رقم ( 4 )
ثالثا : الاسناد يناقض المنهج العلمى

ثالثا : الاسناد يناقض المنهج العلمى
ان الاسناد قضية علمية تتراوح بين الشك والاثبات وليست قضية ايمانية ،ومع ذلك فان الاسناد يناقض المنهج العلمى والتعقل المنطقى .
ان البخارى مثلا عاش فى القرن الثالث الهجرى ومات سنة 256 هـ .اى بينه وبين النبى عليه السلام قرنان ونصف قرن من الزمان.واذا اعتبرنا الجيل اربعين عاما فان بينه وبين البخارى ستة اجيال .( لاحظ ان بينناوبين عصر محمد على اربعة اجيال فقط).فكيف يستقيم فى المنهج العلمى أن تتداول ستة اجيال كلمة ما منسوبة للنبى عبر الروايات الشفهية حتى يأتى من يسجلها بعد النبى بمائتين وخمسين عاما؟ ولنأخذ على ذلك مثلا من أحاديث البخارى ...ونناقشه من حيث الاسناد ومن حيث المتن والموضوع.


ونختار من احاديث البخارى اهونها على عقلية القارئ التى عاشت على تقديس البخارى بسبب اسناد احاديثه للنبى (صلى الله عليه وسلم ).
تحت عنوان ((باب مباشرة الحائض))اورد البخارى احاديث تؤكد ان النبى عليه السلام كان يباشر نساءه جنسيا اثناء المحيض ،ونختار منها هذا الحديث باسناده ((حدثنا اسماعيل بن خليل قال اخبرنا عن بن مسهر ،قال اخبرنا ابوا اسحاق هو الشيبانى عن عبد الرحمن بن الا سود ، عن ابيه عن عائشة قالت :كانت احدنا اذا كانت حائضا فأراد رسول الله (ص)ان يباشرها امرها ان تتزر فى فور حيضتها ثم يباشرها ،قالت :وايكم يملك اربه كما كان النبى (ص) يملك اربه ))(صحيح بخارى بحاشية السندى مكتبة زهران مجلد 1 الجزء الاول ص64 )
والحديث السابق ينقسم الى جزئين السند والمتن :
فالسند هو سلسلة الرواة الذين عن طريقهم تم اسناد الحديث الى النبى (صلى الله عليه وسلم )،وهم ستة: اسماعيل بن خليل الذى حدث البخارى بهذا الحديث وكان فى جيل استاذه البخارى .وقد ذكر ان الذى حدثه بهذا الحديث على بن مسهر الذى لم يره البخارى وعاش فى القرن الثانى ، وهكذا تمتد السلسلة الى ابى اسحق او الشيبانى ،ثم الى عبد الرحمن الاسود،ثم الى ابيه ،ثم الى عائشة أم المؤمنين،التى زعموا انها قالت متن الحديث ونصه .
واولئك الرواة تسلسلوا عبر الزمن ،والبخارى لم ير منهم الا واحدا هو الذى ادعى انه حدثه بذلك الحديث. والرواة الماضون الذين عاشوا فى ازمنة متعاقبة لايوجد دليل على انهم رووا ذلك الكلام ،ويستحيل عقلا بالمنهج العلمى اثبات صدقهم فى نقل تلك الرواية شفهيا عبر قرنين ونصف قرن من الزمان الملئ بالفتن والاضطرابات،وعبر ستة اجيال اختلفت ظروفهم .وحتى لو تخيلنا انهم جميعا عاشوا فى نفس الزمن ونفس الجيل فان احتمال الكذب والنسيان والاضطراب وارد فى النقل الشفهى لتلك الرواية عبر ستة اشخاص خلال اربعين عاما ،بل خلال اربعين يوما بل ربما خلال اربعين ساعة .وهذا واقع فى الحياة العملية حين نتداول قصة حدثت فى يوم وليلة ،فيلحقها التغيير والتبديل ،طالما رواها اكثر من راوى ،وكل منهم يضفى عليها من عنده بحيث تختلف عن الاصل ،فكيف بمئات الالوف من الاحاديث اسندوها للنبى (صلى الله عليه وسلم )بعد موته بقرون ؟
وحقائق التاريخ فى العلم المسمى بعلم الحديث تؤكد ان اختراع الاسناد تم فى القرن الثانى الهجرى ،حيث تكاثرت الروايات الشفهية وتكاثر الكذب فيها ،فاشترطوا اسنادها عبر رواة سابقين كانوا ماتوا قبلها فيما بين منتصف القرن الثانى الى عصر النبى (صلى الله عليه وسلم )،اولئك الرواة المذكورون الموتى لم يكن لهم علم بذلك الذى اسندوه اليهم من روايات .وعليه فقد تبارى العلماء فى عصر التدوين ،فى بداية عصر المأمون فى تسجيل اسماء رواة كيفما اتفق .وهذا ما تواصلنا اليه خلال ابحاث متخصصة . ثم وقعوا فى النزاع والاختلاف فى تعديل ذلك الراوى او تجريحه ،تبعا للاختلاف المذهبى والهوى الشخصى بحيث يقول الذهبى فى كتابه المشهور فى " الجرح والتعديل " { ميزان الاعتدال } : " ما اجتمع علماء هذا الشأن على تعديل ضعيف أو تضعيف ثقة " . وقد تأسس علم الحديث والجرح والتعديل على اساس الاختلافات الفقهية والعقيدية والفكرية بين المسلمين فى العصر العباسى وما تلاه.
ونعود الى البخارى فى باب ((مباشرة الحائض ))ونقرر ان متن هذا الحديث قد تكرر فى عدة احاديث اخرى ،تنسب للنبى (صلى الله عليه وسلم ) انه كان يباشر نساءه فى المحيض ،وكلها احاديث كاذبة لانها تنسب للنبى عليه السلام انه يخالف القرآن،اذ يقول تعالى: ((يسألونك عن المحيض قل هو اذى ،فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ،فاذا تطهرن فأتوهن من حيث امركم الله ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين:البقر 222 )) أى أنهم سألوا النبى(صلى الله عليه وسلم ) عن المحيض ، وانتظر النبى (صلى الله عليه وسلم)الاجابة من السماء فنزلت الاية تؤكد على اعتزال النساء جنسيا فى المحيض وعدم الاقتراب منهن بعد حتى يطهرن،ثم يبيح الاقتراب منهن بعد الطهر .
وهنا تناقض جلى بين الاية الكريمة وحديث البخارى الذى جاء ضمن أحاديث أخرى تحن عنوان جنسى مثيريقول " باب مباشرة الحائض".فالقرآن يؤكد ليس فقط على اعتزال النساء فى المحيض ـ ومفهوم انه الأعتزال الجنسى وليس الخصومة والشقاق ـ وانما يؤكد ايضا على عدم الاقتراب منهن جنسيا بأى كيفية. والبخارى يؤكد فى أحاديثه على أن النبى كان لا يعتزل نساءه جنسيا فى المحيض .وليس هناك من حل وسط بين القرآن والبخارى فى هذه القضية ، بحيث انك اذا امنت بالقرآن فعليك بتكذيب البخارى ،اما اذا امنت بحديث البخارى فأنت بالتالى تكذب بالقرآن . ومن هنا كان تأكيد الله تعالى فى القرآن على الايمان بحديث القرآن وحده،وما عداه ليس محلا للايمان ،وانما هو قضية علمية قائمة على الشك،والحقائق فيها نسبية وليست مطلقة مثل حقائق الايمان ،وبالتالى فان تصديق الاسناد هو الذى يجعلها قضية ايمانية بالتزوير .
وعموما فان علم ((الجرح والتعديل))انصب اساسا على فحص الاسناد او سلسلة الرواة ،دون اهتمام يذكر بفحص المتن او موضوع الحديث نفسه ،وقام فحص الاسناد على اساس الهوى المذهبى والشخصى فلم يحدث اطلاقا ان اتفقوا على ان ذلك الراوى ثقة او انه ضعيف ، لان من يمتدحه أهل السنة يهاجمه الشيعة وهكذا بين سائر الطوائف والفرق ،ونتج عن ذلك الاختلاف فى الحكم على كل راو فى سلسلة الاسناد ان صارت الاحكام نسبية ، حتى داخل كل فرقة او مذهب .
وبالتالى قسموا الاحاديث حسب درجتها من الثقة والصحة الى قسمين كبيرين.
(1 )الاول الحديث المتواتر وهو صحيح بدرجة مائة فى المائة ،وقد اختلفوا فيه ،فقال بعضهم انه لايوجد اصلا حديث متواتر مقطوع بصدقه ،وقال بعضهم انه يوجد حديث متواتر واحد وهو حديث ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ))وقال بعضهم انه حديث متواتر ولكنه يخلو من كلمة متعمدا .ورأى بعضهم ان الحديث المتواتر ثلاثة فقط ،وارتفع بعضهم بالاحاديث المتواترة الى خمسة او سبعة .
(2 ) اما القسم الثانى من الاحاديث فهى الاحاديث الآحاد . وقد قالوا بأن كل الاحاديث المذكورة فى كتب الاسانيد (السند) هى احاديث آحاد، اى رواها واحد عن واحد .وهى تفيد الظن ولا تفيد اليقين ، لأن اليقين لايكون الا فى آيات القرآن. وقالوا ان احاديث الآحاد يمكن العمل بها اذا ترجح صدقها او اذا اتفقت مع اية قرآنية. ومع هذا فانه فى عصرنا ـ حيث النفوذ السلفى القائم ـ لن تجد شيخا سلفيا جريئا يشكك فى البخارى على اساس ان احاديثه ظنية تحتمل الكذب كما تحتمل الصدق شأن كل المرويات البشرية التراثية.
ونعود الى الاسناد فى أحاديث الآحاد وقد قسموا احاديث الآحاد (وهى كل الاحاديث فى رأينا ) الى درجات من حيث الصحة من حسن وغريب وضعيف الخ ..
وهو بلاشك تقسيم مضحك لانه يعنى بالنسبة للسند للنبى (صلى الله عليه وسلم) أنه قال هذا الحديث بنسبة 70 % او قال ذلك الحديث بنسبة 50 %أو 10 % . وذلك لايستقيم مع المنهج العلمى ،لانه اما أن يكون النبى (صلى الله عليه وسلم)قد قال ذلك الكلام ،فتكون نسبة اسناده للنبى (صلى الله عليه وسلم)هى 100 %،واما أن يكون النبى لم يقل هذا الحديث فتكون نسبة اسناده للنبى (صلى الله عليه وسلم)هى صفر فى المائة،ولا توسط بين هذا وذاك .
وبالتالى فان المنهج العلمى يستحيل معه اسناد ذلك الكلام للنبى بعد ستة اجيال من الروايات الشفهية ،وبعد ان تم اختراع تلك السلاسل من الرواة بعد موت اصحابها بعشرات السنين دون أن يعرفوا عنها شيئا . والمنهج القرآنى يتفق مع المنهج العلمى فى ذلك.