رقم ( 3 )
الفصل الأول : لو تدبّر الغرب القرآن لتغير تاريخ العالم فى التقدم العلمى:

الفصل الأول : لوتدبّرالغربالقرآنلتغيرتاريخالعالمفىالتقدمالعلمى:

 المقال الأول : سبقالقرآنالكريمالغرب فىالمنهجيةالعلميةفىالعلومالطبيعية

مقالات متعلقة :

 المقال الثانى : إنكار الغيبالقرآنى خطأ فى المنهج الغربى البحثى

 المقال الثالث : ما لم يعرفه الغرب عن السماء والسماوات : ( معنى السماء والسماوات )

المقال الرابع :   ( خلق وتدمير السماوات والأرض )

المقال الخامس : ما بين السماوات والأرض :   

المقال السادس : الماء بين السماوات والأرض وفى هذه الدنيا وفى اليوم الآخر  

المقال السابع : البرزخ والأكوان الموازية   

 المقال الثامن : التسخير  

  المقال التاسع :   (الزمن )

 المقال العاشر : علم الذرة بين القرآن والعلم الحديث

 الفصل الثانى :

 الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم

الحلقة الاولى : المنهج القرآني للفكر الاسلامى :  الليل و النهار فى الاعجاز العلمي للقرآن.

الحلقة الثانية: جدلية الإعجاز العلمى في القرآن الكريم

الحلقة الثالثة: منكرو الأعجاز العلمى للقرآن وقضية التدرج العلمي

الحلقة الرابعة: الإعجاز العلمى ومعجزات داود وسليمان عليهما السلام

الحلقة الخامسة: هو الذى يسيركم في البر والبحر

 الملاحق :

1 ـ علامات اقتراب الساعة واقتراب الفزع الأكبر

 2 ــ الفزع الأكبر وقيام الساعة

3 ــ    يأجوج ومأجوج

خاتمة كتاب (  لو تدبّر الغرب القرآن لتغير تاريخ العالم فى التقدم العلمى )

 

مقدمة

فى القرآن الكريم إشارات علمية ، والذى يكتب عنها ليست كتاباته معصومة من الخطأ . وتاريخ العلم يسير وحتى الآن فى إطار المحاولات غير المعصومة من الخطأ ، وبعضها ينجح وبعضها يفشل . والفشل يدفع لمحاولات النجاح . وبالمحاوولة والخطأ يتقدم العلم بإصرار العلماء على المتابعة

هذا الكتاب لا يكتفى بربط الاشارات العلمية القرآنية بما يكتشفه العلم من نظريات وحقائق ، بل يهدف الى التنبيه على عوالم البرزخ التى بدأ العلم يطرق بابها ، وعلى أنه ليس كل شىء مادي لا يُعترف به ، فالنفس المتحكمة فى الجسد تنتمى الى البرزخ . و( المخ ) ليس سوى حجرة التحكم التى تقود بها النفس هذا الجسد . وأن حياة الجسد وأى حيوان تختلف عن الحياة بالنفس المسئولة صاحبة الاختيار والاختباروإذا كان تاريخ العلم يحفل بقفزات فكرية غيرت مجراه فإن هذا الكتاب يهدف الى تنبيه العلماء المتخصصين الى إشارات القرآن العلمية خصوصا فى المجالات التى لا يعترف بها العلم الغربى ويعتبرها غيبيات دينية لا مجال لبحثها . العلم حاليا بإختراعاته وصل الى ما كان يعتبره البشر من قرن واحد فقط ــ من الخيالات والخرافات . تضاءلت الفوارق بين ما هو (خيال علمى ) وما هو ( إنجاز علمى ) . لماذا لا يلتفت العلماء المختصون الى ما أورده القرآن الكريم عن عوالم البرزخ للسماوات والأرض . لست متخصصا فى العلوم ، أنا مجرد باحث قرآنى أتدبر قرآنيا بعض الاشارات القرآنية العلمية . ولا شك أن المتخصصين علميا هم أقدر على فهمها أفضل منى . وهذا يثبت أن عظمة القرآن تجعل إشاراته العلمية المتخصصة فى متناول من ليس متخصصا ، وهى فى نفس الوقت تعطى فرصة للمتخصصين فى التعمق ، وهذا ما نأمله . ويكفى أنه مرت قرون طويلة إبتعد فيها الغرب عن إشارات علمية قرآنية ، ثم إكتشفوها بعد قرون من القرآن . ولا تزال هناك إشارات علمية أخرى لم يصل اليها العلم ، ونأمل أن تحظى بإهتمام العلماء .

يبقى أن أقول أن ما أكتبه هنا هو محاولة تقبل التصحيح وترجوه .  

أحمد صبحى منصور

سبرنج فيلد ،فيرجينيا . الولايات المتحدة الأمريكية

5 يولية 2017

 

الفصل الأول : لوتدبّرالغربالقرآنلتغيرتاريخالعالمفىالتقدمالعلمى:

 

(المقال الأول):

سبقالقرآنالكريمالغرب فىالمنهجيةالعلميةفىالعلومالطبيعية

مقدمة

1 ــوصلالغرببالتعقلالىالنجاحفىالدنيا،فدخلبالعالممعهالىمخترعاتتتوالىوتقتربمنالخيال،جعلتالحياةأكثرسهولة. وصلالغرببهذابفطرتهدونأنيعرفالقرآن،بلدونأنيعترفبالقرآن،لأنمعرفتهبالقرآنهىمنخلالالترجمات،وهذهالترجماتتعكستحريفالمحمديينللقرآنالكريم. أىعرفالغربالاسلاموالقرآنمنخلالفسادالمحمديين،ومنخلالجرائمالمحمديينالوهابيينالذينيُعرفونبالاسلاميين، وهم ( محمديون ) يعبدون محمدا وقد إتخذوا القرآن مهجورا ، فهم الذين خسروا الدنيا والآخرة ، بينما نجحالغربفىالدنياولكنهيخسرالآخرة. ونحننتكلمعنالأغلبيةوليسعلىالعمومونتكلمبالتحديدعنآياتأوإعجازاتالقرآنالعلمية،ماذالوعرفهاالغربمنذالنهضةالأوربية؟أكيدسيختلفتاريخالعالمالىالأفضل.

2 ـدونأىإحساسبالخجلأوالعاريهللفقهاءالمحمديينلبعضالمكتشفاتالغربيةوالتىتبدولهاإشاراتفىالقرآنالكريم،فترتفععقيرتهمبأنالقرآنالكريمسبقالحضارةالحديثة. لميتعقلأحدهمويتساءل: إذاكانهذاموجودافىالقرآن،وهومعهممن14 قرنافلماذالميكونواأولمنيكتشفهذاالإعجازالعلمىفىالقرآنالكريم؟!وبالتالىفالمسئوليةهىعلىأئمةالسنيينبالذاتالذينإتخذواالقرآنمهجورا،وخصوصاأئمةالسنيينالحنابلةالذينأجهضواالحركةالعلميةالمسلمةالتىتزعمهاابنسيناوالفارابىوالبيرونىوالرازىوالخوارزمىوجابربنحيان..وغيرهم. وقدأوضحناهذافىمقالاتمنشورةهناعنأثرالحنبلية( أمالوهابية) فىتدميرالعراقفىالعصرالعباسىالثانىوهذا يذكرنا بقوله جل وعلا يخاطب العرب فى إنزاله القرآن باللسان العربى : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)  يوسف ) (  إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)  الزخرف ) . وهم لم يتعقلوه ، بل فرضوا عليه خرافاتهم فيما يسمى بالتفسير والحديث ، وقاموا بتلاعب بمفاهيمه بالتأويل وبإلغاء أحكامه بما يسمى بالنسخ . وإنشغلوا بخرافات أديانهالفصل الأول : لو تدبّر الغرب القرآن لتغير تاريخ العالم فى التقدم العلمى:
 
 المقال الأول : سبق القرآن الكريم الغرب فى المنهجية العلمية فى العلوم الطبيعية
 المقال الثانى : إنكار الغيب القرآنى خطأ فى المنهج الغربى البحثى
 المقال الثالث : ما لم يعرفه الغرب عن السماء والسماوات : ( معنى السماء والسماوات )
المقال الرابع : ( خلق وتدمير السماوات والأرض )
المقال الخامس : ما بين السماوات والأرض :
المقال السادس : الماء بين السماوات والأرض وفى هذه الدنيا وفى اليوم الآخر
المقال السابع : البرزخ والأكوان الموازية
المقال الثامن : التسخير
المقال التاسع : (الزمن )
المقال العاشر : علم الذرة بين القرآن والعلم الحديث
الفصل الثانى :
الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم
الحلقة الاولى : المنهج القرآني للفكر الاسلامى : الليل و النهار فى الاعجاز العلمي للقرآن.
الحلقة الثانية: جدلية الإعجاز العلمى في القرآن الكريم
الحلقة الثالثة: منكرو الأعجاز العلمى للقرآن وقضية التدرج العلمي
الحلقة الرابعة: الإعجاز العلمى ومعجزات داود وسليمان عليهما السلام
الحلقة الخامسة: هو الذى يسيركم في البر والبحر
الملاحق :
1 ـ علامات اقتراب الساعة واقتراب الفزع الأكبر
2 ــ الفزع الأكبر وقيام الساعة
3 ــ يأجوج ومأجوج
خاتمة كتاب ( لو تدبّر الغرب القرآن لتغير تاريخ العالم فى التقدم العلمى )

مقدمة
فى القرآن الكريم إشارات علمية ، والذى يكتب عنها ليست كتاباته معصومة من الخطأ . وتاريخ العلم يسير وحتى الآن فى إطار المحاولات غير المعصومة من الخطأ ، وبعضها ينجح وبعضها يفشل . والفشل يدفع لمحاولات النجاح . وبالمحاوولة والخطأ يتقدم العلم بإصرار العلماء على المتابعة .
هذا الكتاب لا يكتفى بربط الاشارات العلمية القرآنية بما يكتشفه العلم من نظريات وحقائق ، بل يهدف الى التنبيه على عوالم البرزخ التى بدأ العلم يطرق بابها ، وعلى أنه ليس كل شىء مادي لا يُعترف به ، فالنفس المتحكمة فى الجسد تنتمى الى البرزخ . و( المخ ) ليس سوى حجرة التحكم التى تقود بها النفس هذا الجسد . وأن حياة الجسد وأى حيوان تختلف عن الحياة بالنفس المسئولة صاحبة الاختيار والاختبار . وإذا كان تاريخ العلم يحفل بقفزات فكرية غيرت مجراه فإن هذا الكتاب يهدف الى تنبيه العلماء المتخصصين الى إشارات القرآن العلمية خصوصا فى المجالات التى لا يعترف بها العلم الغربى ويعتبرها غيبيات دينية لا مجال لبحثها . العلم حاليا بإختراعاته وصل الى ما كان يعتبره البشر من قرن واحد فقط ــ من الخيالات والخرافات . تضاءلت الفوارق بين ما هو (خيال علمى ) وما هو ( إنجاز علمى ) . لماذا لا يلتفت العلماء المختصون الى ما أورده القرآن الكريم عن عوالم البرزخ للسماوات والأرض . لست متخصصا فى العلوم ، أنا مجرد باحث قرآنى أتدبر قرآنيا بعض الاشارات القرآنية العلمية . ولا شك أن المتخصصين علميا هم أقدر على فهمها أفضل منى . وهذا يثبت أن عظمة القرآن تجعل إشاراته العلمية المتخصصة فى متناول من ليس متخصصا ، وهى فى نفس الوقت تعطى فرصة للمتخصصين فى التعمق ، وهذا ما نأمله . ويكفى أنه مرت قرون طويلة إبتعد فيها الغرب عن إشارات علمية قرآنية ، ثم إكتشفوها بعد قرون من القرآن . ولا تزال هناك إشارات علمية أخرى لم يصل اليها العلم ، ونأمل أن تحظى بإهتمام العلماء .
يبقى أن أقول أن ما أكتبه هنا هو محاولة تقبل التصحيح وترجوه .
أحمد صبحى منصور
سبرنج فيلد ،فيرجينيا . الولايات المتحدة الأمريكية
5 يولية 2017

الفصل الأول : لو تدبّر الغرب القرآن لتغير تاريخ العالم فى التقدم العلمى:

(المقال الأول):
سبق القرآن الكريم الغرب فى المنهجية العلمية فى العلوم الطبيعية
مقدمة
1 ــ وصل الغرب بالتعقل الى النجاح فى الدنيا ، فدخل بالعالم معه الى مخترعات تتوالى وتقترب من الخيال ، جعلت الحياة أكثر سهولة . وصل الغرب بهذا بفطرته دون أن يعرف القرآن ، بل دون أن يعترف بالقرآن ، لأن معرفته بالقرآن هى من خلال الترجمات ، وهذه الترجمات تعكس تحريف المحمديين للقرآن الكريم . أى عرف الغرب الاسلام والقرآن من خلال فساد المحمديين ، ومن خلال جرائم المحمديين الوهابيين الذين يُعرفون بالاسلاميين، وهم ( محمديون ) يعبدون محمدا وقد إتخذوا القرآن مهجورا ، فهم الذين خسروا الدنيا والآخرة ، بينما نجح الغرب فى الدنيا ولكنه يخسر الآخرة . ونحن نتكلم عن الأغلبية وليس على العموم . ونتكلم بالتحديد عن آيات أو إعجازات القرآن العلمية ، ماذا لو عرفها الغرب منذ النهضة الأوربية ؟ أكيد سيختلف تاريخ العالم الى الأفضل .
2 ـ دون أى إحساس بالخجل أو العار يهلل فقهاء المحمديين لبعض المكتشفات الغربية والتى تبدو لها إشارات فى القرآن الكريم ، فترتفع عقيرتهم بأن القرآن الكريم سبق الحضارة الحديثة . لم يتعقل أحدهم ويتساءل : إذا كان هذا موجودا فى القرآن ، وهو معهم من 14 قرنا فلماذا لم يكونوا أول من يكتشف هذا الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ؟! وبالتالى فالمسئولية هى على أئمة السنيين بالذات الذين إتخذوا القرآن مهجورا ، وخصوصا أئمة السنيين الحنابلة الذين أجهضوا الحركة العلمية المسلمة التى تزعمها ابن سينا والفارابى والبيرونى والرازى والخوارزمى وجابر بن حيان ..وغيرهم . وقد أوضحنا هذا فى مقالات منشورة هنا عن أثر الحنبلية ( أم الوهابية ) فى تدمير العراق فى العصر العباسى الثانى . وهذا يذكرنا بقوله جل وعلا يخاطب العرب فى إنزاله القرآن باللسان العربى : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف ) ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) الزخرف ) . وهم لم يتعقلوه ، بل فرضوا عليه خرافاتهم فيما يسمى بالتفسير والحديث ، وقاموا بتلاعب بمفاهيمه بالتأويل وبإلغاء أحكامه بما يسمى بالنسخ . وإنشغلوا بخرافات أديانهم الأرضية بينما إستيقظ الغرب وتحرر من سكزة دينه الأرضى فانطلق يسير فى الأرض ويكتشف آلاء الله جل وعلا فى الخلق ، فدخل بالبشرية فى مرحلة الاختراعات والتطور التكنولوجى الذى يتزايد كل يوم ، وتتضخم به معلوماتنا عن هذا الكوكب الأرضى والفضاء الخارجى ، بل وأصبح يطرق ما أسموه بالعالم الموازى ـ او البرزخ .
3 ـ ونقول هنا إنه لو عرف علماء النهضة الأوربية وروّاد الاختراع فيها القرآن الكريم لوفروا قرونا على البشرية ولتنتعمت البشرية بهذا التقدم العلمى من قرون مضت . ومع هذا ـ وحتى الآن ـ فلا تزال الفرصة باقية للغرب لكى يختصر الكثير ويخترع الكثير ويفسر الكثير من المعميات المعاصرة لو إتّجه الى القرآن ( العربى وليس ترجماته البائسة . ولكنهم عن القرآن الكريم غافلون . إن الله جل وعلا يقول عن ( علم ) أولئك الغافلين: ( يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) الروم.) وقد سبق لنا نشر بعض حلقات هنا عن الإعجاز العلمى فى القرآن ، ونرجو أن يتوفر الوقت والجهد لاستكمالها ، ولكن نقرر هنا سريعا ما يلى :
أولا :
سبق القرآن الكريم الغرب فى المنهجية العلمية فى العلوم الطبيعية :
تخلفت البشرية طيلة العصور الوسطى لأنها إتبعت المنهج اليونانى فى بحث العلوم الطبيعية وهو يقوم على إهمال التجربة العلمية ، ولكن سبق القرآن الكريم بالاشارة الى المنهج العلمى التجريبى فى بحث العلوم الطبيعية: وهو منهج يقوم على :
منع البحث فى الغيبيات .
1 ـ فهناك عالم الشهادة ، وهو ما نراه ونشهده ، وتصل اليه حواسنا وأجهزتنا . وهناك عالم الغيب الذى هو محجوب عنا . الله جل وعلا وحده هو عالم الغيب والشهادة : (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) الحشر ) . وهو يخبر بعض الغيب لبعض الرسل : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27) الجن ).
2 ـ وقد ذكر رب العزة جل وعلا بعض الغيوب عن الأمم السابقة وعن مستقبل فى هذه الدنيا وعن علامات الساعة واليوم الآخر ، كما ذكر مخلوقات غيبية عنا من الجن والملائكة . وهذا الغيب المذكور فى القرآن الكريم يجب الايمان به ضمن الايمان بكل ما جاء فى القرآن الكريم ، وهذا معنى الايمان بالغيب كصفة من صفات المتقين المؤمنين بالقرآن الذى لا ريب فيه : (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) البقرة ). الايمان يعنى التسليم بغيب لا ندركه ولا يمكن أن نلمسه أو أن نصل اليه بحواسنا . بالتالى فإن التقول فيه خارج القرآن هو كفر بالقرآن ــ اى الكلام فى غيبيات لم ترد فى القرآن هو كفر بالقرآن لأن النبى محمدا نفسه لم يكن يعلم الغيب ( الأنعام 50 ، الأعراف 187 188 الأحقاف 9 ) .
3 ــ الكلام فى الغيب خارج القرآن الكريم هو أيضا سقوط فى الخرافة لأنه حديث بغير علم . ولهذا فإن الأديان الأرضية مبنية على خرافات غيبية تزعم الوحى الالهى ، وتفرض الايمان بها على المتبعين لها ، وتحرّم مناقشتها . وتعاقب من يخرج عنها بالقتل تحت مسمى الهرطقة أو حد الردة . ولو سيطر دين أرضى على مجتمع وألزمه بهذه الخرافات وعاقب من ينتقدها فإنه يدخل بهذا المجتمع فى دائرة الجهل . وهذا ما حدث للمحمديين حين سيطرت عليهم الحنبلية ثم التصوف ، وهو نفس ما حدث لأوربا حين سيطرت عليها الكنيسة الكاثولوكية .
4 ــ من هنا تأتى أهمية التحديد فى موضوع الغيب ( الايمان بما ذكره الله جل وعلا فى القرآن فقط ومنع الخوض فيه ، ومنع التقول فى الغيب عموما ) وبالتالى يكون التفرغ للبحث فى عالم الشهادة المتاح لنا النظر فيه وبحثه ولكن يالمنهج العلمى التجريبى .
المنهج التجريبى فى عالم الشهادة :
1 ــ هنا يأتى الأمر فى السير فى الأرض للنظر العلمى البحثى التجريبى فى آثار السابقين ، وبحث بدء الخلق : ( أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) العنكبوت ) .
2 ــ ويأتى الأمر بالنظر فى السماوات والأرض نظرا بحثيا ، يكون مقترنا بالايمان بالخالق جل وعلا الذى أحسن كل شىء خلقه ، يقول جل وعلا : (قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) 101) يونس ) (وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنْ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) الانعام ) () أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) الاعراف ) (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) ق ). أى إن منهجية البحث التجريبى فى القرآن الكريمة مرتبطة بهدف أسمى سبقت الاشارة اليه فى ربط النظر العلمى التجريبى بالايمان بالخالق جل وعلا الذى أبدع هذا الكون . ونضيف المزيد من الآيات : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (27) السجدة) (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) الملك ) (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) الملك .) (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) الذاريات ) .
3 ــ وأحيانا تأتى إشارات الى حقائق علمية مع دعوة للتعقل، ربطا للبحث التجريبى بالعقل ـ وليس الهوى . كقوله جل وعلا :( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) الرعد ).
4 ـ وأحيانا تأتى بعض الاشارات العلمية فى سياق الدعوة للبحث التجريبى ومقترنة بالدعوة الى الايمان بالخالق جل وعلا وكتابه واليوم الآخر ، كقوله جل وعلا : ( أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلَلْتُمْ تَتَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) الواقعة )( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (81) ) (فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) الحاقة )
5 ـ والايمان الحق بالخالق جل وعلا يعنى التقوى ، والتقوى تعنى تقديس الله جل وعلا وحده وعبادته وحده ، كما تعنى حُسن الخُلُق مع الناس ، وبالتالى إخضاع العلم ومنجزاته للخير والتعمير ، وليس للحرب والتدمير .
6 ــ لو اتبع البشر المنهج العلمى القرآنى بديلا عن المنهج اليونانى لحدث هذا التقدم العلمى الحالى من أكثر من عشرة قرون . الذى حدث أن بعض علماء المسلمين فى عصر المأمون والواثق أتبعوا المنهج التجريبى ، وتفرّد الرازى ـ اعظم أطباء العصور الوسطى ـ بهذا المنهج ، ولكن كما سبق ما لبث الحنابلة أن أسقطوا هذه الحركة العلمية ، ثم ساد بعدهم التصوف فقضى نهائيا على العلم الحقيقى ، فى الوقت الذى بدأت فيه النهضة الأوربية معتمدة على جهد علماء المسلمين فى عصرهم الذهبى ، وبالغرب دخل العالم فى عصر التقدم العلمى ومخترعاته وتطبيقاته التكنولوجية التى ننعم بها الآن ، والتى تتطور وتتقدم بما يعجز الخيال عن تصوره فى المستقبل .
7 ــ هنا نرى للقرآن منهجا علميا فى البحث التجريبى ، وغاية من هذا أن يكون هدف البحث العلمى هو الخير وتقوى الله جل وعلا ، وبذلك فلا مجال لاستخدام البحث العلمى فى عصيان الخالق ، كما حدث ويحدث فى الحضارة الغربية . ولو إتبعت الحضارة البشرية المقصد الأعلى من البحث العلمى لكان هذا التقدم فى الخير والسلام بدلا من التدمير وصناعة السلاح وتلوث البيئة .
المقال الثانى :
إنكار الغيب القرآنى خطأ فى المنهج الغربى البحثى
مقدمة:
1 ــ هذه الثقافة الغربية العلمانية كانت ـ ولا تزال ـ رد فعل متطرف لخرافات الكنيسة الكاثولوكية وتطرفها فى التحكم فى العقل الأوربية والحياة الأوربية فى القرون الوسطى . الكنيسة الكاثولوكية فرضت الايمان بخرافاتها الغيبية على الناس ، وعاقبت من ينتقدها بالاحراق . ووقع المحمديون فى نفس المهلكة حين فرضوا أحاديثهم وخرافاتهم الغيبية على الناس على أنها السُّنّة والتصوف والتشيع . لا يزال المحمديون أسرى لهذا التخلف ، بينما تحرر منه الغرب. ولكنه تطرف فأنكر الغيب مطلقا ، وتأسّس العلم الأوربى والغربى على إنكار كل ما يخرج عن التجربة المادية ، وكل ما لا يمكن إخضاعه للتجربة المادية. بدأ بعض التطور الايجابى عندما تم إكتشاف ظواهر( غيبية ) يمكن الاستفادة بها علميا دون فهم كنهها وحقيقتها ، كالكهرباء ، وكشفت نظرية النسبية وما بعدها عن ظواهر كونية لم يتم بعدُ فهمها ، مع إمكانية الاستفادة منها .

2 ـ فى بدايتها أنكرت أورباالغيب تماما فى منهجها العلمى، وبالتالى أنكرت تداخل الغيب بالزمن ، وقد ظل عامل الزمن منكورا ربما حتى إكتشاف اينشتاين نظرية النسبية . ( الزمن ) هو أكبر غيب بالنسبة لنا ، مع أننا وكل العالم المادى نعيش فى إطار هذا الزمن الخاص بنا . وبعد إكتشاف نظرية النسبية فى ان الزمن هو البُعد الرابع للمادة أصبح الزمن معضلة تستوجب الكثير من الفهم . وربما لو إلتفتوا الى القرآن الكريم لفتح لهم ابوابا من التفكير ، وقصّر عليهم الكثير من العناء بإعطائهم مجالات جديدة غائبة عنهم ، ففى القرآن الكريم لمحات عن ( الزمن ) ، لم تلتفت اليه حضارة الغرب والشرق . وينبغى الاهتمام بها علميا من جانب المختصين . وهذه محاولة ( عرجاء ) من باحث قرآنى قليل البضاعة فى العلوم الطبيعية ، ولكن التدبر القرآنى يساعده فى الفهم . وبالتالى لو تدبر القرآن علماء متخصصون لاختلف الأمر .
ارتباط الغيب ( النسبى ) بالزمن والسرعة
1ـ إرتباط الغيب بالزمن والسرعة يتجلى فى ( زمننا ) الحاضر ، و ( زمننا ) الماضى . فى الماضى كان الحادثة تقع فى القاهرة ، ثم تعلم بها الاسكندرية بقدر سرعة توصيلها من القاهرة الى الاسكندرية . إذا حملتها خيول البريد ستصل فى يوم ، إذا حملها الحمام الزاجل ستصل أسرع . أى يتوقف الأمر على السرعة . الآن بإستعمال وسائط غير مادية أمكن أن نعلم بالخبر وقت حدوثه . أى بالوسائط غير المادية ( الغيبية ) أمكن تحييد الزمن فى مجال الاتصالات .وهذه الوسائط غير المادية الغيبية ( كالكهرباء ) طاقة لا نراها ، وإن كنا نستعملها ، وإن كانت هذه الطاقة أيضا صورة من المادة ، فالطاقة تتكثف الى مادة والمادة تتحول الى طاقة .
2 ـ هنا نحن أمام غيب نسبى يمكن العلم به بالتقدم العلمى . أخوك فى أوربا وأنت فى مصر ، من مائة عام كنت لا تستطيع أن تسمع صوته . ومن ثلاثين عاما كنت لا تستطيع أن تراه ، أنت الآن تراه بالتليفون وتكلمه . تقلص الغيب هنا . هذا هو الغيب النسبى فيما يخص الحاضر .
هل ينطبق هذا على غيوب الماضى ؟ ( غيب البرزخ )
1 ـ أى هل نستطيع أن نستحضر أصوات السابقين وأعمالهم ؟ إن الله جل وعلا حكم بأن الأمة التى تنتهى موتا وهلاكا لا يمكن أن تعود الى هذه الحياة الدنيا : (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (95) الانبياء ).
2 ـ ونعلم من القرآن أن كل ما يصدر عن الانسان من قول وعمل يتم تسجيله بالملائكة : ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) الاسراء ) لذا فإن ( مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ) (15) الاسراء ). يهمنا هنا التعبير القرآنى ( طائره ) أى ما يطير عنه يحمل ( ال دى إن إيه ) الخاصة بذاته ، نفسه وجسده ، يطير حاملا كلامه وأفعاله وخطرات قلبه ، كل هذا يطير عنه ، ويتم حفظه و ( أرشفته ) ليكون هذا العمل هو كتاب أعماله بالصوت والصورة ، وليكون الجسد الذى يغلّف النفس يوم القيامة . وبهذا تمت ( ارشفة ) من مات قبلنا ، وسينطبق علينا نحن فى الحاضر وعلى اللاحقين ، يفنى الجسد وتعود النفس الى برزخها وقد وفّّت عملها فى كتاب عملها ووفّتّ المقدر لها من عُمر ورزق فى هذه الحياة الدنيا ، ثم يوم الحساب تأتى التوفية الأخيرة ، توفية مصيرها إما الى جنة أو نار .
3 ـ السؤال الان : هل يمكن أن إسترجاع كلام والدك المتوفى من زمن طال أو قصر ؟ هل يمكن أن تسترجع صورته كفيلم سينمائى تسجيلى ؟ الواضح أن المادة لا تفنى ، وبالتالى فإن ما صدر من اصوات لا تفنى ، هى هناك محفوظة . ولكن أين هذا ال( هناك )؟. إنه فى البرزخ . هنا يطل علينا غيب البرزخ .
هل ينطبق هذا على غيوب المستقبل ؟ ( الرؤيا الصادقة )
1 ـ يمكن بالرؤية الصادقة معرفة بعض الغيب المستقبلى . النبى محمد عليه السلام رأى فى المنام انه يحج البيت الحرام ، وكان يتمنى هذا ، وقد تحققت رؤياه صريحة واضحة ، يقول جل وعلا: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) الفتح ) .
وقصة يوسف عليه السلام تقوم على رؤى صادقة ، وقد تعرضنا لتحليل سورة يوسف فى مقالات فى باب ( القصص القرآنى ) فى موقعنا . هنا رؤية صادقة رآها ملك كافر وصاحبا السجن ( وكانا كافرين ) ورآها يوسف عليه السلام . جاءت الرؤى ليست بإخبار واضح ، بل بإشارات وألغاز إحتاجت الى تعبير أو تفسير من نبى . المستفاد ان الرؤية الصادقة قد يراها أى إنسان بغض النظر عن إيمانه أو كفره . وموضوع المنامات أسرف فيه أئمة المحمديين السنيون والصوفية والشيعة وجعلوها وحيا مخصوصا لأوليائهم وأئمتهم .
وللزمن درجات ، ليس فقط فيما نعرف ، من اختلافات الزمن بين كواكب المجموعة الشمسية ، أو بين نجم الشمس وكواكبه والنجوم الأخرى فى مجرة درب التبانة ، أو بين مجرة درب التبانة ببلايين نجومها وبلايين المجرات الأخرى فى الكون ، ولكن أيضا بين هذا الكون المادى والبرازخ الست للأرض وما يتخللها وما يعلوها من برازخ السماوات السبع . الروح يتنزل بأقدار كل سنة ، ولكن بزمنه ، وهو ينتمى الى الملأ الأعلى أى يرزخ السماء السابعة ، يهبط منها بسرعات لا نهائية الى البرزخ الأدنى للأرض ( الأرض الثانية ) من سبع أرضين . فهناك فارق زمنى ، بين زمن هذا البرزخ الأدنى للأرض ( الأرض الثانية ) من سبع أرضين وبين زمن الملأ الأعلى ، كما أن هناك فارقا بين زمن هذا البرزخ الأدنى وزمننا نحن . وشاء الله جل وعلا فى موضوع يوسف ان أن ترى نفس الملك حدثا سيستمر 15 عاما بزمننا ، نزل به جبريل والملائكة وفق زمنهم .
وما حدث ليوسف هو تدبير إلاهى من الله جل وعلا الذى يدبر ألأمر من مستواه العلوى فيتخلل السماوات السبع والأرضين السبع ، : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12) ) وسورة يوسف هى السورة التى ورد فيها لفظ أن الله جل وعلا غالب على أمره ، جاء هذا فى بداية نشأة يوسف فى بيت الذى اشتراه من مصر ، والذى سيكون فيما بعد عزيز مصر قال جل وعلا : (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21)يوسف ) .
إختلاف الزمن بين البرازخ وبين زمننا الأرضى يظهر فى قوله جل وعلا : ( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل ) فالأمر الالهى بقيام الساعة صدر فى زمن برزخى ، ولكن الدورات الزمنية الأرضية والسماوية لم تصل بعد الى وقت حدوث هذا الأمر . لهذا قال ( لا تستعجلوه ) وحين نصل اليه سيتم تدمير الأرض المادية وكونها المادى وبرازخها وبرازخ السماوات السبع ، وأزمانها المختلفة المتحركة المختلفة ويأتى زمن آخر فى ( اليوم ) الآخر ، زمن خالد ليس فيه ماض ولا حاضر ولا مستقبل . زمن لا ندرى طبيعته .
2 ـ كيف نفهم الرؤيا الصادقة من خلال القرآن :
فى ليلة القدر ينزل الروح جبريل والملائكة بالأقدار الحتمية للبشر للعام التالى ، من مواليد ووفيات ومصائب وأرزاق . يحملها ضمن تدبير الرحمن جل وعلا الذى ( يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) السجدة ). تنتقل الملائكة والروح جبريل من الملأ الأعلى البرزخى الى برزخ الأرض بسرعات لا يمكننا تصورها ، يعبر عنها رب العزة جل وعلا بالأجنحة ، قال جل وعلا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) فاطر ) ينتقل الروح والملائكة من الملأ الأعلى البرزخى الى المستوى البرزخى حيث يضع الأقدار فى ليلة القدر . هذا خلال يوم إلاهى مقداره ألف سنة بتعدادنا ، ولهذا فإن ليلة القدر قال عنها رب العزة جل وعلا : ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) القدر) والتفاصيل فى كتابنا المنشور هنا عن أن ليلة القدر هى ليلة الاسراء .
3 ـ تصور هذا عقليا كالآتى : نفترض أن صديقا لك فى الاسكندرية مقدر موته فى الساعة الواحدة صباح الأحد يوم كذا فى شهر يناير سنة كذا . لو كنت تعيش فى العصر العثمانى سيصلك الخبر بالحمام الزاجل بعدها بيوم .لو كنت تعيش عصرنا سيصلك الخبر فى وقتها . لأن الخبر يصل اليك قريبا من سرعة الضوء لأن الخبر هنا هو صوت أو صورة . هذا عن وسائل الاتصالات . أما عن وسائل المواصلات ، فلو سافرت اليه بجسدك بالخيول ستصله بعد يوم ، لو ركبت الطائرة ستصل بعد نصف ساعة. لو ركبت صاروخا ستصل بعد دقائق . مستحيل أن تركب وسيلة مادية تتجاوز بها سرعة الضوء ( 300 الف كيلو فى الثانية ) . لابد أن تتخلص من جسدك المادى لتنطلق بسرعة الضوء وتكون بنفسك الى جانب صديقك . لو توفرت لك وسيلة مواصلات تتجاوز سرعة الضوء ( أى الأوتار الفائقة ) ستصل الى صديقك ليس فى المستقبل بل فى الماضى ، أى سينعكس بك الزمن . لو مات صديقك ولك وسيلة مواصلات بالأوتار الفائقة التى تتجاوز سرعة الضوء فإنك ستصله قبل موعد موته ، وستعلم بموته قبل أن يموت . نظرية الأوتار الفائقة تعرف عليها العلم الغربى حديثا ، وهى من معضلات الزمن .
4 ــ عودا الى موضوع الرؤية الصادقة التى ترى بعض أحداث المستقبل مشوشة ، نقول إن النفس ـ ذلك الكائن البرزخى الذى يسيطر على الجسد ويوجهه ـ تستريح من سجن الجسد مؤقتا بالنوم كل ليلة حيث تعود الى البرزخ. تعود اليه وقد تخلصت من أسر الجسد المادى ، وتتجول فى عالمها البرزخى . وأحيانا تصطدم ببعض الحتميات التى وضعها جبريل والملائكة فى ليلة القدر ( ولم تحدث بعد ) تراها بصورة مشوشة لأنه مجرد خبر بلا تحقيق وبلا تجسد . يستيقظ الانسان ويستذكر أحلاما كثيرة ، وينسى الأكثر ، ومعظمها أضغاث أحلام . ولكن يتذكر حُلما بصورة غامضة ، ثم لا يلبث أن يراه قد تحقق.
5 ــ هنا النفس قد إنطلقت الى برزخها بسرعات مجهولة لا نتصورها ، تنطلق وتعود الى جسدها طيلة نومه . ولا تستطيع النفس الاستغناء عن النوم ، فالنوم واليقظة وتسجيل الأعمال والموت والبعث من مظاهر قهر الواحد القهار للإنسان ، يقول جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61) الانعام ).
الغيب المطلق ودرجات الغيب المطلق :
1 ـ كل هذا يقع ضمن الغيب النسبى الذى يمكن علمه بالتقدم العلمى الذى يخترع وسائط للسرعة فى الاتصال وفى المواصلات . أما الغيب المطلق فلا مجال لمعرفته على الاطلاق فى حياتنا الدنيا .
2 ــ الدرجة العليا من الغيب الكلى المطلق لرب العزة الله جل وعلا . هو جل وعلا غيب لا يمكن رؤيته فى الدنيا أو الآخرة ، ولنا مقال عن المحكم والمتشابه فى رؤية الله جل وعلا منشور هنا . لا يمكن رؤيته لأنه جل وعلا ليس خاضعا للزمن، بل هو خالق الزمن، فهو الأول والآخر . لدى البشر والملائكة والجن والشياطين عوالم الغيب والشهادة ، أما رب العزة فيستوى عنده العلم بالغيب والشهادة ، ولهذا فكلمة ( هو ) بالنسبة له جل وعلا لا تفيد الغياب ، بل الحضور ، ولنتدبر قوله جل وعلا : (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) الحديد ). إنها القيومية الالهية على كل شىء ، وشرحتها آية الكرسى ( البقرة 255)
هو جل وعلا فوق الخلود الذى سيكون فيه اليوم الآخر بجنته وناره . فالخلود فى نهاية الأمر هو زمن ، وهو جل وعلا فوق الزمن ، هو الأول بلا إبتداء والآخر بلا إنتهاء . ولا نستطيع التفكير أبعد من هذا حتى لا تنفجر (فيوزات عقلنا البائس .!)
3 ـ ثم هناك غيب مطلق لا نراه فى الدنيا بأعيينا ولا بأجهزتنا ، ولكن سنراه فى الآخرة ، هذا يشمل الجن والملائكة والشياطين . قال جل وعلا لنا عن الشيطان : (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ )(27 ) الاعراف). يوم القيامة سيرى الفرد الضال الشيطان الذى إقترن وسيطر عليه فى حياته الدنيا ، وسيتبرأ منه حيث لا ينفع الندم ، يقول جل وعلا : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) الزخرف) . وفى الجحيم سيكون الشيطان وذريته مع أتباعه من البشر ، وسيتبرأ منهم : (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ابراهيم ) .
أخيرا : إنكار الغرب وتجاهله للغيب الذى فى القرآن الكريم أعاقهم وأخّر المسيرة العلمية . ونتمنى إعادة النظر .. لعلّ وعسى .!!

المقال الثالث :
ما لم يعرفه الغرب عن السماء والسماوات : ( معنى السماء والسماوات )
مقدمة :
1 ـ الغرب يعلم ظاهرا من علم السماوات والأرض ، والاشارات القرآنية فى هذا المجال سبقت الغرب ، وما لاشك فيه أن الغرب لو تدبر القرآن لانفتحت أمامه مغاليق كثيرة .
2 ـ نبدأ بتحديد مصطلح السماء والسماوت قرآنيا . ( السماء ) من ( السمو ) أى ( العلو ) ، ومنه قولهم ( صاحب السمو ) . بالتالى فإن السماء هى ما يعلو .
3 ـ وبهذا المعنى جاء مصطلح ( السماء ) بالمعانى الآتية :
أولا : السماء : بمعنى الغلاف الجوى بدرجاته المختلفة من حيث العلُوّ:
1 ـ ومنه إنزال المطر من السماء ، أى من الغلاف الجوى ، يقول رب العزة جل وعلا : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )( البقرة 22 )، أى أنزل من الغلاف الجوى ماءا.
ونحو ذلك يقول رب العزة جل وعلا : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) ( البقرة 164 ). السماء فى الآية الكريمة جاءت مرتين ، عن انزال الماء ، ودور السحاب فى الغلاف الجوى الذى هو بين السماء والأرض . وهنا إشارة الى أن الغلاف الجوى جزء منه هو الذى ينزل منه الماء ، أو المطر .
ونحو ذلك يقول رب العزة جل وعلا : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ)(ابراهيم 32 )، ويقول رب العزة جل وعلا :(أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ) ( النمل 60 )، ويقول رب العزة جل وعلا : ( وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ) ( لقمان 10 )، ويقول رب العزة جل وعلا : (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ ) ( الأنعام 99 ).
وفى تعبير خاص يقول رب العزة جل وعلا عن السماء بدون إستعمال إنزال الماء :(وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا ) ( الأنعام 6 ).
و( المطر ) هو نعمة وبركة تنزل من السماء أى الغلاف الجوى ، ، يقول رب العزة جل وعلا : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) ( الأعراف 96 )
2 ـ وسبق القرآن فى الاشارة الى دور الرياح فى حمل السحب المثقلة بالماء لكى تنهمر ( مطرا ) . يقول رب العزة جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) الاعراف ) .
وفى دور الرياح فى التلقيح ، تحمل البذور مع الماء ، يقول رب العزة جل وعلا : ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) الحجر )، ويتكرر نفس المعنى فى إشارة الى البعث والنشور، ويقول رب العزة جل وعلا : ( وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) فاطر ).
وفى إعجاز علمى سابق عن إنزال المطر ، يقول رب العزة جل وعلا : ( اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) الروم)،و يقول رب العزة جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ (43) النور).
إنزال العذاب من السماء :
1 ــ يقول رب العزة جل وعلا عن اهلاك القرية التى ارسل اليها ثلاثة من الرسل : (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)( يس 28 )
2 ــ ، ويقول رب العزة جل وعلا : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ) ( البقرة 59 )، هنا إشارة الى المرض الذى نزل على بنى اسرائيل فى عهد موسى .وواضح أن هذا الرجز وباء جلدى من جراثيم أو بكتيربا فى طبقات الجو.
3 ـ يقول رب العزة جل وعلا عن طلب مشركى قريش إنزال العذاب عليهم من ( السماء ) حجارة تسقط عليهم : (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ( الأنفال 32 )، وطلبوا عذابا أو آية حسية (عروجه عليه السلام الى السماء ) : ( أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً )( الاسراء 92 : 93 ) ، ويقول رب العزة جل وعلا : وعن رفض طلبهم بإنزال آية حسية ، يقول رب العزة جل وعلا : (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ ) ( الحجر 14 : 15 )، أى لو أرسلهم فى ( مركبة فضائية ) يسبحون فى طبقات الجو عليها لقالوا إنه سحر .
4 ـ وهنا مثل تصويرى لخسران المشرك ، يقول رب العزة جل وعلا : (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ )( الحج 31 )، ومثله ، يقول رب العزة جل وعلا يصف ضيق صدر المشرك كأنه يسبح فى طبقات الجو العليا بلا أوكسجين كاف : (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء ) ( الأنعام 125 )
5 ـ وعن الطيور ، يقول رب العزة جل وعلا : (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (النحل 79 )
6 ـ و، يقول رب العزة جل وعلا فى تشبيه للكلمة الطيبة : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء ) ( ابراهيم 24)
7 ــ و يقول رب العزة جل وعلا : (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء ) ( البقرة 144 )
واضح فيما سبق الاختلاف فى مدى إرتفاع طبقات الجو ، أو ( السماء ) أى ما يعلونا .
ثانيا : السماء بمعنى السماء الدنيا
قالت الجن : ( وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا ) ( الجن 8 : ـ ). الجن فى برازخ الأرض ، ولا يستطيع الولوج الى برزخ السماء الدنيا ، فكانوا يقتربون من تخوم السماء الدنيا يتنصتون على ما يجرى ، فتتسلط عليهم الشُّهُب . بالنسبة لهم السماء الدنيا هى التى تعلوهم . والتعبير عنها ب ( السماء )
ثالثا : السماء بمعنى السماوات
بالتالى فإن السماوات السبع كلها هى التى تعلونا . ويأتى مصطلح ( السماء ) ليدل على ( السماوات ) فى خلقها وبنائها ورفعها ، وسيطرة رب العزة عليها ، وفى تدميرها عند قيام الساعة .
1 ـ عن خلق ( السماء ) بمعنى ( السماوات ) يقول رب العزة جل وعلا : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ) ( الأنبياء 16 ) ، ويقول رب العزة جل وعلا :( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ( البقرة 29 ) ، ويقول رب العزة جل وعلا :( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ ) ( الحجر 16 : 18 ). ويقول رب العزة جل وعلا : (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا ) ( الفرقان 61 ) ، ويقول رب العزة جل وعلا : (أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ) ( الغاشية 17 : 20 ) ، يقول رب العزة جل وعلا :( أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ ) (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ )( ق 6 ، 7 ) ويقول رب العزة جل وعلا :( تَنزِيلا مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى ) ( طه 4 )
2 ـ وعن علمه بما فى السماء (أى السماوات ) والأرض يقول رب العزة جل وعلا :( وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) ( النمل 75 )
3 ـ وعن تدمير هذا العالم وقيام الساعة يأتى مصطلح ( السماء ) ليدل على (السماوات ) يقول رب العزة جل وعلا : (فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ) ( الرحمن 37 )، ويقول رب العزة جل وعلا : (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ ) ( الحاقة 13 : 18 ) . السماء هنا بمعنى السماوات .

المقال الرابع :
ما لم يعرفه الغرب عن السماء والسماوات : ( خلق وتدمير السماوات والأرض )
أولا : الآيات القرآنية الحاكمة فى خلق السماوات والأرض :
1 ـ ما يعرف ألان بالانفجار الكبير ، والغرب يفهمه على الأرض والنجوم والمجرات . ولكن رب العزة يجعله يشمل السماوات والأرض . يقال جل وعلا : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا )(30) الانبياء) ( الرتق ) هو الشىء الذى بلا مسام . ( الفتق ) هو الانفجار والانبثاق . المفهوم أن السماوات والأرض إنبثقتا من نقطة واحدة . نتصور أن الله جل وعلا أخذ قطعة من الزمن وفجرها فإنبثقت عنها السماوات السبع والأرضين السبع وما بينهما من مجرات .
2 ـ حين إنبثقت السماوات والأرض تحولتا الى زوجين ، لأنه ما عدا الخالق جل وعلا ـ كل المخلوقات زوجين ، سالب وموجب ، ذكر وأنثى . سواء فى البشر والحيوانات والنباتات ..أو المادة غير الحية والطاقة هى موجب وسالب . هنا نقرأ الآيات القرآنية الحاكمة. يقول جل وعلا : ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) الذاريات )( وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا ) (12) الزخرف) ( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) يس ).
3 ـ السماوات والأرض السالبة والموجبة تنطلق كل منهما فى إتجاه بعيدا عن بعضهما ، وهو المشار اليه بالتوسع ، توسع الكون ، والتعبير القرآنى قوله جل وعلا : ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) الذاريات ).
4 ـ ولكن هذا الانطلاق لكل منهما يأخذ الشكل القوسى ، أى إنهما فى النهاية يلتقيان . والتصوير القرآنى كالكتاب الذى تطويه فيلتقى طرفاه ، ويعود الى ما كان عليه ، يقول جل وعلا : ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ) (104) الانبياء )، أى يعود الكون الى نقطة الصفر . وكما بدأ بإنفجار ، ينتهى تدميرا بإنفجار آخر .
5 ـ التعبير القرآنى ( النفخ فى الصور ) يأتى عن هذا الانفجار الذى تتدمر به السماوات والأرض وبرازخهما وما بينهما ، يقول جل وعلا : (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتْ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ (15) الحاقة ) .
وهناك إنفجار آخر يتم به خلق السماوات والأرض البديلتين الخالدتين ، فى ( اليوم الآخر ) حيث القيامة والحساب والجنة والنار ، وحيث يتجلى الله جل وعلا ، يوم ( لقاء الرحمن ) . يقول جل وعلا : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) ابراهيم ) ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) ابراهيم ) عن الانفجارالأول يقول جل وعلا : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً (99) الكهف ) (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنْ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51) يس ) (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) ) النمل ).
وعن الانفجارين ( إنفجار الساعة وتدمير هذا العالم ، وإنفجار يوم القامة والبعث والحشر ) يقول جل وعلا : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) الزمر )
ثانيا : الآيات الحاكمة فيما يسمى بالجاذبية ، والتى تشمل السماوات والأرض :
بين الانفجار الأول وإنفجار الساعة يكون إنتظام الكون وله تعبيرات قرآنية ، منها
1 ـ (الميزان ): (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ 7) الرحمن ). الميزان هو ثبات النظام الكون بتقدير الاهى .
2 ـ ( إمساك السموات والأرض ) ، يقول جل وعلا : ( وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ )(65) الحج) ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) فاطر)
3 ـ المدارات المستقرة للأفلاك السماوية ، قال جل وعلا ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) الانبياءِ )( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) يس ). ملاحظة ( كل فى فلك ) يمكن قراءتها من أولها ومن آخرها ( ك ل ف ى ف ل ك ). وبالتالى تدور حول نفسها ، أى هى تفسير لكلمة ( يسبحون ).!
4 ـ حفظ القشرة الأرضية بالجبال ، يقول جل وعلا : ( وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) الأنبياء )، مع حفظها بطبقة الأوزون : ( وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) الأنبياء ) ، هذا مع دورانها حول نفسها بما يسبب الليل والنهار وتعاقبهما وإلاج أحدهما فى الآخر فى وقت الفجر الى شروق الشمس ووقت مغرب الشمس الى العشاء ، كل ذلك حتى الأجل المسمى ، وهو قيام الساعة ، يقول جل وعلا : ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ) (الزمر 5)
5 ـ ومفهوم الجاذبية يسرى على السماوات السبع والأرض ببرازخها ، يقول جل وعلا : ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى )(2) الرعد ) (خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) لقمان ). العلم الحديث يحصر هذا التوازن على الأرض والكون المرئى .
6 ـ عن إستقرار الأرض وبناء السماوات يقول جل وعلا فى آيات تستدعى إنتباه المتخصصين :( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ (33) فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) النازعات ) .
ثالثا : تدمير السماوات والأرض فى وقت واحد ، إذ يختل النظام الكونى لهما ، حين يتلاقى الكون بالكون النقيض :
من الآيات الحاكمة فى الموضوع التى تستلزم بحثا علميا متخصصا :
1 ـ يقول جل وعلا : ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) التكوير )
2 ـ ( إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) ) الانفطار )
3 ـ ( إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) الانشقاق ) –
4 ـ ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتْ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ (15) وَانشَقَّتْ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) الحاقة )
5 ـ (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) المعارج )
6 ـ ( يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً (10) الطور )
7 ـ ( إِذَا رُجَّتْ الأَرْضُ رَجّاً (4) وَبُسَّتْ الْجِبَالُ بَسّاً (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً (6) الواقعة )
8 ـ ( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) المرسلات )
9 ــ ( إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً (17) يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً (18) وَفُتِحَتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً (19) وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً (20) النبأ )
أخيرا : تأخر العلم الحديث عن القرآن الكريم
1 ـ الانفجار الكبير :
يقول د. عبد المحسن صالح فى كتابه ( هل لك فى الكون من نقيض ) ص 123 : عن الانفجار الكونى الهائل الذى نتج عنه خلق الكون : ( إن الكون فى بدايته كان مجتمعا على هيئة مادة مكدسة الى أبعد الحدود ، ولما زاد الضغط فيها الى مستويات لا يمكن تصورها انفجرت على هيئة أجزاء متناثرة أخذت تبتعد وتتمدد الى يومنا هذا ). عندما قرأت هذا لأول مرة تذكرت قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ) ( الأنبياء 30 ). الرتق هو ما ليس فيه مسام أوثقوب ، والفتق هو الانفجار ، والمعنى أن السماوات السبع والأرض كانتا نقطة واحدة مركزة فانفتقت أو انفجرت ، وتكون منها السماوات السبع (التى لا ندركها ) والأرض التى نعيش فيها ، ومابينهما من مجرات ونجوم وكواكب تلمع فى الفضاء ، ويفصل بينها مسافات تعد بحساب السنين الضوئية .
عن هذا الانفجار يقول بعضهم إنه قد حدث من 18 ألف مليون سنة ، وقد اكتشف العلماء عام 1965 صدى لموجات كهرومغناطيسية ضعيفة بواسطة الراديو تيليسكوبات ، فسرها العلماء بأنها صدى ذلك الانفجار الهائل الذى شكّل الكون ، والذى لا يزال يتردد حتى الآن .
وقد نشرت صحيفة الأخبار المصرية فى 14 نوفمبر عام 1989 أن وكالة ناسا الأمريكية بدأت فى ذلك الشهر تنفيذ برنامج علمى يتكلف 400 مليون دولار يستخدم قمرا صناعيا لدراسة الاشعاعات المتخلفة عن الانفجار الأكبر الذى وقع من 15 بليون عام ، وتمخض عنه قيام الكون بما فيه من كواكب ومجرات . وفى 11 أبريل عام 1990 نشرت نفس الصحيفة تحت عنوان ( ديسكفرى فى مهمة تاريخية بالفضاء لكشف أخطر أسرار الكون ) : ( يعلق العلماء الكثير من الآمال على مهمة التليسكوب العملاق (هابل ) الذى يطلقه المكوك ديسكفرى اليوم الى مدار كونى ييسر له متابعة حركة المجرات والنجوم والشهب ورصد أدق الظواهر بدقة متناهية تعادل عشرة أضعاف ما تم التوصل اليه حتى الان . وتشمل المهمة التى تستغرق 15 عاما : تحديد تاريخ نشأة الكون على وجه اليقين ، حيث تشير النظريات السائدة الى إنه يرجع لانفجار كبير وقع منذ فترة تتراوح بين عشرة الى عشرين مليار سنة ضوئية .. ).
2ـ امتداد وتوسع الكون ـ
بمجرد الانفجار أخذ الكون فى التمدد والتوسع ، مصداقا لقوله جل وعلا : (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) ( الذاريات 47 ) أى أن الله جل وعلا سيجعل توسع السماء عملية قائمة ثابتة مستمرة ، والتعبير جاء بالجملة الاسمية (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) التى تفيد الاستمرار والثبات على نفس الفعل .
وفى الصفحة العلمية لجريدة الوفد المصرية (29 يولية 1987 ) وتحت عنوان ( الكون فى حالة تمدد بسرعة هائلة وفى جميع الاتجاهات ) إشارة الى نظرية (الميل الأحمر ) والتى على أساسها قدر العلماء عمر الكون الذى بدأ بانفجار هائل ، ومن وقتها بدأ الكون يتسع ، وزيادة الميل الأحمر يدل على أن الكون آخذ فى الاتساع و التمدد، ويقول العالم الابريطانى فرايد إنه كلما اتسع الكون ظهرت فيه تكوينات جديدة من النجوم لملء الفراغ. ومما أكد للعلماء تمدد الكون حركة النجوم المستمرة وعدم ثبات المسافة بينها. وبعد أبحاث استمرت عشرين عاما قال العالم الأمريكى الين سانديج ان سرعة تمدد الكون هى 235 مليون ميل فى الدقيقة ، وأن هذا التمدد بدأ من 18 بليون سنة ، وأن الكون يتمدد بسرعة منتظمة فى جميع الاتجاهات .. وفى عام 1974 أعلن أربعة علماء فى الفلك برئاسة د. ريتشارد جوت من جامعة تكساس أن الكون فى حالة تمدد غير محدد المدى ولا نهائى ، ويقولون أنه طبقا لنظرية اينشتاين فى النسبية فإن الكون (مقوس ) يأخذ الشكل الدائرى بالتقاء الأقواس ،أو إنه اتخذ الشكل الدائرى فعلا من بلايين السنين.
والمهم لنا هنا أن ما أكده المقال من أن نظرية النسبية لاينشتاين عام 1916 تؤكد بالمعادلات الرياضية أن الكون فى حالة تمدد مستمر ،وأنه (مقوس)، وأكد نفس الحقيقة العالم الروسى فريدمان عام 1922 .
3 ـ الزوجية وتدمير الكون عند الالتقاء .
ننقل بعض ما قاله د. عبد المحسن عن الكون والكون النقيض ، يقول ص 120 : ( المادة والمادة النقيضة لا بد أن تتساويا تماما ، بمعنى أن نصف الأجرام السماوية من المادة ونصفها الآخر من المادة النقيضة ، وهنا نستطيع القول بألأن مبدا الازدواجية قد اكتمل على مستواه الكونى ) . ويقول ص 52 : 53: ( فى عام 1977 توصا العلماء الى تخليق نواة نقيضة لذرة الايدروجين عندما نجحوا فى السيطرة على تجميع بروتون نقيض فى نواة ، ولكن النواة النقيضة ما لبث أن ماتت فى لحظة خاطفة لتتحول الى موجات كهرومغناطيسية . وأصبح بالامكان تخليق الايدروجين النقيض والكربون النقيض والاوكسجين النقيض والنتروجين النقيض . والذرة النقيضة لا تختلف عن الذرة العادية فى صفاتها الطبيعية أو الكيمائية ،فلا تستطيع أن تفرق بين الذهب والذهب النقيض،أو الماء والماء النقيض ، ولكن ليس هناك مكان واحد على كوكبنا نستطيع أن نحتفظ فيه بقطرة ماء نقيض ، اللهم إلا إذا أوجدنا لها فراغا مطلقا على أرضنا لتقف معلقة فيه بحيث لا تقربها ذرات عالمنا . والانسان مهما بلغت وسائله العلمية لا يستطيع ان يتوصل الى خلق فراغ مطلق ، ولهذا لا يمكن ان تعيش أى ذرة نقيضة فى عالمنا إلا لحظة وجيزة ، وبعدها تفنجر بمجرد ملامستها لأى ذرة أرضية، وتختفى على هيئة موجات إشعاعية تنطلق فى الكون بسرعة الضوء. إن الفارق بين الذرة فى عالمنا والذرة نقيضها هو أن الذرة النقيضة معكوسة الشحنات والمجالات والأقطاب المغناطيسية وحركة الدوران .
وتحت عنوان (المادة و المادة المضادة فى الفضاء الخارجى ) قالت الصفحة العلمية فى جريدة الوفد بتاريخ 2 سبتمبر 1987 : ( تعتبر الأجسام المضادة فى الفضاء الخارجى اكثر فروع العلم تعقيدا ، حيث أن كل ما نشر عنها مجموعة أبحاث غامضة . ويقول العالم الذرى الفرنسى جان دوبليس رئيس معهد التطبيقات النووية فى ساكلاى :إن اكتشاف الاجسام المضادة يفتح بابا واسعا لاحتمالات الخطر الذى يمكن أن يتعرض له رواد الفضاء فى رحلاتهم حول الأرض أو الى القمر أو فى رحلات أطول فى المستقبل ،إذ أنه عند إلتقاء الجسم مع مادة مضادة فى الفضاء الخارجى يتلاشى الاثنان ، وتنطلق طاقة هائلة. )
ونعود الى د. عبد المحسن ليشرح لنا ماذا يحدث عن التقاء المادة بالمادة النقيضة أو المضادة : يقول ص 20 :( إذا تقابل اليكترون بضده فلا بد أن يفنى أحدهما الاخرفناءا تاما ، وتتحول مادتهما الى حالة موجبة أو الى ومضتين حارقتين تجريان فى الكون بسرعة الضوء. ومعناه أن الاليكترون ونقيضه يولدان معا فى نفس اللحظة وفى نفس المكان،ويموتان معا لو تقابلا فى أى زمان ومكان). ويقول ص 55 : ( كل ما حولك وما فيك قد إتخذ صورة المادة ، ولكنها مادة مجسدة من طاقات جبارة أو إشعاعات مدمرة . لنفترض أنك تمسك بيدك زجاجة بها لتر من لبن ، وانك خلطته ـ مجرد فرض ـ مع لتر آخر من لبن نقيض ، عندئذ يختفى كل اللبن ويختفى كل ما حولك حتى لو كان مدينة كبيرة بها ملايين البشر، فقد تحول اللبن ونقيضه من حالتهما المادية الى طاقات جبارة تهلك الناس والحجارة . ونظرية النسبية تقول : الطاقة = الكتلة بالجرامات مضروبة فى مربع سرعة الضوء بالسنتيمتر فى الثانية. أى 2 لتر من اللبن = 2000 جرام ، وسرعة الضوء فى الثانية = 30 ألف مليون سم ،إذن فالطاقة = 2000 مضروبة فى 30 ألف مليون مضروبة فى 30 ألف مليون أرج . والأرج هو وحدة الطاقة . اى يساوى 18 وامامها 23 صفرا . وبالتفجير العملى = 44 مليون طن من مادة ت.ن .ت شديدة الانفجار ،أو 2200 قنبلة ذرية من نوع هيروشيما ) كل ذلك من افتراض التقاء لترى لبن نقيضين . ويتساءل فى ص 142 : ( ماذا يحدث لو التقى نجم مع نجم نقيضه ؟ لالتهم احدهما الاخربعنف لا يمكن تصوره ، وكأنها القيامة )..!!ونكتفى بهذا لنتخيل التقاء هذا الكون كله ( السماوات والأرض وما بينهما ) بنقيضه . هنا تقوم القيامة ، ويتم تدمير العالم كله.
ملاحظة : المعلومات السابقة كانت مما تيسر من عشرين عاما .. ولكن مهما تطور العلم بعدها فلا تزال تلك الفجوة بين القرآن والعلم الحديث الذى لا يعترف بالقرآن الكريم ، ولا بالسماوات السبع .
المقال الخامس :
ما بين السماوات والأرض :
أولا :
1 ـ كلمة : (وما بينهما) تأتى أحيانا فى الحديث القرآنى عن السماوات والأرض.
2 ـ ( وما بينهما ) هى الأجرام السماوية فما بين السماوات والأرض من كويكبات وأقمار وكواكب ونجوم ومجرات . أى ما بين السماوات السبع والأرض هو مجرد ( ما بينهما )، مع ان هذا الذى( ما بينهما ) يكتظُّ بالنجوم والمجرات والثقوب السوداء والبيضاء، والمسافات التى بين بلايين المجرات تٌقاس ببلايين السنوات .
ثانيا : مصطلحات الأجرام السماوية
1 ـ نزل القرآن باللسان العربى وبما يفهمه العرب ، وهم كانوا يستعملون مصطلحات معينة تعبر عن الأجرام السماوية ، ليس منها ما نعرفه اليوم من كلمة ( الفلك ) بفتح الكاف ، والأفلاك . بخلاف الشمس والقمر فإن كل أنواع الأجرام السماوية تبدو نقاطا مضيئة فى الليل منفصلة أو متصلة ، عرفنا فيما بعد أن منها مجرات هائلة تبتعد عنا بلايين السنوات الضوئية ، ومنها نجوم قريبة ، ومنها كواكب المجموعة الشمسية ، وهى الأقرب لنا . وقديما أطلق عليها العرب ألفاظا معينة : الكواكب ، النجوم ، البروج.
2 ـ عن البروج إقرأ قوله جل وعلا : ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) البروج ). هذا يشمل كل الأجرام السماوية، وهى التى تملآ ما بين الأرض والسماء الدنيا، إقرأ قوله جل وعلا : ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلاَّ مَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18) الحجر ) . وعن الفارق بينها وبين الشمس الملتهبة والقمرالعاكس للضوء ، إقرأ قوله جل وعلا : ( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً (61) الفرقان ).
3 ـ وعن الكواكب ، وهى نفس البروج التى تملآ ما بين الأرض والسماء الدنيا ، إقرأ قوله جل وعلا : ( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإٍ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) الصافات ) ، وعن رؤية يوسف إقرأ قوله جل وعلا :( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) يوسف ).وعن رؤية الفتى ابراهيم لجُرم سماوى ظهر ثم إختفى قال جل وعلا : ( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) الانعام ). وعن تدمير النظام الكونى ، إقرأ قوله جل وعلا :( إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ (2) الانفطار ).
4 ـ وبنفس الصيغة عن النجم والنجوم . الأصل فى كلمة ( نجم ) أنه ما( ينجم ) اى يظهر ، سواء كان نباتا على سطح الأرض ، فهو ( نجم ) أو كان جُرما على صفحة السماء ، ، إقرأ قوله جل وعلا فى الجمع بينهما : ( وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) الرحمن ). والعرب فى صحرائهم والناس فى سواد الليل يهتدون بتلك الأجرام السماية ، أو بما يسمونه النجوم ، حين ينجم أى يظهر نجم فى السماء فيستدلون به على طريقهم أو على توقيت معين . ، إقرأ قوله جل وعلا : ( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) النحل )( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) الانعام ). العرب فى سيرهم فى الصحراء يركبون الجمل سفينة الصحراء كانوا يتعرفون طريقهم بالنجوم. وحاليا تتعرف سُفُن الفضاء على طريقها بالنجوم .
ثالثا : إستخدامها فى سياق الدعوة الى الهداية :
1 ـ البشر فى تخلفهم العقلى يرفعون بعض البشر ( والبقر ) الى درجة التقديس الذى يجب أن يكون للخالق جل وعلا وحده . وخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس : (لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (57) غافر ) . المحمديون الذين يزعمون الايمان بالقرآن الكريم يرفعون إلاها اسموه ( محمدا ) الى مرتبة الالوهية ، بل ويجعلون مكانته أكبر من مكانة الخالق جل وعلا ، والله جل وعلا يقول ردا مسبقا عليهم وعلى آلهتهم المخلوقة : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ (36) الطور ). الذى أبدع خلق السماوت والأرض كيف يكون له ولد ؟ يقول جل وعلا : (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ (117) البقرة) () بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) الانعام ).
2 ـ لا يستطيع البشر رؤية السماوات ، لكنهم يستطيعون رؤية ما بين السماوات والأرض ، أى الأجرام السماوية . وكلما تقدموا علميا وتكنولوجيا إزداد إنبهارهم بما بين السماوات والأرض من كواكب ونجوم ومجرات ، وبالتالى عليهم أن يخجلوا من أنفسهم حين يساوون بين خالق السماوات والأرض وهذه المخلوقات اتى يقدسونها !.
لذا تأتى كلمة ( وما بينهما ) كثيرا فى معرض الهداية. بأنه جل وعلا هو (خالق السماوات والأرض وما بينهما )، وأنه جل وعلا هو ( رب السماوات والأرض وما بينهما ) ، وأنه جل وعلا هو ( مالك السماوات والأرض وما بينهما ). ونعرض لها سريعا :
3 : هو جل وعلا الخالق للسماوات والأرض وما بينهما :
3 / 1 : وبالتالى فاين هذه المعبودات المخلوقة من خلق النجوم ، قال جل وعلا : ( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) النحل ). فى موضوع الخلق ، إقرأ قوله جل وعلا :(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ ) (85) الحجر ) . معنى خلقها بالحق أنها لم يخلقها الرحمن عبثا ولا لعبا ، إقرأ قوله جل وعلا : (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ (16) الانبياء ) ، ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (39) الدخان ) . القائلون بعشوائية الكون يرد عليهم رب العزة جل وعلا : (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ النَّارِ (27) ص )، هى مخلوقة وسيتم تدميرهما فى الأجل المسمى ، بقيام الساعة ،مهما أعرض الكافرون . يقول جل وعلا : (مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) الاحقاف ). أى هى دعوة للتفكر ، إقرأ قوله جل وعلا :(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) الروم ) .
3 / 2 : وردا على أُكذوبة أن الله جل وعلا إستراح فى اليوم السابع ، إقرأ قوله جل وعلا : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) ق ). اللغوب هو التعب .
3 / 3 : وهو جل وعلا لم يخلق السماوات والأرض ثم يتركها ، بل هو المهيمن المسيطر على ما خلق ، أو هو بالتعبير القرآنى هو الذى ( إستوى على العرش ) . والعرش هنا هو ملكوت السماوت والأرض وما بينهما ، ، إقرأ قوله جل وعلا : (الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً (59) الفرقان ) ، إقرأ قوله جل وعلا : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) السجدة )
4 ـ وهو جل وعلا ( رب السماوات والأرض وما بينهما ) : إقرأ قوله جل وعلا : ( رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً (65) مريم ) (رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) الصافات ) (رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) ص ).
5 ـ وهو جل وعلا الذى له ملكية السماوات والأرض ما بينهما ، إقرأ قوله جل وعلا : (لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) طه ). الذى يملك السماوات والأرض وما بينهما من نجوم ومجرات هل يليق أن يقال أن فلانا هو إبنه ؟ وهو الذى لو أراد لأهلك هذا الابن وأمه ومن فى الأرض جميعا . ، إقرأ قوله جل وعلا : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) المائدة ) . وهو ما يمكن قوله للمحمديين الذين يزعمون أن الله جل وعلا خلق محمدا من نوره ، تعالى رب العزة عن ذلك علوا كبيرا . وقد زعم بعض أهل الكتاب أنهم أبناء الله وأحبّاؤه ، وهو نفس ما يزعمه الصوفية المحمديون ، وجاء الردُّ عليهم فى قوله جل وعلا : ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) المائدة ) . وهذا الذى يملك السماوات والأرض وما بينهما هو وحده الذى عنده علم الساعة ـ وليس البشر ـ وإليه وحده المصير واليه سنرجع يوم القيامة ، إقرأ قوله جل وعلا : (وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) الزخرف ) .
رابعا : منقول عن بعض الاعجاز العلمى عن ما بين السماوات والأرض ، من الكون المنظور .
( فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } * { ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ )
علمياً، تعتمد قوة جاذبية أي جسم على كتلته، فكلّما زادت كتلة الجسم، زادت معها قوة الجذب، فعلى سبيل المثال، تبلغ قوة جاذبية القمر 1/6 جاذبية الأرض، فإذا كان وزن شخص ما على الأرض 60 كيلوجراماً، فإن وزنه على سطح القمر يكون 10 كيلوجرامات. وعليه، فإن قدرة الأرض على جذب أي جسم أقوى بـ 6 مرّات من قدرة القمر، بينما يعتبر العلماء كوكب المشتري “مكنسة شفط كونية” للدور الكبير الذي يلعبه في جذب المذنبات والكويكبات كما بيّنا في مقالتنا وزينّا السماء الدنبا بمصابيح وحفظا.
عند بداية تشكل نظامنا الشمسي، كانت المناطق المحيطة بمركز تكثّف الدخان (السحابة السديمية) مليئة بالكواكب الجنينية (الكِسَف) أو الكويكبات بينما احتوت المناطق الأبعد على الماء والهايدروجين والهيليوم، وقد تكونت الكواكب الصلبة نتيجة تجمّع الكويكبات في أجسام صلبة مثل عطارد والزهرة والأرض والمريخ (داخل الحزام الأبيض) كما هو مبين في الشكل أدناه والتي قامت بدورها بكنس أو تنظيف مداراتها من الكويكبات خلال جريانها، بينما بقيت منطقة حزام الكويكبات على وضعها لعدم وجود كواكب في تلك المنطقة مع العلم أن هناك كوكبين قزمين هما سيريس و فيستا داخل الحزام إلاّ أنهما لم بكونا قادرين على كنس مداراتهما لصغر حجمهما، ولاحظ أيضاً قدرة كوكب المريخ الضعيفة على الكنس مقارنة بكوكب المشتري القوية خارج حزام الكويكبات.
حزام الكويكبات (اللون الأبيض)، ويتكوّن من الكويكبات والتي تتركز بين مداري المريخ Mars والمشتري Jupiter. لاحظ كيف قامت الكواكب من خلال جريانها بكنس مداراتها
بعد جدل طويل وواسع، توصّل الاتحاد الفلكي الدولي عام 2006 إلى تعريف “الكَوكَب” ضمن نظامنا الشمسي على أنه جرم سماوي 1- يجري في مدار حول الشمس (جَوار؟) 2- كبير بما يكفي ليصبح شكله مستديرًا بفعل قوة جاذبيته (خُنّس؟) 3- يستطيع أن يُخلي مداره من الكواكب الجنينية أو الكويكبات (كُنّس؟). وبناءاً على التعريف السابق، لم يعد كوكب بلوتو يلبي الشروط المذكورة وتم إعادة تصنيفه ليصبح كوكباً قزماً.
هل لاحظت التطابق بين القسم والتعريف؟ هل هذه مصادفة؟ أم أن القسم الذي كان غريباً وعجيباً في بداية المقالة لم يعد كذلك، فالله تعالى وفي ثلاث كلمات {… الخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ }، صًنَّف الكواكب قبل أن يقوم العلماء بذلك بـ 1430 سنة! في وقت كان الفارق الوحيد بين الأجرام السماوية هو أن النجوم ثابتة والكواكب سيّارة ولم يعرف الناس حقيقة تكوينها.
https://fussilat.org/2012/09/26/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%86%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%86%D8%B3/
أقسم الله تعالى بمواقع النجوم وقال إن هذا القسم الذي أقسمَ به لقسم، لو تعلمون ما هو، وما قدره، لقسم عظيم. الغاية من القسم أن هذا القرآن لقرآن كريم، في كتاب (الذي في السماء) مصون عند الله لا يمسه شيء من أذى من غبار ولا غيره، لا يمسّ ذلك الكتاب المكنون إلا الذين قد طهَّرهم الله من الذنوب والملائكة، وهو تنزبل من رب العالمين.
سورة الواقعة – 75 { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } * { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } * { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } * { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } * { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } * { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ }.
الإعجاز العلمي في سورة الواقعة
قلا اقسم بمواقع المجوم
ربط تعالى صدقية الفرآن وحقيقة تنزيله بعظمة مواقع النجوم. فما العظيم بمواقع النجوم؟ { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } * { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } *
كل النجوم التي نراها بالعين المجرّدة تقع ضمن مجرتنا، فنحن نراها بالليل والمسافة بينها ثابتة، ثم نراها تتحرك جميعها مع بعضها خلال ساعات الليل بسبب دوران الأرض حول نفسها وحركة اخرى خلال فصول السنة بسبب دوران الأرض حول الشمس ثم تعود من حيث بدأت. الآيات السابقة تخبرنا بأن الموضوع ليس بهذه البساطة إذ أخبرنا تعالى بأننا لا نملك من العلم ما يكفي “لو تعلمون” لكي نعطي هذا القسم حق قدره.
{ فلا اقسم بمواقع النجوم }
تمت الاشارة الى كافة المراجع المستخدمة في هذه المقالة بروابط تؤدي الى اصل المعلومة مثل موقع تفسير القرآن الكريم، ومواقع وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وموقع ويكيبيديا، ومواقع اخبارية ومواقع علمية أخرى ذات علاقة، بالإضافة الى موقع باحث اللغوي وذلك لكي يتأكد القارئ من صدق المعلومة.
في عام 1989، أطلقت الوكالة الأوروبية للفضاء European Space Agency – ESA المسبار هيباركوس لتحديد مواقع نحو مئة ألف نجمة بمجرتنا بدقة عالية في مهمة مدتها ثلاث سنوات. السبب في لجوء العلماء لاطلاق مسبار بدلا من رصدها من الأرض هو أن الغلاف الجوي يعيق عملبة الرصد وقد بُحدث انحرافا في الموقع، كما وأن الأرض تدور حول نفسها بمحور به بعض التأرجح، كما وأن الأرض غير ثابتة إذ تدور حول الشمس مرّة كل سنة، أضف الى ذلك أن موقع الشمس في وسط النظام الشمسي غير ثابت (متأرجح) بسب قوة جذب الكواكب لها، كما وأن الشمس والكواكب التابعة لها غير ثابتة، بل تجري بسرعة تقارب ثمانمائة الف كيلومتر في الساعة في مدار حول مركز المجرّة كما ذكرنا في مقالتنا “أين تستقر الشمس” . أي أن المكان الذي نحاول أن نرصد منه مواقع النجوم (الأرض) غير ثابت، وبالتالي فاننا بحاجة الى تكنولوجيا متقدمة لأخذ كل هذه المتغيرات بعين الإعتبار “لو تعلمون” لتحديد مواقع النجوم.
صورة التقطتها ناسا لمجرة Island Universe N5033 والتي تشبه مجرتنا بشكل كبير
علم مواقع النجوم هو علم قديم وأول من حاول تحديد مواقع النجوم هو العالم اليوناني هيباركوس (190 – 120 ق.م.) وقد كان قادرا على وضع كتالوج يحتوي على مواقع عدد من النجوم المرئية والبالغة حوالي 2000 نجمة بينما تحتوي مجرتنا – درب التبانة – على 200 الى 300 مليار نجمة، وبالتالي فإن ما رصده المسبار هو عبارة عن عينة صغيرة من نجوم مجرتنا وبالقرب من نظامنا الشمسي، ولكن ما أثبته المسبار هيباركوس بشكل قطعي وغيّر كل المفاهيم هو أنه لا يوجد شيء ثابت، فكل النجوم التي تم رصدها متحركة والسبب في أننا لا نرى حركة هذه النجوم هو أن عمرنا وتاريخنا قصيرين مقارنة بأعمار الأجرام السماوية بشكل عام بالإضافة الى ضخامة المسافات بين النجوم، وبالتالي فاننا لا نلحظ حركتها، أمّا بالنسبة للمسبار هيباركوس فقد كان قادراً على تحديد مواقع النجوم واتجاه حركتها وسرعتها وبالتالي رصد النمط العام لحركة مجموعة من النجوم. هذه المعطيات توفّر للعلماء ما يكفي لعمل محاكاة من خلال الكمبيوتر لرصد حركتها عبر الزمن. قال تعالى في سورة الإسراء 44 { تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ألا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ أمَرَ بِهِ نُوحٌ ابْنَهُ؟ إنَّ نُوحاً قالَ لاِبْنِهِ يا بُنَـيَّ آمُرُكَ أنْ تَقُولَ سُبْحانَ اللّهِ وبِحَمْدِهِ فإنَّها صَلاةُ الـخَـلْقِ، وَتَسْبِـيحُ الـخَـلْقِ، وبِها تُرْزَقُ الـخَـلْقُ، قالَ اللّهُ وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ “.
{ فلا اقسم بمواقع النجوم }
فهل توصلنا الى ما يكفي من العلم لفهم علم مواقع النجوم “لَّوْ تَعْلَمُونَ“؟ ما زال العلم في بداية الطريق في هذا المجال وحجم المعلومات التي تم جمعها لا يكفي – حسب رأي العلماء – للوصول الى نتائج ذات دلالة، ولهذا ستقوم وكالة الفضاء الأوروبية باطلاق السمبار “جايا” في ديسمبر من عام 2013 في مهمة طولها 5 سنوات لرصد مواقع مليار نجم من كافّة انحاء المجرّة وبناء نموذج ثلاثي الأبعاد وذلك برصد حركتها واتجاهها، هذا النموذج سوف يوفّر للعلماء صورة واضحة عن نمط حركة النجوم في مجرتنا. لن يستطيع المسبار الذي كلّف 650 ملبون يورو بناء هذا النموذج لوحده، بل يحتاج الى فريق من مئات الأخصائيين والعلماء من كافّة انحاء أوروبا مكوّن من محللي البيانات ومهندسي الكمبيوتر وعلماء الفلك وعلماء الرياضيات وعلى مدى ثمانية سنوات لكي يستطيعوا بناء هذا النموذج الذي سيحتاج الى أجهزة كمبيوتر عملاقة وسعة تخزين هائلة تصل الى مليون جيجا بايت (ألف تيرا بايت) وستكتمل هذه المهمّة عام 2020، اما إذا اراد العلماء تحديد موقع كل نجم في مجرتنا، فلربما سيكونوا بحاجة الى 200 الى 300 ضعف عدد العلماء وقدرة معالجات الكمبيوتر وسعة التخزين … فهل هذا قسم عظيم؟
{ فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } الواقعة 74
النسجيل التالي يوضح كل ما ذكرناه.
بقلم: حسين أحمد كتّاب
https://fussilat.org/2013/02/28/%D9%81%D9%84%D8%A7-%D8%A7%D9%82%D8%B3%D9%85-%D8%A8%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%85/
والسماء والطارق … النجم الثاقب
فما هو النجم الثاقب؟
أقسم تعالى في سورة الطارق قسماً غليظاً بالسماء وبنجم إسمه الطارق “والسماء والطارق” ليخبرنا أن كل نفس عليها حافظ يكتب اعمالنا وتسلّم الينا يوم الحساب على شكل كتاب إما بيميننا أو من وراء ظهرنا، فقال تعالى { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } ثم يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أشعرك يا محمد ما الطارق الذي أقسمت به { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ }؟ ثم بين ذلك جلّ ثناؤه، فقال: هو النجم الثاقب { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ }، أراد الله عزّ من قائل: أن يقسم بالنجم الثاقب تعظيماً له، لما عرف فيه من عجيب القدرة ولطيف الحكمة – تفسير الزمخشري 538 هـ.
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، تفسير { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ } * { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ }.
النجم الثاقب الذي تطرّقت له سورة الطارق له ميزتان، الأولى أنه قادر على الطرق والثانية على أنّه قادر على احداث تُقب بما عُطف عليه، وحيث أن الطارق عُطِف على السماء، فإن هذا النجم يجب أن يكون قادراً على إحداث ثقب في السماء! ولكن كيف يستطيع النجم أن يثقب السماء؟ فالثَّقْبُ اسم لما نفَذ (لسان العرب)، وهو الخَرْقُ النَّافِذُ (القاموس المحيط)
تصنيف النجوم حسب طيفها وبالتالي كتلتها – الاعجاز العلمي في القرآن الكريم – النجم الثاقب، سورة الطارق
تمت الاشارة الى كافة المراجع المستخدمة في هذه المقالة بروابط تؤدي الى اصل المعلومة مثل موقع تفسير القرآن الكريم، ومواقع وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وموقع ويكيبيديا، ومواقع اخبارية ومواقع علمية أخرى ذات علاقة، بالإضافة الى موقع باحث اللغوي وذلك لكي يتأكد القارئ من صدق المعلومة.
تُقسّم النجوم علمياً إلى أنواع حسب طيفها (لونها) وبالتالي حرارتها وحجمها، وتقع شمسنا ضمن التصنيف G. تدخل النجوم في اطوار مختلفة، حيث تولد من تكثف غاز الهايدروجين أو من مخلفات انفجارات عنيفة لنجوم عملاقة سابقة، والتي بدورها تضيء وتسطع الى فترة معينة (أجل) ثم يحدث انهيار بالنجم يتبعه انفجار هائل يموت فيه النجم وبعنف شديد. تتخذ بقايا النجم شكلاً جديداً يعتمد على حجمه الأصلي، فإنفجار نجم بحجم شمسنا يُحوِّلها إلى عملاق أحمر تضمحل تدريجياً لتصبح قزماً أبيضاً كما بيّنا في مقالتنا ” كيف استطاع أن يرى الوردة؟ “، أما عند انفجار النجم من نوع B، فإن النجم يقوم بقذف قشرته الخارجية ومن ثم يتكوّر ويتقلّص حجمه ليصبح قطره ما يقارب 24 كيلومتر بينما تبلغ كتلته كتلة الشمس أو ضعفها، أي بحجم مدينة ويسمى بالنجم النيوتروني Neutron Star لأنه يتكون كلياً من النيوترونات وتبلغ كتلة ملعقة صغيرة منه كتلة إهرامات الجيزة 900 ضعف. يُحدث النجم النيوتروني Pulsar أمواج كهرومغناطيسيية تلتقطها محطات أستقبال الموجات الراديوية على شكل طرقات متتالية تستمر لعدة ملايين من السنين ثم تتلاشى عظمة هذا النجم ويصبح صامتاً. النجم النيوروني لا يستطيع احداث ثقب في السماء.
ثقب أسود يمر بين المشاهد ومجرة تقع خلفه، ويرى تشوه ضوء المجرة القادم إلينا (محاكاة تشبيهية)
أما نهاية النوع O من النجوم، فإنه يَحدث انهيار في النجم ويصبح حجمه قريب من الصفر مما يعني أن كثافته تقارب اللانهاية، ثم يُصدر النجم حزمة من أشعة جاما من أقطابه تستمر لعدة ثوان تُسمع كأنها طرقة واحدة. وهنا يتشكل الثقب الأسود ذا قوة الجذب الهائلة بحيث إذا دخل الضوء نقطة “الـ لا عوده”، فإنه لا يخرج منها، بصيغة أخرى، فإن الثقب الأسود لا تمكن رؤيته بشكل مباشر لأنه يمتص الضوء ويبدو للناظر وكأنه أحدث تقباً في السماء، وله أثر جانبي يعمل عمل العدسة لأن قوة جاذبيته تستطيع كسر الضوء المار بقربه كما هو مبين في هذه المحاكاة التشبيهية.
والسماء والطارق … النجم الثاقب
يبين التصوير الزمني بين عام 1992 و 2002 حركة النجوم حول الثقب الأسود الغير مرئي وعليه إشارة + في مركز مجرتنا حيث تدور احدى النجوم S2 حول الثقب مرّة كل 17 سنة بينما تدور شمسنا حوله مرّة كل 250 مليون سنة بسبب بعدها عنه.
حركة النجوم حول الثقب الأسود في مركز المجرّة بين 1992 و 2002 حيث يقع في منتصف الصورة وعليه اشارة +
عظمة النجم الثاقب “الثقوب السوداء” لا تقتصر على هذا فقط، فهو يتواجد في مراكز المجرات ويعتبر المُكوِّن الرئيسي في بنائها ويُحدث شكل الدوّامة التي تقوم تدريجياً بإبتلاع الغاز والدخان في المجرة وحتى النجوم، فعلى سبيل المثال، يتمركز في وسط مجرتنا نجم ثاقب “تقب أسود” هائل الكتلة تبلغ كتلته 4.1 – 4.6 مليون ضعف كتلة شمسنا. وهو إعجاز علمي آخر بينّاه في مقالتنا “أين تستقرّ الشمس” مِما يضيف الى عظمة القسم.
تأثير النجم الثاقب أو التقب الأسود على السماء – الزمن، إنه يثقبها
ويصل تأثير النجم الثاقب “التقب الأسود” على أبعاد السماء المسافة والزمن ليُحدث انحناء في السماء كما هو مبيّن في الصورة، قكلما اقتربنا من الثقب الأسود، زاد الانحناء في المساقة وتباطىء الزمن الى أن يتوقف، إذ إنه يثقبها! أليس هذا بقسم عظيم؟ أليس بهذا النجم عجيب القدرة ولطيف الحكمة؟ إقتُرِن الإيمان بالعمل الصالح في القرآن الكريم ما يقارب الـ 58 مرّة على شكل “آمنوا وعملوا الصالحات” والفوز بالجنة يتطلّب كلاهما، هذه معجزة قرآنية ذُكرت في القرآن قبل 1400 سنة وتجلّى تفسِّيرها لنا في زمننا هذا، فتذكّر دائماً قبل قيامك بأي عمل بأن هناك حفظة تكتب أعمالك { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } والتي ستسلّم لك يوم الحساب.
التسجيل التالي يوضح ما ذكرناه عن الثقوب السوداء حيث تم اكتشاف الطرقة التي يُحدثها بالصدفة خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي.
مرجع: اقتراب سحابة دخانية من الثقب الاسود وسط المجرّة على يوتيوب
بقلم: حسين أحمد كتّاب
https://fussilat.org/2012/07/18/%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AC%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%82%D8%A8/

المقال السادس :
الماء بين السماوات والأرض وفى هذه الدنيا وفى اليوم الآخر
مقدمة : تكررت الآيات القرآنية التى تتحدث عن نزول الماء من السماء ( وليس من السماوات ) أى من الغلاف الجوى . وتعرضنا لهذا من قبل . قد سبق القرآن الكيم الغرب فى كيفية انزال المطر . مكتوب مجلدات عن ( الماء ) فى العلم الحديث ، ومع ذلك ففى حديث القرآن الكريم ( الماء ) حقائق كبرى لم يدركها العلم الانسانى حتى الآن وحقائق أخرى سبقت العلم الحديث .
أولا : حقائق قرآنية كبرى عن الماء لم يصل اليها العلم البشرى حتى الآن :
الماء أصل الخلق والملكوت :
1 ـ عرش الرحمن هو ملكوته ، هو مخلوقاته من الأحياء والجمادات ، هو السماوات والأرض وما بينهما من كواكب ونجوم ومجرات . هو ما نعرفه وما نعرفه من المخلوقات والدواب ( التى تتحرك ) سواء من الأميبا أو من الملائكة .
(الماء ) هو أصل عرش الرحمن . قال جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)هود 7). علم البشر محصور فيما تدركه أجهزة البشر وحواس البشر . وهم وصلوا الى أن الماء عنصر ضرورى للحياة فيما يرونه وفيما يعرفونه ، ولكن الله جل وعلا يخبرنا أن الأمر أعظم من ذلك ، فالسماوات والأرض أصلها الماء . بالتالى ، فهناك أنواع لا نعرفها من الماء فى العوالم الأخرى التى خلقها ( رب العالمين ) .
2 ـ وليس هذا مستغربا فهناك أنواع من الماء غير الماء الذى نعرفه . فنحن نعرف الآن : ( الماء الثقيل (ويسمى أيضًا أكسيد الديوتريوم أو D2O). ) ، وهو ماء يحتوي على نظير ثقيل من الهيدروجين يسمى ديوتريوم رمزه الكيميائي D بدلاً من الهيدروجين العادي. وتبلغ كتلة ذرة الديوتريوم حوالي ضعف كتلة ذرة الهيدروجين العادي. وقديما إكتشف جابر بن حيان ( ماء النار) ، وهو مصطلح كان يستخدم للإشارة إلى حمض النيتريك HNO3. ، وله قدرة على إذابة المعادن المختلفة بما فيها الفضة . ثم هناك ( الماء الملكى ) ، وهو مزيج من حمض النيتريك وحمض الهيدروكلوريك ، يذيب البلاتين والذهب . إذا كان هذا فى عالمنا المادى ، فيجب التسليم بأنواع من الماء فى العوالم الأخرى ، التى تعيش فى برازخ أخرى ، أو فيما اصبح معرفا بالأكوان الموازية . السبب بسيط ، هو أن الماء أصل الحياة .
الماء أصل الحياة
1 ـ قال جل وعلا : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ ) الانبياء 30 ). حقيقة أن الله جل وعلا ( جعل من الماء كل شىء حى ) أتت مباشرة بعد الانفجار الذى إنبثق منه خلق السماوات والأرض ، وإذا كان الماء هو أصل الحياة فى الأرض فهو أيضا أصل الحياة فى السماوات مع إختلاف نوعيات الماء تبعا لاختلاف أرضنا المادية عن برازخها الست وعن برازخ السماوية السبع . لا يضير هنا عجزنا عن رؤية مخلوقات السماوات من ملائكة الملأ الأعلى ، ورؤية الجن والملائكة والشياطين فى برازخ الأرض الستة . وكلها مخلوقة من ماء، أى نوعيات من الماء تناسب الكون الذى تعيش فيه . الانسان مخلوق من ( مادة ) طين مع ماء مناسب للطين ، والجن مخلوق من ( طاقة ) : نار ، وماء خلقه من نار ، قال جل وعلا : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) الحجر )( خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) الرحمن ) . وابليس مخلوق من طاقة ( نار ) ولذا إستكبر أن يسجد لآدم المخلوق من ( طين ) مادى ، أقل شأنا فى تصوره من النار ، فقال فى تعليل رفضه السجود لآدم : (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) الاعراف ) (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) ص )
2 ـ وقال جل وعلا : ( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ) . مصطلح ( دابة ) تعرضنا له فى باب القاموس القرآنى ، وهم يدل على الكائن الحى الذى ( يدبُّ ) أو يتحرك بإرادة مقصودة. وبالتالى فهذا وصف ينطبق على الأحياء فى العوالم الأخرى . ونقرأ بعدها: ( فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ ) هذا وصف لما نعرف من حيوانات البر والبحر والبشر والبرمائيات . ولكن هناك أحياء لا ندرك كيفية ومدى حركتها ، لأن هذا يخرج عن أفهامنا ، لذا يقول جل وعلا فى ختام الآية الكريمة :( يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) النور 45 )
الماء القادم فى البعث : إحياء الموتى :
1 ـ قال جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۚ ) هنا إشارة عن دور الرياح فى المطر بالسحاب المعبأ ببخار الماء ، فإذا ثقلت حولته نزل ماؤه مطرا . يقول جل وعلا بعدها : ( كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )الاعراف 57 )، أى بنفس الطريقة سيتم البعث ولكن بماء آخر .
2 ـ ويتكرر هذا فى قوله جل وعلا : (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ ) الزخرف 11 ). ( أنشرنا ) أى أحيينا . (بلدة ميتا )، أى أرضا عطشى بلا زرع. ( كذلك تخرجون ) أى تبعثون .
3 ـ وقال جل وعلا :(وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) ق ) . كذلك الخروج ، اى كذلك يكون الخروج من المقابر ( البرزخية ) .!
الماء فى الآخرة
1 ـ الماء سبب فى حياتنا الدنيا ، ثم يكون سببا فى البعث يوم القيامة . وسيكون ايضا سببا فى الخلود فى الجنة أو النار . ستمتد به الحياة فى خلود النعيم فى الجنة لأصحاب الجنة . وستمتد به الحياة فى خلود العذاب لأصحاب الجحيم . وكما للماء دورة فى هذا الكوكب الأرضى الفانى يستمر بلا نقصان ، فكذلك ستكون له دورة أبدية خالدة لا تنقطع ، فى نعيم الجنة الخالد أو عذاب جهنم الأبدى . ماء خالد للنعيم وماء خالد لعذاب الجحيم .!
2 ـ يصف الله جل وعلا ماء النار بالحميم ،قال جل وعلا : ( لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70) الانعام ) ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) يونس ) .
ووصف رب العزة جل وعلا آلية تعذيبهم : فماء الحميم يتم صبه فوق رءوسهم فتصهرها وتنزل الى بطونهم وجلودهم فتصهرها أيضا : ( يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) الحج ) . وماء الحميم مادة حارقة وتساعد أيضا على الاشتعال ، فيؤخذون الى منبع الحميم ، فتنصب عليهم حميمها ، ثم يلقى بهم فى قعر النار ليتم سجرهم وصهرهم فيها ، يقول جل وعلا : ( إِذْ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) غافر ) ويظلون فى هذه الدائرة الجهنمية بين ماء النار والنار ، يطوفون بينهما ، قال جل وعلا : ( هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) الرحمن )
ويتفاعل هذا مع اكلهم طعام الزقوم الذى يغلى فى بطونهم ، يأكلون منه ثم يشربون عليه الحميم ، قال جل وعلا : ( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) الدخان ) ( ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) الواقعة )
أى هم فى أنواع متنوعة من النار ، وإذا استغاثوا يأتيهم الغوث بماء آخر ملتهب ، أو نار سائلة تشوى وجوههم ، وهم فى كذلك لا يخرجون منها ، قال جل وعلا : ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوابِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ) الكهف 29 )
وهم فى هذا العذاب كلما نضجت جلودهم يتم إبدالها بجلود أخرى ليذوقوا العذاب ، قال جل وعلا: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56) النساء ). يبدو أن هذا الاستبدال يتم بأنهم يبتلعون الصديد الذى يخرج منهم ـ يبتلعونه رغما عنهم ، فتنبت به أجسادهم ، وبهذا يأتيهم الموت ولا يموتون ، قال جل وعلا :( وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) ابراهيم 16 : 17)
3 ـ وعن شراب أهل الجنة قال جل وعلا : (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ ) ثم تأتى المقارنة بأهل النار : ( كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ) محمد 15 ). لذا ينادى أصحاب النار أصحاب الجنة يرجون ماءهم : (وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِين ) الاعراف 50 )
ثانيا : حقائق قرآنية كبرى عن الماء سبقت العلم البشرى
عن خلق الانسان
عنه جاءت آيات قرآنية سبقت العلم الغربى . قال جل وعلا :( ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ )السجدة 8 )، وقال جل وعلا:(أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ) المرسلات 20 )( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا) الفرقان 54 )،
مصدر الماء :
عن دوره فى إحياء الأرض : قال جل وعلا : ( وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) النحل 65 ). وللماء مصدران :
1 ـ الغلاف الجوى ( السماء ) قال جل وعلا : ، (وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا ) النبأ 14 ) ( المعصرات ) السحب التى تعصر الماء . ( ثجاجا ) أى ماء مصبوب بتتابع , وقال جل وعلا : ، (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68 ) أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (70)) الواقعة ) المزن اى السحاب الممطر . قال جل وعلا : ، (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ ) الزخرف 11 )
2 ـ باطن الأرض . وعنها قال جل وعلا :(وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) النازعات )، وعن الحجارة قال جل وعلا : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ) البقرة 74 ) . ومن الممكن أن يغور الماء فى باطن الأرض فلا يصل اليه البشر،قال جل وعلا : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ ) الملك 30 )، وقال الرجل المؤمن لصاحبه المغرور بجنته : (فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا ) الكهف 40 : 41 )
3 ـ فى طوفان نوح إلتقى ماء السماء بماء الأرض، قال جل وعلا :( فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ) القمر 11 : 12 ) ، وبعده عاد كل شىء الى أصله ، قال جل وعلا:( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ ) هود 43 : 44 ).
وصف الماء.
العرب عندما رأوا مدن مصر إستعملوا كلمة ( مصر ) بمعنى البلد ، ورأوا نهر الفرات ، أول نهر يرونه فوصفوا الماء العذب بالفرات، ونزل القرآن بلسان العرب،قال جل وعلا : ( وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُرَاتًا ) المرسلات 27 ). ووصف رب العزة ماء المطر بأنه طهور .قال جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ) الفرقان 48 )، وبأنه مبارك ، قال جل وعلا : (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ) ق 9 )
ماء البحار والأنهار
1 ـ مخازن الماء الظاهرة فى الكرة الأرضية تتمثل فى البحار والأنهار ، وقد سخرهما رب العزة للإنسان يبحر فيهما بسفنه ، ويأكل من أحيائهما لحما طريا ويستخرج منهما الدرر، قال جل وعلا : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ )ابراهيم 32 ) ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)النحل:14 )
2 ـ وعن إختلاف نوعية الماء بين البحر والنهر قال جل وعلا :(وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فاطر:12 )
3 ـ ولا يمكن أن يمتزج ماء النهر بماء البحر ، قال جل وعلا :( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ (20) الرحمن )( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53) الفرقان )
الميزان والتقدير
1 ـ رب العزة الخالق جل وعلا خلق كل شىء بتقدير دقيق ونظام بديع ، قال جل وعلا : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) القمر)(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) الفرقان )
2 ـ يسرى هذا على الأرض وكرويتها والنباتات الموزونة فيها ، وما ينزل الى الأرض بمقدار معلوم ، قال جل وعلا ( وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) الحجر ).
3 ـ الماء الذى ينزل من الغلاف الجوى هو بميزان وتقدير ، وبميزان دقيق يتبخر بعضه ، ويهبط البعض الى الأرض ، قال جل وعلا : ( وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) ) المؤمنون )(وَالَّذِي نَزَّلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) ) الزخرف ).
4 ـ وفى النهاية فكل إنسان مقدر له ما يستهلكه فى حياته من طعام وشراب ، وما يخرج منه من بول وغائط وتنفس . ثم يموت ، فتعود جثته لتتحلل فى الأرض ، وما يخرج من جثته من عناصر طبيعية وبخار ماء محسوب أيضا . وكل ذلك فى كتاب إلاهى حفيظ . قال رب العزة جل وعلا : (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) ق ).
أخيرا :
نؤكد دائما أن القرآن الكريم ليس كتابا فى العلم أو فى القصص ، بل هو كتاب فى الهداية ، وتأتى فيه إشارات علمية فى سياق الدعوة للهداية ، لتكون آيات لقوم يعقلون . إقرأ قوله جل وعلا : : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) البقرة: 164 ) .
ودائما : صدق الله العظيم .
المقال السابع :
البرزخ والأكوان الموازية
القرآن الكريم سبق العلم الحديث فى موضوع السماوات والأرض
لو تدبّر الغرب القرآن لتغير تاريخ العالم فى الرقى الحضارى والتقدم العلمى
أولا :
معنى البرزخ فى القرآن الكريم
هو الحاجز الفاصل بين شيئين . وقد جاء ثلاث مرات فى القرىن الكريم . مرتين عن الفاصل أو الحاجز بين ماء البحر المالح وماء النهر العذب إذا إلتقيا ، وهما يلتقيان عندما يصب النهر فى البحر ، يقول جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53) الفرقان ) ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ (20) الرحمن ). ومرة عن البرزخ الفاصل بين الحياة الدنيا والحياة الأخرى يوم البعث . يقول جل وعلا : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون )
البرزخ والحجر المحجور
1 ـ هذا البرزخ لا يمكن إقتحامه ، أو بالتعبير القرآنى ( حجرا محجورا ) . وقد جاء هذا التعبير عن البرزخ الذى يفصل بين ماء البحر وماء النهر : ( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53) الفرقان ) فالبرزخ هنا موصوف بالحجر المحجور ، مع أنه ( مرج البحرين يلتقيان ) ، مع المرج والالتقاء فلا مجال للمزج . وهذا شىء عجيب ، ونشهده حاليا فى الفصل بين الماء العذب والماء المالح فى مصب الأنهار فى البحار .
2 ـ الذى لا نشهده ونحن أحياء هو دخولنا البرزخ عند الموت . النفس قبل أن تدخل فى جنينها كانت ميتة فى البرزخ ، ثم فى موعدها يتم نفخها فى جسد جنينها ، فيكون إنسانا بعد أن كان ( مشروع إنسان ) أو كتلة من اللحم الحى بلا نفس . ثم يولد هذا الانسان ، ويأخذ الفترة المكتوبة له فى حياته الأرضية ، وعند ( الأجل ) أو موعد موته المحدد أزلا ، يأتيه الموت ، أو تأتيه ملائكة الموت . عندما يراهم لا يمكن أن يعود الى الحياة الدنيا ، فقد دخل البرزخ ، وستبقى فيه نفسه بلا إحساس بالزمن كشأنها قبل أن تلبس جسدها ، ثم تستيقظ عند البعث ، تتصور أنها لبثت يوما أو بعض يوم . المؤمنون عند البعث يعلمون هذا ، أما المجرمون فيقسمون انهم ما لبثوا ساعة ، يقول جل وعلا : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) الروم ) . نفس الموقف عند الاحتصار ، فالمجرم يصرخ طالبا فرصة أخرى قائلا لملائكة الموت :( أرجعون ) : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون ) . إذا رأى الملائكة الموت فلا مجال للخروج منه إلا يوم البعث للجميع . ولهذا فعندما طلب الكافرون أن يروا رب العزة أو الملائكة جاء الرد :بأنهم يوم يرون الملائكة فلا بشرى لهم : ( وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدْ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22) الفرقان). هنا يقال : ( حجرا محجورا ) . أى فاصل حاجز منيع .
ثانيا :
عن عوالم أو برازخ السماوات والأرض وما بينهما
1 ـ لقد خلق أو ( فطر ) الله جل وعلا السماوات والأرض معا بأنفجار هائل . عن الانفجار الكونى يقول جل وعلا:(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا)( الأنبياء 30 ) ، الجزء المادى الثقيل الأسفل يتكون منه الأرض المادية التى نعيش فيها ، والكون المادى الذى تسبح فيه الأرض والذى يتكون من كواكب ونجوم ومجرات . والأرض المادية التى نحيا عليها تتخللها ستة أرضين أو ستة برازخ . تتخللها السماوات السبع ، أو برازخ سبع .
2 ـ ، الفارق بين المستوى المادى للأرض التى نعيش عليها ( ومحيطها من النجوم والمجرات ) وبين الأرضين الست والسماوات السبع هو سرعة الاهتزازات . إهتزازات المستوى المادى لعالمنا الثقيل الأسفل بطيئة، بينما تتدرج سرعة الاهتزازات فى البرازخ الأرضية الست أو الأرضين الست ، وتعلوها فى السرعة إهتزازات السماوات السبع ، وبالترتيب . الأرض الثانية ذبذباتها أو إهتزاز ذراتها أسرع من أرضنا المادية ومحيطها من النجوم والمجرات ، والأرض الثالثة ( البرزخ ) الثانى أعلى من الأرض الثانية، والأرض الرابعة ببرزخها الثالث أعلى ممن دونه ، وما فوقه أعلى منه ، وهكذا الى الأرض السابعة ببرزخها السادس ، وفوقها تكون السماء الدنيا ببرزخها الأول ثم السماء الثانية ، وهكذا الى السابعة . وبعده لا نعلم .
3 ـ وقلنا فى( كتاب الموت ) وهو منشور هنا ، وسبق نشره فى مصر عام 1990 : ( الثابت علمياً أن ذرات المادة الأرضية تدور بسرعة تتراوح بين 400 ألف مليون دورة إلى 750 ألف مليون دورة في الثانية الواحدة ، أما ذرات العالم العلوي الأثيري فإنها أسرع دوراناً وبهذا تخرج عن المستوى الاهتزازي لعالمنا المادي ولا نستطيع أن نراها ، ومن العالم غير المرئي لنا الجن والشياطين والملائكة والنفس البشرية بعد الموت وفى حالة النوم . وقد دل علم الميكانيكية الموجية على أن الأساس في تداخل الأجساد أو عدم تداخلها راجع إلى اختلاف المستوى الاهتزازي لهذه الأجساد أو تطابقه . فإذا كان المستوى الاهتزازي واحداً لإنتمائهما إلى نفس العالم فإن تداخلها يكون مستحيلاً ، فالإنسان بجسده الأرضي لا يستطيع أن يخترق الجدران لأن مجال المستوى الاهتزازي بينها واحد . أما إذا أختلف المجالان فإن التداخل يكون طبيعياً ، وعلى ذلك فإن وجود جسمين " أحدهما أرضى والآخر سماوي " متداخلين وشاغلين مكاناً واحداً في آن واحد يعتبر ظاهرة طبيعية يؤيدها العلم . وجهاز الراديو أبرز مثال لذلك ، فالكون ممتلىء بموجات لاسلكية تخترق الجدران وهى في نفس الوقت متداخلة لا يحس بعضها ببعض ولا يؤثر بعضها على بعض ، وكلها يتخلل جهاز الراديو ، فإذا استقر مفتاح الراديو على موجة معينة ألتقطها دون أن يعوقه وجود موجة أخرى في نفس المكان ذات اهتزاز أو ذبذبة مخالفة . )
ونحن نرى مروحة الطائرة إذا كانت لا تتحرك ، فإذا بدأت فى الدوران حول نفسها بدأت تغيب عن ناظرينا شيئا فشيئا الى أن تغيب عن ناظرينا. هى موجودة لا تزال فى مكانها ولكن لأن سرعة إهتزازها زاد عن سرعة الأشياء المادية لم تعد مرئية لنا .
وهناك فى إطار العالم المادى موجات ضوئية ، ولكنها تهتز بأسرع من إهتزاز ذراتنا ، فنحن إهتزازاتنا فى الأسفل ، أى 400 ألف مليون هزة او دورة فى الثانية الواحدة. فإذا زادت دورة مروحة الطائرة عن ذلك لا نستطيع رؤيتها . ولكن كوننا المادى تتراوح السرعة الاهتزازية فيه من 400 ألف مليون لتصل 750 ألف مليون دورة فى الثانية الواحدة . هنا تقع الموجات غير المرئية لنا بما فيه الضوء وهو ينتمى أيضا الى عالمنا المادى .
بعد 750 ألف مليون هزة أو دورة فى الثانية تبدأ العوالم البرزخية بترتيب سرعاتها ، وفيها تعيش عوالم الجن والشياطين والملائكة ، والأعلى فى سرعة الدوران يتخلل ما هو أقل منها . وبهذا نفهم تكوين الأرض من سبع أرضين ، اضعفها المستوى السفلى المادى الذى نعيش فيه ، وهناك ست مستويات متوالية من الأرض التى قال عنها رب العزة أنها تتكون من سبع طرائق كالسماوات السبع ، ويتنزل الأمر الالهى بين طبقات السماوات والأرض : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12) ) الطلاق ).
وفى أحد المستويات البرزخية للأرض يعيش الجن ، يقول أحدهم : ( وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (12) الجن ) . أى هم يعيشون فى مستوى برزخى للأرض . لا يستطيعون الخروج منه الى المستوى الأعلى الذى تقع فيه السماء الدنيا . وفى مستويات مختلفة من الأرضين الست التى تعلو مستوى الأرض المادية تعيش الملائكة المكلفة بتسجيل أعمالنا ، هى تتداخل مع جسدنا المادى وتسجل ما نفعل ، يقول جل وعلا (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) الانفطار ) ، ولكل فرد منا إثنان من الملائكة مختصون بتسجيل عمله : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق ).
والنفس البشرية تنتمى الى هذا العالم البرزخى ، هى موجودة فيه قبل خلق صاحبها ، أى إن نفسى كانت موجودة من آلاف السنين فى البرزخ قبل ميلادى ، ثم عندما جاء الوقت المحدد لها لبست الجنين الخاص بها فى رحم والدتى ، ونزلت إنسانا فى موعد مولدى ، ودخلت فى تجربة هذه الحياة الدنيا ، وخلالها تعود نفسى الى نفس البرزخ فى النوم لتستريح من هذا العالم المادى الثقيل ، فالنفس البشرية تقضى حوالى ثلث عمرها الأرضى المادى فى نوم تعود به الى منبعها البرزخى . ثم فى النهاية تعود نهائيا الى هذا البرزخ بالموت ، الى أن يحين موعد البعث ، بعد أن تأخذ كل نفس فرصتها وإختبارها فى هذه الحياة الدنيا . أى فى هذا البرزخ توجد الأنفس التى لم تدخل أختبار الحياة ، كأنفس أحفادى وأحفادى ، كما توجد فى نفس البرزخ أنفس أجدادى الموتى . والى جانب النفس توجد الشياطين التى ( تقترن ) بالنفس ، وهو القرين ، وهو الذى يختص بغواية من شاء الضلال ، فيظل هذا القرين الشيطانى يزين للنفس التى إختارت الضلال أنها على الحق ، ويظل الضال متصورا أنه على الهدى والحق الى أن يرى ذلك القرين فى الاخرة ويعرف أنه خسر كل شىء ، يقول جل وعلا : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) الزخرف ) .
فى عوالم البرزخ توجد أيضا عذاب البرزخ لفرعون وقومه ، وهم فيه أحياء تحت العذاب الى أن تقوم الساعة ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)غافر ) وكذلك قوم نوح ( مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً (25) نوح ). كما توجد جنة الذين يٌتلون فى سبيل الله ، وهم فيها أحياء لا يموتون ، ولا يجوز أن نقول أنهم موتى ، يقول جل وعلا : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) البقرة ) هم أحياء يتمتعون برزق الله جل وعلا حيث يشعرون بنا ولا نشعر بهم ، يقول جل وعلا ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) آل عمران ).
ثالثا :
سبق القرآن للعلم البشرى :
1 ـ تركز على الحجم المادى لكوكب الأرض ، وهو مجرد حبة رمل فى صحراء هذا الكون الملىء بالنجوم والمجرات والأبعاد بينها تُقاس بملايين السنوات الضوئية ، وتطلعت أحلام العلماء الى حضارات فى الكواكب والنجوم ، تستبعد أن يكون هذا الكون الفسيح يخلو من حضارت .
2 ـ حتى الآن لم تصل حضارة الانسان الى ما أخبر به رب العزة جل وعلا فى القرآن الكريم . غاية ما هنالك أن الانسان وصل الى الطرق على أول أبواب البرزخ أو ما يسميه بالعالم الموازى ، وعرف ( الأوتار الفائقة ) التى تتخطى المعروف من نظرية النسبية . وبدأت نظريات مؤسسة على نظرية الأوتار الفائقة تتحدث عن أكوان موازية ( أو برازخ ).
3 ـ كما إن إكتشاف الفمتوثانية فتح بابا جديدا يمكن به الدق على أبواب البرزخ الأدنى لنا وهو الأرض الثانية . العالم المصرى أحمد زويل إكتشف الفمتوثانية ، وهى جزء من مليون مليار جزء من الثانية. والنسبة بين الثانية والفيمتو ثانية كالنسبة بين الثانية و32 مليون سنة. وإنفتح الباب لوحدات زمنية أقصر ، هى ( أتوثانية هي وحدة زمنية تخضع لنظام الوحدات الدولي وتعادل 10−18 من الثانية، (واحد كوينتليون من الثانية ، ولسياق الموضوع فإن أتوثانية إلى الثانية يعادل ثانية إلى 31.71 مليار سنة أو ضعف عمر الكون ، تتشكل لفظة "أتوثانية" من البادئة آتو والوحدة ثانية. وتساوي أتوثانية 1000 زبتوثانية أو 1/1000 من فمتوثانية. لأن الوحدة الزمنية التالية الأعلى هي الفمتوثانية (10−15 ثانية)، وتحدد عادة الفترة من 10−17 ث و10−16 ث بالعشرات أو المئات من أتوثانية.) . الذى يهمنا هنا أن العلم بأجهزته المادية وصل الى ما يعتبره أقل وحدة قياس للزمن ، وهذا فى إطار عالمنا المادى الذى نستطيع إخضاعه بالتجربة وبأجهزتنا العلمية ، أى فى إطار سرعة الاهتزاز التى نعيش فى محيطها (400 ألف مليون دورة إلى 750 ألف مليون دورة في الثانية الواحدة )، فماذا عن العوالم الأخرى الزمنية فيما بعد الأوتوثانية والزبتو ثانية وأخواتها ؟ هنا الاقتراب من باب البرزخ .
4 ـ المعضلة الكبرى التى تواجهها النظريات الحديثة فى تفسير الكون والأكوان الموازية ليس فقط فى الربط بين نظرية النسبية وما تلاها من نظريات ، أو محاولة الوصول الى نظرية شاملة كاملة ، ولكنها فى تقديرى هى الجمع بين حقييتين : إنفجار خلق الكون والذى أنشا الكون والكون النقيض ، والذى تعرضنا له من قبل ، والحقيقة الأخرى هى البرازخ للأرضين الست والسماوات السبع .
أخيرا :
1 ـ يقول جل وعلا : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) الملك ). لو أرجع الانسان بصره ومناظيره التيليسكوبية فى الكون المرئى رجع بصره حسيرا . هذا فى العالم المادى فقط من نجوم ومجرات . هناك قرابة 170 مليار مجرة فى الكون المنظور لنا حتى الان . وتقدر المسافة من كوكب الأرض إلى حافة الكون المرصود بحوالي 46 مليار سنة ضوئية. تتراوح أحجام المجرات وكميّة النجوم فيها ما بين بضعة الآف النجوم للمجرات القزمة, وحتى تلك العملاقة التى تضم مائة تريليون نجم . وهى ذات أشكال مختلفة : إهليلجى ، حلزونى ، وغير منتظم .والكثير منها يحتوى على ثقوب سوداء . أبعد مجرة عن الأرض : حتى مايو 1915 كانت المجرة جى اس زد 8 ـ 1 . وبينها وبيننا مسافة حوالى 13. 1 مليار سنة ضوئية . وكتلتها حوالى 15 % من كتلة مجرتنا درب التبانة . يبلغ قطر درب التبانة 100 الف سنة ضوئية، وفيها ما يربو على مئتي مليار نجم[55]، ومتوسط المسافة بين كل نجم وآخر خمس سنوات ضوئية، وتستغرق الشمس التي تبعد حوالي 30 الف سنة ضوئية عن المركز قرابة 250 مليون سنة مما نعُد لكي تكمل دورة واحدة حولها.
2 ـ ماذا عن عوالم البرازخ للارضين الست السماوات السبع ؟
3 ـ ثم .. ألا يخجل المحمديون حين يقرآون القرآن والكريم وآياته فى إبداع خلق السماوات والأرض ثم يصممون على وضع إسم محمد الى جانب إسم الخالق جل وعلا ؟ . صحيح أنهم ما قدروا الله جل وعلا حق قدره .!!
المقال الثامن :
التسخير
مقدمة :
1 ـ سئلت أكثر من مرة عن قوله جل وعلا : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ( الرحمن : 33 ). الإجابة تستلزم التعرض لموضوع التسخير فى القرآن الكريم .
2 ـ ( التسخير ) يعنى إن الله جل وعلا أودع فى الشىء الذى خلقه إمكانية توظيفه لمصلحة الانسان . وبالتالى يمكن للعلم البشرى التعرف على إمكانيات ما سخره رب العزة جل وعلا لهم للإستفادة به ، سواء كان هذا الشىء المسخر فى مجال رؤيتهم البصرية وحواسهم الماية أم كان خارج نطاقها . والانسان الآن يستعل ما سخره الله جل وعلا له مما يسميه بالكهرباء والأشعة غير المرئية , ولو تعرف الغرب على القرآن لرأوا ان مجال التسخير يشمل ما فى السماوات والأرض ، وهذا يوفر لهم وقتا وجهدا وتضاربا فى النظريات . إن من المستحيل على البشر الولوج فى السماوات ، ولكن ما فى السماوات من طاقات يمكن تسخيره للإنسان . وهذه حقيقة قرآنية يجب أن ينتبه لها علماء الغرب.
3 ـ نتوقف مع التسخير مدخلا لإمكانية البشر النفاذ الى أقطار السماوات والأرض ، أو برازخ السماوات والأرض .
أولا : التسخير :
يأتى ( عموم التسخير ) بيانا وتفسيرا لما خلقه الله جل وعلا فى سياق الدعوة الى الهداية . قال جل وعلا : ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ) (2 ) الرعد ) وقال جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) لقمان )، وقال جل وعلا : ( أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) النحل )
وعن ( التسخير لنا )
1 ـ الله جل وعلا لم يسخّر الانسان لعبادته ، بل جعله حُرّا فى الاايمان أو الكفر ، فى الطاعة أو المعصية خلال فترة حياته فى هذا العالم ، وهذا هو الابتلاء أو الاختبار الذى وضعنا فيه رب العزة جل وعلا . بل إنه جل وعلا خلق هذا العالم بسماواته وأرضه ليختبرنا . قال جل وعلا :( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً )(7) هود ). وبعد أن تدخل كل نفس جسدها وتموت وينتهى إختبار البشر تقوم الساعة ويتدمر هذا العالم بسماواته وأرضه وبرازخه ، يخلق رب العزة جل وعلا سماوات بديلة وأرضا بديلة خالدة دائمة أبدية يتجلى فيها للناس . قال جل وعلا : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) ابراهيم ).
2 ـ من حقيقة خلق الكون المنظور وغير المنظور لاختبارنا ، تأتى حقيقة التسخير ، أى إن هذا الكون المنظور والكون غير المنظور قد سخّره الله جل وعلا لنا . قال الله جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ )(20) لقمان )، ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) الجاثية ).
3 ـ هو نفس التسخير المألوف لدينا فيما تقع عليه أيدينا . على سبيل المثال ، سخّر الله جل وعلا لنا الأنعام ، نستغلها فى الركوب وفى الألبان وفى الطعام ، حتى الروث . وجعل ذبحها فى الحج من الشعائر، قال جل وعلا: ( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ (37 ) الحج ). بعض هذه الأنعام أقوى من الانسان ، ولكنها خاضعة له . تأمل طفلا صغيرا يقود جملا ، والجمل يسير خلفه طائعا مستكينا ، كما لو كان مخدّرا . هو فى الحقيقة واقع تحت تخدير أو تسخير . بدليل أن الحيوان الوحشى المفترس يلتهم الانسان . ويجد الانسان صعوبة فى تذليله وترويضه وتسخيره . من هنا كان وصف الحيوانات الأليفة بالأنعام ، من النعمة . قال جل وعلا : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ (66) النحل ) (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ (80) النحل )
4 ـ ومن التسخير المألوف لنا الماء يحمل الفُلك ، ونستخرج منه الحُلىّ ، ونأكل منه اللحم الطرى ، قال جل وعلا :( وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ (32) ابراهيم )( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ )(14) النحل )( اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمْ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ ) (12) الجاثية ) . وعن الماء والحيوان وسائل للمواصلات قال جل وعلا : ( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) الزخرف )
5 ـ هذا يبعث على التساؤل عن تلك المقدرة التى أودعها الله جل وعلا فى الماء . ونتذكر وصف الله جل وعلا للماء بأنه ( طهور ) ، قال جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً (49) الفرقان ). الماء يحيى الأرض الميتة ، وهو طهور ، أى لديه قدرة على إذابة الوسخ والتخلص منه . والماء موصوف بالبركة ( مبارك ) : (وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) ق ) . وفيه فوائد طبية أشار اليها رب العزة ، إذ إبتلى النبى أيوب بالمرض ، وكان الشفاء بالاغتسال بماء ، قال جل وعلا : ( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) ص ). الإجابة على هذه التساؤلات تكون بالبحث العلمى التجريبى ، وقد غفل عنه المحمديون حين إنشغلوا بأحاديث يفترونها ويصنعون لها أسانيد ويخنلفون فيها ، وقد إتخذوا القرآن مهجورا . الأولى بالغرب بمنهجه العلمى أن يقرأ القرآن قراءة علمية بمفاهيمه ليكتشف ما لا يزال مجهولا ، فيما سخره رب العزة للإنسان .
6 ـ قد يكون هناك تسخير إستثنائى لمصلحة بعض البشر ، فقد سخّر الله جل وعلا لداود الجبال يسمع تسبيحها والطير ،قال جل وعلا :( وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ) َ (79) الانبياء )( إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ (18) ص)، وعن سليمان قال جل وعلا : ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (38) ص ).
7 ـ وقد يجعل الله جل وعلا التسخير إهلاكا لبعض البشر الكافرين ، قال جل وعلا : ( وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) الحاقة ).
ثانيا : إمكانية النفوذ فى برازخ السماوات والأرض :
1 ـ كلما تطورت التليسكوبات عرف البشر المزيد عن المجرات ، وحاليا يقال إنه يقدّر وجود حوالي 200 مليار مجرة في الكون المرئي (observable Universe)؛ لكننا غير قادرين على رؤيتها لأن تلسكوباتنا ليست حساسة بالدرجة الكافية لرصدها. وهذه المجرات هى مجرد مابين السماوات والأرض . هى تنتمى الى نفس المستوى المادى للأرض التى نحيا عليها . هذا عما بين السماوات والأرض ، فكيف ببرازخ السماوات والأرض ؟
2 ـ حُلم البشرية بالعروج فى الفضاء وإستعمار بعض الكواكب فى المجموعة الشمسية ، سبقه القرآن الكريم بما هو أكثر وأعمق ، وهو إمكانية النفاذ ليس فقط خلال المجرات التى لازلنا بها منبهرين ـ بل أيضا النفاذ من خلال برازخ الأرض ، أو أقطارها الست غير المرئية لنا . هذا هو المفهوم من قوله جل وعلا : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ( الرحمن : 33 / 35 ).
3 ـ وبتدبر الآيات الكريمة نفهم الآتى :
3 /1 :هنا كلام عن ( أقطار السماوات والأرض ) أى السماوات السبع ، والأرضين السبع . فللأرض أقطار وللسماوات أيضا أقطار ، وهى البرازخ
3 / 2 : الخطاب جاء للإنس والجن معا . الانس محصورون فى العالم المادى الذى يشمل هذا الكوكب الأرضى والمجموعة الشمسية والكون الفسيح بنجومه ومجراته ، والتى يتيه العقل البشرى فى تأملها . ولكن الجن له إمكانات أكبر هى أن يتجول فى برازخ الأرضين الست .
الجن تعيش فى أرضها البرزخية مع تخللها للأرض المادية التى نعيش نحن فيها ، وقد قالوا عن أرضنا : (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (10) الجن ) هذه ( الأرض ) الأولى هى أرضنا . ثم قالوا : ( وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (12) الجن ). ، هذه الأرض الأخرى التى يتكلمون عنها فهى ( أرضهم ) البرزخية . يتجولون فى أرضنا والأرضين الست البرزخية التى تتخلل أرضنا ، ولكن ممنوع عليهم هم والشياطين الولوج الى المستوى البرزخى الأول للسماء الدنيا ، إلا بسلطان وتصريح إلاهى ، وهذا معنى قوله جل وعلا : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ ) ( الرحمن 33 : 35 ) ).
وسبق فى تقرير منعهم من النفاذ الى برزخ السماء الدنيا آيات أخرى ، قال جل وعلا : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإٍ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) الصافات ) ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)الملك) . وقالوا انهم كانوا يسترقون السمع مقتربين من تخوم المستوى الاهتزازى لبرزخ السماء الدنيا فانطلقت عليهم الشُّهُب : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً (9) الجن ).
3 / 3 : بهذا يكون مفهوما لنا أن البرازخ الأرضية متاحة للجن والشياطين . ولكن الذى يسترعى الانتباه هنا أن يتوجه الخطاب لنا نحن ( الإنس ) وبالتساوى مع ( الجن ) ، بما يعنى أنه إذا كان متاحا للجن النفوذ فى أقطار الأرض فهو متاح لنا أيضا ، وأنه إذا كان غير متاح للجن النفوذ الى برازخ السماوات إلا بسلطان ــ أى تصريح الاهى ـ فهو نفس الأمر بالنسبة لنا .
4 ـ يبقى السؤال الهام ، وهو كيف ؟. النفاذ المُشار اليه يقع ضمن التسخير المشار اليه أيضا . وهذا التسخير يستلوم بحثا ، وهذا البحث فى إطار الممكن وليس المستحيل . نحن تتخللنا عوالم البرازخ الأرضية التى لا نراها ، بمثل ما تتخللنا موجات الأشعات الأرضية ،ونستفيد منها ، وبالتالى يمكن أن نستفيد من الطاقات التى تتخللنا من عوالم البرزخ ، ونطوى بها الزمن . مستحيل أن ننفذ الى برازخ السماوات العليا ، ولكنه متاح لنا أن ننفذ فى برازخ الأرض ، نستفيد منها وهى مسخرة لنا ، وليس مهما أننا لا نرها ، فكم من قوى نستخدمها ولا نراها .

المقال التاسع :
ما لم يعرفه الغرب عن : (الزمن )
أولا : الزمن وخلق السماوات والأرض :
1 ـ لم نشهد خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسنا . قال جل وعلا : ( مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (51 ) الكهف )، ولكن نعلم أن الله جل وعلا خلق هذا العالم (السماوات والأرض وما بينهما ) من لاشىء . وهذا معنى ( فاطر السماوات والأرض ) قال جل وعلا :( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) فاطر) .
2 ـ ونتصور أن الله جل وعلا خلق الزمن من لاشىء ، جعل منه نوعين :
2 / 1 : الزمن المتحرك ، وبه حدث ( الانفجار الكبير ) ( Big ban )، وتكون منه السماوات والأرض وما بينهما تجرى خلال زمن متحرك الى أن تصل الى النهاية او القيامة أو الساعة ، أى تنتهى بأجل محدد مسمى أو تمت تسميته من قبل . عن هذا الأجل المسمى يقول جل وعلا : ( مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى (8) الروم ) (مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ) (3) الاحقاف ).
2 / 2 : الزمن الخالد ، (اليوم الآخر) .حيث لا يوجد ماضى ولا حاضر ولا مستقبل .
ثانيا : الزمن المتحرك فى هذه الدنيا
1 ـ أبرز مثال على زمننا المتحرك أن تسأل نفسك : أين ذهب الأمس ؟ أين ذهبت الساعة الماضية ؟ قال جل وعلا :( وهو الذى جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ) ( الفرقان 62 ). أنت تسير فى قطار زمن لا يتوقف ، تركبه فى محطة الولادة وتغادره فى لحظة الموت ، ومثلك كل نفس بشرية ، تولد وهى تحمل زمنها المقدر لها ، وبإنتهائه تعود الى البرزخ الذى أتت منه . تتعاقب علينا الأيام والليالى نمرُّ بها لتصبح خلفة ، أو ماضيا ، وبسرعة لا نتخيلها يتحول الحاضر الى ماضى والمستقبل الى حاضر فماضى ، وقد إكتشف العالم عوالم ما بعد الفمتوثانية فى هذا العالم المادى ، وما وراءه من عوالم البرزخ ( أو أكوان السماوات والأرض ) أعظم . .
2 ـ هذا الزمن المتحرك هو أزمان مختلفة ، ليس فقط فيما نعرف من اختلافات الزمن بين كواكب المجموعة الشمسية ، أو بين نجم الشمس وكواكبه والنجوم الأخرى فى مجرة درب التبانة ، أو بين مجرة درب التبانة ببلايين نجومها وبلايين المجرات الأخرى فى الكون ، ولكن أيضا بين هذا الكون المادى والبرازخ الست للأرض وما يتخللها وما يعلوها من برازخ السماوات السبع . إختلاف الزمن بين البرازخ وبين زمننا الأرضى يظهر فى قوله جل وعلا ( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل ) فالأمر الالهى بقيام الساعة صدر فى زمن برزخى ، ولكن الدورات الزمنية الأرضية والسماوية لم تصل بعد الى وقت حدوث هذا الأمر . لهذا قال ( لا تستعجلوه ) وحين نصل اليه سيتم تدمير الأرض المادية وكونها المادى وبرازخها وبرازخ السماوات السبع ، وأزمانها المختلفة المتحركة المختلفة ويأتى زمن آخر فى ( اليوم ) الآخر ، زمن خالد ليس فيه ماض ولا حاضر ولا مستقبل . زمن لا ندرى طبيعته .
3 ـ ( اليوم ) كوحدة زمنية تختلف من مستوى الى آخر . نحن نعرف ( اليوم ) فى أرضنا بليله ونهاره ،ومذكور فى القرآن الكريم اليوم الأرضى ، وفى تشريع الحج يقول جل وعلا : (وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) ( البقرة 203 ) ، ومذكور فى القرآن الشهور والأعوام بالحساب الأرضى .
ولكن هناك أيام ستة تم فيها خلق السماوات والأرض : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) ( الحديد 4 )، وفى مستوى آخر منها تنوعت الأيام حسب المستويات ، قال جل وعلا : (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) ( فصلت 9 : 12 )
4 ـ فيما يخص تدبير الله جل وعلا للملكوت وتصريفه فينا فهناك إختلاف الزمن بين ( يوم ) عند الله جل وعلا وزمننا الذى نعرفه ، قال جل وعلا : ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) الحج ) ( يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) السجدة ).
وفى مقال للدكتور منصور حسب النبي في الأهرام ( 11/5/1995 ) قام بتفسير علمي لقوله تعالى " يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ : السجدة : 5" , " وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ : الحج : 47 " فقال إن العبارة القرآنية " مما تعدون " أي بالحساب البشرى , أي بالزمن الأرضي.
وعليه فإن المسافة التي يقطعها الأمر الكوني في زمن يوم أرضي تساوي في الحد والمقدار المسافة التي يقطعها القمر في مداره حول الأرض في زمن ألف سنة قمرية بحساب أهل الأرض . وبحل هذه المعادلة القرآنية ينتج لنا أن سرعة هذا الأمر بالحساب الأرضي يساوى بالضبط سرعة الضوء فى الفراغ أي186 ألف ميل في الثانية أو 299792.5كم /الثانية وفي نفس المقال يقول د. منصور حسب النبي أن معادلات اينشتاين تنبأت قبل نظرية الأوتار الفائقة باحتمال تجاوز سرعة الضوء لجسيمات افتراضية غيبية ذات كتلة تخيلية تسمى التاكيون . كما تنبأت نظرية الأوتار الفائقة بوجود كون آخر سداسي الأبعاد متداخل مع كوننا الرباعي الأبعاد والسرعة فيه تفوق سرعة الضوء ولكنها لا تخضع لقياسنا .
5 ـ وبعد إكتشاف ( نظرية الأوتار الفائقة ) بدأ الحديث عن الأكوان المتوازية ، وهى ما نسميها البرزخ .وحين ننام تنتقل النفس الى البرزخ مؤقتا ، وحين نموت تنتقل النفس الى البرزخ ، وتظل فيه حتى البعث للجميع . وقد اشار رب العزة الى إختلاف زمن البرزخ عن زمننا . فأهل الكهف ناموا وظلوا فى نومهم ثلثمائة سنين وإزدادوا تسعا ، وحين إستيقظوا ظنوا أنهم ناموا يوما أو بعض يوما . ( الكهف : 19 ، 25 ) . وهناك شخص أماته الله جل وعلا أو ( أنامه ) مائة عام ثم بعثه أو أيقظه ، فظن أنه لبث يوما أو بعض يوم : ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ ) (259) البقرة) . وحين نموت وتعود النفس الى برزخها ، ثم عند البعث نستيقظ ونظن أنه مرّ علينا يوم أو بعض يوم . ( النازعات 46) .
6 ـ هناك اليوم ( الآخر ) بزمنه الخالد ، والمختلف عن ( يوم ) هذا العالم . مدة (هذا اليوم ) الذى تستمر فيه هذه الحياة الدنيا بأرضها وسماواتها وبرازخها ـ هى خمسون ألف سنة بالتقدير الالهى . وهذا ما جاء فى سورة المعارج ، وفيها مقارنة بين يوم الدنيا ( الذى نعيشه ) واليوم الآخر ، الذى سننتهى اليه . مقدار يوم الدنيا خمسون ألف سنة بالتقدير الالهى. يقول جل وعلا : ( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَرَاهُ قَرِيباً (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) المعارج ).
خلال هذه الخمسين ألف عام تحركت السماوات والأرض وما بينهما من ساعة الانفجار الكبير نحو النهاية . وكل مخلوق له زمنه ، من البشر والملائكة والنجوم والمجرات ، وفيها تعرج الملائكة بهذا الكون من سماوات وأرض وبرازخهما الى رب العزة ، وحين ينتهى هذا اليوم لهذا العالم ذى الخمسين ألف سنة بالتقدير الالهى ، تقوم الساعة ، ويتدمر العالم ، بأسرع من سرعة الضوء ، يقول جل وعلا بأسلوب التشبيه : ( وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) القمر ) (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ) (77) النحل ) .
ثالثا : اليوم الآخر ذو الزمن الخالد
1 ـ تأتى أرض جديدة وسماوات جديدة بزمن خالد ، يقول جل وعلا : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ )( ابراهيم 48 ) ، وتكرر الكلام عن الخلود في اليوم الآخر، مثل قول رب العزة جل وعلا : (خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ)آل عمران:88 ) (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)آل عمران:107 ) .
2 ـ الغريب أن مفردات الحديث عن ( اليوم الآخر ) كلها مفردات زمنية . مثل ( اليوم الآخر ) ( يوم القيامة ) ( يوم البعث ) ( يوم النشور) (يوم الحساب) ( الساعة )..الخ. ونكتفى بمثال ، يقول جل وعلا : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) الروم ) . هنا إستعمالان لكلمة ( الساعة ) . الساعة بمعنى وقت تدمير العالم وما يعقبه من بعث ، و ( الساعة ) التى نعرفها ، وهو بعض اليوم .
3 ـ لهذا نتصور أن الله جل وعلا فطر ( الزمن ) من لاشىء ، ومن قطعة منه خلق هذا العالم بزمن متحرك ، مدته خمسون ألف عام بالتقدير الالهى . بعده تأتى الساعة باسرع من الضوء ، فيتدمر هذا العالم ويحل محله اليوم الآخر بزمن خالد ، وعذاب خالد أو جنة خالدة .
4 ـ وما أضيع من يعيش حياته الدنيوية المتحركة فى عصيان ، ثم يأتى فى اليوم الآخر الخالد ليعيش فيه فى عذاب لا تخفيف فيه ولا خروج منه .
المقال العاشر :
علم الذرة بين القرآن والعلم الحديث
لو تدبّر الغرب القرآن لتغير تاريخ العالم فى التقدم العلمى
مقدمة :
1 ـ ظل الغرب مؤمنا بما قاله فلاسفة إغريق من القرن الخامس قبل الميلاد بعدم إنقسام الذرة ، وظل هذا الاعتقاد ساريا حتى أواخر القرن التاسع عشر ، هذا مع أن رب العزة أخبر من أكثر من 1400 عام بإنقسام الذرة ومعلوات أخرى عنها لا يزال يجهلها الغرب والشرق . بمعرفة الغرب بانقسام الذرة إنفتحت للبشرية مجالات عن عوالم ما تحت الذرة ، إقتربت بهم الى طرق أبواب البرزخ ، وعوالم الطاقة التى كان إستخدام الذرة دليلا على أن هذا العالم المجهول هو عالم باهر القوة، وأن طاقتها تتجاوز عالمنا المادى الضعيف الثقيل .
2 ـ ونعطى بعض التفصيلات :
أولا : علم الذرة فى الغرب ولمحة عن تطوره :
1 ـ أصل كلمة ذرة بالانجليزية : Atom) ترجع الى الكلمة الاغريقية التى تعنى عدم الانقسام . إذ كان يعتقد أنه ليس ثمة ما هو أصغر من الذرة. قام كل ديموقرطيس وليسيوس عام 430 ق م ، بإفتراض ان الذرة غير قابلة للانقسام وليس هناك ما هو اصغر منها .
2 ـ في عام 1896م أجرى جوزيف جون طومسون أبحاثاً حول خواص أشعة الكاثود. وفي 30 أبريل 1897م، أدهش الأوساط العلمية بإعلانه عن أن الجسيمات المكونة لأشعة الكاثود هي أصغر حجماً بكثير من الذرات، وقد سمى هذه الجسيمات بالإلكترونات. وأظهر إكتشاف الإلكترون للعالم "طومسون" أن المفهوم القديم عن الذرة منذ ألفى عام، والذي ينطوى على أنها جسيم غير قابل للإنقسام كان مفهوماً خاطئاً، كما أظهر أيضاً أن للذرة - في الواقع- ترتيبا معقدا .
3 ـ كما ساهمت اكتشافات راذرفورد في إثبات وجود النواة وأنها تحمل شحنة موجبة. وكل الدراسات الحديثة للذرة تأخذ في الاعتبار أن الذرة تتكون من جسيمات تحت ذرية. وأنه تتكون الذرة من سحابة من الشحنات السالبة (الإلكترونات ) التي تدور حول نواة موجبة الشحنة صغيرة جدًا في المركز، وتتكون النواة من بروتونات موجبة الشحنة ، ونيوترونات متعادلة. وتعتبر الذرة هي أصغر جزء من العنصر يمكن أن يتميز به عن بقية العناصر؛ ولكن كلما غصنا أكثر في مادة الذرة تتلاشى الاختلافات بين عنصر وآخر
4 ـ اصبح معروفا الآن أن نواة الذرة أصغر مائة الف مرة من الذرة نفسها ، أى مثل حجم كرة الجزلف فى مطار هيثرو فى لندن . أى إن الفراغ يحتل معظم مساحة الذرة .بالاضافة الى معرفة مكونات الذرة من الإلكترون ، والبروتون والنيوترون، وأن الإلكترون هو أقل كتلة من البروتون والنيوترون بكثيرـ فقد عرفنا أن النونيوترونات تتكون بدورها من الكواركات التي تعد أصغر جزء من المادة. باستغلال الطاقة داخل الذرة أو الانشطار النووى توصل الغرب الى الأسلحة الذرية وتطوراتها الى اندماجية وتجميعية .
5 ـ إستحوذ هذا العالم الهائل داخل الذرة على إهتمام العلماء ، فتتابعت نظرياتهم ووصلت الى نظرية الأوتار الفائقة وتفرعاتها . نشأت نظرية الأوتار الفائقة لنفس عوالم ما وراء أصغر جزء من النواة ، وتنبأت بوجود جسيمات عديمة الكتلة ( طاقة ) تستطيع أن تنطلق بسرعة أكبر من سرعة الضوء ، آى تحتاج لعشر أبعاد بدلاً من الأبعاد الأربعة (ثلاث أبعاد للمكان وبعد زمني) المعروفة للمادة طبقا لنظرية النسبية . وتوصلت ابحاث أخرى فى نظرية الأوتار الفائقة الى كشف قوى جديدة إلى جانب الجاذبية، وهي القوة الكهرطيسية والقوى النووية القوية (المسؤولة عن تماسك النواة في الذرة) والضعيفة (المسؤولة عن النشاط الإشعاعي الذري). لذا أطلقوا على نظرية الأوتار الفائقة ( نظرية الكل )، فقد استطاعت توحيد قوى وجسيمات الطبيعة بشكل واحد ، فالبروتونات والنيوترونات والالكترونات التي تتكون منها الذرات تتكون من أجزاء أصغر هي الكواركات، تلك الكواركات التي كان يعتقد أنها مادة ، هي وبحسب نظرية الأوتار عبارة عن أوتار أو خيوط صغيرة جداً من الطاقة تهتز بعدة اتجاهات وطرق. كل وتر من هذه الأوتار حجمه صغير جدا مقارنة بالذرة، وكل اهتزاز معين لتلك الأوتار يعطي الجسيم خصائص مختلفة.. فقد يشكل الاهتزاز جزيئا مكونا لذرات المادة أو الطاقة أو الجاذبية...أي أن كل ما في هذا الكون من مادة أو طاقة أو شحنات هي في الواقع أوتار لكنها مهتزة بطرق مختلفة. والفرق الوحيد بين الجسيمات التي تكون مادة الخشب والجسيمات التي تظهر كطاقة الجاذبية هي طريقة اهتزاز تلك الأوتار فقط.
6 ـ وتنوعت النظريات داخل نظرية الأوتار الفائقة ، وهى : نظرية الأوتار البوزونية ، وهي أول نظرية أوتار عُرفت، وتتضمن أنساقاً اهتزازية جميعها بوزونات. وهناك 5 نظريات أخرى تتضمنها نظرية الأوتار كالتالي: – نظرية الأوتار من النوع I، وهي نظرية تتضمن أوتاراً مفتوحة وأخرى مغلقة. – نظرية الأوتار من النوع IIA ، هي نظرية تتضمن الأوتار المغلقة والتي لها أنساق اهتزاز تناظر يمين – ويسار. – نظرية الأوتار من النوع IIB، تتضمن النظرية الأوتار المغلقة التي لها أنساق اهتزاز لعدم التناظر يمين – يسار. ، نظرية الأوتار (هيتيروتيك – O)، هي نظرية تتضمن أوتاراً مغلقة حركتها الاهتزازية اليسرى الاهتزازات الموجودة في الأوتار البوزونية. – نظرية الأوتار (هيتيروتيك – E)، تتضمن أوتاراً مغلقة حركتها الاهتزازية اليمنى تشبه اهتزاز الأوتار II، أما الحركة الاهتزازية اليسرى فهي تشبه اهتزاز الأوتار البوزونية. – النظرية – Mهي نظرية توحد النظريات الخمس السابقة في إطار واحد شامل، وتشتمل على 11 بُعداً (زمكانياً – Space-time Dimensions). .
7 ــ ووصلت نظرية الأوتار الفائقة الى إكتشاف أبعاد جديدة فى الكون . هناك أبعاد اربعة نعرفها ، وهى (الطول، العرض، الارتفاع)، بالإضافة إلى البُعد الرابع (الزمن). أما نظرية الأوتار؛ فهى تنص على أن الكون مُكوّن من «11 بُعداً»، وهو شيءٌ لا يُمكن تخيله. وتنحصر هذه الأبعاد في الأبعاد الثلاثة الرئيسية، والبُعد الرابع (الزمن)؛ وزِدْ على ذلك 7 أبعاد كونية أخرى افتراضية مُثبتة رياضياً، لتتمكن النظرية من تكوين هندسة مُوحدة للكون بأكمله.
8 ـ هذا ـ حسب علمنا ـ منهى ما وصل اليه علم الغرب . أما ما جاء فى القرآن الكريم فقد سبق الغرب بمعلومات ، لو إلتفتوا إليها من قرون لوفروا جهدا ووقتا .
ثانيا : حقائق علم الذرة فى القرآن الكريم :
1 ـ السماوات والأرض فى هذه الدنيا تتكون من ذرات ، والذرة تنقسم . قال جل وعلا : ( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61) يونس) أصغر من الذرة يعنى أجزاء منها ، وهذه الذرات هى أساس تكوين الأرض والسماوات . وكلها تدخل فى إطار علم الله جل وعلا . وقال جل وعلا : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3) سبأ ).
وقنا إن للارض ستة مستويات برزخية تعلو أرضنا المادية ، وتعلو برازخ الارض مستويات السماوات السبع بالترتيب ، وكلها تتداخل فى أرضنا وفينا وفى بقية عالمنا المادى من النجوم والمجرات . نظرية الأوتار الفائقة غاصت فيما وراء أقل جزء من الذرة وهو الكوارك ، ومع أنها نظريا جزء من المادة إلا إنها طاقة من خيوط صغيرة جداً تهتز بعدة اتجاهات وطرق. كل وتر من هذه الأوتار حجمه صغير جدا مقارنة بالذرة . أى إن جزءا من الذرة ( أصغر جزء معروف لنا ) هو طاقة . ماذا بعد الكوارك ؟ لا بد لهذا الكوارك من إجزاء وإنقسام ، وأقسام لأقسامه ، وبالتالى ندخل فى عوالم البرزخ التى تتخللنا ، وبالتالى ايضا فالقرآن الكريم سبق الغرب ليس فى إنقسام الذرة فحسب بل فى عمومية هذه الانقسام فى الكون المنظور ( المادى ) والكون غير المنظور ( برازخ الأرض والسماوات ) .
2 ـ يقول جل وعلا : ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) الاسراء ) . نحن أجساد مادية ، تتحرك ، وفى داخل الجسد نفس برزخية تحتل الجسد وتتحكم فيه وتوجهه ، وهى تحب وتكره وتؤمن وتكفر ، وتخطط للخير وللشّر . ما يصدر عن النفس من أحاسيس ، وما يصدر عن الجسد من حركة يتم تسجيله ، أو بالتعبير القرآنى ( ما يطير ) عن الجسد والنفس من عمل وقول وأحاسيس وأفكار لا يضيع بل يتم تسجيله مكتوبا ، يحمله الانسان فى عنقه ويأتى به يوم القيامة ، وبه يتنعم خالدا فى الجنة أو يتعذب خالدا فى النار ، لذا فإن من إهتدى فلنفسه ومن أساء فعلى نفسه ، وهذا ما جاء فى الآية التالية : (مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الاسراء ) . وبالتالى فليس من مهمة الدولة فى الاسلام هداية الناس وإدخالهم الجنة ، ولا وجود فى الاسلام لأكذوبة حد الردة ، أو الإكراه فى الدين .
3 ـ الذى يهمنا هنا أن تسجيل كتاب أعمالنا يتم بالوزن الذرى أو ( المثقال الذرى ) ، وسنرى هذا يوم البعث حين نرى أعمالنا مدونة بالذرة ، قال جل وعلا : ( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (8) الزلزلة ).
وفى يوم الحساب لا مجال للظلم ولو بمقدار ذرة ، يقول جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (40) النساء) . وعن وزن الأعمال بالميزان الالهى يوم الحساب يقول جل وعلا : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)الانبياء ).
4 ـ كلمة ( المثقال ) تعنى الوزن ، وتكررت فى الآيات الكريمة السابقة ، ونضيف قول لقمان لابنه وهو يعظه : ( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) لقمان ) ومنها نستفيد وجود صخور فى برازخ السماوات ، تتكون من اوزان ضئيلة جدا .
ونضيف قوله جل وعلا عن ملكيته لكل هذا العالم المنظور وغير المنظور بكل ذراته:( قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) سبأ ).
أخيرا
بالمناسبة : نسأل ( أمة محمد ) : ماذا يملك محمد فى ملكوت الرحمن جل وعلا .؟ أم هو مجموعة ذرات مما خلق الله جل وعلا ؟!!
 

م الأرضية بينما إستيقظ الغرب وتحرر من سكزة دينه الأرضى فانطلق يسير فى الأرض ويكتشف آلاء الله جل وعلا فى الخلق ، فدخل بالبشرية فى مرحلة الاختراعات والتطور التكنولوجى الذى يتزايد كل يوم ، وتتضخم به معلوماتنا عن هذا الكوكب الأرضى والفضاء الخارجى ، بل وأصبح يطرق ما أسموه بالعالم الموازى ـ او البرزخ .

3 ـ ونقولهناإنهلوعرفعلماءالنهضةالأوربيةوروّادالاختراعفيهاالقرآنالكريملوفرواقروناعلىالبشريةولتنتعمتالبشريةبهذاالتقدمالعلمىمنقرونمضت. ومعهذاـوحتىالآنـفلاتزالالفرصةباقيةللغربلكىيختصرالكثيرويخترعالكثيرويفسرالكثيرمنالمعمياتالمعاصرةلوإتّجهالىالقرآن( العربىوليسترجماتهالبائسة. ولكنهمعنالقرآنالكريمغافلون. إناللهجلوعلايقولعن( علم) أولئكالغافلين: (يَعْلَمُونَظَاهِراًمِنْالْحَيَاةِالدُّنْيَاوَهُمْعَنْالآخِرَةِهُمْغَافِلُونَ(7) الروم.)وقدسبقلنانشربعضحلقاتهناعنالإعجازالعلمىفىالقرآن،ونرجوأنيتوفرالوقتوالجهدلاستكمالها،ولكننقررهناسريعامايلى:

أولا :

سبقالقرآنالكريمالغرب فىالمنهجيةالعلميةفىالعلومالطبيعية:

  تخلفتالبشريةطيلةالعصورالوسطىلأنهاإتبعتالمنهجاليونانىفىبحثالعلومالطبيعيةوهويقومعلىإهمالالتجربةالعلمية،ولكنسبقالقرآنالكريمبالاشارةالىالمنهجالعلمىالتجريبىفىبحثالعلومالطبيعية: وهو منهج يقوم على :

   منع البحث فى الغيبيات .

1 ـ فهناك عالم الشهادة ، وهو ما نراه ونشهده ، وتصل اليه حواسنا وأجهزتنا . وهناك عالم الغيب  الذى هو محجوب عنا . الله جل وعلا وحده هو عالم الغيب والشهادة : (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) الحشر ) . وهو يخبر بعض الغيب لبعض الرسل : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27) الجن   ).

2 ـ وقد ذكر رب العزة جل وعلا بعض الغيوب عن الأمم السابقة وعن مستقبل فى هذه الدنيا وعن علامات الساعة واليوم الآخر ، كما ذكر مخلوقات غيبية عنا من الجن والملائكة . وهذا الغيب المذكور فى القرآن الكريم يجب الايمان به ضمن الايمان بكل ما جاء فى القرآن الكريم ، وهذا معنى الايمان بالغيب كصفة من صفات المتقين المؤمنين بالقرآن الذى لا ريب فيه : (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) البقرة ). الايمان يعنى التسليم بغيب لا ندركه ولا يمكن أن نلمسه أو أن نصل اليه بحواسنا . بالتالى فإن التقول فيه خارج القرآن هو كفر بالقرآن ــ اى الكلام فى غيبيات لم ترد فى القرآن هو كفر بالقرآن لأن النبى محمدا نفسه لم يكن يعلم الغيب ( الأنعام 50 ، الأعراف 187  188 الأحقاف 9 ) .

3 ــ الكلام فى الغيب خارج القرآن الكريم هو أيضا سقوط فى الخرافة لأنه حديث بغير علم . ولهذا فإن الأديان الأرضية مبنية على خرافات غيبية تزعم الوحى الالهى ، وتفرض الايمان بها على المتبعين لها ، وتحرّم مناقشتها . وتعاقب من يخرج عنها بالقتل تحت مسمى الهرطقة أو حد الردة . ولو سيطر دين أرضى على مجتمع وألزمه بهذه الخرافات وعاقب من ينتقدها فإنه يدخل بهذا المجتمع فى دائرة الجهل . وهذا ما حدث للمحمديين حين سيطرت عليهم الحنبلية ثم التصوف ، وهو نفس ما حدث لأوربا حين سيطرت عليها الكنيسة الكاثولوكية .

4 ــ من هنا تأتى أهمية التحديد فى موضوع الغيب ( الايمان بما ذكره الله جل وعلا فى القرآن فقط ومنع الخوض فيه ، ومنع التقول فى الغيب عموما ) وبالتالى يكون التفرغ للبحث فى عالم الشهادة المتاح لنا النظر فيه وبحثه ولكن يالمنهج العلمى التجريبى .

 المنهج التجريبى فى عالم الشهادة :

1 ــ هنا يأتى الأمرفىالسيرفىالأرضللنظرالعلمىالبحثىالتجريبىفىآثارالسابقين،وبحثبدءالخلق: (  أَوَلَمْيَرَوْاكَيْفَيُبْدِئُاللَّهُالْخَلْقَثُمَّيُعِيدُهُإِنَّذَلِكَعَلَىاللَّهِيَسِيرٌ(19) قُلْسِيرُوافِيالأَرْضِفَانْظُرُواكَيْفَبَدَأَالْخَلْقَثُمَّاللَّهُيُنشِئُالنَّشْأَةَالآخِرَةَإِنَّاللَّهَعَلَىكُلِّشَيْءٍقَدِيرٌ(20) العنكبوت ) .

2 ــ ويأتى الأمر بالنظر فى السماوات والأرض نظرا بحثيا ، يكون مقترنا بالايمان بالخالق جل وعلا الذى أحسن كل شىء خلقه ، يقول جل وعلا : (قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ ) 101)  يونس ) (وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنْ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)  الانعام  ) () أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)  الاعراف  ) (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) ق   ). أى إنمنهجيةالبحثالتجريبىفىالقرآنالكريمةمرتبطةبهدفأسمى سبقت الاشارة اليه فى ربط النظر العلمى التجريبى بالايمان بالخالق جل وعلا الذى أبدع هذا الكون . ونضيف المزيد من الآيات :  ( أَوَلَمْيَرَوْاأَنَّانَسُوقُالْمَاءَإِلَىالأَرْضِالْجُرُزِفَنُخْرِجُبِهِزَرْعاًتَأْكُلُمِنْهُأَنْعَامُهُمْوَأَنفُسُهُمْأَفَلايُبْصِرُونَ(27) السجدة) (أَوَلَمْيَرَوْاإِلَىالطَّيْرِفَوْقَهُمْصَافَّاتٍوَيَقْبِضْنَمَايُمْسِكُهُنَّإِلاَّالرَّحْمَنُإِنَّهُبِكُلِّشَيْءٍبَصِيرٌ(19) الملك) (الَّذِيخَلَقَسَبْعَسَمَاوَاتٍطِبَاقاًمَاتَرَىفِيخَلْقِالرَّحْمَنِمِنْتَفَاوُتٍفَارْجِعْالْبَصَرَهَلْتَرَىمِنْفُطُورٍ(3) ثُمَّارْجِعْالْبَصَرَكَرَّتَيْنِيَنقَلِبْإِلَيْكَالْبَصَرُخَاسِئاًوَهُوَحَسِيرٌ(4) الملك.)(وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) الذاريات  ) .

3 ــ وأحياناتأتى إشارات الى  حقائقعلميةمعدعوةللتعقل، ربطا للبحث التجريبى بالعقل ـ وليس الهوى .كقولهجلوعلا :(  اللَّهُالَّذِيرَفَعَالسَّمَوَاتِبِغَيْرِعَمَدٍتَرَوْنَهَاثُمَّاسْتَوَىعَلَىالْعَرْشِوَسَخَّرَالشَّمْسَوَالْقَمَرَكُلٌّيَجْرِيلأَجَلٍمُسَمًّىيُدَبِّرُالأَمْرَيُفَصِّلُالآيَاتِلَعَلَّكُمْبِلِقَاءِرَبِّكُمْتُوقِنُونَ(2) وَهُوَالَّذِيمَدَّالأَرْضَوَجَعَلَفِيهَارَوَاسِيَوَأَنْهَاراًوَمِنْكُلِّالثَّمَرَاتِجَعَلَفِيهَازَوْجَيْنِاثْنَيْنِيُغْشِياللَّيْلَالنَّهَارَإِنَّفِيذَلِكَلآيَاتٍلِقَوْمٍيَتَفَكَّرُونَ(3) وَفِيالأَرْضِقِطَعٌمُتَجَاوِرَاتٌوَجَنَّاتٌمِنْأَعْنَابٍوَزَرْعٌوَنَخِيلٌصِنْوَانٌوَغَيْرُصِنْوَانٍيُسْقَىبِمَاءٍوَاحِدٍوَنُفَضِّلُبَعْضَهَاعَلَىبَعْضٍفِيالأُكُلِإِنَّفِيذَلِكَلآيَاتٍلِقَوْمٍيَعْقِلُونَ(4) الرعد).

4 ـ وأحيانا تأتى بعض الاشارات العلمية فى سياق الدعوة للبحث التجريبى ومقترنة بالدعوة الى الايمان بالخالق جل وعلا وكتابه واليوم الآخر ، كقوله جل وعلا : (  أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلَلْتُمْ تَتَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80)  الواقعة )( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (81)   )  (فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)  الحاقة  )

5 ـ والايمانالحقبالخالقجلوعلايعنىالتقوى،والتقوىتعنىتقديساللهجلوعلاوحدهوعبادتهوحده،كماتعنىحُسنالخُلُقمعالناس،وبالتالىإخضاعالعلمومنجزاتهللخيروالتعمير،وليسللحربوالتدمير.

 6 ــ  لواتبعالبشرالمنهجالعلمىالقرآنىبديلاعنالمنهجاليونانىلحدثهذاالتقدمالعلمىالحالىمنأكثرمنعشرةقرون. الذىحدثأنبعضعلماءالمسلمينفىعصرالمأمونوالواثقأتبعواالمنهجالتجريبى،وتفرّدالرازىـاعظمأطباءالعصورالوسطىـبهذاالمنهج،ولكنكماسبقمالبثالحنابلةأنأسقطواهذهالحركةالعلمية،ثمسادبعدهمالتصوففقضىنهائياعلىالعلمالحقيقى،فىالوقتالذىبدأتفيهالنهضةالأوربيةمعتمدةعلىجهدعلماءالمسلمينفىعصرهمالذهبى،وبالغربدخلالعالمفىعصرالتقدمالعلمىومخترعاتهوتطبيقاتهالتكنولوجيةالتىننعمبهاالآن،والتىتتطوروتتقدمبمايعجزالخيالعنتصورهفىالمستقبل.

7 ــ هنانرىللقرآنمنهجاعلميافىالبحثالتجريبى،وغايةمنهذاأنيكونهدفالبحثالعلمىهوالخيروتقوىاللهجلوعلا،وبذلكفلامجاللاستخدامالبحثالعلمىفىعصيانالخالق،كماحدثويحدثفىالحضارةالغربية. ولوإتبعتالحضارةالبشريةالمقصدالأعلىمنالبحثالعلمىلكانهذاالتقدمفىالخيروالسلامبدلامنالتدميروصناعةالسلاحوتلوثالبيئة.

المقال الثانى :

 إنكار الغيب القرآنى خطأ فى المنهج الغربى البحثى
مقدمة:
1
ــ هذه الثقافة الغربية العلمانية كانت ـ ولا تزال ـ رد فعل متطرف لخرافات الكنيسة الكاثولوكية وتطرفها فى التحكم فى العقل الأوربية والحياة الأوربية فى القرون الوسطى . الكنيسة الكاثولوكية فرضت الايمان بخرافاتها الغيبية على الناس ، وعاقبت من ينتقدها بالاحراق . ووقع المحمديون فى نفس المهلكة حين فرضوا أحاديثهم وخرافاتهم الغيبية على الناس على أنها السُّنّة والتصوف والتشيع . لا يزال المحمديون أسرى لهذا التخلف ، بينما تحرر منه الغرب. ولكنه تطرف فأنكر الغيب مطلقا ، وتأسّس العلم الأوربى والغربى على إنكار كل ما يخرج عن التجربة المادية ، وكل ما لا يمكن إخضاعه للتجربة المادية. بدأ بعض التطور الايجابى عندما تم إكتشاف ظواهر( غيبية ) يمكن الاستفادة بها علميا دون فهم كنهها وحقيقتها ، كالكهرباء ، وكشفت نظرية النسبية وما بعدها عن ظواهر كونية لم يتم بعدُ فهمها ، مع إمكانية الاستفادة منها.

 

2 ـ فى بدايتها أنكرت أورباالغيب تماما فى منهجها العلمى، وبالتالى أنكرت تداخل الغيب بالزمن ، وقد ظل عامل الزمن منكورا ربما حتى إكتشاف اينشتاين نظرية النسبية . ( الزمن ) هو أكبر غيب بالنسبة لنا ، مع أننا وكل العالم المادى نعيش فى إطار هذا الزمن الخاص بنا . وبعد إكتشاف نظرية النسبية فى ان الزمن هو البُعد الرابع للمادة أصبح الزمن معضلة تستوجب الكثير من الفهم . وربما لو إلتفتوا الى القرآن الكريم لفتح لهم ابوابا من التفكير ، وقصّر عليهم الكثير من العناء بإعطائهم مجالات جديدة غائبة عنهم ، ففى القرآن الكريم لمحات عن ( الزمن ) ، لم تلتفت اليه حضارة الغرب والشرق . وينبغى الاهتمام بها علميا من جانب المختصين . وهذه محاولة ( عرجاء ) من باحث قرآنى قليل البضاعة فى العلوم الطبيعية ، ولكن التدبر القرآنى يساعده فى الفهم . وبالتالى لو تدبر القرآن علماء متخصصون لاختلف الأمر.
ارتباط الغيب ( النسبى ) بالزمن والسرعة
1ـ إرتباط الغيب بالزمن والسرعة يتجلى فى ( زمننا ) الحاضر ، و ( زمننا ) الماضى . فى الماضى كان الحادثة تقع فى القاهرة ، ثم تعلم بها الاسكندرية بقدر سرعة توصيلها من القاهرة الى الاسكندرية . إذا حملتها خيول البريد ستصل فى يوم ، إذا حملها الحمام الزاجل ستصل أسرع . أى يتوقف الأمر على السرعة . الآن بإستعمال وسائط غير مادية أمكن أن نعلم بالخبر وقت حدوثه . أى بالوسائط غير المادية ( الغيبية ) أمكن تحييد الزمن فى مجال الاتصالات .وهذه الوسائط غير المادية الغيبية ( كالكهرباء ) طاقة لا نراها ، وإن كنا نستعملها ، وإن كانت هذه الطاقة أيضا صورة من المادة ، فالطاقة تتكثف الى مادة والمادة تتحول الى طاقة.
2 ـ هنا نحن أمام غيب نسبى يمكن العلم به بالتقدم العلمى . أخوك فى أوربا وأنت فى مصر ، من مائة عام كنت لا تستطيع أن تسمع صوته . ومن ثلاثين عاما كنت لا تستطيع أن تراه ، أنت الآن تراه بالتليفون وتكلمه . تقلص الغيب هنا . هذا هو الغيب النسبى فيما يخص الحاضر.
هل ينطبق هذا على غيوب الماضى ؟ ( غيب البرزخ)
1 ـ أى هل نستطيع أن نستحضر أصوات السابقين وأعمالهم ؟ إن الله جل وعلا حكم بأن الأمة التى تنتهى موتا وهلاكا لا يمكن أن تعود الى هذه الحياة الدنيا : (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (95) الانبياء).
2 ـ ونعلم من القرآن أن كل ما يصدر عن الانسان من قول وعمل يتم تسجيله بالملائكة : ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) الاسراء ) لذا فإن ( مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ) (15) الاسراء ). يهمنا هنا التعبير القرآنى ( طائره ) أى ما يطير عنه يحمل ( ال دى إن إيه ) الخاصة بذاته ، نفسه وجسده ، يطير حاملا كلامه وأفعاله وخطرات قلبه ، كل هذا يطير عنه ، ويتم حفظه و ( أرشفته ) ليكون هذا العمل هو كتاب أعماله بالصوت والصورة ، وليكون الجسد الذى يغلّف النفس يوم القيامة . وبهذا تمت ( ارشفة ) من مات قبلنا ، وسينطبق علينا نحن فى الحاضر وعلى اللاحقين ، يفنى الجسد وتعود النفس الى برزخها وقد وفّّت عملها فى كتاب عملها ووفّتّ المقدر لها من عُمر ورزق فى هذه الحياة الدنيا ، ثم يوم الحساب تأتى التوفية الأخيرة ، توفية مصيرها إما الى جنة أو نار.
3 ـ السؤال الان : هل يمكن أن إسترجاع كلام والدك المتوفى من زمن طال أو قصر ؟ هل يمكن أن تسترجع صورته كفيلم سينمائى تسجيلى ؟ الواضح أن المادة لا تفنى ، وبالتالى فإن ما صدر من اصوات لا تفنى ، هى هناك محفوظة . ولكن أين هذا ال( هناك )؟. إنه فى البرزخ . هنا يطل علينا غيب البرزخ.
هل ينطبق هذا على غيوب المستقبل ؟ ( الرؤيا الصادقة)
1 ـ يمكن بالرؤية الصادقة معرفة بعض الغيب المستقبلى . النبى محمد عليه السلام رأى فى المنام انه يحج البيت الحرام ، وكان يتمنى هذا ، وقد تحققت رؤياه صريحة واضحة ، يقول جل وعلا: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) الفتح) .
وقصة يوسف عليه السلام تقوم على رؤى صادقة ، وقد تعرضنا لتحليل سورة يوسف فى مقالات فى باب ( القصص القرآنى ) فى موقعنا . هنا رؤية صادقة رآها ملك كافر وصاحبا السجن ( وكانا كافرين ) ورآها يوسف عليه السلام . جاءت الرؤى ليست بإخبار واضح ، بل بإشارات وألغاز إحتاجت الى تعبير أو تفسير من نبى . المستفاد ان الرؤية الصادقة قد يراها أى إنسان بغض النظر عن إيمانه أو كفره . وموضوع المنامات أسرف فيه أئمة المحمديين السنيون والصوفية والشيعة وجعلوها وحيا مخصوصا لأوليائهم وأئمتهم.

وللزمن درجات ، ليس فقط فيما نعرف ، من اختلافات الزمن بين كواكب المجموعة الشمسية ، أو بين نجم الشمس وكواكبه والنجوم الأخرى فى مجرة درب التبانة ، أو بين مجرة درب التبانة ببلايين نجومها وبلايين المجرات الأخرى فى الكون ، ولكن أيضا بين هذا الكون المادى والبرازخ الست للأرض وما يتخللها وما يعلوها من برازخ السماوات السبع . الروح يتنزل بأقدار كل سنة ، ولكن بزمنه ، وهو ينتمى الى الملأ الأعلى أى يرزخ السماء السابعة ، يهبط منها بسرعات لا نهائية الى البرزخ الأدنى للأرض ( الأرض الثانية ) من سبع أرضين . فهناك فارق زمنى ، بين زمن هذا البرزخ الأدنى للأرض ( الأرض الثانية ) من سبع أرضين وبين زمن الملأ الأعلى ، كما أن هناك فارقا بين زمن هذا البرزخ الأدنى وزمننا نحن . وشاء الله جل وعلا فى موضوع يوسف ان أن ترى نفس الملك حدثا سيستمر 15 عاما بزمننا ، نزل به جبريل والملائكة وفق زمنهم

وما حدث ليوسف هو تدبير إلاهى من الله جل وعلا الذى يدبر ألأمر من مستواه العلوى فيتخلل السماوات السبع والأرضين السبع ، : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12) ) وسورة يوسف هى السورة التى ورد فيها لفظ أن الله جل وعلا غالب على أمره ، جاء هذا فى بداية نشأة يوسف فى بيت الذى اشتراه من مصر ، والذى سيكون فيما بعد عزيز مصر قال جل وعلا: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21)يوسف ) . 
إختلاف الزمن بين البرازخ وبين زمننا الأرضى يظهر فى قوله  جل وعلا: (  أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل ) فالأمر الالهى بقيام الساعة صدر فى زمن برزخى ، ولكن الدورات الزمنية الأرضية والسماوية لم تصل بعد الى وقت حدوث هذا الأمر . لهذا قال ( لا تستعجلوه ) وحين نصل اليه سيتم تدمير الأرض المادية وكونها المادى وبرازخها وبرازخ السماوات السبع ، وأزمانها المختلفة المتحركة المختلفة ويأتى زمن آخر فى ( اليوم ) الآخر ، زمن خالد ليس فيه ماض ولا حاضر ولا مستقبل . زمن لا ندرى طبيعته.

2 ـ كيف نفهم الرؤيا الصادقة من خلال القرآن:
فى ليلة القدر ينزل الروح جبريل والملائكة بالأقدار الحتمية للبشر للعام التالى ، من مواليد ووفيات ومصائب وأرزاق . يحملها ضمن تدبير الرحمن جل وعلا الذى ( يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) السجدة ). تنتقل الملائكة والروح جبريل من الملأ الأعلى البرزخى الى برزخ الأرض بسرعات لا يمكننا تصورها ، يعبر عنها رب العزة جل وعلا بالأجنحة ، قال جل وعلا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) فاطر ) ينتقل الروح والملائكة من الملأ الأعلى البرزخى الى المستوى البرزخى حيث يضع الأقدار فى ليلة القدر . هذا خلال يوم إلاهى مقداره ألف سنة بتعدادنا ، ولهذا فإن ليلة القدر قال عنها رب العزة جل وعلا : ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) القدر) والتفاصيل فى كتابنا المنشور هنا عن أن ليلة القدر هى ليلة الاسراء.
3 ـ تصور هذا عقليا كالآتى : نفترض أن صديقا لك فى الاسكندرية مقدر موته فى الساعة الواحدة صباح الأحد يوم كذا فى شهر يناير سنة كذا . لو كنت تعيش فى العصر العثمانى سيصلك الخبر بالحمام الزاجل بعدها بيوم .لو كنت تعيش عصرنا سيصلك الخبر فى وقتها . لأن الخبر يصل اليك قريبا من سرعة الضوء لأن الخبر هنا هو صوت أو صورة . هذا عن وسائل الاتصالات . أما عن وسائل المواصلات ، فلو سافرت اليه بجسدك بالخيول ستصله بعد يوم ، لو ركبت الطائرة ستصل بعد نصف ساعة. لو ركبت صاروخا ستصل بعد دقائق . مستحيل أن تركب وسيلة مادية تتجاوز بها سرعة الضوء ( 300 الف كيلو فى الثانية ) . لابد أن تتخلص من جسدك المادى لتنطلق بسرعة الضوء وتكون بنفسك الى جانب صديقك . لو توفرت لك وسيلة مواصلات تتجاوز سرعة الضوء ( أى الأوتار الفائقة ) ستصل الى صديقك ليس فى المستقبل بل فى الماضى ، أى سينعكس بك الزمن . لو مات صديقك ولك وسيلة مواصلات بالأوتار الفائقة التى تتجاوز سرعة الضوء فإنك ستصله قبل موعد موته ، وستعلم بموته قبل أن يموت . نظرية الأوتار الفائقة تعرف عليها العلم الغربى حديثا ، وهى من معضلات الزمن.
4 ــ عودا الى موضوع الرؤية الصادقة التى ترى بعض أحداث المستقبل مشوشة ،  نقول إن النفس ـ ذلك الكائن البرزخى الذى يسيطر على الجسد ويوجهه ـ تستريح من سجن الجسد مؤقتا بالنوم كل ليلة حيث تعود الى البرزخ. تعود اليه وقد تخلصت من أسر الجسد المادى ، وتتجول فى عالمها البرزخى . وأحيانا تصطدم ببعض الحتميات التى وضعها جبريل والملائكة فى ليلة القدر ( ولم تحدث بعد ) تراها بصورة مشوشة لأنه مجرد خبر بلا تحقيق وبلا تجسد . يستيقظ الانسان ويستذكر أحلاما كثيرة ، وينسى الأكثر ، ومعظمها أضغاث أحلام . ولكن يتذكر حُلما بصورة غامضة ، ثم لا يلبث أن يراه قد تحقق.
5 ــ هنا النفس قد إنطلقت الى برزخها بسرعات مجهولة لا نتصورها ، تنطلق وتعود الى جسدها طيلة نومه . ولا تستطيع النفس الاستغناء عن النوم ، فالنوم واليقظة وتسجيل الأعمال والموت والبعث من مظاهر قهر الواحد القهار للإنسان ، يقول جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61) الانعام).
الغيب المطلق ودرجات الغيب المطلق:
1 ـ كل هذا يقع ضمن الغيب النسبى الذى يمكن علمه بالتقدم العلمى الذى يخترع وسائط للسرعة فى الاتصال وفى المواصلات . أما الغيب المطلق فلا مجال لمعرفته على الاطلاق فى حياتنا الدنيا.
2 ــ الدرجة العليا من الغيب الكلى المطلق لرب العزة الله جل وعلا . هو جل وعلا غيب لا يمكن رؤيته فى الدنيا أو الآخرة ، ولنا مقال عن المحكم والمتشابه فى رؤية الله جل وعلا منشور هنا . لا يمكن رؤيته لأنه جل وعلا ليس خاضعا للزمن، بل هو خالق الزمن، فهو الأول والآخر . لدى البشر والملائكة والجن والشياطين عوالم الغيب والشهادة ، أما رب العزة فيستوى عنده العلم بالغيب والشهادة ، ولهذا فكلمة ( هو ) بالنسبة له جل وعلا لا تفيد الغياب ، بل الحضور ، ولنتدبر قوله جل وعلا : (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) الحديد ). إنها القيومية الالهية على كل شىء ، وشرحتها آية الكرسى ( البقرة 255)
هو جل وعلا فوق الخلود الذى سيكون فيه اليوم الآخر بجنته وناره . فالخلود فى نهاية الأمر هو زمن ، وهو جل وعلا فوق الزمن ، هو الأول بلا إبتداء والآخر بلا إنتهاء . ولا نستطيع التفكير أبعد من هذا حتى لا تنفجر (فيوزات عقلنا البائس.!)
3 ـ ثم هناك غيب مطلق لا نراه فى الدنيا بأعيينا ولا بأجهزتنا ، ولكن سنراه فى الآخرة ، هذا يشمل الجن والملائكة والشياطين . قال جل وعلا لنا عن الشيطان : (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ )(27 ) الاعراف). يوم القيامة سيرى الفرد الضال الشيطان الذى إقترن وسيطر عليه فى حياته الدنيا ، وسيتبرأ منه حيث لا ينفع الندم ، يقول جل وعلا : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) الزخرف) . وفى الجحيم سيكون الشيطان وذريته مع أتباعه من البشر ، وسيتبرأ منهم : (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ابراهيم) .
أخيرا : إنكار الغرب وتجاهله للغيب الذى فى القرآن الكريم أعاقهم وأخّر المسيرة العلمية . ونتمنى إعادة النظر .. لعلّ وعسى.!! 

 

 المقال الثالث :

ما لم يعرفه الغرب عن السماء والسماوات : ( معنى السماء والسماوات )

 مقدمة :

1 ـ  الغرب يعلم ظاهرا من علم السماوات والأرض ، والاشارات القرآنية فى هذا المجال سبقت الغرب ، وما لاشك فيه أن الغرب لو تدبر القرآن لانفتحت أمامه مغاليق كثيرة .

2 ـ  نبدأ بتحديد مصطلح السماء والسماوت قرآنيا .  ( السماء ) من ( السمو ) أى ( العلو ) ، ومنه قولهم ( صاحب السمو ) . بالتالى فإن السماء هى ما يعلو .

3  ـ وبهذا المعنى جاء مصطلح ( السماء ) بالمعانى الآتية :

أولا : السماء : بمعنى الغلاف الجوى بدرجاته المختلفة من حيث العلُوّ:

1 ـ ومنه إنزال المطر من السماء ، أى من الغلاف الجوى ، يقول رب العزة جل وعلا : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )( البقرة 22 )، أى أنزل من الغلاف الجوى ماءا.

 ونحو ذلك يقول رب العزة جل وعلا : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ  ) ( البقرة 164 ). السماء فى الآية الكريمة جاءت مرتين ، عن انزال الماء ، ودور السحاب فى الغلاف الجوى الذى هو بين السماء والأرض . وهنا إشارة الى أن الغلاف الجوى جزء منه هو الذى ينزل منه الماء ، أو المطر .

ونحو ذلك يقول رب العزة جل وعلا : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ)(ابراهيم 32 )، ويقول رب العزة جل وعلا :(أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ) ( النمل 60 )، ويقول رب العزة جل وعلا : ( وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ) ( لقمان 10 )، ويقول رب العزة جل وعلا : (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ  ) ( الأنعام 99 ).

وفى تعبير خاص يقول رب العزة جل وعلا  عن السماء بدون إستعمال إنزال الماء :(وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا   ) ( الأنعام 6 ).

و( المطر ) هو نعمة وبركة تنزل من السماء أى الغلاف الجوى ، ، يقول رب العزة جل وعلا : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ  ) ( الأعراف 96 )

2 ـ وسبق القرآن فى الاشارة الى دور الرياح فى حمل السحب المثقلة بالماء لكى تنهمر ( مطرا ) . يقول رب العزة جل وعلا : (  وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) الاعراف ) .

وفى دور الرياح فى التلقيح ، تحمل البذور مع الماء ، يقول رب العزة جل وعلا : ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) الحجر )، ويتكرر نفس المعنى فى إشارة الى البعث والنشور، ويقول رب العزة جل وعلا : ( وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) فاطر ).

وفى إعجاز علمى سابق عن إنزال المطر ، يقول رب العزة جل وعلا : ( اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) الروم)،و يقول رب العزة جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ (43) النور).

إنزال العذاب من السماء :  

1 ــ يقول رب العزة جل وعلا  عن اهلاك القرية التى ارسل اليها ثلاثة من الرسل : (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)( يس 28 )

2 ــ  ، ويقول رب العزة جل وعلا : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ  ) ( البقرة 59 )، هنا إشارة الى المرض الذى نزل على بنى اسرائيل فى عهد موسى .وواضح أن هذا الرجز وباء جلدى من جراثيم أو بكتيربا فى طبقات الجو.

3 ـ يقول رب العزة جل وعلا عن طلب مشركى قريش إنزال العذاب عليهم من ( السماء ) حجارة تسقط عليهم : (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ  ) ( الأنفال 32 )، وطلبوا عذابا أو آية حسية (عروجه عليه السلام الى السماء ) : ( أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً )( الاسراء 92 : 93 ) ، ويقول رب العزة جل وعلا : وعن رفض طلبهم بإنزال آية حسية ، يقول رب العزة جل وعلا : (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ ) ( الحجر 14 : 15 )، أى لو أرسلهم فى ( مركبة فضائية ) يسبحون فى طبقات الجو عليها لقالوا إنه سحر .

4 ـ وهنا مثل تصويرى لخسران المشرك ، يقول رب العزة جل وعلا : (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ )( الحج 31 )، ومثله  ، يقول رب العزة جل وعلا  يصف ضيق صدر المشرك كأنه يسبح فى طبقات الجو العليا بلا أوكسجين كاف : (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء  ) ( الأنعام 125 )

 5 ـ وعن الطيور ، يقول رب العزة جل وعلا : (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ   ) (النحل 79   )

6 ـ و، يقول رب العزة جل وعلا  فى تشبيه للكلمة الطيبة : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء  ) ( ابراهيم 24)

7 ــ و يقول رب العزة جل وعلا : (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء   ) ( البقرة 144 )

واضح فيما سبق الاختلاف فى مدى إرتفاع طبقات الجو ، أو ( السماء ) أى ما يعلونا .

ثانيا : السماء بمعنى السماء الدنيا

قالت الجن  : (  وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا ) ( الجن 8 : ـ ). الجن فى برازخ الأرض ، ولا يستطيع الولوج الى برزخ السماء الدنيا ، فكانوا يقتربون من تخوم السماء الدنيا يتنصتون على ما يجرى ، فتتسلط عليهم الشُّهُب . بالنسبة لهم السماء الدنيا هى التى تعلوهم . والتعبير عنها ب ( السماء )

ثالثا : السماء بمعنى السماوات 

بالتالى فإن السماوات السبع كلها هى التى تعلونا . ويأتى مصطلح ( السماء ) ليدل على ( السماوات ) فى خلقها وبنائها ورفعها ، وسيطرة رب العزة عليها ، وفى تدميرها عند قيام الساعة .

1 ـ عن خلق ( السماء ) بمعنى ( السماوات )  يقول رب العزة جل وعلا : (  وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ  ) ( الأنبياء 16 ) ، ويقول رب العزة جل وعلا :( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ( البقرة 29 ) ، ويقول رب العزة جل وعلا :( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ ) ( الحجر 16 : 18 ). ويقول رب العزة جل وعلا : (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا   ) ( الفرقان 61 ) ، ويقول رب العزة جل وعلا : (أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ  ) ( الغاشية 17 : 20 ) ، يقول رب العزة جل وعلا :( أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ ) (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ )( ق 6 ، 7 )  ويقول رب العزة جل وعلا :( تَنزِيلا مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى ) ( طه 4 )

 2 ـ وعن علمه بما فى السماء (أى السماوات ) والأرض يقول رب العزة جل وعلا :( وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) ( النمل 75 )

3 ـ وعن تدمير هذا العالم وقيام الساعة يأتى مصطلح ( السماء ) ليدل على (السماوات )  يقول رب العزة جل وعلا : (فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ) ( الرحمن 37 )، ويقول رب العزة جل وعلا : (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً  فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ  ) ( الحاقة 13 : 18 ) . السماء هنا بمعنى السماوات .

 

المقال الرابع :

ما لم يعرفه الغرب عن السماء والسماوات : ( خلق وتدمير السماوات والأرض )

 أولا : الآيات القرآنية الحاكمة فى خلق السماوات والأرض  :

1 ـ ما يعرف ألان بالانفجار الكبير ، والغرب يفهمه على الأرض والنجوم والمجرات . ولكن رب العزة يجعله يشمل السماوات والأرض . يقال جل وعلا : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا )(30) الانبياء) ( الرتق ) هو الشىء الذى بلا مسام . ( الفتق ) هو الانفجار والانبثاق . المفهوم أن السماوات والأرض إنبثقتا من نقطة واحدة . نتصور أن الله جل وعلا أخذ قطعة من الزمن وفجرها فإنبثقت عنها السماوات السبع والأرضين السبع وما بينهما من مجرات .

2 ـ حين إنبثقت السماوات والأرض تحولتا الى زوجين ، لأنه ما عدا الخالق جل وعلا ـ  كل المخلوقات زوجين ، سالب وموجب ، ذكر وأنثى . سواء فى البشر والحيوانات والنباتات ..أو المادة غير الحية والطاقة هى موجب وسالب . هنا نقرأ الآيات القرآنية الحاكمة. يقول جل وعلا : ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) الذاريات )( وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا ) (12) الزخرف) ( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) يس ).

3 ـ السماوات والأرض السالبة والموجبة تنطلق كل منهما فى إتجاه بعيدا عن بعضهما ، وهو المشار اليه بالتوسع ، توسع الكون ، والتعبير القرآنى قوله جل وعلا : ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) الذاريات ).

4 ـ ولكن هذا الانطلاق لكل منهما يأخذ الشكل القوسى ، أى إنهما فى النهاية يلتقيان . والتصوير القرآنى كالكتاب الذى تطويه فيلتقى طرفاه ، ويعود الى ما كان عليه ، يقول جل وعلا :  ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ) (104) الانبياء )، أى يعود الكون الى نقطة الصفر . وكما بدأ بإنفجار ، ينتهى تدميرا بإنفجار آخر .

5 ـ التعبير القرآنى ( النفخ فى الصور ) يأتى عن هذا الانفجار الذى تتدمر به السماوات والأرض وبرازخهما وما بينهما ، يقول جل وعلا : (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتْ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ (15) الحاقة ) .

وهناك إنفجار آخر يتم به خلق السماوات والأرض البديلتين الخالدتين ، فى ( اليوم الآخر ) حيث القيامة والحساب والجنة والنار ، وحيث يتجلى الله جل وعلا ، يوم ( لقاء الرحمن ) . يقول جل وعلا :( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) ابراهيم ) ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) ابراهيم ) عن الانفجارالأول يقول جل وعلا : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً (99)  الكهف ) (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنْ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51) يس ) (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) ) النمل ).

وعن الانفجارين ( إنفجار الساعة وتدمير هذا العالم ، وإنفجار يوم القامة والبعث والحشر ) يقول جل وعلا : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) الزمر  )

ثانيا : الآيات الحاكمة فيما يسمى بالجاذبية ، والتى تشمل السماوات والأرض :

بين الانفجار الأول وإنفجار الساعة يكون إنتظام الكون وله تعبيرات قرآنية ، منها

1 ـ (الميزان ): (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ 7) الرحمن ). الميزان هو ثبات النظام الكون بتقدير الاهى .

2 ـ ( إمساك السموات والأرض ) ، يقول جل وعلا : ( وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ )(65) الحج) ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) فاطر)

3 ـ المدارات المستقرة للأفلاك السماوية ، قال جل وعلا (  وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) الانبياءِ )( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) يس ). ملاحظة ( كل فى فلك ) يمكن قراءتها من أولها ومن آخرها ( ك ل ف ى ف ل ك ). وبالتالى تدور حول نفسها ، أى هى تفسير لكلمة ( يسبحون ).!

4 ـ حفظ القشرة الأرضية بالجبال ، يقول جل وعلا : ( وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) الأنبياء )، مع حفظها بطبقة الأوزون : ( وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) الأنبياء ) ، هذا مع دورانها حول نفسها بما يسبب الليل والنهار وتعاقبهما وإلاج أحدهما فى الآخر فى وقت الفجر الى شروق الشمس ووقت مغرب الشمس الى العشاء ، كل ذلك حتى الأجل المسمى ، وهو قيام الساعة ، يقول جل وعلا : ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ) (الزمر 5)

5 ـ ومفهوم الجاذبية يسرى على السماوات السبع والأرض ببرازخها ، يقول جل وعلا : ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِبِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى )(2) الرعد ) (خَلَقَ السَّمَوَاتِبِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) لقمان ). العلم الحديث يحصر هذا التوازن على الأرض والكون المرئى .

6 ـ عن إستقرار الأرض وبناء السماوات يقول جل وعلا فى آيات تستدعى إنتباه المتخصصين :( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ (33) فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) النازعات ) .

ثالثا : تدمير السماوات والأرض فى وقت واحد ، إذ يختل النظام الكونى لهما ، حين يتلاقى الكون بالكون النقيض :

من الآيات الحاكمة فى الموضوع التى تستلزم بحثا علميا متخصصا :

1 ـ يقول جل وعلا : ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) التكوير )

2 ـ ( إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) ) الانفطار )

3 ـ (  إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4)    الانشقاق  )

4 ـ (   فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتْ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ (15) وَانشَقَّتْ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) الحاقة )

5 ـ (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) المعارج  )

6 ـ ( يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً (10) الطور )

7 ـ ( إِذَا رُجَّتْ الأَرْضُ رَجّاً (4) وَبُسَّتْ الْجِبَالُ بَسّاً (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً (6) الواقعة )

8 ـ ( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) المرسلات )

9 ــ ( إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً (17) يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً (18) وَفُتِحَتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً (19) وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً (20) النبأ )

أخيرا : تأخر العلم الحديث عن القرآن الكريم 

1 ـ الانفجار الكبير:
يقول د. عبد المحسن صالح فى كتابه ( هل لك فى الكون من نقيض ) ص 123 : عن الانفجار الكونى الهائل الذى نتج عنه خلق الكون : ( إن الكون فى بدايته كان مجتمعا على هيئة مادة مكدسة الى أبعد الحدود ، ولما زاد الضغط فيها الى مستويات لا يمكن تصورها انفجرت على هيئة أجزاء متناثرة أخذت تبتعد وتتمدد الى يومنا هذا ). عندما قرأت هذا لأول مرة تذكرت قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ) ( الأنبياء 30 ). الرتق هو ما ليس فيه مسام أوثقوب ، والفتق هو الانفجار ، والمعنى أن السماوات السبع والأرض كانتا نقطة واحدة مركزة فانفتقت أو انفجرت ، وتكون منها السماوات السبع (التى لا ندركها ) والأرض التى نعيش فيها ، ومابينهما من مجرات ونجوم وكواكب تلمع فى الفضاء ، ويفصل بينها مسافات تعد بحساب السنين الضوئية.
عن هذا الانفجار يقول بعضهم إنه قد حدث من 18 ألف مليون سنة ، وقد اكتشف العلماء عام 1965 صدى لموجات كهرومغناطيسية ضعيفة بواسطة الراديو تيليسكوبات ، فسرها العلماء بأنها صدى ذلك الانفجار الهائل الذى شكّل الكون ، والذى لا يزال يتردد حتى الآن.
وقد نشرت صحيفة الأخبار المصرية فى 14 نوفمبر عام 1989 أن وكالة ناسا الأمريكية بدأت فى ذلك الشهر تنفيذ برنامج علمى يتكلف 400 مليون دولار يستخدم قمرا صناعيا لدراسة الاشعاعات المتخلفة عن الانفجار الأكبر الذى وقع من 15 بليون عام ، وتمخض عنه قيام الكون بما فيه من كواكب ومجرات . وفى 11 أبريل عام 1990 نشرت نفس الصحيفة تحت عنوان ( ديسكفرى فى مهمة تاريخية بالفضاء لكشف أخطر أسرار الكون ) : ( يعلق العلماء الكثير من الآمال على مهمة التليسكوب العملاق (هابل ) الذى يطلقه المكوك ديسكفرى اليوم الى مدار كونى ييسر له متابعة حركة المجرات والنجوم والشهب ورصد أدق الظواهر بدقة متناهية تعادل عشرة أضعاف ما تم التوصل اليه حتى الان . وتشمل المهمة التى تستغرق 15 عاما : تحديد تاريخ نشأة الكون على وجه اليقين ، حيث تشير النظريات السائدة الى إنه يرجع لانفجار كبير وقع منذ فترة تتراوح بين عشرة الى عشرين مليار سنة ضوئية.. ).
2
ـ امتداد وتوسع الكون ـ 
بمجرد الانفجار أخذ الكون فى التمدد والتوسع ، مصداقا لقوله جل وعلا : (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) ( الذاريات 47 ) أى أن الله جل وعلا سيجعل توسع السماء عملية قائمة ثابتة مستمرة ، والتعبير جاء بالجملة الاسمية (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) التى تفيد الاستمرار والثبات على نفس الفعل.
وفى الصفحة العلمية لجريدة الوفد المصرية (29 يولية 1987 ) وتحت عنوان ( الكون فى حالة تمدد بسرعة هائلة وفى جميع الاتجاهات ) إشارة الى نظرية (الميل الأحمر ) والتى على أساسها قدر العلماء عمر الكون الذى بدأ بانفجار هائل ، ومن وقتها بدأ الكون يتسع ، وزيادة الميل الأحمر يدل على أن الكون آخذ فى الاتساع و التمدد، ويقول العالم الابريطانى فرايد إنه كلما اتسع الكون ظهرت فيه تكوينات جديدة من النجوم لملء الفراغ. ومما أكد للعلماء تمدد الكون حركة النجوم المستمرة وعدم ثبات المسافة بينها. وبعد أبحاث استمرت عشرين عاما قال العالم الأمريكى الين سانديج ان سرعة تمدد الكون هى 235 مليون ميل فى الدقيقة ، وأن هذا التمدد بدأ من 18 بليون سنة ، وأن الكون يتمدد بسرعة منتظمة فى جميع الاتجاهات .. وفى عام 1974 أعلن أربعة علماء فى الفلك برئاسة د. ريتشارد جوت من جامعة تكساس أن الكون فى حالة تمدد غير محدد المدى ولا نهائى ، ويقولون أنه طبقا لنظرية اينشتاين فى النسبية فإن الكون (مقوس ) يأخذ الشكل الدائرى بالتقاء الأقواس ،أو إنه اتخذ الشكل الدائرى فعلا من بلايين السنين
والمهم لنا هنا أن ما أكده المقال من أن نظرية النسبية لاينشتاين عام 1916 تؤكد بالمعادلات الرياضية أن الكون فى حالة تمدد مستمر ،وأنه (مقوس)، وأكد نفس الحقيقة العالم الروسى فريدمان عام 1922
3
ـ الزوجية وتدمير الكون عند الالتقاء

 ننقل بعض ما قاله د. عبد المحسن عن الكون والكون النقيض ، يقول ص 120 : ( المادة والمادة النقيضة لا بد أن تتساويا تماما ، بمعنى أن نصف الأجرام السماوية من المادة ونصفها الآخر من المادة النقيضة ، وهنا نستطيع القول بألأن مبدا الازدواجية قد اكتمل على مستواه الكونى ) . ويقول ص 52 : 53: ( فى عام 1977 توصا العلماء الى تخليق نواة نقيضة لذرة الايدروجين عندما نجحوا فى السيطرة على تجميع بروتون نقيض فى نواة ، ولكن النواة النقيضة ما لبث أن ماتت فى لحظة خاطفة لتتحول الى موجات كهرومغناطيسية . وأصبح بالامكان تخليق الايدروجين النقيض والكربون النقيض والاوكسجين النقيض والنتروجين النقيض . والذرة النقيضة لا تختلف عن الذرة العادية فى صفاتها الطبيعية أو الكيمائية ،فلا تستطيع أن تفرق بين الذهب والذهب النقيض،أو الماء والماء النقيض ، ولكن ليس هناك مكان واحد على كوكبنا نستطيع أن نحتفظ فيه بقطرة ماء نقيض ، اللهم إلا إذا أوجدنا لها فراغا مطلقا على أرضنا لتقف معلقة فيه بحيث لا تقربها ذرات عالمنا . والانسان مهما بلغت وسائله العلمية لا يستطيع ان يتوصل الى خلق فراغ مطلق ، ولهذا لا يمكن ان تعيش أى ذرة نقيضة فى عالمنا إلا لحظة وجيزة ، وبعدها تفنجر بمجرد ملامستها لأى ذرة أرضية، وتختفى على هيئة موجات إشعاعية تنطلق فى الكون بسرعة الضوء. إن الفارق بين الذرة فى عالمنا والذرة نقيضها هو أن الذرة النقيضة معكوسة الشحنات والمجالات والأقطاب المغناطيسية وحركة الدوران  .
وتحت عنوان (المادة و المادة المضادة فى الفضاء الخارجى ) قالت الصفحة العلمية فى جريدة الوفد بتاريخ 2 سبتمبر 1987 : ( تعتبر الأجسام المضادة فى الفضاء الخارجى اكثر فروع العلم تعقيدا ، حيث أن كل ما نشر عنها مجموعة أبحاث غامضة . ويقول العالم الذرى الفرنسى جان دوبليس رئيس معهد التطبيقات النووية فى ساكلاى :إن اكتشاف الاجسام المضادة يفتح بابا واسعا لاحتمالات الخطر الذى يمكن أن يتعرض له رواد الفضاء فى رحلاتهم حول الأرض أو الى القمر أو فى رحلات أطول فى المستقبل ،إذ أنه عند إلتقاء الجسم مع مادة مضادة فى الفضاء الخارجى يتلاشى الاثنان ، وتنطلق طاقة هائلة. )
ونعود الى د. عبد المحسن ليشرح لنا ماذا يحدث عن التقاء المادة بالمادة النقيضة أو المضادة : يقول ص 20 :( إذا تقابل اليكترون بضده فلا بد أن يفنى أحدهما الاخرفناءا تاما ، وتتحول مادتهما الى حالة موجبة أو الى ومضتين حارقتين تجريان فى الكون بسرعة الضوء. ومعناه أن الاليكترون ونقيضه يولدان معا فى نفس اللحظة وفى نفس المكان،ويموتان معا لو تقابلا فى أى زمان ومكان). ويقول ص 55 : ( كل ما حولك وما فيك قد إتخذ صورة المادة ، ولكنها مادة مجسدة من طاقات جبارة أو إشعاعات مدمرة . لنفترض أنك تمسك بيدك زجاجة بها لتر من لبن ، وانك خلطته ـ مجرد فرض ـ مع لتر آخر من لبن نقيض ، عندئذ يختفى كل اللبن ويختفى كل ما حولك حتى لو كان مدينة كبيرة بها ملايين البشر، فقد تحول اللبن ونقيضه من حالتهما المادية الى طاقات جبارة تهلك الناس والحجارة . ونظرية النسبية تقول : الطاقة = الكتلة بالجرامات مضروبة فى مربع سرعة الضوء بالسنتيمتر فى الثانية. أى 2 لتر من اللبن = 2000 جرام ، وسرعة الضوء فى الثانية = 30 ألف مليون سم ،إذن فالطاقة = 2000 مضروبة فى 30 ألف مليون مضروبة فى 30 ألف مليون أرج . والأرج هو وحدة الطاقة . اى يساوى 18 وامامها 23 صفرا . وبالتفجير العملى = 44 مليون طن من مادة ت.ن .ت شديدة الانفجار ،أو 2200 قنبلة ذرية من نوع هيروشيما ) كل ذلك من افتراض التقاء لترى لبن نقيضين . ويتساءل فى ص 142 : ( ماذا يحدث لو التقى نجم مع نجم نقيضه ؟ لالتهم احدهما الاخربعنف لا يمكن تصوره ، وكأنها القيامة )..!!ونكتفى بهذا لنتخيل التقاء هذا الكون كله ( السماوات والأرض وما بينهما ) بنقيضه . هنا تقوم القيامة ، ويتم تدمير العالم كله

ملاحظة : المعلومات السابقة كانت مما تيسر من عشرين عاما .. ولكن مهما تطور العلم بعدها فلا تزال تلك الفجوة بين القرآن والعلم الحديث الذى لا يعترف بالقرآن الكريم ، ولا بالسماوات السبع .

المقال الخامس :

 ما بين السماوات والأرض : 

  أولا :

1 ـ  كلمة : (ومابينهما) تأتى أحيانا  فىالحديثالقرآنىعنالسماواتوالأرض.

2 ـ ( ومابينهما ) هى الأجرام السماوية فما بين السماوات والأرض من كويكبات وأقمار وكواكب ونجومومجرات . أىمابينالسماواتالسبعوالأرض هومجرد(مابينهما )، معانهذاالذى(مابينهما)يكتظُّبالنجوموالمجراتوالثقوبالسوداءوالبيضاء، والمسافات التى  بينبلايينالمجراتتٌقاسببلايينالسنوات.

ثانيا : مصطلحات الأجرام السماوية

 1 ـ نزل القرآن باللسان العربى وبما يفهمه العرب ، وهم كانوا يستعملون مصطلحات معينة تعبر عن الأجرام السماوية ، ليس منها ما نعرفه اليوم من كلمة ( الفلك ) بفتح الكاف ، والأفلاك . بخلاف الشمس والقمر فإن كل أنواع الأجرام السماوية تبدو نقاطا مضيئة فى الليل منفصلة أو متصلة ، عرفنا فيما بعد أن منها مجرات هائلة تبتعد عنا بلايين السنوات الضوئية ، ومنها نجوم قريبة ، ومنها كواكب المجموعة الشمسية ، وهى الأقرب لنا . وقديما أطلق عليها العرب ألفاظا معينة : الكواكب ، النجوم ، البروج.  

2 ـ عن البروج  إقرأ قوله جل وعلا :  ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) البروج ). هذا يشمل كل الأجرام السماوية، وهى التى تملآ ما بين الأرض والسماء الدنيا، إقرأ قوله جل وعلا : ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلاَّ مَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18) الحجر ) . وعن الفارق بينها وبين الشمس الملتهبة والقمرالعاكس للضوء ، إقرأ قوله جل وعلا :  ( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً (61) الفرقان ).

3 ـ وعن الكواكب ، وهى نفس البروج التى تملآ ما بين الأرض والسماء الدنيا ، إقرأ قوله جل وعلا : ( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإٍ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) الصافات  ) ، وعن رؤية يوسف إقرأ قوله جل وعلا :( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) يوسف ).وعن رؤية الفتى ابراهيم لجُرم سماوى ظهر ثم إختفى قال جل وعلا : ( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) الانعام ). وعن تدمير النظام الكونى ، إقرأ قوله جل وعلا :( إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ (2) الانفطار ).

4 ـ وبنفس الصيغة عن النجم والنجوم . الأصل فى كلمة ( نجم ) أنه ما( ينجم ) اى يظهر ، سواء كان نباتا على سطح الأرض ، فهو ( نجم ) أو كان جُرما على صفحة السماء ، ، إقرأ قوله جل وعلا فى الجمع بينهما : ( وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) الرحمن ). والعرب فى صحرائهم والناس فى سواد الليل يهتدون بتلك الأجرام السماية ، أو بما يسمونه النجوم ، حين ينجم أى يظهر نجم فى السماء فيستدلون به على طريقهم أو على توقيت معين . ، إقرأ قوله جل وعلا :  ( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) النحل )( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) الانعام ). العرب فى سيرهم فى الصحراء يركبون الجمل سفينة الصحراء كانوا يتعرفون طريقهم بالنجوم. وحاليا تتعرف سُفُن الفضاء على طريقها بالنجوم .

ثالثا :  إستخدامها فى سياق الدعوة الى الهداية :

1 ـ البشر فى تخلفهم العقلى يرفعون بعض البشر ( والبقر ) الى درجة التقديس الذى يجب أن يكون للخالق جل وعلا وحده . وخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس : (لَخَلْقُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (57) غافر ) . المحمديون الذين يزعمون الايمان بالقرآن الكريم يرفعون إلاها اسموه ( محمدا ) الى مرتبة الالوهية ، بل ويجعلون مكانته أكبر من مكانة الخالق جل وعلا ، والله جل وعلا يقول ردا مسبقا عليهم وعلى آلهتهم المخلوقة : (  أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ (36) الطور ). الذى أبدع خلق السماوت والأرض كيف يكون له ولد ؟ يقول جل وعلا : (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ (117)  البقرة) () بَدِيعُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) الانعام  ).

2 ـ لا يستطيع البشر رؤية السماوات ، لكنهم يستطيعون رؤية ما بين السماوات والأرض ، أى الأجرام السماوية . وكلما تقدموا علميا وتكنولوجيا إزداد إنبهارهم بما بين السماوات والأرض من كواكب ونجوم ومجرات ، وبالتالى عليهم أن يخجلوا من أنفسهم حين يساوون بين خالق السماوات والأرض وهذه المخلوقات اتى يقدسونها !.

لذا تأتى كلمة ( وما بينهما ) كثيرا فى معرض الهداية.  بأنه جل وعلا هو (خالق السماوات والأرض وما بينهما )، وأنه جل وعلا هو ( رب السماوات والأرض وما بينهما ) ، وأنه جل وعلا هو ( مالك السماوات والأرض وما بينهما ). ونعرض لها سريعا :

3 : هو جل وعلا الخالق للسماوات والأرض وما بينهما :

3 / 1 : وبالتالى فاين هذه المعبودات المخلوقة من خلق النجوم ، قال جل وعلا : ( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) النحل ). فى موضوع الخلق  ، إقرأ قوله جل وعلا :(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ  ) (85) الحجر ) . معنى خلقها بالحق أنها لم يخلقها الرحمن عبثا ولا لعبا ، إقرأ قوله جل وعلا :  (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ (16) الانبياء ) ، (  وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (39) الدخان ) . القائلون بعشوائية الكون يرد عليهم رب العزة جل وعلا : (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ النَّارِ (27) ص )، هى مخلوقة وسيتم تدميرهما فى الأجل المسمى ، بقيام الساعة ،مهما أعرض الكافرون .  يقول جل وعلا : (مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) الاحقاف ). أى هى دعوة للتفكر ، إقرأ قوله جل وعلا :(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8)  الروم ) .

3 / 2 : وردا على أُكذوبة أن الله جل وعلا إستراح فى اليوم السابع   ، إقرأ قوله جل وعلا :  (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) ق ). اللغوب هو التعب .

3 / 3   : وهو جل وعلا لم يخلق السماوات والأرض ثم يتركها ، بل هو المهيمن المسيطر على ما خلق ، أو هو بالتعبير القرآنى هو الذى ( إستوى على العرش ) . والعرش هنا هو ملكوت السماوت والأرض وما بينهما ، ، إقرأ قوله جل وعلا :  (الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً (59) الفرقان ) ، إقرأ قوله جل وعلا : (  اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) السجدة )

4 ـ وهو جل وعلا ( رب السماوات والأرض وما بينهما ) : إقرأ قوله جل وعلا : ( رَبُّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً (65) مريم )  (رَبُّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) الصافات ) (رَبُّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) ص ).

5 ـ وهو جل وعلا الذى له ملكية السماوات والأرض ما بينهما ، إقرأ قوله جل وعلا : (لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) طه ). الذى يملك السماوات والأرض وما بينهما من نجوم ومجرات هل يليق أن يقال أن فلانا هو إبنه ؟ وهو الذى لو أراد لأهلك هذا الابن وأمه ومن فى الأرض جميعا . ، إقرأ قوله جل وعلا :  (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً  وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) المائدة ) . وهو ما يمكن قوله للمحمديين الذين يزعمون أن الله جل وعلا خلق محمدا من نوره ، تعالى رب العزة عن ذلك علوا كبيرا . وقد زعم بعض أهل الكتاب أنهم أبناء الله وأحبّاؤه ، وهو نفس ما يزعمه الصوفية المحمديون ، وجاء الردُّ عليهم فى قوله جل وعلا :  ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) المائدة  ) . وهذا الذى يملك السماوات والأرض وما بينهما هو وحده الذى عنده علم الساعة ـ وليس البشر ـ وإليه وحده المصير واليه سنرجع يوم القيامة ، إقرأ قوله جل وعلا :  (وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) الزخرف ) .

رابعا : منقول عن بعض الاعجاز العلمى عن ما بين السماوات والأرض ، من الكون المنظور .

( فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } * { ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ )

علمياً، تعتمد قوة جاذبية أي جسم على كتلته، فكلّما زادت كتلة الجسم، زادت معها قوة الجذب، فعلى سبيل المثال، تبلغ قوة جاذبية القمر 1/6 جاذبية الأرض، فإذا كان وزن شخص ما على الأرض 60 كيلوجراماً، فإن وزنه على سطح القمر يكون 10 كيلوجرامات. وعليه، فإن قدرة الأرض على جذب أي جسم أقوى بـ 6 مرّات من قدرة القمر، بينما يعتبر العلماء كوكب المشتريمكنسة شفط كونيةللدور الكبير الذي يلعبه في جذب المذنبات والكويكبات كما بيّنا في مقالتنا وزينّا السماء الدنبا بمصابيح وحفظا.

عند بداية تشكل نظامنا الشمسي، كانت المناطق المحيطة بمركز تكثّف الدخان (السحابة السديمية) مليئة بالكواكب الجنينية(الكِسَف) أو الكويكبات بينما  احتوت المناطق الأبعد على الماء والهايدروجين والهيليوم،  وقد تكونت الكواكب الصلبة نتيجة تجمّع الكويكبات في أجسام صلبة مثل عطارد والزهرة والأرض والمريخ (داخل الحزام الأبيض) كما هو مبين في الشكل أدناه والتي قامت بدورها بكنس أو تنظيف مداراتها من الكويكبات خلال جريانها، بينما بقيت منطقة حزام الكويكبات على وضعها لعدم وجود كواكب في تلك المنطقة مع العلم أن هناك كوكبين قزمين هما سيريس و فيستا داخل  الحزام إلاّ أنهما لم بكونا قادرين على كنس مداراتهما لصغر حجمهما، ولاحظ أيضاً قدرة كوكب المريخ الضعيفة على الكنس مقارنة بكوكب المشتري القوية خارج حزام الكويكبات.

حزام الكويكبات (اللون الأبيض)، ويتكوّن من الكويكبات والتي تتركز بين مداري المريخ Mars والمشتري Jupiter. لاحظ كيف قامت الكواكب من خلال جريانها بكنس مداراتها الاعجاز العلمي في الخنس الجوار الكنسحزام الكويكبات (اللون الأبيض)، ويتكوّن من الكويكبات والتي تتركز بين مداري المريخMars والمشتريJupiter. لاحظ كيف قامت الكواكب من خلال جريانها بكنس مداراتها

بعد جدل طويل وواسع، توصّل الاتحاد الفلكي الدولي عام 2006  إلى تعريف “الكَوكَب” ضمن نظامنا الشمسي على أنه جرم سماوي 1- يجري في مدار حول الشمس (جَوار؟) 2- كبير بما يكفي ليصبح شكله مستديرًا بفعل قوة جاذبيته (خُنّس؟) 3- يستطيع أن يُخلي مداره من الكواكب الجنينية أو الكويكبات  (كُنّس؟). وبناءاً على التعريف السابق، لم يعد كوكب بلوتو يلبي الشروط المذكورة وتم إعادة تصنيفه ليصبح كوكباً قزماً.

هل لاحظت التطابق بين القسم والتعريف؟  هل هذه مصادفة؟ أم أن القسم الذي كان غريباً وعجيباً في بداية المقالة لم يعد كذلك، فالله تعالى وفي ثلاث كلمات {… الخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ}، صًنَّف الكواكب قبل أن يقوم العلماء بذلك  بـ 1430 سنة! في وقت كان الفارق الوحيد بين الأجرام السماوية هو أن النجوم ثابتة والكواكب سيّارة ولم يعرف الناس حقيقة تكوينها.

https://fussilat.org/2012/09/26/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%86%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%86%D8%B3/

 أقسم الله تعالى بمواقع النجوم وقال إن هذا القسم الذي أقسمَ به لقسم، لو تعلمون ما هو، وما قدره، لقسم عظيم. الغاية من القسم أن هذا القرآن لقرآن كريم، في كتاب (الذي في السماء) مصون عند الله لا يمسه شيء من أذى من غبار ولا غيره، لا يمسّ ذلك الكتاب المكنون إلا الذين قد طهَّرهم الله من الذنوب والملائكة، وهو تنزبل من رب العالمين.

سورة الواقعة – 75  { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } * { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } * { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } * { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } * { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } * { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ }.

 الإعجاز العلمي في سورة الواقعة

قلا اقسم بمواقع المجومقلا اقسم بمواقع المجوم

ربط تعالى صدقية الفرآن وحقيقة تنزيله بعظمة مواقع النجومفما العظيم بمواقع النجوم؟ { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } * { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } *

كل النجوم التي نراها بالعين المجرّدة تقع ضمن مجرتنا، فنحن نراها بالليل والمسافة بينها ثابتة، ثم نراها تتحرك جميعها مع بعضها خلال ساعات الليل بسبب دوران الأرض حول نفسها وحركة اخرى خلال فصول السنة بسبب دوران الأرض حول الشمس ثم تعود من حيث بدأت. الآيات السابقة تخبرنا بأن الموضوع ليس بهذه البساطة إذ أخبرنا تعالى بأننا لا نملك من العلم ما يكفي “لو تعلمون” لكي نعطي هذا القسم حق قدره.

فلا اقسم بمواقع النجوم }

تمت الاشارة الى كافة المراجع المستخدمة في هذه المقالة بروابط تؤدي الى اصل المعلومة مثل موقع تفسير القرآن الكريم، ومواقع وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وموقع ويكيبيديا، ومواقع اخبارية ومواقع علمية أخرى ذات علاقة، بالإضافة الى موقع باحث اللغوي وذلك لكي يتأكد القارئ من صدق المعلومة.

 

في عام 1989، أطلقت الوكالة الأوروبية للفضاء European Space Agency – ESA المسبار هيباركوس لتحديد مواقع  نحو مئة ألف نجمة بمجرتنا بدقة عالية في مهمة مدتها ثلاث سنوات. السبب في لجوء العلماء لاطلاق مسبار بدلا من رصدها من الأرض هو أن الغلاف الجوي يعيق عملبة الرصد وقد بُحدث انحرافا في الموقع، كما وأن الأرض تدور حول نفسها بمحور به بعض التأرجح، كما وأن الأرض غير ثابتة إذ تدور حول الشمس مرّة كل سنة، أضف الى ذلك أن موقع الشمس في وسط النظام الشمسي غير ثابت (متأرجح) بسب قوة جذب الكواكب لها، كما وأن الشمس والكواكب التابعة لها غير ثابتة، بل تجري بسرعة تقارب ثمانمائة الف كيلومتر في الساعة في مدار حول مركز المجرّة كما ذكرنا في مقالتناأين تستقر الشمس” . أي أن المكان الذي نحاول أن نرصد منه مواقع النجوم (الأرض) غير ثابت، وبالتالي فاننا بحاجة الى تكنولوجيا متقدمة لأخذ كل هذه المتغيرات بعين الإعتبار “لو تعلمون” لتحديد مواقع النجوم.

صورة التقطتها ناسا لمجرة Island Universe N5033 والتي تشبه مجرتنا بشكل كبير - الاعجاز العلمي في القران الكريمصورة التقطتها ناسا لمجرةIsland Universe N5033 والتي تشبه مجرتنا بشكل كبير

علم مواقع النجوم هو علم قديم وأول من حاول تحديد مواقع النجوم هو العالم اليوناني هيباركوس (190 – 120 ق.م.) وقد كان قادرا على وضع كتالوج يحتوي على مواقع عدد من النجوم المرئية والبالغة حوالي 2000 نجمة بينما تحتوي مجرتنا – درب التبانة – على 200 الى 300 مليار نجمة، وبالتالي فإن ما رصده المسبار هو عبارة عن عينة صغيرة من نجوم مجرتنا وبالقرب من نظامنا الشمسي، ولكن ما أثبته المسبار هيباركوس بشكل قطعي وغيّر كل المفاهيم هو أنه لا يوجد شيء ثابت، فكل النجوم التي تم رصدها متحركة والسبب في أننا لا نرى حركة هذه النجوم هو أن عمرنا وتاريخنا قصيرين مقارنة بأعمار الأجرام السماوية بشكل عام بالإضافة الى ضخامة المسافات بين النجوم، وبالتالي فاننا لا نلحظ حركتها، أمّا بالنسبة للمسبار هيباركوس فقد كان قادراً على تحديد مواقع النجوم واتجاه حركتها وسرعتها وبالتالي رصد النمط العام لحركة مجموعة من النجوم. هذه المعطيات توفّر للعلماء ما يكفي لعمل محاكاة من خلال الكمبيوتر لرصد حركتها عبر الزمن. قال تعالى في سورة الإسراء 44 { تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ألا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ أمَرَ بِهِ نُوحٌ ابْنَهُ؟ إنَّ نُوحاً قالَ لاِبْنِهِ يا بُنَـيَّ آمُرُكَ أنْ تَقُولَ سُبْحانَ اللّهِ وبِحَمْدِهِ فإنَّها صَلاةُ الـخَـلْقِ، وَتَسْبِـيحُ الـخَـلْقِ، وبِها تُرْزَقُ الـخَـلْقُ، قالَ اللّهُ وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ“.

فلا اقسم بمواقع النجوم }

فهل توصلنا الى ما يكفي من العلم لفهم علم مواقع النجوملَّوْ تَعْلَمُونَ؟ ما زال العلم في بداية الطريق في هذا المجال وحجم المعلومات التي تم جمعها لا يكفي – حسب رأي العلماء – للوصول الى نتائج ذات دلالة، ولهذا ستقوم وكالة الفضاء الأوروبية باطلاق السمبارجايافي ديسمبر من عام 2013 في مهمة طولها 5 سنوات لرصد مواقع مليار نجم من كافّة انحاء المجرّة وبناء نموذج ثلاثي الأبعاد وذلك برصد حركتها واتجاهها، هذا النموذج سوف يوفّر للعلماء صورة واضحة عن نمط حركة النجوم في مجرتنا. لن يستطيع المسبار الذي كلّف 650 ملبون يورو بناء هذا النموذج لوحده، بل يحتاج الى فريق من مئات الأخصائيين والعلماء من كافّة انحاء أوروبا مكوّن من محللي البيانات ومهندسي الكمبيوتر وعلماء الفلك وعلماء الرياضيات وعلى مدى ثمانية سنوات لكي يستطيعوا بناء هذا النموذج الذي سيحتاج الى أجهزة كمبيوتر عملاقة وسعة تخزين هائلة تصل الى مليون جيجا بايت (ألف تيرا بايت) وستكتمل هذه المهمّة عام 2020، اما إذا اراد العلماء تحديد موقع كل نجم في مجرتنا، فلربما سيكونوا بحاجة الى 200 الى 300 ضعف عدد العلماء وقدرة معالجات الكمبيوتر وسعة التخزين… فهل هذا قسم عظيم؟

فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } الواقعة 74

النسجيل التالي يوضح كل ما ذكرناه.

بقلم: حسين أحمد كتّاب

https://fussilat.org/2013/02/28/%D9%81%D9%84%D8%A7-%D8%A7%D9%82%D8%B3%D9%85-%D8%A8%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%85/

والسماء والطارق … النجم الثاقب

فما هو النجم الثاقب؟

أقسم تعالى في سورة الطارق قسماً غليظاً بالسماء وبنجم إسمه الطارق “والسماء والطارق” ليخبرنا أن كل نفس عليها حافظ يكتب اعمالنا وتسلّم الينا يوم الحساب على شكل كتاب إما بيميننا أو من وراء ظهرنا، فقال تعالى { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } ثم يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أشعرك يا محمد ما الطارق الذي أقسمت به { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ }؟ ثم بين ذلك جلّ ثناؤه، فقال: هو النجم الثاقب { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ }، أراد الله عزّ من قائل: أن يقسم بالنجم الثاقب تعظيماً له، لما عرف فيه من عجيب القدرة ولطيف الحكمة– تفسير الزمخشري 538 هـ.

الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، تفسير { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ } * { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ }. 

النجم الثاقب الذي تطرّقت له سورة الطارق له ميزتان، الأولى أنه قادر على الطرق والثانية على أنّه قادر على احداث تُقب بما عُطف عليه، وحيث أن  الطارق عُطِف على السماء، فإن هذا النجم يجب أن يكون قادراً على إحداث ثقب في السماء! ولكن كيف يستطيع النجم أن يثقب السماء؟ فالثَّقْبُ اسم لما نفَذ (لسان العرب)، وهو الخَرْقُ النَّافِذُ(القاموس المحيط)

تصنيف "مورغان-كينان" الطيفي للنجوم. الشمس من تصنيف G ولونها أصفر برتقالي، وتعتبر متوسطة الحجمتصنيف النجوم حسب طيفها وبالتالي كتلتها – الاعجاز العلمي في القرآن الكريم – النجم الثاقب، سورة الطارق

تمت الاشارة الى كافة المراجع المستخدمة في هذه المقالة بروابط تؤدي الى اصل المعلومة مثل موقع تفسير القرآن الكريم، ومواقع وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وموقع ويكيبيديا، ومواقع اخبارية ومواقع علمية أخرى ذات علاقة، بالإضافة الى موقع باحث اللغوي وذلك لكي يتأكد القارئ من صدق المعلومة.

 

تُقسّم النجوم علمياً إلى أنواع حسب طيفها (لونها) وبالتالي حرارتها وحجمها، وتقع شمسنا ضمن التصنيفG. تدخل النجوم في اطوار مختلفة، حيث تولد من تكثف غاز الهايدروجين أو من مخلفات انفجارات عنيفة لنجوم عملاقة سابقة، والتي بدورها تضيء وتسطع الى فترة معينة (أجل) ثم يحدث انهيار بالنجم يتبعه انفجار هائل يموت فيه النجم وبعنف شديد. تتخذ بقايا النجم شكلاً جديداً يعتمد على حجمه الأصلي، فإنفجار نجم بحجم شمسنا يُحوِّلها إلى عملاق أحمر تضمحل تدريجياً لتصبح قزماً أبيضاً كما بيّنا في مقالتنا” كيف استطاع أن يرى الوردة؟ “، أما عند انفجار النجم من نوعB، فإن النجم يقوم بقذف قشرته الخارجية ومن ثم يتكوّر ويتقلّص حجمه ليصبح قطره ما يقارب 24 كيلومتر بينما تبلغ كتلته كتلة الشمس أو ضعفها، أي بحجم مدينة ويسمى بالنجم النيوتروني Neutron Star لأنه يتكون كلياً من النيوترونات وتبلغ كتلة ملعقة صغيرة منه كتلة إهرامات الجيزة 900 ضعف. يُحدث النجم النيوتروني Pulsar أمواج  كهرومغناطيسيية تلتقطها محطات أستقبال الموجات الراديوية على شكل طرقات متتالية تستمر لعدة ملايين من السنين ثم تتلاشى عظمة هذا النجم ويصبح صامتاً. النجم النيوروني لا يستطيع احداث ثقب في السماء.

ثقب أسود يمر بين المشاهد ومجرة تقع خلفه، الاعجاز العلمي في القرآن الكريم - النجم الثاقب، سورة الطارقثقب أسود يمر بين المشاهد ومجرة تقع خلفه، ويرى تشوه ضوء المجرة القادم إلينا (محاكاة تشبيهية)

أما نهاية النوعO من النجوم، فإنه يَحدث انهيار في النجم ويصبح حجمه قريب من الصفر مما يعني أن كثافته تقارب اللانهاية، ثم يُصدر النجم حزمة من أشعة جاما من أقطابه تستمر لعدة ثوان تُسمع كأنها طرقة واحدة. وهنا يتشكل الثقب الأسود ذا قوة الجذب الهائلة بحيث إذا دخل الضوء نقطة “الـ لا عوده”، فإنه لا يخرج منها، بصيغة أخرى، فإن الثقب الأسود لا تمكن رؤيته بشكل مباشر لأنه يمتص الضوء ويبدو للناظر وكأنه  أحدث تقباً في السماء، وله أثر جانبي يعمل عمل العدسة لأن قوة جاذبيته تستطيع كسر الضوء المار بقربه كما هو مبين في هذه المحاكاة التشبيهية.

والسماء والطارق … النجم الثاقب

يبين التصوير الزمني بين عام 1992 و 2002 حركة النجوم حول الثقب الأسود الغير مرئي وعليه إشارة + في مركز مجرتنا حيث تدور احدى النجومS2 حول الثقب مرّة كل 17 سنة بينما تدور شمسنا حوله مرّة كل 250 مليون سنة بسبب بعدها عنه.

حركة النجوم حول الثقب الأسود في مركز المجرّة الاعجاز العلمي في القرآن الكريم - النجم الثاقب، سورة الطارقحركة النجوم حول الثقب الأسود في مركز المجرّة بين 1992 و 2002 حيث يقع في منتصف الصورة وعليه اشارة+

عظمة النجم الثاقب “الثقوب السوداء” لا تقتصر على هذا فقط، فهو يتواجد في مراكز المجرات ويعتبر المُكوِّن الرئيسي في بنائها ويُحدث شكل الدوّامة التي تقوم تدريجياً بإبتلاع الغاز والدخان في المجرة وحتى النجوم، فعلى سبيل المثال، يتمركز في وسط مجرتنا نجم ثاقب “تقب أسود” هائل الكتلة تبلغ كتلته 4.1 – 4.6 مليون ضعف كتلة شمسنا. وهو إعجاز علمي آخر بينّاه في مقالتناأين تستقرّ الشمسمِما يضيف الى عظمة القسم.

تأثير التقب الأسود على السماء والزمن - الاعجاز العلمي في القرآن الكريم - النجم الثاقب، سورة الطارقتأثير النجم الثاقب أو التقب الأسود على السماء – الزمن، إنه يثقبها

ويصل تأثير النجم الثاقب “التقب الأسود” على أبعاد السماء المسافة والزمن ليُحدث انحناء في السماء كما هو مبيّن في الصورة، قكلما اقتربنا من الثقب الأسود، زاد الانحناء في المساقة وتباطىء الزمن الى أن يتوقف، إذ إنه يثقبها! أليس هذا بقسم عظيم؟ أليس بهذا النجم عجيب القدرة ولطيف الحكمة؟ إقتُرِن الإيمان بالعمل الصالح في القرآن الكريم ما يقارب الـ 58 مرّة على شكل “آمنوا وعملوا الصالحات” والفوز بالجنة يتطلّب كلاهما، هذه معجزة قرآنية ذُكرت في القرآن قبل 1400 سنة وتجلّى تفسِّيرها لنا في زمننا هذا، فتذكّر دائماً قبل قيامك بأي عمل بأن هناك حفظة تكتب أعمالك { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } والتي ستسلّم لك يوم الحساب.

التسجيل التالي يوضح ما ذكرناه عن الثقوب السوداء حيث تم اكتشاف الطرقة التي يُحدثها بالصدفة خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي.

مرجع: اقتراب سحابة دخانية من الثقب الاسود وسط المجرّة على يوتيوب

بقلم: حسين أحمد كتّاب

https://fussilat.org/2012/07/18/%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AC%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%82%D8%A8/

 

المقال السادس :

الماء بين السماوات والأرض وفى هذه الدنيا وفى اليوم الآخر  

 مقدمة : تكررت الآيات القرآنية التى تتحدث عن نزول الماء من السماء ( وليس من السماوات ) أى من الغلاف الجوى . وتعرضنا لهذا من قبل . قد سبق القرآن الكيم الغرب فى كيفية انزال المطر . مكتوب مجلدات عن ( الماء ) فى العلم الحديث ، ومع ذلك ففى حديث القرآن الكريم ( الماء ) حقائق كبرى لم يدركها العلم الانسانى حتى الآن وحقائق أخرى سبقت العلم الحديث . 

أولا : حقائق قرآنية كبرى عن الماء لم يصل اليها العلم البشرى حتى الآن :

  الماء أصل الخلق والملكوت :

1 ـ عرش الرحمن هو ملكوته ، هو مخلوقاته من الأحياء والجمادات ، هو السماوات والأرض وما بينهما من كواكب ونجوم ومجرات . هو ما نعرفه وما نعرفه من المخلوقات والدواب ( التى تتحرك ) سواء من الأميبا أو من الملائكة .

(الماء ) هو أصل عرش الرحمن . قال جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)هود 7). علم البشر محصور فيما تدركه أجهزة البشر وحواس البشر . وهم وصلوا الى أن الماء عنصر ضرورى للحياة فيما يرونه وفيما يعرفونه ، ولكن الله جل وعلا يخبرنا أن الأمر أعظم من ذلك ، فالسماوات والأرض أصلها الماء . بالتالى ، فهناك أنواع لا نعرفها من الماء فى العوالم الأخرى التى خلقها ( رب العالمين ) .

2 ـ وليس هذا مستغربا فهناك أنواع من الماء غير الماء الذى نعرفه . فنحن نعرف الآن : ( الماء الثقيل (ويسمى أيضًا أكسيد الديوتريوم أو D2O). ) ، وهو ماء يحتوي على نظير ثقيل من الهيدروجين يسمى ديوتريوم رمزه الكيميائيD بدلاً من الهيدروجين العادي. وتبلغ كتلة ذرة الديوتريوم حوالي ضعف كتلة ذرة  الهيدروجين العادي.وقديما إكتشف جابر بن حيان ( ماء النار) ، وهو  مصطلح كان يستخدم للإشارة إلى حمض النيتريك HNO3.  ، وله قدرة على إذابة المعادن المختلفة بما فيها الفضة . ثم هناك ( الماء الملكى ) ، وهو مزيج من حمض النيتريك وحمض الهيدروكلوريك ، يذيب البلاتين والذهب . إذا كان هذا فى عالمنا المادى ، فيجب التسليم بأنواع من الماء فى العوالم الأخرى ، التى تعيش فى برازخ أخرى ، أو فيما اصبح معرفا بالأكوان الموازية . السبب بسيط ، هو أن الماء أصل الحياة .

الماء أصل الحياة

1 ـ قال جل وعلا  : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ ) الانبياء 30 ). حقيقة أن الله جل وعلا ( جعل من الماء كل شىء حى ) أتت مباشرة بعد الانفجار الذى إنبثق منه خلق السماوات والأرض ،  وإذا كان الماء هو أصل الحياة فى الأرض فهو أيضا أصل الحياة فى السماوات مع إختلاف نوعيات الماء تبعا لاختلاف أرضنا المادية عن برازخها الست وعن برازخ السماوية السبع . لا يضير هنا عجزنا عن رؤية مخلوقات السماوات من ملائكة الملأ الأعلى ، ورؤية الجن والملائكة والشياطين فى برازخ الأرض الستة . وكلها مخلوقة من ماء، أى نوعيات من الماء تناسب الكون الذى تعيش فيه . الانسان مخلوق من ( مادة ) طين مع ماء مناسب للطين ، والجن مخلوق من ( طاقة ) : نار ، وماء خلقه من نار ، قال جل وعلا : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) الحجر )( خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15)  الرحمن  ) . وابليس مخلوق من طاقة ( نار ) ولذا إستكبر أن يسجد لآدم المخلوق من ( طين ) مادى ، أقل شأنا فى تصوره من النار ، فقال فى تعليل رفضه السجود لآدم : (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) الاعراف ) (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) ص )

2 ـ وقال جل وعلا : ( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ) . مصطلح ( دابة ) تعرضنا له فى باب القاموس القرآنى ، وهم يدل على الكائن الحى الذى ( يدبُّ ) أو يتحرك بإرادة مقصودة. وبالتالى فهذا وصف ينطبق على الأحياء فى العوالم الأخرى . ونقرأ بعدها: ( فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ  ) هذا وصف لما نعرف من حيوانات البر والبحر والبشر والبرمائيات . ولكن هناك أحياء لا ندرك كيفية ومدى حركتها ، لأن هذا يخرج عن أفهامنا ، لذا يقول جل وعلا فى ختام الآية الكريمة :( يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) النور 45 )

الماء القادم فى البعث : إحياء الموتى :

1 ـ قال جل وعلا  :  ( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن  كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۚ ) هنا إشارة عن دور الرياح فى المطر بالسحاب المعبأ ببخار الماء ، فإذا ثقلت حولته نزل ماؤه مطرا . يقول جل وعلا بعدها : ( كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )الاعراف 57 )، أى بنفس الطريقة سيتم البعث ولكن بماء آخر .

2 ـ ويتكرر هذا فى قوله جل وعلا : (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ ) الزخرف 11 ). ( أنشرنا ) أى أحيينا . (بلدة ميتا )، أى أرضا عطشى بلا زرع. ( كذلك تخرجون ) أى تبعثون . 

3 ـ وقال جل وعلا :(وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) ق ) . كذلك الخروج ، اى كذلك يكون الخروج من المقابر ( البرزخية ) .!

الماء فى الآخرة

1 ـ الماء سبب فى حياتنا الدنيا ، ثم يكون سببا فى البعث يوم القيامة . وسيكون ايضا سببا فى الخلود فى الجنة أو النار . ستمتد به الحياة فى خلود النعيم فى الجنة لأصحاب الجنة . وستمتد به الحياة فى خلود العذاب لأصحاب الجحيم . وكما للماء دورة فى هذا الكوكب الأرضى الفانى يستمر بلا نقصان ، فكذلك ستكون له دورة أبدية خالدة لا تنقطع ، فى نعيم الجنة الخالد أو عذاب جهنم الأبدى . ماء خالد للنعيم وماء خالد لعذاب الجحيم .!

2 ـ يصف الله جل وعلا ماء النار بالحميم ،قال جل وعلا  : ( لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70) الانعام  ) ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) يونس ) .

 ووصف رب العزة جل وعلا آلية تعذيبهم : فماء الحميم يتم صبه فوق رءوسهم فتصهرها وتنزل الى بطونهم وجلودهم فتصهرها أيضا : ( يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) الحج ) . وماء الحميم مادة حارقة وتساعد أيضا على الاشتعال ، فيؤخذون الى منبع الحميم ، فتنصب عليهم حميمها ، ثم يلقى بهم فى قعر النار ليتم سجرهم وصهرهم فيها ، يقول جل وعلا : ( إِذْ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) غافر ) ويظلون فى هذه الدائرة الجهنمية بين ماء النار والنار ، يطوفون بينهما ، قال جل وعلا : ( هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) الرحمن )

ويتفاعل هذا مع اكلهم طعام الزقوم الذى يغلى فى بطونهم ، يأكلون منه ثم يشربون عليه الحميم ، قال جل وعلا : ( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) الدخان  ) ( ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) الواقعة )

أى هم فى أنواع متنوعة من النار ، وإذا استغاثوا يأتيهم الغوث بماء آخر ملتهب ، أو نار سائلة تشوى وجوههم ، وهم فى كذلك لا يخرجون منها ، قال جل وعلا : ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوابِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ) الكهف 29 )

وهم فى هذا العذاب كلما نضجت جلودهم يتم إبدالها بجلود أخرى ليذوقوا العذاب ، قال جل وعلا: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56)  النساء ). يبدو أن هذا الاستبدال يتم بأنهم يبتلعون الصديد الذى يخرج منهم ـ يبتلعونه رغما عنهم ، فتنبت به أجسادهم ، وبهذا يأتيهم الموت ولا يموتون ، قال جل وعلا :( وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ  يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) ابراهيم 16  : 17)

3 ـ وعن شراب أهل الجنة قال جل وعلا  : (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ  وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ ) ثم تأتى المقارنة بأهل النار : ( كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ) محمد 15 ). لذا ينادى أصحاب النار أصحاب الجنة يرجون ماءهم : (وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِين ) الاعراف 50 )

ثانيا : حقائق قرآنية كبرى عن الماء سبقت العلم البشرى

 عن خلق الانسان

عنه جاءت آيات قرآنية سبقت العلم الغربى . قال جل وعلا :( ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ )السجدة 8 )، وقال جل وعلا:(أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ) المرسلات 20 )( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا) الفرقان 54 )،

 مصدر الماء :

عن دوره فى إحياء الأرض : قال جل وعلا  : ( وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ  ) النحل 65 ). وللماء مصدران :

1 ـ الغلاف الجوى ( السماء ) قال جل وعلا  : ، (وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا ) النبأ 14 ) ( المعصرات ) السحب التى تعصر الماء . ( ثجاجا ) أى ماء مصبوب بتتابع , وقال جل وعلا  : ، (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68 ) أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (70)) الواقعة  ) المزن اى السحاب الممطر . قال جل وعلا  : ، (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ  ) الزخرف 11 )

2 ـ باطن الأرض . وعنها قال جل وعلا :(وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) النازعات )، وعن الحجارة قال جل وعلا  : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ) البقرة 74  ) . ومن الممكن أن يغور الماء فى باطن الأرض فلا يصل اليه البشر،قال جل وعلا : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ ) الملك 30 )، وقال الرجل المؤمن لصاحبه المغرور بجنته : (فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا ) الكهف 40 : 41 )

3 ـ فى طوفان نوح إلتقى ماء السماء بماء الأرض، قال جل وعلا :( فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ) القمر 11 : 12 ) ، وبعده عاد كل شىء الى أصله ، قال جل وعلا:( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ ) هود 43 : 44 ).

وصف الماء.

العرب عندما رأوا مدن مصر إستعملوا كلمة ( مصر ) بمعنى البلد ، ورأوا نهر الفرات ، أول نهر يرونه فوصفوا الماء العذب بالفرات، ونزل القرآن بلسان العرب،قال جل وعلا :  ( وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُرَاتًا  ) المرسلات 27 ). ووصف رب العزة ماء المطر بأنه طهور .قال جل وعلا  : (  وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ) الفرقان 48 )، وبأنه مبارك ، قال جل وعلا : (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ) ق 9 )

ماء البحار والأنهار

1 ـ مخازن الماء الظاهرة فى الكرة الأرضية تتمثل فى البحار والأنهار ، وقد سخرهما رب العزة للإنسان يبحر فيهما بسفنه ، ويأكل من أحيائهما لحما طريا ويستخرج منهما الدرر، قال جل وعلا : (  اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي  الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ  )ابراهيم 32 ) (  وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)النحل:14 )

2 ـ وعن إختلاف نوعية الماء بين البحر والنهر قال جل وعلا :(وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فاطر:12 )

3 ـ ولا يمكن أن يمتزج ماء النهر بماء البحر ، قال جل وعلا :( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ (20) الرحمن )( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53) الفرقان  )

الميزان والتقدير

1 ـ رب العزة الخالق جل وعلا خلق كل شىء بتقدير دقيق ونظام بديع ، قال جل وعلا : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) القمر)(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) الفرقان )

2 ـ يسرى هذا على الأرض وكرويتها والنباتات الموزونة فيها ، وما ينزل الى الأرض بمقدار معلوم ، قال جل وعلا ( وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) الحجر ).

3 ـ الماء الذى ينزل من الغلاف الجوى هو بميزان وتقدير ، وبميزان دقيق  يتبخر بعضه ، ويهبط البعض الى الأرض ، قال جل وعلا : (  وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) ) المؤمنون )(وَالَّذِي نَزَّلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) ) الزخرف ).

4 ـ وفى النهاية فكل إنسان مقدر له ما يستهلكه فى حياته من طعام وشراب ، وما يخرج منه من بول وغائط وتنفس . ثم يموت ، فتعود جثته لتتحلل فى الأرض ، وما يخرج من جثته من عناصر طبيعية وبخار ماء محسوب أيضا . وكل ذلك فى كتاب إلاهى حفيظ . قال رب العزة جل وعلا : (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) ق ).

أخيرا :

نؤكد دائما أن القرآن الكريم ليس كتابا فى العلم أو فى القصص ، بل هو كتاب فى الهداية ، وتأتى فيه إشارات علمية فى سياق الدعوة للهداية ، لتكون آيات لقوم يعقلون . إقرأ قوله جل وعلا : : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) البقرة: 164 ) .

ودائما : صدق الله العظيم . 

المقال السابع :

 البرزخ والأكوان الموازية 

 القرآن الكريم سبق العلم الحديث فى موضوع السماوات والأرض
لو تدبّر الغرب القرآن لتغير تاريخ العالم فى الرقى الحضارى والتقدم العلمى

أولا :

معنى البرزخ فى القرآن الكريم

هو الحاجز الفاصل بين شيئين . وقد جاء ثلاث مرات فى القرىن الكريم . مرتين عن الفاصل أو الحاجز بين ماء البحر المالح وماء النهر العذب إذا إلتقيا ، وهما يلتقيان عندما يصب النهر فى البحر ، يقول جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53) الفرقان ) ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ (20) الرحمن ). ومرة عن البرزخ الفاصل بين الحياة الدنيا والحياة الأخرى يوم البعث . يقول جل وعلا : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون )

البرزخ والحجر المحجور

1 ـ  هذا البرزخ لا يمكن إقتحامه ، أو بالتعبير القرآنى ( حجرا محجورا ) . وقد جاء هذا التعبير عن البرزخ الذى يفصل بين ماء البحر وماء النهر : ( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53) الفرقان ) فالبرزخ هنا موصوف بالحجر المحجور ، مع أنه ( مرج البحرين يلتقيان ) ، مع المرج والالتقاء فلا مجال للمزج . وهذا شىء عجيب ، ونشهده حاليا فى الفصل بين الماء العذب والماء المالح فى مصب الأنهار فى البحار .

2 ـ الذى لا نشهده ونحن أحياء هو دخولنا البرزخ عند الموت . النفس قبل أن تدخل فى جنينها كانت ميتة فى البرزخ ، ثم فى موعدها يتم نفخها فى جسد جنينها ، فيكون إنسانا بعد أن كان ( مشروع إنسان ) أو كتلة من اللحم الحى بلا نفس . ثم يولد هذا الانسان ، ويأخذ الفترة المكتوبة له فى حياته الأرضية ، وعند ( الأجل ) أو موعد موته المحدد أزلا ، يأتيه الموت ، أو تأتيه ملائكة الموت . عندما يراهم لا يمكن أن يعود الى الحياة الدنيا ، فقد دخل البرزخ ، وستبقى فيه نفسه بلا إحساس بالزمن كشأنها قبل أن تلبس جسدها ، ثم تستيقظ عند البعث ، تتصور أنها لبثت يوما أو بعض يوم . المؤمنون عند البعث يعلمون هذا ، أما المجرمون فيقسمون انهم ما لبثوا ساعة ، يقول جل وعلا : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)  الروم  ) . نفس الموقف عند الاحتصار ، فالمجرم يصرخ طالبا فرصة أخرى قائلا لملائكة الموت :( أرجعون ) : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون ) . إذا رأى الملائكة الموت فلا مجال للخروج منه إلا يوم البعث للجميع . ولهذا فعندما طلب الكافرون أن يروا رب العزة أو الملائكة جاء الرد :بأنهم يوم يرون الملائكة فلا بشرى لهم : ( وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدْ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22) الفرقان). هنا يقال : ( حجرا محجورا ) . أى فاصل حاجز منيع .

ثانيا :

عن عوالم أو برازخ السماوات والأرض وما بينهما

1 ـ  لقد خلق أو ( فطر ) الله جل وعلا السماوات والأرض معا بأنفجار هائل . عن الانفجار الكونى يقول جل وعلا:(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا)( الأنبياء 30 ) ، الجزء المادى الثقيل الأسفل يتكون منه الأرض المادية التى نعيش فيها ، والكون المادى الذى تسبح فيه الأرض والذى يتكون من كواكب ونجوم ومجرات . والأرض المادية التى نحيا عليها تتخللها ستة أرضين أو ستة برازخ . تتخللها السماوات السبع ، أو برازخ سبع . 

2 ـ ، الفارق بين المستوى المادى للأرض التى نعيش عليها ( ومحيطها من النجوم والمجرات ) وبين الأرضين الست والسماوات السبع هو سرعة الاهتزازات . إهتزازات المستوى المادى لعالمنا الثقيل الأسفل بطيئة،  بينما تتدرج سرعة الاهتزازات فى البرازخ الأرضية الست أو الأرضين الست ، وتعلوها فى السرعة إهتزازات السماوات السبع ، وبالترتيب . الأرض الثانية ذبذباتها أو إهتزاز ذراتها أسرع من أرضنا المادية ومحيطها من النجوم والمجرات ، والأرض الثالثة ( البرزخ ) الثانى أعلى من الأرض الثانية، والأرض الرابعة ببرزخها الثالث أعلى ممن دونه ، وما فوقه أعلى منه ، وهكذا الى الأرض السابعة ببرزخها السادس ، وفوقها تكون السماء الدنيا ببرزخها الأول ثم السماء الثانية ، وهكذا الى السابعة . وبعده لا نعلم .

3 ـ   وقلنا فى(  كتاب الموت ) وهو منشور هنا ، وسبق نشره فى مصر عام 1990 : ( الثابت علمياً أن ذرات المادة الأرضية تدور بسرعة تتراوح بين 400 ألف مليون دورة إلى 750 ألف مليون دورة في الثانية الواحدة ، أما ذرات العالم العلوي الأثيري فإنها أسرع دوراناً وبهذا تخرج عن المستوى الاهتزازي لعالمنا المادي ولا نستطيع أن نراها ، ومن العالم غير المرئي لنا الجن والشياطين والملائكة والنفس البشرية بعد الموت وفى حالة النوم . وقد دل علم الميكانيكية الموجية على أن الأساس في تداخل الأجساد أو عدم تداخلها راجع إلى اختلاف المستوى الاهتزازي لهذه الأجساد أو تطابقه . فإذا كان المستوى الاهتزازي واحداً لإنتمائهما إلى نفس العالم فإن تداخلها يكون مستحيلاً ، فالإنسان بجسده الأرضي لا يستطيع أن يخترق الجدران لأن مجال المستوى الاهتزازي بينها واحد . أما إذا أختلف المجالان فإن التداخل يكون طبيعياً ، وعلى ذلك فإن وجود جسمين " أحدهما أرضى والآخر سماوي  "  متداخلين وشاغلين مكاناً واحداً في آن واحد يعتبر ظاهرة طبيعية يؤيدها العلم . وجهاز الراديو أبرز مثال لذلك ، فالكون ممتلىء بموجات لاسلكية تخترق الجدران وهى في نفس الوقت متداخلة لا يحس بعضها ببعض ولا يؤثر بعضها على بعض ، وكلها يتخلل جهاز الراديو ، فإذا استقر مفتاح الراديو على موجة معينة ألتقطها دون أن يعوقه وجود موجة أخرى في نفس المكان ذات اهتزاز أو ذبذبة مخالفة . )

ونحن نرى مروحة الطائرة إذا كانت لا تتحرك ، فإذا بدأت فى الدوران حول نفسها بدأت تغيب عن ناظرينا شيئا فشيئا الى أن تغيب عن ناظرينا. هى موجودة لا تزال فى مكانها ولكن لأن سرعة إهتزازها زاد عن سرعة الأشياء المادية لم تعد مرئية لنا .

وهناك فى إطار العالم المادى موجات ضوئية ، ولكنها تهتز بأسرع من إهتزاز ذراتنا ، فنحن إهتزازاتنا فى الأسفل ، أى 400 ألف مليون هزة او دورة فى الثانية الواحدة. فإذا زادت دورة مروحة الطائرة عن ذلك لا نستطيع رؤيتها . ولكن كوننا المادى تتراوح السرعة الاهتزازية فيه من 400 ألف مليون لتصل 750 ألف مليون دورة فى الثانية الواحدة . هنا تقع الموجات غير المرئية لنا بما فيه الضوء وهو ينتمى أيضا الى عالمنا المادى .

 بعد 750 ألف مليون هزة أو دورة فى الثانية تبدأ العوالم البرزخية بترتيب سرعاتها ، وفيها تعيش عوالم الجن والشياطين والملائكة ، والأعلى فى سرعة الدوران يتخلل ما هو أقل منها . وبهذا نفهم تكوين الأرض من سبع أرضين ، اضعفها المستوى السفلى المادى الذى نعيش فيه ، وهناك ست مستويات متوالية من الأرض التى قال عنها رب العزة أنها تتكون من سبع طرائق كالسماوات السبع ، ويتنزل الأمر الالهى بين طبقات السماوات والأرض : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12)  ) الطلاق ).

 وفى أحد المستويات البرزخية للأرض يعيش الجن ، يقول أحدهم : ( وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (12) الجن ) . أى هم يعيشون فى مستوى برزخى للأرض . لا يستطيعون الخروج منه الى المستوى الأعلى الذى تقع فيه السماء الدنيا . وفى مستويات مختلفة من الأرضين الست التى تعلو مستوى الأرض المادية تعيش الملائكة المكلفة بتسجيل أعمالنا ، هى تتداخل مع جسدنا المادى وتسجل ما نفعل ، يقول جل وعلا (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) الانفطار  ) ، ولكل فرد منا إثنان من الملائكة مختصون بتسجيل عمله : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق ).

والنفس البشرية تنتمى الى هذا العالم البرزخى ، هى موجودة فيه قبل خلق صاحبها ، أى إن نفسى كانت موجودة من آلاف السنين فى البرزخ قبل ميلادى ، ثم عندما جاء الوقت المحدد لها لبست الجنين الخاص بها فى رحم والدتى ، ونزلت إنسانا فى موعد مولدى ، ودخلت فى تجربة هذه الحياة الدنيا ، وخلالها تعود نفسى الى نفس البرزخ فى النوم لتستريح من هذا العالم المادى الثقيل ، فالنفس البشرية تقضى حوالى ثلث عمرها الأرضى المادى فى نوم تعود به الى منبعها البرزخى . ثم فى النهاية تعود نهائيا الى هذا البرزخ بالموت ، الى أن يحين موعد البعث ، بعد أن تأخذ كل نفس فرصتها وإختبارها فى هذه الحياة الدنيا . أى فى هذا البرزخ توجد الأنفس التى لم تدخل أختبار الحياة ، كأنفس أحفادى وأحفادى ، كما توجد فى نفس البرزخ أنفس أجدادى الموتى . والى جانب النفس توجد الشياطين التى ( تقترن ) بالنفس ، وهو القرين ، وهو الذى يختص بغواية من شاء الضلال ، فيظل هذا القرين الشيطانى يزين للنفس التى إختارت الضلال أنها على الحق ، ويظل الضال متصورا أنه على الهدى والحق الى أن يرى ذلك القرين فى الاخرة ويعرف أنه خسر كل شىء ، يقول جل وعلا : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) الزخرف  ) .

فى عوالم البرزخ توجد أيضا عذاب البرزخ لفرعون وقومه ، وهم فيه أحياء تحت العذاب الى أن تقوم الساعة ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)غافر ) وكذلك قوم نوح ( مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً (25) نوح ). كما توجد جنة الذين يٌتلون فى سبيل الله ، وهم فيها أحياء لا يموتون ، ولا يجوز أن نقول أنهم موتى ، يقول جل وعلا : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) البقرة ) هم أحياء يتمتعون برزق الله جل وعلا حيث يشعرون بنا ولا نشعر بهم ، يقول جل وعلا ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) آل عمران ).

ثالثا :

سبق القرآن للعلم البشرى :

1 ـ  تركزعلىالحجمالمادىلكوكبالأرض،وهومجردحبةرملفىصحراءهذاالكونالملىءبالنجوموالمجراتوالأبعادبينهاتُقاسبملايينالسنواتالضوئية،وتطلعتأحلامالعلماءالىحضاراتفىالكواكبوالنجوم،تستبعدأنيكونهذاالكونالفسيحيخلومنحضارت.    

2 ـ حتى الآن لم تصل حضارة الانسان الى ما أخبر به رب العزة جل وعلا فى القرآن الكريم . غاية ما هنالك أن الانسان  وصل الى الطرق على أول أبواب البرزخ أو ما يسميه بالعالم الموازى ، وعرف ( الأوتار الفائقة ) التى تتخطى المعروف من نظرية النسبية . وبدأت نظريات مؤسسة على نظرية الأوتار الفائقة تتحدث عن أكوان موازية ( أو برازخ ).

3 ـ كما إن إكتشاف الفمتوثانية فتح بابا جديدا يمكن به الدق على أبواب البرزخ الأدنى لنا وهو الأرض الثانية . العالم المصرى أحمد زويل إكتشف الفمتوثانية ، وهى جزء من مليون مليار جزء من الثانية.والنسبة بين الثانية والفيمتو ثانية كالنسبة بين الثانية و32 مليون سنة.وإنفتح الباب لوحدات زمنية أقصر ، هى ( أتوثانية هي وحدة زمنية تخضع لنظام الوحدات الدولي وتعادل 10−18 من الثانية، (واحد كوينتليون من الثانية ،ولسياق الموضوع فإن أتوثانية إلى الثانية يعادل ثانية إلى 31.71 مليار سنة أو ضعف عمر الكون ، تتشكل لفظة "أتوثانية" من البادئة آتو والوحدة ثانية.  وتساوي أتوثانية 1000 زبتوثانية أو 1/1000 من فمتوثانية. لأن الوحدة الزمنية التالية الأعلى هي الفمتوثانية (10−15 ثانية)، وتحدد عادة الفترة من 10−17 ث و10−16 ث بالعشرات أو المئات من أتوثانية.)  . الذى يهمنا هنا أن العلم بأجهزته المادية وصل الى ما يعتبره أقل وحدة قياس للزمن ، وهذا فى إطار عالمنا المادى الذى نستطيع إخضاعه بالتجربة وبأجهزتنا العلمية ، أى فى إطار سرعة الاهتزاز التى نعيش فى محيطها (400 ألف مليون دورة إلى 750 ألف مليون دورة في الثانية الواحدة )، فماذا عن العوالم الأخرى الزمنية فيما بعد الأوتوثانية والزبتو ثانية وأخواتها ؟ هنا الاقتراب من باب البرزخ .

4 ـ المعضلة الكبرى التى تواجهها النظريات الحديثة فى تفسير الكون والأكوان الموازية ليس فقط فى الربط بين نظرية النسبية وما تلاها من نظريات ، أو محاولة الوصول الى نظرية شاملة كاملة ، ولكنها فى تقديرى هى الجمع بين حقييتين : إنفجار خلق الكون والذى أنشا الكون والكون النقيض ، والذى تعرضنا له من قبل ، والحقيقة الأخرى هى البرازخ للأرضين الست والسماوات السبع .

أخيرا :

1 ـ  يقول جل وعلا : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) الملك ). لو أرجع الانسان بصره ومناظيره التيليسكوبية فى الكون المرئى رجع بصره حسيرا . هذا فى العالم المادى فقط من نجوم ومجرات . هناك قرابة 170 مليار مجرة فى الكون المنظور لنا حتى الان . وتقدر المسافة  من كوكب الأرض إلى حافة الكون المرصود بحوالي   46 مليار سنة ضوئية. تتراوح أحجام المجرات وكميّة النجوم فيها ما بين بضعة الآف النجوم للمجرات القزمة, وحتى تلك العملاقة التى تضم مائة تريليون نجم . وهى ذات أشكال مختلفة : إهليلجى ، حلزونى ، وغير منتظم .والكثير منها يحتوى على ثقوب سوداء . أبعد مجرة عن الأرض : حتى مايو 1915 كانت المجرة جى اس زد 8 ـ 1 . وبينها وبيننا مسافة حوالى 13. 1 مليار سنة ضوئية . وكتلتها حوالى 15 % من كتلة مجرتنا درب التبانة . يبلغ قطر درب التبانة 100 الف سنة ضوئية، وفيها ما يربو على مئتي مليار نجم[55]، ومتوسط المسافة بين كل نجم وآخر خمس سنوات ضوئية، وتستغرق الشمس التي تبعد حوالي 30 الف سنة ضوئية عن المركز قرابة 250 مليون سنة مما نعُد لكي تكمل دورة واحدة حولها.

2 ـ ماذا عن عوالم البرازخ للارضين الست السماوات السبع ؟

3 ـ ثم .. ألا يخجل المحمديون حين يقرآون القرآن والكريم وآياته فى إبداع خلق السماوات والأرض ثم يصممون على وضع إسم محمد الى جانب إسم الخالق جل وعلا ؟ . صحيح أنهم ما قدروا الله جل وعلا حق قدره .!!

 المقال الثامن :

التسخير    

مقدمة :

1 ـ سئلت أكثر من مرة عن قوله جل وعلا : ( يَامَعْشَرَالْجِنِّوَالإِنسِإِنِاسْتَطَعْتُمْأَنتَنفُذُوامِنْأَقْطَارِالسَّمَاوَاتِوَالأَرْضِفَانفُذُوالاتَنفُذُونَإِلاَّبِسُلْطَانٍ( الرحمن: 33). الإجابة تستلزم التعرض لموضوع التسخير فى القرآن الكريم .

2 ـ ( التسخير ) يعنى إن الله جل وعلا أودع فى الشىء الذى خلقه إمكانية توظيفه لمصلحة الانسان . وبالتالى يمكن للعلم البشرى التعرف على إمكانيات ما سخره رب العزة جل وعلا لهم للإستفادة به ، سواء كان هذا الشىء المسخر فى مجال رؤيتهم البصرية وحواسهم الماية أم كان خارج نطاقها . والانسان الآن يستعل ما سخره الله جل وعلا له مما يسميه بالكهرباء والأشعة غير المرئية , ولو تعرف الغرب على القرآن لرأوا ان مجال التسخير يشمل ما فى السماوات والأرض ، وهذا يوفر لهم وقتا وجهدا وتضاربا فى النظريات . إن من المستحيل على البشر الولوج فى السماوات ، ولكن ما فى السماوات من طاقات يمكن تسخيره للإنسان . وهذه حقيقة قرآنية يجب أن ينتبه لها علماء الغرب.

3 ـ نتوقف مع التسخير مدخلا لإمكانية البشر النفاذ الى أقطار السماوات والأرض ، أو برازخ السماوات والأرض .

أولا : التسخير  :

  يأتى ( عموم التسخير  ) بيانا وتفسيرا لما خلقه الله جل وعلا  فى سياق الدعوة الى الهداية . قال جل وعلا : ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِبِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ) (2 ) الرعد ) وقال جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)  لقمان )، وقال جل وعلا : ( أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) النحل  )

وعن (  التسخير لنا )

1 ـ الله جل وعلا لم يسخّر الانسان لعبادته ، بل جعله حُرّا فى الاايمان أو الكفر ، فى الطاعة أو المعصية خلال فترة حياته فى هذا العالم ، وهذا هو الابتلاء أو الاختبار الذى وضعنا فيه رب العزة جل وعلا .  بل إنه جل وعلا خلق هذا العالم بسماواته وأرضه ليختبرنا . قال جل وعلا :( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً  )(7) هود ). وبعد أن تدخل كل نفس جسدها وتموت وينتهى إختبار البشر تقوم الساعة ويتدمر هذا العالم بسماواته وأرضه وبرازخه ، يخلق رب العزة جل وعلا سماوات بديلة وأرضا بديلة خالدة دائمة أبدية يتجلى فيها للناس . قال جل وعلا : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) ابراهيم ).

2 ـ من حقيقة  خلق الكون المنظور وغير المنظور لاختبارنا ، تأتى حقيقة التسخير ، أى إن هذا الكون المنظور والكون غير المنظور قد سخّره الله جل وعلا لنا . قال الله جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ )(20) لقمان )، ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) الجاثية ).

3 ـ هو نفس التسخير المألوف لدينا فيما تقع عليه أيدينا . على سبيل المثال ، سخّر الله جل وعلا لنا الأنعام ، نستغلها فى الركوب وفى الألبان وفى الطعام ، حتى الروث . وجعل ذبحها فى الحج من الشعائر، قال جل وعلا: ( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ (37 ) الحج ). بعض هذه الأنعام أقوى من الانسان ، ولكنها خاضعة له . تأمل طفلا صغيرا يقود جملا ، والجمل يسير خلفه طائعا مستكينا ، كما لو كان مخدّرا . هو فى الحقيقة واقع تحت تخدير أو تسخير . بدليل أن الحيوان الوحشى المفترس يلتهم الانسان . ويجد الانسان صعوبة فى تذليله وترويضه وتسخيره . من هنا كان وصف الحيوانات الأليفة بالأنعام ، من النعمة . قال جل وعلا : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ (66) النحل ) (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ (80) النحل )

4 ـ ومن التسخير المألوف لنا الماء يحمل الفُلك ، ونستخرج منه الحُلىّ ، ونأكل منه اللحم الطرى ، قال جل وعلا :( وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ (32) ابراهيم )( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ )(14) النحل )( اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمْ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ ) (12) الجاثية ) . وعن الماء والحيوان وسائل للمواصلات قال جل وعلا : ( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) الزخرف )

5 ـ هذا يبعث على التساؤل عن تلك المقدرة التى أودعها الله جل وعلا فى الماء . ونتذكر وصف الله جل وعلا للماء بأنه ( طهور ) ، قال جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً (49) الفرقان ). الماء يحيى الأرض الميتة ، وهو طهور ، أى لديه قدرة على إذابة الوسخ والتخلص منه . والماء موصوف بالبركة ( مبارك ) : (وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) ق  ) . وفيه فوائد طبية أشار اليها رب العزة ، إذ إبتلى النبى أيوب بالمرض ، وكان الشفاء بالاغتسال بماء ، قال جل وعلا : ( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) ص ). الإجابة على هذه التساؤلات تكون بالبحث العلمى التجريبى ، وقد غفل عنه المحمديون حين إنشغلوا بأحاديث يفترونها ويصنعون لها أسانيد ويخنلفون فيها ، وقد إتخذوا القرآن مهجورا . الأولى بالغرب بمنهجه العلمى أن يقرأ القرآن قراءة علمية بمفاهيمه ليكتشف ما لا يزال مجهولا ، فيما سخره رب العزة للإنسان .

6 ـ قد يكون هناك تسخير إستثنائى لمصلحة بعض البشر ، فقد سخّر الله جل وعلا لداود الجبال يسمع تسبيحها والطير ،قال جل وعلا :( وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ) َ (79) الانبياء )( إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ (18) ص)، وعن سليمان قال جل وعلا : ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (38) ص ).

7 ـ وقد يجعل الله جل وعلا التسخير إهلاكا لبعض البشر الكافرين ، قال جل وعلا : ( وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) الحاقة ).

 ثانيا : إمكانية النفوذ فى برازخ السماوات والأرض :

1 ـ كلما تطورت التليسكوبات عرف البشر المزيد عن المجرات ، وحاليا يقال إنه يقدّر وجود حوالي 200 مليار مجرة في الكون المرئي (observable Universe)؛ لكننا غير قادرين على رؤيتها لأن تلسكوباتنا ليست حساسة بالدرجة الكافية لرصدها.  وهذه المجرات هى مجرد مابين السماوات والأرض . هى تنتمى الى نفس المستوى المادى للأرض التى نحيا عليها . هذا عما بين السماوات والأرض ، فكيف ببرازخ السماوات والأرض ؟

2 ـ حُلم البشرية بالعروج فى الفضاء وإستعمار بعض الكواكب فى المجموعة الشمسية ، سبقه القرآن الكريم بما هو أكثر وأعمق ، وهو إمكانية النفاذ ليس فقط خلال المجرات التى لازلنا بها منبهرين ـ بل أيضا النفاذ من خلال برازخ الأرض ، أو أقطارها الست غير المرئية لنا . هذا هو المفهوم من قوله جل وعلا : ( يَامَعْشَرَالْجِنِّوَالإِنسِإِنِاسْتَطَعْتُمْأَنتَنفُذُوامِنْأَقْطَارِالسَّمَاوَاتِوَالأَرْضِفَانفُذُوالاتَنفُذُونَإِلاَّبِسُلْطَانٍفَبِأَيِّآلاَءِرَبِّكُمَاتُكَذِّبَانِيُرْسَلُعَلَيْكُمَاشُوَاظٌمِّننَّارٍوَنُحَاسٌفَلاتَنتَصِرَانِ( الرحمن: 33 / 35 ).

3 ـ وبتدبر الآيات الكريمة نفهم الآتى :

3 /1 :هنا كلام عن ( أقطار السماوات والأرض ) أى السماوات السبع ، والأرضين السبع . فللأرض أقطار وللسماوات أيضا أقطار ، وهى البرازخ

3 / 2 :  الخطاب جاء للإنس والجن معا . الانس محصورون فى العالم المادى الذى يشمل هذا الكوكب الأرضى والمجموعة الشمسية والكون الفسيح بنجومه ومجراته ، والتى يتيه العقل البشرى فى تأملها . ولكن الجن له إمكانات أكبر هى أن يتجول فى برازخ الأرضين الست .

الجن تعيش فى أرضها البرزخية مع تخللها للأرض المادية التى نعيش نحن فيها ، وقد قالوا عن أرضنا : (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (10) الجن ) هذه ( الأرض ) الأولى هى أرضنا  . ثم قالوا : ( وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (12) الجن  ). ، هذه الأرض الأخرى التى يتكلمون عنها فهى ( أرضهم ) البرزخية . يتجولون فى أرضنا والأرضين الست البرزخية التى تتخلل أرضنا ، ولكن ممنوع عليهم هم والشياطين الولوج الى المستوى البرزخى الأول للسماء الدنيا ، إلا بسلطان وتصريح إلاهى ، وهذا معنى قوله جل وعلا : ( يَامَعْشَرَالْجِنِّوَالإِنسِإِنِاسْتَطَعْتُمْأَنتَنفُذُوامِنْأَقْطَارِالسَّمَاوَاتِوَالأَرْضِفَانفُذُوالاتَنفُذُونَإِلاَّبِسُلْطَانٍفَبِأَيِّآلاَءِرَبِّكُمَاتُكَذِّبَانِيُرْسَلُعَلَيْكُمَاشُوَاظٌمِّننَّارٍوَنُحَاسٌفَلاتَنتَصِرَانِ  ) ( الرحمن33 : 35 )).

وسبق فى تقرير منعهم من النفاذ الى برزخ السماء الدنيا آيات أخرى ، قال جل وعلا : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإٍ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) الصافات ) ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)الملك) . وقالوا انهم كانوا يسترقون السمع مقتربين من تخوم المستوى الاهتزازى لبرزخ السماء الدنيا فانطلقت عليهم الشُّهُب : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً (9) الجن ).

3 / 3 : بهذا يكون مفهوما لنا أن البرازخ الأرضية  متاحة للجن والشياطين . ولكن الذى يسترعى الانتباه هنا أن يتوجه الخطاب لنا نحن ( الإنس ) وبالتساوى مع ( الجن ) ، بما يعنى أنه إذا كان متاحا للجن النفوذ فى أقطار الأرض فهو متاح لنا أيضا ، وأنه إذا كان غير متاح للجن النفوذ الى برازخ السماوات إلا بسلطان ــ أى تصريح الاهى ـ فهو نفس الأمر بالنسبة لنا .

4 ـ يبقى السؤال الهام ، وهو كيف ؟. النفاذ المُشار اليه يقع ضمن التسخير المشار اليه أيضا . وهذا التسخير يستلوم بحثا ، وهذا البحث فى إطار الممكن وليس المستحيل . نحن تتخللنا عوالم البرازخ الأرضية التى لا نراها ، بمثل ما تتخللنا موجات الأشعات الأرضية ،ونستفيد منها ، وبالتالى يمكن أن نستفيد من الطاقات التى تتخللنا من عوالم البرزخ ، ونطوى بها الزمن . مستحيل أن ننفذ الى برازخ السماوات العليا ، ولكنه متاح لنا أن ننفذ فى برازخ الأرض ، نستفيد منها وهى مسخرة لنا ، وليس مهما أننا لا نرها ، فكم من قوى نستخدمها ولا نراها . 

 

 المقال التاسع :

 ما لم يعرفه الغرب عن : (الزمن )

 أولا : الزمن وخلق السماوات والأرض :  

1 ـ لم نشهد خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسنا . قال جل وعلا : ( مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (51 ) الكهف )، ولكن نعلم أن الله جل وعلا خلق هذا العالم (السماوات والأرض وما بينهما ) من لاشىء . وهذا معنى ( فاطر السماوات والأرض ) قال جل وعلا :( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) فاطر) .

2 ـ ونتصور أن الله جل وعلا خلق الزمن من لاشىء ، جعل منه نوعين :

2 / 1 : الزمن المتحرك ، وبه حدث ( الانفجار الكبير ) ( Big ban)، وتكون منه السماوات والأرض وما بينهما تجرى خلال زمن متحرك الى أن تصل الى النهاية او القيامة أو الساعة ، أى تنتهى بأجل محدد مسمى أو تمت تسميته من قبل . عن هذا الأجل المسمى يقول جل وعلا : ( مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى (8) الروم ) (مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى )  (3) الاحقاف ).

2 / 2 : الزمن الخالد ، (اليوم الآخر) .حيث لا يوجد ماضى ولا حاضر ولا مستقبل .

ثانيا : الزمن المتحرك فى هذه الدنيا

1 ـ أبرز مثال على زمننا المتحرك أن تسأل نفسك : أين ذهب الأمس ؟ أين ذهبت الساعة الماضية ؟ قال جل وعلا  :( وهو الذى جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ) ( الفرقان 62 ). أنت تسير فى قطار زمن لا يتوقف ، تركبه فى محطة الولادة وتغادره فى لحظة الموت ، ومثلك كل نفس بشرية ، تولد وهى تحمل زمنها المقدر لها ، وبإنتهائه تعود الى البرزخ الذى أتت منه . تتعاقب علينا الأيام والليالى نمرُّ بها لتصبح خلفة ، أو ماضيا ، وبسرعة لا نتخيلها يتحول الحاضر الى ماضى والمستقبل الى حاضر فماضى ، وقد إكتشف العالم عوالم ما بعد الفمتوثانية فى هذا العالم المادى ، وما وراءه من عوالم البرزخ ( أو أكوان السماوات والأرض ) أعظم . .

2 ـ هذا الزمن المتحرك هو أزمان مختلفة ، ليس فقط فيما نعرف من اختلافات الزمن بين كواكب المجموعة الشمسية ، أو بين نجم الشمس وكواكبه والنجوم الأخرى فى مجرة درب التبانة ، أو بين مجرة درب التبانة ببلايين نجومها وبلايين المجرات الأخرى فى الكون ، ولكن أيضا بين هذا الكون المادى والبرازخ الست للأرض وما يتخللها وما يعلوها من برازخ السماوات السبع . إختلاف الزمن بين البرازخ وبين زمننا الأرضى يظهر فى قوله  جل وعلا( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل )فالأمر الالهى بقيام الساعة صدر فى زمن برزخى ، ولكن الدورات الزمنية الأرضية والسماوية لم تصل بعد الى وقت حدوث هذا الأمر . لهذا قال ( لا تستعجلوه ) وحين نصل اليه سيتم تدمير الأرض المادية وكونها المادى وبرازخها وبرازخ السماوات السبع ، وأزمانها المختلفة المتحركة المختلفة ويأتى زمن آخر فى ( اليوم ) الآخر ، زمن خالد ليس فيه ماض ولا حاضر ولا مستقبل . زمن لا ندرى طبيعته.

3 ـ ( اليوم ) كوحدة زمنية تختلف من مستوى الى آخر . نحن نعرف ( اليوم ) فى أرضنا بليله ونهاره ،ومذكور فى القرآن الكريم اليوم الأرضى ، وفى تشريع الحج يقول جل وعلا : (وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ  ) ( البقرة 203 )، ومذكور فى القرآن الشهور والأعوام بالحساب الأرضى . 

ولكن هناك أيام ستة تم فيها خلق السماوات والأرض : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) ( الحديد 4 )، وفى مستوى آخر منها تنوعت الأيام حسب المستويات ، قال جل وعلا : (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) ( فصلت 9 : 12 )

 4 ـ فيما يخص تدبير الله جل وعلا للملكوت وتصريفه فينا فهناك إختلاف الزمن بين ( يوم )  عند الله جل وعلا وزمننا الذى نعرفه ، قال جل وعلا : ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) الحج ) ( يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) السجدة ).
وفى مقال للدكتور منصور حسب النبي في الأهرام ( 11/5/1995 ) قام بتفسير علمي لقوله تعالى " يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ : السجدة : 5" , " وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ : الحج : 47 " فقال إن العبارة القرآنية " مما تعدون " أي بالحساب البشرى , أي بالزمن الأرضي.

وعليه فإن المسافة التي يقطعها الأمر الكوني في زمن يوم أرضي تساوي في الحد والمقدار المسافة التي يقطعها القمر في مداره حول الأرض في زمن ألف سنة قمرية بحساب أهل الأرض . وبحل هذه المعادلة القرآنية ينتج لنا أن سرعة هذا الأمر بالحساب الأرضي يساوى بالضبط سرعة الضوء فى الفراغ أي186 ألف ميل في الثانية أو 299792.5كم /الثانية وفي نفس المقال يقول د. منصور حسب النبي أن معادلات اينشتاين تنبأت قبل نظرية الأوتار الفائقة باحتمال تجاوز سرعة الضوء لجسيمات افتراضية غيبية ذات كتلة تخيلية تسمى التاكيون . كما تنبأت نظرية الأوتار الفائقة بوجود كون آخر سداسي الأبعاد متداخل مع كوننا الرباعي الأبعاد والسرعة فيه تفوق سرعة الضوء ولكنها لا تخضع لقياسنا .  

5 ـ وبعد إكتشاف ( نظرية الأوتار الفائقة ) بدأ الحديث عن الأكوان المتوازية ، وهى ما نسميها البرزخ .وحين ننام تنتقل النفس الى البرزخ مؤقتا ، وحين نموت تنتقل النفس الى البرزخ ، وتظل فيه حتى البعث للجميع .  وقد اشار رب العزة الى إختلاف زمن البرزخ  عن زمننا . فأهل الكهف ناموا وظلوا فى نومهم ثلثمائة سنين وإزدادوا تسعا ، وحين إستيقظوا ظنوا أنهم ناموا يوما أو بعض يوما . ( الكهف : 19 ، 25 ) . وهناك شخص أماته الله جل وعلا أو ( أنامه ) مائة عام ثم بعثه أو أيقظه ، فظن أنه لبث يوما أو بعض يوم : (  أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ  ) (259) البقرة) . وحين نموت وتعود النفس الى برزخها ، ثم عند البعث نستيقظ ونظن أنه مرّ علينا يوم أو بعض يوم . ( النازعات  46) .

6 ـ  هناك اليوم ( الآخر ) بزمنه الخالد ، والمختلف عن ( يوم ) هذا العالم . مدة (هذا اليوم ) الذى تستمر فيه هذه الحياة الدنيا بأرضها وسماواتها وبرازخها ـ هى خمسون ألف سنة بالتقدير الالهى . وهذا ما جاء فى سورة المعارج ، وفيها مقارنة بين يوم الدنيا ( الذى نعيشه ) واليوم الآخر ، الذى سننتهى اليه . مقدار يوم الدنيا خمسون ألف سنة بالتقدير الالهى. يقول جل وعلا : ( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَرَاهُ قَرِيباً (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) المعارج ).

خلال هذه الخمسين ألف عام تحركت السماوات والأرض وما بينهما من ساعة الانفجار الكبير نحو النهاية . وكل مخلوق له زمنه ، من البشر والملائكة والنجوم والمجرات ، وفيها تعرج الملائكة بهذا الكون من سماوات وأرض وبرازخهما الى رب العزة ، وحين ينتهى هذا اليوم لهذا العالم ذى الخمسين ألف سنة بالتقدير الالهى ، تقوم الساعة ، ويتدمر العالم ، بأسرع من سرعة الضوء ، يقول جل وعلا بأسلوب التشبيه : (  وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) القمر ) (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ) (77) النحل ) .

ثالثا : اليوم الآخر ذو الزمن الخالد

1 ـ تأتى أرض جديدة وسماوات جديدة بزمن خالد ، يقول جل وعلا : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ )( ابراهيم 48 ) ، وتكرر الكلام عن الخلود في اليوم الآخر، مثل قول رب العزة جل وعلا : (خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ)آل عمران:88 ) (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)آل عمران:107 ) .

2 ـ الغريب أن مفردات الحديث عن ( اليوم الآخر ) كلها مفردات زمنية . مثل ( اليوم الآخر ) ( يوم القيامة ) ( يوم البعث ) ( يوم النشور) (يوم الحساب) ( الساعة )..الخ. ونكتفى بمثال ، يقول جل وعلا : (  وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) الروم ) . هنا إستعمالان لكلمة ( الساعة ) . الساعة بمعنى وقت تدمير العالم وما يعقبه من بعث ، و ( الساعة ) التى نعرفها ، وهو بعض اليوم . 

3 ـ لهذا نتصور أن الله جل وعلا فطر ( الزمن ) من لاشىء ، ومن قطعة منه خلق هذا العالم بزمن متحرك ، مدته خمسون ألف عام بالتقدير الالهى . بعده تأتى الساعة باسرع من الضوء ، فيتدمر هذا العالم ويحل محله اليوم الآخر بزمن خالد ، وعذاب خالد أو جنة خالدة .

4 ـ وما أضيع من يعيش حياته الدنيوية المتحركة فى عصيان ، ثم يأتى فى اليوم الآخر الخالد ليعيش فيه فى عذاب لا تخفيف فيه ولا خروج منه . 

المقال العاشر :

 علم الذرة بين القرآن والعلم الحديث

  لو تدبّر الغرب القرآن لتغير تاريخ العالم فى التقدم العلمى

مقدمة :

1 ـ ظل الغرب مؤمنا بما قاله فلاسفة إغريق من القرن الخامس قبل الميلادبعدم إنقسام الذرة ، وظل هذا الاعتقاد ساريا حتى أواخر القرن التاسع عشر ، هذا مع أن رب العزة أخبر من أكثر من 1400 عام بإنقسام الذرة ومعلوات أخرى عنها لا يزال يجهلها الغرب والشرق . بمعرفة الغرب بانقسام الذرة إنفتحت للبشرية مجالات عن عوالم ما تحت الذرة ، إقتربت بهم الى طرق أبواب البرزخ ، وعوالم الطاقة التى كان إستخدام الذرة دليلا على أن هذا العالم المجهول هو عالم باهر القوة، وأن طاقتها تتجاوز عالمنا المادى الضعيف الثقيل .

2 ـ ونعطى بعض التفصيلات :

أولا : علم الذرة فى الغرب ولمحة عن تطوره :

1 ـ  أصل كلمة ذرة بالانجليزية  : Atom)  ترجع الى الكلمة الاغريقية التى تعنى عدم الانقسام . إذ كان يعتقد أنه ليس ثمة ما هو أصغر من الذرة. قام كل ديموقرطيس وليسيوس عام 430 ق م ، بإفتراض  ان الذرة غير قابلة للانقسام وليس هناك ما هو اصغر منها .

2 ـ  في عام 1896م أجرى جوزيف جون طومسون أبحاثاً حول خواص أشعة الكاثود. وفي 30 أبريل 1897م، أدهش الأوساط العلمية بإعلانه عن أن الجسيمات المكونة لأشعة الكاثود هي أصغر حجماً بكثير من الذرات، وقد سمى هذه الجسيمات بالإلكترونات.وأظهر إكتشاف الإلكترون للعالم "طومسون" أن المفهوم القديم عن الذرة منذ ألفى عام، والذي ينطوى على أنها جسيم غير قابل للإنقسام كان مفهوماً خاطئاً، كما أظهر أيضاً أن للذرة - في الواقع- ترتيبا معقدا .

3 ـ كما ساهمت اكتشافات راذرفورد في إثبات وجود النواة وأنها تحمل شحنة موجبة. وكل الدراسات الحديثة للذرة تأخذ في الاعتبار أن الذرة تتكون من جسيمات تحت ذرية.وأنه تتكون الذرة من سحابة من الشحنات السالبة(الإلكترونات)التي تدور حول نواة موجبة الشحنة صغيرة جدًا في المركز، وتتكون النواة من بروتونات موجبة  الشحنة ، ونيوترونات  متعادلة.  وتعتبر الذرة هي أصغر جزء من العنصر يمكن أن يتميز به عن بقية العناصر؛ ولكن كلما غصنا أكثر في مادة الذرة تتلاشى الاختلافات بين عنصر وآخر

4 ـ اصبح معروفا الآن أن نواة الذرة أصغر مائة الف مرة من الذرة نفسها ، أى مثل حجم كرة الجزلف فى مطار هيثرو فى لندن . أى إن الفراغ يحتل معظم مساحة الذرة .بالاضافة الى معرفة مكونات الذرة من الإلكترون ، والبروتون والنيوترون، وأن الإلكترون هو أقل كتلة من البروتون والنيوترون بكثيرـ فقد عرفنا  أن النونيوترونات  تتكون بدورها من الكواركات التي تعد أصغر جزء من المادة.  باستغلال الطاقة داخل الذرة أو الانشطار النووى توصل الغرب الى الأسلحة الذرية وتطوراتها الى اندماجية  وتجميعية .

5 ـ إستحوذ هذا العالم الهائل داخل الذرة على إهتمام العلماء ، فتتابعت نظرياتهم ووصلت الى نظرية الأوتار الفائقة وتفرعاتها . نشأت نظرية الأوتار الفائقة  لنفس عوالم ما وراء أصغر جزء من النواة ، وتنبأت بوجود جسيمات عديمة الكتلة ( طاقة ) تستطيع أن تنطلق بسرعة أكبر من سرعة الضوء ، آى تحتاج لعشر أبعاد بدلاً من الأبعاد الأربعة (ثلاث أبعاد للمكان وبعد زمني) المعروفة للمادة طبقا لنظرية النسبية . وتوصلت ابحاث أخرى فى نظرية الأوتار الفائقة الى كشف قوى جديدة إلى جانب الجاذبية، وهي القوة الكهرطيسية والقوى النووية القوية (المسؤولة عن تماسك النواة في الذرة) والضعيفة (المسؤولة عن النشاط الإشعاعي الذري). لذا أطلقوا على نظرية الأوتار الفائقة ( نظرية الكل )، فقد استطاعت توحيد قوى وجسيمات الطبيعة بشكل واحد ،  فالبروتونات والنيوترونات والالكترونات التي تتكون منها الذرات تتكون من أجزاء أصغر هي الكواركات، تلك الكواركات التي كان يعتقد أنها مادة ، هي وبحسب نظرية الأوتار عبارة عن أوتار أو خيوط صغيرة جداً من الطاقة تهتز بعدة اتجاهات وطرق. كل وتر من هذه الأوتار حجمه صغير جدا مقارنة بالذرة، وكل اهتزاز معين لتلك الأوتار يعطي الجسيم خصائص مختلفة.. فقد يشكل الاهتزاز جزيئا مكونا لذرات المادة أو الطاقة أو الجاذبية...أي أن كل ما في هذا الكون من مادة أو طاقة أو شحنات هي في الواقع أوتار لكنها مهتزة بطرق مختلفة. والفرق الوحيد بين الجسيمات التي تكون مادة الخشب والجسيمات التي تظهر كطاقة الجاذبية هي طريقة اهتزاز تلك الأوتار فقط.   

6 ـ وتنوعت النظريات داخل نظرية الأوتار الفائقة ، وهى :  نظرية الأوتار البوزونية ، وهي أول نظرية أوتار عُرفت، وتتضمن أنساقاً اهتزازية جميعها بوزونات. وهناك 5 نظريات أخرى تتضمنها نظرية الأوتار كالتالي:نظرية الأوتار من النوع I، وهي نظرية تتضمن أوتاراً مفتوحة وأخرى مغلقة.نظرية الأوتار من النوع IIA، هي نظرية تتضمن الأوتار المغلقة والتي لها أنساق اهتزاز تناظر يمين – ويسار.نظرية الأوتار من النوع IIB، تتضمن النظرية الأوتار المغلقة التي لها أنساق اهتزاز لعدم التناظر يمين – يسار.،  نظرية الأوتار (هيتيروتيك– O)، هي نظرية تتضمن أوتاراً مغلقة حركتها الاهتزازية اليسرى الاهتزازات الموجودة في الأوتار البوزونية.نظرية الأوتار (هيتيروتيك – E)، تتضمن أوتاراً مغلقة حركتها الاهتزازية اليمنى تشبه اهتزاز الأوتارII، أما الحركة الاهتزازية اليسرى فهي تشبه اهتزاز الأوتار البوزونية.النظرية– Mهي نظرية توحد النظريات الخمس السابقة في إطار واحد شامل، وتشتمل على 11 بُعداً (زمكانياً– Space-time Dimensions)..

7 ــ ووصلت نظرية الأوتار الفائقة الى إكتشاف أبعاد جديدة فى الكون . هناك أبعاد اربعة نعرفها ، وهى  (الطول، العرض، الارتفاع)، بالإضافة إلى البُعد الرابع (الزمن). أما نظرية الأوتار؛ فهى تنص على أن الكون مُكوّن من «11 بُعداً»، وهو شيءٌ لا يُمكن تخيله. وتنحصر هذه الأبعاد في الأبعاد الثلاثة الرئيسية، والبُعد الرابع (الزمن)؛ وزِدْ على ذلك 7 أبعاد كونية أخرى افتراضية مُثبتة رياضياً، لتتمكن النظرية من تكوين هندسة مُوحدة للكون بأكمله.

8 ـ هذا ـ حسب علمنا ـ منهى ما وصل اليه علم الغرب . أما ما جاء فى القرآن الكريم فقد سبق الغرب بمعلومات ، لو إلتفتوا إليها من قرون لوفروا جهدا ووقتا .

ثانيا : حقائق علم الذرة فى القرآن الكريم :

1 ـ السماوات والأرض فى هذه الدنيا تتكون من ذرات ، والذرة تنقسم . قال جل وعلا :  ( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61) يونس) أصغر من الذرة يعنى أجزاء منها ، وهذه الذرات هى أساس تكوين الأرض والسماوات . وكلها تدخل فى إطار علم الله جل وعلا . وقال جل وعلا : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِوَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3) سبأ ).

وقنا إن للارض ستة مستويات برزخية تعلو أرضنا المادية ، وتعلو برازخ الارض مستويات السماوات السبع بالترتيب ، وكلها تتداخل فى أرضنا وفينا وفى بقية عالمنا المادى من النجوم والمجرات . نظرية الأوتار الفائقة غاصت فيما وراء أقل جزء من الذرة وهو الكوارك ، ومع أنها نظريا جزء من المادة إلا إنها طاقة من خيوط صغيرة جداً تهتز بعدة اتجاهات وطرق. كل وتر من هذه الأوتار حجمه صغير جدا مقارنة بالذرة . أى إن جزءا من الذرة ( أصغر جزء معروف لنا ) هو طاقة . ماذا بعد الكوارك ؟ لا بد لهذا الكوارك من إجزاء وإنقسام ، وأقسام لأقسامه ، وبالتالى ندخل فى عوالم البرزخ التى تتخللنا ، وبالتالى ايضا فالقرآن الكريم سبق الغرب ليس فى إنقسام الذرة فحسب بل فى عمومية هذه الانقسام فى الكون المنظور ( المادى ) والكون غير المنظور ( برازخ الأرض والسماوات ) .

2 ـ يقول جل وعلا : ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) الاسراء ) . نحن أجساد مادية ، تتحرك ، وفى داخل الجسد نفس برزخية تحتل الجسد وتتحكم فيه وتوجهه ، وهى تحب وتكره وتؤمن وتكفر ، وتخطط للخير وللشّر . ما يصدر عن النفس من أحاسيس ، وما يصدر عن الجسد من حركة يتم تسجيله ، أو بالتعبير القرآنى ( ما يطير ) عن الجسد والنفس من عمل وقول وأحاسيس وأفكار لا يضيع بل يتم تسجيله مكتوبا ، يحمله الانسان فى عنقه ويأتى به يوم القيامة ، وبه يتنعم خالدا فى الجنة أو يتعذب خالدا فى النار ، لذا فإن من إهتدى فلنفسه ومن أساء فعلى نفسه ، وهذا ما جاء فى الآية التالية : (مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الاسراء ) . وبالتالى فليس من مهمة الدولة فى الاسلام هداية الناس وإدخالهم الجنة ، ولا وجود فى الاسلام لأكذوبة حد الردة ، أو الإكراه فى الدين .

3 ـ الذى يهمنا هنا أن تسجيل كتاب أعمالنا يتم بالوزن الذرى أو ( المثقال الذرى ) ، وسنرى هذا يوم البعث حين نرى أعمالنا مدونة بالذرة ، قال جل وعلا :  ( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (8) الزلزلة ).

وفى يوم الحساب لا مجال للظلم ولو بمقدار ذرة ، يقول جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (40) النساء) . وعن وزن الأعمال بالميزان الالهى يوم الحساب يقول جل وعلا : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)الانبياء  ).

4 ـ كلمة ( المثقال ) تعنى الوزن ، وتكررت فى الآيات الكريمة السابقة ، ونضيف قول لقمان لابنه وهو يعظه : ( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِأَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) لقمان ) ومنها نستفيد وجود صخور فى برازخ السماوات ، تتكون من اوزان ضئيلة جدا .

ونضيف قوله جل وعلا عن ملكيته لكل هذا العالم المنظور وغير المنظور بكل ذراته:( قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِوَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) سبأ ).

أخيرا

 بالمناسبة : نسأل ( أمة محمد ) : ماذا يملك محمد فى ملكوت الرحمن جل وعلا .؟ أم هو مجموعة ذرات مما خلق الله جل وعلا ؟!!

الغرب والإعجاز العلمى فى القرآن الكريم
هذا الكتاب :
فى البداية كانت مقالات من سنوات عن الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم ، ثم خلال اسابيع تبعتها مقالات أخرى عن الغرب والإعجاز العلمى فى القرآن الكريم . وبإضافة ملاحق من مقالات متصلة بالموضوع يظهر هذا الكتاب بهذا العنوان .
more