يكتب للإسلام والمسلمين اتحاد الكلمة ورفع راية الإسلام بين الأنام ، وأن يوطد دعائم الحب والولاة بين ملوك الناطقين بالضاد وأمرائهم ، وأن يوفقهم إلى ما فيه مرضاة الله ورفع شأن المؤمنين  بمنه وكرمه .

انتهى  . )                                            

 

حافظ وهبة هو المؤلف الحقيقى لكتاب ( فى قلب نجد والحجاز ) 

1 ـ وقع على عاتق حافظ وهبة مستشار عبد العزيز حلّ أزمة المحمل وتأثيرها على علاقات عبد العزيز مع مصرـ فى وقت حسّاس بعد إستيلاء عبد العزيز على الحجاز التابع عُرفيا للنفوذ المصرى . صحب حافظ وهبة الأمير سعود بن عبد العزيز فى رحلته الى مصر ، وأتفق مع هذا الصحفى المغمور للقيام بهذه الرحلة البرية الى نجد والحجاز ، وأرسل معه طاقما للمعاونة . والصحفى يتحدث بضمير الجمع عن نفسه والمرافقين له، يقول مثلا : ( ووصلنا إلى بلدة " الجوف ")( ولما صرنا على قيد أميال من حائل ) (وكان أمير بريدة  قد بلغه خبر قدومنا  )( وكان جلالة الملك قد علم بقدومنا  ). أى أن حافظ وهبة   الذى نظّم هذه الرحلة هو الذى ارسل مع هذا الصحفى موكبا و( زفّة ) ، وترك الصحفى الشاب ينبهر بالاستقبالات والترحيبات .

2 ـ ونتصور أن الصحفى كتب وقائع رحلته بما يتناسب مع كونه صحفيا مغمورا . ولكن الاسلوب الذى نراه فى هذه الرحلة يقطع بأن حافظ وهبة الكاتب المتمرس هو الذى قام بتنقيح الكتابة . وفى غمرة تلهفه على أن يكون الكتاب بلسما وعلاجا لأزمة المحمل وتداعياتها فقد نسى حافظ وهبة أن يكتب تواريخ تنقلات الرحالة مجمد شفيق مصطفى، لأن الكتاب قد تم إعداده على عجل ليخاطب مجتمع المصريين المثقفين ـ وقت تداعيات أزمة المحمل .

3 ـ عبد العزيز كان عقلية إستثنائية فى محيطه العربى فى الجزيرة العربية لكنه كان لا يجيد القراءة والكتابة ولا يجيد صياغة الكلام ، وكان بلهجته البدوية النجدية لا يستطيع التفاهم مع المصريين أو غيرهم . بينما كان حافظ وهبة كاتبا متمرسا وخطيبا مفوها وسياسيا بارعا . تعلم مت تجربته فى مصر وفى الكويت ألا يصطدم بالسلطة ، بل يخدمها كى يركبها . وافضل طريقة أن يلعب دور المُخرج السينمائى الذى يتحكم فى الفيلم دون أن يظهر فيه . رضى حافظ وهبة أن يكون فى الظل سواء فى موضوع هذه الرحلة والكتاب الذى صدر عنها أو فى الحوار الذى زعم المؤلف أنه أجراه مع الملك عبد العزيز ، أو حتى فى تصريحات سعود وفيصل تلامذة حافظ وهبة عن غرامهما بمصر .

4 ـ إن صحفيا قاهريا يزور نجد لأول مرة يستحيل عليه أن يفهم لسان أهلها ولسان مليكها عبد العزيز . ويستحيل على عبد العزيز الذى لم يكن مثقفا أن يدلى بهذا الحوار الذى جاء فى هذا الكتاب . كل هذا من صناعة المخرج السياسى حافظ وهبة . ولأنه يقف خلف الستار فهو الذى يمسك بحركات الممثلين ويضع الكلمات على أفواههم .

5 ـ حافظ وهبة هو أيضا الجندى المجهول وراء معاهدة جدة (  فى 20 مايو 1927  ) والتى إعترفت فيها إنجلترة ( بالاستقلال التام المطلق لممالك صاحب الجلالة ملك الحجاز ونجد وملحقاتها  )، والتى تختلف فى اسلوبها وفى شروطها عن معاهدة دارين عام 1915 والتى جعلت عبد العزيز حاكم محمية تابعة لبريطانيا . حافظ وهبة بدوره فى هذه المعاهدة أضاع على مصر ( التى يحتلها الانجليز ) أى مطالب بشأن الحجاز . الطريف أن الذى وقّع المعاهدة عن الطرف السعودى كان الأمير فيصل بن عبد العزيز ، وكان وقتها فى العشرين من عمره لا يعرف الانجليزية ولا أُسس التفاوض مع أعظم امبراطورية وقتها ، كان تفاوض بالنيابة عنه استاذه حافظ وهبة .

 

أخيرا :  حافظ وهبة ودولة عبد العزيز

1 ـ من مواليد حى بولاق الشعبى عام 1989، تخرج فى الأزهر ثم فى مدرسة القضاء الشرعى ، وكان من تلامذة الامام محمد عبده ،  وبسبب نشاطه السياسى نفاه الانجليز من مصر مع بداية الحرب العالمية الأولى ، فرحل الى الكويت عام 1914 ، واشتهر فيها مدرسا وواعظا وتاجرا ، وتوثقت علاقته بالمشاهير هناك ، وأحدث قلاقل لأمير الكويت مبارك الكبير حين دعم الشيخ  محمد الشنقيطي في تحريض الكويتيين على الإنجليز، ثم ترك الشنقيطي يُقاتل مع جيش الدولة العثمانية ضد الانجليز في معركة الشعيبة في البصرة. وتعرض حافظ وهبة الى تقريع شديد من مبارك الكبير أمير الكويت نتج عنها أن فكّر فى ترك الكويت.

2 ـ كان حافظ وهبة قد قابل الأمير عبد العزيز آل سعود حين زار الأمير السعودى الكويت عام 1916 ، إثر معاهدة العقير التى عقدتها بريطانيا لرسم الحدود بين نجد والكويت عام 1915. بعد جفاء العلاقات بين حافظ وهبة وأمير الكويت أخذ حافظ يتقرب الى عبد العزيز ، فكتب اليه بنصائح أبهرت عبد العزيز . وهى طريقة ذكية ليعمل عنده ، فاستدعاه عبد العزيز ليعمل عنده ، فإلتحق بخدمة عبد العزيز بن سعود فى الرياض عام 1923مستشارا له فى علاقاته الخارجية خصوصا مع مصر وانجلترة وفى شئونه الداخلية .

3 ـ تأثير حافظ وهبة بخلفيته الفقهية الأزهرية فى دولة عبد العزيز آل سعود لا يقارنه مستشار آخر لعبد العزيز من الأجانب . هو الجندى المجهول فى تعامل عبد العزيز مع الاخوان النجديين بما أدى الى القضاء عليهم . وهو الجندى المجهول فى إخضاع شيوخ الوهابية المتزمتين الجهلاء الرافضين للتعليم والمخترعات الحديثة ، وهو الذى أنشأ فيها تعليما حديثا، وهو القائم ـ من وراء ستار ـ بتحويل مملكة ابن سعود الى دولة حديثة.  وهو المرشد لإبنى عبد العزيز سعود وفيصل .  ثم كان ممثلا لعبد العزيز قنصلا وزيرا مفوضا فى لندن عام 1930 ، وهو العام الذى شهد إنشاء أول وزارة للخارجية السعودية وتعيين الأمير فيصل أول وزير لها ، ثم صار حافظ وهبة سفيرا للسعودية فى لندن عام 1948 ، وظل فى منصبه ثلاثين عاما ، وهو الذى أقام علاقات للمملكة مع هولندة وأصبح وزيرا مفوضا فيها عام 1931 ، وأسس علاقة السعودية باليابان ، وهو الذى صمّم العلم السعودى ، وهو العضو الهام فى مجلس إدارة أرامكو. تاثير حافظ وهبة فى دولة عبد العزيز إمتد من نجد الى اوربا واليابان،ومن التعليم الى أرامكو وأمستردام.

ثالثا : حافظ وهبة والوهابية

1 ـ حافظ وهبة هو الذى بدأ نشر الوهابية بين المسلمين فى انجلترة من خلال تأثيره الكبير فى أول مسجد أُنشىء فى لندن عام 1910 حين عمل إماما وواعظا فيه . وهو أشهر مؤسسى المركز الثقافى الاسلامى فى لندن والذى وضع حجر الأساس له الملك جورج السادس عام 1944 ، وبنفوذه فى لندن  تبرعت الحكومة البريطانية بموقع المركز في وسط لندن من أملاك التاج البريطاني، وبقي المركز في المبنى القديم إلى أن أقام له الملك فيصل مسجد كبيرا عام 1978 م، ثم قام الملك فهد بتوسعته عام 1994 .

ولا تسأل بعدها عن تعمق الوهابية فى إنجلترة وأوربا ، فقد وضع بذورها حافظ وهبة ، وتدفع بريطانيا وأوربا الثمن الآن .  ولا يزال مستمرا تأثير حافظ وهبة فى نشر الوهابية بين الناطقين بالانجليزية.  يتمثل هذا فى ترجمة القرآن الكريم والتى قام بها عبد الله يوسف على و ومحمد مرمادو .  وتأثرهما واضح بالوهابية ، وكانا من تلامذة وأصدقاء حافظ وهبة . وتوفى حافظ وهبة فى روما عام 1967 .

2 ـ إذا كان هذا تأثير حافظ وهبة فى نشر الوهابية فى أوربا ، فماذا عن تأثيره فى نشرها فى وطنه الأم مصر ؟ إنّ له الأثر الأكبر فى نشر الوهابية فى مصر ـ بمساعدة رشيد رضا و محب الدين الخطيب . هؤلاء الثلاثة أنشأوا مؤسسات السلفية الوهابية فى مصر من الشبان المسلمين الى أنصار السّنة وتحويل الجمعية الشرعية المصرية من دينها الصوفى الى الوهابية ، ثم أخيرا تأسيس الاخوان المسلمين .

ولكن يتميز حافظ وهبة عن رشاد رضا ومحب الدين الخطيب أنه مصرى له معارف مشاهير وجذور فى مصر ، وإستخدم معارفه وصداقاته فى تيسير عمل السورى محب الدين الخطيب واللبنانى رشيد رضا ، وإستخدم كل هذا فى خدمة عبد العزيز وفى نشر الوهابية .

3 ـ وجاء فى كتاب ( فى قلب نجد والحجاز ) حوار مع الملك عبد العزيز قيل أن المؤلف محمد شفيق مصطفى أجراه مع الملك . جاء فيه تصريح هام : (  قلنا لجلالته : وما رأيكم في توظيف أذكياء المصريين في وظائف دولتكم ؟ فأجابنا جلالته قائلاً : إن حبي وتقديري لأبناء مصر فوق ما تتصور أنت ، فهذا مستشاري الأمين وساعدي الأيمن فضيلة الشيخ حافظ وهبة ، له عندي المقام الأسمى وعظيم التقدير ، وإني أُرحب بمن يرغب في تولي مناصب البلاد من أبناء هذا البلد الغني الوفير الخيرات ، وإني أرجو الله أنهم يتسع  نطاق العمران في بلادي  على مدى الأيام وتزيد موارد  دولتي فيكون المجال فسيحاً أمام هؤلاء الإخوان الذين أتمنى وجود أكثر عدد منهم بين موظفي حكومتي . ). كان عبد العزيز محتاجا الى وهابيين مستنيرين ــ إذا صحّ ـ وجود هذا الصنف بين البشر ــ ليكونوا بديلا عن الشيوخ الوهابيين  المتزمتين . وفعلا إستقدم حافظ وهبة وفى فترة مبكرة مدرسين ومطاوعة من مصر الى مملكة ابن سعود أعانته بعد إستغنائه عن الاخوان النجديين وشيوخهم فى التزمت والانغلاق . 

4 ـ أصبح حافظ وهبة فى مصر مقصدا للفقهاء السنيين الفقراء ينتظرون قدومه ليعينهم . ومنهم أحمد عبد الرحمن محمد البنا الساعاتي ، وهو اصلا من مدينة المحمودية فى شرق الدلتا ، والذى كان يعمل فى إصلاح الساعات فى الاسكندرية ، كان سنيا هاويا ، سعى الى مقابلة حافظ وهبة فساعده فى نشر مؤلفات عديدة منها ( ترتيب مسند الإمام أحمد ) مع مفتاح له يسهل الوصول إلى أحاديثه، وله أيضاً كتاب ( بدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي).( أحمد عبد الرحمن محمد البنا ) هو والد ( حسن البنا ) مؤسس الاخوان المسلمين .

أخيرا : حافظ وهبة من اسباب بلاء المصريين اليوم 

1 ـ الفارق هائل بين تلك الصورة الارشيفية التى يركع فيها حسن البنا ليقبل يد الملك عبد العزيز وبين ما كانت عليه مصر بالنسبة للسعودية ودولتها الأولى والثانية والثالثة فى عهد عبد العزيز .

2 ـ  آخر حاكم للدولة السعودية الأولى كان يخاطب الوالى محمد على يصف نفسه  بأنه ( خادمكم وعبدكم المطيع الخادم المطيع عبد الله بن سعود ) ونفس الخطاب كان يرسله  الأمير عبد الله بن فيصل بن تركي ــ جد عبد العزيز ــ فى الدولة السعودية الثانية إلى سيده الخديوي عباس, وكلها ممهورة ومختومة بتوقيع ( خادمكم وعبدكم المطيع ابن سعود ).

3 ـ وفى الوقت الذى ركع فيه حسن البنا يقبل يد الملك عبد العزيز ـ وفى أيام حكم الملك فاروق كان لا يجوز جلوس أمراء آل سعود باستثناء أبيهم عبد العزيز في حضرة الملك فاروق. وهنالك صورة للملك فاروق وهو يجلس على الكرسي وخلفه يصطف الأمراء السعوديون على رأسهم فيصل بن عبد العزيز. 

4 ـ وفى الهوان المصرى الحالى نسمع  الرئيس عبد الفتاح السيسى يصف السعودية بأنها الشقيقة الكبرى لمصر ، بل ويتنازل للسعودية عن جزيرتين مصريتين ، وقد كان الحجاز تابعا لمصر . وهذا السيسى إخترع هوانا لمصر غير مسبوق ، أن يجرى سعيا فى إستقبال الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ، ويصعد اليه فى طائرته وينحنى مسلما عليه بينما الملك متربع فى كرسيه .

5 ـ ربما كان حافظ وهبة يفعل ذلك مع عبد العزيز ومن تولى بعده .!..

الدين الوهابى المعاصر: تأسيسه فى نجد وإنتقاله الى مصر
الجزء الثانى من كتاب ( نشأة وتطور أديان المسلمين الأرضية ):
هذا الكتاب
الكتاب السابق عن تأسيس وتطور الديانات الأرضية فى تاريخ المسلمين كان الفصل الأخير منه عن الوهابية . وقد رأيت أن أتوسع فيه ليكون كتابا كاملا ، فكان هذا الكتاب الذى يقع فى ثلاثة أبواب تتضمن تسعة فصول ، تتخصص فى تأسيس الوهابية فى نجد فى أواخر العصر العثمانى ثم إنتقالها وانتشارها فى مصر فى القرن العشرين .
more