رقم ( 7 )
الفصل الرابع : تسيد دين التصوف السنى فى العصر المملوكى ( 648 ـ 921 ) ( 1250 ـ 1517 )

الفصل الرابع : تسيد دين التصوف السنى فى العصر المملوكى ( 648 ـ 921 ) ( 1250 ـ 1517 )

لمحة عن الدولة المملوكية:( 648 هــ – 921 هــ ) – ( 1250 م – 1517 م )

مقدمة :

يعتبر قيام الدولة المملوكية حدثا فريدا فى التاريخ الإسلامى ، حيث حكم المماليك وهم رقيق الأمويين أملاك أسيادهم الأيوبيين ، وتقودهم فى بادء الأمر إمرأة ـ هى شجرة الدر ـ كأول وأخر سلطانة فى تاريخ المسلمين . وهذا الوضع لم يكن له أن يستمر إلا بقوة المماليك ودهائهم وضعف الأيوبيين وتناحرهم وقوة مركز مصر فى العالم الإسلامى على أنها الملجأ الوحيد لإنقاذ المنطقة من الصليبيين والخطر المغولى القادم .

مقالات متعلقة :

 وقد استطاع المماليك تأكيد نفوذهم بإرهاق الوجود الصليبى ثم إزالته نهائيا فى نفس الوقت الذى قضوا فيه على الخطر المغولى ، وبمطاردة المغول فى الشام لم تقم للدولة الأيوبية قائمة فى الشام بعد أن انتهت من مصر .

وهكذا ورثت الدولة المملوكية الفتية العروش الأيوبية فى مصر والشام .

 

 أولا : خطوات أقامة وتوطيد الدولة المملوكية فى مصر

1 ــ يظهر أن المماليك لم يفكروا فى الخروج على طاعة الأيوبيين ، إذ قضوا على حملة لويس التاسع التى غزت مصر واحتلت ميناء دمياط، وأسروا لويس التاسع، وحفظوا السلطة كاملة لتوران شاه ولى العهد الأيوبى فى وقت حرج ، كان فيه أبوه الملك الصالح أيوب ميتا وهو بعيد فى العراق ، ولو كان لديهم الطموح لاستغلوا تلك الجروح القاسية فى مصلحتهم ، إلا أن أقصى ماكانوا يطمعون فيه هو العرفان بالجميل من السلطان الشاب الغائب الذى حفظوا له ملكه . ولكنهم فوجئوا بنكرانه الجميل ورأوه لا يختلف فى شيىء عن صغار الأيوبين فعاجلوه بالقتل قبل أن يوقع بهم ، فقتل توران شاه كان عملا وقائيا فى أوله كما يظهر من إستقراء وقائع التاريخ .

2 ــ إلا أن القضاء على توران شاه أوقع المماليك البحرية فى مشكلة من يخلفه. ولإنقاذ الموقف فقد تُوّجت شجرة الدر سلطانة ـ وهى أرملة الملك الصالح أيوب – وهى إمرأة أظهرت حنكتها السياسية وقت الشدة -  وبدأت الدولة المملوكية بشجرة الدر سلطانة تحميها سيوف المماليك البحرية، وبدأت الدولة الجديدة تفاوض الملك الفرنسى الأسير لويس التاسع فى مدى التنازلات التى يجب أن يدفعها والفدية المطلوبة منه حتى يطلقوا سراحه.

3 ــ  وإذ إنتهت الدولة المملوكية من ذلك حتى واجهت عدة مصاعب أهمها :-

* الخليفة العباسى والرأى العام الإسلامى

1 ـ لم يستسغ الخليفة العباسى – وهو يمثل الرأى العام المسلم – أن يتولى الأمر إمرأة ولو كانت شجرة الدر. بعث الخليفة العباسى المستعصم بالله يتساءل هل خلت مصر من الرجال حتى يولوا أمرهم إمرأة .

2 ــ وتحاشيا لإغضابه والرأى العام معه فقد تم حل المشكلة بأن تتزوج شجرة الدر من أيبك الداودار ، وبذلك أصبحت شجرة الدر تقاسم زوجها السلطة وتحكم من وراء الستار. وإذ انتهت تلك المشكلة فقد اتجه المماليك لحل مشكلة أخرى .

*المصريون والأعراب والشيعة :

1 ــ لم يرض المصريون أن يحكمهم رقيق هم مماليك الايوبيين؛ يقول المؤرخ المملوكى أبو المحاسن (  لم يرضوا بسلطان مسّه الرق ،وظلوا إلى أن مات السلطان أيبك وهو يسمعونه ما يكره حتى فى وجهه إذا ركب فى الطرقات) ولذا اشتد المماليك فى قسوتهم على العامة المتذمرين من توليهم السلطة حتى أن المقريزى وأبا المحاسن يقولان أن الصليبيين لو ملكوا مصر ما فعلوا بالمصريين كما فعل بهم المماليك فى بداية عهدهم.

2 ــ ولا ريب أن المصريين وإن خضعوا بالقهر والذل للقوة الجديدة إلا أن القهر لا يعنى إلا الحقد الدفين المكبوت ، وقد استغل هذا الشعور بعض العلويين وجمعوا إلى جانبهم كثيرا من الأعراب وأعلنوا الثورة وأن ملك مصر يجب أن يكون للعرب وليس للأرقاء .

وهذا ما فعله حصن الدين ثعلب الذى أقام دولة عربية مستقلة فى مصر الوسطى ومنطقة الشرقية فى بداية الدولة المملوكية ، مستغلا قوة الأعراب . وحاول حصن الدين الإتصال بالناصر الأيوبى عدو المماليك ، إلا إن عقد الصلح بينهما أضاع أمل حصن الدين فعول على الإعتماد على جهوده الذاتية .

3 ـ وبعد أن فرغ السلطان أيبك من الخطر الأيوبى الخارجى قام بتوطيد سلطانه فى الداخل فأرسل أقطاى زعيم المماليك البحرية بجيش تمكن من هزيمة الأعراب فى بلبيس. وطلب حصن الدين الأمان فأمنه المعز أيبك ، ثم اعتقله وقتل أصحابه،  وعامل الأعراب بالعسف حتى ذلّوا وقلّوا على حد قول المقريزى .( السلوك  1/2/370 ، 372: 379 ، 381 ، 382 ، 385: 386 ) ، وكانوا القوة العسكرية الوحيدة وقتها بين المصريين .

4 ــ والواقع أن توطيد الدولة المملوكية بدأ حقيقة فى عهد قطز الذى انتصر على الخطر المغولى وفى عهد الظاهر بيبرس الذى قلّم أظافر المغول والصليبيين.

 

ثانيا : المماليك والشام

1 ــ كان الشام الخطر الأكبر على الدولة المملوكية الناشئة، ففيه الصليبيون. ومفهوم أنهم أعداء للسلطة الجديدة التى أبادت حملة لويس التاسع، وفي الشام أيضا الملوك الأيوبيون الذين لن يسامحوا فى سقوط مصر فى يد مماليكهم وعبيدهم بعد أن قتلوا ابن عمهم توران شاه .

2 ــ ثم كان الخطر الأكبر على الجميع وهم المغول الذين اكتسحوا فى الجولة السابقة الدولة الخوارزمية ثم عادوا فى هذه الجولة فاكتسحوا قلاع النزارية الباطنية فى آلموت ثم دمروا بغداد والخلافة العباسية سنة 658، وتهاوت أمامهم العروش الورقية لبنى أيوب وسلجوق فى الشام والعراق ، ووقع على كاهل المماليك فى بداية دولتهم أن يتعاملوا مع ذلك الخطر بعد أن انحدر للشام واتجه لمصر .

3 ــ وقد أفلحت الدولة المملوكية فى مدّ سلطانها على الشام حتى الفرات . بل وصلت إلى ما أبعد ما وصلت عليه دولة صلاح الدين فى عهد الظاهر بيبرس الذى أخضع الأرمن ودمر عاصمتهم وامتد ملك الدولة المملوكية فى عهده إلى اقصى إتساعه .

 ولنتبع خطوات المماليك فى ضم الشام وتعاملها مع تلك القوى .

 الورثة الأيوبيون فى الشام :

1 ــ تزعمهم الناصر داود الذى استولى على دمشق فى الصراع ضد المماليك بعد تولى شجرة الدر السلطنة. الناصر داود كان أكبر الورثة الأيوبيين ثم أن مركزه الجديد فى دمشق يفرض عليه أن يحدد موقفه من القاهرة . وتحالف الناصر داود مع الصليبين وبدأ الصراع بينه وبين المماليك فى غزة سنة 648  فهزمه أقطاى كبير المماليك البحرية .

2 ــ ولم ييأس الناصر داود فجمع أقاربه من الملوك الأيوبيين وزحف بهم إلى مصر ، ودارت معركة كبيرة عند الصالحية وانهزم فيها الناصر داود مع كثرة عساكره لأن المماليك الذين فى جيشه إنضموا إلى الجيش المملوكى  المصرى ، وأسر المعز أيبك جملة من الملوك الأيوبيين ومعهم بعض الأمراء المتعاونين معهم .

3 ــ وفى عام 649 إستولى الأمير أقطاى على الساحل الشمالى ونابلس إلى ممر الشريعة، فأرسل الناصر داود حملة إلى غزة ، فخرج السلطان المعز أيبك بجيشه إلى الصالحية، ودارت مفاوضات بينهما طالب فيها المماليك باعترافه بحمكهم مصر وجزء من الساحل الشامى.  وفى سنة 651 تقرر الصلح على أن يكون للمماليك مصر والأردن وللناصر ما وراء ذلك، وأن يضم المماليك غزة والقدس ونابلس والساحل كله وأن يطلق المماليك الملوك الأيوبيين الأسرى ( السلوك 1/2/370 ، 379 ، 381 : 382 ، 385 : 386 )

4 ــ وواضح أن المماليك نجحوا فى أن يمدوا سلطانهم إلى جنوب الشام مع الساحل، وقد وافقهم السلطان الناصر داود ، ونال لنفسه الشام الشمالى ؛ أى أملاك أقاربه الملوك الأيوبيين المأسورين عند المماليك منذ معركة الصالحية، وقد اشترى داود حريتهم من أسر المماليك بعد أن اتفق مع المماليك على اقتسام الشام .

ثم كان الإمتحان الأكبر لدولة المماليك الناشئة أمام المغول .

المماليك والمغول

1 ــ كان المغول أكبر خطر هدّد المنطقة. تحركوا من أقصى الشرق يدمرون كل جزء من العالم مروا به، فقضوا على امبراطورية الصين وتجمعات الترك الرعويين، وما لبثوا أن هزموا الدولة الخوارزمية بعد عدة جولات. بعدها انفتح الطريق أمامهم للدولة العباسية ، فدمروا بغداد وقتلوا الخليفة العباسى وسكان بغداد. وسار الرعب فى ركابهم ، وسبقتهم فى القدوم للشام سُمعتهم الوحشية فاستسلم لهم بعض الأمراء الأيوبيين بلا قتال ، كحاكم حمص الذى خدم هولاكو وسار فى صحبته والناصر داود حاكم دمشق وحماه. وتوغل المغول فى الشام متجهين لمصر، وبعث هولاكو برسالة إلى المماليك يطلب خضوعهم.

2 ــ بعد إغتيال أيبك بتدبير شجرة الدر كان قطز يتولى نيابة السلطنة للسلطان الصبى (على بن أيبك)، وانتهز الفرصة فأعلن نفسه سلطانا ليواجه الخطر القادم. وأثناء الإستعداد الحربى أرسل مقدمة جيشه إلى غزة يقودها بيبرس. وهزم بيبرس الحامية المغولية فى غزة ، فكان أول نصر على المغول. وقتهاهلك منكوخان الخان الأكبر للمغول، وخوفا من ضياع حقه انسحب هولاكو بجزء من جيشه عائدا  إلى قراقورم عاصمة المغول فى الشرق وترك الباقى تحت قيادة كتبغا ليواجه المماليك.

3 ــ وسار السلطان قطز قرب عكا، ثم جاءته أخبار أن كتبغا عبر نهر الأردن وأنه نفذ على الجليل الشرقى ، فسار قطز مسرعا إلى الجليل الشرقى ، فوصل عين جالوت قبل وصول المغول.

معركة عين جالوت ( 658 هــ - 126 م)

1 ـ وقدم كتبغا ولم يعلم أن جيش المماليك قد سبقه، وأخفى قطز معظم قواته ولم يعرض أمام العدو إلا المقدمة التى يقودها بيبرس، ووقع كتبغا فى الفخ فهجم على مقدمة الجيش بكل قوته فتقهقرت أمامه واستدرجته إلى التلال فأحاطت به جموع المماليك وطوقته، وأبلى كتبغا بلاءا حسنا فى القتال دون جدوى إذ أن الهزيمة الكاملة حاقت بالمغول لأول مرة فى تاريخهم ( السلوك 1/2/141 ، 415 ، 416 ، 417 : 419 ، 422:425 ، 427: 433 ) .

2 ـ وتعتبر عين جالوت من المعارك الفاصلة فى التاريخ العالمى إذا بها اندحر المغول شرقا. واكتسبت الدولة المملوكية الوليدة احترام المسلمين فقد أنقذوهم ليس فى الشرق الأوسط فحسب وإنما فى أفريقيا كلها.

ومن ناحية أخرى عجل القضاء الحربى على المغول بدخول بعضهم فى الإسلام حين أسلمت القبيلة الذهبية التى تحكمت فى العراق وكونت به دولة مغولية مسلمة.

واستولى قطز على سائر بلاد الشام حتى الفرات وخضع له أمراء الشام الأيوبيون.

وعجلت هذه المعركة بزوال الصليبين إذا أن المماليك المنتصرين عزموا على التخلص النهائى منهم، فتابع بيبرس ــــ الذى قتل قطز وخلفه فى الحكم  ــــ الجهاد ضد الصليبين والمغول معا ، وتأكدت بذلك سلطة المماليك كأكبر قوة فى مصر والشام .

الظاهر بيبرس والمغول

1 ــ تمكن بيبرس بعد أن تسلطن من الإستحواذ على إمارات الأيوبين فى الشام، وعاقب الملوك المسيحيين المتحالفين مع المغول مثل ملك أرمنيا وأمير أنطاكية الصليبى. وفى هذه الأونة أعلن بركة خان زعيم القبيلة الذهبية إسلامه وتحالف مع بيبرس وتعاونا معا فى إمداد كياكوس السلجوقى بجند تمكن به من استعادة ملكه فى الأناضول .

2 ــ مع تحالفه مع الأرمن والصليبين لم يستطع هولاكو الإنتقام من المماليك، بل انشغل بهجوم بركة خان عليه فتمكن بيبرس من توفير وقته لإجهاد الوجود الصليبى إلى أن انتهى نهائيا فى عهد الأشرف خليل بن قلاوون ( عن غزوات بيبرس ضد المغول " السلوك 1/2/465 : 473 : 474 ، 495 ، 497 ، 600 : 602 604 : 607 ، 628: 629 ، 633 ")

3 ــ وحتى تستكمل مصر المملوكية مظاهر زعامتها للعالم ( الإسلامى ) فقد دعا السلطان الظاهر بيبرس أحد الأمراءالعباسيين ونصبه خليفة عباسيا فى القاهرة. إلا أن بيبرس تخوف من طموح الخليفة الجديد فحجز عليه، ثم تخلص منه بأن بعثه بجيش صغير ليحارب المغول فهزم وقتل، وعين آخر محله. ومن وقتها اقتصر دور الخليفة بعد ذلك على مبايعة كل سلطان ( السلوك 1/2/448 : 449 ، 451 ، 453 : 457: 463 ، 467 ، 477 : 479 ) وأصبحت الخلافة العباسية عقدا تتزين بها القاهرة المملوكية التى أضحت حاضرة العالم ( الإسلامى ) بدلا بغداد ..

المماليك والصليبيون

1 ــ ارتفع شأن المماليك بانتصارهم على حملة لويس التاسع، ثم ارتبط توطيد الحكم المملوكى فى عهد الظاهر بيبرس بحروب نشطة ضد الأمارات الصليبية فى الشام.

2 ــ على أن جهد بيبرس تركز فى حرب الصليبيين والأرمن والمغول معا. وكان شعلة من النشاط الحربى لا تتوقف ، فقد هزم الأرمن ونهب مدنهم ليؤمّن ملكه فى حلب وشمال الشام، ولم يترك الفرنجة يستريحون فأكثر من الإغارة عليهم حتى أصبحت حياتهم فى عكا لا تطاق، ثم فاجأ أنطاكية واقتحمها ودمرها بمن فيها، وبسقوط أنطاكية فى يد بيبرس انهار الصليبيون فى شمال الشام حتى أن الدواية تخلوا عن قلاعهم المجاورة لأنطاكية ( من غزوات بيبرس ضد الصليبين " السلوك 1/2/483 : 487 ، 488 : 491 ، 519 ، 513 ، 524 : 530 ، 543 ، 533، 557 : 560 ، 564 : 571 ، 585 : 588 ، 590 : 595، 618 : 628 )

3 ــ وتابع قلاوون جهد سلفه بيبرس فاستولى على حصن المرقب الحصين وأخرج عنه الأستبارية، ثم أتم الإستيلاء على اللاذقية وفتح طرابلس، ونقضت عكا الهدنه فتجهز للقضاء عليها- وكانت المعقل الأخير للصليبين – إلا أنه مات قبل القضاء عليها.

4 ـ وأتم ابنه ذلك العمل عملا بوصية أبيه. وبإستيلاء الأشرف خليل بن قلاوون على عكا سلمت صور وبيروت وانطرطوس وعثيلت وأرواد. وظلت جيوش المماليك تزرع الساحل الشمالى من أقصاه إلى أدناه بضعة شهور وهى تدمر أى أثر للفرنج فى المنطقة.

وأنهى المماليك بذلك الحروب الصليبية التى بدأت قبل ذلك بنحو قرن ونصف القرن.(السلوك : 1/3/747 ، 753 : 754 ، 762 : 766 ) 

 

ثالثا: السلاطين المماليك وتوارث السلطة: المماليك وفنّ التآمر

 

مفتاح الشخصيه المملوكيه كنظام سياسي- هو المساواه بينهم جميعا في الأصل و النشأه والتفاضل بينهم يكون بالمقدره القتاليه والدهاء السياسي. فكلهم جئ به من بلاده الاصليه رقيقا لينخرط في سلك المماليك ثم ليتدرج بكفاءته السياسيه و الحربيه حتى يصل الي السلطنة، والعبرة بملكات المملوك و قدراته فقط ، لذا نجد بعض الغرائب، فالظاهر بيبرس كان في الاصل مملوكا للامير البندقدار، ونسب اليه فقيل بيبرس البندقدارى، واعتقة سيده، ثم وصل بيبرس بدهائه وقدراته الي ان اصبح سلطانا وسيده السابق مجرد تابع صغير له في دولتة، ومهارة بيبرس تتجلى في قدراتة الفائقة على المؤامرات والدهاء مع نشاطه الحربى.

وحين يصل المملوك بدهائه وحذقه في المؤامرات الى السلطنة فإنة يواجه مؤامرت الاخرين الي ان يموت ميتة طبيعية أو نتيجة المؤامرة، وقد يصبح القاتل هو السلطان التالى .وهكذا تدور السياسة المملوكيه في حلقة لا تنتهى من الدسائس والمؤامرات.

وقبل ان نعرض للتفاصيل نضع بعض الملاحظات التى تقعد سياسة المؤامرات المملوكيه :

1-أن معرفة المماليك بفن المؤامرات بدأ قبل قيام الدولة المملوكية، فقد تعلم  المماليك فن المؤامرات في القصور الأيوبية أثناء خدمتهم الملوك الأيوبيين، إذ برع الايوبيون في التآمر ضد بعضهم البعض مستخدمين مماليكهم ضمن أدوات الدسائس، فكان مماليك السلاطين الايوبيين عنصرا في تدبير المؤامرات.والمماليك البحرية شاركوا في مؤامرات الصالح ايوب ضد بقية الأيوبيين، ثم تآمرالمماليك ضد ابنه توران شاه وقتلوه وأقاموا دولة المماليك البحرية. واستكثر احد أعلامهاالسلطان قلاوون في شراء المماليك وأسكنهم برج القلعة وهم (المماليك البرجيه). وبكثرتهم تعلم المماليك البرجية فن المؤامرات في سلطنة آل قلاوون الي ان قامت دولة المماليك البرجية، بعد أن تعلموا فن التآمر خلال الدولة المملوكيه البحريه، تماما كمافعل البحرية اثناء الدولة الايوبية.                                                      

2- قد تنتهي المؤامرة بقتل السلطان وحينئذ يتولي القاتل السلطنة طالما كان كفئا ، وبذلك يصبح قتل السلطان مسوغا شرعيا لصلاحية القاتل للسلطنة شأن شريعة الغاب ، وذلك هو الغالب في السلطات العسكرية ، فالاقوى بالجند والأتباع والنفوذ هوالأغلب. لم يخضع الامراء المماليك إلا لمن هو أقوى منهم ليكون السلطان عليهم، وإلاّ فهو قرين لهم وند. لذا فعند موت السلطان فحظ ابنه ان يكون مجرد فترة انتقالية، يتصارع فيها كبار الأمراءللوصول الى أعلى منصب بجوار السلطان الصغير ليتمكن بعدها من عزله او قتله.

ومن عجب ان اغلب السلاطين كان يعهد لابنه بالسلطان بعده ، ويخدع نفسه ويصدق نفاق اتباعه فيخيل له انهم سيرعون حقه عليهم بعد موته في رعايتهم لأبنه ولى العهد، فيأخذ عليهم العهود والمواثيق بأن يخلصوا لابنه بعد موته ، ويقوم السلطان فى حياته بالتمكين لأبنه ولى عهده  ما استطاع، ومع ذلك فان اخلص من يقوم بأمر ابنه في حياته هو اول من يعزله بعد فترة انتقالية معقولة ويتسلطن بدلا عنه ، وينشئ اتباعا جددا من المماليك الذين يشتريهم ، ويبعد عنه رفاقه السابقين في المؤامرات واعداءة طبعا، وبعد ان تقترب منيته يظن ان الامور قد استتبت له فيأخذ العهد لإبنه من كل الأمراء، ويأتمن عليه اقرب اتباعه، إلا ان القصة تتكرر بحذافيرها ويعزل التابع ابن سيده السلطان السابق، وتتكررالقصة مع كل سلطان، وتستمر المؤامرات. بهذا قامت الدولة المملوكية البحرية، وبهذا استمرت، وبهذا نشأت الدولة المملوكية البرجية ، وبهذا استمرت الي ان سقطت الدولة المملوكية، وبعد ان سقطت استمر المماليك في الحكم في اطار الدولة العثمانية فاستمرت مؤامراتهم ،حتي قضي عليهم (محمد علي ) في مذبحة القلعة فأراح واستراح.

ونعود الي استعراض سريع للدولة المملوكية من خلال مؤمرات امرائها وحكامها:

1-اثناء الدولة الايوبية :وقبل ان تقوم دولة المماليك شارك المماليك في حوادث الخلافات المستمرة بين ابناء البيت الايوبي ، فالمماليك (الصلاحية ) الذين اشتراهم صلاح الدين الايوبى علا شأنهم علي حساب المماليك (الاسدية ) الذين اشتراهم أسد الدين شيركوه. تذمر المماليك الاسدية أثناءحكم صلاح الدين إلا إن قوة شخصيته وإنشغالهم بمواجهةالحروب الصليبية لم تسمح بتطور الامر.

 بعد موته استغل أخوه الملك العادل استياء الاسدية من علو نفوذ الصلاحية فتحالف معهم ضد المماليك الصلاحية حتي ضم مصر، فعلا شأن المماليك الاسدية وضعفت المماليك الصلاحية. ثم أنشأ العادل مماليك له عرفوا بالعادلية، واولئك كان لهم دور بعد موت العادل حيث كرهوا سلطنة ابنه الكامل فاضطهدهم وكوّن مماليك له عرفوا بالكاملية، وبدورهم فانهم كرهوا تولية ابن سلطانهم الكامل واسمه العادل الثاني فاعتقلوه وسلطنوا أخاه الاكبر الصالح ايوب على مصر.

وأكثر الصالح ايوب من شراء مماليك جددا وأسكنهم في الجزيرة النيلية المواجهة للقاهرة فعرفوا بالبحرية نسبة لبحر النيل. كالعادة كره المماليك البحرية ابن سلطانهم الصالح ايوب وهو توران شاه ـ اذ كان كأسلافه يضطهد مماليك ابيه ويعول علي انشاء عصبة مملوكية جديدة تدين بالولاء له، لذا لم يكافئهم علي جميلهم حين حفظوا له ملكه بل بادرهم بالعداء فقتلوه وأقاموا دولتهم .

فالمماليك منذ بداية الدولة الايوبية هم الأعرف بفنون المؤامرات، وكان وصولهم للسلطة بمؤامرة أطاحت بحياة توران شاه،وعلي ذلك الدرب سارت دولتهم .

2-وبتولي المماليك السلطنة اتخذت مؤامراتهم طابعا محليا داخليا فيما بين المماليك انفسهم للوصول الي الحكم او الاحتفاظ به.

بعد قتل توران شاه بتدبير شجرة الدر وتنفيذ المماليك البحرية بزعامة اقطاي وبيبرس اتفقوا علي تولية شجرة الدر أرملة الملك الصالح أيوب، واستنكر الخليفة العباسي ان تتولي امرأة حكم المسلمين في مصر فكان لابد لشجرة الدر ان تتزوج إما أقطاي الزعيم الحربى للمماليك البحرية وإما ايبك زعيم المماليك السلطانية. ورأت شجرة الدر ان نفوذها من الممكن ان يستمر مع ايبك زعيم البحرية دون اقطاي القاتل الخشن فتزوجت ايبك، وبذلك اصبح المماليك قسمين يتآمر كل منهما ضد الآخر، بادرأقطاي  بالهجوم فهاجم جنوده القرى والضواحى حتي يثبت أن السلطان الجديد غير قادر علي حفظ الأمن، وفي نفس الوقت خطب الي نفسه اميرة ايوبية وطلب من شجرة الدر ان تخلي لها مكانا في القلعة.

وتآمرت شجرة الدر وايبك علي قتل اقطاي وشارك في المؤآمرة قطز الساعد الايمن لأيبك، وكان قطز صديقا لبيبرس وهو الساعد الايمن لأقطاي -وخدع قطز بيبرس واقنعه بسلامة نية شجرة الدر في دعوة اقطاي لمقابلة شجرة الدر. وحين دخل اقطاي الي القصر السلطاني حيل بينه وبين جنوده وقتل .والقيت رأسه الي اتباعه ففروا وهربوا من مصر وكان من بينهم بيبرس .

وصفا الجو لأيبك وشجرة الدر، إلا ان الخلاف ما لبث ان شب بينهما اذ كانت شجرة الدر امرأة طموحا تنشد الاستقلال بالسلطة وتري زوجها الذي كان تابعا سابقا لها مجرد اداة لتنفيذ مآربها. وايبك من ناحيته عزم علي التحرر من قبضتها والاستئثار بالنفوذ، واستوحش كل منهما من الاخر، واعلن ايبك انه سيخطب الي نفسه نفس الاميرة التي كان اقطاي سيخطبها لنفسه سابقا، وليزيد من اغاظة شجرة الدر رجع الي زوجته السابقة(ام علي) فاستعملت شجرة الدر كل دهائها حتي اقنعت ايبك بالصلح معها،وحين جاء يقضي معها الليل كانت ليلته الاخيرة. وثارت المماليك علي شجرة الدر ونصبوا ابنه عليا الطفل سلطانا ، وشفت ام علي غليلها من غريمتها شجرة الدر فأمرت الجواري أن يقتلنها ضربا بالقباقيب.

وتولي قطز الوصاية علي السلطان الصغير علي بن ايبك.وأقبل الزحف المغولى فعقد قطز مجلسا اعلن فيه أن البلاد في خطر وان السلطان الجديد لا يستطيع ان يقوم بالامر، وعزله وتولى مكانه. ولتوحيدالجهود ضد المغول فقد بعث السلطان قطز لصديقه اللدود بيبرس وأمراء البحريه الفارين ليتعاونوا معه ضد الخطر المغولى ، فأتوا إليه من الشام.

وبعد إنتصار قطز على المغول تآمر عليه المماليك البحرية بقيادة بيبرس إنتقاما من مقتل سيدهم اقطاى وقتلوا قطز في طريق العودة . وتم تنصيب بيبرس سلطانا. وقام بيبرس بتوطيد الدولة المملوكية ورفعة شانها في الشام والعراق والحجاز، وحاول في أخريات حياته أن يوطد الامر لابنه سعيد فولاه العهد من بعده، وحتى يضمن ولاء المماليك له من بعده فقد زوج إبنه من بنت الأمير قلاوون الالفى كبير المماليك وجعله نائبا لابنه، وأخذ العهد لابنه في إحتفال كبير اقسم فيه قلاوون وكل أمراء المماليك علي الاخلاص ( لسعيد بركة بن الظاهر بيبرس ) ولى العهد بعد ابيه .

ولكن ذلك كله لم يجد نفعا، إذتآمر على (سعيد بركه) من قام بأمره بعد ابيه، ولم تعن المصاهرة أو الايمان المغلظه شيئا عند قلاوون الذى أرغم صهره سعيد بركةعلى التنازل سنة  678 ، وتولى مكانه. وظلت اسرة قلاوون في الحكم نحو قرن او يزيد 678-784. 

ولكن متاعب قلاوون لم تنته بإعتقال المماليك الظاهريه اتباع الظاهر بيبرس وإحلال مماليكه محلهم ،إذ ثار عليه أقرانة من الامراء كما فعل الامير سنقر نائب الشام، فاستكثر قلاوون من شراء مماليك له لتوطيد سلطته، وأقام لهم ابراجا خاصه بالقلعة فعرفوا (بالمماليك البرجيه) . وأولئك هم الذين تآمروا على إغتصاب السلطه من ابناء واحفاد سيدهم قلاوون، ثم استطاع احدهم فى النهايه وهو برقوق إقامة الدولة المملوكيه الثانية أوالبرجية بعد الدولة المملوكيةالبحرية.

3-قبل قيام دولة المماليك البرجية أسهم المماليك البرجية في الفتن في دولة أبناء قلاوون فى نهاية الدولة البحرية، وشاركتهم فى التآمر في ذلك بقايا المماليك البحرية.

تآمربعض المماليك البحريه على قتل الاشرف(خليل ابن قلاوون )الذى فتح عكا وانهى الوجود الصليبى ، فقتل بيدرا السلطان الاشرف خليل وأعلن نفسه سلطانا إلا إن أمره لم يتم، فقد تمكن المماليك البرجيه اتباع البيت القلاوونى من قتل الامير بيدرا.

ثم تنازع المماليك البرجية حول من يتولى السلطة، ثم إتفقوا على تولية الصبى (محمد بن قلاوون) السلطه بإسم الناصر محمد. وكالعادة تحكم نائب السلطان ــ وهو الأمير كتبغاـ في شئون السلطان الصغير القلاوونى الناصر محمد، ثم عزله ونفاه الى قلعة الكرك فى الأردن وتولى كتبغا السلطنة سنة 694.  ثم تآمر على كتبغا حليفه الامير لاجين (وهو احد قتلة الاشرف خليل بن قلاوون) وكان لاجين قد اختفى ثم ظهر وتحالف مع كتبغا، وبتأييده تولى كتبغا السلطنة، ثم تنازعا فانتصر لاجين وهرب كتبغا فتولى لاجين السلطنة، وظل فيها إلى أن قتله إثنان من صغار المماليك، ولم يتمتعا بتأييد الامراء الكبار فأعدموهما، وأعادوا السلطان محمد بن قلاوون للسلطنة للمرة الثانيه (689-708).

الا ان الناصر محمد وقع في ايدى الاميرين المتحكمين فيه (بيبرس وسلار) فاضطر للفرار بنفسه للكرك فتسلطن بيبرس الجاشنكير،إلا إن أمره لم يتم فقد ثارعليه العوام والجند وتمكن الناصرمحمد من الرجوع ، واسترد عرشه وقتل بيبرس الجاشنكير وسلار ، وحكم مستبدا بالامر حتى وفاته.

وهكذا بدأ المماليك البرجية في التآمر اثناء الدولة البحريه القلاوونية، وقد اتخذ تدخلهم في بداية الامر مظهر الدفاع عن آل قلاوون بقتلهم بيدرا قاتل الاشرف خليل بن قلاوون ثم ما لبثوا ان تحكموا في اخيه الناصر محمد، ثم تطور نفوذهم اخيرا حتى تولى احدهم وهو الظاهر بيبرس الجاشنكير الحكم كأول سلطان برجى فى الدولة البحرية، ومع تهاوى عرشه سريعا إلا ان ذلك كان ارهاصا بقيام الدولة البرجية على يد برقوق فيما بعد.

ولقد انعكس نفوذ المماليك البرجيه على  مصير السلاطين من ابناء واحفاد الناصر محمد بن قلاوون بعد وفاته ، فكثر توليهم وعزلهم تبعا لمؤامرات كبار الامراء البرجية ، حتى انه في العشرين سنة الاولى بعد موت الناصر محمد بن قلاوون تسلطن ثمانية من اولاده (741-762). وفى العشرين سنة التالية تسلطن اربعة من احفاده، وبعضهم تسلطن وعمره عام واحد كالسلطان الكامل شعبان بن الناصر محمد ، وبعضهم لم يبق في الحكم إلاشهرين مثل الناصر احمد بن الناصر محمد. وفي ظل الاضطراب وعدم الاستقرار أتيح لبرقوق كبير المماليك البرجية الوصول للسلطنة أخيرا. أى إنه بعد ان جرب المماليك البرجية التحكم في ابناء الناصر محمد بن قلاوون تولوا الحكم وساروا بنفس اسلوب المؤامرات.

4- وقد عمرت دولة الممماليك البرجية اكثر من مائة واربعة وثلاثين سنة (784-922)، حكم فيها ثلاثة وعشرين سلطانا ،ومنهم تسعة حكموا مائة وثلاث سنوات ،وارتبط بهم تاريخ الدولة البرجية ،وهم برقوق مؤسس الدولة وابنه فرج و شيخ وبرسباي وجقمق واينال ،وخشقدم وقايتباي وقنصوه الغوري .

وقد تمكن برقوق بسلسلة من الدسائس والمؤامرات ان يقيم الدولة البرجية وتغلب علي مصاعب عديدة وصلت الي درجة عزله من السلطنة الا انه عاد وانتصر ، فلقد غدا ابناء الناصر محمد بن قلاوون لعبة في ايدي الامراء البرجية الذين تنافسوا علي الوصول الي درجة الاتابك أي نائب السلطنة للسلطان القلاووني الصغير. وتبلور النزاع اخيرا بين اميرين كبيرين هما بركة وبرقوق ، وانتهي الصراع بينهما بانتصار برقوق علي منافسه بركة، والتزم بركة أمام القضاة الاربعة باعتزال السياسة وأن يترك ذلك لبرقوق وحده، أى أصبح برقوق هو المرشح عن البرجية او الجراكسة للتحكم في السلطان القلاووني الصغير كالعادة، إلا أن برقوق كان يريد ان يخلع السلطان المغلوب علي امره ويحكم هو رسميا ، ولذلك خشي من منافسه القديم بركة فاعتقله في الاسكندرية واوعز الي واليها فقتل بركة في السجن . وثار اتباع بركة فأعلن لهم برقوق ان قتل بركة تم بدون علمه، وسلم لهم والي الاسكندرية فقتلوه واسترضاهم بذلك .

وتفرغ برقوق بعد ذلك لخلع السلطان ( علي ) القلاوونى، وكان الرأي العام يعطف علي ابناء البيت القلاووني ولا يميل الي خلعهم من السلطة الرسمية، وقد سبق ان الجنود والعوام ثاروا علي بيبرس الجاشنكير حين خلع الناصر محمد بن قلاوون وتعاطفوا مع الناصر محمد حين هرب الي الكرك حتي رجع وانتصر علي غريمه. وبرقوق يدرك ذلك جيدا، لذا عمد الي تخدير الرأي العام فاستضاف شيخا صوفيا معتقدا أي يعتقد الناس في ولايته ـ وهو الشيخ علي الروبي، وقد اعلن الروبي ان برقوق سيلي السلطنة يوم الاربعاء التاسع عشر من رمضان سنة 785 ،وان الطاعون وكان وقتها ساريا سيرتفع عن القاهرة ثم يموت الطفل علي، والمعلوم ان الصوفي يحظى باعتقاد العامة في علمه للغيب، واذ هيأ برقوق الاذهان لما سيحدث فقد قتل السلطان الصغير واشيع موته ودفنوه في نفس اليوم ، ثم عين بعده اخاه امير حاج، ثم عقد مجلسا بالخليفة العباسي والقضاة الاربعة والامراء فعزلوا امير حاج وبايعوا برقوق في التاسع عشر من رمضان سنة 785 هـ أي في نفس الوقت الذي اعلنه الشيخ الروبي سابقا .

ثم عمد برقوق للتخلص من الامراء  الذين ساعدوه وقضي عليهم بالقتل والنفي واعتقل الخليفة العباسي، وفي هذه الظروف مات الشيخ الروبي ميتة غامضة مما يعزز الشك في أن للسلطان برقوق يداً في مقتله، وبذلك ضمن برقوق لنفسه ان ينفرد بالامر ولا يكون لأحد عليه فضل او نفوذ باعتباره شريكا في المؤامرة .

الا أن برقوق أخذ من مأمنه كما يقال، فقد ثار عليه الأمير يلبغا والى الشام فأرسل  اليه برقوق مملوكه منطاش علي رأس جيش لإخضاعه، إلا إن يلبغا اتفق مع منطاش علي عزل برقوق ، فاستدار منطاش بجيشه ومعه يلبغا بجيشه الي القاهرة لعزل برقوق ، فهرب برقوق الي الكرك، ودخل منطاش ويلبغا الي القاهرة، واعيد السلطان امير حاج القلاوونى للعرش، وكما كان متوقعا دب الخلاف بين منطاش ويلبغا وانتصر منطاش ، وفي هذه الاثناء هرب برقوق من الكرك واعد جيشا ، وانضم اليه انصاره ،والتقي مع مملوكه السابق منطاش في موقعة شقحب وانتصر عليه، وعاد برقوق الي السلطنة للمرة الثانية سنه 797 .

5- ومات برقوق سنة 801 وتولي ابنه الناصر فرج . وقد اضطر فرج للاختفاء بسبب مؤامرة حتي اعاده الامير يشبك. ثم ثار عليه الاميران شيخ ونوروز فتنازل لهما. وثار النزاع بين شيخ ونوروز ، وانتهي بمصرع نوروز وسلطنة شيخ.

بعد موت السلطان شيخ تولي ابنه احمد تحت وصاية الامير ططر الا ان ططر سلبه السلطنة وتولي بعده . ومات ططر واخذ العهد لأبنه محمد بن ططر تحت وصاية برسباي الا ان برسباي ما لبث ان عزل ابن السلطان ططر وتولي مكانه. وتوفي الاشرف برسباي وعهد الي ابنه يوسف بن برسباي تحت وصاية الامير جقمق ، وبالطبع تسلطن جقمق، وحين مات جقمق عهد الي ابنه عثمان ابن جقمق بوصاية اينال فعزله اينال وتسلطن مكانه.

  وسادت فترة من الضعف في الدولة البرجية وتولي فيهم سلاطين ضعاف، وكثر فيهم العزل والتولية، حتي ان بعضهم كالسلطان خير بك لم يمكث سلطانا الا ليلة واحدة سنة 872  .

ثم انتعشت الدولة مؤقتا بتولي السلطان قايتباي الذي حكم تسعة وعشرين عاما، و تنازل في السنة الاخيرة لأبنه محمد بن قايتباي الذي دفع حياته ثمنا لمغامرات الكبار . وتعاقب جملة من السلاطين الضعاف حتي تولي قنصوة الغولي سنة 906 فأعاد الاستقرار الي حين. ثم انتهي امره وامر الدولة المملوكية في مرج دابق سنة 922 ، وقتل العثمانيون السلطان طومان باى وأصبحت مصر ولاية عثمانية .( عن كتاب : شخصية مصر بعد الفتح الاسلامى للمؤلف : 93 : 106 . ط القاهرة 1984 )

 

 لمحة عن دين التصوف السنى المملوكى

 

  1 ـ فى العصر المملوكى جمع دين التصوف السنى بين تناقضات دينى التصوف والسنة لصالح التصوف الذى سيطر على أفئدة الناس متمعا بالحظوة لدى المحكومين والحاكم على السواء. كما جمع التصوف السنى ـ كدين أرضى جديد ـ بين المتفق عليه بين دينى التصوف والسنة وهو تقديس البشر من أئمة وصحابة وآل البيت والأولياء الصوفية السابقين دون نقد أو سب لأحد كما يفعل الشيعة. واشترك الفريقان فى الحج الى الوثن المنسوب للنبى محمد عليه السلام فى المدينة وفى تقديس بناء الكعبة والحجر الأسود.

معروف أنه ليس فى الاسلام تقديس لبشر أو حجر .الحجر الأسود مجرد حجر لتحديد بداية الطواف،والطواف بالكعبة ممنوع فيه لمس الكعبة حتى لا تتحول الى وثن مقدس، والكعبة مجرد بناء حجرى غير مقدس، وقع وأقيم أكثر من مرة، إنه فقط يحدد مكانا اختاره الله تعالى ليتجه اليه المؤمنون فى الصلاة وفى الحج. 

لم يقتصر الأمر فى دين التصوف السنى على تقديس الكعبة بالمخالفة لعقيدة الاسلام وانما تعدى الأمر ليصبح تقديسا لكل الأضرحة المقامة على جثث أو ذكرى الأولياء الصوفية وغيرهم من الأئمة والصحابة والأولياء الصوفية.كان الفقهاء والقضاة ـ ممثلوا السنة ـ هم قادة الاحتفال بالموالد الصوفية وروّاد التبرك بالأولياء الصوفية أحياءا وأمواتا.

2 ـ اصطنع التصوف السنى مرجعية مزيفة ربطته بالاسلام عن طريق تأويل قوله تعالى ( ألا إنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) يونس 62 ) على أساس أنها تعنى فقط الأولياء الصوفية، وتناسوا الآية التالية( الذين آمنوا وكانوا يتقون ) التى تجعل ولاية الله صفات عامة لكل مؤمن وتقى قبل وبعد نزول القرآن الكريم. كما تجاهلوا هجوم  القرآن الكريم على اتخاذ المشركين لأولياء مقدسة بزعم أنها تقربهم لله تعالى زلفى ويعتقدون فيها النفع والضرر والشفاعة والحياة الأبدية فى القبور،وهو بالضبط ما كان يفعله عرب الجاهلية وندد به القرآن ثم عاد المسلمون اليه تحت عباءة التصوف السنى ـ ولا يزالون يفعلون.

كما اعتمد التصوف السنى المرجعية المزيفة التى ارساها الشافعى فى  (الرسالة ) والتى أوّل من خلالها الأمر الالهى بطاعة الرسول بأنها طاعةالأحاديث التى تم تدوينها ونسبتها كذبا للرسول محمد عليه السلام بعد وفاته بقرنين وأكثر. وبالتالى فقد تحول أئمة الحديث الذين ماتوا فى القرن الثالث الهجرى فى العصر العباسى الى آلهة معصومة فى دين التصوف السنى بحيث أصبح نقد البخارى كفرا، وكان من المعتاد أن يعقد العصر المملوكى فى رمضان من كل عام ( ميعادا ) لترتيل البخارى، وتنافست المؤسسات الصوفية فى تقسيم البخارى الى أجزاء أو ( ربعات ) أى أرباع مثل المصحف ، وعكفوا عليه حفظا وترتيلا دون فهم بمثل ما كانوا يفعلون مع القرآن الكريم .

كان البخارى أكثر كتب الحديث تقديسا فى العصر المملوكى، وورثنا منه هذا التقديس. والسبب فى تفضيل العصر المملوكى للبخارى أنه بدأ بارساء عقيدة الاتحاد الصوفية فى حديث مشهور يزعم أن الله تعالى قال : ( من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب ) ثم ينتقل الى تقرير عقيدة الاتحاد والحلول زاعما أن الله تعالى يقول عن الولى الصوفى : (كنت يده التى يبطش بها وقدمه التى .. الخ ).

3 ـ كان الصوفية الأوائل يكرهون الحديث ويقاطعون مجالسه لأنه يعبر عن دين السنة المخالف لدينهم ، واقرأ ما كتبه فى ذلك ابن الجوزى فى كتابه ( تلبيس ابليس ).ولكن عقد الصلح بين دينى السنة والتصوف ترتب عليه اشتغال كبار الصوفية بالحديث،أى بتأليفه ووضعه وتزويره ونشره.و تبارى أئمة التصوف اللاحقون  فى تأليف أحاديث ( نبوية ) تدافع عن عقائد التصوف ومقالاته. ووضع الأحاديث فى تدعيم التصوف السنى اشتهر به الغزالى ت 505 فى كتابه (احياء علوم الدين) الذى قال عنه النووى ( كاد الاحياء أن يكون قرآنا ).  وقد قام الامام العراقى بتخريج ـــ أو نقد ـــ الأحاديث التى ذكرها الغزالى فى ( الاحياء ) وأثبت بطلان معظمها بمنهج المحدثين، وقال عن المئات منها أنه ( لا أصل لها ) أى أنها لم تعرف من قبل، أى أن الغزالى هو الذى اخترع ذلك الحديث بنفسه.

استمرت صناعة الحديث تتكاثر بعد الغزالى، حتى أن علماء الحديث الحنابلة أنفسهم كتبوا ينتقدون تلك الكثرة من الأحاديث. وأبرز من كتب فى الأحاديث الموضوعة  ابن الجوزى فى ( الضعفاء والمتروكين ) وفى كتابه ذى الأجزاء الستة ( غريب الحديث ) وقد كتبه سنة 581.  وعلى نسقه كتب ابن تيمية رسالته ( أحاديث القصّاص ) وابن القيم فى ( المنار المنيف فى الصحيح والضعيف ) والسيوطى فى ( اللآلىء المصنوعة فى الأحاديث الموضوعة ). والطريف أن السيوطى جمع كل الأحاديث المتداولة فى عصره فى كتابيه ( الجامع الكبير ) و( الجامع الصغير ) واخترع السيوطى نفسه عشرات الأحاديث ملأ بها رسائله والتى لا تزال مخطوطة لا تجد من يجرؤ على نشرها .

4 ـ وبدأ الصوفية الأوائل دينهم بانتحال الوحى الالهى عن طريق الهاتف أو رؤية الله تعالى أو الرسول فى المنام زاعمين أن الله تعالى أو الرسول خاطبهم بهذه الطريقة. وبذلك لم يكونوا محتاجين لاختراع أحاديث نبوية واختراع سند ورواة لها. والمتطرفون منهم زعموا أن العلم اللدنى الالهى يفيض فى قلوبهم نابعا من الله تعالى بدون واسطة طبقا لنظرية الاشراق الغنوصية التى تجعل العلم الالهى يتدفق على قلب العارف من الله تعالى مباشرة، فيقول أحدهم ( حدثنى قلبى عن ربى ..) أو ( قيل لى .. ).

وهوجم الصوفية الأوائل بسبب هذه المزاعم، إلاّ أن الغزالى ملأ كتابه (الأحياء ) بالمنامات والهواتف ومزاعم أخرى من نوعية أن الله تعالى ( أوحى لبعض الصالحين ) أو ( أوحى لبعض الأنبياء ) ويذكر آراءه بزعم أنها وحى الاهى لبعض الصالحين أو لبعض الأنبياء دون أن يذكر اسما أو أن يحدد ماهية الكتاب السماوى الذى يزعم أنه ينقل عنه، وبذلك جعل آراءه وحيا سماويا، أى جعلها دينا أرضيا وفق عادة مخترعى الأديان الأرضية. وهو إفك يهون الى جانبه إفك مسيلمة الكذّاب الذى لم يزد عن ادعاء النبوة فجاء أولئك يزعمون الألوهية والجلوس فى الحضرة الالهية ورؤية الله تعالى فى المنام وفى اليقظة وحلوله فيهم أو اتحادهم به. وهذا ما اجتهد الغزالى فى تسويغه فى مواضع شتى نثرها بدهاء شديد بين سطور (الأحياء ) مستعملا أكاذيب المنامات والوحى حتى اكتسب الوحى الصوفى مصداقية فى العصور التالية ولم يعد محلا للانكار.

بعد التسليم بمبدأ الوحى للولى الصوفى أصبح معتادا فى العصر المملوكى الاعتقاد فى قدرة ( المجاذيب ) أوالمختلين عقليا على محادثة الله تعالى بزعم أن عقولهم قد (جذبتها الحضرة الالهية).

 وبتكاثر مزاعم المنامات والهواتف وفى ادعاء المنامات والكرامات والهواتف جرؤ على انتحالها بعض الفقهاء المتأثرين بالتصوف. كان منهم السيوطى الذى لم يكتف بتزييف الأحاديث وانما كان يزعم أن رسول الله محمدا عليه السلام كان يسعى اليه فى اليقظة  ليسأله عن الحديث والتفسير ويقول له : هات يا شيخ الحديث . وهذا ما ذكره الشعرانى عنه فى طبقاته الصغرى.

5 ـوعموما كان الصوفية نوعين : نوع ادعى الاعتدال وتسويغ التصوف عن طريق الحاقه بالسنة لمنع السنيين من الانكار على التصوف ، وانصب عملهم على تأطير عقائد التصوف والتعبير عنها بالرمز ومحاولة تسويغها . النوع الآخر جاهر بعقيدته الصوفية شعرا أو نثرا كابن عربى والجيلانى.

وبعضهم قرن التصريح عن عقيدته الصوفية باعلان كفره بالاسلام  ومنهم:

الشيخ ابن البققى المصرىالذى اشتهر فى القرن التاسع الهجرى بالانحلال والاستهزاء بالدين والافطار فى رمضان بغير عذر،(... وانه كان يضع الربعة الشريفة- أى المصحف – تحت رجليه ويصعد فوقها يتناول حاجة له من الرف ) ( ابن حجر : الدرر الكامنة 9/329 ).

ومنهم الشيخ الصوفى المشهور فى القرن السابع عفيف الدين التلمسانى ت 690 ، قيل عنه" نسبت اليه عظائم فى الأقوال والفعال والعقائد فى الحلول والاتحاد والزندقة والكفر المحض " وأنه لا يحرم الزنا بأى امرأة، ويحل الزنا بالأم والبنت ويقول : وانما هؤلاء المحجوبون  - أى غير الصوفية – قالوا حرام فقلنا حرام عليكم ".

وقال عنه ابن تيمية " هو من حذاق القائلين بالاتحاد علما ومعرفة". ونشرح باختصار بعض هذا الكلام لنفهم كلام ابن تيمية عن التلمسانى : الاتحاد فى مصطلح الصوفية هو اتحاد الصوفى بالله تعالى عن ذلك علوا كبيرا، والحلول يعنى عندهم حلول الذات الالهية بالصوفى ، أما وحدة الوجود فهى عندهم تعنى انه لافارق على الاطلاق بين الخالق والمخلوق، وأن لا وجود لله خارج المخلوقات فهو عين المخلوقات !! وأشهر من أعلن هذا الحلاج وابن الفارض وابن عربى وكان عفيف الدين التلمسانى هذا تلميذا لابن عربى . ونتابع ابن تيمية وهو يتحدث عنه : وكان يظهر المذهب بالفعل فيشرب الخمر ويأتى المحرمات وحدثنى الثقة أنه قرأ عليه – كتاب – فصوص الحكم لابن عربى، وكان يظنه من كلام أولياء الله العارفين ، فلما رآه يخالف القرآن قال له – أى للتلمسانى – هذا الكلام يخالف القرآن ، فقال : القرآن كله شرك وانما التوحيد فى كلامنا.. وحدثنى عن من كان معه ومع آخر نظير له فمرا على كلب أجرب ميت بالطريق عند دار الطعم ، فقال له رفيقه : هذا أيضا هو ذات الله ؟ فقال : وهل هناك شىء يخرج عنها ؟ نعم الجميع فى ذاته"!!

وتكررت نفس القصة فى الاسكندرية فى القرن التاسع يرويها الفقيه البقاعى فى تاريخه " قال أحدهم لرفيقه ان الله تعالى هو عين كل شىء ، فمر بهما حمار فقال : وهذا الحمار ؟ فقال : وهذا الحمار . فروث الحمار من دبره فقال : وهذا الروث ؟ فقال : وهذا الروث "

(تاريخ ابن كثير 13 /326 – ابن العماد الحنبلى : شذرات الذهب 5 /412 – ابن تيمية مجموعة الرسائل والمسائل 1/145- تاريخ البقاعى  -مخطوط ورقة 123)

6 ـ وبعضهم تخفى خلف ادعاء الجنون أو ( الجذب ) أى أن الله تعالى (جذب روحه ) اليه فأصبح بروحه يجالس الله فى حضرته بينما يعيش بجسده بين الناس، وهذا هو مدلول المجذوب فى العصر المملوكى. وبتسيد التصوف السنى فى أواخر العصر المملوكى أصبح من لوازم الاعتقاد فى الشيخ الصوفى جرأته فى الشطح ـ أى سب الله تعالى ورسله الكرام ـ واشتهر بذلك مدعو الجنون من المجاذيب، وكان يسعى الى التبرك بهم شيوخ الفقهاء والقضاة وهم أعمدة السنة فى دين التصوف السنى.  وهناك فى الجزء الثانى من كتاب الطبقات الكبرى للامام الصوفى الفقيه عبد الوهاب الشعرانى تفاصيل مذهلة كتبها الشعرانى عن شيوخ المجاذيب المعاصرين له ، وهو يؤرخ لهم مفتخرا بما يقولون وما يفعلون لأن عصره كان يعتقد فى شيوخ الصوفية ويؤلههم. والشعرانى هو اِشهر شيوخ القرن العاشر الهجرى والذى أدرك أواخر العصر المملوكى وعاش ردحا من الزمن فى العصر العثمانى. وسيطرت مؤلفاته الكثيرة على الأجيال اللاحقة حتى عهد قريب. ونستشهد ببعض ما قاله عن أشياخه :

"كان الشيخ ابراهيم العريان رضى الله عنه يطلع المنبر ويخطب عريانا قيقول : السلطان ودمياط وباب اللوق وبين القصرين وجامع ابن طولون الحمد لله رب العالمين" فيحصل للناس بسط عظيم "

الشيخ شعبان المجذوب " كان يقرأ سورا غير السور التى فى القرآن على كراسى المساجد يوم الجمعة وغيرها فلا ينكر عليه أحد ، وكان العامى يظنها من القرآن الكريم لشبهها بالآيات فى الفواصل ، وقد سمعته مرة يقرأ على باب دار فصغيت لما يقول فسمعته يقول: وما أنتم فى تصديق هود بصادقين .. ولقد أرسل الله لنا قوما بالمؤتفكات يضربوننا ويأخذون أموالنا وما لنا من ناصرين" ،  ثم قال : اللهم اجعل ثواب ما قرأناه من الكلام العزيز فى صحائف فلان وفلان الى آخر ما قال..وكانت الخلائق تعتقده اعتقادا زائدا ولم أسمع احدا ينكر عليه شيئا من حاله ، بل يعدون رؤيته عيدا عندهم "

الشيخ محمد الخضرى قال عنه الشعرانى: كان يتكلم بالغرائب والعجائب .. ما دام صاحيا فاذا قوى عليه الحال تكلم بالفاظ لا يطيق أحد سماعها فى حق الانبياء " .. " وجاءهم يوم الجمعة فسألوه الخطبة .. فطلع المنبر.. ثم قال: وأشهد أن لا اله لكم الا ابليس عليه الصلاة والسلام" فقال الناس : كفر . فسل السيف ونزل فهرب الناس كلهم من الجامع فجلس عند المنبر الى أذان العصر ، وما تجرأ أحد أن يدخل" ونكتفى بهذا ومن أراد المزيد فعليه بالطبقات الكبرى للشعرانى- الجزء الثانى .وهو مطبوع ومتداول .

7 ـ وساعد على تردى الحال غياب فضيلة الأمر بالمعروف الاسلامية والنهى عن المنكر والتى تطرف الحنابلة فحوّلوها فى العصر العباسى الى إكراه فى الدين وتسلط على الناس واعتداء عليهم وتدخل فى حريتهم الشخصية وبها اضطهدوا مخالفيهم من الصوفية والشيعة وأهل الكتاب. جاء التصوف بتطرف مضاد وهو عدم الاعتراض وعدم الانكار، والتسليم لكل انسان بحاله. وبعقد الصلح بين التصوف والسنة لصالح التصوف فقد تم التخلى عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى دين التصوف السنى وحل محله عدم الاعتراض وعدم الانكار فى الحياة الدينية والاجتماعية. وانتقل هذا الى الحياة العلمية والعقلية فتحول الاجتهاد الى تقليد وتحول التقليد فى العصر المملوكى الى جمود وتخلف فى العصر العثمانى. وبالتالى فقد أصبح البحث فى النواحى التى يتناقض فيها دينا التصوف والسنة من المحرمات. ومن يجرؤ على هذا من الفقهاء فمصيره الاضطهاد مهما بلغ شأنه ومهما كانت الحجج التى يستند اليها.

وهذا يفسر الاضطهاد الذى وقع على ابن تيمية ومدرسته.

وفى نفس الوقت فان أوباش الصوفية الذين يعلنون عقائد التصوف الأصلية من الحلول والاتحاد ووحدة الوجود ـ على نسق الحلاج ـ كان مصيرهم أيضا المحاكمات والاتهام بالردة واحتمال القتل مالم يتظاهروا بالجذب .وأحيانا كان يتم الصفح عنهم بحجة الجنون. والتفاصيل فى بحثنا الذى صادره الأزهر سنة 1979 ثم نشرته المحروسة فى القاهرة فى ثلاثة أجزاء سنة 2005 تحت عنوان ( الحياة الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف) . وهو منشور الآن هنا .

 

خضوع الفقه السنى لدين التصوف السُّنّى المملوكى

 

أثر التصوف فى إفقار الحياة العقلية والفقهية

 الفقه كان ولا يزال هو المعبّر عن الدين السُنى والتشريع السنى. فماذا كان حاله تحت سيطرة التصوف السُّنى المملوكى ؟

1 ــ تأثر علم الفقه بالمستوى الهابط للحياة العقلية فى العصر المملوكى، والتى أرهقها التصوف بالاعتقاد فى الخرافات وبقيم التقليد والجمود وكراهية استعمال العقل، وسيادة مبدأ ( ليس فى الامكان أبدع مما كان ) الذى أرساه الغزالى ونتج عنه وضع المتاريس امام حركة الاجتهاد والابتداع ، بل أصبح الابتداع رذيلة دينية فقيل عنه ( بدعة ) وزعموا أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار. هذا فى الوقت الذى أصبح فيه جهل أولياء التصوف منقبة يتعاملون معه بالتقديس على أنه نتاج ( العلم اللدنى ) الالهى بزعمهم .

2 ــ فى العصر المملوكى انقرض المعتزلة والفلاسفة العقليون ووضعت مؤلفات فى تحريم علم المنطق كتبها السيوطى وغيره، وفى نفس الوقت انتشرت مؤلفات جديدة فى خرافات تقديس الأولياء وتأليف كرامات لهم وتقعيد التعامل معهم وفق أصول التعبد.

 فى هذا الجو الهابط الخامل تعذر التجديد والاجتهاد إلا نادرا ، تجد هذه الندرة العلمية فيما كتبه ابن خلدون فى مقدمته المشهورة، وفى بعض لمحات قليلة كتبها أئمة الفقهاء الحنابلة ( المغضوب عليهم ) من العصر كابن تيمية وابن القيم والبقاعى وبعض المؤرخين الأفذاذ كالمقريزى.

3 ــ فى مقابل هذا التجديد المحدود تجد السياق العام يتركز فى تلخيص ما قاله السابقون ، ثم شرح التلخيص وتأليف ملخصات شعرية للمتون واعادة شرحها، أو التعليق والشرح على الكتب الأساسية للعصر العباسى كما فعل ابن حجر والعينى والقسطلانى فى شرحهم للبخارى.

وبمرور الأيام تحول التقليد الى جمود ونضبت الحياة العلمية تماما فى أواخر العصر المملوكى ، ثم أصبحت جهلا مركبا فى العصر العثمانى الى أن صحا شيوخ الأزهر على مدافع نابليون وحملته الفرنسية التى اقتحمت القاهرة فهرع شيوخ الأزهر يدافعون عن الوطن بقراءة الأوراد الصوفية(دلائل الخيرات ) وكتاب البخارى.

4 ــ الكتابة فى الفقه السُّنّى  تأثرت بهذا التطور الهابط . كان هناك صعود فى تاريخ المسلمين الحضارى فى القرنين الثالث والرابع من الهجرة ، حمل معه إزدهار الكتابة الفقهية  فى القرن الثالث من الهجرة حيث ظهر أئمة الفقه ، ثم حافظت الكتابة الفقهية على مستواها قليلا  فى القرن الرابع حيث كان هناك نوع من التجديد فى التفصيلات رقصا على ما قيل من قبل ، ثم بدأ المستوى فى التراجع مع القرن الخامس مع زحف التقليد رويدا رويدا مصاحبا للتصوف، ثم إزدادت سيطرة التصوف بدخول العوام شيوخا فيه فازداد التراجع والتقليد وتحولت خرافات التصوف الى عقائد تتمتع بالتقديس والتسليم على حساب العقل ، ثم إنتهت الحياة العقلية الى تحت الصفر وفاز التصوف على الحياة العقلية كلها بالضربة القاضية فى العصر العثمانى.

5 ـ وكان الفقه السُّنّى بالذات الأكثر تأثرا .

لهذا لم يشهد العصر المملوكى أئمة فى الفقه بعد أئمة المذاهب الأربعة ، برغم توفر كل الامكانات التى تعين على التفرغ العلمى من كثرة المؤسسات التعليمية وازدهار الوقف عليها وكثرة المناصب فيها. السبب أن كل تلك المؤسسات كانت بيوتا للصوفية فى حقيقتها، وكان التصوف أهم دروسها، مع إنه لم يكن علما ، بل تضييعا للوقت فى اللهو واللعب بحجة الدعاء لصاحب الوقف والزعم بالتشفع له يوم القيامة . تخرج في هذه المؤسسات الصوفية  مئات الآلاف من ( العلماء والفقهاء ) إزدحمت بهم المؤلفات التاريخية فى العصر المملوكى من طبقات الفقهاء ( الشافعية وغيرهم ) وطبقات المفسرين وطبقات المحدثين وغيرهم . كان أغلبهم من العوام ، وغاية المشاهير منهم أن يكونوا مقلدين للعلماء السابقين وفق قاعدة هذا ما وجدنا عليه آباءنا.

6 ـ بل أصبح الاختلاف مع ما كتبه الأئمة الأربعة وأئمة الحديث فى العصر العباسى خروجا على الدين السنى نفسه لأنهم صاروا فى عقيدة العصر آلهة معصومة من الخطأ. يكفى ان ميعاد البخارى فى المؤسسات التعليمية كان يعنى ختم كتاب البخارى فى موعد معين وفى احتفالية رسمية وشعبية حيث يرتلون البخارى كما يرتلون القرآن، ويقسمون به أغلظ الأيمان. أما كتب الفقه الكبرى كالأم للشافعى فكان الاقتراب منها لا يكون إلا عن طريق مؤلفات أخرى تشرح وتعيد انتاج بعض ما قاله الشافعى وغيره. فى هذا الجو المعادى للتجديد نفهم محنة ابن تيمية ومدرسته التى حاولت أن تجتهد فى اطار الدين السنى خارجة عن المألوف العقلى ومصطدمة ببعض أئمة التصوف فى عصره.

تأثر أنواع الكتابة الفقهية بدين التصوف السُّنّى المملوكى

الفقه النظرى  

الفقه النظرى هو تلك الكتابات الفقهية الكلاسيكية التى تأثرت بمنهجية الشافعى فى كتابه الضخم (الأم ) وبالقواعد المنهجية التى وضعها فى " الرسالة ".

أهم ملامح الفقه النظرى :

1 ـ  الاعتماد على تأليف الأحاديث المنسوبة للنبى محمد عليه السلام ، وجعلها تحمل الرأى الذى يريد الفقيه قوله دون الحاجة الى استدلال عقلى . هذا مع أن العصر التاريخى للفقيه وجامع الأحاديث هو المسرح الذى تم فيه كتابة الفقه و الحديث ، وجاءت هذه الكتابات تعبيرا عن هذا العصر ثقافيا وعن عقليات المؤلفين ولا صلة لها مطلقا بالنبى محمد عليه السلام . وبالتالى فان التاريخ نفسه هو الفيصل فى فهم عقليات أولئك الأئمة وكتاباتهم الفقهية والحديثية بدون اعتبار للأفك الذى اخترعوه حين نسبوا آراءهم للنبى محمد عليه السلام بعد موته بقرنين وأكثر.

2 ـ المنهج الصورى ـ أو التصورى ـ للأحكام ووضع حكم فقهى لها. أى يتصور حدثا ثم يضع له حكما فقهيا ، مثل قوله : أن فعل كذا فالحكم فيه كذا. هذا المنهج التصورى له بالطبع أصل نسبى فى الواقع الذى عاشه الفقيه، الا أن الفقيه بالغ وأوغل فى التنظير مبتعدا عن ذلك الواقع. ثم انتقل من التنظير الى الاستقراء أى محاولة تعميم الحكم بالبناء عليه والتوسع فيه الى درجة  تغطية كل الصور العقلية الممكنة افتراضا .

تأثير التصوف السنى المملوكى فى الفقه النظرى 

1 ـ كان هذا المنهج الصورى مقبولا نوعا ما فى عصر الازدهار العلمى والنضج العقلى فى العصر العباسى الأول . الا أنه تحول الى بلوى فى العصور اللاحقة التى سيطر فيها التصوف وانتشرت فيها خرافات الكرامات والمنامات وانقطع الاجتهاد وحل محله الجمود والتقليد والتأخر والتخلف بالتدريج.

2 ـــ  التنظير الفقهى فى هذا العصر وصل الى افتراضات مضحكة بذيئة كقولهم ( من اضطر الى أكل لحم نبى هل يجوز له ) ( من حمل قربة فُساء هل ينتقض وضوؤه ) ( من كان لذكره فرعان ووطأ زوجته فى قبلها ودبرها هل يجب عليه غسل واحد أو غسلان ) ( من زنى بأمه فى نهار رمضان فى جوف الكعبة عامدا ماذا عليه من الاثم )( من وقع من سطح منزله على جسد إمرأة نائمة فزنى بها ماذا عليه من الإثم ) . وقد كان ابتلاؤنا فظيعا بهذا الفقه فى التعليم الأزهرى. وهو فى النهاية مع خيالاته المريضة البعيدة عن الواقع الا انه كان انعكاسا أمينا للعقلية ومستواها.

من المؤلم بل من المفجع أن فقهاء الوهابية فى عصرنا يمارسون هذا النوع من الفتاوى السّامة المهلكة عن الزنا بالمحارم وجهاد المناكحة ـ يقومون بتشريع وتسويغ الانحلال الخلقى السائد فى مجتمعات المحمديين المنغلقة.

3 ــ نعود الى الفقه النظرى الاستقرائى ونقول إن الشافعى قد أخذ عن مالك الانحياز الى مدرسة الحديث فى موسوعته ( الأم ) فاخترع على منوال مالك آلاف الأحاديث وإصطنع لها إسنادها مزعوما يربطها بالنبى محمد عليه السلام زورا وبهتانا . وفى هجرته للعراق تعلم من البيئة العراقية غرامها بالمنهج الصورى الاستقرائى فجاء كتابه (الأم ) مزيجا من الحديث المخترع المنسوب للنبى محمد عليه السلام والفقه التصورى النظرى الاستقرائى. ثم قام الشافعى بتقعيد تشريع الدين السُّنّى فى رسالته المشهورة ، وجعل أحاديثه المفتراة هى ( الرسول ) الواجب طاعته ، والذى به يمكن إلغاء تشريعات القرآن الكريم ــ بزعم النسخ ، أى إن السُّنّة تنسخ بزعمه القرآن الكريم وتشريع رب العالمين جلّ علا .

4 ــ هذا الفقه النظرى الصورى أو التصورى ــ الذى وضع الشافعى أُصوله ــ لم يكن فى أغلبيته شديد الالتصاق بحركة المجتمع ولم يكن قوى التأثير فيها وان كان نابعا منها ومن خيالات الفقيه وتصوراته ومعبرا عن مستواه الثقافى والعقلى. على أن بعض " الأحاديث " التى صنعوها لتحمل آراءهم الفقهية فى الفقه النظرى كان انعكاسا لبعض المظاهر الحياتية وقتها ، فقد كانت تلك الأحاديث رد فعل للمتطلبات الحياتية وانعكاسا للتطور السائد  حتى فى البيئة المحافظة التقليدية كالمدينة. وكان الأمر أكثر وضوحا فى البيئات النهرية خصوصا فى العراق حيث التنوع الثقافى والعنصرى والجنسى والاختلافات السياسية والمذهبية والدينية ، وتحولها الى أحزاب متصارعة بالبنان واللسان والسنان. وكان اختراع الأحاديث أهم سلاح فى الخلافات الفقهية والمذهبية والسياسية والحزبية والطائفية والقبلية ( نسبة للقبيلة ) والقطرية( نسبة للقطر).

5 ـ هدأت هذه الخلافات الفقهية فى عصر التقليد والجمود مع سيطرة دين التصوف السُّنّى المملوكى . لأن مجالات المناظرات لم تتطرق الى المسائل الخلافية بين المذاهب أو بين أعلام الفقه والحديث ، بل أصبحت مسابقات بين أفذاذ الفقهاء المملوكيين فى مدى ما يحفظه أحدهم من صحيح البخارى سندا ومتنا . وهذا أيضا كان إنعكاسا أمينا لثقافة العصر المملوكى والجهل المسيطر عليه .

فقه الحيل

1 ـ أنتج العراق هذا النوع الفقهى الذى يريد الالتفاف على الفرائض الشرعية بأنواع من الحيل ، فالذى لا يريد الصلاة يخترعون له حيلة فقهية ، والذى يريد الللقاء الجنسى بزوجته فى نهار رمضان يقولون له : ( سافر بها ) فإذا سافر بها حلّ له الافطار وبالتالى أن ينام معها فى نهار رمضان .

بدأ فقه الحيل بما يعرف بمدرسة الرأى التى تزعمها الفقيه الثائر ابو حنيفة (ت 150)، ثم تطور بعده ليصبح منهجا متكاملا يتطرف فى استعمال الحيل بذكاء فى مقابل مدرسة الحديث الفقهية المحافظة التى تطورت بعد الشافعى بظهور ابن حنبل الذى جعل كتاباته الفقهية أحاديث خالصة فيما يعرف ب(مسند أحمد ). وتفنّن أبو يوسف صاحب أبى حنيفة فى التحايل على الشريعة الاسلامية لارضاء نزوات الخلفاء العباسيين المهدى والرشيد والمأمون . ونسبوا كثيرا من فتاوى فقه الحيل الى أبى حنيفة ، وبها تخصص الفقه الحنفى بهذا التحايل على الشرع الالهى ، وتناسوا أن تلك الأوامر التشريعية هى مجرد وسائل للتقوى، واذا كنا نتحايل على شرع الله تعالى فلا مجال للتقوى فى القلوب.

2 ــ فقه الحيل كان تعبيرا أمينا عن التلون الذى ساد العصر العباسى ، فقد أعطى مشروعية زائفة للجمع بين المظهر الدينى والانحلال الخلقى والعقيدى. كان النتاج الطبيعى للتدين المظهرى السطحى الشكلى الذى أعادته الحركة الوهابية لعصرنا وربطته بالاسلام زورا وبهتانا. كان المجون على أشده فى القصور العباسية والحانات الشعبية ، وكان على الجانب الآخر حركات دينية فاعلة ومساجد مأهولة وثقافة دينية يختلط فيها الصحيح بالفاسد مع ظلم اجتماعى وقهر سياسى وخلافة كهنوتية تنتسب للنبى عليه السلام وتشجع الرواية عنه وعن ابن عمه ابن عباس وهو جد الخلفاء العباسيين. 

3 ــ  تقلص فقه الحيل فى العصر المملوكى بالتدريج لأنه يحتاج الى نوع من الاجتهاد لم يكن موجودا وقتها . وكان الفقيه الحنبلى ابن القيم فى القرن الثامن الهجرى آخر من أشار اليه فى كتابه ( إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان ).

الفقه الوعظى

1 ـ واذا كان فقه الحيل استجابة طبيعية للبيئة العباسية ومعبرا عنها بصورة غير مباشرة فان الفقه الوعظى كان الأكثر تعبيرا عن عصره والأكثر قربا من علم التاريخ، وهو يعنى التعليق بالنقد والانكار على بعض ما يقع فيه الناس من أخطاء ، والحكم عليها فقهيا بالحرام أو المكروه. واذا كان الفقه النظرى يتخيل حدوث فعل ثم يعطيه حكما فقهيا كقولهم ( ان فعل كذا فهو حرام أو حلال او مندوب أو مكروه) فان الفقه الوعظى يحكى الواقعة الحقيقية التى تحدث أو اعتاد الناس فعلها ثم يعلق عليها بالاتكار معطيا ما يراه حكما فقهيا لها.

2 ــ هنا يتحول الفقيه ـــ دون أن يدرى ـــ الى مؤرخ . بل ومؤرخ موثوق به لأنه ــــ دون أن يدرى ايضا ـــ قد ذكر ملامح تاريخية اجتماعية ثمينة بدون تهويل أو تضخيم يتفوّق بها على المؤرخين المشهورين لأن العادة أن المؤرخ المعاصر للحدث لا يهتم بالتفصيلات الاجتماعية الحياتية العادية، ويركز على الأحوال السياسية ثم يلّون الأحداث برؤيته الشخصية.

3 ــ ميزة الفقه الوعظى من الناحية الفقهية أنه يصاحب تطور المجتمع بالنقد والتعليق يجرى معه وخلفه يطلب الاصلاح من وجهة نظر الفقيه المؤلف بالطبع.

4 ــ لم يظهر الفقه الوعظى فى العصر العباسى الأول ، بل نشأ مع ابى حامد الغزالى ( ت 505 ) بين ثنايا كتابه ( احياء علوم الدين). ثم أفرد له الفقيه المؤرخ الحنبلى عبد الرحمن بن الجوزى ( ت 597 ) كتابا خاصا هو ( تلبيس ابليس ).

5 ـ  ثم إزدهر الفقه الوعظى فى العصر المملوكى إذ أثار الفقهاء حجم الانحلال الذى عمّ المجتمع فهبوا ينكرون عليه ، وشمل إنكارهم الجميع .

أبرز من كتب فى الفقه الوعظى فى العصر المملوكى الفقيه المغربى الصوفى ابن الحاج العبدرى ت 737 ، فى كتابه ( المدخل ). وقد سجل لمحات من حياة ساكنى القاهرة المملوكية ، وشمل كتابه ذو الأجزاء الثلاثة إنكارا على النساء والفقهاء والصوفية ، وتسجيلا واقعيا لتأدية العبادات من صوم وصلاة وتوسل بالأولياء والموالد وتعامل فى الأسواق وما يتخلل ذلك من ملامح عصيان ، يذكرها ابن الحاج ثم يعلق عليها بالوعظ والحكم الفقهى الذى يراه من داخل التصوف السنى الذى يؤمن به .

ثم ابن القيم الجوزية الحنبلى فى كتابه ( اغاثة اللهفان من مكائد الشيطان ) ، وإن كان مُقلّا فى ذكر الأحداث التاريخية الاجتماعية مع الاستطراد فى الانكار بلهجة الفقهاء الحنابلة .

ثم جاء الشعرانى فى نهاية العصر المملوكى وبداية العصر العثمانى ممثلا للفقهاء والصوفية مع إنتمائه الأساس للتصوف . وقد هاله تطرف الانحلال فكتب كثيرا من المؤلفات فى الفقه الوعظى ليبرىء منها دين التصوف وليمدح نفسه ويهاجم منافسيه من شيوخ وأولياء التصوف الذين كانوا يزاحمونه على المريدين والنذور . أشهر  كتبه :( لطائف المنن ) ( الكبرى والوسطى والصغرى ) و( تنبيه المغترين ). هذا مع دفاعه عن إنحلال شيوخه الخلقى والعقيدى فى كتب أخرى مثل ( الطبقات الكبرى ) و ( الطبقات الصغرى ) واليواقيت والجواهر  و( قواعد الصوفية )، وغيرها .

 

 خضوع الفقهاءالسنيين لدين التصوف السُّنّى

 

أثر التصوف السُّنى فى تنوع الفقهاء بين التصوف والسُّنّة

أصناف شيوخ التصوف السنى :

ولقد أسفر دين التصوف السنى عن كتابة تراث مختلط متنوع ، بعضه ينتسب للتصوف فقط وآخر ينتمى للفقه فقط وثالث يجمع بينهما. هذا التراث ملأ مكتبة بغداد التى  دمرها المغول سنة 658 ، ثم أعاد العصر المملوكى كتابة ذلك التراث والزيادة عليه وشرحه وتلخيصه والتعليق عليه.

الباحث فى هذا التراث لا بد له أولا أن يفهم الفوارق الأساسية بين أديان السنة والتشيع والتصوف ومصطلحات وعقائد وأدبيات كل منها قبل وبعد العصر المملوكى ، مع فهم كامل للخلفيات السياسية والاجتماعية لتلك الفترة الزمنية لأنها التربة التى نبتت وازدهرت فيها الحياة الدينية الواقعية للمسلمين ودينهم العملى وهو ( التصوف السنى ).

من يبحث كتب الحديث والعقائد والفقه العادى النظرى والفقه الوعظى بدون ذلك الفهم لا بد أن تصيبه نعمة الجهل التى يتحلى بها الشيوخ فى الأزهر والباحثون الأفندية المترفون السطحيون المتفرنجون .

ولتوضيح الأمر لدى الباحثين الجادّين فى التراث والعقائد الدينية للمسلمين فان أعلام التصوف السنى من الفقهاء و الصوفية ينقسمون الى فئات أربع حسب تاريخهم وتراثهم المكتوب :

1 ـ صوفية فقهاء: أى هم صوفية فى الأصل ولكنهم تخصصوا فى الفقه وبرزوا فيه ، وإنصبّ تراثهم وتاريخهم فى الدفاع عن التصوف وربطه بدين السنة ، وقدهاجموا صعاليك الصوفية فى عهدهم لسحب البساط من تحت أقدام الفقهاء السنيين المنكرين عليهم وحتى ينحصر الانكار على بعض الصوفية دون مساس بدين التصوف نفسه. بدأ هذا على استحياء بالقشيرى المتوفى (465 ) ثم توسع فيه الغزالى ( ت 505 ) وتزعمه الشعرانى 973 فى العصرين المملوكى والعثمانى.

2ـ فقهاء صوفية: وهم معظم القضاة ومعظم المؤرخين وعلماء الحديث والفقه الذين عملوا فى المؤسسات الصوفية ودانوا بالعقيدة الصوفية بدرجات متفاوتة دون نقد لعقائد التصوف تأثرا بالتقليد ووفقا لقاعدة هذا ما وجدنا عليه آباءنا. والأمثلة كثيرة من ابن الحاج العبدرى 737 والذهبى 748 و السبكى 771 وابن خلدون 808 والمقريزى 845 وأبى المحاسن 874 وابن حجر 852 والعينى 855والسخاوى المؤرخ المحدث 902  والسيوطى ت 911 وزكريا الأنصارى رفيق السيوطى.

3 ـ  صوفية فقط : يجمع بينهم كراهية الفقه المعبر عن دين السنة وفى المقابل كانوا يؤمنون  بعقائدهم الصوفية من وحدة الوجود ( الاعتقاد بأن الله تعالى هو نفسه المخلوقات والمادة ) والاتحاد بالله تعالى و الحلول فيه وادعاء الالوهية. وكان العصر يسمح لهم بذلك اذا قالوها فى صورة شعرية أو بزعم الشطحات وغيبة العقل والوجد و" الحال الصوفى ". وكان أتباعهم يكتبون فيهم المدائح والمناقب ويؤلفون فى حقهم الكرامات .

أولئك الصوفية كانوا أنواعا شتى  :

* نوع تبحر فى التصوف النظرى الفلسفى وقواعده ، مثل أبى  مدين الغوث التلمسانى 594 و ابن عربى 638 وابن الفارض 632 و عبد الحق ابن سبعين 667  وعفيف الدين التلمسانى 690 والقاشانى 735 وابن عطاء السكندرى وعبد الكريم الجيلى وزروق الفاسى. كانوا قلة مالبث أن اختفت عندما عمّ الجهل وتسيد التصوف العملى القائم على انتشار الطرق الصوفية ودخول العوام فيها.

* نوع تخصص فى التصوف العملى بانشاء الطرق الصوفية وجمع الأتباع لأغراض سياسية أو دنيوية . والى هذا الصنف ينتمى كبار الأولياء الأولياء المقدسين حتى الآن مثل أحمد الرفاعى 578 واحمد البدوى 675  وابراهيم الدسوقى 676 وأبو الحسن الشاذلى 656 ومحمد وفا 765 .. الخ

* ومنهم من كان مدعيا للجنون أو ( مجذوب ) أى ـــ بزعمهم ــ جذب الله تعالى نفسه ليجلس فى الحضرة الالهية يينما يبقى جسده فى الأرض. ومنهم من زعم العلم اللدنى الالهى ــ وكان يفخر بأنه لا يقرأ ولا يكتب مثل الحنفى والفرغل والمنوفى و الخواص والدشطوطى. كانوا يتحدثون بالعلم اللدنى يقولون جهلا مركبا وخرافات ، ولكن كان أتباعهم يكتبون فى مناقبهم وكراماتهم كتبا خاصة مثل ( مناقب القطب الأمثل سيدى محمد الفرغل ) واسم (فرغلى)  المنتشر فى صعيد مصر منسوب الى هذا الولى الأمى الموجود ضريحه فى صعيد مصر وهو يحظى بالتقديس حتى الآن  ، و ( السّر الصفى فى مناقب سيدى الحنفى ) تأليف الشيخ البتنونى  و ( مناقب سيدى المنوفى ) لابن اسحاق خليل المالكى.

والشعرانى كتب فى مناقب أولئك الأولياء الصوفية الأميين ، وأضفى عليهم صفات الألوهية ، وهم كثيرون فى الجزء الثانى من كتابه ( الطبقات الكبرى ) . بل ونقل عن شيخه ( الخواص ) الكثير ، منها ما كان فى عقائد التصوف ومنه ما كان فى ( التفسير ) ، وكان يتعامل مع ما ينقله عن شيخه الخواص يالتقديس يعتبره مثل القرآن الكريم . وظهر فى العصر المملوكى ( البرجى ــ المماليك البرجية ) نوع جديد من الكتابة التاريخية الصوفية ، هو كتب المزارات . إعتاد المصريون والقادمون لمصر زيارة قبور الأولياء تبركا بها ، وكانت هذه السياحة الدينية تجارة زاهرة ، ويكفى أن الرحالة الذين زاروا مصر المملوكية سجلوا زيارتتهم لمقابرها مثل ابن بطوطة وابن ظهيرة . ولأنها أصبحت صناعة فقد إحترف بعضهم مهنة ( المرشد السياحى ) أو ( مشايخ الزيارة ) تخصصوا فى معرفة طرقات القرافة وإرشاد الزوار للقبور المشهورة وأن يحكى للزوار كرامات أصحاب تلك القبور ، وصار لبعض القبور تخصص فى الكرامات . وبعض مشايخ الزيارة كتب فى هذه النوعية( كتب المزارات )  ، يصف معالم القرافة ومناقب الأولياء وكراماتهم المزعومة المشهورة ، والتى كانت فى العصر المملوكى التى كانت كالدليل السياحى لمن يزور الترب ومقابر الأولياء، ويعطى تاريخا لبعض الأولياء الموتى وكراماتهم، كما فعل ابن الزيات  814 فى كتابه ( الكواكب السيارة فى ترتيب الزيارة ) والسخاوى الصوفى 900فى كتابه ( تحفة الأحباب ).أو يجمعونهم فى تراجم عامة مثلما فعل الشعرانى فى ترجمة مشاهير الأولياء فى ( الطبقات الكبرى) و ( الطبقات الصغرى )، وعلى مثاله كتب المناوى 1031 طبقاته الكبرى والصغرى.

4 ـ فقهاء فقط ، وكلهم حنابلة .

مثل ابن الجوزى 597 ابن تيمية 728 وابن القيم الجوزية 751 وابن كثير774  ثم البقاعى 885. هؤلاء رفضوا عقائد التصوف الصريحة مثل الاتحاد ووحدة الوجود والحلول ، كما لم يذعنوا لقيم التصوف الداعية الى عدم الاعتراض، لذا أحيوا الانكار الحنبلى القديم . إلا أنهم انكروا فقط على شيوخ التصوف المعاصرين لهم مع الاحترام للصوفية السابقين والتسليم بدين التصوف نفسه منخدعين بمقالة الجنيد سيد الطائفة الصوفية الذى ربط التصوف بالسنة.

هؤلاء الفقهاء الحنابلة اصطدموا بالفكر السائد فى عصرهم وحاولوا اعلاء شأن الجزء السنى على الجزء الصوفى فى دين التصوف السنى ، فكان نصيبهم الاضطهاد مع علو قدرهم علميا واجتماعيا.

اضطهاد ابن تيمية في العصر المملوكي

1 ـ خلافا للسائد المعروف عن ابن تيميه فقد كان ابن تيمية مؤمنا بالتصوف السُنّى ، كان يُسلّم لاولياء التصوف ويعتقد في ولايتهم وكراماتهم وشفاعاتهم يقول ابن تيمية (ان الصوفية مجتهدون في طاعة الله) ويقول عن الجنيد احد ائمة التصوف السابقين (فإن الجنيد قدس الله روحه كان من ائمة الهدى ..)غاية ما هناك ان ابن تيمية يري ان طوائف من اهل البدع قد انتسبوا للتصوف وليسوا منهم كالحلاج ويعتقد ابن تيمية في كرامات الاولياء حتي فيمن يعتبرهم من أولياء الشيطان . ولكنه تعرض للإضطهاد حين إعترض على أشهر الأولياء الصوفية ابن عربى الذى كتب فى عقيدة الحلول والاتحاد ووحدة الوجود . عندها لم تنفعه مكانته فتعرض للإضطهاد .

2 ـ بدأت محاكمة ابن تيمية حين احتج علي كتاب الفصوص لابن عربي الذي يصرح بعقيدة الصوفية في وحدة الوجود أو انه لا فارق بين الله والكون ،وكان ذلك في شهر رجب 705هـ في الشام ، وكان الشام تابعا للسلطنة المملوكية ،وكان السلطان الفعلي وقتها بيبرس الجاشنكير الذي اغتصب الحكم من السلطان الشرعي محمد بن قلاوون ،وكان ابن تيمية باعتباره اكبر فقهاء عصره يؤيد حق الملك الشرعي الناصر محمد بن قلاوون ، ومن هنا كان الجاشنكير غاضبا عليه فأيد الصوفية في اضطهاده .

3 ـ  ثم عقدت لأبن تيمية محاكمة اخرى في مصر حيث اعتقلوه في جُبّ القلعة وارادوا الحكم بقتله ،وانصبت محاكمته حول امور فقهية لأن خصومه منعوه من مناقشة عقائد ابن عربي خوف الفضيحة، ومع ذلك ارادوا الحكم بقتل ابن تيمية في تلك الخلافات الفقهية اليسيرة . واثناء اعتقاله في السجن حاولوا الحصول علي اعترافه بعقائدهم ويعرضون عليه الصلح والافراج ولكنه رفض ، وفي النهاية افرجوا عنه ونفوه الي الاسكندرية علي امل ان يقتله اعداؤه فيها ، الا انه صار له اتباع في الاسكندرية ، ثم اطلق بيبرس الجاشنكير سراحه . واستمرت المناوشات بينه وبين الصوفية حتي انهم عادوا لمحاكمته وسلطوا عليه سفهاءهم  فضربوه والحوا علي السلطان في سجنه فسجنه.

4 ـ واسقطت ثورة شعبية مصرية السلطان بيبرس الجاشنكير و قد تخلى الصوفية والجند عن الجاشنكير فهرب وجئ بالسلطان الشرعي محمد بن قلاوون صديق ابن تيمية، وكان وقتها ابن تيمية معتقلا . وأعدّ الصوفية العدة لإستقبال السلطان الناصر محمد الذي سبق وان تخلوا عنه من قبل ليستعيدوا مكانتهم عنده وليكفروا عن تخليهم عنه من قبل.

وصحيح ان السلطان الناصر محمد بن قلاوون افرج عن ابن تيمية واتباعه واكرمه وجعل ابن تيمية مستشارا له ، الا ان السلطان الجديد استجاب لدسائس شيوخ الصوفية ، وكانت لديه هواجسه من شخصية ابن تيمية وكثرة اتباعه وشدته فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فصدق الاشاعات الصوفية عن الطموح السياسى لابن تيمية. وكان الناصر محمد ابن قلاوون قد تعلم الكثير من عزله مرتين من السلطة ، ويريد الاحتفاظ بسلطنته الثالثة مستبدا بدون أى نقد لذا  انحاز الي الصوفية مضحيا بصديقه القديم ابن تيمية ، فاقام للصوفية اكبر خانقاه وهي خانقاه سرياقوس وافتتحها في حفل جامع سنة 725هـ ، وفي السنة التالية امر باعتقال صديقه القديم ابن تيمية بسبب فتوي سابقة له عن تحريم زيارة القبور.

5 ــ  وحمل الاعتقال الاخير لابن تيمية كل الحقد الصوفي عليه ،اذ كان يفرح بالسجن حيث يتفرغ للعبادة والتأليف ، الا ان خصومة الصوفية في سجنه الاخير منعوه من الكتابة، مما اثر تأثيرا سيئا علي نفسيته فمات بعد عامين من السجن سنة 728هـ 1327م .

6 ــ وأدى إضطهاده الى تطرفه فى الإفتاء بالقتل على أهون الأسباب ، وسنعرض لهذا بالتفصيل فى الفصل الخاص بالوهابية حيث أحيت الوهابية دين ابن تيمية وطبقته بالحديد والنار ــ ولا تزال .!!

اضطهاد الفقيه البقاعي

1 ـــ أجهض  الصوفية حركة الفقيه البقاعي سنة 875هـ في سلطنة قايتباي المملوكي أي بعد موت ابن تيمية بنحو قرن ونصف القرن،

2 ـ و قد ترسم البقاعي طريق ابن تيمية في الايمان بالتصوف السُّنّى وتقديس من أسماهم ( أهل الله ) من أولياء التصوف الأوائل ، ولكنه وقع فى الخطيئة الكبرى وهى الانكار علي المتطرفين الصرحاء من شيوخ التصوف ، فقد هاجم ابن عربي وابن الفارض ، وله في ذلك كتابان: ( تنبيه الغبي الي تكفير ابن عربي )، و ( تحذير العباد من اهل العناد القائلين بالاتحاد.) . 

3 ــ وقد اذاع انتقاده وتكفيره للشيخين المقدسين ابن عربي وابن الفارض اللذين ماتا قبل البقاعي بنحو قرنين ونصف القرن ، فاضطهد عوام الصوفية الشيخ البقاعي الي ان جعلوه يغادر مصر الي سورية. ولحقت كراهيتهم بمؤلفاته وتاريخه (تاريخ البقاعي ) فلا تزال في معظمها اسيرة النسيان المتعمد والسرقة والتحريف مع  انه سبق عصره في اجتهاد مبتكر في علم التفسير.

4 ــ وقد عرضنا بالتفصيل لمحنة ابن تيمية والبقاعى فى موسوعتنا عن التصوف المملوكى .

.

لمحة تاريخية عن نشأة وتطورأديان المحمديين الأرضية : ج1 : من الخلفاء الراشدين الى العثمانيين
هذا الكتاب :
تمت كتابته الأولية عام 2006 ، وتأخر نشره ، وكان بذرة لآبحاث متخصصة تم نشرها فيما بعد مثل ( وعظ السلاطين ) و ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) و ( الفتنة الكبرى الثانية ) و ( مذبحة كربلاء ) و ( الحنبلية أم الوهابية وتدمير العراق فى العصر العباسى الثانى ) . بالإضافة الى كتاب لم يكتمل عن مسلسل الدم فى عصر الخلفاء وتقسيم العالم الى معسكرين . هذا الكتاب يقدم لمحة عن الأرضية التاريخية التى نبعت فيها الأديان الأرضية المحمدية من سنة وتشيع وتصوف .ونقسمه الى جزئين : الأول عن عصر الخلفاء من الراشدين الى العثمانيين . والآخر عن نشأة وإنتشار الدين الوهابى الحنبلى السنى الذى ينشر التدمير فى العالم اليوم حاملا إسم
more




مقالات من الارشيف
more