رقم ( 3 )
ثانيا : الاسناد قضية علمية

ثانيا : الاسناد قضية علمية 
منذ عشر سنوات تقريبا جائنى صديق منزعج ، قال أنه فوجئ ببلدته بالصعيد وقد سيطر عليها الشباب السلفى واعادوها لما كان عليه السلف،ومن ذلك انهم اوجبوا على العريس ليلة الدخلة ان يحمل عروسه الى بيته وهى داخل زكيبة او شوال،لان ذلك ماجاء فى السنة والاحاديث...فقلت له انهم قرءوا خطأ ذلك الحديث القائل بأنهم كانوا يدخلون بالنساء فى شهر شوال . وكانت نكتة هائلة . وعاد صديقى الى اهل بلدته فى الصعيد وقرأ لهم الحديث بالتشكيل الصحيح، وانقذ بذلك بنات القرية من تجربة التعبئة فى الاشوال والزكائب....الا ان مشكلته معى لم تنته.


لان صديقى اصبح يعتقد بوجوب ان يتم الزفاف فى شهر شوال دون غيره من الاشهر،طالما ان اسناد الحديث صحيح للنبى حسب اعتقاده. وسئمت من النقاش معه فى موضوع الاسناد ، فقلت له اخيرا:اذن انت تؤمن بأن النبى(صلى الله عليه وسلم)قال ذلك الحديث فعلا ؟ فقال فى ثبات : نعم . قلت له: وهل تقسم بالطلاق من زوجتك أن النبى قال ذلك؟ عندها بهت وسكت ولم يرفع رأسه...قلت له:هل لو قرأت عليك سورة((قل هو الله احد))وطلبت منك ان تقسم بالطلاق ان الله تعالى قال ذلك وانها من القرآن،هل ستفعل ؟قال نعم ..قلت له : هذا هو الفرق بين القرآن وأحاديث التراث .
اذا جاء احد بآية قٌرآنية فلن تطالبه ببرهان او اسناد ،طالما تؤمن بالقرآن وهو محدد بالسور والآيات ،اما اذا قيل لك حديث منسوب للنبى(صلى الله عليه وسلم )فات من حقك ـ بل من واجبك ـ ان تسأل عن اسناده او عن دليل نسبته للنبى (صلى الله عليه وسلم) . فالقرآن قائم على اساس الايمان ،اما الحديث المنسوب للنبى فهو قائم على الشك . ولعلاج هذا الشك اخترعوا الاسناد،اى ان ذلك الحديث رواه فلان عن فلان...الخ حتى النبى لإثبات أن النبي قال ذلك الحديث ، اذ كان الاسناد صحيحا ، أو لم يقله اذا كان الإسناد ضعيفا . وفى عصرنا لم يعد أحد يهتم اذا كان الاسناد صحيحا او ضعيفا ، فيكفى أن يقال قال رسول الله ليصدق الناس فورا أن النبي قال فعلا هذا الكلام . ونرجع للإسناد الذى يؤكد أن الحديث مثل جدار يريد ان ينقض ويقع فيقوم ((الاسناد)) باسناده حتى لايسقط ولا ينهار...فالقرآن قضية ايمانية اما الحديث فليس قضية ايمانية ،وانما هو قضية علمية عندهم ،تدخل فى باب البحث والاجتهاد وليس فى قضايا العقيدة واليقين،ولذلك اختلف علماء الجرح والتعديل فى مدح راو او تجريحه، وفى اثبات حديث ما او نفيه،فالامام مسلم فى صحيحه لم يكتف بما قاله البخارى استاذه ولم يأخذ بكل أحاديثه ولم يترك ما تركه البخارى من احاديث ،فجاء صحيح مسلم مختلفا عن صحيح البخارى ، ثم جاء الحاكم فأستدرك على البخارى ومسلم ،وقبلهم جميعا كان احمد بن حنبل مختلفا فى مسنده ثم جاء المتأخرون اكثر اختلافا.ولانها قضية علمية عندهم تقوم على الاختلاف فى وجهات النظر فان احدا لم يحكم بتكفير أحد...اذ هى امور ظنية بحثية انسانية وليست امور العقيدة والدين ....اما القرآن فهو محل الايمان والتصديق لكل مسلم،ولذلك فان الله تعالى يؤكد فى آيتين ان الحديث الوحيد الذى ينبغى ان نؤمن به وحده هو حديث الله تعالى فى القرآن الكريم((فبأى حديث بعده يؤمنون: الاعراف185 ،المرسلات50 )) بل أكثر من ذلك يجعل الله تعالى الايمان به وحده الها لاشريك له قرينا بالايمان بحديث فى القرآن وحده دون غيره، يقول تعالى ((تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأى حديث بعد الله واياته يؤمنون ،ويل لكل افاك اثيم ،يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كان لم يسمعها فبشره بعذاب اليم:الجاثية 8:6 )) 
وفى الوصية الاخيرة من الوصايا العشر فى القرآن الكريم يقول تعالى عن القرآن((وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ،ولا تتبعوا السبيل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون :الانعام153 ))
فالقرآن اتى من الله تعالى طريقا مستقيما لنتبعه وحده ،ولا نتبع الطريق والسبل الاخرى حتى لا نقع فى الاختلاف . وفى هذه الاية الكريمة تأكيد على أن القرآن هو المصدر الوحيد للاسلام،فالطريق المستقيم لايكون الا واحدا وحيدا، وحيث أن الخط المستقيم لا يتعدد فهو أقصر الطرق التى توصل بين نقطتين . اما الطرق الاخرى فتقوم على الاختلاف والظن والريب ،ومن المعلوم ان الروايات والاسانيد لها طرق وسبل متفرقة .ويؤكد علماء الحديث أنها كلها ظنية ،او كما يقول الله تعالى عن القرآن وغيره من الطرق والسبل((وان تطع أكثر من فى الارض يضلوك عن سبيل الله أن يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون:الانعام 116 ))وهذا خطاب للنبى (صلى الله عليه وسلم )نفسه أنه اذا اطاع أكثرية البشر اضلوه عن القرآن وابعدوه عنه حيث يتبعون الظن والاوهام .
وهكذا فان النبى (صلى الله عليه وسلم)يتبع القرآن وحده.وبذلك تتابعت الاوامر للنبى عليه السلام ولنا عن القرآن((كتاب انزل اليك فلا يكن فى صدرك حرج منه لتنذر به،وذكرى للمؤمنين ،اتبعوا ما انزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه اولياء:الاعراف 2 : 3 )فهناك امر ونهى ،امر باتباع القرآن ونهى عن اتباع غيره.حيث انه وحده الذى لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،وحيث كان النبى متبعا للقرآن وحده،وحيث كان خلقه القرآن... وحيث سيتم حساب البشر جميعا يوم القيامة ـومنهم الانبياء ـ على اساس الكتب السماوية وحدها.والكتاب السماوى واحد فى اساسياته،مهما اختلفت اللغات والظروف .وليس فى اى كتاب سماوى ماكان يعرف بالاسناد،وانما هو كلام الحق تعالى،ان شئت آمنت به وان شئت لم تؤمن ،وحسابك عند ربك يوم القيامة.