رقم ( 5 )
الفصل الثانى : إكتمال التناقض بين الاسلام والمسلمين في الدولة الاموية (41-132هـ) (661 : 750 )

الفصل الثانى : إكتمال التناقض بين الاسلام والمسلمين في الدولة الاموية

               (41-132هـ) (661  -750)م

 

لمحة عن الخلفاء الأمويين    

معاوية بن أبى سفيان (661 ـ 680 )

مقالات متعلقة :

 بعد مقتل على بن أبى طالب بويع إبنه الحسن فلقى نفس الصعوبات من أتباعه فأدرك عجزه عن ممواجهة معاوية ، فتم عقد صلح بينهما على أساس أن يتنازل له وأن يبايعه بالخلافة على أن يكون الأمر بعد معاوية شورى بين المسلمين يولون من أحبوا.قدم معاوية الى الكوفة فى العراق ـ عاصمة على فى خلافته ـ فبايعه الحسن والحسين أبناء على وفاطمة بنت النبى محمد سنة 40 هجرية/ 661.

معاوية هو مؤسس الدولة الأموية، وهو أول سياسى حقيقى بالمفهوم البرجماتى للسياسة. إستغل كل الوسائل للوصول لغرضه، وكان منها الدهاء الشديد ، والحلم والصفح مع الحزم فى مواجهة خصومه. بالحلم والترغيب والمدارة ألف قلوب خصومه القدامى ، بينما أعطى لولاته فى الأمصار السلطة الكاملة لارهاب خصومه الثائرين عليه فكانوا يضربونهم بقسوة ، فإذا فر الخصم الى معاوية مستجيرا تلقاه معاوية بالعفو والصفح وجعله مناصراومؤيدا. وقد عمل على أن تتحول الخلافة القائمة على الشورى وتداول السلطة الى ملكية وراثية لذريته. وبذل همه فى نهاية عهده على أن يبايع الناس لابنه يزيد بولاية العهد. وافق ولاته وزعماء القبائل ، خصوصا قبائل كلب أخوال يزيد ، ولكن رفض الحسين بن على وعبد الله بن الزبير وكبار أبناء المهاجرين والأنصار.ومات معاوية تاركا لابنه يزيد هذه المشكلة.

 يزيد بن معاوية ( 680 ـ 683 ) .                                                            

تولى فلم يكن له همّ إلا ارغام الحسين بن على على البيعة له. كان الحسين مقيما فى المدينة ومعه أهله من بنيه وبنى أخيه الحسن الذى توفى مسموما من قبل بمكيدة من معاوية، وبقية أبناء إخوته وأخواته من العلويين نسبة لعلى ،وأبناء عمومته من الطالبيين ـ نسبة لأبى طالب. فى نفس الوقت جاءت رسائل من العراق تدعو الحسين للقدوم اليهم ليساعدوه فى الوصول للخلافة. ذهب اليهم الحسين بأهله ومنهم أطفال ونساء فواجهه جيش أموى فى كربلاء قضى على الحسين وآله الذين كانوا معه عدا إبنه على زين العابدين الذى كان فتى مريضا وقتها.أدى مقتل الحسين وآله فى كربلاء الى ثورة المدينة وخلعها طاعة يزيد فأرسل لهم جيشا هزمهم واستباح المدينة قتلا وسلبا ونهبا وغصبا للنساء مدة ثلاثة أيام.

أنتهز الفرصة عبد الله بن الزبير فأعلن نفسه خليفة فى مكة ، فأمر يزيد نفس الجيش أن يتوجه الى مكة للقضاء على حركة أبن الزبير. حاصر الجيش الأموى مكة وضربها بالمجانيق فاحترقت الكعبة وتركها ابن الزبير تحترق ليشنع على الأمويين.أثناء المعركة مات الخليفة الأموى يزيد بن معاوية ،وقد أوصى بالخلافة لابنه معاوية بن يزيد.وإزداد السخط على الأمويين ، وتفاقم الأمر بتولى معاوية الثانى ( 63  /  683(الذى كان شابا مريضا ضعيفا متدينا فرفض الاستمرار فى الحكم وتنازل دون أن يعين خليفة له.

فترة الاضطراب الأموى( 684 )

واضطرب أمر بنى أمية وأصبح معظم الولايات مع عبد الله بن الزبير، ومنها العراق ومصر والحجاز، بل وإنضم له زعيم القبائل القيسية ( الضحاك بن قيس الفهرى )، والذى كان متحالفا من قبل مع الأمويين. وظهرت حركة المختار بن عبيد الثقفى الذى جمع جيشا من الأعراب ،وتأرجح ولاؤه بين ابن الزبير تارة ومحمد بن الحنفية بن على بن أبى طالب تارة أخرى. أهمية المختار هذا أنه فى فترة الاضطراب هذه إحتل العراق وقتل الوالي الأموى عبدالله بن زياد المسئول عن مذبحة كربلاء وكل من شارك فيها.انتهت فترة الاضطراب باتفاق الأمويين على اختيار مروان بن الحكم خليفة فى مؤتمر الجابية .

مروان بن الحكم:( 684 ـ 685)

هو المسئول مع معاوية عن التسبب فى الثورة على عثمان ومن ثم قتله. وقد خدم مروان ابن عمه معاوية فى خلافته، وأصبح كبير الأمويين بعد تنازل معاوية بن يزيد. باختياره خليفة جمع كل أنصار الأمويين من قبائل كلب وغيرها ، وانتصر على القبائل القيسية المناصرة لابن الزبير فى الشام فى موقعة مرج راهط، وقتل زعيمهم الضحاك بن قيس الفهرى.وبها استخلص الشام له ، ثم تابع جهوده فاستخلص مصر من واليها التابع لابن الزبير، ومات مروان قبل أن يقضى على مصعب بن الزبير حاكم العراق لصالح أخيه عبد الله بن الزبير، وترك هذه المهمة لابنه : عبد الملك بن مروان.

عبد الملك بن مروان ( 65 ـ 86 ) ( 685 ـ 705 )

هو الذى وطد الدولة الأموية والمؤسس الثانى لها بعد معاوية. هو الذى قتل وهزم مصعب بن الزبير فى العراق ،ثم عبد الله بن الزبير فى مكة. وسلط واليه الحجاج بن يوسف على العراق ـمركز المعارضة ضد الأمويين ـ فأخضع العراقيين بالحديد والنار.ومع توطيد سلطته فقد واصل الفتوحات فى الشرق والغرب ، وقام ببعض اصلاحات .

 وترك لابنه الوليد بن عبد الملك ( 86 ـ 96 ) ( 705 ـ 715 ) ملكا مستقرا، وقد اهتم الوليد بن عبد الملك بمواصلة الفتوحات فوصلت فى عهده أقصى اتساعها الى حدود الصين والهند الى الاندلس فى أسبانيا.

 وتولى أخوه سليمان بن عبد الملك ( 96 ـ 99 ) ( 715 ـ 717 ) الذى حاول فتح القسطنطينية ، وعهد بالخلافة لابن عمه عمر بن عبد العزيزبن مروان ( 99 ـ 101 ) ( 717 ـ 720 ) وهو أشهر خليفة أموى ـ وعربى ـ فى العدل والتقوى. وتولى بعده يزيد بن عبد الملك (101 ـ 105 ) ( 720 ـ 724 ) فكان على النقيض ، ظلما وفسقا وانحلالا خلقيا، ومات سريعا فخلفه أخوه هشام بن عبد الملك ( 105 ـ 125 ) ( 724 ـ 743 ) وهو آخر الخلفاء الأقوياء من بنى أمية. بوفاته تولى خلفاء ضعاف متشاكسون تلاعبت بهم القبائل فسقطت الدولة الأموية بعد موت هشام بسبع سنوات.( سنة 132 / 750 )

 

 السمات العامة للدولة الأموية

 

كانت القبائل العربية هى القوة العسكرية الوحيدة اللاعبة على المسرح السياسى في عصر الدولة الاموية .

وانقسم رجالها حسب موقفهم من الأمويين الى قسمين :

*قسم ثائر علي الدولة يمثله الخوارج الذين أرهقوا الامويين بثوراتهم ،ومنهم الذين استحلوا دماء كل المسلمين كالمحكّمة الاولى الذين كانوا يهجمون علي المدن فيقولون:" لا حكم الا الله" ثم يقتلون كل من يقابلهم من المسلمين قتلا عشوائيا، وفي نفس الوقت يراعون العهد مع اهل الكتاب ،أي يقتلون المسلمين بعد اتهامهم بالكفر ثم يحافظون علي حياة اليهود والنصارى.

*اما القسم الثاني من القبائل فكان يخدم الدولة الاموية يفتح بأسمها الاقطار ،ويقتل في سبيلها المعارضين في الداخل.  وما لبث ان ثارت القبائل اليمنية علي الامويين بسبب تعصب بعض الخلفاء للقبائل القيسية المضرية العدنانية الشمالية، وتعاونت بعض القبائل اليمنية مع عدو اكثر شراسة يتقدم ببطء وثبات يدعو للرضى من آل محمد ،وهذا العدو هم الفرس الخراسانيون بزعامة ( أبو مسلم الخراسانى ) الذي اسقط الدولة الاموية واقام بدلا منها الدولة العباسية.

دخلت الدولة الأموية بهذه القبائل العربية الموالية لها فى حرب ضروس ضد القوى الثائرة عليها من علويين وشيعة وخوارج وابناء البلاد المفتوحة من الفرس والمصريين الاقباط والبربر ،الي القبائل العربية نفسها التي كانت تؤيد الامويين ثم انقلبت عليهم .مما ادي في النهاية الي سقوط الدولة الاموية في ريعان شبابها (سنة132هـ،750م).

وقد وصلت الدولة العربية الي اقصي توسع لها في الدولة الاموية ،فيما بين الهند والصين شرقا الي جنوب فرنسا غربا ،ومن اسوار القسطنطينية شمالا الي النوبة والصحراء الافريقية جنوبا ،وفي عهدها اصبح البحر المتوسط بحيرة عربية وكذلك البحر الاحمر .وكانت الدولة الاموية تفتح الدولة المجاورة بيد وتقاتل في الداخل أعداءها  باليد الاخرى ،الي ان سقطت بعد ان تكالب عليها اعداؤها الناقمون عليها.

وانتقم الأمويون من خصومهم بنى عمومتهم الهاشميين حين قتلوا بدون رحمة الحسين وآله في كربلاء كما انتقموا من الأنصار ومن بقى من الصحابة السابقين حين انتهكوا حرمة المدينة واستباحوها قتلا وسلبا ونهبا وإغتصابا للنساء، ولم يتورع الأمويون عن انتهاك البيت الحرام و احراق الكعبة بالمجانيق حين حاصروا فى مكة عبد الله بن الزبير الذى نصب نفسه خليفة.  كما لم يتورع ولاتهم من التطرف بقتل الابرياء لمجرد الشبهة كما كان يفعل زياد ابن ابيه والحجاج بن يوسف وخالد القسري.

استباحة الدماء والمجون والانحلال الخلقى

أتاح الدين الأموى لأصحابه مطلق الحرية فى استباحة الدماء، وتمتع بهذا الحق الخلفاء وولاتهم، يعززهم منطق القوة وأنهم ينسبون أفعالهم الى الله تعالى. وكان الحجاج يقول (والله لوأمرتكم أن تخرجوا من هذا الباب فخرجتم من هذا حلت لي دماؤكم ) ( تاريخ ابن الأثير: ترجمة الحجاج فى وفيات سنة 95 )

وبعض الخلفاء الأمويين كان متهما بالفواحش وترك الصلاة ومنهم يزيد بن معاوية ، صاحب الفواجع الثلاث : قتل الحسين وآله فى كربلاء ، وانتهاك حرمة مكة والمدينة .وحين ثارت المدينة على يزيد وخلعت طاعته كان زعيم الثوار عبدالله بن حنظلة الإنصارى من المشهورين بالورع، وقد خطب فى قومه قبيل موقعة الحرة قائلا عن يزيد ( إن رجلا ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة ، والله لو لم يكن معى أحد من الناس لأبليت لله فيه بلاء حسنا )  ( الطبقات الكبرى لأبن سعد ج5 ، 47 – تاريخ المنتظم ج6، 19 ) وقد وقعت موقعة الحرة سنة 63 هــ وفيها انتهكت حرمة المدينة وكان من القتلى زعيم الأنصار يومئذ ابن حنظلة . وتكرر نفس الإتهام للخلفاء الأمويين فى عهد عبد الملك بن مروان ، قاله سعيد بن جبير فى موقعة دير الجماجم ، قال  (قاتلوهم على جورهم فى الحكم وخروجهم من الدين وإماتتهم الصلاة ) ( طبقات ابن سعد ج6، 185 ) .

 وفى الدين الأموى أتيح ليزيد بن عبد الملك أن يتفرغ للهو والخمر والمجون حتى مات شابا بسبب الانحلال الخلقى.ولم يكن وحده المشهور بين الخلفاء الأمويين بالانحلال الخلقى. قبله كان يزيد بن معاوية ، وبعده كان ابنه الوليد بن يزيد بن عبد الملك.

قال ابن كثير فى تاريخه ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/3‏)‏عن الوليد بن يزيد بن عبد الملك:إن عمه الخليفة هشام بن عبد الملك أراده أن يقلع عن الخمر ليؤهله للحكم من بعده فجعله أميرا على الحج سنة 116 فما كان منه إلا أن (أخذ معه كلاب الصيد خفية من عمه، حتى يقال‏:‏إنه جعلها في صناديق ..قالوا‏:‏ واصطنع الوليد قبة على قدر الكعبة، ومن عزمه أن ينصب تلكالقبة فوق سطح الكعبة ويجلس هو وأصحابه هنالك، واستصحب معه الخمور وآلات الملاهيوغير ذلك من المنكرات، فلما وصل إلى مكة هاب أن يفعل ما كان قد عزم عليه من الجلوسفوق ظهر الكعبة خوفاً من الناس ومن إنكارهم عليه ذلك،)

وتولى الخلافة فانطلق فى مجونه للنهاية ، يقول المؤرخون (ثقل ذلك على الناس ورماه بنو هاشم وبنوالوليد بالكفر والزندقة وغشيان أمهات أولاد أبيه وباللواط وغيره ) فثار عليه ابن عمه يزيد بن الوليد الذى قتله وتولى بعده. قالوا عن ذلك الخليفة الماجن :(كان هذا الرجل مجاهراً بالفواحش مصراً عليها، منتهكاً محارم الله عزوجل، لا يتحاشى من معصية‏.‏وربما اتهمه بعضهم بالزندقة والانحلال من الدين، وقد روي أن أخاه سليمان كان من جملة من سعى في قتله، قال‏:‏ أشهدأنه كان شروباً للخمر، ماجناً فاسقاً، ولقد أرادني على نفسي الفاسق ) وقالوا فيه حين تولى الخلافة )كان مشهورا بالالحاد مشتغلا باللعب واللهو والشراب ) وفى أول خطبة لابن عمه يزيد بن الوليد الذى قتله وتولى الخلافة بعده قال عنه (كان جبارا مستحلا للحرم ..ما كان يصدق بالكتاب ولا يؤمن بيوم الحساب ) ورووا أنه فتح المصحف يوما يستفتح به ـ أى يرى حظه في أول آية يقرؤها ـ  فرأى فيه قوله تعالى " واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد " فألقى المصحف ورماه بالسهام وهو يقول:

تهددنى بجبار عنيد            فها أنا ذاك جبار عنيد

اذا ما جئت ربك يوم حشر فقل يارب خرقنى الوليد)

(تاريخ الكامل لابن الأثير 4/ 486 ، المنتظم لابن الجوزى 7/236 -248 )

 

 لمحة عن تلاعب الأمويين بشعائر الاسلام

الأمويون والطعن فى الاسلام

1 ـ القتال فى الاسلام هو قتال دفاعى فقط حولته قريش الى غزو وإحتلال وإستيطان . تحت راية الاسلام مع طعنهم فى الاسلام . وكان إحتقار وكراهية الاسلام وكفرهم به موجودا لدى الأمويين بدرجات متفاوته ، عبّر بعضهم عنها بوضوح باللهو والمجون مثل الوليد بن يزيد فيما سبق. وربما أعلنها بعضهم ضمنيا مثل عبد الملك بن مروان ، ومشهور عنه أنه كان عابدا قارئا للقرآن فلما صار خليفة أغلق المصحف وقال : "هذا فراق بينى وبينك "، وسار فى سياسته على أساس سفك الدماء ونقض العهود، وقد هدد علنا أن يقتل كل من يعظه بتقوى الله حين خطب بالمدينة مركز المعارضة سنة75هـ فقال (اما بعد ..فلست الخليفة المستضعف يعني عثمان ولست الخليفة المداهن يعني معاوية ولا الخليفة المأفون ـ يعني يزيد ابن معاوية والله لا يأمرني احد بتقوى الله الا ضربت عنقه) ( تاريخ الخلفاء . السيوطي. ط القاهرة ـ  347:348) (تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم ) وهو هنا يشير الى قوله تعالى عن صفات المفسد  فى الأرض ( وإذا قيل له إتق الله أخذته العزة بالاثم ، فحسبه جهنم ولبئس المهاد ) 2 /206 ) وكانت منتظرا حين يقال للخليفة : إتق الله ، فيخشع خوف أن تنطبق عليه تلك الآية. وقيلت لعبد الملك فرفضها علنا متحديا القرآن ومن أنزل القرآن ، راضيا بأن ينطبق عليه وصف الله تعالى بأنه من المفسدين.

2 ـ وتجلت كراهية الأمويين لما يشير الى الاسلام فاعتدوا عليها بالقتل والتدميرمثل الكعبة ومكة والمدينة والأنصار والمهاجرين وأحفاد المجاهدين فى غزوة بدر التى انتصر فيها المسلمون على أجداد الأمويين .

3 ـ وتبارى ولاة الأمويين فى التقرب اليهم بالطعن فى الاسلام ورموزه ، فالحجاج هدد بمحو آيات من القرآن الكريم ( تاريخ ابن الأثير: ترجمة الحجاج فى وفيات سنة 95 ) وخالد القسرى الذى تولى مكة والحجاز سنة 89 هجرية كان يتقرب الى أسياده الأمويين بلعن على ابن أبى طالب ، ثم تعدى ذلك الى قوله( إن خليفة الرجل في أهله أفضل من رسوله في حاجته) يعنىأن الخليفة هشامًا أفضل من محمد رسول الله ، (تاريخ الكامل لابن الأثير /عن وفاة خالد القسرى سنة 126 ) ولم يأبه خالد القسرى بحرمة البيت الحرام فى مكة فهدد أهل مكة بالقتل والصلب إذا تكلموا مجرد كلام فى الطعن فى الأمويين ، وهددهم بهدم بيوتهم إذا إستضافوا من يأوى الى الحرم هربا من الظلم الأموى. فكوفىء على اخلاصه للدين الأموى بأن ولاه الخليفة هشام على العراق  فظل يحكمه أربع عشرة سنة ( 106 : 120 هجرية ) والطريف أن أم خالد القسرى كانت نصرانية مخلصة لدينها فأقام لها ديرا داخل قصره لتتعبد فيه ، فلامه بعض المسلمين فاعتذر اليهم قائلا : (لعن الله دينهم إن كانشرًا من دينكم‏.‏)(تاريخ الطبرى: 6 / 440 سنة 89 ،464 سنة 91 )

الأمويون وإستغلال الصلاة لمصلحتهم :

 1 ـ بالاضافة الى تكاسل الأمويين عن الصلاة بتأخير موعدها فقد استغل الأمويين الخطبة فى صلاة الجمعة فى الدعاية لهم ولعن على بن أبى طالب ، والداخلون فى الاسلام فى العصر الأموي تعلموا لعن على بن أبى طالب فى خطبة الجمعة كأحد شعائر صلاة الجمعة، يقول المسعودي أن أهل (حرّان) رفضوا صلاة الجمعة بدون لعن على ، وقالوا : لا صلاة بدون لعن ابو تراب ، وابو تراب هو لقب على، وظلوا على ذلك عاما كاملا فى بداية العصر العباسي ( المسعودى :مروج الذهب :  ج2 : 193) . أى تعودوا لعن ( على ) بحيث إعتقدوا أن صلاة الجمعة لا تصحُّ بدون لعنه . وبالتالى فقد أسّس الأمويون تحويل خطبة الجمعة الى منشور سياسى لا يزال موجودا حتى اليوم ، حيث الدعاء للسلطان وعسكر السلطان من الخليفة الأموى الى الخليفة العثمانى . وتحول الأمر رسميا الى أن اصبحت خطبة الجمعة إعلانا بتعيين السلطان والخضوع له ، فيقال أنه ( خُطبت له الجمعة ) .وحتى الآن ترى هذا الهجص فى مساجد المحمديين .

2 ـ خطبة صلاة الجمعة فى الاسلام هى قراءة للقرآن وفقط . وهذا هو ما كان عليه الأمر فى عهد النبوة ، بحيث أنه لا توجد للنبى محمد عليه السلام أى خطبة محفوظة أو منقولة ، مع أنه أقام صلاة الجمعة مئات المرات . إلا أن إهتمام الأمويين تركز على صلاة الجمعة الاسبوعية العامة لإستغلال خطبة الجمعة فى الدعاية السياسية والهجوم على خصومهم العلويين. أى أن الأمويين هم أول من ابتدع التوظيف السياسى لخطبة الجمعة والذى ما زال ساريا الى اليوم. وقلنا أن النبى محمدا عليه السلام كان يخطب الجمعة بقراءة بعض سور القرآن الكريم ، ولذلك لم يتم تدوين خطب الجمع ضمن ما إفتروه لاحقا من أحاديث نسبوها للنبى محمد عليه السلام ظلما وعدوانا .

وطبقا لإخلاص العبادة لله تعالى وحده وابتعادا عن التكسب بالاسلام فى سبيل مطامح دنيوية فإن من أساسيات الاسلام وتعاليم القرآن عدم استغلال المساجد والصلاة وشعائر الدين فى أى مطمح دنيوى. ولكن منذ العصر الأموى وحتى الآن وقد أصبحت صلاة الجمعة وخطبة الجمعة من وسائل الاستغلال السياسى والدعاية للحاكم والدعوة له، وأصبح ذلك شعيرة رسمية أن تتم مبايعة الحاكم المستبد فى المسجد وأن تشدو المنابر وخطب الجمعة بالتسبيح باسمه. وعلى الرغم من كثرة التناقضات بين دينى السنة والشيعة إلا أنهما يتفقان فى استغلال صلاة الجمعة وخطبة الجمعة لتكون لتعظيم الحاكم وليس لاخلاص التعظيم لله تعالى وحده. .

3 ــ ونعود للأمويين لنسجل أن تركيزهم على استغلال الخطبة فى الجمعة سياسيا كان على حساب صلاة الجمعة نفسها إذا كانوا يطيلون الخطبة حتى يمل الناس ويضيع وقت الصلاة فى منتصف النهار ويحل موعد صلاة العصر . ومن يحتج كان مصيره سيئا فى أغلب الأحوال .

وفى حدود سنة 90 هجريا قتل الأمويون زياد بن جاريه وكان من أفاضل علماء الشام. وسبب قتله أنه دخل مسجد دمشق وقت صلاة الجمعة وقد تأخرت بهم الصلاة والخطبة لا تزل قائمة ، فقال للخليفة الوليد بن عبدالملك : ( والله ما بعث الله نبيا بعد محمد عليه السلام أمركم بهذه الصلاة ).. فأدخلوه حجرة وقطعوا رأسه !! ( تاريخ الوافى بالوفيات للصفدى 15/14 )  .

4 ـ واشتهر الحجاج بن يوسف بالفصاحة والتطرف فى سفك الدماء وكان يطيل فى خطبة الجمعة حتى يضيع وقت صلاة الجمعة، وقد تولى إمارة الحجاز ثم العراق لعبدالملك بن مروان وبنيه . وفى ولايته على الحجاز كان عبدالله بن عمربن الخطاب يصلى خلفه فى الحرم فى مكة، فلما رآه يؤخر صلاة الجمعة عن وقتها امتنع عن الصلاة خلفه . ويروى ابن سعد أن الحجاج كان يخطب الجمعة  فظل فى خطبته حتى حل المساء فناداه ابن عمر: (  أيها الرجل الصلاة ) فأقعدوه ، ثم ناداه الثانية فأقعدوه ،  ثم ناداه الثالثة فأقعدوه ، فقال ابن عمرو للناس وقد ملوا " أرأيتم إن نهضت أتنهضون ؟ فقالوا نعم فنهض ابن عمر ،  فنادى فى الناس وفى الحجاج :الصلاة الصلاة فإنى لا أرى لك فيها حاجة ، فنزل الحجاج من على المنبر وصلى بالناس ، ثم دعى بابن عمرو فقال له " ما حملك على ما صنعت؟ فقال ابن عمرو " إنما نجىء للصلاة فإذا حضرت الصلاة فصلى الصلاة لوقتها ثم بقبق بعد ذلك ما شئت من بقبقة " ( 4-110 ، 117 ) . وكان هذا سببا فى إغتيال ابن عمر فيما بعد ، وخزه رجل برمح مسموم فى الحرم فمات منه .

 

تأسيس المسجد الأقصى والحج اليه بديلا عن الحج للبيت الحرام

 1 ـ من الحُمق الاعتقاد بأن حديث رب العزة عن مسجد الضرار الذى أقامه المنافقون فى المدينة ( التوبة  107 : 110 ) كان مجرد تاريخ انتهى ومضى ولم يتكرر . مسجد الضرار هو الذى يُستخدم فى الاضرار بالناس ، بالتناقض مع دور المسجد الذى يجب أن يكون مكانا آمنا للتقوى والاخلاص فى العبادة لرب العزة وحده لا شريك له . مسجد الضرار يجمع بين الكفر الاعتقادى بتقديس البشر والحجر ( كما كانت تفعل قريش بمساجدها : ( الجن 18 : 23 ) وفى الكفر السلوكى بالاعتداء والظلم ، وهذا أيضا كانت تفعله قريش فى إرهابها المؤمنين ومنعهم من دخول مساجد الله جل وعلا ( البقرة 114 ) . وجمعت قريش بين النوعين فى إستخدامها للبيت الحرام ( التوبة 17 : 18 ) .

2 ــ أعادت قريش فى خلافة الراشدين والأمويين مسيرة مساجد الضرار . لم يعد هناك وحى قرآنى يتنزل يفضحهم كما كان الحال فى حياة النبى محمد عليه السلام فى المدينة ،فإنطلقوا يفعلون ما يشاءون من غزو وأحتلال وسبى وسلب ، وقتال أهلى . كل ذلك مع وجود المساجد وإنتشار بنيانها ، والمحافظة على تأدية الصلاة ، حتى وقت المعارك ، سواء كانت غزوا للآخرين أو حربا أهلية . بل تحولت المساجد الى ساحات حرب .

3 ـ الصلاة كانت معروفة بمواقيتها وركعاتها ضمن شعائر ملة ابراهيم والتى تشمل الصيام والحج والتسبيح وإخلاص القلب لرب العزة جل وعلا ، بحيث تكون العبادات وسائل للتقوى . والتقوى تنعكس فى السلام والعدل والابتعاد عن الظلم فى التعامل مع الناس ، وعدم تقديس المخلوقات . قريش حافظت على شكل الصلاة وارتكبت فظائع فى إستغلال البيت الحرام مركزا لتقديس آلهة العرب ، وإضطهاد النبى والمؤمنين ، وبهذا أضاعوا ثمرة صلاتهم ( مريم 59 ).

4 ــ الانغماس فى الظلم مع ( تأدية ) الصلاة  تأدية سطحية يعنى أن تتحول الصلاة الى وسيلة تبرر الظلم وتؤكده وتساعد عليه، أى بدلا من أن تكون وسيلة للتقوى تصبح وسيلة للإثم والعدوان .  أسلمت قريش ، وما لبث أن سيطرت فى خلافة الراشدين فارتكبت جريمة الفتوحات ثم جريمة الفتنة الكبرى الأولى ثم الثانية . وفى كل فظائعها حافظت قريش على ( تأدية ) الصلاة بمواقيتها وحركاتها حتى فى أثناء القتال ، بل كان الأمير على البلد المفتوح وقائد الجيش يسمى ( أمير الصلاة ) وهو الأعلى شأنا من صاحب الجباية و القاضى . ونشروا تعليم الصلاة ، ولا زلنا نصلى بنفس الكيفية ، ونرتكب نفس الفظائع ، نقتل ونصلى ، ننهب ونصلى ، بل يهتفون ( الله أكبر )  نتوقف هنا مع قيام عبد الملك بن مروان بإنشاء المسجد الأقصى بديلا عن الكعبة.

  عبد الملك وإنشاء المسجد الأقصى

1 ـ تعرضت الكعبة للإهانة والحرق بيد القرشيين ( الجيش الأموى ، وجيش ابن الزبير ) . ولقد إستغل ابن الزبير موسم الحج لتكثيف دعايته ضد الأمويين ، وبدأ تأثير ذلك واضحا فى أهل الشام الذين يؤدون فريضة ويعودون وقد سمعوا الطعن فى الأمويين . خشى عبد الملك بن مروان من أن ينفضوا عنه وأن ينضموا لابن الزبير ، وهداه تفكيره الى إنشاء ما اسماه بالمسجد الأقصى وجعل الحج اليه ، واستغل ذكر اسم المسجد الأقصى فى سورة الاسراء فى الدعوة لتقديس مسجده هذا ، وإستجاب له أهل الشام خصوصا من اسلم منهم ولا يزال يحمل مؤثرات دينه القديم ، وتقديس الهيكل وكنيسة القمامة ، هذا مع أن المسجد الأقصى المذكور فى القرآن هو ( طور سيناء ) . المسجد الأقصى الحالى لم يكن موجودا فى عصر النبى ، ولم يكن موجودا فى عصر الخليفة (عمر ) حين فتح الشام وفلسطين وزار كنيسة القمامة وصلى خارجها .هذا المسجد الأُكذوبة بناه الخليفة عبد الملك بن مروان .

2 ـ فى تاريخه ( البداية والنهاية ) ينقل المؤرخ الشامى ابن كثير فى أحداث عام 66: (  وفيها‏:‏ ابتدأ عبد الملك بن مروان ببناء القبة على صخرة بيت المقدس وعمارة الجامع الأقصى، وكملت عمارته في سنة ثلاث وسبعين‏.‏)  ويقول عن سبب بنائه : ( وكان السبب في ذلك أن عبد الله بن الزبير كان قد استولى على مكة،وكان يخطب في أيام منى وعرفة، ومقام الناس بمكة، وينال من عبد الملك ويذكر مساوي بني مروان، ويقول‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الحكم وما نسل، وأنه طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه، وكان يدعو إلى نفسه، وكان فصيحاً، فمال معظم أهل الشام إليه‏. ‏وبلغ ذلك عبد الملك فمنع الناس من الحج فضجوا، فبنى القبة على الصخرة والجامع الأقصى ليشغلهم بذلك عن الحج ويستعطف قلوبهم، وكانوا يقفون عندالصخرة ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة‏.‏وينحرون يوم العيد ويحلقون رؤوسهم، ففتح بذلك على نفسه بأن شنع ابن الزبير عليه، وكان يشنع عليه بمكة ويقول‏:‏ ضاهى بها فعل الأكاسرة في إيوان كسرى، والخضراء، كما فعل معاوية‏. )

وعن عمارته وبنائه يقول  ابن كثير : ( ولما أراد عبد الملك عمارة بيت المقدس وجه إليه بالأموال والعمال، ووكل بالعمل رجاء بن حيوة ويزيد بن سلام مولاه، وجمع الصناع من أطراف البلاد ، وأرسلهم إلى بيت المقدس، وأرسل إليه بالأموال الجزيلة الكثيرة، وأمر رجاء بن حيوة ويزيد أن يفرغا الأموال إفراغاً ولا يتوقفا فيه‏. ‏فبثوا النفقات وأكثروا، فبنوا القبة فجاءت من أحسن البناء، وفرشاها بالرخام الملون، وعملا للقبة جلالين أحدهما من اليود الأحمر للشتاء، وآخر من أدم للصيف، وحفا القبة بأنواع الستور، وأقاما لها سدنة وخداماً بأنواع الطيب والمسك والعنبر والماورد والزعفران، ويعملون منه غالية ويبخرون القبة والمسجد من الليل‏.‏ وجعل فيها من قناديل الذهب والفضة وسلاسل الذهب والفضة شيئاً كثيراً، وجعل فيها العود القماري المغلف بالمسك وفرشاها والمسجد بأنواع البسط الملونة‏.‏ وكانوا إذا أطلقوا البخور شُمّ من مسافة بعيدة. )

وعن إفتتان الناس به يقول : ( وكان إذا رجع الرجل من بيت المقدس إلى بلاده توجد منه رائحة المسك والطيب والبخور أياماً، ويعرف أنه قد أقبل من بيت المقدس، وأنه دخل الصخرة، وكان فيه من السدنة والقوم القائمين بأمره خلق كثير، ولم يكن يومئذٍ على وجه الأرض بناء أحسن ولا أبهى من قبة صخرة بيت المقدس، بحيث إن الناس التهوا بها عن الكعبة والحج، وبحيث كانوا لا يلتفتون في موسم الحج وغيره إلى غير المسير إلى بيت المقدس‏. ‏وافتتن الناس بذلك افتناناً عظيماً، وأتوه من كل مكان، وقد عملوا فيه من الإشارات والعلامات المكذوبة شيئاً كثيراً مما في الآخرة، فصوروا فيه صورة الصراط وباب الجنة، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووادي جهنم، وكذلك في أبوابه ومواضع منه، فاغتر الناس بذلك وإلى زماننا‏.‏) أى ظل إفتتان الناس بالمسجد الأقصى الذى صنعه عبد الملك من عهد عبد الملك فى القرن الأول الهجرى الى عصر المؤلف ابن كثير فى القرن الثامن الهجرى ..,لا يزال حتى اليوم .

ويقول ابن كثير عن الاسراف فى تزيين وتذهيب هذا المسجد  : ( وبالجملة أن صخرة بيت المقدس لما فرغ من بنائها لم يكن لها نظير على وجه الأرض بهجة ومنظراً، وقد كان فيها من الفصوص والجواهر والفسيفساء وغير ذلك شيءكثير، وأنواع باهرة‏.‏ولما فرغ رجاء بن حيوة، ويزيد بن سلام من عمارتها على أكمل الوجوه فضل من المال الذي أنفقاه على ذلك ستمائة ألف مثقال ، .‏وقيل‏:‏ ثلاثمائة ألف مثقال، فكتبا إلى عبد الملك يخبرانه بذلك، فكتب إليهما‏:‏ قد وهبته منكما‏. ‏فكتبا إليه‏:‏ إنا لو استطعنا لزدنا في عمارة هذا المسجد من حلي نسائنا‏.‏ فكتب إليهما‏:‏ إذ أبيتما أن تقبلاه فأفرغاه على القبة والأبواب، فما كان أحد يستطيع أن يتأمل القبة مما عليها من الذهب القديم والحديث‏.)

ويقول عما حدث لهذا المسجد فى خلافة ابى جعفر المنصور العباسى :‏( فلما كان في خلافة أبي جعفر المنصور قدم بيت المقدس في سنة أربعين ومائة، فوجد المسجد خراباً، فأمر أن يقلع ذلك الذهب والصفائح التي على القبة  والأبواب، وأن يعمروا بها ما تشعث في المسجد، ففعلوا ذلك‏. ‏وكان المسجد طويلاً فأمر أن يؤخذ من طوله ويزداد في عرضه. ). وحتى الآن لا يزال هذا المسجد مقدسا ؛ يجعلونه  ثالث الحرمين . وهذا الإفك بدأه الأمويون ولا يزال سائرا وسائدا .!

  الوليد بن عبد الملك وبناء مسجد المدينة عام 88 .

1 ـ عن عمد وإصرار أسس عبد الملك بن مروان مسجد الأقصى ، وجعله يضاهىء البيت الحرام . إبنه الوليد بن عبد الملك أسس المسجد الذى صار فيما بعد معروفا بالمسجد النبوى ، وصار ثانى الحرمين فى ديانات المحممديين  الأرضية . لم يقصد الوليد بن عبد الملك إتخاذ هذا المسجد ثانى الحرمين ، ولم يكن ذلك معروفا وقتها ، ولكن توسعة المسجد نشأ عنها إدخال بيوت أمهات المؤمنين بعد موتهن ، وإدخال بيوت أخرى . ولأن النبى محمدا عليه السلام كان مدفونا من قبل فى غرفة عائشة فإن المحمدييين حين دخلوا فى تقديس النبى وتأليهه إختاروا مكانا فى مسجد المدينة زعموا أنه مكان حجرة عائشة ، وجعلوه قبرا للنبى بأثر رجعى ، وقصدوه بالحج والزيارة . وحتى الآن يعتقدون أن النبى يعيش حيا ( تحت الأرض ) فى حفرة ضيقة حيث يرد السلام على من يسلم عليه ، وتُعرض عليه أعمال ( أمة محمد ) فيراجعها ويتشفع فيها ، وهو يعمل كل الوقت بلا كلل وبلا ملل ، وبلا أجهزة تساعده وبلا موظفين مساعدين.......وكم فى الديانات الأرضية من خبل وجنون .

2 ـ يقول الطبرى فى أحداث عام  88  : ( وفيها أمر الوليد بن عبدالملك بهدم مسجد رسول الله وهدم بيوت أزواج رسول الله وإدخالها في المسجد . . وارسل الوليد رسولا الى عمر بن عبد العزيز الوالى على المدينة يأمره بهدم بيوت امهات المؤمنين والبيوت الأخرى وتعويض أصحابها . تقول الرواية (  فدخل على عمر بن عبد العزيز بكتاب الوليد ، يأمره بإدخال حجر أزواج رسول الله في مسجد رسول الله وأن يشتري ما في مؤخره ونواحيه حتى يكون مائتي ذراع في مائتي ذراع،  ويقول له : " قدم القبلة إن قدرت وأنت تقدر لمكان أخوالك فإنهم لا يخالفونك ،  فمن أبى منهم فمر أهل المصر فليقوموا له قيمة عدل . ثم اهدم عليهم وادفع إليهم الأثمان،  فإن لك في ذلك سلف صدق عمر وعثمان . "  فأقرأهم كتاب الوليد وهم عنده ، فأجاب القوم إلى الثمن ، فأعطاهم إياه . وأخذ في هدم بيوت أزواج النبي وبناء المسجد ، فلم يمكث إلا يسيرا حتى قدم الفعلة ، بعث بهم الوليد . )

وحضر مع عمر بن عبد العزيز أعيان أهل المدينة : ( رأيت عمر بن عبدالعزيز يهدم المسجد ومعه وجوه الناس ، القاسم وسالم وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وعبيد الله بن عبدالله بن عتبة وخارجة بن زيد وعبدالله بن عبدالله بن عمر ، يرونه أعلاما في المسجد ، ويقدرونه.  فأسسوا أساسه ، لما جاء كتاب الوليد من دمشق . )

وعن الهدم والبناء : ( قال صالح فاستعملني على هدمه وبنائه ، فهدمناه بعمال المدينة ، فبدأنا بهدم بيوت أزواج النبي حتى قدم علينا الفعلة الذين بعث بهم الوليد . ) ( ابتدأنا بهدم مسجد رسول الله في صفر من سنة ثمان وثمانين . وبعث الوليد إلى صاحب الروم يعلمه أنه أمر بهدم مسجد رسول الله وأن يعينه فيه . فبعث إليه بمائة ألف مثقال ذهب ، وبعث إليه بمائة عامل وبعث إليه من الفسيفساء بأربعين حملا , وأمر أن يتتبع الفسيفساء في المدائن التي خربت فبعث بها إلى الوليد فبعث بذلك الوليد إلى عمر بن عبد العريز ).

لم يقصد الوليد بن عبد الملك تقديس قبر للنبى محمد لأنه لم يوجد وقتها قبر للنبى محمد ، ولكنه حين أقام مسجد المدينة بهذه الفخامة فقد ساعد ــ دون قصد ــ على تسميته فيما بعد بمسجد رسول الله أو المسجد النبوى ، وصار ثانى الحرمين ، وقام بتشريع هذا الامام مالك الفقيه المخضرم الذى عايش الدولتين الأموية والعباسية . ومالك هو الذى إفترى أحاديث فى تقديس المدينة نفسها وجعل عمل أهل المدينة مصدرا تشريعيا .وهكذا فقد شهد العصر الأموى بداية التشريع المناقض للإسلام .

 

إختراع الأحاديث وبداية تشريع الأديان الأرضية فى العصر الأموى

 

 مقدمة : من الفتوحات العربية نبعت كل الشرور:

1 ـ لا زلنا نعانى من شرورها حتى الآن إذ تحولت الى دين سُنّى أرضى له تشريعاته العدوانية التى تتناقض مع الاسلام فى قيم السلام والعدل والاحسان والحرية و تحريم البغى والظلم والعدوان . يكفى قوله جل و علا : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) النحل )

 إحتاجت الفتوحات الى تشريع التكفير الغير لإستحلال الغزو والاحتلال والاستيطان وسفك الدماء وسلب الأموال بالجزية والخراج وهتك الأعراض بالسبى . وهذا كان تاريخ الفتوحات فى عصر الخلفاء القرشيين ( راشدين وأمويين وعباسيين وفاطميين ) وتابعهم غيرهم . ثم أصبح أبوابا فى كتب الفقه السنى وتشريعات دين السُنّة .

2 ـ تحريم قتال المُسالمين المخالفين فى الدين جعله رب العزة قاعدة تشريعية فى القتال فى سبيله جل وعلا ، قال جل وعلا : (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) الممتحنة )، فالمخالف فى الملّة والاعتقاد والذى لم يعتد على الدولة الاسلامية يجب التعامل معه بالبرّ والقسط . ويحرم الاعتداء عليه لأن الله جل وعلا لا يحب المعتدين ، هذا هو تشريع القتال الدفاعى فى الاسلام : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) البقرة ).

3 ــ أبو بكر وخلفاؤه ومعهم قريش كفروا بهذه القاعدة التشريعية حين حكموا بتكفير الأمم الأخرى التى لم تعتد عليهم ، وبناء على هذا التكفير إستحلوا دماءهم وأعراضهم وأموالهم وإحتلوا بلادهم .

وإخترع أبو بكر حيلة ظريفة لم تكن معروفة فى عهد النبى محمد عليه السلام ولم يعرفها أعداؤه أيضا ، وهى أن يرسل جيشا مدججا بالسلاح ومعه إنذار بإجبار أهل البلد على قبول واحد من ثلاث : الاسلام ، دفع الجزية أو القتال .

أيضا كفر أبو بكر ومن معه  من الصحابة بالقاعدة القرآنية:( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ )(256) البقرة)، وبقوله جل وعلا لرسوله : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) يونس ) . إذ كيف تُجبر الناس على الدخول فى الاسلام ؟ وفى العصر العباسى تم تشريع هذا الإفك بحديث البخارى : ( أُمرتُ أن أُقاتل الناس حتى يقولوا .... ) .!

4 ـ سلاح التكفير هذا الذى إخترعته قريش بزعامة ابى بكر حقق للأعراب مرادهم فى السلب والنهب بتشريع دينى ، ولكن ما لبث سلاح التكفير هذا  أن إرتد الى عنق قريش حين خرج عليها الأعراب ، وبدءوا بتكفير قريش وأئمتها ، وإستحلال دمائهم .  قتلوا عثمان وعليا بعد تكفيرهما ، وتطرفوا الى تكفير كل من ليس منهم ، وبناء عليه إستحلال دمائهم وأموالهم ، وجعلوا لذلك شعارا هو ( لا حُكم إلا لله )، أو ( التحكيم ). واصبح يقال عن بعضهم أنه ( حكّم ) أى رفع لواء ( لا حكم إلا لله ) وبدأ يقتل الناس عشوائيا . بدأ هذا فى الفتنة الكبرى مع قتل عثمان والخروج على (على ) ثم توسع وإستشرى فى الدولة الأموية .

5 ـ  ومن تكفير الآخر فى سبيل قتله وقتاله وإستحلال دمه وعرضه وماله تأسست كل الشرور فى تاريخ الخلفاء القرشيين، وتأسست الشريعة السنُية وأكثرها تطرفا هى الوهابية فى عصرنا .

 

إختراع الأحاديث هو البداية فى تأسيس الديانات الأرضية فى الدولة الأموية

 

1 ـ إحتاج هذا الصراع السياسى الى مسوغ شرعى . ولأنه يستحيل العثور على مسوغ شرعى من القرآن فكان المخرج  فى التمسح بالقضاء والقدر ( وسنعرض لاحقا بالتفصيل ) وتأليف أحاديث منسوبة للنبى محمدعليه السلام. ونشط فى هذا المجال بعض الصحابة مثل أبى هريرة ، وبعض التابعين مثل الأوزاعى . وقد اعتبرت تلك الأحاديث وحيا الاهيا أو دينا . بالتمسح بالقضاء والقدر وبالكذب على رسول الله أنشأ الأمويون دينا أرضيا جديدا ، وواجههم خصومهم بأديان أرضية مناوئة مسلحة بالأحاديث والروايات ، بل وأنشأ الشيعة لهم عقائد سبقوا بها ظهور الدولة الأموية.

2 ــ بهذا تحول الصراع السياسى الحربى فى العصر الأموى الى صراع بين أديان أرضية.

وبرز هذا فى الفتنة الكبرى الثانية بعد مأساة كربلاء ومقتل الحسين ( 61 : 73 )،إذ إنهارت الدولة الأموية وزعم عبد الله بن الزبير الخلافة وسيطر على معظم الأقاليم ، ثم أعاد مروان بن الحكم وابنه عبد الملك تأسيسها وقتل ابن الزبير عام 73. فى خضم هذه الفوضى ظهر المختار بن عبيد الثقفى ، وهو مغامر بدأ خادما للدولة الأموية ثم أغرته الفوضى بعد مقتل الحسين ، فرفع راية الانتقام للحسين وجمع حوله الشيعة وإنضم الى ابن الزبير ثم إنشق عنه وفى النهاية قتله مصعب بن الزبير عام 67 . الذى يهمنا هنا أن هذا المغامر الأفاق بدأ بإرهاصات دين أرضى بخرافات زعمها وصدّقها الناس وتابعوه مؤمنين بها ، وقاتلوا معه تحت شعارها ، وتتمثل فى ( كرسى ) كان المختار يستنصر به هو جنوده ، ومنها إطلاق لقب المهدى على ( محمد بن على بن أبى طالب )( ابن الحنفية ).  و الزعم بأن جبريل والملائكة معه، وهو زعم ردّده أساطين الأديان الأرضية فى التصوف والسنة والتشيع . بالاضافة الى ذلك : إخترع المختار عبارة :( شرطة الله ): وهذا يشبه ما يقال فى عصرنا عن أحد الأحزاب الشيعية:( حزب الله ).

كما برز المختار الثقفى فى إستعمال الأحاديث المصنوعة ، تقول الرواية فى تاريخ المنتظم ج 6 عام 66 : ( قال المختار لرجل من أصحاب الحديث‏:‏ ضع لي حديثًا عن النبيصلى الله عليه وسلم أني كائن بعده خليفة....، وهذه عشرة آلاف درهموخلعة ومركوب وخادم.  فقال الرجل‏:‏ أما عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا، ولكن اخترمن شئت من الصحابة واحطط من الثمن ما شئت.! قال‏:‏ عن النبي أأكد قال‏:‏ والعذاب عليهأشد‏.‏ ). ورفض ابن عمار بن ياسر أن يضع حديثا يرويه عن أبيه ، فقتله المختار ، تقول الرواية : ( وقتل المختار محمد بنعمار بن ياسر ظلما لأنه سأله أن يحدث عن أبيه بحديث كذب فلم يفعل فقتله ).

 وكما كان المختار يصنع أحاديث تؤيده فإن خصومه وضعوا أحاديث تجعله كذابا . ومنها زعمهم ان النبى قال : ‏‏(‏إن في ثقيف كذاباً ومبيراً‏)‏‏)، وقد جاء فى ( صحيح مسلم ) ، وفسروا المبير بأنه الحجاج بن يوسف الثقفى ، والكذاب هو المختار الثقفى. ‏ومعلوم انه عليه السلام لا يعلم الغيب وليس له أن يتكلم فيه.

3 ـ وفى هذه الفتنة الثانية جاءت رواية فى المنتظم(ج 6 عام 93 ) أن ( عمر بن عبد العزيز ) فى ولايته على المدينة ضرب خبيب بن عبد الله بن الزبير بن العوام خمسين سوطًا‏.‏وقيل‏:‏ مائة سوط ، تنفيذا لأمر الخليفة الوليد بن عبد الملك ، وصب على رأس قربة ماء بارد في يوم شات ووقفه على باب المسجد فمكث يومًا ومات‏. وكان السبب أن خبيبًا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلًا اتخذوا عباد الله خولًا ومال الله دولًا ‏"‏‏.هو حديث مكّار جبّار يطعن فى الخلفاء الأمويين من ذرية مروان بن الحكم بن أبى العاص .‏

إختراع الأحاديث مع أو ضد الأمويين :

1 ـ وجد الأمويون من يخدمهم فى دينهم الأرضى يسوغ لهم الظلم ، كان منهم القضاة والقصاصون الذين احترفوا اختراع القصص للدعاية للأمويين، وكان القصص وظيفة رسمية عالية الشأن فى العصر الأموى، أشهر أولئك العلماء كان الأوزاعى الذى عاش فى الدولتين الأموية والعباسية وخدمهما معا، وهو الذى أفتى للخليفة هشام بقتل غيلان الدمشقى زعيم القدرية.

2 ــ لم يكن أولئك العلماء خدما للسلطة يبررون ظلمها فقط بل على عاتق بعضهم تقع جريمة إفساد بعض الخلفاء. وقد كان الأمير الأموى الشاب يزيد بن عبد الملك مهتما بالجلوس مع العلماء ومستعدا لتعلم الورع ، وقد تأثر بالعدل الذى أشاعه سلفه الخليفة عمر بن عبد العزيز، ولما تولى الخلافة بعده عزم أن يسير سياسته فى العدل ومنع الظلم ، فلم يتركه آله الأمويون يسير بعدل عمر بن عبد العزيز أكثر من أربعين يوما، إذ بعثوا له  ( بأربعين شيخاً فشهدوا له أنه ما على الخلفاء من حساب ولا عذاب‏.‏)( تاريخ ابن كثير ‏ج/ص‏:‏ 9/259‏)‏، وطالما أنه ما على الخليفة من حساب ولا عذاب فليظلم ما شاء له الشيطان من ظلم.وبهذه الفرية اصبح يزيد بن عبد الملك فاسقا ماجنا .

 

 

3 ـ وراجت الأحاديث كميدان للصراع السياسى برعاية القطبين اليهوديين اللذين أسلما وغررا بالمسلمين .هما رفيقان من يهود اليمن قاد كل منهما معسكرا من المسلمين يواجه به المعسكر الآخر. انهما كعب الاحبار المنحاز للامويين ورفيقه عبد لله بن سبأ الذي بدأ التشيع المعادى للأمويين، وكلاهما وضع تأويلات دينية للمعسكر الذي ينتمي اليه عن طريق وضع الأحاديث ونسبتها للنبى محمد بعد موته .

4 ــ وقد زعم كعب الاحبار علم الغيب الالهى وبأنه يقرأ التوراة والكتب السماوية السابقة التي لا يعرفها سواه ،وكان يحظى بالتصديق. واستغل علاقته بالصحابي ابي هريرة الذي كان يوالي الامويين ،وعن طريقهما نشطت الدعاية للامويين ووضعت احاديث في فضل معاوية وآله.  واستخدم الأمويون وظيفة القصص او من يقوم بالوعظ بعد الصلاة ويستخدم وعظه فى الدعاية للامويين ،وكان ابو هريرة الصحابى يروى أحاديث نبوية عن كعب ـ الذى لم ير النبى اذ أسلم فى عهد عمر ـ وكان كعب وأبوهريرة معا من اهم مصادر هذا الوعظ، ثم كان الاوزاعي في نهاية الدولة الاموية من اهم اعلام الدعاية الاموية فى جانبى القصص وتأليف الأحاديث النبوية.

5 ــ من الناحية الأخرى اخترع المعارضون احاديث تطعن في الأمويين وتؤلب عليهم وتفضح مجون خلفائهم. فعن الخليفة الماجن الوليد بن يزيد صنعوا أحاديث تزعم أن النبى محمدا قال ( .. ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له‏:‏ الوليد،لهو أشد فساداً لهذه الأمة من فرعون لقومه‏)‏‏‏‏.‏(سيكون في هذه الأمة فرعون يقال له‏:‏ الوليد‏)‏‏)‏‏.‏‏(‏‏(‏لا يزال هذا الأمر قائماً بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية). وقدكتبت هذه الأحاديث وراج أمرها فيما بعد فى العصر العباسى.وقد جمعها ابن كثير فى تاريخه فى حديثه عن الوليد بن يزيد.

6 ــ والشيعة نسبوا أحاديث تطعن فى معاوية وآله ورفاقه ، ومنها حديث مضحك يقول إن معاوية دخل على النبى محمد يحمل إبنه يزيد فقال النبى مشيرا اليه : رجل من أهل الجنة يحمل رجلا من أهل النار !!. ومعلوم أن النبى محمدا لم يكن له أن يتكلم فى الغيب وما سيحدث فى المستقبل، ومعلوم أيضا أن معاوية قد تزوج ميسون بنت بحدل الكلبية وأنجب منها يزيد أثناء ولايته على دمشق، أى بعد وفاة النبى محمد بثلاثة عقود.

7 ــ ومبكرا ، بدأت السبئية ـ اتباع عبد الله بن سبأ ـ بتأليه عليّ بن أبى طالب وزعم انه لم يقتل وانه سيرجع يوم القيامة ليملأ الارض عدلا ،ثم ظهرت الكيسانية تقول بأمامة محمد بن علي ابن ابي طالب  (ابن الحنفية )وتؤله الأئمة ،والكيسانية هم الذين انشأوا الدولة العباسية فيما بعد .واسفرت دعاوي الشيعة في العصر الاموي عن شيوع فكرة المهدي المنتظر، وبداية تأسيس المذهب الشيعي الذي اكتملت ملامحه في العصر العباسي .

8 ـ الخوارج كانوا ضحية حرب الأحاديث ، إذ توالى إختراع الأحاديث التى تهاجمهم ، وقد جمعها الملطى فى العصر العباسى فى كتابه ( التنبيه والرد ). منها حديث أبى هريرة المشهور :( يخرج فى آخر الزمان يقرأون القرآن فاتحته الى خاتمته لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية . )، وروى أيضا منسوبا لأبى سعيد الخدرى . هذا بالاضافة الى حديث ( ذو الثدية ) المشهور والذى ما لبث أن أدخلوه فى التاريخ لعلى بن أبى طالب فى التأريخ لمعركة النهروان تحت عنوان (.ذكر مقتل ذي الثدية) يروى ابن الأثير :( قد روى جماعة أن علياً كان يحدث أصحابه قبل ظهور الخوارج أن قوماً يخرجون يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، علامتهم رجل مخدج اليد، سمعوا ذلك منه مراراً، فلما خرج أهل النهروان سار بهم إليهم علي وكان منه معهم ما كان، فلما فرغ أمر أصحابه أن يلتمسوا المخدج، فالتمسوه، فقال بعضهم: ما نجده، حتى قال بعضهم: ما هو فيهم، وهو يقول: والله إنه لفيهم، والله ما كذبت ولا كذبت! ثم إنه جاءه رجل فبشره فقال: يا أمير المؤمنين قد وجدناه. وقيل: بل خرج علي في طلبه قبل أن يبشره الرجل ومعه سليم بن ثمامة الحنفي والريان بن صبرة فوجده في حفرة على شاطىء النهر في خمسين قتيلاًن فلما استخرجه نظر إلى عضده فإذا لحم مجتمع كثدي المرأة وحلمة عليها شعرات سود فغذا مدت امتدت حتى تحاذي يده الطولى ثم تترك فتعود إلى منكبيه. فلما رآه قال: الله أكبر ما كذبت ولا كذبت، لولا أن تنكلوا عن العمل لأخبرتكم بما قص الله على لسان نبيه، صلى الله عليه وسلم، لمن قاتلهم مستبصراً في قتالهم عارفاً للحق الذي نحن عليه.). نعيد التذكير والتأكيد أن النبى محمدا عليه السلام لم يكن يعلم الغيب .
 والخوارج أو البدو الثوريون المتدينون لم يبرزوا فى ميدان تأليف الأحاديث ، لأنهم كانوا يفكرون بسيوفهم ولكونهم أعرابا أجلافا فلم تكن لهم خلفية ثقافية تؤهلهم لهذا المكر الثقافى أو تلك الحرب الفكرية . إستعاضوا عن هذا بأن كانوا أول من بدأ  ــ عمليا ــ بمزج الدين بالثورة الدموية واستحلال دم الأبرياء بعد تكفيرهم. وهو تشريع قاموا بتطبيقه بسيوفهم بلا رحمة فى العصر الأموى. الا انهم بمجىء  العصر العباسي كانوا قد استهلكتهم الثورات المتكررة علي الامويين وخلافاتهم المتكررة الداخلية فتضاءلت ثوراتهم بمرور الزمن مع ضعف شأن الأعراب عموما فى العصر العباسى . وعلى سنتهم سار أعراب الجزيرة العربية فى حركاتهم الثورية التدميرية من حركات الزنج والقرامطة الى الوهابية فى عصرنا ، وكلها نبتت من منطقة نجد وتوسعت فيما حولها .

 

طبيعة الأديان الأرضية المتعارضة فى العصر الاموي

 التطرف فى الزعم وفى التطبيق

1 ـ شهد العصر الاموي تطرفا نوعيا في بعض الآراء الدينية لتلك الأديان الأرضية الي درجة ان الشيعة السبئية قبل العصر الأموى بادرت بتقديس (علي ) في حياته مما اضطره لأحراقهم ، كما ان الخوارج في تطرفهم في تكفير كل   المخالفين قرنوا القول بالعمل فكانوا يستحلون دماء مخالفيهم حتى من المسالمين الذين لا شأن لهم بالحرب أو السياسة .

2 ـ الامويون بدورهم اسرفوا في انتهاك حرمة البيت الحرام وقتل أهل المدينة وسائر الرموز المتصلة بالنبى محمد وأسرته وأهله وأصحابه ، وتعدى الأمر الى القتل بمجرد الشبهة مثلما كان يفعل الحجاج وغيره ، ونسبوا جرائمهم الى الله تعالى وارادته وقضائه وقدره ومشيئته.

البساطة وعدم التأصيل الفكرى :

1 ـ ومع وجود هذا التطرف بالرأي والسلوك فى الصراع السياسي بين تلك الأديان الأرضية الا انها ظلت فى مرحلة البساطة ، فلم تتح لها الفرصة الكافية للاكتمال نظرا لأن الأمويين كانوا عربا إنحصرت إهتماماتهم فى القبائل العربية مع إحتقار غير العرب ، وغير العرب هم أهل حضارة وتدوين وثقافة . لذا إزدهر الشعر وتضاءل العلم الدينى ليصبح مجرد جلسات للسمر تجتر روايات شفهية فى التاريخ وأحاديث منسوبة للنبى وايام العرب ووقائعهم . والخلفاء الأمويون الذىن أقاموا الدولة ووطدوها ( معاوية ، مروان بن الحكم ، وعبد الملك بن مروان ) لم يكن لديهم وقت فراغ للإهتمام بالعلم ـ مع إفتراض الرغبة فيه . والخلفاء اللاحقون أمضوا وقت فراغهم فى المجون ، ثم هذا الانغماس الأموى في الفتوحات فى الشرق الآسيوى وضد البيزنطيين وفى مواجهة الثورات الداخلية التى قام بها الشيعة والعلويون والموالى والأقباط والبربر والخوارج ، بالاضافة الى الصراعات بين القبائل والتى أسهم فيها الأمويون بسبب نشرهم التعصب القبلى ، وسنعرض له لاحقا . لم تعرف الدولة الأموية هدنة . إمتلأ تاريخها القصير بحمامات الدم .  

2 ـ قصر عمر الدولة الاموية الملئ بالاحداث الهائلة الداخلية والخارجية وثقافتها العربية البدوية حال دون اكتمال الحركة العلمية الفكرية في العصر الاموي .ولذلك لم يكن هناك وقت للتأصيل الفكري لتلك الأديان فظلت فى دائرة التعبير العنيف عن الصراع الحربى والسياسى بين الدولة الأموية وخصومها، دون تدوين منظم بعقائد وطقوس ورسوم دينية .

3 ـ وهكذا ، ففى العصر الأموى كان التدين بسيطا اقتصر علي تغليف السلوكيات القائمة فعلا برأي ديني ، فالقتل تحول الي تكفير فاستحلال ،أي كان التدين في بساطته يعتبر وسيلة لتبرير الرأى السياسي مثلا ولم يكن هدفا قائما في حد ذاته. أما  في العصر العباسي فقد اكتملت ـ مثلا ـ طقوس التشيع و مراسيمة الدينية ، واصبح السعي السياسي لأقامة دولة شيعية نابعا من ذلك التدين الشيعي المكتمل بعقائده وجدلياته واركانه ورسومه وطوائفه .

بداية التشريع الفقهى للدين السنى فى العصر الأموى

1 ـ  إلا إن الأخطر فى موضوع الأديان الأرضية فى العصر الأموى أنه دارت حولها البدايات الشفهية للحركة العلمية التى قام على أساسها التشريع الفقهى لأشهر الأديان الأرضية للمحمديين . من خلالها نشأ ما أصبح فيما بعد يعرف باسم علم الحديث أو الأقوال المنسوبة للنبى محمد ، وعلم التفسير بالمأثور أو التفسيرات القرآنية المنسوبة للنبى محمد. هى كلها إفرازات لدين أرضى ينسب نفسه زورا وبهتانا للوحى الالهى ، ولكنها أخذت تتحدث فى الأمور المعيشية وتضع أحكاما شرعية لها ، وحتى تحظى هذه الآراء البشرية بالتصديق وحتى لا تتعرض للاعتراض والنقد فقد نسبها قائلوها للنبى محمد وجعلوها وحيا سماويا. وكانت تلك هى البداية الشفهية لانشاء تشريع لدين أرضى، أمكن له التسجيل والتدوين فى العصر العباسى تحت إسم السنة.

2 ـ وإنقسم هذا التشريع السنى الى مدارس مختلفة فى العصر العباسى ، بقى منها حتى الآن ما يعرف بالمذاهب الأربعة أو المدارس الفقهية السنية الأربعة ، وهى المالكية نسبة للامام مالك بن أنس فى المدينة ، والحنفية نسبة للامام أبى حنيفة فى العراق ، والشافعية نسبة للامام الشافعى فى العراق ومصر ، ثم الحنبلية نسبة للامام أحمد بن حنبل، وهى أكثر تلك المدارس تزمتا. والوهابية فى عصرنا هى آخر تجليات الفقه الحنبلى وأكثر تياراته تزمتا وتعصبا.

3 ـ هذا الدين السُّنّى ( بالذات ) وفقهه التشريعى وأحاديثه المبنية على الإفتراء هو الذى أجهض الحركة العلمية الحقيقية ( فلسفة ، طب ، كيمياء ، موسيقى ، هندسة ، جبر ..الخ ) والتى قامت على أكتاف ( الموالى ) ، بدأت بالترجمة عن اليونان ثم إستقلت تتكلم بالعربية ، وإزدهرت فى وقت قصير ثم قضى عليها الحنابلة السنيون فى العصر العباسى الثانى .

أثر الغزو العربى فى الحركة الفكرية الدينية

1 ـ الغزو العربى وتكوين امبراطورية عربية تحمل اسم الاسلام ، هو المفتاح لفهم الخلفية التاريخية لذلك الدين السنى وتراثه الفقهى.

2 ـ انشغل العرب بالفتوحات والنزاع السياسى والعسكري خلال فترتى الراشدين والأمويين ، ولم يكونوا فى الأصل أصحاب حضارة سابقة أو من الأمم ذات الشهرة فى الكتابة والتدوين. كانت الأمم المفتوحة ذات ارث حضارى متصل ومكتوب، وقد تعامل العرب معهم فى الدولة الأموية على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية ، فكان لقبهم السائد ( موالى ) أى الأتباع والخدم والعبيد سواء منهم من كان رقيقا أو كان حرا فى بلاده، اذ كان يدفع الجزية حتى لو أسلم.

3 ـ فى وقت انشغال العرب بالفتوحات والفتن والحروب الأهلية والفتن والمكائد السياسية نشأ جيل جديد من الموالى خدم كبار الصحابة ونقل حكاياتهم ، وكانت لهم خلفية علمية لم تكن موجودة لدى العرب ، وكان العلم سبيلهم فى التميز الاجتماعى فى مواجهة أسيادهم العرب، كما كانت المبالغة فى  التدين وترك الدنيا بدعوى الزهد  طريقة بعضهم فى المزايدة الدينية على العرب (المسلمين) الذين تنازعوا وسفكوا ـ فى سبيل حطام الدنيا ـ الدماء البريئة التى حرمها الله تعالى. 

4 ــ أولئك الموالى وأبناؤهم كانوا قادة الحركة العلمية فى العصر الأموى، خصوصا بعد موت المتأخرين من الصحابة ، والذين كانوا أطفالا وصبية صغارا فى حياة النبى محمد ، مثل خادم النبى الصحابى أنس بن مالك الذى توفى بالبصرة سنة 92 عن عمر يناهز 99 عاما،وهو آخر من توفى من الصحابة بالبصرة ، وعبد الله بن أوفى ت 86 وعبد الله بن الزبير 73 وابن عمرو 65  وابن عمر 74 وابن عباس 68 . جاء بعدهم من خدمهم من الموالى مثل سالم مولى عبد الله بن عمر 106، و عكرمة مولى ابن عباس الذى اخترع حديث الردة،أو قتل المرتد القائل : (من بدّل دينه فاقتلوه ) والتفاصيل فى كتابنا : حد الردة.

5 ــ ينقل المؤرخ إبن الجوزى عن الراوية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قوله  لما مات العبادلة " عبد الله بن عمر وعبدالله بن عمرو و عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير" صار الفقه فى جميع البلاد الى الموالى ، فكان فقيه أهل مكة عطاء بن رباح ، وفقيه أهل اليمن طاووس ، وفقيه أهل اليمامة يحيى بن كثير ، وفقيه أهل البصرة الحسن البصرى ، وفقيه أهل الشام مكحول ، وفقيه أهل خراسان عطاء الخراسانى ، إلا المدينة فان الله تعالى خصّها بقرشى فكان فقيه أهل المدينة سعيد بن المسيب غير مدافع ) ( تاريخ المنتظم 6 : 319 ـ 320 ).

6 ــ هذه الرواية تجاهلت مشاهير الفقهاء من الموالى  مثل سعيد بن جبير  ت 95 والشعبى  ت 104 و مجاهد بن جبر 104 وابن سيرين 110  ومالك بن دينار 130 وكلهم من العراق ، كما أنها تجاهلت مصر تماما ، و قد قاد الحركة الفقهية فيها بعد سالم مولى ابن عمرو فقيه مشهور من الموالى هو الليث بن سعد المتوفى 175 وكان مولى لخالد الفهمى ، وكان الليث معاصرا لأبى حنيفة فى العراق وأستاذا لمالك بن أنس فى المدينة. وعن مدرسة المدينة فقد كان فقيهها سعيد بن المسيب الذى ولد بعد سنتين من مقتل عمر بن الخطاب ، ثم عاش ليدرك الدولة الأموية معارضا سلميا لها الى أن مات فى خلافة الوليد بن عبد الملك سنة 94 ، وكان من أشهر تلامذته الزهرى  ت  124، والذى زعم الامام مالك بن أنس ت 179 الرواية عنه  . كما أن مالك بن أنس كان أستاذه فى المدينة مولى وكان أعرف بالفقه والعلم منه ، إذ جمع بين الرأى ـ أى الاجتهاد العقلى ـ  والحديث،  إنه فروخ ، أو ربيعة الرأى المتوفى سنة 136 . إلا أن العصبية العربية أشهرت مالك وتجاهلت فروخ ، أو ربيعة الرأى الذى كان أستاذا أيضا لأبى حنيفة فى مدرسة الرأى والاجتهاد.

ابن الجوزى نقل الرواية السابقة عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم المتوفى سنة 182 ، أى كان معاصرا لأولئك الأعلام ولكن تجاهلهم. وقد يكون هذا التجاهل مبعثه اختلاف الرأى أو الحسد ، إذ لم تبلغ شهرة إبن أسلم أو علمه مبلغ أولئك الأعلام.

7 ــ المسكوت عنه هنا أن معظم هؤلاء الأعلام من الفقهاء لم يكونوا فقهاء بالمعنى العلمى ، بل كانوا وُعّاظا يفترون أحاديث ينسبونها للنبى وينشرونها بعد وفاته بعشرات القرون ، ويكتسبون بها جاها بين الناس وزعامة بينهم ، خصوصا مع إحترافهم الزهد عن الدنيا مقابل الأمويين الذى إحترفوا الاقتتال وسفد الدماء طمعا فى الدنيا .

على عتبة العصر العباسى

1 ـ جاء العباسيون للحكم بسيوف الفرس (المسلمين ) من أتباع أبى مسلم الخراسانى ومساعدة من قبائل العرب القحطانية ، فتحولت الكفة الراجحة للموالى فتطرف بعضهم الى درجة الشعوبية ، أى التعصب للقومية الفارسية وانتقاص العرب، بل والطعن فى الاسلام . وبعضهم اشتهر بالالحاد والزندقة التى كانت (موضة) المثقفين وكتبة الدواوين العباسية،   ولا بأس بها لدى الخلافة العباسية طالما يظل ولاء الزنديق للدولة العباسية، فاذا كان متهما فى ولائه عوجل بتهمة الزندقة وقتلته الدولة بحد الردة حتى لو كان مسلما ورعا أو شريفا علويا. كانت هذه وظيفة حد الردة الذى اخترعوه لقتل خصوم الدولة باسم الشرع، على نحو ما أوضحنا فى كتب ( حد الردة ) و( الحسبة ) وغيرها.

2 ـ واذا كان العصر الأموى قد شهد بداية الحركة العلمية فى بساطتها وسذاجتها وشفهيتها فان العصر العباسى الأول هو الذى شهد ازدهارها وتدوينها وتشعبها وتنوعها وتعقيدها من العمومية الى التخصص ومن الرواية الشفهية الى التدوين والتسجيل والنسخ والكتابة  .

وبدا واضحا أن الحضارات السابقة فى الرافدين والنيل قد تم بعثها وتلقيحها برؤي تنسب نفسها الى الاسلام وتنطق بالعربية تعبر بها عن ثقافة عباسية جمعت بين ثقافات الشعوب الخاضعة للعباسيين ـ بقدر ما تناقضت مع جوهر الاسلام ، خصوصا فى البيئات النهرية الحضارية فى مصر والرافدين .

3 ـ وكان لهذا التطور تأثيره فى الجزيرة العربية الموطن الأول للرسالة الاسلامية الخاتمة.وظهر هذا التأثير فى المدرسة العلمية للمدينة التى أنجبت الامام مالك فى النهاية وكتابه الأشهر ( الموطأ ) أقدم كتاب فى الفقه السنى .تلك المدرسة هى التى بدأت بإختراع الأحاديث ونسبتها للنبى محمد بعد موته، مما أرسى دعائم التشريع للدين الأرضى السنى فيما بعد.

4 ــ لقد تعقدت الحياة فى العصر العباسى فى بيئات الأنهار مثل العراق والشام ومصر ، بل ان دخول أبناء الأمم المفتوحة ــــ أو الموالى ــــ فى الاسلام ومعيشة بعضهم فى الجزيرة العربية جعل الحياة الصحراوية البسيطة فى مكة والمدينة أكثر تطورا. والبيئات الصحراوية بالذات منغلقة رتيبة الحركة تعيش على التقليد وتنأى عن التطور، والمدينة ومكة كانتا معا أهم الحواضر فى صحراء الجزيرة العربية. وبينما ظلت أهمية مكة سارية بالمسجد الحرام وظلت علاقتها بالتطور متجددة بالحج والعمرة فان المدينة لم تعد عاصمة المسلمين بعد مقتل عثمان ، اذ تحولت العاصمة الى الكوفة ثم دمشق ، ثم بغداد ، وأنحسرت عن المدينة الأضواء وتحول المال والقوة والاهتمام والحركة وصنع التاريخ الى العراق والشام ومصر. ولم يعد للمدينة الا أن تعيش على ماضيها حين كانت عاصمة النبى محمد ومركز القوة والسيطرة فى عهد الخلفاء ( الراشدين ) وكبار الصحابة. من هنا تخصصت المدينة فى (حكى ) أو رواية تاريخ النبوة شفهيا،اذ هو تاريخ الآباء والأجداد لمن عاش من ذرية الصحابة فى المدينة فى العصر العباسى. ثم إنتقلت من رواية سيرة النبى محمد الى إختراع أحاديث منسوبة له ، أى إنتقلت من التأريخ الى التشريع وتأسيس دين أرضى حمل فيما بعد إسم السنة.

5 ــ ولأنها بيئة ماضوية تعيش على الماضى المجيد وتنسب نفسها للنبى محمد وعصره فقد واجهتها مشكلة التأقلم مع التطورات الجديدة الآتية من البيئات النهرية ذات الحضارة القديمة من مصر والعراق وفارس والشام. لم يكن متاحا الاجتهاد العقلى الصريح لأن البيئة تنكره وتنتصر للتقليد والاحتكام للماضى. كان المتاح هو إعطاء رأى عقلى بالاجتهاد وتغطية ذلك الاجتهاد بنسبة ذلك الرأى للنبى محمد عليه السلام أو لكبار الصحابة أو لما كان يعرف بعمل أهل المدينة. أى ما تعود أهل المدينة على عمله بالتوارث من عهد النبوة. وهكذا يقول أحدهم رأيا فلا يجرؤ على نسبته لنفسه ، خشية السخط عليه فيسارع بنسبته للنبى أو لأحد كبار الصحابة.

هذا هو منهج الامام مالك الذى منع الاجتهاد العقلى أو (أن يقول أحد فى الاسلام برأيه ) اكتفاء بالحديث، وتلك مدرسة الحديث الحجازية التى واجهت مدرسة الرأى والاجتهاد العقلى فى العراق التى أنشأها أبوحنيفة .

6 ـ ثم ما لبث الحديث أن تسيد العراق والشرق الآسيوى فى العصر العباسى . بدأ هذا بالتطور الذى أحدثه فيها الشافعى 204  ت الذى أسّس الدين السنى ، وضع تشريعاته فى كتاب (الأم )ووضع منهاجه فى كتابه ( الرسالة ) . ولكن الظروف السياسية والحربية هى التى أحدثت هذا التطور . إذ أنه بقمع الثورات الفارسية المسلحة فى الشرق الآسيوى ركن أحبار المزدكية والزردشتية الى الى المقاومة السلمية ، فتكاثر منهم علماء الحديث ، وهو العلم الذى كانت ترعاه الخلافة العباسية وتستخدمه فى دعوتها وسلطانها . ومن المفارقات التاريخية أنه بالقضاء على آخر الحركات الفارسية المسلحة دخل الفّرس المثقفون فى دين الحديث والسًّنّة أفواجا ، وحملوا ( ولاءا ) عربيا ، أى يكون بالولاء تابعا لإحدى القبائل العربية . وبهذا شهد العصر العباسى الثانى نبوغ مدرسة الحنابلة نسبة للفقية الفارسى الأصل أحمد بن حنبل ، وإشتهر معه البخارى ومسلم وابن ماجه والحاكم النيسابورى والترمذى والنسائى ..الخ . وبهم تأسس الدين السُنى بفرعيه الفقه والحديث . وأصبح فيه أحبار الفُرس آلهة الدين الجديد .   

بهذا نتأهل لدخول العصر العباسى . عصر تطور الديانات الأرضية .

لمحة تاريخية عن نشأة وتطورأديان المحمديين الأرضية : ج1 : من الخلفاء الراشدين الى العثمانيين
هذا الكتاب :
تمت كتابته الأولية عام 2006 ، وتأخر نشره ، وكان بذرة لآبحاث متخصصة تم نشرها فيما بعد مثل ( وعظ السلاطين ) و ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) و ( الفتنة الكبرى الثانية ) و ( مذبحة كربلاء ) و ( الحنبلية أم الوهابية وتدمير العراق فى العصر العباسى الثانى ) . بالإضافة الى كتاب لم يكتمل عن مسلسل الدم فى عصر الخلفاء وتقسيم العالم الى معسكرين . هذا الكتاب يقدم لمحة عن الأرضية التاريخية التى نبعت فيها الأديان الأرضية المحمدية من سنة وتشيع وتصوف .ونقسمه الى جزئين : الأول عن عصر الخلفاء من الراشدين الى العثمانيين . والآخر عن نشأة وإنتشار الدين الوهابى الحنبلى السنى الذى ينشر التدمير فى العالم اليوم حاملا إسم
more




مقالات من الارشيف
more