رقم ( 3 )
الفصل الثانى : لمحة عن ملك اليمين فى تاريخ المسلمين

الفصل الثانى : لمحة عن ملك اليمين فى تاريخ المسلمين

 

 ملك اليمين فى دولة الخلفاء الراشدين والفتوحات العربية

  ( ملك اليمين ) فى الدولة الاسلامية :

1 ـ الدولة الاسلامية التى أسسها النبى محمد عليه السلام كانت تقوم على :

مقالات متعلقة :

1/ 1 :( السلام ) : (مع الخارج ) كما أوضحنا فى تشريع القتال فى الاسلام ، وبالتالى فلا إعداء ولا ظلم ولا سبى ولا سلب . والسلام ( فى الداخل ) فالمواطن داخل الدولة هو المسالم حتى لو كان مدمنا على العكوف على الأوثان رافضا دعوة الاسلام ( الحج 30 ، المائدة 90 : 92) وحتى لو كان معاديا للدولة وللاسلام معارضا لها بدون أن يحمل سلاحا كالمنافقين .

1 / 2 : العدل والذى يتضمن المساواة بين كل المواطنين بغض النظر عن المكانة الاجتماعية والاقتصادية والذكورة والأنوثة فالأفضلية بالتقوى، وهذا سيحدده رب العزة جل وعلا يوم القيامة ( الحجرات 13 ) .

1 / 3 : الحرية ( الدينية والسياسية ) . وهنا تتداخل الحرية مع مفهوم المواطنة ، ويتجلى هذا فى حرية الفرد المطلقة فى الدين ( عقيدة وشعائر ودعوة ) وحرية الفرد السياسية ليس فقط فى المعارضة وإعلان الرأى بل أيضا مشاركته فى الديمقراطية المباشرة وكونه عضوا فاعلا فى الدولة . والأساس الاسلامى العقيدى هنا هو أن الجميع ( عباد الله ) أو ( عبيد الله ) ولا رب لهم إلا الله ، ولا سيد لهم إلا الله جل وعلا ، وأنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ( النساء  59 ) . وبالتالى فإنه لا يجوز إسلاميا أن ( يتعالى ) فرد على الآخرين بأن يكون حاكما ( القصص: 83  ) لأن المجتمع هو الذى يحكم نفسه بنفسه فى آلية للشورى أو الديمقراطية المباشرة ، وقد أوضحناها فى بحثين بالانجليزية والعربية .

2 ـ فى هذه الدولة الاسلامية يتمتع ( ملك اليمين ) بنفس الحقوق فى المواطنة وحرية الدين والحرية السياسية ، شأن الجميع . وفى هذا الاطار نزلت تشريعات القرآن الكريم عن ( ملك اليمين ) .

3 ــ وهذه التشريعات تم طمسها فى خلافة أبى بكر ، بدءا من حرب الردة ، ثم الفتوحات .

خامسا : إرتباط السبى ( الاسترقاق ) بحروب العرب فى حرب الردة والفتوحات بدءا من خلافة ابى بكر

1 ـ   تشريعات الاسلام فى القتال الدفاعى توجب المنً على الأسير المحارب بإطلاق سراحه مجانا أو بتبادل الأسرى (فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ) 4  محمد )، وإقرأ أيضا : ( التوبة 6 ، الانفال  68 : 71 ، النساء  94 ). ولا قتل للأسير فى الاسلام ، وهناك بحث ينتظر الاستكمال والنشر فى نقد روايات ابن اسحق فى السيرة عن قتل الأسرى .

2 ـ وكانت العادة فى الفتوحات العربية ثم فى الحروب التالية لها ــ حتى بين المسلمين ــ هى قتل الأسرى العاديين ، والإبقاء على القادة للمتاجرة بهم . هذا مع الأسرى المحاربين . أما غير المحاربين من النساء والأطفال ( من المدنيين ) فكان يتم إسترقاقهم حسب الظروف . كان الاسترقاق والسبى عادة فى الغارات فى الجاهلية ، أوقفها الاسلام حين أشاع السلام ( الاسلام السلوكى ) ودخل الناس فى دين الله جل وعلا أفواجا. ثم عاد السبى سريعا فى حرب الردة ، وفقا للروايات التاريخية ، ثم كان التوسع فى السبى فى الفتوحات بحيث أصبح الحصول على الجميلات ضمن أهداف الحروب.ونستشهد ببعض ما أورده ابن الأثير فى ( تاريخ الكامل ) فى خلافة أبى بكر عام 12 هجرية ، ونركز فى روايات الفتوحات على الفقرات التى تتحدث عن الاسترقاق أو السبى   .

3 ـ تحت عنوان ( ذكر ردة أهل عمان ومهرة ) :يقول : ( قد اختلف في تاريخ حرب المسلمين هؤلاء المرتدين، فقال ابن إسحاق: كان فتح اليمامة واليمن والبحرين وبعث الجنود إلى الشام سنة اثنتي عشرة..أنه بلغ خالد بن الوليد أن ربيعة بالمصيخ والحصيد في جمع من المرتدين ، فقاتله ، وغنم وسبى ، وأصاب ابنة لربيعة فبعث بها إلى أبي بكر، فصارت إلى علي بن أبي طالب. ) . هنا سبى للذرية والنساء ، وقد ارسل خالد بهذا السبى الى أبى بكر . وكانت عادة ( على بن أبى طالب ) بعد موت زوجته فاطمة الزهراء أن يقتنص الفرصة ليشترى ( ما طاب ) له من نساء السبى ويدفع من نصيبه من فلوس الغنائم . وقد تكاثر أبناؤه من السبايا ، وقُتلوا جميعا فى كربلاء . هذا مجرد مثال من حروب الردة . فماذا عن الفتوحات فى العراق ؟

4 ـ تحت عنوان : ( ذكر وقعة الثني ) يقول (  ... وقتل من الفرس مقتلة عظيمة ، يبلغون ثلاثين ألفاً سوى من غرق ومنعت المياه المسلمين من طلبهم. وقسم الفيء وأنفذ الأخماس إلى المدينة وأعطى الأسلاب من سلبها، وكانت الغنيمة عظيمة، وسبى عيالات المقاتلة، وأخذ الجزية من الفلاحين وصاروا ذمةً. وكان في السبي أبو الحسن البصري، وكان نصرانياً ..)  . الأخماس الى الغنائم التى كانت تُرسل الى الخليفة ومعها طوابير السبى من النساء والأطفال . تخيل معاناتهم فى السير من العراق والشام ومصر وشمال أفريقيا الى أن يصلوا الى المدينة . هذا الظلم لا يرضى به إلا الشيطان . لذا فإن هذه الفتوحات هى فى سبيل الشيطان .

5 ـ ( ذكر وقعة الولجة ) : (  ... فانهزمت الأعاجم، وأخذ خالد من بين أيديهم والكمين من خلفهم فقتل منهم خلقاً كثيراً، ومضى الأندرزعز منهزماً فمات عطشاً، وأصاب خالد ابناً لجابر بن بجير وابناً لعبد الأسود من بكر بن وائل، وكانت وقعة الولجة في صفر، وبذل الأمان للفلاحين، فعادوا وصاروا ذمةً، وسبى ذراري المقاتلة ومن أعانهم. ).

6 ـ  (.ذكر فتح عين التمر ) ( لما فرغ خالد من الأنبار استخلف عليها الزبرقان بن بدر وسار إلى عين التمر وبها مهران بن بهرام جوبين، في جمع عظيم من العجم، وعقة ابن أبي عقة في جمع عظيم من العرب ... وسار عقة إلى خالد فالتقوا، فحمل خالد بنفسه على عقة وهو يقيم صفوفه، فاحتضنه وأخذه أسيراً وانهزم عسكره من غير قتال فأسر أكثرهم. فلما بلغ الخبر مهران هرب في جنده وتركوا الحصن، فلما انتهى المنهزمون إليه تحصنوا به، فنازلهم خالد، فطلبوا منه الأمان، فأبى، فنزلوا على حكمه، فأخذهم أسرى ، وقتل عقة ، ثم قتلهم أجمعين ، وسبى كل من في الحصن وغنم ما فيه، ووجد في بيعتهم أربعين غلاماً يتعلمون الإنجيل، فأخذهم فقسمهم في أهل البلاء، منهم: سيرين أبو محمد، ونصير أبو موسى، وحمران مولى عثمان. وأرسل إلى أبي بكر بالخبر والخمس. )
 7 ـ ( ذكر خبر دومة الجندل ) : ( ولما فرغ خالد من عين التمر أتاه كتاب عياض بن غنم يستمده على من بإزائه من المشركين، فسار خالد إليه ... وانهزموا إلى الحصن، فلما امتلأ أغلقوا الباب دون أصحابهم فبقوا حوله، فأخذهم خالد فقتلهم حتى سد باب الحصن، وقتل الجودي وقتل الأسرى إلا أسرى كلب، فإن بني تميم قالوا لخالد: قد أمناهم، وكانوا حلفاءهم، فتركهم. ثم أخذ الحصن قهراً ، فقتل المقاتلة وسبى الذرية والسرح فباعهم، واشترى خالد ابنة الجودي، وكانت موصوفةً. ) أى موصوفة بالجمال .

8 ـ (.ذكر وقعة الثني والزميل ): ( وكان ربيعة بن بجير التغلبي ... قد خرج غضباً لعقة وواعد روزبه وزرمهر والهذيل، ولما أصاب خالد أهل المصيخ واعد القعقاع وأبا ليلى ليلة، وأمرهما بالمسير ليغيروا عليهم، فسار خالد من المصيخ، فاجتمع هو وأصحابه بالثني فبيتهم من ثلاثة أوجهٍ كما فعل بأهل المصيخ ، وجردوا فيهم السيوف، فلم يفلت منهم مخبر، وغنم وسبى وبعث بالخبر والخمس مع النعمان بن عوف إلى أبي بكر، فاشترى علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، بنت ربيعة بن بجير التغلبي، فاتخذها فولدت له عمر ورقية. )

9 ـ (  ذكر مسير خالد بن الوليد من العراق إلى الشام ) : (لما رأى المسلمون مطاولة الروم استمدوا أبا بكر، فكتب إلى خالد بن الوليد يأمره بالمسير إليهم...وقيل: إنما أمره أبو بكر أن يأخذ أهل القوة والنجدة، فأتى حدوداء فقاتله أهلها فظفر بهم، وأتى المصيخ وبه جمع من تغلب فقاتلهم وظفر بهم وسبى وغنم. وكان من السبي الصهباء بنت حبيب بن بجير، وهي أم عمر بن علي ابن أبي طالب، وقيل في أمرها ما تقدم. ) ( فقتل المسلمون مغنيهم وسال دمه في تلك الجفنة وأخذوا أموالهم ، وقتل حرقوص بن النعمان البهراني. ثم أتى أرك فصالحوه، ثم أتى تدمر فتحصن أهله ثم صالحوه، ثم أتى القريتين فقاتلهم فظفر بهم وغنم، وأتى حوارين فقاتل أهلها فهزمهم وقتل وسبى ..  ثم سار فأتى مرج راهط فأغار على غسان في يوم فصحهم فقتل وسبى، وأرسل سرية إلى كنيسة بالغوطة فقتلوا الرجال وسبوا النساء وساقوا العيال إلى خالد. )

10 ـ ابن الأثير إختصر تاريخ الطبرى . وتاريخ الطبرى ملىء بالروايات والتفصيلات . وفى رواياته عن   الردة والفتوحات تتوالى السطور عن قتل آلاف الأسرى وسبى مئات الألوف من الأطفال والنساء من عائلات المقاتلين الذين وقفوا أبطالا يدافعون عن أوطانهم وأهاليهم ، ثم كان خالد يحقن دماء الفلاحين ويجعلهم ( أهل ذمة ) يستغلهم فى الزراعة لصالح قريش .

11 ـ قريش لم تعايش الاسلام سوى سنوات ، وقبل أن تدخل فى الاسلام كان لها تاريخ أسود فى إضطهاد النبى والمسلمين وطردهم من مكة وحربهم فى المدينة ، ثم دخلوا متأخرين فى الاسلام حرصا على مصالحهم بعد أن دخل الناس أفواجا فى دين الله ( السلام بمعنى الاسلام الظاهرى السلوكى ) . وبمجرد موت النبى عاد لقريش نفوذها فى خلافة أبى بكر . وصمم أبوبكر على أن يدفع العرب الزكاة له ، وهى فى عهد النبى عليه السلام كانت تطوعا بحيث أن رب العزة جل وعلا منع النبى أن يأخذ صدقات من المنافقين ( التوبة 53 : 54 )، وكانت العادة فى دولة الاسلام أن تقوم القبيلة بجمع الصدقات وتوزيعها على مستحقيها داخل القبيلة . التغيير الجديد بتعيين حاكم ( خليفة ) وأن يقوم هذا الخليفة بالجباية أثار العرب فإشتعلت حرب الردة ، وتكاتفت قريش فى حرب الردة ، وقادها قرشيون لم تكن لهم سابق صحبة بالنبى محمد عليه السلام . وبإخماد حركة الردة كان لا بد لقريش من توجيه قوة العرب الحربية الى الخارج ، فكانت الفتوحات قادتها قريش ـ دون الأنصار ـ وإستفادت بها قريش دون الجنود العرب ، لذا كانت الفتنة الكبرى حركة مسلحة من الأعراب ضد إستئثار قريش بكنوز البلاد المفتوحة .

12 ـ هذا يتناقض مع الإسلام . وهذا هو الذى طمس تشريع الاسلام فى القتال وفى ( ملك اليمين ) بل وصل الطمس الى تغيير مصطلحات القرآن فى هذا الشأن .

  


التعليقات (4)

  تعليق بواسطة  داليا سامي    في   الإثنين 25 يوليو 2016

[82564]


عن ملك اليمين 2



دكتور احمد فى قول حضرتك( فى هذه الدولة الاسلامية يتمتع ( ملك اليمين ) بنفس الحقوق فى المواطنة وحرية الدين والحرية السياسية ، ) مين البيعتبروا ملك يمين فى الدولة الاسلامية.؟. ..وهل التشريعات الخاصة بملك اليمين فى القرآن الكريم كانت خاصة بما كان قبل الاسلام ولكن حرم الاسلام بعد ذلك ان يتم الاعتداء واخذ اسري ومنهم جواري وعبيد كما فهمت من المقال ؟
ثانيا / استئذن حضرتك بتوضيح معني الاية الكريمة(ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم ) صدق الله العظيم ..
وشكرا جزيلا لحضرتك

  تعليق بواسطة  Ben Levante    في   الإثنين 25 يوليو 2016

[82566]

رأي القرآن في ملك اليمين و تعريفه له


السلام عليكم

أرى من الواجب قبل الدخول في متاهات الارث التاريخي الاسلامي، الاتفاق على تعريف بعض التعابير والاجابة على بعض الاسئلة. عندي أسئلة أبحث عن جواب لها منذ زمن بعيد عما يخص (ملك اليمين أو مملوكوا اليمين).

مع افتراض أن القرآن يتكلم عن بشر، ناس
أولاً: من هم هؤلاء مملوكوا اليمين حسب تعريف القرآن لهم؟

ثانيا: كل شيء له مصدرة أو منبعه، فما هو المصدر أو ما هي المصادر التي كانت تمول الناس بمملوكي اليمين، أي حتى يصبحوا مالكي يمين؟

ثالثا: هذه المصادر كانت موجودة قبل الاسلام، فهل بقيت بعد نزول القرآن معترف بها أو بأحدها؟ أنا أسأل هنا عن رأي القرآن وليس عما كان سائدا. علما بأن جميع الممالك والدول الغير اسلامية أيضا والتي كانت موجودة، وحتى القرون الوسطى كانت تتعاطى القرصنة والاستعباد والسبي و و.

رابعا: هل المعاملة بالمثل هنا مسموح بها؟ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ ﴿النحل: ١٢٦﴾  الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴿البقرة: ١٩٤﴾.
علما بأن الاعتداء يأتي من الرجال المحاربة وليس من المدنيين.

 

  تعليق بواسطة  آحمد صبحي منصور    في   الإثنين 25 يوليو 2016

[82571]


أكرمكم الله جل وعلا وجزاكم عنى خير الجزاء



معظم هذه الأسئلة ستأتى الاجابة عليها فى المقالات القادمة عن ملك اليمين.
أما بالنسبة لموضوع الأسرى ومعاملة الأسير فى ارسلام فقد جاء عنه مقال . نعيد التذكير به:
إقرأ فى موقع أهل القرآن
 : فى  إثبات أن داعش أعدى أعداء الاسلام ) :
معاملة الأسير فى الاسلام ) ( آحمد صبحي منصور في الخميس 05 فبراير 2015
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=12939


  تعليق بواسطة  الشيخ احمد درامى     في   الثلاثاء 26 يوليو 2016

[82576]

 

تعليق بواسطة الشيخ أحمد درامي

 

شكرا يا أستاذي على هذا " البيان والتبيين". أكيد أنه لا السبي في القتال الجهادي. الغنيمة لا تشمل أهالي المعتدين وذراريهم، لقوله تعالى: (واعلموا أن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه....). في قوله س.ت.(من شيء) دليل على أن الغنائم تقتصر على الأشياء، ولا تصل إلى الأشخاص. لا يحل في الإسلام جعل بني آدم غنيمة.

وقد بين الله س.ت هذا المنعى في سورة [الأحزاب: 27] حيث قال: (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم...) فقط. ولم يقل: وأهاليهم وذراريهم. لأن بني آدم لا يكون غنيمة في دين الله جل وعلا.

لذا تساءل المسلمون كيف يفعلون بيتامى المقتولين من المعتدين (أي الأرامل) إذا أخذوا الأرض والديار والأموال؟ فأوصى الله س.ت. بالإحسان إليهن؛ وعدم أخذ كل شيء وتُتركْن بلا مؤن ولا مأوى. فقال تعالى:(فيالدنيا والآخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم.)

هناك فرق بين اليتامى (الأرامل). إذ لم يرد لفظ (أرملة) في القرآن بل اتاهن رب العزة اسم (اليتامى) أما " المستضعفين من الولدان" هم الأيتام. أي الذين فقدوا أباءهم أو أحدهم قبل البلوغ.

والأيتام (او الأرامل) لا يجوز زواجهن بمجرد ملك اليمين دون ما كتب لهن من الصداق. وقال تعالى:(ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما.)وحتى في قوله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا.) (ما تاب لكم). ف(ما) للعدد أي العدد الذي تاب لكم من الأرامل. ذلك لكثرة اليتامى (أرامل الصحابة) اللواتي قتل أزواجهن في الجهاد القتالي. وأوشك ان تشيع الفاحشة في المجتمع الإسلامي فأتى الله س.ت. بعلاج طارئ ((circonstancielleلظروف معينة. فأجاز زواج ارملتي شهيد دفعة واحدة، بعد فترة التربص،  فيكون زواج مثنى (أي اثنتان معا)؛ وزواج ثلاث أرامل شهيد دفعة واحدة، فيكون زواج ثُلاث؛ وكذلك الحال لأربع أرامل شهيد. ومن خاف ألا يستقيم (أي لا يعتدل) تحت عبء التكاليف، فليكتفي بالواحدة التي عنده. "ذلك أدنى ألا يعولوا) بعيال لا يطيقونها. الله أعلم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ملك اليمين : الاسترقاق والتجنيد العسكرى

مقدمة :

1 ـ ليس فى الاسلام ـ دين السلام ـ ودولته المسالمة ـ تجنيد إجبارى إلزامى ، ومثل سائر العبادات فالقتال الدفاعى فريضة يلتزم بها المؤمن القادر إبتغاء وجه ربه جل وعلا ، وليست هناك عقوبة دنيوية توقعها الدولة الاسلامية على ترك الصلاة أو الصيام أو الحج أو الصدقة أو قراءة القرآن أو ذكر الله جل وعلا ، أو الجهاد فى سبيل الله جل وعلا بالأنفس والأموال . وكان المنافقون يتخلفون عن فريضة القتال الدفاعى، قال جل وعلا عنهم  : ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)التوبة). وكانت عقوبتهم هى منعهم مستقبلا من شرف القتال الدفاعى ، يقول جل وعلا : ( فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) البقرة ) .

2 ـ وقتها ـ فى العصور الوسطى ـ تداخل الاسترقاق مع التجنيد الحربى فى دول الاستبداد والاعتداء ، بل أصبح هناك ما يمكن تسميته بالاسرقاق الطوعى . 

 3 ـ تأسست فى المناطق النهرية دول مستقرة ، يحكمها مستبد فرعونى ، معه جيشه ورجال دينه الأرضى وحكومته ، وهم يمتلكون ـ أو يسترقون ـ الشعب العامل فى الزراعة وخدمة المستبد وقومه . فرعون موسى خيرمثال ، وهو الذى نادى فى قومه فقال : (يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) الزخرف ). وطالما يملك الأرض فهو يملك من يزرعها ، فالشعب هنا رقيق للفرعون .

هذه الدول النهرية المستقرة فى  مصر وايران والهند والصين كانت تتعرض وقت ضعفها الى غزوات من القبائل الصحراوية والرعوية التى تحترف القتال ، والقبيلة  فيها هى الجيش المتحرك والدولة المتحركة . كان هذا حال القبائل فى الجزيرة العربية والقبائل التركية والتترية والمغولية ..الخ .. فى أواسط آسيا حيث السهول الرعوية الواسعة والخيول السريعة والقتال اليومى بين قبائل شتى ، وحين تتحد تتكون منها إمبراطوريات ( مؤقتة ) وشاسعة تتوسع فى ( العالم القديم ) ودول الأنهار كما فعل العرب والتتار والعثمانيون. ثم لا يلبث أن ينضب معينها من الجنود ، ويثور النزاع على السلطة بين الورثة وتنقسم  وتسقط لترثها قوة أخرى ، تتوسع ويختلف الورثة وتتقسم وتسقط ، وهكذا تتكرر الدورة . وعلى هامشها يجرى الاسترقاق لسدّ النقص فى الجنود ، ويكون الاسترقاق طوعا حينا ، وشراءا أحيانا .

ونعطى لمحة سريعة :

أولا :

 الرقيق فى خدمة المستبد 

1 ـ بدلا من التقاتل بين القبائل العربية قامت قريش بتجميع العرب وحشدهم لغزو وإحتلال البيئات النهرية تحت شعار الاسلام والجهاد ، وفى أقل من قرن من الزمان وصلوا الى تخوم الصين شرقا وجنوب فرنسا غربا .

2 ـ كان العرب هم الجنود ، وفى الدولة الأموية تم تجنيد غير العرب من الموالى ، ومن العبيد التابعين للسادة العرب  . ثم توسعت الدولة العباسية فى تجنيد الفرس ( الموالى ) ، وحدث تنافس بين العرب والفرس ظهر فى الصراع بين الأمين والمأمون ، وانتصر الفرس .

3 ـ الخليفة المعتصم العباسى ( 218 : 227 ) بدأ ظاهرة جديدة هى شراء الشباب الأتراك من أواسط آسيا ، بالاضافة الى عناصر أخرى قام بتجنيدها ـ وفق نظام المرتزقة ـ من أعراب مصر وقبائل من سمرقند، وأشروسنة، وفرغانة . وهنا بداية التجنيد بالاسترقاق فى تاريخ الخلفاء القرشيين العباسيين .

ثانيا :

العبيد يتحكمون فى الخليفة العباسى

1 ـ ثم جاء المتوكل بن المعتصم فى خلافته ( 232 : 247 ) فاعتمد على العبيد الأتراك فى جيشه وحراسته وحكمه ، فبدأ عصر جديد يتحكم فيه القواد الأتراك فى الخلافة العباسية الى درجة عزل الخلفاء وقتلهم ونجاح بعض القواد الأتراك فى إقامة دول مستقلة فى إطار الدولة العباسية كالدولة الطولونية ( 256 : 292 ) والدولة الاخشيدية ( 323 : 358 ) فى مصر والشام .

2 ـ يهمنا هنا أن أولئك الأتراك كان يؤتى بهم ـ فى الأغلب ـ رقيقا ، ويتجند عسكريا ، ثم يترقى أحدهم ليكون قائدا . وبالتالى كان بعضهم يأتى طوعا ـ أو يقع فى الاسترقاق طوعا أملا فى وضع أفضل فى الخلافة العباسية ، التى نضب معينها من جند العرب والفرس ، ولم يعد لها قوة عسكرية إلا المجلوب لهم من أواسط آسيا ، وفيها كانت القبائل التركية تهاجر من الشرق الى الغرب بسبب شظف العيش والضغط الحربى من قبائل أكثر شراسة فى الشرق، ويأتى شبابها الى العراق طوعا أو كرها ليصبحوا القوة المتحكمة  .

ثالثا :

تعاقب حكم القبائل الآسيوية فى الخلافة العباسية

1 ـ إستمر تحكم القواد الأتراك فى الخلفاء العباسيين حتى حل محلهم عصبيات قبلية فارسية وهم بنو بويه الشيعة  ، وقد حكموا العراق وفارس ومناطق من أواسط آسيا بدءا من عام  334 ، وتقسموا واختلفوا وضعفوا وسقطوا . وحلّ محلهم عصبيات قبلية تركية هم الأتراك السلاجقة ،السنيين المتطرفين ، الذين ظهروا عام 420 ، وتوسعوا  بدءا من  عام 447 ، وشملت سيطرتهم أواسط آسيا وآسيا الصغرى الى العراق والشام ، ودخلوا فى صدام حربى مع الصليبيين . وكالعادة تقسموا وضعفوا فورثهم فى الشام الزنكيون ( عماد الدين زنكى ) ثم نور الدين زنكى ، وإشتهروا بسبب قتالهم الصليبيين.

2 ـ  ، وضعف الزنكيون بوفاة نور الدين زنكى فحل محلهم الأيوبيون الأكراد ، وبهم تمهد الطريق لأن يحكم العبيد الشعوب الحرة .

رابعا :

العبيد ( المماليك )يصبحون سلاطين يحكمون الأحرار

1 ـلم يكن الأيوبيون قبيلة بل أسرة من القادة ، على رأسهم نجم الدين ايوب وأخوه أسد الدين شيركوه ، ثم صلاح الدين بن نجم الدين. كانوا قادة لجيش نور الدين زنكى .

 2 ـ لتكوين قوة لهم بدأوا فى شراء مماليك . أسد الدين شيركوه الذى تولى مصر نيابة عن سيده نور الدين زنكى ـ فى خلافة العاضد الفاطمى ـ أكثر من شراء المماليك ليحمى نفسه وسلطانه ووضعه القلق فى مصر . تكاثر مماليك شيركوه وتسموا بالمماليك ( الأسدية ) نسبة الى سيدهم ( أسد الدين شيركوه ). مات وتولى ابن أخيه صلاح الدين الأيوبى فى مصر فأكثر صلاح الدين من شراء المماليك فكان المماليك ( الصلاحية ) يتنافسون فى النفوذ مع المماليك الأسدية . تولى العادل الأيوبى بعد موت أخيه صلاح الدين فاستولى على كل الدولة وكوّن المماليك (العادلية) ليحمى نفسه ونفوذه . وتولى ( الكامل ) بعد أبيه العادل فاصبح له المماليك ( الكاملية ) . فى كل مرحلة يأتى السلطان الجديد فيكون له مماليكه الخاصين به ويضطهد مماليك أبيه . مات الكامل وجاء ابنه العادل الثانى وقبل أن ينقلب العادل الثانى على مماليك أبيه ( الكاملية ) إعتقله المماليك الكاملية وبعثوا لأخيه الأكبر الصالح أيوب فجاء إلى مصر وتسلطن.

وتكاثر مماليك الصالح أيوب حتى ضاقت بهم القاهرة فأسكنهم في معسكرات فى الجزيرة فعرفوا ( بالبحرية) نسبة لبحر النيل .  وأولئك البحرية كرهوا ابن سلطانهم الصالح أيوب – وهو توران شاه  ـ إذ كان على شيمة أسلافه يضطهد مماليك أبيه ويعول على إنشاء عصبة مملوكية جديدة تدين بالولاء له وعلى ذلك فلم يكافئهم على جميلهم حين حفظوا له ملكه وهزمزا لويس التاسع واسروه . أظهر لهم العداء والتآمر فقتلوه ، وانفردوا بالحكم من دونه ومن دون الأيوبيين جميعا . فاصبح المماليك هم السلاطين الذين يحكمون الأحرار .

3 ـ كانت هذه سابقة غير مألوفة ، أن يحكم العبيد السابقون شعبا من الأحرار . لذا ثار المصريون الذين قلّما يثورون ، يقول أبو المحاسن ( أن أهل مصر لم يرضوا بسلطان مسّه الرق , وظلوا إلى أن مات السلطان أيبك وهم يسمعونه ما يكره حتى في وجهه إذا ركب في الطرقات ) ولذا اشتد المماليك في قسوتهم على العامة المتذمرين من توليهم السلطة حتى أن المقريزي وأبا المحاسن يقولان إن الصليبين لو ملكوا مصر ما فعلوا بالمصريين كما فعل بهم المماليك في بداية عهدهم . ولا ريب أن المصريين وإن خضعوا بالقهر للقوة الجديدة إلا أن القهر لا يعني إلا الحقد الدفين المكبوت , وقد أستغل هذا الشعور بعض العلويين فجمع إلى جانبه كثيرا من الأعراب وأعلن الثورة وأن ملك مصر يجب أن يكون للعرب وليس للأرقاء , وهذا ما فعله حصن الدين ثعلب . الذي أقام دولة عربية مستقلة في مصر الوسطى ومنطقة الشرقية في بداية الدولة المملوكية وحاول حصن الدين الاتصال بالناصر الأيوبي عدو المماليك إلا أن عقد الصلح بينهما أضاع أمل حصن الدين فعول على الاعتماد على جهوده الذاتية . وبعد أن فرغ أيبك من الخطر الأيوبي الخارجي قام بتوطيد سلطته في الداخل فأرسل أقطاى زعيم المماليك البحرية بجيش تمكن من هزيمة الأعراب في بلبيس وطلب حصن الدين الأمان فأمنه المعز أيبك ثم اعتقله وقتل أصحابه وعامل الأعراب بالعسف حتى ذلوا وقلوا على حد قول المقريزي.

4 ـ هنا بدأ عصر جديد يحكم فيه ( العبيد ) السابقون ، ويصير من مؤهلات السلطان أن يكون ( مملوكا ) أى عبدا سابقا ، جىء به من بلاده عبدا ، ثم يصبح مملوكا لسيده الذى كان هو الآخر مملوكا سابقا . وبعد أن يتعلم فنون الحرب ويتثقف ويتدرب يتم عتقه ليصبح تابعا لسيده ويكون من حقه أن يشترى مماليك له ، ويترقى حسب كفاءته فى التآمر ودهاليز السياسة .

بل أصبح من عيوب السلطان ألا يكون مملوكا سابقا ، ولذا فإن ابن السلطان المولود حُرا ويرث أباه لم يكن ليستمر فى السلطنة إلا بمشقة ، لأن الآخرين يرون أنهم الأحق منه بالسلطنة ، لأنهم تأهلوا لها بكونهم عبيدا مماليك سابقين ، ذاقوا مرارة الاسترقاق والتدريب العسكرى حتى الوصول الى المراكز القيادية عكس الذى ورث السلطة بلا تعب ولا نصب . ومن هنا حرص السلطان قلاوون على إستمرار السلطة فى ذريته بالاكثار من شراء المماليك ، وأسكنهم الى جانبه فى قلعة الجبل ، فأصبح لقبهم ( المماليك البرجية ) نسبة لأبراج القلعة . وهؤلاء المماليك البرجية هم الذين حكموا فيما بعد ، بعد أن تحكموا ردحا من الزمن فى سادتهم من ذرية سيدهم الأكبر قلاوون  .

5 ـ وبالاسترقاق كان المجتمع المملوكي يجدد دماءه باستمرار ، فكل أمير أو سلطان مملوكي يشترى مماليك تزداد بهم قوته، وأعظم الطوائف المملوكية هم المماليك السلطانية، أى مماليك السلطان القائم في الحكم. ويتدرج المملوك ـ بعد عتقه ــ في المناصب حسب كفاءته وقدرته على فن التآمر إلى أن يصل إلى الصفوف الأول في الجيش فيكون أمير مائة مقدم ألف، أو يصل في الصفوف الأولى في المناصب الرسمية مثل الداودار والزمام والاستادار. ثم يناضل للوصول الى السلطنة ، وقد يصل اليها وقد يفقد حياته دونها .

6 ـ وحكم المماليك لمصر والشام نشر ( الاسترقاق الطوعى ) ، فالشباب فى أوربا وآسيا ـ حيث يؤتى بالمماليك صغارا بالشراء أو بالخطف ـ رأوا فرصة أعظم فى أن يؤتى بهم الى مصر رقيقا ، خصوصا وأن السلطان المملوكى أو الأمير المملوكى عندما يتوطد نفوذه فى مصر يستقدم أهله اليها ويعطيهم المناصب والثروات. تكاثر( جلب ) الشباب من الخارج رقيقا ليكونوا مماليك وحكاما فى مصر ، فظهر ما يعرف بالمماليك ( الجلبان )، الذين يؤتى بهم كبارا فى السن وليسوا أطفالا كما كان من قبل . وحتى الآن يطلق إسم ( شلبى / جلبى ) على الأشقر ابيض البشرة نسبة للمماليك الجلبان القادمين من أواسط آسيا وأوربا . هؤلاء المماليك الجلبان كانوا شرا مستطيرا يسير على قدمين . إحترفوا السلب والنهب والاغتصاب للنساء والأطفال فى مصر والشام بالاضافة الى كونهم عماد الفتن والقلاقل السياسية والعسكرية .

ونفس الحال مع الانكشارية فى الدولة العثمانية ، بدأ إسترقاقهم وتدريبهم صغارا ، ثم تدهور هذا النظام مع ضعف الدولة العثمانية ، وإنضم للإنكشارية رجال ، بالاسترقاق الاختيارى ـ فتحولوا الى عصابات للسلب والنهب . واصبح جيش المماليك والجيش العثمانى فى النهاية عصابات تنشر الفوضى والفساد ، الى أن تخلص منهما الوالى محمد على فى مصر .

أخيرا :

أمامنا حالات متنوعة :

1 ـ فرعون مستبد ومعه جيشه من المرتزقة، وبه يسترق الشعب .

2ـ  الجيش قد يكون هو القبيلة أو القبائل المتحكمة ، وتقوم بتجنيد آخرين ، وإسترقاق أخرين وتجنيدهم .

3 ـ يلجأ الفرعون المستبد الى شراء مماليك ليحكم بهم شعبه فلا يلبثون أن يتحكموا فيه هو واسرته . حدث هذا مع الخلفاء العباسيين ومماليكهم الأتراك ، وحدث فيما بعد مع الدولة العثمانية ومماليكها من الانكشارية .

4 ـ نجح مماليك الأيوبيين فى إقامة الدولة المملوكية وكانوا اكفأ من سادتهم الأيوبيين ، وكان المعيار فى التأهل للسلطة أن يكون مملوكا سابقا متمرسا فى فنون الحرب والتآمر .

5 ـ فى كل الأحوال جدّت ظاهرة الاسترقاق الطوعى ، أن يقع أحدهم فى الرق ليحقق طموحه فى السلطنة . بدأ هذا فى الدولة العباسية الثانية وتعاظم فى الدولة المملوكية الثانية ( البرجية ) والمماليك الجلبان .

6 ـ فى النهاية فإن ( ملك اليمين ) فى هذه الناحية موضوع مسكوت عنه .

 

7 ـ ونعطى لمحات تفصيلية متفرقة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 نفوذ ملك اليمين الخصيان فى قصور العثمانيين

  

مقدمة :

فى عصر الخليفة المأمون  ‏:‏ كان القائد عبد الله بن طاهر المتوفى عام 230 كارها لظاهرة الخصاء مشمئزا منها ، وقد كان ( لا يدخل خصيًا داره ويقول‏:‏ " هم مع النساء رجال ومع الرجال نساء ‏." ). هذا مع أن وجود الخصيان فى الحياة الاجتماعية فى العصر العباسى وقتها غدا أمرا مألوفا بحيث لم يعد هناك  حرج من الحديث الصريح عنهم جنسيا ، كما شهدنا مما قاله عنهم الجاحظ المتوفى عام 255 . . وبمرور القرون تعزز وجودهم بحيث اصبحت لهم مكانة رسمية فى القصور العثمانية . ونعطى لمحة عنهم من خلال ما كتبه استاذنا الراحل د عبد العزيز الشناوى فى موسوعته ( الدولة العثمانية : الجزء الأول ) ، ثم نعطى لمحة أخرى عن الخصيان فى مصر من خلال ما كتبه العلامة الفرنسى ( كلوت بك ) فى كتابه ( لمحة عامة الى مصر ) .

أولا  الخصيان فى القصور العثمانية

   عموما : كان الخصيان من أهم مراكز القوي في البلاط العثماني ، وكان التنافس قويا وشديدا بين الخصيان السود والخصيان البيض ، والتحمت مصالح الخصيان مع مصالح الحريم السلطاني . إذ كان الخصيان يقومون للسلطان العثماني بنفس الدور ( الجنسى ) الذي تؤديه النساء ، وكانت للدولة العثمانية إجراءات رسمية في استقبال الخصيان وكان لها نظام تدريبي تثقيفي في إعداد أولئك الخصيان للخدمة في قصور السلطان . وقد حاول السلطان العثماني أحمد الثالث ، إلغاء نظام الخصيان 1716 ، ولكنه لم يفلح ، وظل نظام الخصيان قرينا بالخلافة العثمانية إلى أن أنتهي معها في عهد السلطان عبد الحميد .ونعطى بعض التفصيلات :

1 ـ مصادر الحصول على الخصيان : كان حكام الولايات يختارون أجمل الأطفال الرقيق ويقومون بخصائهم ويرسلونها هدايا للسلطان العثمانى، وكان عملاء السلطان العثمانى يتعاملون مع عصابات خطف الأطفال فى أواسط أوربا ، حيث كانت تجرى لهم عمليات الخصاء بمعرفة آسريهم ، ثم يباعون إلى السلطان العثمانى وما يفيض عن حاجته يتم تصديره إلى الأسواق فى الولايات ليباع رقيقا ، ثم كان من وسائل معاقبة (الإنكشارية / المماليك الحربية ) الخصاء، وبعدها يتركون الخدمة العسكرية وينضمون للخصيان البيض.

2  ـ إجراءات إستقبال وإعداد الخصيان : عند وصولهم إلى إسطنبول ، كانوا يعتنقون الإسلام ويلتحقون بالسراى الجديد حيث يتم عرضهم على رئيس الخصيان السود ثم رئيس غلمان البوابة كبير ضباط حرس الخصيان، وتتم كتابة أسمائهم فى كشوف التعينات ثم أخيرا يؤخذون للمشرف العسكرى ( لالا) الذى يقوم على إعدادهم علميا وتدريبهم عسكريا، فيتعلمون اللغة التركية وشيئا من الثقافة الإسلامية باللغة العربية ويقوم بتعليمهم الخوجات ( المدرسون). ويتلقون تدريبا عسكريا ليكونوا بمثابة حرس لأبواب أجنحة الحريم .

3 ـ نوعا الخصيان  : حسب اللون كانوا نوعين: الخصيان السود الذين يعملون فى خدمة الحريم ، رئيسهم  (دار السعدات أغاسى ) وأصغر فرد فيهم ( أن أشاغى أغا) وهو أخر خصى يلحق  بالخدمة فى الحريم السلطانى وأمامه إمكانية التدرج إلى أن يصل إلى رئيس الخصيان السود.

الخصيان البيض : رئيسهم هو( أغا باب السعادة أو أغا البوابة)  وكانوا يتقاسمون مع الخصيان السود حراسة وخدم الحريم السلطانى ، وكان  يعاون رئيس الخصيان البيض خمسة مساعدون وكانوا يشرفون على تعليم وتدريب الغلمان الذين يؤتى بهم للسلطان العثمانى كحصيلة ضريبية (ديوشرمة) فرضها السلطان على الولايات الأوربية القريبة التى كانت تخضع لنفوذه .

والخصيان السود والبيض الذين أجريت لهم جراحة الخصاء الكامل ( بإستئصال الخصيتين والعضو الذكرى ) كانوا ينتقلون سريعا إلى الخدمة الداخلية فى غرف الحريم من السلطانة الوالدة والباش قادين والقادينات وبنتات السلطان وفتيات الغرف من الجوارى، وكانوا يعتبرون جزءا من الهيئة النسائية فى الحريم السلطانى.

4 ـ  نفوذ الخصيان : فى فترة ضعف السلاطين العثمانيين تزايد نفوذ زعماء الخصيان. وطبقا للبروتوكول العثمانى كان الخصى الأسود ( أغا دار السعادة ) يعد أكبر موظف فى القصر السلطانى ويشغل  المركز الثالث بعد الصدر الأعظم وشيخ الإسلام.  وكان كبار الخصيان يشاركون فى  الحكم مع الحريم السلطانى إلى درجة أن رئيس الخصيان السود فى عهد السلطان محمد الرابع كان هو الذى رشح محمد كوبريلى ليتولى منصب الصدر الأعظم، وهو من أعظم القادة فى الدولة العثمانية. وقد إلتحم نفوذهم مع نفوذ الحريم السلطانى وكانوا يتلقون الأوامر من الحريم فينقلها رئيس الخصيان إلى الصدر الأعظم ( رئيس الوزراء ) أو الوزراء فيتم تنفيذها فورا، سواء كانت طلبات شخصية أو فى أمور عامة تتصل بالسياسة العليا للدولة. وشارك الخصيان السود والبيض فى المؤامرات داخل القصر خدمة للحريم السلطانى. وأصبح كبار الخصيان أكثر ثراءا بهذا النفوذ.

ثانيا : الخصيان فى مصر العثمانية ( دموع العبيد )

 كتاب (لمحة عامة إلى مصر) من نوادر الكتب التي أرخت لمصر في النصف الأول منالقرن التاسع عشر. ألفه الطبيب الفرنسى (أ. ب. كلوت بك) (1793 : 1868 ): رئيس مصلحة الصحة في القطر المصري أياممحمد علي، وعضو أكاديمية الطب الملوكية بباريس وأكاديمية العلوم بنابولي. وأهدىالكتاب إلى محمد علي والي مصر وقام بتعريبه محمد مسعود المحرر الفني بوزارةالخارجية بمصر والمتوفى عام (1940م) . وننقل عنه بعض ما قاله عن الخصيان فى عصره :

1 ـ قال كلوت بك عن إستمرار عملية الخصاء فى مصر حتى عهده : (أما عملية الجب فلا تجري الآن في غيرالقطر المصري، فهذا القطر أصبح المورد الذي تستورد منه الخصيان برسم حرَم العظماءوالأثرياء في كل مكان... ومدينتا أسيوط وجرجا هما الوحيدتان من مدائن القطر المصرياللتان تباشران تلك العملية الشائنة. ومن كان يخطر بباله أن الموكلين بمباشرتهاجماعة من المسيحيين، وأنهم من رجال الأكليروس القبطي، هؤلاء الذين أصبحوا عارا علىالدين وخزيا ووصمة مزرية بالإنسانية وموضع احتقار السكان في تينك المدينتين.. وقريةزاوية الدير من (أسيوط) عاصمة السفاكين السفاحين الذين يقومون بعملية الجب ، وهم يرتكبون جرمها الشنيع على نحو (300) شخص في كل عام. ويختارون هذه الضحايا من صغارالعبيد الذين تختلف أعمارهم من ست سنوات إلى تسع، وتأتي بهم قوافل الجلابة من سنارودارفور. ) (لمحة عامة إلى مصر) (ج1 ص630). ومن يقرأ كتاب ( لمحة عامة الى مصر ) يجد هذه النبرة الاصلاحية الناقمة على ما يحدث ، ينقله ويحتج عليه . وهو هنا ينقم على رجال الدين القبطى تخصصهم ليس فى الدعوة للحب بل فى خصاء الأطفال المساكين ، رغبة فى الكسب المادى ، حيث كان أولئك الأطفال المساكين يُباعون الى قصور ( الملوك والأعيان). يقول : ((  ويباع هؤلاء التعساء بحسب المزايا المتوفرة فيهم من (1500) قرشا إلى(3000) قرش.)

2 ـ عن عملية الخصاء يقول كلوت بك : ( وتجري لهم عملية الجبّ في فصل الخريف، باعتبار أنه أوفق فصول السنةلنجاحها. ولا يقتصر الجب على بتر عضو التذكير وحده، بل يبترون جميع الأجزاء البارزةالمرتبطة به، ثم يصبون في الحال مكان البتر شيئا من الزيت المغلي، ويركبونه أنبوبةفي الجزء الباقي من مجرى البول، وبعد إلقاء الزيت يذرون على مكان الجرح مسحوقالحناء، ثم يدفنون الفتى المعذب في الأرض إلى ما فوق البطن، وبعد أربع وعشرين ساعةيستخرجونه من التراب، ويدهنون مكان الجرح بعجينة من طين الابليز والزيت. ثم إن نحوالرُّبع من الغلمان المساكين الذين تجري عليهم هذه العملية الشنعاء لا يعيشون بعدها،أما الباقون فيقضون حياتهم في الضعف والآلام. )

3 ـ ويقول عن مستقبل هؤلاء الخصيان بعد وصولهم الى قصر السلطان العثمانى : ( نعم إن المسلمين يحيطونهم بكل ما هومستطاع من الاحترام والرعاية والتكريم، حتى إن كبير الخصيان في (الأستانة العلية)مثلا يعد من أعاظم رجال الحاشية السلطانية، وإن السلطان محمود رفع أحد خصيانه إلىمرتبة الباشوية وعهد إليه قيادة جيوش الدولة..)

4 ـ وعن الحملة على الاسترقاق فى عصره يقول : (  ولقد حمل كبار الفلاسفةوالمفكرين وبعض رجال الحكومات العاملين في أيامنا هذه الحملة الشعواء علىالاسترقاق، وها نحن أولاء نرى أوربا تسير سيرا حثيثا في الطريق المؤدي إلى إلغائه،ولكن عادة اتخاذ الخصيان فضيحة كبرى للطبيعة، وهتك مخز لأستار النواميس الطبيعيةوالخلقية، والغريب مع هذا أنني لا أعلم بين الشعوب التي تتولى زعامة الحضارةالعصرية من استجمعوا قواتهم وجهودهم لمكافحة عادة اتخاذ الخصيان.) .

ويدعو أوربا الى أن يكون تدخلها فى الآستانة بغرض الاصلاح وإلغاء الخصاء ، يقول : (  وتدخل أوروبااليوم في شؤون الدولة العثمانية، ذلك التدخل الذي أصابها ببالغ الضرر كان يمكن أنيكون نافعا ومجديا وجديرا بثناء الإنسانية وشكرها لو كان الغرض منه إدخال الإصلاحاتالمطابقة لروح الحضارة والمدنية، لا التي يقصد بها تحقيق تلك الأغراض السياسية،وليس من بين هذه الإصلاحات ما هو أوجب للحمد والثناء كمنع الجب واتخاذ الخصيان،وأتمنى صونا لكرامة أوربا وشرفها، ووقاية لمجدها أن تفكر حكوماتها في الحصول علىهذا الإلغاء من سلطان تركيا ووالي مصر. وإني لموقن أنه يكفي لتحقيق هذه الأمنيةالشريفة أن تعرب تلك الحكومات لهما عن مقاصدها الخيرية نحو الإنسانية المعذبة، لترىمنهما الإقبال السريع على إجابة مطالبها، وها هو محمد علي المعروف بالمسارعة إلىاتباع النصائح النافعة والمشورات النبيلة لن يتوانى في العمل بهذه النصائح، وبذا لاتصبح مصر ميدانا لجريمة لا يسع هذا الجيل بعد الآن أن يتهاون في أمرها أو يتغاضىعنها.) .

أخيرا :

نجد (بعض ) العزاء فى أن ( بعض ) هؤلاء التعساء وصلوا الى السلطة والثراء ، وربما لو ظلوا فى بلادهم ما حصلوا عليها . ومن المفارقات أن يعيش الفلاحون الأحرار مسترقين للمستبد ، أو ( قنّ الأرض ) ( الفلاح القرارى ) فى اوربا وغيرها ، بلا أمل فى تحسين الأوضاع . بينما من يتم إسترقاقه بملك اليمين ـ حتى لو صار خصيا ـ قد تنفتح أمامه أبواب الترقى . بل وصل بعض الخصيان والمماليك الذكور والإناث الى مقعد الحكم والسلطنة ربما تعويضا عما قاسوه ، بينما لم يجد الفلاح (قنّ الأرض ) تعويضا .

 

 

  


للمزيد يمكنك قراءةاساسيات اهل القران

التعليقات (4)

1   تعليق بواسطة  سعيد علي    في   الإثنين 08 اغسطس 2016

[82737]


أعانك الله جل و علا على وجع القلب هذا !! يا دكتور أحمد.


أخاف عليك من وجع القلب هذا !! كل ذلك التاريخ القذر ما كان ليكون إلا بسبب بعدهم عن القران العظيم و إتخاذهم إياه مهجورا و تلك حقيقة و قولا سيقوله الرسول محمد عليه السلام يوم القيامه لربه جل و علا : ( وقال الرسول يا رب ان قومي اتخذوا هذا القران مهجورا ) ، أسأل الله جل و علا لك السلامة.

ما أقسى ظلم الإنسان لأخيه الإنسان .. في الخليج يوجد نظام الكفيل ! ( وما ادراك ما نظام الكفيل ) إنه نوع من أنواع ( الرق ) ! لا أعمم بطبيعة الحال و لكن فيما يخص الخدامات - كما ذكر أخينا من السنيغال في رد سابق - فهو بالفعل موجود و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.

هذا لا يجعلنا أن نعمم ففي الخليج هناك معاملة راقية للعمال - أو عادلة إلى حد ما - فالعامل أتى ليعمل و رب العمل إستقطب العامل لإنجاز عمل و لكن تبقى تلك الممارسات - الفردية - و إن طغت هي المشكل و الإشكالية و لا بد من حل و الحل هو التقوى من الجانبين.

أوجعت قلبي أبي العزيز بأساليب التعذيب - كالخاذوق - و الخصاء !! كل ذلك بسبب إبتعادهم عن القران الكريم و إتخاذهم إياه مهجورا..

اللهم إجعلنا من أهل القران نتدبره و نعمل به و نتفكر و نقول : لا إله إلا الله سبحانك .. سبحانك .. أيها الرؤوف الرحيم..

دمت سالما و حفظ الله أبنائك أهل القران.

 

2   تعليق بواسطة  آحمد صبحي منصور    في   الإثنين 08 اغسطس 2016

[82740]


إبنى الحيب السعيد على .. عملنا الاصلاحى يستلزم كشف الأمراض..


وأمراض ( المسلمين ) فظيعة ، ومعظمها ( وراثى ) أى ( تراثى ) . وهم يبجّلون تاريخهم الذى لا يقرأونه ، وإذا قرأوه فهى عناوين تمجد الخلفاء والحكام المستبدين . ومثلا يتغنى بعضهم بالخلافة العثمانية وجهادها ضد أوربا وزعمهم نشرها الاسلام فى اوربا . وهم يتجاهلون الفساد الذى تربع فى القصور العثمانية والانحلال الخلقى ، والمذابح التى كانت عادة مرعية ـ من القتل الجماعى الذى كان يفعله ولى العهد إذا تولى السلطنة فيقتل كل أخوته ـ الى مذابح ( للرعية ) . وهم لم يهتموا مطلقا بنشر الاسلام . بل ولم يكونوا يعرفون حقيقة الاسلام ، لأنهم اصلا لم يدخلوا الاسلام، بل إعتنقوا التصوف السنى الذى كان سائدا وقت أن وفدوا الى آسيا الصغرى.. 
عموما أنا أكتب رءوس موضوعات فى التاريخ وفى الابحاث القرآنية . ولأن ( المسلمين ) قد ورثوا جبالا من أمراض الإفك والظلم والتخلف فإن العناوين التى أكتبها هى إشارات فقط فى مسيرة الاصلاح والتنوير ، أرجو ان يتابعها بعدى أحبتى أهل القرآن
حفظكم الله جل وعلا وجمعنا فى مقعد صدق عند مليك مقتدر.

 

3   تعليق بواسطة  محمد شعلان    في   الثلاثاء 09 اغسطس 2016

[82752]

عصور الخصاء والبغاء ما زالت قائمة في ديار المسلمين!

مع عميق التقدير لكم استاذنا العزيز /صبحي منصور،ز لما تعرض وتكتب لإصلاح العرب والمسلمين ومعهم المصريين، وتذكيرهم بأيام الله تعالى وبكتابه الحكيم،  عرجت بنا الى دهاليز التاريخ الأسود للرقيق والخصيان بمصر وبتركيا،   الامبراطورية التي غابت عنها الشمس،  وهى زعيمة المسلمين وقتها، لانها كان بها مقر الخليفة المزعوم امير المؤمنين.

 ان الاسترقاق ما زال قائما بصورة مخفية واسماء مستعارة في عالمنا العربي والاسلامي، مثل الزواج من الإناث في مرحلة الطفولة ودفع المهر او الصداق الكبير لوالد الطفلة، الزوجة ، في مقابل زواجها من كهل في عمر جدها،  

4   تعليق بواسطة  محمد شعلان    في   الثلاثاء 09 اغسطس 2016

[82753]

 

تابع عصور الخصاء...،،،.


كذلك من مظاهر الرق والخصاء ، هو تشغيل العمالة من الدول المتأسلمة في دول الخليج بأجور مخزية ومزرية أقل من مثيلاتها في العالم المتقدم كثيرا جدا،  وموضوع الكفيل الذي يتحكم في رقبة العامل والموظف  في الخليج هو نوع  من الرق والخصاء، على اساس ان هناك نوع من الخصاء المعنوي يقوم به الحاكم المستبد لذكور شعبه ويقوم به النظام الاجتماعي  المستبد لصالح الطبقة الارستقراطية المسيطرة،

 كل ذلك ضد تعاليم القرءان وضد مبادي الاسلام الحقيقي ،

 افيقوا يا سكان العالم العربي  ويا سكان ديار الاسلام كما تزعمون انكم مسلمون، وارجعوا للقرءان وتعاليمة السمحة العادلة قبل ان تنقلبوا على اعقابكم خاسرين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ملك اليمين : كافورالإخشيدى ( الخصى ) : من أعظم من حكم مصر والشام

مقدمة :

  ووصل بعص الخصيان العبيد الى مراكز عليا ، مثل بهاء الدين قراقوش خادم صلاح الدين الأيوبى ، وقد عرضنا لكراهية المصريين له لأنه قام بتسخيرهم فى بناء القلعة وسور القاهرة . ولكن أحب المصريون عبدا خصيا أسود اللون خاليا من الوسامة ، هو كافور الاخشيدى ، الذى وصل بذكائه لأن يكون حاكما لمصر والشام فى نهاية الدولة الأخشيدية الى عاصرها وحكم باسمها، وبموته سقطت وإستولى معز الدين الفاطمى على مصر سلميا وبلا عناء . ونعطى بعض التفصيلات

أولا :

 موجز تاريخ الدولة الاخشيدية سريعا قبل حكم كافور :

  1 : دخل  ( الإخشيد ) مصر بجيشه سنة323 فحارب المتغلب علىها وهو ( ابن كيغلغ ) وهزمه وقبض على الأمور وتتبع أصحاب ( ابن كيغلغ ) فأخرجهم عن البلاد ، ودان له الجيش العباسي في مصر .

 2 ـ وحاز (محمد بن طغج ) إعجاب الخليفة (الراضي ) فلقبه( بالإخشيد) ودعى له بذلك على المنابر سنة 327 بعد أن صد حملة فاطمية بعثها الفاطميون من مركزهم فى تونس لفتح مصر . فقد التقى أتباع كيغلغ بالخليفة الفاطمي بالمغرب وهو القائم بأمر ( الله ) فحرضوه على أخذ مصر نكاية في الإخشيد فجهز الفاطمي جيشا ولكن الإخشيد هزمه . 

3 ـ وازداد عجز الخلافة العباسية في عهد ( الراضي ) فتجرأ الولاة على قطع الأموال التي يؤدونها إلى بغداد , وتغلب ( بنو بويه ) على فارس وضغطوا على العراق فاضطر الخليفة ( الراضي ) للاستعانة ( بابن رائق ) وكان متغلبا على واسط فاستقدمه إلى بغداد وقلده إمارة الجيش والخراج والديوان وجعله أمير الأمراء . وقبض ( ابن رائق ) على ناصية الأمور في بغداد واستبد بالأمر فيها بدون وزير ومشير ، ورأى ذلك حكام الولايات فاستقل كل منهم بولايتة كما فعل ( البريدي ) في خوزستان و ( عماد الدولة بنو بويه ) في فارس و ( ابن الياس ) في كرمان ، أما الري وأصبهان فتغلب عليها ( ركن الدولة بنو بويه ) , وتغلب ( بنو حمدان ) على الموصل وديار بكر و مضر وربيعة , وسبقهم ( الإخشيد ) باستقلاله بمصر والشام .

4 ـ ثم دارت الأيام ( بابن رائق ) فغلبه على بغداد خصمه ( البريدي ) ثم جاء بعد ( البريدي ) بجكم ( امير الأمراء ) ، وحدث أن الخليفة ( الراضي ) سار مع ( بجكم ) إلى الموصل لتأديب بنى حمدان لتأخيرهم الأموال , ولما ابتعدا عن بغداد ظهر ( ابن رائق ) واحتلها، وانتهت  المفاوضات بين ( ابن رائق ) والخليفة و ( بجكم ) بتولية ( ابن رائق ) الشام . هذا مع تبعية الشام للإخشيد باعتراف الخليفة الراضي نفسه , فكان محتما أن ينشب الصراع بين الخصمين القويين ( ابن رائق ) و ( الإخشيد ) .

5 ـ وتقدم ( ابن رائق ) في الشام فاحتل حمص ثم احتل دمشق واخرج منها والى الإخشيد وتقدم من دمشق إلى الرملة فملكها ,وإذ وصل ( ابن رائق ) إلى جنوب الشام وفلسطين عزم على أخذ مصر فدخل العريش فتلقاه فيها الإخشيد ودارت معركة سنة 328 هـ . انهزم فيها ( الإخشيد ) أولا ثم انتهز انشغال ( ابن رائق ) بالسلب فهزمه وفر ( ابن رائق ) بسبعين رجلا إلى دمشق . وأرسل ( الإخشيد ) جيشا آخر لدمشق تمكن ( ابن رائق ) من هزيمته وقتل قائده،  وتم بينهما الصلح على أن تكون مصر وجنوب الشام مما يلي الرملة ( للإخشيد ) وباقي الشام ( لابن رائق ) ويؤدى ( الإخشيد ) جزية ( لابن رائق ) عن الرملة . وقد أضطر ( الإخشيد ) إلى دفع الجزية عن الرملة ( لابن رائق ) ليمد حدود الدفاع عن مصر إلى الرملة ويأمن على حدوده الشرقية من ( ابن رائق ) بعد عقد الصلح بينهما , ثم يتفرغ لمواجهة الضغط الفاطمي الذي يأتيه من الغرب . ولا يريد الإخشيد أن يحارب في جبهتين في وقت واحد .

6 ـ وقتل ( الحمدانيون ) ابن رائق سنة 330 هـ فدخلت جيوش ( الإخشيد ) دمشق ، وحارب ( الحمدانيين ) واستخلص منهم حلب . واضطر الخليفة العباسى ( المطيع ) للاعتراف بفتوحات ( الإخشيد ) , ومات ( الإخشيد ) سنة 334 وعهد لابنه ( نوجور ) تحت وصاية ( كافور ).

ثانيا : و ندخل هنا على دور كافور :

1ـ استأثر ( كافور ) بالسلطة من دون أبناء ( الإخشيد ) وسار على سياسته طيلة حكمه الذي استمر ثلاثا وعشرين سنة ( 334 – 357 هـ ) . وقد استطاع ( كافور ) أن يهزم سيف الدولة  الحمداني ويسترد منه دمشق، وكان استولى عليها عندما توفى ( محمد بن طغج الإخشيد  ).

 2 ـ وممن عبقرية كافور السياسية أنه بعد  أن هزم ( سيف الدولة ) إلا أنه صالحه على دفع جزية نظير الاحتفاظ بدمشق وذلك حتى يأمن على حدود مصر الشرقية في جنوب الشام ويرد الخطر الفاطمي عن غرب مصر . كما استطاع ( كافور ) أن يهزم ملك النوبة الذي أغار على مصر سنة 345 وأمن حدود مصر الجنوبية . كما تودد الى الفاطميين فاقتنعوا بالتغلغل بدعوتهم فى مصر بدون حملات عسكرية .فإقتنع الفاطميون بالتغلغل السلمي بين المصريين دون الحملات الحربية التي تثير الحنق ضدهم ، وأحسن ( كافور) استقبال الدعاة الشيعة ، إذ كان لا يهتم بمن يحكم مصر بعده فهو خصي لا ولد له . وقد أيقن أن مصير الأمر من بعده للفاطميين وهم أقرب لمصر وأكثر تلهفا على امتلاكها .. وبقى ( كافور ) يحكم مستبدا بالأمر إلى أن مات 357 وحدود مصر منيعة ما بين برقة إلى دمشق .

ثانيا

قالوا عن كافور الاخشيدى : (292 : 357  )

1 ـ  كان خصيا أسود دميماً قبيح الشكل مثقوب الشفة السفلي مشوه القدمين بطيئاً ثقيل القدم. ، بيع لأحد تجار الزيوت ، وقاسي منه الكثير من  العنت الى أن إشتراه محمد بن وهب بن عباس الكاتب ، وتعلم كافور القراءة والكتابة فى بيته ، ولمس سيده فيه الاخلاص والكفاءة فأعتقه ، وكان هذا الكاتب وثيق الصلة بالأخشيد ( محمد بن طغج ) المسيطر على مصر والشام . فباعه الى الاخشيد ليعمل مؤدبا لابن الاخشيد . ولمس فيه الاخشيد الكفاءة والاخلاص فجعله قائدا عسكريا للاخشيد. ونجح فى عمله فتصدر الدولة الاخشيدية بحيث جعله الاخشيد وصيا على ابنه ولى عهده لإخلاصه ، وربما لأنه ( خصى ) ليس له أولاد بسببهم يطمح فى الانقلاب على ابن الاخشيد . ولكن أصبح كافور الحاكم الفعلى للدولة الأخشيدية بعد وفاة ابن طغج ، بإعتباره الوصى على ( أنجور ) ابن الاخشيد . وكالعادة ـ لم يكن ولى العهد الاخشيدى كفئا فكان سهلا على كافور أنه حجب ولى العهد ( أونجور ) عن الحكم ، دون أى إعتراض ممن يهمه الأمر. بل إن بعض خصوم كافور تلاعب بولى العهد وأقنعه بالخروج على ( كافور ) حقدا على ( كافور ) إلا إن أم ولى العهد وقفت ضد ابنها ومنعته من الاستمرار فى ثورته على ( كافور ) . كافور كان قريبًا من قلوب المصريين لكونه سخيًا كريمًا؛ وينظر بنفسه في قضاء حوائج الناس والفصل في مظالمهم .

2 ـ قال عنه المؤرخ الذهبى فى كتابه ( تاريخ الإسلام ) ‏:‏ ( كافور الإخشيدي الحبشي الأستاذ السلطان أبو المسك ، اشتراه الإخشيد من بعض رؤساء مصر. كان أسود بصاصًا..وتقدم عند الإخشيد صاحب مصر لعقله ورأيه وسعده إلى أن صار من كبار القواد . وجهزه الإخشيد في جيش لحرب سيف الدولة بن حمدان‏. ‏ثم إنه لما مات أستاذه ( الاخشيد ) صار أتابك ولده أبي القاسم أنوجور ( أى قائد جسشه ) وكان صبيًا ، فغلب كافور على الأمر ، وبقى الاسم لأبي القاسم والدست لكافور ).... وكان كافور يدني الشعراء ويجيزهم ( أى يعطيهم الأموال ) ،وكان تُقرأ عنده في كل ليلة السير وأخبار الدولة الأموية والعباسية ، وله ندماء . وكان عظيم الحُرمة ( الهيبة )  وله حجاب ، يمتنع عن الأمراء ، وله جوار مغنيات ، وله من الغلمان الروم والسود ما يتجاوز الوصف . زاد ملكه على ملك مولاه الإخشيد، وكان كريمًا كثير الخُلع ( الهدايا من الملبوسات) والهبات، خبيرًا بالسياسة فطنًا ذكيًا جيد العقل داهية. كان يهادي المعز صاحب المغرب ( الفاطمى ) ويظهر ميله إليه ، وكذا يذعن بالطاعة لبني العباس ، ويداري ويخدع هؤلاء وهؤلاء. وتم له الأمر‏.‏ وكان وزيره أبو الفضل جعفر بن الفرات راغبًا في الخير وأهله‏.‏ ولم يبلغ أحد من الخدام ما بلغ كافور . وكان له نظر في العربية والأدب والعلم‏..‏ وكان يداوم الجلوس غدوة وعشية لقضاء حوائج الناس . وكان يتهجد ويمرغ وجهه ساجدًا ويقول‏:‏ اللهم لا تسلط علي مخلوقًا‏.‏ )

3 ـ قال أبو المظفر في تاريخه مرآة الزمان‏:‏ ( كان كافور شجاعًا مقدامًا جوادًا يفضل على الفحول‏. ( ‏أى الأحرار الذكور) .  وقال أبو جعفر مسلم بن عبيد الله بن طاهر العلوي النسابة‏:‏ ما رأيت أكرم من كافور‏!‏ كنت أسايره يومًا وهو في موكب خفيف يريد التنزه،  وبين يديه عدة جنائب بمراكب ذهب وفضة وخلفه بغال المراكب ، فسقطت مقرعته من يده، ولم يرها ركابيته ، فنزلت عن دابتي وأخذتها من الأرض ودفعتها إليه. فقال‏:‏" أيها الشريف أعوذ بالله من بلوغ الغاية ما ظننت أن الزمان يبلغني حتى تفعل بي أنت هذا ". ! وكاد يبكي فقلت‏:‏ " أنا صنيعة الأستاذ ووليه‏. " . ‏فلما بلغ باب داره ودعني . فلما سرت التفت فإذا بالجنائب والبغال كلها خلفي فقلت‏:‏ "ما هذا ؟   قالوا‏:‏ " أمر الأستاذ أن يحمل مركبه كله إليك . " فأدخلته داري ، وكانت قيمته تزيد على خمسة عشر ألف دينار‏.‏ ) .

4 ـ قال ابن زولاق‏ عنه فى تاريخه : ( ‏ وكان كافور دينًا كريمًا‏.وسماطه على ما ذكره صاحب كنز الدرر في اليوم مائتا خروف كبار ومائة خروف رميس ومائتان وخمسون إوزة وخمسمائة دجاجة وألف طير من الحمام ومائة صحن حلوى كل صحن عشرة أرطال ومائتان وخمسون قرابة أقسما‏.‏ وأما وفاة كافور المذكور فإنه توفي بمصر في جمادى الأولى سنة ست وخمسين وثلاثمائة وقيل‏:‏ سنة سبع وخمسين وثلاثمائة وقيل‏:‏ سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة والأصح سنة سبع وخمسين وثلاثمائة قبل دخول القائد جوهر المعزي إلى مصر‏.‏ وعاش كافور بضعًا وستين سنة . وكانت إمارته على مصر اثنتين وعشرين سنة ، منها استقلالًا بالملك سنتان وأربعة أشهر . خطب له فيها على منابر مصر والشام والحجاز والثغور مثل طرسوس والمصيصة وغيرهما.  وحمل تابوته إلى القدس فدفن به.  وكتب على قبره‏:‏

 ما بال قبرك يا كافور منفردًا بالصحصح الموت بعد العسكر اللجب

يدوس قبرك آحاد الرجال وقد كانت أسود الشرى تخشاك في الكتب. )

ثالثا :

وأقول عن ( الاستاذ ) أبى المسك كافور :

1 ـ تخيل صبيا صغيرا مشوه الشكل ، يخطفه مجرمون من بلده فى الحبشة ، ثم بعد رحلة مضنية يبيعونه الى أسواق النخاسة فى صعيد مصر، وفيها يقوم مجرمون آخرون بخصيه ، وينجو من الموت بينما يموت بعض رفاقه . ثم يحملونه الى القاهرة ، فلا يجد من يشتريه إلا بائع زيت يستغله خادما ، ويصبر كافور ، ثم يأتيه الفرج حين يشتريه كاتب صاحب نفوذ . ويتغير حاله ، فيتعلم القراءة والكتابة وتظهر ملامح نبوغه بحيث يتقرب مالكه الكاتب فيقدمه الى الإخشيد ، الذى يلفت نظره نبوغ هذا العبد الخصى السود فيأمنه على تهذيب ابنه ولى عهده ، وينال المزيد من الاعجاب فيصبح هذا العبد السابق الخصى متقدما فى بلاط الاخشيد ، يحوز إحترام الجميع فى عصر يحتقر العبيد عموما والخصيان خصوصا ، ويصل إحترامهم له الى تلقيبه بالاستاذ ، ثم يرضونه به حاكما متغلبا على صاحب الحق الشرعى ابن الاخشيد . حاز هذا كله أبو المسك الاستاذ كافور .

2 ـ كان ممكنا لصبى قاسى الاسترقاق والإخصاء أن يتحول الى بركان حقد على العالم ، ينفجر فى وجه الجميع عندوصوله الى السلطة . ولكن لم يكن الاستاذ كافور من هذا النوع. جمع بين كونه مُهابا وكونه متواضعا حليما . تقرب اليه المتنبى مادحا منافقا فأعطاءه ، وكان المتنبى يريد المزيد ، يريد مركزا سياسيا ، فأعرض عنه كافور ، وخاف المتنبى من كافور وهرب منه ثم هجا كافور هجاءا مقذعا ، وكان بإمكان كافور أن ينتقم منه ويسلط عليه من يقتله ، ولكن لم يفعل . وذهب المتنبى الى عضد الدولة ومدحه ونافقه ، ثم قيل لعضد الدولة أن المتنبى يقول كذا ، فدسّ عضد الدولة من هجم على المتنبى فقتله .  هذا هو الفارق بين كافور وعضد الدولة . ولكن الفارق الأكبر هو بين كافور والمتنبى . هذا يستحق أن نتوقف معه . !

 


التعليقات (5)

  تعليق بواسطة  سعيد علي    في   الثلاثاء 09 اغسطس 2016

[82746]


العرب و إحتقار الأحباش !! كافور و المتنبي.



من أسف أننا نرفع مقام شخصا لأنه ( قال ) قولا !! و بهذا القول أصبح ذا صيت و شهرة !! هذا مع ان سيرة هؤلاء - إن كانت صحيحة - فهي من العار أن تذكر و بالتالي من العار أن يكونوا قدوة و مثار فخر !!

و يزخر التاريخ العربي أمثال هؤلاء !! هذا في جانب الشعر و الأدب أما في جانب ( الدين ) فلنا في تمجيد الأشخاص ( الصحابة ) قدوة بحيث أنهم كالنجوم بأيهم إقتديتم إهتديتم !! أنظر كيف يسوقوا لنا هذه الشخصيات بحيث تكون ( آلهه ) لا تنتقد ! و لا تمس !! و إذا ذكر أحدهم رافقته كلامات ليست كالكلمات!!

إن أشهر ما تم تداوله حول هذا الأستاذ في التاريخ العربي هو أبيات هذا المتنبي:

لا تَشْتَرِ العَبْدَ إلاّ وَالعَصَا مَعَهُ .. إن العبيد لأنجاس مناكيد!!

إلى ما هنالك من أبيات يستحى القارئ من كتابتها !! لا سيما بعد هذا البيت مباشرة !! هذا مع أن هذا المتنبي و الذي هو اشهر من نار على علم في تاريخ الشعر و ( التنبأ ) العربي !! قتله سيف الدولة بعد ( عشرة - بكسر العين - و صحبة تسع سنوات !! في القصر) !!!

هذا الإحتقار العربي لأهل الحبشة و لكل ذي لون أسود لا أعلم لماذا ! لا أعلم لماذا في الخليج بالذات فكل ما هو أسود فهو ( عبد ) !! و بالتالي فهو محتقر !! هل إرتسمت في عقلية العربي أنه ( أبيض و بالتالي فالأبيض هو الحر ) !! و هل الأسود هو ( العبد ) !! الإخوه من الأصول الأفريقية جاءوا للجزيرة لأداء الحج و العمرة ثم أستوطنوا فيها لا سيما في الحجاز أما في اليمن و عمان و الإمارات و قطر و البحرين و الكويت فهم أتوا بتجارة ( الرقيق !! ) و التي كانت منتشرة حيث تحمل السفن اليمنية و العمانية بالذات هؤلاء الناس و يبيعونهم في أسواق اليمن و عمان ومن تلك الأسواق يذهبون بهم للداخل في الإمارات و قطر و البحرين و الكويت  !!! و هذه حقيقة نعلمها نحن من أهلنا !!! و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ! حتى نحن لدينا ( إخوة من أصول إفريقية ) و الحمد لله فهو إخوة لنا في الدين و العلاقات الإجتماعية و الكثير منهم قمة في الأخلاق و شخصيا عندما أقابل من كان قد - أبوه و امه - أشتراه جدي قبل 70 سنة فإنني أقبل رأسه إحتراما و إجلالا لأنه قمة في الطيبة و الإحترام و في عمان بعد عام 1970 أصبح لهؤلاء الأخوة حقوق مواطنة حقيقية فلهم حق الجنسية و الجواز و التملك و هم في عمان بالضبط كالعمانيين تماما و إن كانت النظرة الإجتماعية لهم موجودة و لكن بصورة أقل بكثير و لكن القانون في عمان صارم و يحمي الجميع من الإعتداء اللفظي .

   تعليق بواسطة  شكري السافي    في   الثلاثاء 09 اغسطس 2016

[82747]


من اسف ان درسنا المتنبي ولم ندرس اخلاق كافور



استاذي العزيز بوركت ومبارك ما تبحثه بين طيات الكتب وما تقدمه من اسلوب راقي وجديد لقراءة التاريخ بعقل ووعي . حين كنا صغار كان المتنبي اسطورة الشعر والتحكم بالكلمات في حين ان المفروض ان ندرس الأخلاق الفاضلة مثل اخلاق كافور . العجيب ان ابيات شعر المتنبي كانت سببا في مقتله حين الزمه ابنه وقاتله بها

معذرة لست استحضرها الآن ولا تفاصيل الحادثة كيف كانت ولكن هذا ما علق بالذاكرة المثقلة

دمت طيبا استاذي العزيز

بالمناسبة لم اكن اعرف ان الجاحظ كتب عن الغلمان والجواري والإخصاء... كنت فقط اعلم انه كتب عن البخلاء حسب ما درسنا من قبل . وهنا لا بد من تغير مناهجنا التعليمية التي تتميز بالانحياز للعرب والسعي لتبيض تاريخهم الاسود حتى لا ننتج متعصبين جهلة ومتطرفين . على الدول العربية ان.تجعل التعليم علمي لا انحيازي

 

  تعليق بواسطة  Ben Levante    في   الثلاثاء 09 اغسطس 2016

[82750]

 

المتناقضات في المجتمع الاسلامي



السلام عليكم

أخ أحمد: أرجو أن لا أتعبكم كثيرا في تعليقاتي! هناك مواضع لا تزال تؤرق هذه البطيخة التي أحملها على كتفيّ، ولا أستطيع التسليم بها دون اقتناع.

ما يلفت النظر في التاريخ الاسلامي وجود متناقضات عجيبة  عند المسلمين وفي وقت واحد مما يجعل الحكم على هذا المجتمع صعبا للغاية، إذا أراد أحدنا أن يكون واقعيا في حكمه على ذلك المجتمع والحقبة من الدهر. ثم هناك شيئا هاما يجب الأخذ به، وهو مراعاة الثقافة التي كانت سائدة في ذلك الوقت، فلا أحد يستطيع الحكم على شيء قديم من منظور جديد لم يكن موجودا.

من هذه المتناقضات الاسترقاق والاخصاء. من جهة فهذه كلها أشياء تعني بصورة مباشرة أو غير مباشرة تقسيم المجتمع إلى حر وغير حر، أو بكلمة أخرى تقسيم المجتمع إلى طبقات. ومن جهة اخرى يسمح المجتمع بأن تبدل الطبقة وضعها الاجتماعي، فمثلا يصبح الرقيق حاكما. هذه الظاهرة لم تكن موجودة في اوربا قبل الثورات، ولقد لمحت في مقالك أخ أحمد إلى ذلك. لقد عزا كثير من النقاد هذه الظاهرة إلى تأثير الاسلام في هذه المجتمعات. هناك ظاهرة اخرى تجمع متناقضات تبلورت في المجتمع الاسلامي عندما اختلط العرب بالشعوب الاخرى، فكان ولي الامر عربي أو كردي أو فارسي أو تركي، بالرغم من أن الغزاة كانوا عربا. وهذه الخصلة اعتبرها النقاد فضيلة استمدت وجودها من الاسلام.

في المقابل يتساءل الانسان، لماذا لم يؤثر الاسلام على خصل اخرى كانت تقوم على الظلم. هل يسمح الاسلام بأن تشتري بضاعة مسروقة، فكيف وأن تشتري انسان مسروق، وفوق هذا يجري تشويهه لكي يؤدي خدمات معينة. هناك ظاهرة عند البشر بأن يتقبل أحدنا ظلماً لأنه لا يقوم به بنفسه. مثال حديث على هذا، اللحم الذي نأكلة: عندما نرى كيف يُعامل الدجاج مثلا (كصيصان وحتى الذبح)، منظر مقزز، لكننا نتابع أكل الدجاج.

 

  تعليق بواسطة  آحمد صبحي منصور    في   الثلاثاء 09 اغسطس 2016

[82751]


شكرا أحبتى ، وندعو الله جل وعلا أن يعيننا على الاستمرار



أحبتى السعيد والساقى : أبو الطيب المتنبى جمع فى شخصه معظم العورات العربية ، ولهذا إشتهر بينما إنزوى كافور بين سطور التاريخ . والمقال التالى سيكون حول هذه النقطة.
أخى بن ليفانت : الاسلام إرتفع بالعرب ـ فى فترة زمنية قصيرة هى دولة النبى فى المدينة : 11 عاما ) الى تكوين دولة بالمفهوم الحديث مؤسسة على الديمقراطية المباشرة والعدل والسلام ، وأقنع العرب المتقاتلين بأن يدخلوا فى ( الاسلام الظاهرى / السلام ) فدخلوا فيه أفواجا . وواجه مكائد المنافقين والقرشيين وإنتصر طالما كان القرآن يتنزل ويفضح مكائد أعدائه الظاهرين والمستترين . تغير ذلك بعودة الهيمنة القرشية وفتوحاتها . ولكن هذا لم يستأصل كل ملامح الخير الايجابى الذى أحدثه القرآن الكريم ، ظلت هناك لمحات خافتة مضيئة تظهر وتُشعُّ فى حياة بعض الخلفاء والحكام ، مرتبطة بعوامل الخير التى لا تخلو منها نفس بشرية والتى تتفاعل مع الهدى القرآنى ـ خصوصا وأن القرآن الكريم محفوط من لدن الخالق جل وعلا. ومن هنا ينبع التناقض أحيانا . أما عن الحل الاسلامى فى ظاهرة الاسترقاق بمنعه من المنبع وقصره على الشراء ، فقد أشرنا له من قبل ، ولا تنسى اننا نتحدث عن دولة اسلامية مؤسسة على العدل والاحسان فى معاملة هذا الرقيق المشترى والعمل على تحريره. وسيأتى مقال فى مقارنة الحل الاسلامى بالحل الغربى الفاشل فى تحريم الرق شكليا وبقائه بأشكال أخرى أشد ظلما . ولعلك تتذكر كلامنا عن أنواع من الاسترقاق للأحرار فى السخرة وغيرها ..ولا نزال فى البحث.
 

  تعليق بواسطة  محمد شعلان    في   الثلاثاء 09 اغسطس 2016

[82754]


كافور وبيبرس وقطز حكام مصريين نفتقدهم


 معك التاريخ يصبح موعظة ودرسا، وليس سردا وحكيا للتسلية والترويح، وإثْرَ قرءاة المقال ، تذكرت ايضا من الحكام المصريين الذين هم من اصل مملوكي مثل بيبرس وقطز وكيف كان حكمهم لمصر وما فيه من العزة لمصر ولمكانتها  ودفع الاخطار عنها ، وكلنا يعلم قصة واسلاماه للكاتب الراحل ، على احمد باكثير وحكيه لحادثة التتار وقدومهم لاحتلال مصر والسيطرة عليها واذلالها لم يقبل هذا الحاكم المملوكي المصري ان تهان مصر وتٰحتل  وكان المعركة الفاصلة  والتي انتصر فيها العبد او الحاكم المملوكي بيبرس على التتار.

 وهذا ايضا الحاكم. كافور الاخشيدي كان حاكما عاقلا عادلا بمقياس عصره محافظا على كرامة مصر والمصريين وحدودها حتى الشام.  وتأمينها من عدو الغرب الفاطميين انه مثل اقدر الساسة المعاصرين ويلعب لعبة التوازنات الحربية والسياسية، ويحيد الفاطميين ويكف هجومهم الحربي ويتحولوا للدعوة العقلية لمذهبهم،

 ما اروع هذا الحاكم الكافور الذي كان ملك يمين وعبد حبشي، خصي،  يا ليت الحكام المصريين والحكام العرب يحافظون على حدود بلادهم الاقليمية  من الاعداء وبدون اهدار لموارد بلادهم المحدودة مثل ما فعل الكافور المصري.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  ملك اليمين : بين عبقرية كافور السامقة وعبقرية المتنبى الساقطة

 بين كافور ( العبد الخصى ) النبيل والمتنبى  (الحُرّ الوضيع ).

 أولا : عبقرية كافور السامقة

1 ـ هناك مقاييس للحاكم العظيم ( من الناحية الاخلاقية الانسانية ) أهمها ( حُرمة الدم ) أو مدى حقنه للدماء . الحاكم يملك القرار بالحرب أو بالسلام ويترتب على قراره حقن للدماء أو سفك لها . وتلك الدماء تتفجر من بشر لهم حق الحياة شأنهم شأن ذلك الحاكم ، ولكن معظم الحكام يُلقون بالبشر الى التهلكة وينعمون بالأمن بينما تنتشر بقرارتهم حمامات الدم وأهرامات الأشلاء .

وفى الناحية الأخرى هناك مقاييس للحاكم الحقير سفاك الدماء من شعبه والشعوب الأخرى . هناك هتلر الذى قتل الملايين بإسم النازية ـ وهى مذهب بشرى . أحقر منه أولئك الخلفاء الفاسقون الذين تمسحوا بدين رب العزة وإسمه الكريم ( السلام المؤمن ) وقتلوا عشرات الملايين عبر قرون ، من الخلفاء القرشيين الى الخلفاء العثمانيين . ومثلهم الأوربيون فى حملاتهم الصليبية وكشوفهم الجغرافية وحملاتهم الاستعمارية . وعلى هامش هذا كله إنتشر الاسترقاق وعانى منه الأحرار من الأطفال والنساء ، وتم تشريع الخصاء ـ إجتماعيا ، بحيث إنتعش وإنتشر بلا إحتجاج وبلا ضمير .!

2 ـ بمقياس العظمة هذا لا نجد فى تاريخ المسلمين سوى ثلاثة حكام :( معاوية الثانى  ) الذى إعتزل الحكم بعد موته أبيه يزيد بن معاوية حتى لا يتحمل وزر الدماء ، ودفع حياته ثمنا لهذا القرار. و( عمر بن عبد العزيز ) الذى حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه بتقرير العدل وبالسلام ، وأيضا دفع حياته ثمنا لهذا ـ وقد عرضنا لهما فى مقالات منشورة هنا . ثم هذا الشامخ ( المجهول ) أبو المسك كافور . أرى أن كافور أعظم من رفيقيه . رفيقاه كانا أقرب لعصر النبوة ، ومن البيت الأموى الحاكم . لم يبدءا من الصفر ولم يعرفا الذل والألم مثله .

3 ـ ( الاستاذ أبو المسك كافور ) عاش عصرا من الحروب على جميع المستويات ( المحلية والاقليمية والدولية )، ومختلف الجبهات : الحنابلة فى بغداد ومدن العراق يسيطرون على الشارع وينشرون الارهاب المسلح ( بمثل ما يفعله الوهابيون الحنابلة الآن )، والحروب بين العرب الحمدانيين والروم ، والمذابح التى يقيمها القرامطة فى الجزيرة العربية وجنوب العراق ، ثم كان عصر إمرة الأمراء فى الخلافة العباسية فى نهايته ( 324 : 334 ) وتجهز بنو بويه للإستيلاء على العراق والخلافة العباسية ، وهذا ما حدث فى عصر بنى بويه ( 334 : 447 ) والعادة انه فى الفترات الانتقالية تكثر القلاقل والحروب ، وفى هذه الفترة كان حكم كافور (  339 : 357 ). كان منتظرا أن يدخل الكثير من المعارك ، خصوصا وهى أول عبد خصى يحكم ، وله حاسدون من الحكام من حوله ، كلهم يطمع فى مصر والشام .

4 ـ  ولكن تجنب كافور الحرب باستعمال التشريع الاسلامى فى قوله جل وعلا  : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) (60)  الانفال )  ، ولا ندرى إن كان يعرفه أم لا . وهو أن تكون الدولة مسالمة وقوية عسكريا لترهب الطامعين فيها حتى لا يعتدوا فيتحقق السلام ويتم حقن الدماء . إستطاع كافور بجيشه القوى هزيمة سيف الدولة الحمدانى هزيمة حاسمة فى موقعة مرج عذرا ، بل ودخل حلب عاصمة الحمدانيين ، ثم إستماله بعقد معاهدة ليأمن شرورهم ، وهزم جيش المعز لدين الله الفاطمى القادم عبر الواحات ، ثم إستمالهم بفتح مصر لدعاتهم . ليس فقط لكفّ غزوات الفاطميين من جهة الغرب ، ولكن أيضا ليكف شرور القرامطة . وقد نهب القرامطة قافلة مصرية ذاهبة للحج تتألف من 20 ألف جمل عام 355 . ولم يغامر كافور بإرسال جيشه القوى لمطاردتهم فى الصحراء ، إستغل هذا الحادث فى أن يحصل من الخليفة العباسى على سلطته على سوريا بما فيها حلب ودمشق وطرسوس ، والحجاز ( مكة والمدينة ). وبهذا أمن القوة الشيعية الحربية والتى كان يمثلها الحمدانيون وبنو بويه  فى الشرق والقرامطة  فى الجزيرة العربية والفاطميون فى شمال أفريقيا . وكلهم يطمعون فى مصر التى تتوسط الجميع . حافظ كافور على دولته ومكانته بأقل قر ممكن من الخسائر والمعارك . لم يدخل معركة إلا فى سبيل الردع ، فحقن الدماء فى عصر تجرى فيه أنهار الدماء.  هذه عبقرية كافور ، والتى لا أجد لها مثيلا ـ حتى الان .!

ثانيا : عبقرية المتنبى الساقطة :

1 ـ تتمثل فى المتنبى معظم عيوب الشخصية العربية العادية التى تسكن ( الكلمة ) وتهجر ( الفعل )، تعشق التصريحات وتتفنن فى البلاغة وتكتفى بها دون (فعل تنفيذى ) ، مثل هذا الشاعر الجاهلى عمرو بن كلثوم القائل :

إذا بلغ الرضيع منا فطاما   تخرُّ له الجبال ساجدينا

لم يتهمه احد بالكذب ، لم يقرصه أحد أذن هذا الشاعر ويقول له : الكذاب سيدخل النار .! بل أخذتهم روعة الكذب فى شعره ،  لأن  عندهم :(أعذب الشعر أكذبه ). من هنا فعندهم ( الزعيم ) هو الأقدر على قول ( المزاعم ) والأكاذيب ، ويكفى أن تكون فصيحا فى الكذب لتكون زعيما ( ولهذا نباهى العالمين اليوم بكثرة الزعماء من عبد الناصر الى صدام والقذافى ) .

وإذا كنت عبقريا فى الكذب بالشعر فأنت زعيم الزعماء . وهذا هو السبب فى شهرة المتنبى وعبقريته الساقطة فى الشعر . وربما هذا هو السبب فى توارى عبقرية كافور الانسانية والسياسية ، لأنه كان رجل أفعال ــ وهو الخصى ـ فى مقابل خصمه المتنبى المتسول الذى لم يكن خصيا . تناسى العرب كافور هذا الحاكم العبقرى ( الخصى ) وسيرة حياته الماساوية وصعوده من العبودية الى صولجان الحكم ، وإنشغلوا بهجاء الشاعر المتنبى له . والمتنبى لا يضاهي تفوقه فى الشعر سوى تفوقه فى الدناءة والنذالة والعنصرية . وموقفه من سيف الدولة ومن كافور أكبر دليل على ذلك .

2 ـ من تحليل سيرة المتنبى يبدو جمعه بين خصلتين متناقضتين : الجُبن والطموح وقد عقد الصلح بينهما برذيلة الكذب . كان يريد ـ فى هذا العصر المضطرب ـ أن يصل الى الحكم ، ولكن بسيوف الآخرين ، وبسبب جبنه وطموحه حمل لقب ( المتنبى ) وإشتهر به .

3 ـ  وُلد المتنبى عام 303 بالكوفة . كان أبوه فقيرا يحترف السقى ( سقاء ) ، (‏قال المحسن‏:‏ واجتمعت بعد موت المتنبي بعد سنين مع القاضي أبي الحسن ابن أم شيبان الهاشمي وجرى ذكر المتنبي فقال : كنت أعرف أباه بالكوفة شيخًا يسمى‏:‏ عبدان ، يستقي على بعير له  ).

إنتحل المتنبى بالكذب نسبا علويا ، وأخفى نسبه الحقيقى ، وهذا لسببين : الجُبن والطموح .

عن جُبنه . قال أحدهم (وسألت المتنبي عن نسبه فما اعترف لي به وقال‏:‏ أنا رجل أختط القبائل وأطوي البوادي وحدي ، ومتى انتسبت لم آمن أن يأخذني بعض العرب بطائلة بيننا وبين القبيلة التي انتسب إليها . وما دمت غير منتسب إلى أحد فأنا أسلم على جميعهم‏. ) . هنا جُبن فصيح اللسان ، ولكنه يفتقر الى البرهان  لأنه لو فعل هذا كل إنسان ما عُرفت الأنساب .

4 ـ السبب الآخر هو طموحه ، فقد زعم لنفسه نسبا علويا وزعم النبوة بين قبيلة كلب ليصل بسيوفهم الى تكوين دولة له . يقول الراوى : (وكان المتنبي لما خرج إلى كلب فأقام بينهم ادعى أنه علوي حسني ، ثم ادعى بعد ذلك النبوة ، ثم عاد يدعي أنه علوي ، إلى أن شُهد عليه بالشام بالكذب في الدعوتين ، وحُبس دهرًا طويلًا ، وأشرف على القتل، ثم أُستُتيب وأشهد عليه بالتوبة ، وأطلق‏. ) وفى رواية أخرى أنه أعلن نبوته فى صحراء السماوة : (  تنبأ في بادية السماوة ونواحيها ، إلى أن خرج بها لؤلؤ أمير حمص فقاتله وأسره ،وشرّد من كان اجتمع إليه من كلب وكلاب وغيرهما من قبائل العرب ،وحبسه دهرًا طويلًا ، فاعتل وكاد يتلف ، فسُئل عن أمره فاستتابه ، وكتب عليه ببطلان ما ادعاه ورجوعه إلى الإسلام. ).

5 ـ  وقد إستغل ( المتنبى  ) فصاحته فى زعمه النبوة فإنتحل وحيا ، تقول الرواية : ( ‏ وكان قد تلا على البوادي كلامًا ذكر أنه قرآنً أنزل عليه فمن ذلك‏:‏ ‏"‏ والنجم السيار والفلك الدوار والليل والنهار إن الكافر لفي أخطار . إمض على سنتك واقف أثر من كان قبلك من المرسلين ، فإن الله قامع بك زيغ من ألحد في دينه وضل عن سبيله ‏"... وكان المتنبي إذا شوغب في مجلس سيف الدولة فذكر أن له هذا القرآن وأمثاله مما يحكي عنه فينكره ويجحده‏. ).

6 ـ ولهذا إشتهر بلقب ( المتنبى ) حتى غلب عليه، ولم يتبرأ من هذا اللقب المُشين . تقول الرواية :  (  وقال ابن خالويه النحوي يومًا في مجلس سيف الدولة‏:‏ " لولا أن الآخر ( أى المتنبى ) جاهل لما رضي أن يدعى بالمتنبي لأن ‏"‏ متنبي ‏"‏ معناه‏:‏ كاذب ومن رضي أنه يدعي بالكذب فهو كاذب جاهل. " . فقال ( المتنبى ) له‏:‏ " أنا لست أرضى أن أدعى به وإنما يدعوني به من يريد الغض مني ولست أقدر على الامتناع. ".  قال المحسن‏:‏ فأما أنا فسألته في الأهواز سنة أربع وخمسين وثلثمائة عن معنى المتنبي ، فأجابني بجواب مغالط لي. وقال‏:‏ " هذا شيء كان في الحداثة أوجبته الصورة . " فاستحييت أن أستقصي عليه فأمسكت‏.).

7 ـ ووجد المتنبى فى عبقريته الشعرية سبيلا للرزق والشهرة ـ وأن يحقق لنفسه بالقول الشعرى ما يعجز عن تحقيقه فى الواقع . كان فى فخره بنفسه يزعم الشجاعة ، ومن شعره المشهور:

الخيل والليل والبيداء تعرفني ** والحرب والضرب والقرطاس والقلم 

وحين هاجمته عصابة من الأعراب ليلا أسرع يفكر بساقيه هاربا ، فإستوقفه غلام له وقال : (‏ أين قولك‏ : الخيل والليل والبيداء تعرفني ** والحرب والضرب والقرطاس والقلم ؟ فقال له‏:‏ قتلتني قتلك الله. ).! فرجع فقاتل فقتلوه .

ثالثا : لقاء العبقرية السامقة ( كافور ) والعبقرية الساقطة ( المتنبى )

1 ـ كان المتنبى ـ على عادة الشعراء يتسول بشعره ، يقصد الملوك والقواد يمدحهم لينال إجابهم وجوائزهم من الأموال السُّحت التى يجمعها أولئك الكفرة الفجرة من عرق الغلابة ودمائهم . على أن المتنبى لم يستطع التخلى عن طموحه ، لم يكن يقنع بالمال، كان يريد الحظوة والنفوذ ، لذا كان يقع فى مشاكل مع حاشية السلطان لأنه تعدى دور الشاعر المنافق المرتزق المتسول ويريد أن يعلو الى درجة القُواد والولاة . وعندما كانت تتأزّم الأمور بسبب طموحه هذا كانت تتغلب عليه صفته الأخرى وهى ( الجُبن ) فيسارع بالهرب من ميدان المكائد السياسية التى أقحم نفسه فيها ، وهو ليس لها أهلا ، لأن اهلها شعارهم : العُلا أو الموت ، او كما قال خصم للمتنبى وهو الشاعر الأمير فراس الحمدانى (المقتول عام 357 ): 

ونحن أناسٌ لا توسطَ بيننا                          لنا الصدرُ دون العالمين أو القبر
تَهونُ علينا في المعالي نفوسُنا                  ومن يَخْطُب الحسناءَ لم يُغْلِها المهر       

المتنبى تقرب من سيف الدولة الحمدانى ، ثم اصبح من جلسائه ، وتدخل فيما لا يعنيه فحدثت مشاكل فهرب سريعا .

2 ـ وذهب الى كافور ، وهو يحمل أملا أكبر فى أن يعطيه ( هذا العبد الخصى ) ولاية يحكمها . تقرب الى كافور بقصائد يتملقه فيها ويتذلل ، كالعادة . وأعطاه كافور الجوائز . وعندما لم يجد أملا فى ولاية عند كافور مدّ المتنبى حبال الود مع خصم لكافور ، وكان هذا تحت رقابة كافور الذى لا يأمن للمتنبى ، خصوصا والمتنبى سبقته شهرته وعلاقته بسيف الدولة الحمدانى وتولهه شعرا فى نفاق سيف الدولة. أحسّ المتنبى بنفور من كافور ، وكالعادة فكّر بساقيه ، فجمع حوائجه وهرب من مصر، وأطلق لسانه فى هجاء كافور .

رابعا : عبقرية المتنبى الساقطة فى هجاء كافور

1 ـ هناك أربع حتميات ليس للإنسان دخل فيها ولا مؤاخذة عليها ، هى ما يختص بالميلاد والوفاة والرزق والمصائب . ليس كافور مسئولا عن لونه وتقاطيع وجهه ، وليس مسئولا عن المصائب التى حلت به من الخطف والأسر والاستعباد والخصاء . بل إن العقل السليم يوجب   تعظيم كافور لأنه بكل هذا ـ ومع كل هذا ـ  فقد حقّق ما لم يحققه الأحرار . أما عبقرية المتنبى الساقطة فقد إختارت أن تطعن كافور فى أهم مميزاته .

2 ـ  المتنبى لا يتناقض فقط مع الأخلاق الحميدة بل يتناقض مع نفسه . فقد مدح كافور وتملقه فى قصائد شتى .  تقول الرواية : ( لما فارق المتنبي سيف الدولة بن حمدان مغاضبًا له قصد كافورًا الإخشيذي ودخل مصر ومدحه بقصيدته التي منها‏:‏

قواصد كافور توارك غيره       ومن ورد البحر استقل السواقيا ..

وهو أول مديح قاله فيه، وكان ذلك في جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وثلاثمائة‏.‏ ..

وأنشده أيضًا في شوال سنة سبع وأربعين وثلاثمائة قصيدته البائية التي يقول فيها‏:‏

وأخلاق كافور إذا شئت مدحه      وإن لم أشأ تملي علي فأكتب

إذا ترك الإنسان أهلًا وراءه               ويمم كافورًا فما يتغرب ..

وآخر شيء أنشده في شوال سنة تسع وأربعين وثلاثمائة ــ ولم يلقه بعدها  ــ قصيدته البائية‏:‏

 أرى لي بقربي منك عينًا قريرةً     وإن كان قربًا بالبعاد يشاب

وهل نافعي أن ترفع الحجب بيننا  ودون الذي أملت منك حجاب

أقل سلامي حب ما خف عنكم       وأسكت كيما لا يكون جواب  ..

وأقام المتنبي بعد إنشاد هذه القصيدة سنة لا يلقى كافورًا غضبًا عليه ، لكنه يركب في خدمته خوفًا منه ، ولا يجتمع به . واستعد للرحيل في الباطن ، وجهز جميع ما يحتاج إليه‏. ‏وقال في يوم عرفة سنة خمسين وثلاثمائة قبل مفارقته مصر بيوم واحد قصيدته الدالية التي هجا كافورًا فيها‏.‏ وفي آخر هذه القصيدة المذكورة يقول‏:‏

من علم الأسود المخصي مكرمة    أقومه البيض أم آباؤه الصيد

 أم أذنه في يد النخاس دامية         أم قدره وهو بالفلسين مردود

ومنها‏:‏

 وذاك أن الفحول البيض عاجزة   عن الجميل فكيف الخصية السود .

 وله فيه أهاجٍ كثيرة تضمنها ديوان شعره‏.‏ )

3 ـ هذه الخسّة من المتنبى فى الهجاء قوبلت بإستحسان من الثقافة العربية ، بما يدلُّ على عنصرية وجدت بُغيتها فى شعر المتنبى وفى إحتقاره للإنسان الأسود لمجرد اللون حتى لو كان فى عظمة كافور .!. لا أعرف ـ حتى الآن ـ ناقدا أدبيا جهر بالهجوم على المتنبى وفضح عبقريته الساقطة ومدح عبقرية كافور السامقة . ومن اسف أن الناس حتى عصرنا يتغنُّون بشعر المتنبى فى هجائه لسيده كافور ، وهم لا يحسُّون بوخز الضمير ، حيث كانت أبيات المتنبى العبقرية فى السقوط تركّز على ما عانه كافور فى طفولته البائسة من تنقله فى أسواق النخاسه والخصاء .

إقرأ مثلا قوله فى هجاء المتنبى لكافور :

اين المحاجم يا كافور والجلم     من أية الطرق يأتى مثلك الكرم

وقوله :

لا تشترى العبد إلا والعصا معه        إن العبيد لأنجاس مناكيد

ما كنت أحسبنى أحيا الى زمن      يسىء بى عبد وهو محمود

ولا توهمت أن الناس قد فقدوا     إن مثل أبى البيضاء موجود

وأن ذا الأسود المثقوب مشفره    تُطعه ذو العضاريد الرعاديد 

من علّم الأسود المخصى مكرمة   أقومه البيض أم آباؤه الصيد

أم أُذُنه فى يد النخّاس دامية      أم قدره وهو بالفلسين مردود

وذاك أن الفحول البيض عاجزة   عن الجميل فكيف بالخصية السود

5 ـ لا يٍسأل المعجبون ب ( أبى الطيب المتنبى ) القارئون لهذا الشعر : لماذ سكت كافور عن هذا الهجاء وكان بإمكانه إغتيال المتنبى ؟ وهل يتفق هذا الشعر مع مدح المتنبى السابق لكافور؟ ومن الأحق بصفات التكريم هنا : المتنبى أم كافور ؟ . ثم ألا يكفى فى المتنبى اللقب المشهور به ( المتنبى ) ؟ أليس هذا اللقب دليلا على الكذب والكفر معا ؟ ثم أليس هذا اللقب عارا على الذى ظل يحمله حتى مقتله ؟

 

 

 

 

 

التعليقات (4)

  تعليق بواسطة  محمد شعلان    في   الأربعاء 10 اغسطس 2016

[82756]


النقاد يحكمون بجودة المنتج الشعري.



السلام عليكم ورحمة الله استاذي الحبيب .  ألدكتور .  أحمد صبحي منصور .  مقال رائع يبين ويعلم الكثير من المعايير للحكم على الشعراء المنافقين الحكام المستبدين في مصرنا وفي عالمنا العربي البائس اليائس .
 اما بالنسبة للنقاد في مجال الشعر والادب فهناك مدرسة نقدية تحكم بالنظر لجودة المنتج الادبي بغض النظر عن  المبادئ و  الأخلاقيات  التي يتضمنها العمل الأدبي سواءكان شعرا وقصائد أو نثرا  ذوات عائد .
وهذه المدرسة النقدية لا يهمها في المقام الاول الا الإجادة والاتقان والحرفة والصنعة.  ولا يهمهم الخلائق ولا الأخلاق ويقولون ان الإصلاح ليس مهمتهم  وانما هو مهمة المربيين والأسر ورجال الدين.  وعلى هذا ..  فالمتنبي من ناحية الصنعة هو فارس القصيدة وان لم يكن فارس المعارك والحروب

 

  تعليق بواسطة  محمد شعلان    في   الأربعاء 10 اغسطس 2016

[82757]

 

تابع النقاد يحكمون...


 أما من ناحية معايير الأخلاق والقيم والمثل فنصيب المتنبي منهم فقير وحقير مثله امتلك جودة الصنعة  في الشعر وباع اخلاقه ومبادؤه سلعة.  تارة رخيصة وتارة نفيسة عويصة. اما عن لؤلؤتنا الزاهرة في صحراء الحكام النستبدين فهو احراج وازعاج لهم ولتاريخهم المشين

 انني ادعوا الله ان يجزيك خير الجزاء على  ما علمت وعلى ما أفهمت وأن يجزي هذا الكافور جنة من عنده وكأسا كان مزاجها كافورا

 

  تعليق بواسطة  سعيد علي    في   الأربعاء 10 اغسطس 2016

[82758]


الاستاذ الحاكم كافور و ذاك المتنبي و سبات العقل العربي!


أنزل الله جل و علا قرانا عربيا مبينا لقوم ( لا يعقلون ) ! و بالقران العظيم الذي يخاطب اهم ما يميز الانسان وهو العقل بحيث يعقل هذا الانسان العربي قول الله فينطلق مفكرا عاقلا تاركا كل موروثات الشرك و الجهل ساميا بعقله الى آفاق الحب و السلام مرتقيا بها الى معالي الانسانية من تآلف و حب و تعاون و خير للبشر.

هجروا القران الذي يخاطب العقل و ركنوا الى الشيطنة المتمثله في العادات و التقاليد البائسة ! لم ينظروا الى المستحيل الذي قام به خاتم الأنبياء و المرسلين في تآلف قلوبهم بقدرة الله عز و جل و لم تسموا عقولهم و قلوبهم الى رحمة الله جل وعلا بالقران الذي انزله الرحيم رحمة على رسوله الكريم بحيث بعثه رحمة للعالمين.

و استمر سبات العقل العربي قرونا بهجره للقران الكريم و تيميم عقولهم شطر كتب اخرى دينية كانت أو ادبية ألفها الكذابون على الله جل و علا فأصبحت دينا في حضرة الشيطان ! و شعرا مقززا كاذبا يقطر سما زعافا في حضرة الكلمة الكاذبة و عذوبة القافية و البيت الكاذب!

لم يعلمونا آيات القران العظيم كيف نتدبرها فنعقلها ولم يعلمونا دولة الرسول عليه الصلاة و السلام الراقية من حب و تسامح و عطاء و صدق و مودة و سلام ، علمونا الفتوحات و الغنائم و السبي و الكره و حفظونا شعر المتنبي نتغنى به شعرا نحفظه و علمونا بقصد او بدون قصد كراهيتنا لكافور ! فبكرهنا لكافور كرهنا الصدق و الأمانة و أحببنا الكذب و الجبن!!

كم انت رائع أيها الكافور الإخشيدي لياتي باحث أروع كالدكتور أحمد فينصفك حيث ظلمك الآخرون.

 

  تعليق بواسطة  آحمد صبحي منصور    في   الأربعاء 10 اغسطس 2016

[82763]

 

شكرا أحبتى ، وندعو الله جل وعلا أن يعيننا على الاستمرار


وأقول
1
ـ المتنبى عبقرية شعرية بلا شك ، ولكن هذه العبقرية لا تتوهج ولا تتألق إلا فى الشّر . أروع شعر قاله هو فى هجاء كافور ـ وهو شعر يعبر عن سقوط أخلاقى وإنسانى ( عبقرى ايضا ) . وتراه فى مدحه لكافور يفتعل وكأنه يُرغم نفسه على المدح ، شعره هنا خال من حرارة الاحساس وصدق المشاعر ، لأنه مضطر للمدح ، مدح شخص يراه مجرد عبد اسود حبشى خصى ، أى يمدحه منافقا وكارها فى نفس الوقت . وهو عندما يمدح بلا عاطفة فهو يغطى برودة شعره بإعطاء الحكمة ، والاسراف فى المجاز والمحسنات اللفظية . أما عندما ينطلق معبرا عن شرور نفسه ترى عبقريته الشعرية فى الأوج.! 
2
ـ جاء كافور حاكما فى وقت مفصلى تتصارع فيه الخلافة الفاطمية الفتية الشابة مع الخلافة العباسية الأقدم منها عمرا . لا يصح فى البحث التاريخى أن نفترض شيئا ، أى نقول ( لو حدث كذا فسيكون كذا ) . دعنا ننسى هذه القاعدة البحثية ، ونفترض وجود حاكم من نفس النوعية السائدة قبل كافور وبعد كافور وفى وقت كافور ..كانت ستحدث حروب ومذابح . من حق كافور أن نشكر له حقن دماء الالوف من البشر فى عصره . ومن أسف أن الناس لم يتعلموا الدرس من حكمة كافور ، بل لم يذكروا عن كافور سوى الهجاء الذى قال فيه المتنبى ، فقول المتنبى فى كافور يعبر عن ثقافة العرب . لذا لا يزالون يعجبون بهذا المتنبى الأفّاق

 

 

 

 

 

 

 ( ملك اليمين ) جعلوها قاضيا للقضاة

مقدمة

1 ـ مبلغ علمنا أنه لم يحدث فى التاريخ الأوربى الوسيط  ـ الذى عاصر الخلافة العباسية ـ أن تصل الجوارى الى سدة السيطرة والحكم . ولا نتصور أن تصل جارية مملوكة فى أوربا الى منصب قاضى القضاة. ولكن هذا حدث فى تاريخ الخلافة العباسية .

2 ـ ملك اليمين من الجوارى لم يتفوقن فقط على الحرائر من النساء ، بل تفوقن على أمراء البيت العباسى ، وصار لهن نفوذ متنوع ، منهن من صارت قاضيا للقضاة ، ومنهن من تحكمت فى الخلافة العباسية  . وإذا أردنا أن نلخص التاريخ العباسي في سطر واحد فيمكن أن نقول أنه عصر تحكم فيه ملك اليمين من الجواري من محظيات الخلفاء وأمهاتهم منذ الخليفة المهدي العباسي، الذي تحكمت فيه جاريته الخيزران واستمرت تتحكم حتى عصر ابنها الرشيد، ثم توالت عصور الجواري، وعلى سبيل المثال نجد الجارية " قبيحة " تسيطر على الخليفة المتوكل ثم على ابنها الخليفة المعتز.  وفي خلافة المستكفى العباسى  كانت قهرمانة دار الخلافة ــ  واسمها علم الشيرازية  ــ هي التي سعت في توليته الخلافة فأطلق يدها في إدارة الأمور وحين احتج بعضهم عليه قال كلمته المأثورة: وجدتكم في الرخاء ووجدتها في الشدة..!!

 3 ـ في العصور التي تحكمت فيها الجواري عاش الأئمة الكبار للدين السّنى في الفقه والحديث والتفسير كالبخاري ومسلم وابن حنبل والشافعي والطبري وغيرهم ، ومنهم مؤرخون .. ولم نعرف أن أحدهم كتب صراحة يستنكر أن تتحكم الجواري في مقاليد الخلافة "الإسلامية" أو أن يعيش الخلفاء (ظل الله في الأرض) في مجالس الخمر والشذوذ والجنون. غاية ما هناك أنهم تواروا خلف أحاديث صنعوها تعبر عن حقدهم وضيقهم ، وهم يرون أن الجوارى ملك اليمين يتحكمن فى الخليفة والخلافة .!. ولا تزال هذه الأحاديث تشوّه سُمعة المرأة حتى الآن ، ومنها : ( النساء ناقصات عقل ودين )،( لا يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة ).المواشى التى تكرر هذا الضلال لا تعرف الظروف التاريخية التى نبتت فيها تلك الأحاديث ،

4ـ   ندخل فى قصة الجارية ( الوصيفة ) " ثمل "التي أمرتها (شغب) ببحث مظالم الناس!!

أولا :       

الروايات التاريخية عن تولي هذه الجارية منصب قاضى القضاة

1 ـ جاء فى تاريخ المنتظم لابن الجوزى(: ( وفي هذه السنة أمرت السيدة أم المقتدر قهرمانة لها تعرف بثمل أن تجلس بالتربة التي بنتها بالرصافة للمظالم ، وتنظر في رقاع الناس في كل جمعة ، فجلست لست وأحضرت القاضي أباالحسين بن الأشناني وخرجت التوقيعات على السداد ‏.‏) وفى رواية أخرى : ( أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله الحميدي قال‏:‏ أخبرناأبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الحافظ قال‏:‏ قعدت ثمل القهرمانة في أيام المقتدرللمظالم وحضر مجلسها القضاة والفقهاء ‏.‏ ) ( المنتظم 13  /180 عام 306)

هذا هو عنوان الخبر الذي تصدر أحداث سنة 306هـ في بغداد عاصمة الخلافة العباسية وموجز الخبر يقول" أمرت السيدة أم المقتدر قهرمانة لها تعرف بثمل هذا أن تجلس في الرصافة للمظالم وتنظر في رقاع الناس في كل جمعة، فجلست وأحضرت القاضي أبا الحسين بن الأشنائي، وخرجت التوقيعات على السداد "وشرح هذا الخبر يعنى أن السيدة (شغب) أم الخليفة العباسي "المقتدر بالله" قد أصدرت قراراً بتعيين (قهرمانتها) أي وصيفتها (ثمل) قاضياً للقضاة، فجلست الوصيفة في مجلس الحكم والقضاء وأخذت تنظر في الشكاوي ـ أو الرقاع ـ التي يكتبها الناس، وكان موعد جلوسها في الرصافة كل يوم جمعة، وكان يحضر معها القاضي أبو الحسين بن الأشنائي، وكانت توقيعات قاضي القضاة الجديد تخرج بسرعة للنفاذ والسداد.. وورد الخبر السابق في صورة موجزة يرويه ابن الجوزي في تاريخه يقول قعدت ثمل القهرمانة في أيام المقتدر للمظالم وحضر مجلسها القضاة والفقهاء.

   2 ـ وعن الخبر السابق يقول السيوطي في" تاريخ الخلفاء" "وفيها صار الأمر والنهي لحرم الخليفة ولنسائه لركاكته، وآل الآمر إلى أن أمرت أم المقتدر بثمل القهرمانة أن تجلس للمظالم وتنظر في رقاع الناس كل جمعه، فكانت تجلس وتحضر القضاة والأعيان وتبرز التواقيع وعليها خطها.!!

  3 ـ  والمستفاد من النصوص التاريخية السابقة أن الخلافة العباسية قد ارتضت أن تقوم جارية ملك يمين بمنصب قاضي القضاة، وأن فقهاء الشرع العباسي لم يروا في ذلك بأساً ، ولم يرتفع صوت أحدهم بالإنكار وهو يجلس تحت قيادة الجارية " ثمل" قاضي القضاة الجديد بكل ما فيها وما في اسمها ثمل من معان لا تتفق وجلال القضاء واحترامه...

ثانيا :

 كيف وصلت هذه الجارية ( ثمل ) الى هذا المنصب ؟

 ولكن كيف وصلت تلك الجارية إلى ذلك المنصب؟ وما الذي جعل السيدة " شغب" أم الخليفة المقتدر تصدر قرارها الغريب بتعيينها قاضياً لقضاة الشرع ؟ إن تفاصيل هذا الخبر وجذوره تجعلنا ندخل في خفايا الخلافة العباسية ودهاليز قصورها التي وردت ثناياها بين سطور التاريخ، وهى في النهاية. تعطي صدمة للأبرار الحالمين بعودة الخلافة وأثارها الجانبية!!ونضع هذا فى عناوين سريعة :

 شغب وسيدها الخليفة المعتضد  

1 ـ تبدأ القصة بالخليفة المعتضد والد الخليفة المقتدر الذي كان ذواقة للنساء والذي مات متأثراً بإفراطه في حياته الجنسية، وقد رأى ذلك الخليفة المعتضد جارية نحيفة ذهبية اللون فأحس بأنها مختلفة عن أطنان اللحم الأبيض في مئات الجواري اللائي يحتفظ بهن في قصره، وسأل عنها فقيل اسمها" ناعم" وإنها جارية تملكها أم القاسم بنت محمد، فاشتراها منها المعتضد وقضى معها ليلة، وبعد أن "عرفها " هجرها وانشغل عنها بباقي الحسناوات، وحملت " ناعم" وولدت للخليفة ولداً ، وهو الذى تولى الخلافة فيما بعد وأصبح أسمه المقتدر" .

2 ـ على أن " ناعم" أم المقتدر لم تطق أن يهجرها سيدها الخليفة المعتضد فأثارت المشاكل وأقامت القصر العباسي وأقعدته في " شغب" مستمر، فأهانها الخليفة المعتضد وضربها وأطلق عليها اللقب الذي حملته إلى نهاية عمرها وهو لقب " شغب"، وألزمها بأن تعكف على رعاية ابنها الرضيع المقتدر ، وخصص لها بيتاً في القصر جعله لها سجناً إجبارياً.

شغب وصديقتها الجارية (ثمل ) وقتل الجارية " فتنة " محظية المعتضد

1 ـ في ذلك السجن عرفت شغب صديقتها الجارية " ثمل" التي كانت تزورها وتنقل إليها الأخبار، ومنها عرفت أن الخليفة المعتضد قد انشغل بجارية جديدة أطلق عليها لقب "فتنة" ، وبعد أن حملت" فتنة " ازداد لها حباً ، ولم يهجرها كما فعل مع شغب، فازدادت شغب حقداً على" فتنة ".  ثم جاءتها " ثمل" بخبر آخر يفيد بأن "فتنة" قد ولدت للمعتضد ابناً آخر سماه محمداً (وهو الذي تولى الخلافة باسم "القاهر") وقد طار به المعتضد فرحاً ، فازدادت شغب حقداً على المعتضد وجاريته الجديدة وابنها محمد، خصوصاً وأن المعتضد ثار ثورة عنيفة على ابنه " المقتدر" وهم بأن يقتله وهو صبى صغير إذ رآه يوزع على أترابه من الأطفال ـ أطفال الخدمة ـ نفس الطعام الذي يأكل منه وبالتساوي، فأحس بأن أسلوب شغب في تربية ابنه قد يجعل من ذلك الطفل خطراً على الخلافة العباسية إذا تولاها وهو يحمل تلك المفاهيم " الاشتراكية".  واستعطفته " شغب" بكل ما تملك من دموع حتى عفا عنه وعنها.. وحين تستعرض شغب موقف المعتضد من ابنها ( المقتدر ) وابن غريمتها( القاهر) تزداد حقداً على حقد ..

2 ـ وفي غمرة الحقد تآمرت " شغب" وصديقتها " ثمل" على التخلص من " فتنة" . وماتت " فتنة " ميتة مجهولة مريبة ، وتركت ابنها الرضيع الذي تولى الخلافة فيما بعد وتسمى باسم ( القاهر) ، ومرت الجريمة بهدوء وعهد الخليفة المعتضد بابنه الرضيع الذي فقد أمه إلى "شغب" لتربيه مع ابنها "المقتدر" فازدادت شغب حقداً على المعتضد وهى تراه لا يعتبرها إلا مجرد بقرة حلوب لإرضاع أولاده ورعايتهم.. فقط

دريرة في البحيرة

1 ـ ثم جاءت ثمل إلى صديقتها " شغب" بنبأ جديد زاد مواجعها، وهو أن الخليفة المعتضد انشغل بمحظية جديدة اسمها " دريرة" وأنه قد بني لها داخل القصر بستاناً وفيه حمام سباحة، واعتاد أن يجلس مع محبوبته "دريرة" في ذلك البستان الذي سماه "البحيرة" ومعها الجواري والمغنيات والعازفات.وكانت أصوات الغناء والعزف تصل إلى "شغب" في إقامتها الإجبارية فيزداد لهيب غيرتها، فاتفقت مع صديقتها "ثمل" على أن تصل أنباء القصر إلى الشاعر ابن بسام المشهور بمجونه وطول لسانه وشهرته ، وآتت تلك المكيدة ثمرتها، إذ سرعان ما تراقص أهالي بغداد على أشعار ابن بسام وهو يسخر من الخليفة المعتضد قائلاً:ـ

 ترك الناس في حيرة          

 وتخلى في البحيرة

قاعداً يضرب الطبل            

على (...) دريرة..

وعلم المعتضد بالشعر،وكان المعتضد مشهوراً بالقسوة والهيبة فهو الذي جدد ملك بني العباس، وكان مع إسرافه في المجون مع جواريه شديد التسلط على القادة والناس، ولذلك فإنه خشي أن ينال شعر ابن بسام من مهابته فأمر بهدم البستان وحمام السباحة، ونجحت" شغب" و"ثمل" وسكت الطبل والزمر..

    2 ـ  إلا أن المعتضد ازداد التصاقاً بدريرة فأصبح لا يأنس إلا بها . وشعرت " شغب" أنها السبب في ذلك ورأت أنه لا وسيلة إلا بقتل "دريرة" بالسم حسبما كان سائداً في العصور العباسية،" وماتت دريرة في نفس الظروف الغامضة التي ماتت فيها " فتنة " من قبل، ولكن كانت هناك دلائل تشير إلى تورط "شغب" في هذه الجريمة فضربها المعتضد وكان على وشك أن يقطع أنفها ويشوه وجهها، ولكنه رجع عن ذلك ربما لأن الدلائل لم تكن حاسمة وربما حرصاً على مشاعر ابنه المقتدر، وربما لأنها ترعى ابنيه المقتدر والقاهر وخاف أن تنتقم من ابنه القاهر..

موت مفاجئ للمعتضد وتولى ابنه المكتفى ، ومقتله وتولى المقتدر ابن شغب

  1 ـ  وانكفأ المعتضد على أجساد جواريه يبحث فيهن عن حبيبته "دريرة" التي نطق من أجلها شعراً يرثيها فيه، ولكن الإفراط في الجنس في تلك الحالة السوداوية أدى به للمرض فالموت..ومات المعتضد بعد حبيبته دريرة بأشهر، أي سنة 289 ، وحين مات كان أكبر أولاده( المكتفى) قد بلغ الخامسة والعشرين من عمره فتولى الخلافة، وكان ابنه (المقتدر ) ابن" شغب" في السادسة من عمره، بينما كان (القاهر) في عامه الثاني فقط..

  2 ـ  وخرجت شغب من سجنها بعد موت غريمها المعتضد وازدادت صلتها توثقاً بصديقتها" ثمل" فجعلتها " شغب" قهرمانة خاصة بها، والقهرمانة تعني الوصيفة أو كبيرة الخدم، وفي خلافة (المكتفى) بن (المعتضد) أتيح لشغب أن تخطط للتخلص من (المكتفى) ليتولى ابنها (المقتدر) في الوقت المناسب له ـ أى (للمقتدر)..

    3 ــ وتسكت المصادر عن ذلك التخطيط ولكن نجاح "شغب" في تدبيرها يحتل عناوين التاريخ العباسي، فالخليفة الشاب (المكتفى بالله) يموت فجأة سنة295 بعد أن حكم أقل من ست سنوات، وحين مات كان (المقتدر) بن "شغب" هو المرشح لتولى الخلافة، وفى السن المناسب لهذا . وتذيع دوائر القصر العباسي أن" المقتدر" بلغ الحلم و"أحتلم" وأصبح رجلاً، رغم أنه كان في الثالثة عشرة من عمره ولكن ذلك التوقيت لم تصنعه الصدفة وإنما صنعته" شغب" مع صديقتها "ثمل" و به أصبح المقتدر أول خليفة يتولى الحكم في هذه السن بعد الموت المفاجئ لأخيه الشاب..

سيطرة شغب على ابنها الخليفة المقتدر

  1 ـ  وقد عاش المقتدر طفولته مع أمه في سجنها الإجباري فأصبح شديد الالتصاق بها وقد ظل ملتصقاً بها لا يتحرك إلا بإرادتها، ولذلك كانت هي التي تباشر السلطة بنفسها.

2 ـ  ومنذ تولى أبنها الخلافة أصبح محرماً أن يتلفظ أحد باسمها "شغب" بل صار لقبها الرسمي"السيدة".

3 ــ  وبهذا اللقب حكمت الدولة العباسية خمسة وعشرين عاماً إلى مقتل ابنها المقتدر سنة320.

نفوذ (ثمل ) برعاية ( شغب )

 1 ـ وحين أدارت شغب أمور الدولة العباسية في خلافة ابنها " المقتدر" فإنها لم تنس الانتقام من أعدائها في القصر فكثر عزل الوزراء وتوليهم ومصادرة أموالهم. وفي داخل القصر أمرت شغب سنة299 بعزل فاطمة قهرمانة القصر العباسي ومصادرة أموالها، ووجدوها غريقة في الفرات ولم يعرفوا الجاني ولا نحن نعرف بالطبع!! وتمهد الطريق لصعود (ثمل ) مكان (فاطمة ) الغريقة فى الفرات .!

2 ـ   "ثمل" صديقة  شغب فى الأيام السوداء أصبح لها شأن عظيم، حتى لقد كانت تولى الوزراء وتعزلهم ويخشاها الجميع، لأن الطريق إلى "السيدة" أم الخليفة المقتدر يمر عبر " ثمل" .. وجدير بالذكر أن " ثمل" أصبح لها لقب رسمي محترم هو أم موسى القهرمانة..

3 ــ وحدث سنة 304 ما يعرف بنكبة الوزير ابن الجراح فقد خشي الوزير من تسلط القهرمانة ثمل فقدم استقالته، ولم تشفع له إستقالته من غضب القهرمانة ( ثمل )  وسيدتها ( شغب ) ،فأصدرت السيدة قراراً بمصادرة أتباع الوزير، ولم ينج الوزير المسكين من مصادرة أمواله إلا بتمرغه على أقدام الخليفة المقتدر.. فأنقذ حياته وأمواله إلى حين ..!!( المنتظم 13  /166 عام 304).

وصول ثمل الى منصب قاضى القضاة :

  ثم في تصعيد آخر لنفوذ القهرمانة ثمل أصدرت أم المقتدر قرارها بأن تتولى ثمل منصب قاضي القضاة رسمياً.. فكانت سابقة خطيرة في تاريخ الخلافة والخلفاء..

نكبة ثمل بعد وصولها لمنصب قاضى القضاة

1 ـ ولم تستمر ثمل أو أم موسى القهرمانة فى منصبها الرفيع إذ مالبث أن شب الخلاف بينها وبين سيدتها أم المقتدر ، فكانت نكبتها ، يقول ابن الجوزى فى أحداث عام 310 ( وفيها‏:‏ سخط على أم موسى القهرمانة وقبض عليها وعلى أنسابها ومن كانت تعنى به فصح منها في بيت المال ألف ألف دينار ‏) أى تم إعتقالها وإعتقال أصهارها و أتباعها ، وصودر من أموالها مليون دينار.

2 ـ ليست هذه النكبة لأن السيدة قاضية القضاة أو سيدة القضاء كانت فاسدة ، واختلست مليون دينار ، فالفساد هو النشاط العام والرسمى للخلافة وللقضاء فيها.كان السبب مرتبطا بالطموح السياسى.

3 ـ السيدة القهرمانة ـ فى مكنون قلبها ـ تعتبر نفسها مساوية لأم المقتدر ( شغب ) ، فكلتاهما ( ملك يمين ) جىء بهما رقيقا الى بغداد ، وكلتاهما وجدت سبيلها للقصر العباسى فى بغداد ، والفارق أن (ناعم ) أو ( شغب ) صادفت هوى من الخليفة المعتضد فحملت منه ، ولم يكن لصديقتها الجارية ( ثمل ) هذا الحظ . ولقد ساعدت (ثمل ) صديقتها فى التخلص من أهم أعدائها إلى أن تولى ابنها (المقتدر ) الخلافة . وبالتالى نتصور أن (ثمل ) تريد أن تمكن لنفسها وأصهارها ، وأن تجعل أحد أمراء بنى العباس صهرا لها لتجعل هامتها فى مقام رأس سيدتها ( شغب ).

4 ــ هذا التصور العقلى يجد له سندا فى التاريخ  ، يقول ابن الجوزى عن سبب نكبة أم موسى القهرمانة ( واختلف في السبب فقيل‏:‏ ان المقتدر اعتل فبعثت إلى بعض أهله ليقررعليه ولاية الأمر فانكشف ذلك ) أى إن (ثمل ) انتهزت فرصة مرض المقتدر فبعثت لبعض أصدقائها من البيت العباسى ليكون صاحب الكلمة فى القصر نيابة عن الخليفة المريض ، وبالتالى ينتهى نفوذ أم الخليفة (شغب).

ويقول ابن الجوزى ( وقيل‏:‏ بل زوجت بنت أخيها إلى أبي بكر بن أبي العباس محمد بن إسحاق بن المتوكل ، فسعى بها أعداؤها ، وثبتوا في نفس المقتدر والسيدة والدته أنها ما فعلت ذلك إلا لتنصب محمد ابن إسحاق في الخلافة ، فتمت عليها النكبة ‏.) المنتظم 13  /209 عام 310 ).

أى إنها جعلت إبن عم الخليفة يتزوج بنت أخيها لتؤهله للخلافة على حساب المقتدر وأم المقتدر.   باختصار كان لها طموح سياسى غير مأذون به ، فانتهى أمرها..!!

أخيرا

فى كل الأحوال .. هى سابقة خطيرة .. ولكن نرجو أن تتكرر فى دولة اسلامية حقيقية .!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ملك اليمين فى الحكم : ( الخيزران ) أم الخلفاء العباسيين:

مقدمة :

ساد التعصب الاثنى (للعرب ) فى الدولة الأموية ، ولم يكن محببا الانجاب من غير العربيات ، مع جمال النساء من الموالى . وكان مسلمة بن عبد الملك أفضل أبناء عبد الملك ، ولكن لأن أمه كانت ملك يمين فقد ضاع حقه فى ولاية العهد ، وتولاها دونه أخوة أقل شأنا منه وأصغر عمرا . إختلف الحال فى الدولة العباسية بالحضور الطاغى لملك اليمين من النساء ، وتقدمهن فى الحياة الاجتماعية والسياسية والأدبية . لذا أصبح طبيعيا أن يكون معظم الخلفاء العباسيين من أبناء الجوارى ملك اليمين . ونعطى لمحة عن أشهر جارية ملك يمين كان لها النفوذ الأكبر فى عهد زوجها وابنها ، وهى الخيزران : 

 

1 ـ "الخيزران " هي أم الخلافة العباسية منذ عصر الخليفة المهدي ثالث الخلفاء العباسيين وحتى انقراض الخلافة العباسية في القاهرة بالفتح العثماني لمصر سنة 921 هجرية / 1517 م . تزوجها الخليفة المهدي بن الخليفة المنصور ، وأنجبت له الهادي ثم الرشيد وكلاهما تولى الخلافة . ومن نسل هارون الرشيد جاء كل الخلفاء العباسيين ومن ثم فهي أم الخلفاء العباسيين .

2 ـ  قلنا إنه كانت تجارة الجواري رابحة في العصر العباسي ، كان يؤتى بهن من بلادهن الأصلية ويقوم النخاسون " تجار الرقيق " بتعليم الجارية الحسناء علوم اللغة والأدب والشعر والغناء والألحان مع أساليب المحادثة والبروتوكول .والجارية تأتى من بلادها ساذجة وسرعان ما تتحول إلى دائرة معارف وقد صقلوا عقلها لتضيف إلى جمال الوجه والجسد حلاوة اللسان وذكاء العقل وحسن الحديث وحضور البديهة وحينئذ يعلو ثمنها وتكون مرشحة لقصور الخلافة وقصور الوزراء وعلية القوم . من الطبيعى أن الجارية منذ خطفها تتقلب فى أحضان الرجال ، من الخاطفين الى النخاسين ( تجار الرقيق ) ، وفى النهاية تصل الى فراش الخليفة وهى دائرة معارف جنسية وثقافية .

3 - وكانت الخيزران واحدة من هؤلاء ..جاء بها النخاس إلى مجلس المهدي ولى العهد في خلافة أبيه المنصور ، وتأملها المهدي واستعرض جمالها يتحسس جسدها ـ كما هى العادة ـ فأعجبته إلا خشونة ساقيها ، وصارحها برأيه فردت عليه بجواب أثار عقله وكوامن نفسه ، فاشتراها وحظيت عنده ، فولدت له الهادي ثم الرشيد ، وكلاهما تولى الخلافة . ومن أبناء الرشيد تولى الخلفاء الأمين ثم المأمون ثم المعتصم ثم توالى الخلفاء من نسل المعتصم بن الرشيد وهو ابن الخيزران . فكل الخلفاء الآتين بعد الرشيد هم الخيزران . فهذه الجارية ( ملك اليمين ) هى أم الخلافة العباسية .

4 ـ ويقول أحد أحفاد الخيزران وهو هارون بن عبد الله بن المأمون يصف اللقاء الأول بين الخيزران وجده المهدي " لما عرضت الخيزران على المهدي قال لها : والله يا جارية انك لعلى غاية التمني ، ولكنك حمشة الساقين ، فقالت : يا مولانا انك أحوج ما تكون اليهما لا تراهما ...!! فاشتراها وحظيت عنده .. "

5 - ومع أن الخيزران حظيت عند المهدي إلا انه تزوج غيرها بعد أن تولى الخلافة ، ففي سنة 159 هجريا  تزوج ابنة عمه صالح بن على العباس ، ولكي يرضى حبيبته الخيزران فقد اعتقها في نفس العام وتزوجها ... ثم حج سنة 160 هجريا وأثناء زيارته للمدينة تزوج رقية بنت عمرو من نسل عثمان بن عفان ..

6 ـ ومن الطبيعي أن تكثر المشاكل بين الخيزران والمهدي وان تتجرأ عليه بسبب ما تعرفه من مكانتها في قلبه ، والمؤرخ الواقدى كان صديقا للمهدي يحكى له تاريخ السابقين ، وأثناء جلوسهما حدث مرة أن قام المهدي وقد اشتاق للخيزران ، ثم ما لبث أن عاد يشكو للواقدى يقول له : " دخلت على الخيزران فقامت الى ومزقت ثوبي وقالت : يا قشاش ما رأيت منك خيرا . واني والله ياواقدى إنما اشتريتها من نخاس وقد نالت عندي ما نالت وقد عقدت البيعة لولديها ليكونا الخلفاء من بعدى ومع ذلك تفعل بي ما فعلت ..! ". وأخذ الواقدى يحدثه ويسرى عنه ويوصيه بها خيرا ، فقد كان الواقدى من الكياسة وحسن التصرف ما يجعله يفهم ان من الخير له أن يكسب رضي الخيزران فان حصل ذلك فقد اكتسب رضي المهدي أيضا ، إذ لابد للمهدي – وهو الخليفة – أن يحكى كل شيء لحبيبته ، وفعلا حاز الواقدى رضي المهدي ورضي الخيزران وحاز جوائزهما معا .

7 - لقد تمتعت الخيزران بنفوذ سياسي هائل في خلافة المهدي إلا أن ابنها الهادي لم يكن يرتاح إلى هذا حين كان وليا للعهد في حياة أبيه ، ولم يكن ذلك خافيا على أمه الخيزران لذا استغلت كل نفوذها حتى أقنعت زوجها المهدي بأن يقدم الرشيد في ولاية العهد على الهادي .

وفى محرم 169 كان المهدي قد صمم على تنفيذ رأى الخيزران  بتقديم الرشيد على الهادي ولكن سرعان ما مات  الخليفة المهدى بطريقة غامضة !! وتولى الخلافة الهادي ... فكان لابد أن تثور المشاكل بينه وبين أمه الخيزران .

8 ـ - كان الهادي شابا قوى البنية رشيق الحركة بحيث كان يقفز على الدابة وعليه درعان ثقيلان ، وقال عنه المؤرخ ابن طباطبا انه متيقظ غيور شديد البطش ذو إقدام وعزم .  لذا كان من المنتظر أن تفقد الخيزران في خلافته نفوذها الذي تعودت عليه فى حياة وخلافة أبيه المهدى .

9 ـ ويذكر الطبري أن الهادي سمح باستمرار نفوذ أمه أربعة اشهر.  وقال :" وكانت الخيزران في أول خلافة ابنها موسى الهادي تفتات عليه في أموره وتسلك به مسلك أبيه من قبله في الاستبداد بالأمر والنهى ..إلا أن الهادي ما لبث أن ثار على ذلك الوضع ولم يحتمله فقال لها : انه ليس من قدر النساء الاعتراض في أمر الملك ، وعليك بصلاتك وتسبيحك ." . إلا أن المواكب التي اعتادت الوقوف بباب الخيزران استمرت في التوافد عليها ، واستمر أصحاب الحاجات يطرقون بابها ، فلجأت الخيزران لابنها تكلمه في قضاء بعض الأمور فرفض ، فقالت له :" إنى ضمنت هذه الحاجة لعبد الله بن مالك. ". معنى انها ضمنت شيئا أنها متمكنة من التنفيذ ومسيطرة على ابنها الخليفة . لذا غضب الهادي وقال : " ويل له .. والله لا اقضيها له ، فقالت : إذن والله لا أسألك حاجة أبدا فقال : إذن والله لا أبالى ، فقامت عنه غاضبة ولكنه استوقفها وصرخ فيها : والله لئن بلغني أنه وقف أحد ببابك لأضربن عنقه ولأقبضن ماله ، فمن شاء فليلزم ذلك ، " ثم إنطلق يؤنبها : " ما هذه المواكب التي تغدو وتروح إلى بابك في كل يوم ؟ أما لك مغزل يشغلك ؟ أو مصحف يذكرك أو بيت يصونك ؟ ثم إياك وإياك أن فتحت بابك لمسلم أو ذمي .. " فانصرفت عنه وما تعلم كيف تسير من الغضب . وقاطعته بعدها فلم تكلمه .

10 ـ وبدأ الصراع بينهما ، فقد التفت الهادي إلى أخيه هارون الرشيد يحاول أن يخلعه من ولاية العهد ليضع مكانه الطفل (جعفر ابن الهادي). وتحركت الخيزران لدرء هذا الخطر عن ابنها الرشيد .. ولم يكن لها أن تنجح في منع الهادي إلا بطريق واحد هو اغتيال الهادي .. إلا انه ليس من المنتظر أن تقدم الخيزران على اغتيال ابنها لذلك السبب وحده . لذلك  تأتى الفعلة الأخيرة من جانب الهادي لتجعل الخيزران تقتنع بأنها إذا لم تقتل الهادي فان الهادي سيقتلها وربما يقتل ابنها الرشيد أيضا .. فقد بعث لها الهادي بطعام مسموم مع رسالة منه إليها تقول : انه استطاب ذلك الطعام فأحب أن تأكل أمه منه ، وكانت على وشك أن تأكل ، لولا أن جاريتها (خالصة ) حذرتها ، وربما تذكرت المصير الغامض للخليفة المهدي من قبل ، وجاءوا بكلب أكل من ذلك الطعام فتساقط لحمه ومات ...

11 ــ ومع نجاة الخيزران من هذه المؤامرة إلا أن تآمر الهادي لم ينقطع عن أخيه الرشيد ، لذلك تحركت الخيزران فدست بعض الجواري فقتلن ابنها الهادي خنقا وهو نائم .. ومات الهادي سنة   170 هجريا . وبعثت الخيزران إلى يحيى بن خالد ليتولى عقد الخلافة للرشيد في نفس الليلة .

ومات الهادي بعد خلافة قصيرة بلغت سنة واحدة وأقل من شهرين ...

12 - واستمتعت الخيزران بنفوذها في خلافة ابنها الرشيد .. يقول الطبري : ( وكانت الخيزران هي الناظرة في الأمور وكان يحيى بن خالد البرمكى يعرض عليها الأمور ويصدر عن رأيها ...).

13 ــ وفى سنة 171 ذهبت الخيزران إلى مكة في شهر رمضان فأقامت إلى وقت الحج وحجت ، وتوفت بمكة سنة 173 ..وقد حزن عليها ابنها الرشيد وحضر جنازتها حافيا .. ودفنت بمقابر قريش .... 

المراجع

المنتظم 8 / 346

تاريخ بغداد 14 / 430

الطبري 8 / 72 ، 121 ، 188 ،205 ،206 ، 210 ، 212 ، 223 ، 230 ، 234 ، 235 ، 238 ،252 ،

 

التعليقات (2)

  تعليق بواسطة  سعيد علي    في   الثلاثاء 23 اغسطس 2016

[82922]


أم تقتل إبنها و تولي الآخر ثم تحج!!

العقلية التي كانت تسود تلك الفترة عقلية من الظلم بمكان أن ( تحل الحرام ) و ( تحرم الحلال ) هي في كل الأحوال بعيدة عن القران .. نستشف من قول الهادي لأمه : ( عليك بصلاتك و تسبيحك ) هنا يفترض بالآمر أن يعي قدر الصلاة و التسبيح و يفترض أنه على قدر عال من الإلتزام بها و لكنه يدس السم لقتل والدته!!! .

ألم يقرأ هذا الهادئ في القران الكريم وصية الحق جل و علا للإنسان ( بوالديه ) ؟ أيعقل أن يقتل الإبن أمه من أجل منصب !! أيعقل أن تقتل الأم إبنها من أجل منصب إبنها الآخر!!! .

من أسف أن هذه البيئة هي من عاش فيها من قام بكتابة الأحاديث و نسبوها لله عز و جل و لخاتم النبيين عليه الصلاة و السلام هذا مدخل مهم لتحليل ( عقلية ) الناس الذين عاشوا في تلك الفترة.

كيف نستسيغ أن يقتل المسلم أخاه المسلم ثم يقوم للصلاة يناجي ربه !! كيف نفهم أو نستوعب حملهم للقران و حفظه ثم يقتلون بعضهم بعضا !! ما هذه العقلية التي أستحوذ عليها الشيطان !! هذا حزب الشيطان الذي أستحوذ على فأنساهم ذكر الله جل و علا ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون فقد خسروا الدنيا بجرائمهم و خسروا الآخرة بكفرهم و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.

هل نتعظ !! هل نتدبر التاريخ عطفا على كتاب الله جل و علا ( النذير) ... 

 

  تعليق بواسطة  محمد شعلان    في   الثلاثاء 23 اغسطس 2016

[82924]


الواقدي أوقد شعلة الثقة عند المهدي والخيزران!؟



 نموذج المراوغة والتوازن الدبلوماسي يتبناه الواقدي ذلك المؤرخ الصديق للخليفة المهدي أوقد شعلة الثقة في عقل المهدي وفي عقل زوجته الجارية الجميلة الخيزوران، فلم يوبخ أو يغتاب الخيزوران عند حبيبها وسيدها الخليفة المهدي وقت الأزمات العاطفية بينهما،؟ مما جعل الواقدي يفوز بثقة الخليفة المهدي، بل كا يمتدحها عند الخليفة المهدي!  ويوصيه بها خيرا؟

 يعني بالبلدي كده كان بيلعب على الوجهين وجهي العاشقان، المهدي والخيزوران، وأدى ذلك ألى كسب الثقة لدى العاشقان،

 والسؤال شخصية مثل الواقديى كمؤرخ ومنظر  لعصره ، هل يمكن الثقة برواياته لحد كبير تجعلنا نؤرخ عنه ونستخلص العبر والعظات من مصارده وكتاباته ومؤلفاته.

أم أنه يجب علينا مقارنة وضبط مروياته ومؤرخاته على مؤرخي عصره؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ملك اليمين فى الحكم :(قبيحة ) أم الخليفة المعتز العباسى

مقدمة :

1 ـ عرفت الجوارى فى العصر العباسى فنون الثقافة ( الجنسية )،  وهذه الثقافة الجنسية أنهت إسطورة الحب الأفلوطونى أو الحب العذرى ، الذى كان فى العصر الأموى حيث كان الولع بقصص وشعر مجنون ليلى( قيس وليلى )  و ( كثير عزة )و ( جميل وبثينة ). وكان الشعر الأموى عفيفا فى أكثره ـ حتى شعر الفرزدق . غاية ما يقوله أحدهم هو التعزل فى العيون ، مثل جرير الخطفى القائل :

أن العيون التى فى طرفها حور    قتلتنا ثم لم يحيين قتلانا .

فى العصر العباسى  ظهر الأدب المكشوف الذى لا يتورع عن كتابته ( ليبراليون ) معتزلة كالجاحظ ، وفقهاء مؤرخون وُعّاظ حنابلة مثل ابن الجوزى .

 وفى هذا المناخ الماجن الصريح إشتهر أبو نواس ، وفيه قالت إحدى الجوارى تعبر عن وجهة نظر العصر فى الحب :

ما الحب إلا تقبيل وضمُّ          وجرُّ بالبطون على البطون

ورهز تهمل العينان منه             وأخذ بالمناكب والقرون

( الرهز :  هو حركة الرجل فى الجماع الجنسى ) . هذا أصدق شعر فى وصف الشبق الجنسى عند الممارسة الجنسية تعبر عنه أُنثى  خبيرة مُدمنة  . بدأت بأسلوب القصر ( ما الحب إلا .. ) أى لا تعترف سوى بالجنس فى موضوع الحب ، ما عدا ذلك لا ينتمى للحب فى نظرها ، ثم هذا الوصف الحركى للتشابك الجنسى بين الذكر والأنثى ، ثم تأثيره على الأنثى بالبكاء المتفجع . وحتى لم تقل ( تدمع العينان ) بل قالت  ( تهمل ) أى تتفجر الدموع من عينيها شبقا ولوعة.!!

2 ـ فى هذا العصر برزت (قبيحة ) جارية الخليفة المتوكل . بلغ من جمالها أن أطلقوا عليها لقب (قبيحة ) لم يجدوا تعبيرا عن جمالها سوى ما يسمى بالوصف بالأضداد ، وبهذا الجمال إستولت على قلب الخليفة المتوكل متفوقة على ثلاثة آلاف جارية كل منهن دخلت فراش المتوكل ، وإستباحها المتوكل ، ومع ذلك فلم تستطع واحدة منهم مسح ( قبيحة ) من قلب المتوكل وذاكرته ، فظل متيما بها . هذا يدل على أن قبيحة كانت ــ  الى جانب جمالها وفتنتها وجاذبيها ـ أستاذة فى فنون الفراش . بهذا تفوقت على غيرها من جوارى الفراش ، وبهذا وصلت الى موقع السيطرة السياسية فى حياة المتوكل ، وأوصلت ابنها الى الخلافة وسيطرت عليه.وكان لا يضارع جمالها الأخاذ إلا حبها للمال ، ومن هنا جاءت محنتها وسقوطها .

ونعطى بعض التفصيل :

 1 ـ كانت قبيحة أجمل جوارى الخليفة المتوكل العباسى ، كان المتوكل مشغوفا بها لا يطيق الابتعاد عنها، وقد ارتفعت مكانتها لديه حين أنجبت له ابنه المعتز المشهور فى عصره بابن قبيحة .وكان المعتز فى صباه شديد النبوغ والذكاء مما جعل أباه المتوكل ــ  وبتأثير قبيحة ــ  يفكر فى تقديمه فى ولاية العهد على أخيه الأكبر ( المنتصر ) ، وساءت العلاقات بين المتوكل وابنه المنتصر ولى العهد ، وتآمر المنتصر مع القواد الأتراك وقتل أباه المتوكل  حين كان يشرب الخمر مع وزيره ونديمه وصديقه الفتح بن خاقان . وبدأت سيوف الغلمان الأتراك بذلك تعرف طريقها إلى رقاب الخلافاء العباسيين ، فكان من ضحاياهم المنتصر نفسه، ثم المستعين ، ثم المعتز وأمه قبيحة. 

2 ــ ولقد عاشت قبيحة أيام عزّها فى كنف المتوكل ،  وتحكمت فى الخلافة العباسية حين تولاها ابنها المعتز. وأدّت سياستها الخرقاء إلى هلاك ابنها المعتز وإلى إذلالها فى أخريات حياتها. وما بين بدايتها ـ  محظية للمتوكل ـ  إلى نهايتها ـ  وهى ذليلة تحت أقدام القواد الأتراك ـ  شهدت قبيحة عظمة الخلافة العباسية فى عهد المتوكل ثم انحدار شأنها فى أخريات حياتها . وربما كانت قبيحة نفسها من عوامل هذا الإنحدار.

3 ــ وقد تحدث المؤرخون عن شغف المتوكل بقبيحة والحفلات الضخمة التى أقامها المتوكل حين أتم ابنه المعتز حفظ القرآن ، وقالوا أن المعتز تولى الخلافة سنة 251هجرية  حين كان فى التاسعة عشرة من عمره ، وكان أصغر من ولى الخلافة ، وأول من ركب بحُلىّ الذهب وأكثر من وقع تحت السيطرة التامة لأمه قبيحة .

4 ـ استخدمت  قبيحة نفوذها لدى القادة الأتراك فى  عزل الخليفة المستعين ، ثم جعلتهم يقتلونه بعد أن عزلته من الخلافة ،ثم خططت لابنها كى يتخلص من منافسيه من أمراء البيت العباسى ، ثم تستغل الشقاق بين القادة الأتراك لتحكم سيطرتها عليهم . وكانت قد استحوذت على الأموال والجواهر وحفظتها فى أماكن سرية .

5 ـ وكان هناك تنافس بين الأتراك  والجنود المغاربة والجنود الشراكسة ، واستغلت قبيحة هذا التنافس لصالحها ، وأثارت المغاربة على الأتراك ، فاتهم المغاربة الأتراك بقتل الخلفاء وعزلهم ، وحدثت فتن بين الفريقين ، وقتل الأتراك زعيمى الجند المغاربة .مما عزّز الشقاق والحقد بينهما .

6 ــ وجربت قبيحة أسلوبا آخر، فجعلت ابنها ( الخليفة المعتز ) يمسك يده عن دفع مرتبات الجنود ، وكانت تبلغ مليون دينار سنة 252هجرية ، أى ما يساوى دخل المملكة سنتين . وتحقق امل قبيحة لأن الجنود ثاروا على القائد ( وصيف ) زعيم القواد الأتراك وقتلوه سنة 253هجرية بسبب تأخر رواتبهم، واستراحت قبيحة وابنها من سطوة ( وصيف ) . وأعطى الخليفة المعتز مناصب ( وصيف ) إلى زميله ( بغا ) ليؤجج العداء بين  (صالح بن وصيف ) و ( بغا )  .

7 ـ وتزايد نفوذ ( بغا ) القائد التركى ، فأرادت قبيحة أن تجرب نفس اللعبة مع ( بغا ) ، بان تمسك الرواتب عن الجند لتثيرهم عليه .ولكن ( بغا ) فهم اللعبة فهجم بأتباعه على أموال قبيحة وأحتملها على عشرين بغلة ، منتهزا فرصة ركوب الخليفة المعتز  للنزهة . ولكن حرس الخليفة كان يترصد ( بغا ) وأوقعوه فى كمين وقتلوه ، وأمر الخليفة بإحراق جسده واعتقال بعض اتباعه سنة 254 هجرية.

8 ـ  وبذلك لم يبق أمام المعتز وقبيحة إلا  (صالح بن وصيف ) زعيم الجند الأتراك. وخططت قبيحة للقضاء على ( صالح بن وصيف  )، فأرسلت تستدعى ( موسى بن بغا ) إلى بغداد ليحل محل أبيه ، وفى نفس الوقت اتفقت مع الوزير ( احمد بن اسرائيل  )على ألا يعطى شيئا من الأموال إلى  (صالح بن وصيف )  ليعجز عن دفع رواتب الجند فيثور عليه الجند  ويقتلوه.  وفطن ( صالح بن وصيف ) للخطة فدخل بقوة عسكرية على الخليفة والوزير ( أحمد بن إسرائيل )  ليجعل الجنود شهودا على منع الوزير والخليفة للمرتبات ، وحدثت مشادة بين الوزير وابن وصيف ، وتأكد الجند من سلامة موقف ( صالح بن وصيف ) فضربوا الوزير أمام الخليفة ، بينما انكمش الخليفة مذعورا وقد عجز عن حماية وزيره. ثم اعتقلوا الوزير وعذبوه مع رفيقيه حتى يرشدهم إلى الأموال المخبأة .   

9 ـ وبدأ الصراع صريحا بين قبيحة و ( صالح بن وصيف ) وأرسلت قبيحة إلى ( ابن وصيف ) تأمره بإطلاق سراح الوزير ولكنه أهمل أمرها ، ونجح ( صالح بن وصيف ) فى جمع طوائف الجند حوله ، وأعلمهم أن قبيحة وابنها الخليفة يمنعان الأموال عنهم ، فأثارهم على الخليفة وأمه قبيحة .

10 ــ  ولأن ( ابن وصيف ) يعلم أن الخليفة ( المعتز ) ابن قبيحة  لا حول له  ولا قوة ، وأن الخزائن السرية فى حوزة قبيحة ، فإنه أرسل وفدا من الجند إلى الخليفة يسأله فى صرف المرتبات ، فأرسل الخليفة إلى أمه قبيحة يطلب منها خمسين ألف دينار ، فقالت له ما عندى شئ . واستمهلته حتى يقدم عليها موسى بن بغا لتستعين به فى القضاء على صالح بن وصيف. لم تدرك قبيحة أن ابنها أصبح رهينة لدى قائد الجند الأتراك وزعيمهم ( صالح بن وصيف ) . برفض قبيحة صرف مرتبات الجند أسرع ابن وصيف فاعتقل الخليفة، قبل قدوم غريمه ( موسى بن بغا )  وقام الأتراك بتعذيب الخليفة المعتز ، ثم خلعوه وعينوا مكانه الخليفة المهتدى فى رجب 255هجرية وسارعت قبيحة بالاختفاء خلال سرداب يصل من حجرة نومها إلى الخارج.  .

11 ـ وقام البحث عنها فى كل بغداد،  وفى النهاية ظهرت قبيحة ووقعت فى يد غريمها صالح بن وصيف الذى عثر على كنوزها المخبأة وكانت بالملايين . وتعجب ( صالح بن وصيف ) وهو يرى تلال الدنانير من حرص قبيحة على الأموال الى درجة أن تضحى بابنها المعتز . 

12 ـ ويبدو أن صالح بن وصيف قد اغتصب قبيحة وعذبها ثم نفاها إلى مكة ، فكانت تدعو عليه أمام الكعبة بأنه الذى إستباح الحرام منها ..!  وظلت فيها إلى أن اعادها الخليفة المعتمد الى سامرا .  وماتت سنة264هجرية .

 المراجع :

تاريخ الطبرى :9/175 ،224 ،349 ،387 ،388 ،393 ،395 ،406 ،441 ،442 ،533 تاريخ المنتظم لابن الجوزى 12/251-:تاريخ ابن كثير 11/ 11 : 160).

 

التعليقات


  تعليق بواسطة  محمد شعلان    في   الثلاثاء 23 اغسطس 2016

[82934]

 

فضيحة نالتها قبيحة



 ومن العبر والعظات التي يمكنك العثور عليها  في سطور المقال وما بين السطور، نجد  أكثر من مجرد احداث تاريخية ، ولكنها دراما مؤثرة . الجمال بدون عقيدة سليمة وثقافة قويمة   ليس بنعمة بلا هو نقمة ، على صاحبه او على صاحبته، ربما يؤدي  هذا الجمال الى القبح الأخلاقي  والروحاني والنفسي،  وهذا ما حدث مع قبيحة جارية الخليفة المتوكل فقد عشقها لجمال جسدها ووقع اسيرا له ولم ببال بقبح روحها التي جعلت الخليفة يمتنع عن دفع مرتبات الجند مما جعلهم يثورون عليه. وكان ذلك سببا في قتله.

 جمال قبيحة الجسدي وقبح روحها كانا سببا في مقتل ابنها المعتز، ودفع حياته ثمنا لجمال  امه وقبح اخلاقها،.

 كانت سببا في قتل بغا ووصيف، وهذا ما آثار حفيظة صالح بن وصيف لقتلها لمحاولتها تأليب جنوده بمنع مرتباتهم،  مما اضطراره الى قتلها بعد الاستيلاء على الثروات المكدسة المخبأة في قصرها

  وكانت متآمرة على قتل  الكثير من امراء الخلافة، في العصر العباسي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ملك اليمين فى الحكم : ( شغب ) التى حكمت الخلافة العباسية ربع قرن

 1 ـ ( السيدة )  هو اللقب الرسمى للجارية "شغب " التى أنجبت الخليفة المقتدر بالله ، والذى تولى الخلافة العباسية فى الثالثة عشرة من عمره ، فأسلم قيادته لأمه "شغب" ، فظلت تحكمه وتحكم الخلافة إلى مقتل ابنها سنة 320هجرية أى ربع قرن من الزمان ، ثم كانت نهايتها مؤلمة وحزينة .  .

2 ـ بدأت هذه الجارية بين سطور تاريخ الطبرى حيث ذكرها باسم ناعم ، وكانت جارية للسيدة أم القاسم بنت محمد بن عبد الله ، وقد رآها الخليفة المعتمد فأعجبته فاشتراها واتخذها محظية له لمدة قصيرة فحملت منه وولدت له ابنه جعفر الذى تولى الخلافة فيما بعد باسم المقتدر بالله ، إلا أن الخليفة سرعان ما انصرف عن جاريته ناعم إلى محظياته الأخريات ، ولم تكن ناعم الصفراء النحيفة تحتمل الغيرة ولم تكن تقدر على منافسة الجوارى الشقراوات الكثيرات اللاتى يحطن بالخليفة ، وكان عددهن أربعة آلاف ، فاستمرت مشاغباتها ومعاركها فى دهاليز الحريم العباسى ، فاشتد الخليفة فى عقابها وأطلق عليها لقب"شغب"الذى التصق بها منذ ذلك الحين .

 2 ـ عاشت شغب فى حلقات شجار لا تنتهى ومكائد لا تنقطع ، وعلى يديها الكريمتين لقيت جوارى محظيات حتفهن ، ومنهن العروس المصرية الرقيقة الجميلة ( قطرالندى) بنت أحمد بن طولون التى لقيت حتفها سريعا ، ومنهن دريرة التى استأثرت ردحا من الزمان بقلب الخليفة المعتضد، وقد أنشأ لها حمام سباحة ، واستحق على ذلك هجاء فاحشا من الشاعر ابن بسام ، وحين ماتت دريرة بكاها الخليفة شعرا.!

ومن ضحايا  شغب أيضا كانت الجارية الأخرى التى ولدت للخليفة ابنا تولى الخلافة باسم القاهر بالله .وقد اضطرت شغب لكفالة ذلك الوليد وتربيته مع ابنها ، ولكنه لم ينس ثأر أمه فانتقم من شغب أفظع أنتقام حين تولى الخلافة فيما بعد .

3 ــ ولم يفطن الخليفة المعتضد للموت السريع لجواريه المحظيات خصوصا من تلد منهم ذكرا له ،وحين تنبه للأمر أشارت أصابع الاتهام إلى شغب ، إلا أن الأدلة لم تكن كافية ، فقرر قطع أنفها ، ثم عدل عن الأمر إكراماً لابنه منها( المقتدر بالله) وابنه الآخر (القاهر) وهما تحت رعاية شغب وكفالتها ، واكتفى الخليفة بعزلها فى بيت أصبح لها كالسجن ،حيث تُربّى ولدها ابن المعتضد حبيبها القاسى وتجتر فيه أحزانها وأحقادها ، ولا يؤنس وحدتها إلا رفيقتها الجارية "ثمل" التى كانت تأتى لها بالأخبار وتساعدها فى مؤامراتها.

4 ــ وفى فترات العزلة هذه كانت شغب تخطط لتولية ابنها الخلافة بعد أبيه المعتضد . وبدأت خطتها بإحكام سيطرتها على ابنها بحيث أصبح لا يطيق فراقها ولا يستطيع التصرف بدون أمرها ، ثم عملت من خلال "ثمل" رفيقتها وساعدها الأيمن على التخلص من الجارية الحسناء (جيجك ) ( أم على ) أكبر أولاد الخليفة ( المعتضد  ) والمرشح وليا للعهد بعده ، وماتت جيجك بهدوء بحيث لم يتنبه الخليفة المعتضد للأمر . وكان الخليفة المعتضد شديدا فى قسوته ، بحيث كان إذاغضب على أحد من قواده دفنه حيا . والغريب انه مع سطوته مات فجأة سنة 289 ، وتولى ابنه (على) الخلافة باسم "المكتفى".

5 ــ وسمحت له شغب باعتلاء مقعد الخلافة لأن ابنها المقتدر كان لا يزال صبياً لا يصلح للخلافة .والغريب أنه فى الوقت نفسه الذى بلغ فيه إبنها المقتدر الحٌلم وأكمل عمره الثالثة عشرة فى نفس اليوم مات الخليفة الشاب "المكتفى " بالسم وتولى المقتدر ، أو بمعنى أخر تولت شغب مقاليد السلطة وظلت تتحكم فيها ربع قرن من الزمان

6 ــ وبدأت شغب سلطتها بتحريم النطق بلقب شغب الذى أطلقه عليها حبيبها القاسى المعتضد بالله ، وأصبح اسمها الرسمى "السيدة أم المقتدر" ، وكان القرار التالى هو مصادرة الجواهر التى كان المعتضد يزين بها جواريه الفاتنات من منافساتها السابقات ، وتحولت تلك الجواهر إلى أعوان شغب من الجوارى الخادمات اللائى ساعدنها فى المؤامرات ، وحصلت "ثمل" على النصيب الأكبر من جواهر الخلافة

، بل إن شغب أصدرت قرارا بتحريم لقب "ثمل" وأعطتها لقبا جديدا هو أم موسى القهرمانة ، وجعلتها وصيفتها الخاصة ، وأوسعت لها فى نفوذها بحيث كانت تعزل الوزراء .   

7 ــ ثم وجهت شغب انتقامها واحتقارها للفقهاء وعلماء الدين السنى فى عصرها ، وذلك فى سابقة لا مثيل لها فى تاريخ المسلمين ، وذلك أنها أصدرت سنة 306هجرية قرارا بتعيين ثمل قاضيا للقضاة ، فأصبحت ثمل أو أم موسى القهرمانة تجلس فى الرصافة فى بغداد كل يوم جمعة لتنظر فى شكاوى الناس وقضاياهم ويجلس معها القضاة والفقهاء وكبار الموظفين والحجاب لتنفيذ أحكامها .  وفى هذه الآونة راج حديث " ما أفلح قوما ولوا أمرهم امرأة" ، صنع الناقمون ذلك الحديث لينتقدوا به ضمن أحاديث أخرى انفراد النساء بالسلطةهذا بينما التزم كبار الفقهاء الصمت.

8 ـ وكبار الأئمة المقدسين ـ الآن ـ  كانوا يعيشون فى هذا العصر، فقد مات فى عصر المقتدر وأمه شغب محمد بن أبى داود الظاهرى وابن شريح والجنيد وأبو عثمان الحيرى والنسائى والجبائى وابن الجلاء وأبو يعلى والأستانى والرواندى والطبرى والزجاج والأخفش الصغير وأبو بكر السجتانى وابن السراج وأبو عوانة والبغوى وقدامةكما عاش فى عصر قبيحة وابنها المعتز أئمة مشهورون مثل البخارى ومسلم وأبى داود والترمذى وابن ماجة والمزنى وابن عبد الأعلى والزبير بن بكار والرياشى والذهلى وداود الظاهرى وابن مخلد وابن قتيبة وأبوحاتم الرازى وابن شبه وابن حنبل.!!. كانوا مجرد صفر على الشمال ، لا يعبأ بهم البلاط العباسى .. ثم تحولوا ــ بفضل المواشى اللاحقين ــ  الى آلهة وأنصاف آلهة فيما بعد . 

9 ــ ونعود إلى شغب وهى تنتقم من خصومها ، ففى سنة299هجرية صادرت أموال فاطمة القهرمانة وعثروا على جثتها غريقة فى دجلة ، ولحقت بفاطمة القهرمانة بقية الجوارى المسنات اللاتى أصبحن وصيفات أو قهرمانات . ونال بعض الوزراء اضطهاد شغب ووصيفتها أم موسى ، كما حدث للوزير ابن الجراح الذى لم يبد كبير احترام للقهرمانة فتعرض للطرد والمصادرة. والتفتت شغب إلى كبار القوم تصادرهم وتتلاعب بهم ومنهم الوزير حامد بن العباس وعلى بن عيسى ، وكانت تتلاعب بالوزراء تعين هذا ثم تعزله وتصادره ، وهكذا.

10 ــ ومع ذلك فقد كانت لها محاسن ، فقد أقامت مستشفى على نهر دجلة سنة 306هجرية وجهزت جيشا من أموالها للدفاع عن بغداد ضد القرامطة سنة315هجرية .   

11 ــ ولم تتوقف المؤامرات ضد شغب وابنها ، فقد حدث أن ثار الجند الأتراك وعزلوا المقتدر واعتقلوا شغب وعينوا أخاه القاهر خليفة ، إلا أن المؤامرة فشلت وعاد المقتدر للخلافة وعفا عن أخيه القاهر واستبقى حياته. 

12 ــ ولكن نجحت الثورة التالية فى قتل الخليفة المقتدر سنة 320 هـ بقيادة القائد التركى مؤنس الخادم، وتولى الخليفة القاهر الذى قام بتعذيب السيدة شغب بيديه حتى كان يعلقها من قدميها ويتركها تصرخ ، وكانت تبول فى هذا الوضع فيغطى بولها وجهها ، وظل يعذبها حتى استخلص منها كل أموالها . ولم يقتنع مع ذلك فظل يعذبها إلى أن ماتت تحت العذاب .. (تاريخ الطبرى 10/139،تاريخ ابن الأثير 6/119_تاريخ ابن كثير 11/175:169:105  ــ  تاريخ الخلفاء للسيوطى 604  -  المنتظم لابن الجوزى 13/253  ـ  الصفدى الوافى بالوفيات 16/   167

أخيرا

هذا هو العصر الذى شهد تدشين الدين السنى رسميا . عصر بالغ السوء ، أنتج دينا بالغ السوء ..!!

التعليقات (2)

1   تعليق بواسطة  محمد شعلان    في   الثلاثاء 23 اغسطس 2016

[82936]


من قتل يقتل ولو بعد حين



 الجارية الصفراء النحيلة، تهفو نفس الخليفة  المعتمد عليها ويضاجعها وتحمل منه وتنجب وليا للعهد اسمه المقتدر، ويكون لها مكانة كبيرة عند الخليفة لذلك الامر.

 تتآمر وتقتل الجواري الأخريات المسلمات المسالمات لمجرد انهن انجبن ايضا ابناءا للخليفة،  تقتل. الجارية جيجك ام الطفل القادر ، والذي اصبح فيما بعد الخليفة القادر،  وقد تبنه  شغب ليكون لها عدوا وحزناً ربته بعد ان قتلت امه ولم  ينس الطفل ذلك.

 وعندما كبر القادر  تآمر على أخيه ابن شغب المقتدر  ودبر مؤامرة لقتله وفشلت وحاول مرة أخرى وقتل أخيه ، وسجن شغب ولم يشفع لها ان ربته صغيرا ، فعذبها القادر بعد أن اصبح خليفة   للمسلمين عذبها بنفسه واشرف على تعذيبها يوميا حتى فارقت الحياة على يديه،،! فارقت الحياة على يدي  من تبنته بعد أن قتلت أمه!

 وقد تمثلت الحكمة التي تقول من قتل يقتل ولو بعد حين.

 

  تعليق بواسطة  salah elnagar    في   الأربعاء 24 اغسطس 2016

[82939]

 

حكمنا اولاد البغايا!!


 : حكمنا اولاد البغايا!!
هؤلاء هم الرجال الذين اسسوا الدولة الاسلامية، فلا غرابة ان نرى الدماء تلون كل اوراق تاريخنا…  لنرى مع بعض من انجبن البغايا؟!
المقال كان  للمؤلف أسامة عكاشة  الذي سبب أزمــــه في مصر
حيث قال بالتحديد
اشتهر الزنا عند العرب في الجاهلية والاسلام على حد سواء، يروى ان قبيلة لما ارادت الاسلام سالوا الرسول الاعظم (ص) ان يحل لهم الزنا لانهم يعيشون على ماتكسبه نسائهم.
انه ليس من الصدفة ان يبدا الصراع في الجاهلية بين اولوا الشرف من العرب كبني هاشم ومخزوم وزهرة وغيرهم وبين من اشتهر بالعهر والزنا مثل بني عبد شمس وسلول وهذيل والذي امتد هذا الصراع الى مابعد دخول كل العرب الاسلام.
ولم تكن من قبيل الصدفة ان اغلب من التحق بالركب الاموي كانوا ممن لهم سوابق بالزنا والبغاء، فهذه المهن تورث الكراهية والحقد لكل من يتحلى بالعفة والطهارة، اضافة الى انها لاتبقي للحياء سبيل وهي تذهب العفة وتفتح طريق الغدر والاثم… لنرى بعض ماانجب البغاء:
وبرنامج فضح السلفية لاستاذنا الكبير د. احمد صبحي منصور مليئ بالتفصيلات التي تخدش الحياء ، والعجيب ان شخصيات رفعها اصحاب الاديان الارضية المتأسلمين والمحمديين الي درجة الاولوهية لاتخضع للمشرط التحليلي النقدي ، امثال عمرو بن العاص الفاتح المغوار ، وزياد ابن ابيه الذي انتسب لابي سفيان لاسباب سياسية.
هذا هو عصر الخلافة الرشيد الذي يتشدق به المتأسلمين والمحمديين الذين ينادون بعصور الخلافة الإسلامية المزعومة.
وها هو أستاذنا الموسوعي يطلق الضوء ويضع العصر العباسي بمرحلتيه الاولي والثانية تحت المشرط النقدي التحليلي ، لنجد اهوال ومصائب فاجعة من قتل وسفك لدماء وتدابير شيطانية وتحكم الجواري في الحلفاء وكراسي الحكم . نجد ام تقتل ابها ، وابن يقتل أمه ويتآمر علي أخوه للوصول للسلطة والحكم ، ومن المضحك والظريف ان نجد في هذا العصر أن أمير المؤمنين ليس لديه وقت للخلافة او مراعاة رعيته ، كيف وهو يمتلك الالاف الجواري 4000 جارية مثلا ( الخليفة المعتضد مثلا ) ، نجد هؤلاء الخلفاء أمراء المؤمنين المزعومين سكريين ماجنين سفاكين للدماء .
وإذا قلنا لاصحاب الأديان الأرضية والمحمديين هذا هو عصور الخلافة الراشدة جدا !! والذين تزعمون بعودتها ثانية ، فسوف تجدهم صما بكما فهم لايسمعمون وإذا سمعوا فهم لايفهمون وإذا فهموا فهم يموتون!!
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم!!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ملك اليمين فى الحكم : السلطانة شجرة الدر

 

أولا : قبل وصولها للسلطنة

1ـ  وصل المماليك ( من ملك اليمين ) الى حكم مصر وورثوا دولة أسيادهم الأيوبيين ،  وامتد ملكهم من غرب العراق الى ليبيا ، وخضع لهم الحجاز وجنوب آسيا الصغرى ، وهم الذين أوقفوا الغزو المغولى ، وهم الذين إجتثوا الوجود الصليبى فى الشام ، وهم الذين تزعموا ـ بمصر ـ العالم ( الاسلامى )، حتى كان ملك الهند يبعث برسائل يعلن فيها إنتماءه الاسمى لهم ، وهم الذين زينوا القاهرة بمنشئات معمارية لا تزال باقية حتى الآن . ثم هم ــ قبل تأسيس دولتهم ـ الذين هزموا حملة لويس التاسع الصليبية ، وأسروا لويس التاسع ، ثم أطلقوا سراحه بفدية ذهبية هائلة . بهذا الانتصار وصل أول حاكم مملوكى للعرش ، وكان جارية مملوكة ، هى شجرة الدر ـ محظية السلطان الصالح أيوب .

2 ـ فى المرحلة الأخيرة ـ قبل السقوط ـ تنازع السلاطين الأيوبيون فيما بينهم ، مع أنهم جميعا من ذرية العادل الأيويى شقيق صلاح الدين الأيوبى ، تقاتلوا فيما بينهم ، وتعاون بعضهم مع الصليبيين ضد خصم ابن عمه . وربما كان أفضلهم السلطان الصالح أيوب فى مصر .

3 ـ كان السلطان الصالح أيوب مشهورا بالسطوة والوقار ، فما كان أحد يجرؤ على أن يبتدئه بحديث، وكان غاية فى التكبر ، حتى أن ابنه عمر كان مسجونا لدى خصمه الصالح إسماعيل الأيوبى فرفض أن يكلمه فى إطلاق سراحه ، فظل ابنه فى السجن إلى أن مات .  وهو الذي غضب على أخيه العادل وقتله وصادر أموال أم العادل، ولم يقبل شفاعة فيهما من أحد ..

4 ـ وشخصية بهذه الصفات يكون من الصعب عليها أن تعرف الحب والغرام ، ويكون من الصعب على جواريه الحسان أن تمتلك إحداهن قلبه وتتمكن من إقناعه بأن يعتقها ويتزوجها ، ولكن ذلك ما أفلحت فيه إحداهن وهى شجرة الدر ، دخلت قصره جارية تركية حسناء وما لبثت بنعومتها وذكائها أن استطاعت أن تقتحم حصون قلبه فتزوجها بعد أن أعتقها وأنجبت له ولدا توفى وهو طفل ، وهو ( خليل ) ، وصار لقبها الرسمي " أم خليل " وهذا هو ما اكتسبته من طفلها المتوفى ..!! .

5 ـ  وجاءت فرصة أخرى لذكاء شجرة الدر لكي يظهر في وقت حرج فى تاريخ مصر، إذ هجم الصليبيون على دمياط وهربت الحامية الأيوبية وتركتها خاوية على عروشها ليدخلها لويس التاسع ، وحينئذ أشتد المرض بالصالح أيوب ويأس الأطباء من شفائه فاستكتبته شجرة الدر آلاف التوقيعات على أوراق رسمية بيضاء خالية ،وكونت لجنة لإدارة البلاد برئاستها لمتابعة الاستعداد الحربي ، وبعثت بأوراق السلطان المعهودة بتوقيعه تستنفر الرجال للجهاد ، وأقامت مع السلطان في مدينة المنصورة كموقع حربى تمت إقامته على عجل فى مواجهة الصليبين . ومن المنصورة كانت ترسل وحدات فدائية تناوش الصليبين حول دمياط .

6 ـ ومات الصالح أيوب فكتمت موته وبعثت لابنه تستقدمه ليتولى الحكم بعد أبيه ، وأخذت له البيعة في غيبته ، ومع ذلك جعلت الجميع يعتقدون أن الصالح أيوب لا يزال حياً ، إذ كانت تصدر المراسيم بتوقيعه ،  وقامت بدفنه سراً ، وأبقت الأمور تسير على عادتها في القصر السلطاني وتمنع الدخول فى حجرته بحجة أنه لا يرغب في رؤية أحد .

وفى النهاية فهم المصريون أنه قد مات ولم يعلنوا معرفتهم بذلك بسبب حرج الموقف ، وعلم الصليبيون بموت السلطان فتشجعوا على التحرك إلى المنصورة وقامت اللجنة العليا بتنظيم المقاومة ثم بقيادة المعركة الفاصلة التى انتهت بإبادة الجيش الصليبي وأسر لويس التاسع في يوم الأربعاء 3 محرم 648 هـ . والفضل يرجع الى المماليك البحرية بقيادة فارس الدين أقطاى ، والمماليك السلطانية بقيادة عز الدين أيبك ، والى تدبير شجرة الدر .

7 ـ بعد الانتصار الذى أحرزه مماليك الصالح ايوب ـ بعد موت الصالح أيوب ـ وجاء توران شاه ابن الصالح أيوب ليجد العرش والنصر في انتظاره بلا مجهود . وبدلاً من أن يحفظ الجميل لشجرة الدر والمماليك تآمر عليهم ، وبدأ يعدّ العدة لأن يتولى مماليكه مقاليد الأمور بدلا من ممماليك أبيه ، فكان لا بد من قتله . وكان هذا بتخطيط شجرة الدر .

ثانيا : السلطانة شجرة الدر والخليفة العباسى المستعصم

1 ـ خلا العرش بمقتل توران شاه ، ومن الطبيعى أن يطمع فى عرش مصر أبناء عم توران شاه من صغار السلاطين المماليك فى الشام وغيره ، لذا كان لا بد من تدارك الأمر بسرعة ، واعترافاً منهم بمكانة شجرة الدر وجهودها وكفاءتها إختارها كبار المماليك سلطانة لمصر . فقد أتفق كبار الدولة المماليك على إقامة شجرة الدر سلطانة وأن يكون لها التوقيع على المراسيم السلطانية ، وكانت علامتها " والدة خليل " وخطبوا لها على منابر مصر بقولهم " اللهم وأدم سلطان الستر الرفيع والحجاب المنيع ملكة المسلمين والدة الملك خليل " . وكانت سلطنة شجرة الدر يوم الخميس 2 صفر 648 وقد لبست خلعة السلطنة وهى خمار من الحرير المرقوم بالذهب وقبل لها الأمراء الأرض حسب العادة ولكن من وراء حجاب . وكان أول قرار لها هو التفاوض مع الملك الفرنسي الأسير وتولى التفاوض معه الأمير حسام الدين أبى على ، وقد أفتدى نفسه من الأسر بأربعمائة ألف دينار .. !!.

2 ـ  ولكن الخليفة العباسي المستعصم بعث إلى مصر يتندر على تولى شجرة الدر السلطنة، ويتساءل إذا كانت مصر قد خلت من الرجال ليبعث لها رجلاً يتولى السلطنة .  واضطرت شجرة الدر بسبب رسالة الخليفة العباسي إلى التنازل عن السلطنة وتزوجت المعز أيبك وظلت تمارس سلطاتها من خلاله ..

3 ـ وكما أشرنا إلى جهود هى الجارية التى أنقذت مصر فى وقت حرج وهزمت الحملة الفرنسية وأسرت لويس التاسع ــ نشير إلى جهود الخليفة العباسي المستعصم في تضييع بلده والمسلمين أمام المغول. المؤرخ ابن طباطبا كان يعيش هذا العصر ، وصف الخليفة العباسى المستعصم فقال : ( كان مستضعف الرأي ، ضعيف البطش، قليل الخبرة بالمملكة ، مطموعاً فيه ، وكان زمانه ينقضي أكثره بسماع الأغاني والتفرج على المساخر ، وكانوا أصحابه مستولين عليه ، وكلهم جهال من أراذل العوام.! ) ". ويقول عنه المؤرخ ابن كثير: (  كان محباً لجمع المال حتى أنه استحل الوديعة التى استودعها إياه الناصر داود ( الأيوبى ) وكانت قيمتها نحوا من مائة ألف دينار ، فاستُقبح هذا من مثل الخليفة .).!"

 4 ـ وأدى نهم الخليفة للمال أن تسبب فى سقوط ملكه . فقد قطع أرزاق الجنود وأمر بتسريحهم لتوفير الأموال وذلك في وقت تهديد المغول له . يقول ابن كثير أنه  : (  صرف الجيوش ومنع عنهم أرزاقهم ، حتى كانوا يتسولون على أبواب المساجد وفى الأسواق : وأنشد فيهم الشعراء قصائد يرسون لهم ويحزنون على الإسلام وأهله .! )" .

 5 ـ   وفى نفس الوقت أسرف الخليفة المستعصم فى الإنفاق على حاشيته وجواريه وأتباعه وكانت النتيجة أن اقتحم المغول بغداد يفتكون بأهلها ويدمرون حضارتها وتراثها ، وجئ بالخليفة المستعصم إلى هولاكو في قصر الخلافة  ، فأمره هولاكو أن يرشده إلى الكنوز المخبأة فدله الخليفة وهو يرتعد على حوض فى باطن الأرض قد ملئ بالذهب ، وتعجب هولاكو من حمق ذلك الخليفة الذي يحوز تلك الكنوز ثم يبخل بها عن الجنود الذين يحمون ملكه ، ثم أمر هولاكو بإحصاء نساء الخليفة وجواريه فكن سبعمائة زوجة وسرية وألف خادمة . وتضرع الخليفة لهولاكو لكي يبقى على حريمه " اللائي لم تطلع عليهن الشمس والقمر" وضحك هولاكوا وفرقهن على عسكره ، ثم أمر بقتل الخليفة ركلاً بالأقدام . !! . وجمع هولاكو كنوز العباسيين ( فكانت جبلاً على جبل ) حسبما يقول المؤرخ الهمدانى ، وأنشأ هولاكو قلعة فى همدان لحراسة تلك الكنوز التى جمعها الخلفاء العباسيون فى خمسة قرون وأخذها هولاكو في خمسة أسابيع .!!

6 ـ  هذا هو الخليفة الذي اعترض على تولية شجرة الدر السلطنة ، هذا الخليفة أضاع ملكه وهو الرجل الحُرّ ، بينما حفظت شجرة الدر مُلك سيدها ووطنها وأسرت عدوها ـ وهى الجارية ملك اليمين .! بالتأكيد فإن هذا الخليفة العباسى ( المستعصم ) لم ير فى شجرة الدر إلا ما يراه فى جواريه ال 1700 ، ولذلك إحتجّ على توليها السلطنة . وانتهت حياته عارا ، فقد قتله عدوه هولاكو وسبى نساءه وهتك حرمته وأخذ أمواله ودولته. أما ملك اليمين ( شجرة الدر ) فهى التى أسرت عدوها لويس التاسع وسجنته حتى افتدى نفسه بأربعمائة ألف دينار مع تعهد بألا يغزو بلاد المسلمين ..

ثالثا : نهاية شجرة الدر :

1 ـ هذه سيدة بدأت حياتها بين سطور التاريخ ولكنها قفزت إلى عناوين التاريخ لتحتل مركزا فريدا في تاريخ المسلمين كأول وآخر امرأة . تتولى السلطنة!!.  وقد ارتبطت حياتها بتاريخ الشرق الأوسط في فترة حرجة ، إذ شهدت حملة لويس التاسع على دمياط وهزيمته وأسره في مدينة المنصورة ، وشهدت انتقال الحكم من الدولة الأيوبية إلى الدولة المملوكية حيث كانت هي أول سلطانة أو بمعنى آخر أول من تولى الحكم في الدولة المملوكية ، بدأت حياتها جارية محظية للسلطان الأيوبي الصالح أيوب وانتهت حياتها صريعة بنهاية مأساوية لا تتفق مع حرمه الأنثى ، ولكنها لعبة السياسة التي مارستها فلم ترحمها ، وماتت بنفس الكأس التي أذاقته لغيرها ...!!

2 ـ بسبب إستنكار الخليفة المستعصم العباسي تولية شجرة الدر للسلطنة ــ وهو يعبّر عن الرأى العام وقتها ـ تنازلت شجرة الدر بنفسها على السلطة ، وتزوجت عز الدين أيبك ليصبح أول سلطان مملوكي .الواقع أن تنازلها عن السلطان كان ظاهريا فقط ، إذ عملت على أن تظل تحكم من وراء ستار ، وتجلى ذلك في اختيارها عز الدين أيبك زوجا لها ليتولى السلطنة بالاسم بينما تمسك هي بمقاليد الأمور كلها .

3 ـ والواقع أنه كان أمام شجرة الدر مرشحان للزواج وللسلطنة ، وتنافس كلاهما على الفوز بها ، الأول فارس الدين إقطاى كبير المماليك البحرية وأشجع الشجعان وحوله عصبة من تلامذته أشهرهم بيبرس البندقدارى ( الذي تسلطن فيما بعد ) ، والثاني عز الدين أيبك كبير المماليك في القصر السلطاني وأشهر تلامذته قطز ( الذي تسلطن فيما بعد وقهر التتار ) . وأستعرض إقطاى شجاعته أمام شجرة الدر ومقدرته على قيادة القوة المملوكية المسلحة ، وكانت شجرة الدر تستمع إليه ولا ترى أنه سيكون لها دور بجانب هذا القائد الخشن الغليظ إذا تولى القيادة ، ولعلها كانت تستمع إليه وعقلها مع حديث أيبك إليها حين كان يكلمها بحديث القلب والغرام . وقد اقترب أيبك منها كثيرا في القصر ، ورأت فيه الزوج المطيع والحبيب الولهان فقررت اختياره للزواج لتستمر في تمتعها بالسلطنة ، حيث اعتادت أن تأمره واعتاد هو أن يطيعها . ورفض إقطاى الاعتراف بذلك الزواج وبدأ أتباعه التحرش بالسلطة ، فتخلص منه أيبك وشجرة الدر بالاغتيال .

4 ـ وصفا الجو إلى حين لشجرة الدر وحبيبها أيبك .. ولكن ما لبث أن ضاق أيبك بتحكمها فيه ، وبدأ يعمل على التحرر من نفوذها . فاسترجع زوجته زوجته القديمة ( أم على  )، وبعث يخطب لنفسه الأميرة الأيوبية صاحبة الموصل . وجن جنون شجرة الدر خصوصا وقد هجرها أيبك ونزل في باب اللوق التي كانت تشرق على بحر النيل في ذلك الوقت . أكلتها الغيرة وحرمتها النوم والتفكير السديد . وفى غمرة هيجانها عليه تآمرت على قتله ، وظنت أن الأمر يمكن أن يصفو لها ويعود لها سلطانها إذا قتلته ، ولم تعرف أن غيرتها الأنثوية طغت على ذكائها المعهود ، إذ أن مماليك أيبك الذين استكثر منهم لن يرضوا بمقتل سيدهم ، وقد سبق لأولئك المماليك أن قتلوا أقطاى نفسه بإشارة من سيدهم أيبك . ومن الطبيعي ألا يسكتوا إلا بقتل شجرة الدر ، خصوصا وان فرصتهم في علو السلطان ستكون أكثر لدى ( على بن أيبك ) إذا انتقموا له من قاتلة أبيه . أخطأت شجرة الدر في حساباتها حين تناست قوة المماليك المعزية ( أي عز الدين أيبك ) .

5 ـ أرسلت شجرة الدر إلى أيبك تسترضيه وتستحلفه بالغرام أن يعود إليها وأن تكون له كما يتمنى ، وانخدع بحديثها فجاء وبعد اللقاء والوصال كان الاغتيال ، وحين دخل الحمام فوجىء بالزبانية يكمنون له في الظلام فخنقوه من خصيتيه ، فصرخ يستنجد بالحبيبة شجرة الدر . فغلب عليها ضعف الأنثى فهتفت للزبانية ترجوهم ألا يقتلوه ، ولكنهم أغلظوا لها القول لأنه لو عاش سيهلكهم جميعا .. وهكذا رحل السلطان عز الدين أيبك بعد ليلة سعيدة أليمة .!.

وثار مماليك المعز أيبك عندما علموا بموت السلطان ، واعتقلوا جواري القلعة وعرفوا أن القاتلة هي شجرة الدر ، فقبضوا عليها وعلى القتلة وأقيم  الطفل ( على بن أيبك  ) سلطانا ، ثم صلبوا القتلة ، وقاموا بتسليم شجرة الدر إلى غريمتها وضرتها  ( أم على ).

6 ـ - فماذا فعلت ( أم على ) مع شجرة الدر ؟ .كان انتقامها منها هائلا ، جعلت الجواري يضربنها بالقباقيب حتى الموت ووقفت هي تنظر إليها وهى تموت ، ثم أمرت بإلقائها من فوق سور القلعة شبه عارية ، وفى النهاية حملوها في قفة ودفنوها !! .

وإبتهاجا بموتها وزعت أم السلطان على ( أم على ) حلوى من نوع جديد ( لبن وزبيب وسكر ومكسرات وخبز من نوع مخصوص )، ووصلت هذه الحلوى فى أطباق الى سكان القاهرة ، فأطلقوا على هذه الحلوى ( أم على ) . ولا تزال مشهورة بهذا الاسم حتى الآن ، وهم من اشهر الحلوى الشرقية ، بل وصلت الى أوربا ، وهى مشهورة فى انجلترة باسم (أومالى ) أى  ( أم على ) بالانجليزية . 

7 ـ وبهذا وصلت شجرة الدر الى (عرش التاريخ ) ( سلطانة )، بينما وصلت (أم على ) الى ( مطبخ التاريخ ) طباخة .!! .. وكلتاهما ملك يمين .! 

أخيرا : ـ وتبقى لنا العظة :

  1 : فلا زلنا نعيش في عصر المستعصم وثقافة المستعصم ، ثقافة ( نصفنا الأسفل  ) ، ونعتبر المرأة مجرد جسد للمتعة الحسية سواء كانت من الحرائر أم من ( ملك اليمين ) ، فبهذا تنطق تشريعات الدين السُّنى ( وخصوصا الحنبلى ) ، وحول ذلك تدور أفكار التراث العباسي ، وقد تأثر بها الخليفة المستعصم فاعتنق فلسفة النصف الأسفل، وقضى حياته يعيش في ظل غابة من السيقان وتتكون تلك الغابة من سبعمائة زوجة وسرية وألف خادمة ، ظل جالسا عاكفا بين سيقان الحريم ولم يحاول مرة أن يسمو إلى حوار مع عقل امرأة منهن ، حتى إذا جاءه هولاكو وسلبه أمواله لم يفزع ، فإذا سلبه نساءه ومملكته بكى على سيقان حريمه اللائي لم تطلع عليهن الشمس .

  2 : عوقب بعض الأحرار ـ من الذكور والإناث ـ بالاسترقاق ، ظلما وعدوانا . وبعضهم كوفىء بأن وصل الى التحكم فى السلطة ، مثل كافور وجوارى الخلافة العباسية ، ثم وصلت إحداهن لأن تكون سلطانة رسمية تحكم شعبا من الأحرار والحرائر .

  3 : ولا زلنا نقع فى خطيئة الخلط بين الإسلام والمسلمين ، فنجعل الإسلام العظيم مسئولاً عن تلك النظرة الخاطئة للمرأة ، جاهلا بأن المسئول هو الدين السُّنى وليس الاسلام . وهذا الخلط بين الاسلام وأديان المسلمين الأرضية ظلم هائل لرب العزة جل وعلا ، وظلم للبشر أيضا ، علاوة على أنه يعرقل الاصلاح الذى نقوم به . يكفى أن أعدى أعداء الاسلام يحملون لقب ( إسلاميين ) وإرهابهم المخالف للإسلام يوصف بأنه ( جهاد إسلامى ) ونظرتهم الدونية للمرأة يُقال أنه ( شريعة إسلامية ) .!!. وفيما يخصُّ موضوعنا فإن  ( فقه النصف الأسفل ) فى الشريعة السنية  يتم تدريسه فى الأزهر والتعليم الدينى فى دول الخليج ومعظم الدول العربية ، ويجد له الكثير من الدعاة من الرجال والنساء ، تزدحم بهم وسائل الاعلام ووسائل المواصلات ، بينما لا نجد نحن وسيلة إعلامية ننشر بها التنوير الاسلامى الأصيل ، بل حتى نعجز عن بناء ( مُصلى ) نقيم فيها صلاة الجمعة ..!!. وذلك يعنى شيئاً محدداً أننا نعيش عصر الخليفة المستعصم .. حتى لو كان لدينا الملايين من شجرة الدر.. !!

المراجع

العبر 5 / 222

السلوك 1/ 361

ابن كثير 13 / 199

النجوم الزاهرة 7 / 56

حسن المحاضرة 2 /39

شذرات الذهب 5/ 268

فوات الوفيات 16 /120    

 

التعليقات

salah elnagar    في   الخميس 25 اغسطس 2016

[82950]


صلاة النبي احسن!!



صلاة النبي احسن!!
هي مقولة للفنان القدير توفيق الدقن كنوع من السخرية والفكاهة في افلامه السينمائية التي لاتسي.
وبعدما قرأت هذا المقال التنويري كالعادة لاستاذنا الموسوعي د. منصور لم اجد تعبيرا لعنوان التعليف اظرف من هذا!!
مصائب وفضائح للخلافة الإسلامية المزعومة ظلما وبهتانا ، ويرددها اصحاب عاهات الأديان الارضية دون أن يعرفوا شيئا عن هذا التاريخ الدموي النازي الفاشي.
سلاطين تموت بالتآمر والسموم ، وأمهات تقتل أبنائها الخلفاء طمعها في الحكم والسلطان ، وجواري اعتلين كراسي الحكم والسلطنة وفقهاء ألفوا أحاديث مضادة نسبوها للنبي عليه السلام كدعوة مضادة ضد كهنوت المرأة ايام عصرهم ، يرددها عاهات المتأسلمين والمحمديين علي أنها دين يعمل به في العقائد ، جهل من بعد جهل وظلمات فوق ظلمات تحتاج سنوات من الجهاد السلمي التنويري لإزالة هذا الخبث والصدأ الخرافي فيما يسمي بالسنة الاحاديث . اللهم نسألك بأسمك العظيم ان تنصر دينك القويم القرآن المبيين.
أنا من عشاق مقالات وكتب د. منصور لاسباب عدة ; سهولة الاداء وتبسيط المعلومة في أسلوب بلاغي رائع لما أري من قبل بالاضافة للكم الهائل من المعلومات الثقافية والتاريخية الممزوجة في قوالب درامية اتمني من الله جلا وعلا ان تخرج للنور وتفضح اساطين الأديان الأرضية ، هذا بجانب ان مقالات د. منصور تصيب الجانب الداخلي الا وهو القلبinner side .
أكلت ام علي كثرا وكنت اتسائل دائما " مين هي ام علي وليه مش ام حسن ولا ام اسماعيل ؟ 
وقد أجابني د. منصور اليوم ، بورك فيكم.
وسأذهب الي منزلي لعمل ام علي بعدما عرفت من هي ، واتخيلها وهي تضرب شجرة الدر بالقبقاب حتي الموت ، وتضعها في قفة وتدفنه . ولا أعلم كيف سأكل أم علي بعد هذا المشهد الدموي!!
صلاة النبي أحسن !! هههههههه

( ملك اليمين : لمحة أصولية تاريخية )
فكرة عن الكتاب
لأن التشريع القرآنى تعرض لموضوع ( ملك اليمين ) فإن بعضهم يتهم الاسلام بالاعتراف بالرق وتسويغه بينما حرمته اوربا وأمريكا . هؤلاء يتناسون أن الاسترقاق لا يزال قائما حتى اليوم ولم تفلح اوربا وامريكا فى منعه بل فاقمت مشكلته ، وأن الحل الاسلامى فى علاج الاسترقاق هو الأفضل . التفاصيل فى هذا الكتاب ، الذى بدأ مقالات ، أحدثت الكثير من الردود والتعليقات ، ولأهميتها ننشرها مع المقالات فى هذا الكتاب . وروعى فى تقسيم المقالات أن تتناغم مع عناوين الفصول .
والله جل وعلا هو المستعان .
أحمد صبحى منصور
أغسطس 25 / 2016 .
more