رقم ( 6 ) : يتكون من سبعة فصول
الباب الثالث : وعظ حسنى مبارك ( اللعين ) قبيل الثورة المصرية 2011

الباب الثالث : وعظ حسنى مبارك ( اللعين ) قبيل الثورة المصرية 2011

 الفصل الأول : كارثة التوريث بين معاوية وحسنى مبارك

الفصل الثانى :    معاوية وحسنى مبارك بين التجويع والتسقيع

مقالات متعلقة :

الفصل الثالث : وعظ الرئيس (محنط) حسني مبارك: تغيير المناخ الثقافى بين معاوية ومبارك : 

 الفصل الرابع :   رفع الإصر عن شعب مصر

الفصل الخامس : وعظ المعارضة المصرية الراهنة : لا بد من الاستقواء بالخارج

الفصل السادس : المستبد يصنع شعبه

الفصل السابع :   مصر: من القطط السمان الى عصر الحيتان

 

 

الفصل الأول :  كارثة التوريث بين معاوية وحسنى مبارك

 

تاريخ النشر: 2010-03-16

 

موضوع البحث فى وعظ السلاطين أخذنا الى زياد بن أبيه، ومعاوية والمغيرة ومقتل حجر بن عدى ، فتعثرنا فى موضوع التوريث. وكان لا بد أن نتوقف مع كارثة التوريث التى بدأها معاوية فى تاريخ المسلمين، والتى يحاول حسنى مبارك أن يبدأ بها فى تاريخ مصر (الجمهورية). لذا نتوقف مع موضوع التوريث بين معاوية وحسنى مبارك.

وفى كل الأحوال فلا ينبغى أن تمر هذه الحلقات من وعظ السلاطين بدون توجيه وعظ لسلطان مصر وهو يعيش نهاية عصره ، ينصحه الجميع ويعظونه سياسيا ودينيا بأن يرحل فى سلام وهو يأبى إلا أن يظل جاثما على قلب المصريين ما بقى فيه عرق ينبض . وبالتالى فلم يدع للمصريين من فرصة سوى الدعاء عليه بألا يظل فيه عرق ينبض.

وإذا كان موضوع التوريث فى عهد معاوية قد استلزم الكثير من وعظ السلطان فإن التوريث فى عهد مبارك يستلزم أيضا توجيه الوعظ لمبارك، مع التأكيد بأن الوعظ لا يفيد، وأنه حتى لو تنازل مبارك وابنه عن موضوع التوريث فلن يكون ذلك التنازل تقوى أو خوفا من الله جل وعلا المنتقم الجبار، ولكن سيكون خوفا من سلطة أقوى داخلية أو خارجية، حقيقية أو مفترضة.

اولا : أوجه الشبه والتناقض بين معاوية ومبارك ( إجماليا )

 

1 ـ ليس هناك وجه شبه كبير بين شخصيتى معاوية وحسنى مبارك .

معاوية أحد دهاة العالم . ومن الناحية السياسية ـ وليس الاخلاقية او الاسلامية ـ هو من أعظم من شيدوا الدول ، وصنعوا التاريخ، وغيروا تاريخ العالم محليا واقليميا وعالميا، مع انه أتى من الصحراء (ولم يحصل على الاعدادية).

بعد موت معاوية بحوالى 1350 سنة تقريبا شاءت إرادة المولى عز وجل ـ الذى لا يحمد على مكروه سواه ـ أن يأتى للعالم المواطن المصرى حسنى مبارك فى عصر مختلف عن عصر معاوية ، لذا فقد تعلم مبارك مالم يتعلمه معاوية وركب حسنى مبارك ما لم يتخيل معاوية أن يركبه ، ولكن يظل الفارق هائلا بين عبقرية معاوية وعقلية مبارك المتوسطة ، ويظل الفارق كبيرا بين إنجاز معاوية السياسى وإنجاز مبارك.

هو نفس الفارق بين من يقيم ملكا من لاشىء، ليس مجرد ملك بل امبراطورية واسعة الارجاء تكون أكبر قوة فى عصرها، وبين من تتحفه الحظ بوراثة حكم مصر بلا أى استحقاق ، ثم لا يكتفى الحظ بذلك بل يرث دستورا يخول له أن يتحكم فى كل شىء ولا يكون مسئولا أو مساءلا عما يفعل ، ثم أن يستمر فى السلطة طالما ظل حيا . وبرغم هذا فإن خوفه جعله يفرض قانون الطوارىء ليزيد من تحكمه وتسلطه بدون حدود من قانون سوى قانون الغاب المسمى أدبا بقانون الطوارىء. ثم يستغل هذا القانون فى السرقة وقهر المصريين و الهبوط بمصر ومكانتها الى القاع .

2 ـ مع كل تلك الفوارق بين معاوية العبقرى السياسى وحسنى مبارك فان ما يجمعهما هو ( التوريث ) . معاوية أول من ابتدع التوريث فى تاريخ المسلمين ، وحسنى مبارك أول من طرح توريث الحكم فى مصر الجمهورية.

وحتى فى موضوع التوريث الذى يجمعهما تجد الفارق الكبير بينهما .

2 / 1 : التوريث فى عهد معاوية كان القاعدة فى العالم كله وفق ثقافة العصور الوسطى ، وكان الاسثتناء فى دولة النبى محمد عليه السلام ، والتى تم تدميرها على يد قريش والأمويين .

أما التوريث فى عصرنا الراهن فهو استثناء ، لم يعد يوجد الا فى البلاد المتخلفة من الأنظمة الملكية والجمهورية (الدول العربية وكوريا الشمالية مثلا) أما النظم الملكية فى أوربا (انجلترة و هولنده مثلا) فهى قمة الديمقراطية ، والعائلة الملكية التى تتوارث الملكية ليست سوى رمز للأمة و الشعب دون أى تدخل فى الحكم.

أى إن معاوية حين بدأ بتوريث الحكم لابنه فقد كان يرجع بالثقافة السياسية الى المتعارف عليه فى العصور الوسطى (لاحظ أننا نتكلم بلغة السياسة وليس بلغة الاخلاق والاسلام). أما مبارك (رئيس جمهورية مصر العربية) فهو خارج عن ثقافة العالم المتحضر حاليا والقائمة على الديمقراطية وتداول السلطة و الحرية و العدل وحقوق الانسان وحكم القانون الطبيعى وليس العسكرى والاستثنائى . ثم يتطرف فى الخروج عنها بالتوريث.

2 / 2 : معاوية ـ مع عدائه للاسلام والدولة الاسلامية ـ فقد كان متصالحا مع عصره ووقته، أما حسنى مبارك فمع عدائه للاسلام فهو أيضا فى صف التناقض مع عصره ومع وقته.

2 / 3 : معاوية بما فعله من توارث للحكم وتشييد حكم عائلى اختلف مع من سبقه من الخلفاء ، لذا لم يجعلوا معاوية ضمن الخلفاء (الراشدين) . وبالتالى لا تصح المقارنة بينه وبينهم لأنه ملك من الملوك وليس خليفة جاء بالانتخاب بل عبر حرب اهلية ، ومن ثمارها السامة أن أصبح ملكا ، وبالتالى اعتبر من حقه توريث الحكم .

أما حسنى مبارك فهو رسميا رئيس فى جمهورية مصرية عليه أن يتمسك بأول ملمح من ملامح الجمهورية، وهو عدم التوريث ، خصوصا وأنه ـ مبارك ـ لا يمثل أسرة عريقة قوية شديدة البأس كالأسرة الأموية التى كانت قاعدة لمعاوية فى تأسيس ملكه بل وكانت مبررا سياسيا له فى أحقيته بالحكم .

مبارك صعد للسلطة ممثلا للجيش الحاكم فى مصر منذ حكم العسكر عام 1952 ، وتداول السلطة فيه للعسكر ، وهكذا فعل عبد الناصر باختيار السادات نائبا له ، وكذلك فعل السادات باختيار مبارك نائبا له. وبالتالى فقد خرج مبارك عن قاعدة تداول السلطة ( العسكرية ) التى تجعل الرئيس هو ( القائد الأعلى ) للقوات المسلحة ، ويريد مبارك أن يجعل ابنه بعده رئيسا وبالتالى يكون قائدا أعلى للقوات المسلحة ، فهل يصح أن يكون القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية إبنا مدللا مترفا ، بل وهاربا من التجنيد ؟

وفى الوقت الذى لم يجرؤ فيه عبد الناصر على جعل ابنه خالد ولى عهد له، ولم يجعل السادات ابنه جمال ولى عهد بعده نرى مبارك يجهز ابنه للتوريث، مع أن الفارق هائل بين عبد الناصر والسادات من جهة ومبارك من جهة. تستطيع أن تختلف مع عبد الناصر كيفما شئت ولكن لا تستطيع إنكار منجزاته. وتستطيع أن تسبّ السادات كيفما شئت ولكن لا تستطيع مقارنته بحسنى مبارك . حسنى مبارك تفوق على الجميع فى الفساد والاستبداد وفى كراهيته للشعب المصرى وكراهية الشعب المصرى له، ولولا ارهاب التعذيب وسلطة قانون الغاب (الطواريء) ما بقى مبارك فى الحكم يوما واحدا . وأعتقد أن ما سيظهر من خفايا بعد رحيله وأن الوثائق التى سيتم نشرها فى نهاية هذا القرن عن حكم مبارك ستجعل من مبارك شخصية تاريخية تتعب المؤرخين فى العثور على أيجابية واحدة فى شخصه أو فى عصره.

هذا بينما هلل ويهلل كثير من المؤرخين لمعاوية.

2 / 4 ـ تعب معاوية وناضل وهو يشارك فى إقامة الامبراطورية العربية القرشية، ثم تعب وناضل وقاتل حتى وصل لحكمها منفردا، وهو يرى من العدل أن يرثها ابنه بعده، خصوصا بعد وفاة كبار الصحابة المنافسين له ولم يعد سوى أبنائهم، وهو يرى إبنه أحق بوراثة الملك من أبناء الصحابة، وهو منطق (سياسى) لا غبار عليه ، حيث تركزت القوة حول معاوية بشخصه وعائلته وتاريخه ونضاله .

بعكس مبارك ، الذى ورث ـ وظيفيا ـ حكم دولة ، لمجرد أن الحاكم العسكرى ـ السادات ـ إختاره ليكون نائبا له فى لحظة مأساوية من لحظات الكوارث التاريخية . بقرار السادات جاءت السلطة لمبارك تسعى له على طبق من ذهب بدون تفكير أو تعب . ثم هو يستخدم موارد الدولة فى خدمة التوريث ، حتى يركب الفتى المدلل أكتاف المصريين ويضع حذاءه فوق شرف العسكرية المصرية .

المهم أن معاوية كان يرى من حقه أن يورث ابنه الامبراطورية التى أقامها وتعب فى أقامتها مع اسرته الأموية وبلغ بهذه الامبراطورية عنان السماء قوة وسلطة بحيث كانت أكبر قوة فى العالم وقتها . بينما مبارك الذى ورث

بالصدفة  ملكا لا يستحقه وهبط به الى حضيض الفقر و المذلة والعار يرى أن من حقه توريث هذا الملك لابنه ليكمل إجراءات الدفن لمصر والمصريين.

التناقض بين شخصيتى معاوية وحسنى مبارك يماثل التناقض بين قمة ايفرست فى جبال الهملايا ومنخفض القطارة فى صحراء مصر الغربية.

ولكن الشبه الوحيد بينهما هو فى التوريث . معاوية أول خليفة فى تاريخ المسلمين يقيم التوريث لابنه بعد خلفاء سابقين لم يقم احدهم بتوريث ابنه. وحسنى مبارك رئيس لجمهورية مفهوم انها تختلف عن النظام الملكى المعتمد على التوريث، ولكنه ـ حسنى مبارك ـ خلافا للسادات وعبد الناصر يريد توريث ابنه، مع الفارق الكبير بين انجازات عبد الناصر والسادات ولا انجازات لمبارك سوى فى السرقة والفساد .

أخيرا: وعظ السلطان مبارك

1 ـ تكلف التوريث الأول (معاوية لابنه يزيد ) مقتل آلاف من العرب والزعماء القرشيين وغيرهم، ومن آل البيت وبنى أمية معا، ومن أكبر فرعين للقبائل العربية: ( قيس ) من القبائل العدنانية المضرية و( كلب ) من القبائل اليمنية القحطانية.

تكلف هذا التوريث مذبحة كربلاء واقتحام المدينة فى موقعة الحرة واستباحتها وقتل الالاف من سكانها واغتصاب حرائرها ، وتكلف محاصرة مكة و انتهاك حرمة الكعبة. والكوارث الثلاث حدثت متتابعة خلال السنوات الثلاث التى حكم فيها الوريث يزيد بن معاوية.. تكلف التوريث غصة فى قلوب المسلمين لا تزال حية الى اليوم تتكرر فى ذكرى مقتل الحسين فى عاشوراء.

تكلف التوريث موت الوريث بعد أعوام ثلاث فقط من الحكم، فى فورة الشباب، ثم زوال الحكم من ذرية معاوية لصالح مروان بن الحكم وذريته.

تكلف التوريث قيام الدولة الأموية فعلا ولكن سقوطها فى عزّ شبابها ،إذ كانت تحارب فى الداخل والخارج معا . كانت تواجه ثورات العلويين و الشيعة و الزبيريين و الخوارج والموالى والأقباط والبربر . الى أن أسقطهتا دعوة العباسيين عام 132 هجرية .

تكلف ذلك التوريث حقدا هائلا حمله خصوم بنى أمية لهم ، وظهر هذا فى قيام العباسيين باسئصال كل الأمويين فلم ينج منهم الا من اختفى ، وأشهر من اختفى وطورد كان عبد الرحمن (الداخل) الذى هرب للاندلس وأقام ملكا له هناك . إلا أن أكبر مظهر لكراهية الأمويين تجلى فى نبش قبور خلفائهم والتمثيل برفاتهم ، بدءا بمعاوية الذى لم يعثروا فى قبره إلا على خيط من بقايا عظام وتراب .

حدث كل هذا بسبب توريث معاوية لابنه . مع أن معاوية تميز بشخصيته وقوة اسرته وجيشه الذى صنعه ويدين له بالولاء ويدافع هذا الجيش عن التوريث ويخدم بكل اخلاص انتقال الحكم من مورث الى وريثه .

2 ـ وليس هذا نفس الحال مع مبارك ومشروعه للتوريث .

مبارك لا يملك الجيش المصرى، ولكنه يمثل الجيش المصرى فى ذلك النظام العسكرى المتحكم فى مصر منذ 1952. وبالتالى ليس له الحق ـ عسكريا ـ فى ان يضع ابنه (المدنى) حاكما عسكريا بعده .

صحيح أنه بالقوانين التى استحدثها مبارك جعلت له السيطرة على الجيش بحيث لا يترقى إلا من يضمن مبارك ولاءه، وصحيح أنه هو الذى يتحكم بالعزل و الترقية فى كبار القواد بحيث أن من يتفوه منهم بكلمة ضد التوريث مصيره الى (هناك)، ولكن الصحيح أن هذه السلطة المطلقة على الجيش مرهونة ببقائه حيا مكتمل الصحة و العافية . ولو كانت سلطته مطلقة وكلمته مسموعة ومطاعة فى صحته وفى مرضه وفى حياته وبعد مماته لبادر بتنفيذ التوريث وفرضه مثلما فعل معاوية فى حياته وقبل مماته .

مبارك يعرف أن الطاعة له طالما ظل حيا قادرا على الحكم ، وبموته أو حتى بدخوله فى غيبوبة طويله ستزول تلك الطاعة وسيذوب ذلك الولاء ، ويقبض الجنرالات على السلطة ، وعلى الوريث وآل الوريث . ربما يفكر فى طريقة ما للحيلولة دون ذلك ، ولكنه لم يعثر عليها بعد بدليل أنه حتى الآن لا يزال يقترب ويبتعد من موضوع التوريث بين النفى والاثبات.

3 ـ خوف مبارك الأكبر هو على ابنه الوريث حين ينفض عنه الأنصار و راقصو المواكب ، ويجد الوريث نفسه وحيدا معتقلا فى زنزانة مظلمة ينتظر أن يضحى به الحاكم العسكرى الجديد متقربا لعشرات الملايين من المصريين المطالبين بالانتقام من مبارك ، بعد أن يتم الكشف عن فضائح مبارك.

خوفنا نحن على هذا البلد العريق ( مصر ) من أن يجرها تنفيذ التوريث الى بعض ما حدث للعرب المسلمين بسبب توريث معاوية لابنه. مع الفارق المشار اليه آنفا بين التوريث الراهن و التوريث الماضى .

4 ـ ولهذا نعظ السلطان مبارك .

لا نقول له ( اتق الله ) فلم يحدث أن اتقى الله جل وعلا فينا منذ أن ظهر فى السلطة .

ولكن نقول له : لا تنخدع بعبارات النفاق والولاء التى تتبعثر عند قدميك ، فأصحابها هم أول من سيغمس خنجره فى قلب ابنك لو جعلته وريثا بعدك.

نقول له: تذكر ما فعلته أنت بالسادات وآل السادات بعد موت السادات وزوال سلطانه، مع أن السادات هو صاحب الفضل عليك، وهو الذى رفعك فوق من هم اكبر منك، وهو الذى أوصلك لما أنت فيه. وكل ما فعله السادات أنه أدى الأمانة الى صاحبها وهو الجيش فاختارك انت لتكون نائبا له أى وريثا بعده محترما المؤسسة العسكرية التى ينتمى اليها. ومع ذلك فأنت لم تخلفه بالخير فى اسرته وعائلته. فماذا سيفعل قادة العسكر مع ابنك إذا إئتمنتهم على ابنك الوريث؟ وهل يملك القائم على الأمر من بعدك أن يعادى كل المصريين الكارهين لك حبا فيك؟ وهل يضحى بنفسه أمام غضب الشعب لكى يفرض ابنك بعدك حاكما؟ . من الطبيعى أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة ، وطبيعى أن مبارك قد تخلص من القادة الأكفاء أصحاب الرأى ، ولم يسمح بالترقى إلا للمنافقين ، سواء فى الجيش أو فى بقية المؤسسات . وأولئك المنافقون يتحملون الأذى ، يبتسمون عند الاهانة وينتظرون الوقت للانتقام . وسيأتى وقت الانتقام حين ترحل تاركا ابنك رهينة فى ايديهم.

مجنون ذلك الجنرال الذى يتحرر من سلطتك عليه ومن إذلالك له ، ثم يتنازل عن سلطته لابنك ، بل يتطوع بأن يجعل رقبته تحت سيطرة ابنك راضيا لنفسه هذه التضحية ، ليس للوطن ، ليس للشعب ، ليس لمصر ولكن لفتى مدلل مترف ، كل ميزته انه ابن رئيس سابق .. حتى افتراض أن الرئيس السابق كان محبوبا من الشعب .. فماذا إذا كان الرئيس السابق هو حسنى مبارك ؟

5 ـ نحن أحرص على ( حسنى مبارك وعائلته ) من ( حسنى مبارك ) نفسه . ولقد قلتها من قبل فى مؤتمر صحفى فى واشنطن أطالب مبارك بالرحيل سلميا واعداد مصر لحكم ديمقراطى حقيقى مؤكدا ان هذا من واقع الحرص على مبارك واسرته. ليس هذا حبا فى مبارك . بل حبا فى مصر وحرصا على مصر وخوفا من أن تنجر مصرالى حرب أهلية .ارحل يا مبارك حرصا على ابنيك وزوجتك واحفادك. وانس موضوع التوريث. وكفى ما حدث لمصر منذ أن توليت أمرها. وعفا الله جل وعلا عما سلف.!!

آخر سطر:

قالت أم كلثوم: (وكفاية بقى.. تعذيب وشقى)..!!

 

الفصل الثانى :    معاوية وحسنى مبارك بين التجويع والتسقيع

 الجزء الأول: التجويع  

  

تاريخ النشر: 2010-03-21

 

كالعادة لا بد من استكمال موضوع بدأناه، وهو المقارنة بين معاوية وحسنى مبارك ، لنصل الماضى بالحاضر، ولنستفيد من عبر التاريخ، حيث أصبح قدرنا أن نتقدم للخلف ، نعيد إنتاجه ـ ليس الجانب المضىء فيه ولكن ألأشد سوادا ، وتكون الكارثة أن يتفوق علينا الماضى الأصل الذى ننقل عنه ، فيكون الماضى ـ فى مساوئه ـ أكثر بريقا من الحاضر التعس ، وأكثر رحمة بالمظاليم .

فى الحلقة السابقة كانت المقارنة بين معاوية ومبارك فى كارثة التوريث. ووضح فيها الفارق الهائل بين سيئات معاوية فى القرون الوسطى وكوارث مبارك فى العصر الحاضر.

وفى هذا المقال من سلسلة وعظ السلاطين نتوقف مع عناصر الاتفاق والاتفاق بين سياسة معاوية وسياسة مبارك، ليتوجه الوعظ للسلطان القائم (حسنى مبارك) وهو يدرك قرب نهاية عمره، فلعله يراجع نفسه ويفعل خيرا فى هذا الشعب المصرى الذى وقع أسيرا لسياساته حوالى ثلاثين عاما.

أولا: المشترك والمختلف فيه سياسيا بين معاوية ومبارك فى ايجاز

1 ـ هناك عناصر مشتركة فى سياسة معاوية ومبارك فى الاحتفاظ بالسلطة و توريثها ، مثل استعمال الأعوان واستخدامهم ، ثم التخلص منهم لو أصبحوا خطرا على السلطان ، ومثل التخلص من المشاغبين السياسيين الذين يمثلون خطرا، مع السماح بحرية القول بمقدار محسوب للتنفيس عن المكبوت من المشاعر والأحاسيس ، والاغداق على الأنصار واضطهاد الخصوم، وتكوين معارضة مظهرية تجالس السلطان وتعارضه، مع الضرب بقوة على المعارضين المسلحين (الخوارج فى عهد معاوية والجماعات المتطرفة فى عهد مبارك).

2 ـ ولكن يظل الفارق واسعا بين (سماحة معاوية) و (غلظة مبارك) فى تطبيق تلك السياسات.

2 / 1: استعمل زياد ابن أبيه قانون الطوارىء فى العراق باسم معاوية، لأن العراق كان مركز المعارضة السياسية، بينما توسع فيه مبارك ليعم مصر كلها، أى أن مصر فى عهد معاوية لم تعرف تطبيق قانون الطوارىء، بينما تعيش فيه فى عصر مبارك منذ 1981.

2 / 2: وجدير بالذكر أيضا أن معاوية لم تحدث فى عهده سوى حالات تعذيب محدودة ، قام بها زياد بن أبيه، بينما ارهب وقهر وأهلك مبارك المصريين ماديا ومعنويا بالتعذيب.

2 / 3: ولم يحدث فى عهد معاوية قتل لمعارض سياسى إلا لأفراد معدودين بالاسم مثل حجر بن عدى ورفاقه، واستلزم هذا عاصفة من الاحتجاج لا تزال آثارها بين سطور التاريخ، بينما لقى مئات الالوف من المصريين مصرعهم فى حكم مبارك العسكرى البوليسى. وموعدنا فى المستقبل القريب مع اكتشاف مقابر جماعية لضحايا مجهولين لمبارك ممن يطلق عليهم ضحايا (الاختفاء القسرى )

2 / 4: استخدم معاوية (جيشه) فى الفتوحات ، بل وحاصر القسطنطينية نفسها عام 670 ميلادية، محققا مجدا له ولامبراطوريته العربية كأكبر قوة فى العالم تحاصر عاصمة القوة المنافسة لها (الروم). فى المقابل فإن مبارك استخدم جيش (مصر) لقهر أبناء (مصر)، بل وجلب لمصر الهوان فى أحداث قتل متكررة للمصريين جنودا ومدنيين على الحدود مع اسرائيل ، والرد يكون بالكثير من التسامح فى الوقت الذى لا يتسامح فيه الأمن المركزى وأمن الدولة مع أى مصرى يمارس حقه فى التفكير أو فى التظاهر أو فى التعبير.

أى إن معاوية العربى الذى لم يكن (مصريا) كان أرفق بالمصريين من مبارك (المصرى)، ومعاوية العربى كان أرفق بالعراقيين من صدام العراقى، ومعاوية العربى كان أرفق بالسوريين من الأسد السورى..

وهكذا يتضح أن سكان تلك المنطقة (لا نقول العرب) يتقدمون الى الخلف، ويعيشون الآن فى حال أسوأ مما كان عليه أسلافهم فى عهد معاوية، مع المفترض أنهم الآن يعيشون عصر الديمقراطية وحقوق الانسان.

ولو افترضنا أن معاوية قد صحا من قبره وتجول فى مصر ورأى ضحايا مبارك لسقط ميتا ثانية من البكاء والتأثر!!

ثانيا: سياسة معاوية مع الخصوم ومع الأتباع:

الاغداق على الاتباع دون حرمان الخصوم

1 ـ قلنا فى مقال سابق أن معاوية حين عهد للمغيرة بن شعبة بولاية الكوفة أوصاه بعدة وصايا كان منها الاغداق على أنصار الأمويين وتقريبهم والاغضاض من شيعة (على ). كان المعتاد فرض عطاء أو مرتب لكل فرد عربى ضمن قبيلته ، ولم يحدث أن منع معاوية أحدا من عطائه أو مرتبه ، ولكن كان يغدق أموالا وعطايا زائدة (أى علاوات ) على أتباعه بينما يحرم خصومه السياسيين من تلك العلاوات . وهذا ظلم ينافى العدل ، ولكنه ظلم لا يقاس بظلم حسنى مبارك للمعارضة .

2 ـ وبينما كان يعطى معاوية مرتبات وعطايا للعرب كان يفرض الجزية و الخراج على سكان الأمم المفتوحة من الموالى فى العراق وايران وآسيا ، والأقباط فى مصر و البربر فى شمال أفريقيا . وكانت تلك السياسة الظالمة قد سنّها من قبل الخليفة عمر بن الخطاب واستمرت سنّة سيئة مرعية من بعده. وعدا ذلك فلم يحدث تجويع لأهل البلاد الأصليين (المستعمرات). ويبقى ذلك ظلما أكيدا لا يدافع عنه إلا كل ظالم . ولكن هذا الظلم الذى أوقعه معاوية بغير العرب لا يقارن بالظلم الذى يذيقه الحكام العرب الحاليون لشعوبهم .

3 ـ وذكرنا من قبل أن معاوية اتفق مع عمرو بن العاص بأن يعيد فتح مصر واستخلاصها من التبعية لعلى بن أبى طالب مقابل أن تكون مصر (طعمة) لعمرو، أى أن يسـتأثر عمرو بايراداتها المالية من خراج وجزية لنفسه ولا يوردها لبيت المال فى دمشق، وهذا بعد أن يقوم عمرو بالانفاق على الجند وسداد الأعطيات للعرب فى مصر والقيام بالمشروعات. وتضخمت ثروة عمرو بن العاص مما نهبه من مصر ، فترك عند موته سبعين بهارا من الذهب، أي 210 قنطارا او 140 اردبا من الذهب ، واثناء موته عرض هذه الاموال علي اولاده فرفضوا أخذها وقالوا : حتي تعطي كل ذي حق حقه ، أي اعتبروها سحتا ، فلما مات عمرو صادر معاوية هذا المال وقال ( نحن نأخذه بما فيه ) أي بما فيه من سحت وظلم ( خطط المقريزي 1/ 140 ، 564 ).

معاوية اعتبر مصر ضيعة له ، وهبها لعمرو ثم استعادها منه ، وقد تم تقنين ذلك الظلم فى الشريعة السنية على أنه ( حق الفتح عنوة ).

أما الأخ حسنى مبارك فهو مصرى مثل كل مصرى آخر، ولم يقم بفتح مصر عنوة أو سلما، ومع ذلك فهو يعتبر مصر ضيعة و (طعمة) له ولولديه وذريته. وفعل مبارك (المصرى) بمصر والمصريين أفظع مما فعله معاوية وعمرو بمصر والمصريين، مع ان معاوية وعمرا لم يكونا من المصريين .

4 ـ وإذا كان فقهاء الشريعة السّنية قد سوغوا ظلم معاوية وقبله عمر بن الخطاب بحق الفتح عنوة الذى يناقض شرع الله جل وعلا فى القرآن الكريم، فإن شيوخ الأزهر وشيخهم الأكبر كانوا شركاء لمبارك فى كل ما فعله ويفعله بمصر و المصريين، ولديهم من الجرأة الكافية على الله تعالى ودينه بما يمكنهم من الدعوة جهارا لطاعة مبارك والدعاء له على المنابر.

5 ـ وموعدنا ـ جميعا ـ يوم القيامة أمام الواحد القهار: (يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ) ( غافر16 : 20 )

ثالثا: سياسة مبارك فى تجويع الشعب:

1 ـ الهدف السياسى من إفقار الشعب وإعاشته فى أزمات اقتصادية وحياتية:

 

إتخذ مبارك من الشعب المصرى عدوا له ، هذا هو التفسير الوحيد الوحيد لمجمل سياساته مع المصريين ، ونحن نتحدث عن الأغلبية الساحقة من المصريين خارج المستفيدين من حكم مبارك وهم بضه مئات من الالوف مقابل ثمانين مليونا من المصريين ، ثلثهم تقريبا ولد وعاش معظم عمره فى عهد مبارك .

بعد الصلح مع اسرائيل وإيثاره سياسة السلم والمهادنة مع الجيران العرب لم يبق عدو أمام مبارك سوى الشعب المصرى ، لذا تحولت مصر الى ( جبهة داخلية ) بعد انتهاء الجبهة الخارجية ، وتم تخصيص جيش مصرى كامل أكبر من الجيش الاسرائيلى ( وهو الأمن المركزى ) لحرب وضرب الشعب المصرى ، بالاضافة الى حوالى مليون شخص يعملون فى البوليس لقمع وتعذيب أفراد الشعب المصرى ،بالاضافة الى تعدد الأجهزة الأمنية السرية، وتعدد ميليشيات الحزب الوطنى من البلطجية والفتوات وفرق الكاراتيه . علاوة على الحرس الجمهورى المزود بالطائرات و المصفحات والمدفعية الثقيلة وأجهزة المخابرات والاستطلاع . كل تلك القوات بكل تلك ألأسلحة تواجه الشعب المصرى.

تضخم هذه القوات المسلحة عددا وعدة وقسوتها فى التعامل مع الشعب المصرى يعطى انطباعا بأن الشعب المصرى هو أكثر شعوب العالم تمردا ووحشية وادمانا للارهاب وسفك الدماء ـ بحيث لا يمكن إخضاعه إلا بالاستعمال المفرط للقوة و الوحشية فى التعذيب. ولكن ـ مع شديد الأسف ـ فهذا الشعب مسالم مكسور الجناح خانع خاضع يجمع مع الصبر على الظلم نبلا فى التعامل مع الظالم إذ يتصرف بعفوية حين يموت المستبد الظالم فيدعو له بالرحمة ، قائلا الكلمة المصرية المأثورة (لا تجوز عليه سوى الرحمة) و (إذكروا محاسن موتاكم)، ويجتهد فى تلمس الأعذار له، وتحميل الحاشية الظلم دونه.

شعب طيب صبور مثل الشعب المصرى ـ لا يمل من التغنى بالصبر وانتظار الفرج الآتى ـ لا ينبغى التعامل معه بكل هذه القسوة . هذا الشعب عاش مستكينا لكل مستبد فى معظم تاريخه ، وهو صاحب أطول تاريخ فى البشرية . وكانت عادة مرعية أن كل حاكم مستبد كان يقابل خضوع الشعب المصرى بالامتنان .

حسب علمى بالتاريخ ـ وأزعم أننى متخصص فيه ـ فإن حسنى مبارك هو المستبد الوحيد الذى قابل خضوع الشعب المصرى بالمزيد من الاذلال و التعذيب الذى تتم ممارسته روتينيا بلا سبب .

ليس فقط فى أنه استخدم الجيش المصرى وقواته المسلحة فى قهر وإذلال الشعب المصرى الخانع الخاضع ، ولكن قبل ذلك وبعد ذلك فإنه رسم سياسة لتجويع الشعب المصرى وإعاشته فى أزمات متتالية ومتتابعة فى الغذاء والوقود وارتفاع الأسعار بحيث يلهث كل مصرى فى سد رمقه ورمق أولاده ، ولا يجد وقتا للمعارضة .

فالمعارضة السياسية تكون ترفا لا يقدر عليه إلا المطمئن على قوته وقوت أولاده حين لا يستطيع الحاكم أن يتحكم فى لقمة عيشه . وهذا مستحيل فى مصر حيث يتحكم أمن الدولة فى تعيينات الموظفين ، وحيث تتدخل الحكومة فى كل شىء فى القطاع الخاص و العام ، أى تمسك بلقمة عيش المواطن ، ثم لا تكتفى بهذه السيطرة غير المسبوقة بل تعتمد سياسة التجويع والا فقار للشعب .

فما بالك لو كان هناك فرد من الشعب تمرد على السلبية و السكون والخنوع و الخضوع ؟ هنا لا يقتصر الأمر على السجن و التشريد بل التجويع والمطاردة فى الرزق ومنع التعيين وارهاب المتعاطفين ، ليظل المعارض على حافة الجوع . وتلك تجربتى مع نظام مبارك من عام 1985 الى أن لجأت هاربا من الظلم الى الولايات المتحدة الأمريكية .ومع ذلك فلا يزال نظام مبارك يستعمل نفس السياسة مع أسرتى ومن يعرفهم من القرآنيين .

2 ـ والأمثلة على سياسة مبارك الثابتة فى تجويع الشعب المصرى كثيرة ، نكتفى منها باثنين : ( رغيف الخبز والثروة السمكية )

2 / 1 : كانت مصر سلة الغذاء للامبراطورية الرومانية و العربية ، كانت اكبر منتج للقمح .وحين حدثت مجاعة عام الرمادة فى عهد عمر استغاث عمر بعمرو واليه على مصر قائلا ( الغوث الغوث ) فرد عليه عمرو بأنه سيرسل له سفنا تحمل له القمح والغذاء ( أولها عندك وآخرها عندى ).

ماذا حدث لمصر فى عهد مبارك حين أصبح المصريون يتقاتلون على رغيف الخبز على مرأى من العالم كله فى منظر يخجل منه كل مصرى غيور ؟

قبل حكم مبارك كانت السعودية تستورد القمح كالعادة فى سكان الجزيرة العربية طيلة قرون ، ثم توسعت السعودية فى زراعة القمح حتى أصبحا تعطى منه صدقة لمصر ، أيضا ـ فى منظر يخجل منه كل مصرى غيور.

الهند كانت تعانى من نقص مستمر فى انتاج القمح كان يصل بها أحيانا الى درجة المجاعة ، خصوصا مع التزايد المستمر فى عدد سكانها . اليوم الهند هى ثانى دولة فى عدد السكان ولكن أصبحت تكتفى ذاتيا من انتاج القمح بل وقد تصدره . لماذا ؟ لأن حكامها وضعوا خطة للتخلص من المشكلة ، وفروا كل السبل لاعاشة وراحة العلماء لكى يتفرغوا لانتاج سلالات من القمح عالية الجودة ، ونجح علماء الهند فى ذلك . ونجح أيضا العلماء المصريون فى انتاج سلالات قمح ممائلة تناسب التربة والمناخ فى مصر . ولكن منذ جاء مبارك اتخذ قرارا بخفض المساحة المزروعة قمحا والاعتماد على استيراد القمح من الخارج خصوصا أمريكا ، لكى يجنى أرباحا من اتفاقيات شراء القمح أو الحصول عليه مساعدات ثم بيعه للشعب المصرى . وبهذا أصبح رغيف الخبز مشكلة ،ولا يزال .وكان يمكن أن تكون مصر من الدول المصدرة للقمح لو كان فيها حاكم وطنى يحب بلده ولا يكرهها الى حد افقارها الى لقمة الخبز.

2 / 2 : ليس لمبارك أى فضل فى بناء السد العالى ، وليس له يد فى ايجابياته أو سلبياته ، ولكن له اليد الطولى فى منع المصريين من الاستفادة باحدى ايجابيات السد العالى وهى بحيرة ناصر ، أكبر بحيرة صناعية فى العالم ، وأكبر مستودع للاسماك فى افريقيا. من الممكن لبحيرة ناصر أن تكفى حاجة المصريين من البروتين السمكى ، ولكن مبارك أصدر قرارا باحتكار احدى مؤسسات حكمه لأسماك بحيرة ناصر ، ومنع المصريين من نقل أسماك البحيرة ، واعتبره جريمة تهريب ، وبالتالى فتلك الهيئة الحكومية التى تتمتع بامتياز الصيد وتسويق سمك بحيرة ناصر يعجز موظفوها عن الصيد والتسويق ، ومرتباتهم منتظمة ومستمرة سواء عملوا أو ناموا ، والسمك فى بحيرة ناصر توحش وتكاثر ، والمصريون يعانون الفقر و الجوع وغلاء المواد البروتينية ، وكل ما يلزمهم هو الغاء قرار مبارك وفتح البحيرة للصيد و التوزيع والتصنيع واقامة مشروعات سياحية ، ولكن مبارك يأبى إلا أن تظل تلك الشركة وهى ( قطاع عام وحكومى ) قائمة تمنع المصريين من أكل السمك الرخيص . ومع أن مبارك يقوم بخصخصة وبيع كل شركات القطاع العام فلا تزال تلك الشركة الحكومية باقية لأنها تمارس عملها فى حماية البوليس فى تجويع الشعب المصرى.إن لم تكن تلك كراهية للشعب وتجويعا له مع سبق الاصرار والترصد فماذا تكون ؟

2 / 3 : مبارك و المترفون حوله لا يأكلون الخبز الذى يتقاتل عليه المصريون، ولا يعرفون مكوناته من الحديد و الشوائب والتراب والحشرات . مبارك والمترفون حوله أيضا لا يحتاجون الى أكل السمك المتوحش من بحيرة ناصر ..هم يعيشون على الوجبات الساخنة التى تأتى رأسا من مطعم ماكسيم فى باريس .

هنا ننتقل الى الجانب الآخر من سياسة مبارك ، وهو تعامله مع شركائه فى البيزنس ، ونطلق عليه اختصارا ( التسقيع) . أى بعد (التجويع ) للشعب نأتى ل ( التسقيع ) للأتباع والشركاء فى الفساد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 الجزء الثانى: التسقيع:

 

تاريخ النشر: 2010-03-25

 

1 ـ فى الجزء السابق تحدثنا عن سياسة مبارك فى تجويع الشعب المصرى واستنزاف حيويته جريا وراء لقمة عيش صعب الحصول عليها حتى لا يجد المصرى وقتا ولا جهدا للاشتغال بالعمل السياسى و العام. هذا.. علاوة على ما يحويه القانون العادى فى العقوبات من عقوبات تقع على كاهل المواطن المصرى لو تجرأ وعارض الحكومة . وقد صيغت هذه القوانين على يد أناس شديدى الكراهية للمصريين بدليل الصياغة المطاطة التى توقع السجن والغرامة بمن ينطبق عليه (تحبيذ) كذا ضد الحكومة. و(تحبيذ) وغيرها هى من الألفاظ واسعة المدلول والتفسير بحيث يمكن تطبيقها بالسجن والغرامة على من يلوح بيديه أو يحرك حاجبيه.

ومن الانصاف لمبارك أنه ليس الذى جرى تقنين تلك القوانين فى عهده ، ولكنه من الانصاف أيضا أن نذكر أنه لم يكتف بتلك القوانين العادية و المرعبة التى تبيح للسلطة القبض على اى انسان يسير فى شارع مصرى ـ بل زاد عليه قانون الطواريء أو اللاقانون.

بالتالى فان المعارضة السلمية وطلب الاصلاح سلميا يحول بينها وبين التأثير فى الجماهير سدّ منيع، وهو سدّ مزدوج، ظاهره القوانين العادية وقانون الطوارىء (الغاب) وهى قوانين تكشر عن أنيابها ترهب المصلحين والمعارضين وبقية الشعب، وتتنافس الأجهزة الأمنية والقضائية فى تطبيقها، وباطنه الخفى هو تجويع الجماهير التى تبتعد عن المعارضة خوفا من الاهانة والسجن وخوفا أيضا من الجوع والمزيد من الفقر. فالفقير لو عمل بالسياسة لن يجد وقتا لاطعام أطفاله، ولو دخل السجن فسيموت أطفاله جوعا، ولن يجد مصاريف المحامى والسجن .

2 ـ السؤال هنا : لماذا كل هذا الضغط بالتجويع والترويع على الشعب المصرى المسكين المتسامح الخانع الصابر الساكن ؟

الاجابة فى هذا الجزء الثانى .

إنه تحييد وترهيب واسكات الشعب المصرى ليزداد خنوعا وخضوعا لأن الفساد سيصل الى أعلى معدلاته ولأن الانحطاط الخلقى سيهبط الى أسوأ دركاته ، وبالتالى لا بد من زيادة جرعة التجويع و الترويع ليزداد صمت الخائفين و ليخلو المسرح لضجيج المفسدين .

3 ـ وهنا نسجل للتاريخ إنها سياسة مرسومة منذ البداية ، وتم تطبيقها خطوة خطوة .

من بداية تعيينه نائبا للرئيس السادات وسفره الى الولايات المتحدة الأمريكية واعداده ليكون الرئيس القادم كان من بنود هذا الاعداد تكوين ثروة للنجم القادم الرئيس القادم . وبعد توليه السلطة بدأ فى اتهام آل السادات بالسرقة واستغلال النفوذ ( قضية عصمت السادات ) وسارت سياسة تشويه آل السادات جنبا الى جنب مع تقديم مبارك نفسه للمصريين على أنه الرئيس النزيه نظيف اليد. وصدقه المصريون لأنهم كانوا فى حاجة لأن يصدّقوه.. وانتهى الحال بهم الى التوريث ،أى أصبحوا مع مصر ضيعة مملوكة للرئيس والوريث.هنا نصل التجويع بالتسقيع..

أولا :

1 ـ التسقيع من الألفاظ التى تولدت فى عصر مبارك لتعكس إحدى حالات الفساد الحكومى الذى أصبح عرفا سائدا لا يستوجب إنكارا. لذا نأخذه لفظا دالا على الفساد المنتشر فى عصر مبارك.

التسقيع يعنى أن تقوم اجهزة الدولة باصلاح وتجهيز قطعة أرض وامدادها بالمرافق على حساب الشعب، ثم تقوم الوزارة المختصة ببيع تلك الأرض بسعر رمزى لأحد المحظوظين المترفين. يشترى الأرض بثمن بخس، وهو حتى لا يدفع الثمن كله، بل يدفع مقدما فقط، وهو أيضا لا يدفع المبلغ من جيبه بل من سلفة من البنك بأوامر من جهات عليا أو سفلى. وبالتالى يملك مجانا مساحة ضخمة من الأرض مفترض ان يقوم ببناء مشروع زراعى أو صناعى عليها يفيد البلد. إلا أنه لا يلبث أن يقوم بتقسيم الأرض وبيعها بالمتر، بسعر المتر الواحد مئات أو آلاف الجنيهات. ويكسب ملايين.

وهو بالطبع مجرد واجهة ، لأن صاحب النفوذ الأكبر الذى اختاره لتلك المهمة لا بد أن يستحوذ على الجانب الأكبر من الربح، ويتم ايداع الربح فى بنوك الخارج ليكون هناك فى الحفظ والصون عند اللزوم.

هذا هو التسقيع فى بيع الأراضى المصرية.

2 ـ من التسقيع نوع سام يمارسه بعض البلطجية من اصحاب النفوذ فى الشرطة و الجيش والقضاء. يتجمع بعض شباب الخريجين ويكونون جمعية وبعد تعب ونصب يحصلون على قطعة من الارض الصحراوية، فيبذلون جهدهم وعرقهم فى استصلاحها، وحين تظهر ملامح الخضرة فيها ويتأهب المساكين لجنى ثمار عرقهم تظهر فجأة تلك العصابات التى تستغل نفوذها فى الاستيلاء على تلك الأرض المستصلحة بالعرق والدموع، وتحت حجة ان الأرض فيها (آثار) أو تحتاجها القوات المسلحة أو أى حجة أخرى، ينزعون ملكية الشباب، ثم تقوم العصابة بتكوين جمعية ، وتتملك تلك الجمعية الأرض وتوزعها على اعضائها .

3 ـ من التسقيع فى الأراضى الى نوع آخر من تسقيع القطاع العام حيث يتم بيع وحدات القطاع العام بأبخس الاسعار وبما يهدر بلايين الدولارات ، لأن الذى يملك القرار هو الشريك الذى يأخذ عمولته .

4 ـ ومن تسقيع القطاع العام الى التسقيع فى السلاح حيث يعتبر مبارك أهم تجار السلاح فى المنطقة من خلال شركائه ، وهذا أمر معروف ومشهور .

 

5 ـ ومن المضحك المبكى أن ميزانية الجيش و التسليح و ميزانية مؤسسة الرئاسة ليس من حق مجلس الشعب مناقشتها . وهو أمر مضحك الى درجة البكاء لسببين :

الأول لأن المهمة الأولى لأى مجلس شعب ( محترم ) هى الرقابة وصون مال الشعب ، فالمجلس هو الذى يعطى الأموال للحكومة وهو الذى يسائل الحكومة على كيفية انفاقها لذك المال . ولكن مجلس الشعب فى مصر ـ طبقا للدستور المعيب الحالى ـ يجعل مجلس الشعب مجرد سكرتارية للرئيس .

السبب الثانى أنهم يمنعون عرض ميزانية التسليح و الجيش بحجة أنها أسرار عسكرية مع انها أسرارعلى الشعب المصرى وحده لأن اسرائيل أول من يعرف بصفقات السلاح ، سواء كانت من أمريكا او من غيرها ، والعادة ان مجتمع تجارة السلاح لا بد فيه من تبادل المعلومات ، أى يعرف الجميع أسرار السلاح وصفقاته إلا الشعب المصرى . وطبعا المستفيد من هذا هو صاحب القرار .

6 ـ وهذا يفسر ما قيل عن ثروة مبارك وأسرته وانها تبلغ الاربعين بليونا فى بلد يشرب أصحابه مياها ملوثة بالمجارى و يتنفسون هواءا ملوثا بالدخان و فيروس التهاب الكبد الوبائى و هم وحدهم الذين يعيشون فى المقابر ، و يقفون طوابير أم زبالة الطيور المذبوحة ، ويتقاتلون ويموتون فى سبيل الحصول على رغيف.

ثانيا : ماذا أفعل بهذه الاحصائيات والمعلومات ؟

تحت عنوان (قال ثم فعل ) جاءنى هذا المقال عن الرئيس حسنى مبارك ، يقارن بين ما قاله فى أول عهده من كلام عن النزاهة و الشرف ثم كيف انقلب الأمر الى بيع مصر قطعة قطعة للمترفين .أنقل المقال كما هو، واعتبره بلاغا الى الضمير الانسانى و الضمير المصرى.

(قال ثم فعل

انظر ماذا قال :

* لن أرحم أحدا يمد يده إلى المال العام حتى لو كان أقرب الأقرباء ، إننى لا أحب المناصب ولا أقبل الشللية وأكره الظلم ولا أقبل أن يظلم أحد وأكره استغلال علاقات النسب ( 18 أكتوبر 1981 جريدة مايو ) ..

* الكل سواء عندي أمام القانون ونحن لا نريد قانون الطوارئ ( 20 أكتوبر 1981 جريدة نيويورك تايمز ) ..

* لن أقبل الوساطة وسأعاقب لصوص المال العام ( 26 أكتوبر 1981 مجلة أكتوبر ) ..

* مصر ليست ضيعة لحاكمها ( المصور 30 أكتوبر 1981 ) ..

* الكفن مالوش جيوب ، سنعلى من شأن الأيادى الطاهرة ( خطاب له فى فبراير 1982 ) ..

ثم انظر ماذا فعل:

نهب أراضى مصر ( 1- 9 ) :

فى 12 نوفمبر 2007 وقف جمال زهران - نائب مجلس الشعب عن كتلة الإخوان المسلمين - فى البرلمان واتهم الحكومة بإهدار 800 مليار جنيه ، شرح زهران المبلغ بأنه عبارة عن مساحات كثيرة وكبيرة من أراضى مصر وزعت على كبار المسئولين بالدولة ورجال أعمال يدورون فى فلكهم ..

دلل النائب المذكور على كلامه بما أعلنه اللواء مهندس عمر الشوادفى – رئيس جهاز المركز الوطنى لاستخدامات الأراضى – حين قال أن نحو 16 مليون فدان قد تم الاستيلاء عليها من مافيا الأراضى وتقدر قيمتها بنحو 800 مليار جنيه ..

(تمثل المساحة المنهوبة – أى الـ 16 مليون فدان – ما قيمته 67.2 ألف كم مربع وهو ما يزيد عن مساحة الدول الخمس التالية مجتمعة : فلسطين التاريخية 26.6 ألف كم مربع ، الكويت 17.8 ألف كم مربع ، قطر 11.4 ألف كم مربع ، لبنان 10.4 ألف كم مربع ، البحرين 5.67 ألف كم مربع)..

يقع ضمن المبلغ المذكور – أى الـ 800 مليار - مبلغ يقدر بحدود 80 مليار جنيها، وهو عبارة عن الأسعار السوقية للأراضي التى باعتها الدولة بثمن بخس إلى ست جهات فقط وهؤلاء هم : أحمد عز - مجدى راسخ - هشام طلعت مصطفى - محمد فريد خميس - محمد أبو العينين - الشركات الخليجية (الفطيم كابيتال الإماراتية – إعمار الإماراتية – داماك الإماراتية – qecالقطرية)..

إننا نضع بين أيدى القراء فى هذه الحلقة الأرقام التالية والتى تدل بوضوح لا لبس فيه على نهب منظم لأراضى مصر ، وهو بهذه المناسبة قليل من كثير نتيجة سياسة الكتمان التى تفرضها أجهزة مبارك الأمنية :

1- خصصت الحكومة 100 كيلو متر (100 مليون متر مربع) شمال غرب خليج السويس وقسمها بين خمس جهات دون الإعلان عن مناقصات أو مزايدات وذلك بواقع خمسة جنيهات عن كل متر مربع ، إلا أن هذه الجهات دفعت جنيهاً واحدا عن كل متر وخصصت المنطقة المذكورة تحت ذريعة تنميتها ..

(أكد المهندس العالمى د. ممدوح حمزة والحاصل على 15 جائزة دولية أن المنطقة المذكورة لم تشهد أى تنمية وما يحدث ما هو إلا تسقيع للأراضى.. قدم د. حمزة إلى رئاسة الجمهورية فى عام 2004 ملفا كاملا عن الفساد فى وزارة الإسكان ، قام نظام مبارك بتلفيق تهمة اغتيال أربع شخصيات سياسية - فتحى سرور وكمال الشاذلى وإبراهيم سليمان وزكريا عزمى – إلى د. حمزة أثناء دخوله قصر برمنجهام فى لندن حيث كان يلبى دعوة للغداء على شرف الملكة فى قصر برمنجهام، أحتجز د. حمزة لمدة عامين فى أحد سجون لندن حتى ثبتت براءته من بلاغ مبارك الكيدى.. يذكر أن الطاغية الفاسد كان أول المهنئين لحمزة عند خروجه من محبسه فى لندن!!)..

وهذه الجهات الخمس التى نهبت المنطقة المذكورة والتى دفع رجال الفرقة 19 بالجيش الثالث الدم الغالى فى استردادها هى كما يلى:

- أحمد عز : تسلم 20 مليون متر مربع ( قيمتها السوقية بمبلغ 2.4 مليار جنيه ) وهو عضو مجلس الشعب عن الحزب الوطنى وأمين التنظيم الحالى.. أنشأ مصنعا للصاج بمساحة 150 ألف متر مربع وباع 150 ألف متر مربع إلى الملياردير الكويتى ناصر الخرافى بمبلغ 1500 جنها للمتر المربع ومازال يحتفظ بالمساحة المتبقية.

- محمد فريد خميس: تسلم 20 مليون متر مربع ( قيمتها السوقية 3.5 مليار جنيه ) وهو أحد كبار رجال الأعمال وعضو مجلس الشورى ورئيس لجنة الصناعة والطاقة ويملك شركة النساجون الشرقيون.. أنشا مصنعا للكيماويات بمساحة 20 ألف متر مربع وباع باقى المساحة فى صفقة ضخمة حققت عدة مليارات، كما تذكر الأنباء أن الوزير سليمان قد خصص أيضا لخميس 1500 فدانا.

- محمد أبو العينين: تسلم 20 مليون متر مربع (قيمتها السوقية 1.3 مليار جنيه) وهو عضو الحزب الوطنى ورجل الأعمال المعروف وصاحب شركة كليوباترا للسيراميك.. أنشأ مصنعا للبورسلين على قطعته بمساحة 150 ألف متر مربع وممرا لهبوط طائراته الخاصة (يملك ثلاث من نوع جولف ستريم ويقودها بنفسه) بمساحة 50 ألف متر مربع وباع كل المساحة الباقية فى صفقة بعدة مليارات..

- نجيب سايروس : تسلم 20 مليون متر مربع ( تقدر قيمتها السوقية بمبلغ 1.3 مليار جنيه ) ...أنشأ مصنعا للأسمنت على قطعته بمساحة 200 ألف متر مربع وباع كل المساحة الباقية فى صفقات بعدة مليارات .

- الشركة الصينية : وكان نصيبها أيضا مثل السابقين 20 مليون متر مربع ولم يتم استغلالها حتى الآن .

2- بجانب ما حصل عليه النائب محمد أبو العينين فى منطقة شمال غرب خليج السويس ، حصل أيضا على القطع التالية :

- تخصيص 5000 فدان فى منطقة شرق العوينات غير معلوم تفاصيلها .

- تخصيص 1520 فدان فى منطقة مرسى علم وقد اشتراها بسعر دولار للمتر وسدد 20 % من المبلغ ثم أعاد بيعها بأسعار فلكية للملياردير الكويتى ناصر الخرافى وقدرت القيمة السوقية لهذه الأرض بمبلغ مليار و 260 ألف جنيه .

- وضع يده على 500 فدان على طريق مصر الإسماعيلية ، وهى أرض ملكا للدولة ممثلة فى شركة مصر للإسكان والتعمير .

- تم تخصيص له 1500 فدان ( 6.3 مليون متر مربع ) بمنطقة الحزام الأخضر بمدينة العاشر من رمضان ..

3- خصصت الحكومة للمدعو مجدى راسخ - والد زوجة علاء مبارك هايدى راسخ – مساحة 2200 فدان ( 9.2 مليون متر مربع ) وذلك فى أفضل أماكن مدينة الشيخ زايد بسعر 30 جنيها للمتر ، لكن راسخ دفع مقدما بسيطا ولم يسدد المبلغ المتبقى .. تردد فى بداية عام 2006 عن وجود عرض من شخصية خليجية كبيرة بشراء تلك المساحة بمبلغ 10 مليار جنيها ( أى بسعر يزيد عن 1000 جنيها للمتر المربع ) ، ويذكر أن مجدى راسخ هو صاحب مشروع بيفرلى هيلز بمدينة الشيخ زايد والذى حقق من ورائه المليارات الكثيرة ، وله مساحات أخرى لم نتمكن من الحصول عليها منتشرة فى عدة أماكن إستراتيجية بمصر ..

4- خصصت الحكومة 9 آلاف فدان ( 37.8 مليون متر مربع ) لهشام طلعت – أحد أركان لجنة السياسات بالحزب الوطنى والموجود الآن فى السجن بتهمة قتل سوازان تميمى بعد أن هددت الإمارات بسحب مدخراتها إذا أطلق سراحه – فى منطقة شرق القاهرة لإنشاء منطقة سكنية باسم مدينتى بسعر يبلغ 5 جنيهات للمتر ، تقدر القيمة السوقية للمتر المربع بها بمبلغ 3500 جنيه مما أهدر على الدولة مبلغا قدره 28 مليار جنيه ..

5- خصصت الحكومة وبطريقة البلطجة ووضع اليد جزيرة نيلية بالأقصر إلى المدعو حسين سالم تسمى جزيرة التمساح وذلك بمبلغ 9 مليون جنيها ، وأنشأ علها شركة التمساح للمشروعات السياحية ..

تضم الجزيرة عشرات الأفدنة وسعرها الحقيقى لا يقدر بمال ، وإن كان قد قدر من قبل المختصين بأكثر من مئة ضعف ليقترب من مليار جنيه .. جزيرة التمساح تعتبر جوهرة لا تقدر بثمن بسبب موقعها الإستراتيجي المطل على مدينة الأقصر والتى تضم وحدها ثلثى آثار العالم ويتقاطر عليها السياح من أرجاء المعمورة ..

كما حصل وبنفس الأسلوب على أراضى شاسعة ومميزة فى شرم الشيخ وسدر ، ويذكر أنه يمتلك خليج نعمة حيث يقيم به حسنى مبارك بصفة شبه دائمة .. كما خصص لحسين سالم قصر ضخم أسطوانى الشكل مقام على مساحة 6000 متر مربع فى التجمع الخامس ، هذا بالإضافة إلى عدد كبير من المساحات تنتشر فى مختلف الأماكن فى مصر ..

يذكر أن مبارك نزع فى منتصف التسعينات ملكية أحد الأراضى فى سيناء من ماليكيْها خالد فودة ووجيه سياج – صاحب فندق سياج بالهرم – وأعطاهما بأسلوب البلطجة إلى حسين سالم بثمن بخس بناء . أمضى سياج عشر سنوات فى المحاكم المصرية وحصل على أحكام منها كثيرة لتمكينه من أرضه ، رفض مبارك تنفيذها جميعا ولجأ إلى أسلوبه الكيدى الذى أشتهر به فقطع الخدمات عن فندق سياج بالهرم حتى ينهار وجيه سياج . لجأ سياج والحاصل على الجنسية الإيطالية فى 2005 إلى المحاكم الدولية وفى يوليو 2009 حكمت لصالحه بتغريم مصر بمبلغ 134 مليون دولار (حوالى 750 مليون جنيه)، وأذعن مبارك صاغرا إلى تنفيذ الحكم ، لكنه دفع هذه المبالغ سيكون – كما هو الحال دائما – من دماء شعب مصر!

يمثل حسين سالم الرقم اللغز فى حياة حسنى مبارك، هو شريكه فى شركة السلاح التى أنشأها فى باريس باسم "الأجنحة البيضاء" وقد وردت تفاصيل تلك القصة فى كتاب "الحجاب" للصحفى الأكثر شهرة فى العالم بوب وودوارد والذى صدر فى عام 1985.. كما استولى حسين سالم على مبالغ كبيرة من البنك الأهلى فى ثمانينات القرن الماضى وأخرجه مبارك من القضية ومن الأضواء حتى ينسى الناس القضية بعد أن أثارها المرحوم النائب علوى حافظ فى البرلمان فى عام 1986، وعاد سالم فى التسعينات بأقدام ثابتة ليعمل فى السياحة فى سيناء من خلال تخصيص الأراضي له بثمن بخس، وأخيرا يدير بعضا من المال الذى نهبه آل مبارك من خلال شركة شرق المتوسط حيث يقوم بتصدير الغاز إلى إسرائيل، وهى قضية أصبحت معروفة لكل المصريين . 

6- خصصت الحكومة 1500 فدان لشركة أرتوك بثمن بخس على طريق مصر الإسكندرية الصحراوى والتى يمتلكها كل من إبراهيم نافع رئيس مجلس إدارة جريدة الأهرام وحسن حمدى عضو مجلس إدارة الجريدة ورئيس النادى الأهلى ، وقد تمت الصفقة على أن يترك حسن حمدى أرض النادى الأهلى فى مدينة 6 أكتوبر فى مقابل إتمام تلك الصفقة . دفعت الشركة جنيهات قليلة فى ثمن الفدان الواحد ثم قسمت المساحة الكلية إلى قطع متساوية بمساحة 30 فدان مع فيللا لكل قطعة .. تم البيع بسعر 2 مليون جنيها للقطعة وكان من ضمن العملاء المليونير السعودى عبد الرحمن الشربتلى وكذلك السفير أحمد القطان مندوب السعودية فى الجامعة العربية .

7- خصصت الحكومة 2045 فدانا بمبلغ 454 مليون جنيه لأحمد بهجت – أحد أركان الحزب الوطنى – من خلال شركته دريم لاند فى عام 1994 .. كان بهجت قد اقترض عدة مليارات من الجنيهات من البنوك المصرية ولم يتمكن من سدادها ووضع اسمه ضمن قوائم الممنوعين من السفر للخارج ، إلا أن جمال مبارك أخرجه للسفر إلى أمريكا للعلاج .. تفجرت قضية أراضى دريم لاند بصورة سريعة فى 2 يونيه 2008 عندما أعلنت الشركة المذكورة عن بيع 831 فدان وتقدر قيمتها السوقية بمبلغ 12 مليار جنيه وهو جزء قليل إذا ما قورن ببقية الأراضى المذكورة ...

8- خصصت الحكومة 55 فدانا للملياردير الراحل أشرف مروان لتأسيس نادى بالقاهرة الجديدة وفى قلب التجمع الخامس بتاريخ 29 أكتوبر 2000 . مورست الضغوط علي مروان من رجال إبراهيم سليمان وزير الإسكان حينها حتى ترك المشروع ، كانت عصابة الإسكان جاهزة فقد أصدر الوزير قرارا بتكوين مجلس إدارة جديد للنادى برئاسة حسن خالد نائب الوزير للمجتمعات العمرانية الجديدة وعضوية خالد سويلم– الشريك الواجهة فى مكتب الوزير – ومحمد حسنى وداكر عبد اللاه وجاد محمد جاد . قام أعضاء مجلس إدارة النادى بتسليم الأرض المذكورة إلى صديق الوزير عماد الحاذق لإقامة مشروع إستثمارى كبير مكون من فيللات وتم بيع الفيللا فيه بمبلغ 850 ألف جنيها .. قام أولاد حاذق بتعليق لافته كبيرة على المشروع – شارع 90 بالتجمع الخامس – تقول أن المشروع مكون من 100 فدان، وعندما قام مكتب هندسى بقياس المساحة الكلية وجد كارثة أكبر وهى أن مساحته تزيد عن 900 فدان .. أكد المهندس المصيلحى– مسئول المساحة بالقاهرة الجديدة – صحة تلك المساحة الجديدة وقال أن الوزير سليمان يملك الإجابة على ذلك!! يذكر أن أولاد حاذق قد أنشئوا منطقة مميزة داخل تلك المساحة الكبيرة تسمىLake Viewوهى أجمل مناطق التجمع الخامس ويُباع المتر فيها بمبلغ 8 آلاف جنيها علما أن "الحاذق" قد دفع 280 جنيها للمتر المربع عند تخصيصه.

9- خصصت الحكومة 770 فدانا لشركة المهندسين المصريين فى 27 يوليو 1994 وبسعر 50 جنيها للمتر على أن يسدد المبلغ بالتقسيط المريح (10 % عند التعقد ثم 15 % خلال سنة من التوقيع على العقد ثم فترة سماح مدتها ثلاث سنوات ثم يسدد الباقى على 5 أقساط متساوية).. المساحة المذكورة كانت كما يلى: 450 فدانا بمدينة العبور، 240 فدانا بمدينة الشروق، 80 فدانا بالقاهرة الجديدة. دفعت الشركة المذكورة خمسة جنيهات للمتر على أن يسدد الباقى على خمسة أقساط ، لكن الشركة المذكورة دفعت 16 مليون جنيها فقط وتم إعادة البيع للجمهور بسعر 750 جنيها للمتر المربع رغم أن الشركة المذكورة لم تسدد إلا القسط الأول فقط والمقدر قيمته 10 % .رغم أن الشركة المذكورة قد حققت أرباحا صافية تزيد عن ثلاثة مليار ونصف المليار جنيها إلا أن الكارثة الأكبر كانت أنها اقترضت مليارى جنيه من البنك العقارى العربى – رئيس مجلس إدارته هو فتحى السباعى وهو من رجال إبراهيم سليمان وزير الإسكان حينها- مما عرض أموال المواطنين للضياع ، وهو ما دفع البنك إلى شراء جزءا من الأرض بسعر ألفى جنيه للمتر . ( يذكر أن حوت السكر عاطف سلام كان قد اقترض من البنك المذكور 850 مليون جنيها وفعل المليونير الهارب عمرو النشرتى نفس الشيء – وهما من صبيان النظام وحضر العديد من الوزراء زفاف ابنة النشرتى منذ شهور )..

10- خصصت الحكومة إلى يحيى الكومى - صديق وشريك وزير الإسكان الأسبق إبراهيم سليمان أثناء عمله بالوزارة- قطعتى أرض فى التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة مساحتهما نحو 200 ألف متر بالقرب من الجامعة الأمريكية بالرغم من تخصيصهما كحدائق عامة ، وقد اشتراهما الكومى بثمن بخس وتبلغ قيمتهما السوقية 300 مليون جنيه ..

يذكر أن الكومى كان ضمن طبقة الفقراء وظهرت عليه فجأة علامات الغنى الفاحش وأصبح من رجال أعمال النظام حيث انضم إلى قائمة رجال البترول وأصبح مديرا لنادى الإسماعيلى . وفى ديسمبر 2009 تناولت الصحف تهما متبادلة بين الكومى وأميرة سعودية تدعى خلود بن العنزى، فقد اتهمته السيدة خلود – وهى طليقة الملياردير الوليد بن طلال – باقتحام منزلها وحررت محضرا بذلك فى قسم شرطة الدقى فى يوم 23 ديسمبر 2009 ، بينما اتهمها الكومى فى بلاغ بقسم شرطة الشيخ زايد فى يوم 30 ديسمبر 2009 بسرقة مشغولات ذهبية وساعات مرصعة بالماس تقدر قيمتها بـ 20 مليون جنيها ..

11 - خصصت الدولة إلى سمير زكى الكثير من الأراضى وبأسعار شبه مجانية .. قبل أن نخوض فى بعض تفاصيل تلك الأراضى نود أن نعرف القراء بشخصية هذا الرجل:

يعتبر سمير زكى حامل أسرار العقارات لكل الوزراء وسمسارهم الأوحد، خاصة عند الرغبة فى تحويل ما نهبوه إلى نقد.. بدأ حياته العملية كعامل فى أحد المجمعات الاستهلاكية ثم تركه والتحق بمصنع اللؤلؤة لصناعة الزجاج فى ثمانينات القرن الماضى حيث كان عمله هناك يقتصر على الوقوف أمام كومة من القش يضع بعضا منها بين ألواح الزجاج حتى لا ينكسر ، تعرف زكى على أحد العاملين فى جهاز مدينة 6 أكتوبر ومنه إلى رئيس الجهاز ثم إلى سكرتارية كبار المسئولين بالدولة، ثم انفرج الباب على مصراعيه:

- حصل على ترخيص بإنشاء جمعية تعاونية باسم شركة 6 أكتوبر لاستصلاح الأراضى والتى حصلت علي 17 ألف فدان بسعر 5 ألاف جنيه للفدان ، ثم باعها بـ 2 مليون جنيه للفدان بعد بناء فيلا عليه.. كما حصل على ترخيص بإنشاء جمعية تعاونية تسمى الوادى الأخضر والملفت للنظر أن كبار المؤسسين بتلك الجمعية هم من كبار رجال الدولة ..

- وضع زكى يده على 5 آلاف فدان من هيئة التنمية الزراعية ودفع 200 جنيها ثمنا للفدان الواحد ، قام ببناء 56 فيللا على المساحة المذكورة بواقع خمسة أفدنة لكل فيللا ..

- وضع زكى يده على 35 ألف فدان فى أفضل مواقع مدينة 6 أكتوبر .. كان الغرض المعلن لذلك هو استصلاح الأراضى وأما الواقع فهو وزارة إسكان مصغرة يخصص ريعها لكبار رجال الدولة .. دفع سمير زكى خمسة آلاف جنيه ثمنا للفدان الواحد ثم أعاد بيعه بمبالغ فلكية وصلت فى بعض الحالات إلى مليون ونصف المليون جنيها وخص كبار رجال الدولة بنصيبهم من القيمة الدفترية التى اشترى بها..

- خصص لأحد أبنائه مساحة قدرها 140 فدانا بأرض مدينة 6 أكتوبر وأقام عليها ميناء للبضائع ..

12- خصصت الحكومة 26 ألف فدان من أجود الأراضى لشركة كويتية فى عام 2001 بسعر 200 جنيه للفدان ، لم تقم الشركة باستزراع تلك المساحة مهدرة 54 مليار جنيه ، وهو الثمن الواقعى لتلك الأرض ..

13- خصصت الحكومة 750 فدانا إلى شركة السليمانية على طريق مصر الإسكندرية الصحراوى التى يملكها سليمان عامر ( أحد الواجهات للنظام الحاكم ) بسعر 50 جنيها للفدان حيث حول تلك الأراضى إلى منتجعات سياحية وأراضى للجولف ..

14- خصصت الحكومة 10 أفدنة فى القاهرة الجديدة لأميرة سعودية لبناء مجموعة من القصور للأميرات ، وقد دفعت 400 جنيها للفدان الواحد وقدرت القيمة السوقية للمتر الواحد بمبلغ 4500 جنيها ، وقد حدث ذلك بقرارات سيادية بالأمر المباشر وتم التنفيذ فى يوم واحد .

16- خصصت الحكومة 547 فدانا إلى أحمد عبد الوهاب صاحب شركة كنوز للأنتيكات على طريق مصر الفيوم .. تقدم النائب كمال أحمد باستجواب فى مجلس الشعب حول الصفقة لكن كمال الشاذلى - زعيم الأغلبية حينها - تصدى له وأوقف الاستجواب ، وهو ما يدل على أن المشترى واجهة لأحد كبار المسئولين بالدولة ..

17- خصصت الحكومة لمعتز رسلان ( سعودى كندى وكان تلميذا لإبراهيم سليمان فى هندسة عين شمس) 63 فدانا فى التجمع الخامس بسعر 150 للمتر المربع .. دفع رسلان 10 % عند التعاقد ثم 15 % بعد عام من التعاقد وبقية المبلغ على عشر سنوات ، علما أن الغرض من ذلك كان إنشاء مدينة للملاهى ..لم يلتزم رسلان بإنشاء مدينة للملاهى ولم تسحب منه الأرض .. فى عام 2008 عرض رسلان الأرض المذكورة للبيع بسعر 4500 جنيها للمتر المربع وهو ما يعنى تحقيق ثروة تقدر بمبلغ 1.2 مليار جنيه ..

18- خصصت الحكومة 52 ألف فدان للملياردير الكويتى ناصر الخرافى – يحتل المرتبة الأربعين فى قائمة أغنى أغنياء العالم – فى منطقة " جرزا " بمركز العياط بالجيزة بسعر 200 جنيها للفدان ، يذكر أن الفدان كان يباع للفلاحين فى المنطقة المذكورة بسعر 15 ألف جنيها ، الكارثة أن المساحة المذكورة عبارة عن منطقة أثرية وبها هرمان منهما هرم " سنوسرت " ..

19- خصصت الحكومة إلى سليمان البدرى - أحد أهم الرجال المقربين إلي وزير الإسكان الأسبق إبراهيم سليمان وذراعه الأيمن فى دائرته الانتخابية – 25 فدانا بالقاهرة الجديدة بثمن بخس .. حصل البدرى على قرض كبير من بنك مصر إكستريور بضمان تلك الأرض بعد إعادة تقييمها بالأسعار الفلكية .. يذكر أن البدرى عين من قبل الوزير المذكور رئيسا لمجلس أمناء مدينة الشروق ، كما يملك مقهى " العقاد " وهو المكان المخصص لشلة الأنس من رجال سليمان ، كما يملك البدرى شركة للاستثمار العقارى تسمى B.D.H..

22- خصصت الحكومة وبثمن بخس أراضى وفيلات وقصور إلى عدد كبير من المسئولين بها ومنهم ما يلى :

* عاطف عبيد : رئيس الوزراء الأسبق ، خصص له قصر فخم فى مارينا بالإضافة إلى فيللا ضخمة أشبه بالقصر فى قرية رمسيس بالكيلو 44 من طريق مصر الإسكندرية الصحراوى ، كما منح عدة أراضى فى مناطق مختلفة اشتراها جميعها بثمن بخس ..

* اللواء هتلر طنطاوى : رئيس أكبر جهاز رقابى فى مصر لمكافحة الفساد وهو هيئة الرقابة الإدارية ، خصصت له أراضى شاسعة فى عدة مناطق وقصر فخم فى التجمع الخامس تم بناؤه بالمخالفة وقصر ثان لا يقل فخامة فى مارينا وقصر ثالث فى قرية بدر المجاورة لمارينا وفيلتان فى 6 أكتوبر .. كما تسلم أولاد هتلر من ممتلكات الدولة ما يلى :

- تسلمت ابنته سما هتلر وزوجها محمد محمود وأولادهما ندى ونوران أرضا مساحتها 40 فدانا .

- تسلمت ابنته منى هتلر وشقيقتها سما هتلر أرضا مساحتها 10 أفدنة .

- تسلم ابنه وليد هتلر أرضا مساحتها 10 أفدنة .

يذكر أن مبارك كان قد منح هتلر طنطاوى وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عند إحالته إلى المعاش .

* فاروق سيف النصر : وزير العدل الأسبق ، خصص له قصر ضخم فى مارينا .

* سيد طنطاوى : شيخ الأزهر ، خصص له ولولديه - عمرو وأحمد - ثلاثة قصور فخمة وعلى مساحات واسعة بالتجمع الخامس .. كما حصل ولداه المذكوران على 220 ألف متر بالدخيلة بسعر 35 قرشا للمتر ، علما أن الأرض المذكورة قد نزعت ملكيتها من مالكها الأصلي ، لكنه مثل خالد فوده فى الفقرة 5 لا يملك أى جنسية أجنبية - كالتى يتمتع بها وجيه سياج - كى يستعيد حقه ! .. يذكر أن سيد طنطاوى نشأ فى عائلة معدمة فى قرية سليم شرقى بمركز طما بمحافظة سوهاج ..

* الفريق أحمد شفيق : وزير الطيران المدنى ، خصص له قصر فخم بالتجمع الخامس بجوار قصر هتلر طنطاوى .

* سامح فهمى : وزير البترول ، خصص له قصر فخم على ربوة مرتفعة بالتجمع الخامس .

* زكريا عزمى : وزير الديوان ، خصص له قصر فخم على مساحة 3000 متر مربع بالتجمع الخامس .

* كمال الشاذلى: عضو مجلس الشعب وأمين التنظيم السابق بالحزب الوطنى، تسلم فى 23 فبراير 2005 وقبل أيام من خروجه من الوزارة مساحة 40 فدانا بمنطقة الحزام الأخضر بمدينة 6 أكتوبر واستثنى من شرط نسبة المبانى، أعاد الشاذلى بيع تلك المساحة بسعر 280 ألف جنيها للفدان (أى أنه حقق ربحا صافيا قدره 10 مليون جنيها) إلى الأمير السعودى مشعل بن عبد العزيز بمساعدة سمير زكى ، كما خصص للشاذلى ولأولاده أيضا منتجع ضخم فى التجمع الخامس يضم ثلاثة قصور يحيط بها سور فخم .

* فتحى سرور : رئيس مجلس الشعب ، تسلم عدة قطع اشتراها بثمن بخس وأعاد بيعها بأسعار عالية بمساعدة سمير زكى وحقق من وراء ذلك ربحا قدره 15 مليون جنيها .. خصصت الحكومة له قصرين بنفس الأسعار فى رويال هيلز وأعاد بيعهما بنفس الطريقة ، كما خصصت الحكومة له قصرين بثمن بخس فى التجمع الخامس ويحتفظ بهما .

* اللواء حبيب العادلى : وزير الداخلية ، تسلم 32 فدانا بثمن بخس وتم إمداد الأرض المذكورة بخط مياه على نفقة الدولة .

* صفوت الشريف : رئيس مجلس الشورى ووزير الإعلام السابق لمدة ربع قرن : تسلم وأولاده 33.5 فدانا على الطريق مباشرة ، كما خصصت الحكومة لأحد أبنائه مساحة من شاطئ مارينا أقام عليه ما يسمى بشاطئ البشمك للمحميات وشاطئ الأبلاج الذى به كانترى كلوب وسباقات خيول وحمامات سباحة .

* محمود محمد على رئيس مصلحة الضرائب : تسلم 40 فدانا بنى فى بعض مساحتها ثلاثة قصور ويقدر قيمة كل قصر بمبلغ 15 مليون جنيه بالإضافة إلى فيلا فى الساحل الشمال قيمتها 17 مليون جنيه .. وزع رئيس المصلحة بعض المساحة على عائلته كما يلى:

- نشوى عبد الغنى محمود : هى زوجة رئيس مصلحة الضرائب وتسلمت خمسة أفدنة وهى موظفة فى البنك المركزى فرع الألفى ومخصص لها سيارة فاخرة BMWسوداء بسائق على نفقة مصلحة الضرائب ..

- محمد محمود محمد على : إبن رئيس مصلحة الضرائب وتسلم 10 أفدنة ويملك سيارة شيروكى بيضاء .

- إكرام رجب محمد جمعة : زوجة شقيق رئيس المصلحة عبد الفتاح محمد على وهو مرشح الحزب الوطنى بدائرة السيدة زينب .

- حسين عبد الفتاح محمد على : إبن شقيق رئيس مصلحة الضرائب .

* إبراهيم سليمان: وزير الإسكان وصاحب قرار البيع فى الأراضى والفيلات التى تبنيها الدولة.. دخل الوزير المذكور الحكومة فى أكتوبر 1994 وكان يعمل قبل ذلك أستاذا فى كلية الهندسة بجامعة عين شمس بمرتب 585 جنيها.. ينحدر من عائلة فقيرة وكان أبوه يعمل نجارا فى باب الشعرية، خرج سليمان من الوزارة فى ديسمبر 2005، لكنه كان يمتلك عند خروجه ما يلى:

- عدد تسعة من السيارات الفاخرة.

- قصران بمصر الجديدة بجوار قصر الدكتاتور الفاسد حسنى مبارك ( باع إبراهيم سليمان أحدهما فى 2006 إلى شريكه الجديد رجل الأعمال يحيى الكومى بمبلغ 45 مليون جنيه ويسمى قصر النقراشى لأنه شيده على أنقاض قصر النقراشى باشا رئيس وزراء مصر الأسبق بعد هدمه بالمخالفة للقانون ، ويذكر أن يحيى الكومى هو شريك الآن مع الوزير المذكور فى مصنع لإنتاج غاز الميثونول وهو مشروع يحقق أرباحا فلكية).

- قصر فى " أبو سلطان " بمنطقة لسان الوزراء بمدينة فايد بالإسماعيلية.

- قصر فى مارينا يطل على البحر مباشرة.

- قصر بجزيرة الشعير بالقناطر الخيرية.

- قصر بمنطقة الجولف بالتجمع الخامس بالقاهرة الجديدة مقام على مساحة 6000 متر مربع بجوار قصور سيد طنطاوى الثلاثة ..

- قطعة أرض باسم زوجته منى المنيرى بالتجمع الخامس ومساحتها 1393 مترا مربعا بثمن 842 ألف جنيها ويبلغ ثمنها السوقى 10 مليون جنيها .

- قطعة أرض باسم ابنه شريف بالمنطقة المميزة بأرض الجولف بالتجمع الخامس ومساحتها 4458 مترا مربعا بثمن 1.5 مليون جنيها ويبلغ ثمنها السوقى 12 مليون جنيها .

- قطعة أرض بإسم إبنته جودى بالمنطقة المميزة بالتجمع الخامس ومساحتها 733 مترا مربعا بثمن 752 ألف جنيها ويبلغ ثمنها السوقى 5 مليون جنيها .

- قطعه أرض بإسم إبنته دينا بالمنطقة المميزة بالتجمع الخامس ومساحتها 2243 مترا مربعا بثمن 760 ألف جنيها ويبلغ ثمنها السوقى 13 مليون جنيها

- 30 ألف متر مربع فى مرسى علم بجوار قطعة صديقه محمد أبو العينين .

يذكر أن قانون هيئة المجتمعات العمرانية الجديد ينص على أنه لا يجوز للفرد الواحد وزوجته وأبنائهما القصر الحصول على أكثر من شقة واحدة أو قطعة أرض واحدة فى المدن الجديدة عن طريق التخصيص، ولكن الوزير الأسبق منح زوجته وأبنائه القصر 7 قطع وفيلات مساحتها جميعا 10 آلاف متر فى القاهرة الجديدة ومارينا.

وكما منح مبارك المدعو هتلر طنطاوى وسام الجمهورية من الطبقة الأولى ، فإننا نجده هنا أيضا يمنح إبراهيم سليمان نفس الوسام فى فبراير 2006 غير عابئ بمشاعر الرأي العام التى وضعت سليمان على رأس قائمة الوزراء الأكثر فسادا وتخريبا لأراضى مصر !! .. ثم عينه مبارك فى عام 2008 رئيسا لمجلس إدارة شركة الخدمات البحرية براتب شهرى 1.3 مليون جنيها رغم عدم خبرته فى هذا المجال ..

* إبراهيم كامل : أحد أقطاب الحزب الوطنى ، ما أمكن حصره من أراضى مصر التى نهبها هو يلى :

- خصصت له الدولة أرضا فى الساحل الشمالى اشتراها بقروش عديدة ، أنشأ كامل عليها قرية غزالة السياحية وقفز ثمن متر الأرض بها إلى عدة آلاف من الجنيهات .

- منحته الدولة 64 كيلو متر مربع لإنشاء مطار العلمين رغم معرفة الحكومة جيدا أن مساحة المطار لاتزيد عن 10% من المساحة المذكورة ، لكن المخططين لإبراهيم كامل يعلمون أن المساحة المتبقية سيتم بيعها كقرى سياحية بأسعار فلكية .. لم يدفع إبراهيم كامل فى تلك المساحة الكبيرة إلا مليونى جنيه من خلال قرض من أموال المودعين ..

- خصصت له الدولة أرضا فى منطقة سهل حشيش فأنشأ عليها شركة يرأس مجلس إدارتها لتطويرها سياحيا .

لابد أن نذكر هنا أن إبراهيم كامل مدين بثلاثة مليار جنيها تقريبا إلى بنك القاهرة وتحديدا فرع الألفى ورغم ذلك فهو حر طليق لأنه يتمتع بحماية مبارك شخصيا ، وكان رئيس بنك القاهرة السابق أحمد البرادعى - أحد رجال جمال مبارك - قال ما نصه " إبراهيم كامل خط أحمر لا يجرؤ أحد على تخطيه .. خلاص .. لا يأخذ قروضا جديدة ولا نسأله عن القروض القديمة " ! . لاحول ولا قوة الا بالله). انتهى ..!!

أخيرا :وعظ السلطان مبارك

1 ـ يقول جل وعلا: (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ )

هنا ارهاص بالاهلاك القادم لمصر لو لم يتم فيها اصلاح عاجل وعادل ، فالاهلاك يحل عندما تتباعد الفجوة بين ساكنى القصور وساكنى العشوائيات و القبور .

القرية فى المصطلح القرآنى تعنى الدولة والمجتمع . والبئر المعطلة ترمز الى المرافق الأساس التى يعيش عليها معظم الشعب ، ومفروض عندما تكون الدولة عادلة أن تكون الأولوية للحاجات الأساسية للأغلبية من الشعب ، ولكن عندما يتعاظم الظلم ويتحكم المترفون تقام القصور الفارهة بينما تتعطل البئر التى يتعيش عليها أغلبية الناس. وهذا مانراه فى مصر التى تترصع بآلاف القصور التى لا يسكنها أصحابها إلاّ قليلا ،وتتحلى بكل أنواع الرفاهية بينما تنقطع المياه عن العشوائيات والريف وحين تصل اليهم تكون محملة بالمجارى . ويعيش الملايين فى المقابر وعلى الأرصفة ، ويتجول آلاف الأطفال فى الشوارع بلا مأوى ، لتصبح ظاهرة ( أطفال الشوارع ) فى مصر حديث العالم .

كل ذلك من ملامح الاهلاك القادم أوانفجار المجتمع المصرى بعد أن ييأس من الصبر . ولهذا تقول الآية التالية تحذر وتعظ من يقرأ القرآن الكريم تدعوه للاعتبار من سيرة السابقين وآثارهم :(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) ( الحج 45 : 46 ).

2 ـ نحن نعظ هنا لأداء الواجب فقط ، دون أمل حقيقى فى الاصلاح، نقول ( لعل وعسى ) ونعرف انه لا أمل ولا عسى .!!، فالظالم استمرأ الظلم وقد زين له الشيطان سوء عمله فأصبح يفخر به ويحسبه حسنا . بل أكثر من هذا يندفع الظالم ليتآمر ويمكر بالمصلحين ، وهنا أيضا نجد التوصيف فى القرآن الكريم ، يقول عن الظالمين :(وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ) أى كان التدمير عقوبة مكرهم وتآمرهم ، وبعدها تبقى بيوتهم خاوية تندب أصحابها ، يقول جل وعلا: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا) ويجعلها رب العزة عظة وتذكرة لمن يعقل ويعلم : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) وفى النهاية ينجى الله جل وعلا المتقين المصلحين : (وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون ) ( النمل 50 : 53 ).

آخر الكلام :

1 ـ هل نسينا معاوية ؟

2 ـ لو قام معاوية من قبره وسار فى القاهرة وصعد الى برج الجزيرة وتأمل الظلم الذى يسيطر على كل اركان مصر، وسمع صراخ المعذبين وعويل الفقراء والمساكين وأنين المحرومين وقهقهات المفسدين والظالمين .. ماذا كان سيفعل وهو اعلى برج القاهرة ؟

3 ـ إختر واحدة من الاجابات التالية :

• سيلقى بنفسه منتحرا من فوق البرج .

• سيلعن نفسه لأنه هو الذى بدأ بالتوريث فى تاريخ المسلمين .

• سيكشف رأسه ويدعو على الرئيس مبارك وأعوانه وشركائه .

• سينزل مسرعا من برج القاهرة ويتحزّم بحزام ناسف ويفجر نفسه فى أقرب قسم بوليس..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثالث : وعظ الرئيس (محنط) حسني مبارك:

 تغيير المناخ الثقافى بين معاوية ومبارك : 

الجزء الأول

 

 تاريخ النشر: 2010-04-05

أولا :

1 ـ نقصد به هنا درجة الحيوية أو الموات. الحيوية الايجابية التى تجعل الفرد والمجتمع حيا متفاعلا مستعدا للتضحية والقتال والوقوف دفاعا عما يعتقده أو ما يمتلكه أو ما يريده، أو الموات السلبى والخمول الذى يجعل المجتمع دابة مطيعة يركبها المستبد، وغاية طموح تلك الدابة هو توفير الحاجات الأساس أو الحد الأدنى منها.

2 ـ العادة أن المجتمعات النهرية الزراعية ذات المناخ المعتدل هى الأقرب للدعة و السكون والميل للتسامح والصبر على ظلم الحكام ، تنمو فيها الأمثلة التى تعكس هذه الثقافة مثل (طاطى لها لما تفوت) (الصبر حرق الدكان) (إن كانت لك عند الكلب حاجة قول له يا سيد) (الباب اللى يجى لك منه الريح سده واستريح) (اللى يتجوز أمى أقول له ياعمى). ولهذا تدعو الأم المصرية لابنها قائلة (يكفيك شر الحاكم الظالم) فالحاكم الظالم يترصد الجميع ممثلا فى الخفير وشيخ البلد والعمدة والمأمور، وقديما (المشد) و(الخولى) و (الكاشف).

3 ـ مصر و الهند والصين وايران هى الأمثلة الكلاسيكية لتلك المجتمعات المستقرة ، وهى مستقرة لأنها لا تعرف الثورات إلا قليلا ، وهى مستقرة لأنها هى التى ازدهرت فيها الحضارات القديمة و استمر فيها نظام الدولة الثابتة مهما اختلفت فيها نظم الحكم أو جنسيات الحكام ، وسواء كانت مستقلة أو محتلة .

4ـ الأساس هنا أن البيئة الزراعية تضمن الحد الأدنى من ضروريات الحياة ، من ( العيش والملح ) وما يستر البدن ، هذه الاحتياجات البسيطة تدعو بها الأم المصرية لابنها ( الاهى ما يجوّع لك كبد ولا يعرّى لك جسد) ، وللحصول على الغذاء والكساء فلا بد من (الصبر) الى أن ينبت البذر وينمو الزرع وينتج الحقل . ولأن الحقول تحتاج الى النهر فلا بد من سلطة مركزية تتحكم فى الرى والصرف وتحمى الحقول وأصحابها من غارات البدو وغيرهم من الطامعين فى الثروة الزراعية . وبالتالى لا بد أيضا من ( الصبر ) على ظلم هذه السلطة ، فصاحبها ياتى و يغيب ليأحل محله غيره ، مثل الليل و النهار و الفصول الأربعة ، ومثلما يحمله النهر من بقايا حطام وأكوام زبالة يلقيها فى مصبه. ويبقى الفلاح ملح الأرض ، وتبقى الأرض أو الوطن ، ولذا يتحمل الفلاح الباقى الحاكم الزائل أملا فى أن يأتى بعده من يكون خيرا منه .

5 ـ وإن لم يأت ذلك المنقذ القائم بالعدل على حصانه الأبيض فلتأت به ـ ولو فى آخر الزمان ـ الأحلام الوردية والأديان الأرضية وأساطيرها الدرامية . ومن هنا انتشرت اسطورة ايزيس واوزوريس وابنهما حورس والعم الشرير ست ، وفيها تكون ايزيس الأم والزوجة التى تساند الزوج والابن و تهب الحياة للاسرة ، بينما يموت اوزوريس ليعود آخر الزمان حاملا أمل العدل للمظاليم . أثرت تلك العقيدة الفرعونية فى الديانات الأرضية، وتشكلت منها عقائد المسيا المنتظر ونزول المسيح آخر الزمان (والمسيح الدجال) والمهدى المنتظر.

6 ـ اجتذبت هذه الحالة المصرية انتباه عمرو بن العاص فقال (مصر مطية راكب) يعنى بالمثل المصرى (بلد اللى يركب) سواء كان الراكب فى عظمة صلاح الدين الأيوبى أو شجاعة الظاهر بيبرس، أو كان فى جنون الحاكم بأمر الله الفاطمى ومحمد بن قايتباى، أو عدل احمد بن طولون، أو جشع السلطان برقوق، أو وحشية السلطان أيبك، أو جمال شجرة الدر أو قبح كافور الاخشيدى أو حكمة محمد على، أو حمق عبد الناصر أو عشوائية السادات أو خيبة وحقارة حسنى مبارك.

فى كل الأحوال يسهل على المستبد المصرى أن يفعل ما يشاء دون خشية من الشعب ، بل تهبط به مصر أو تصعد حسب مقدرته وشخصيته، تعلو به مصر إن كان على مثال تحتمس أو رمسيس ، ويهبط بمصر إن كان من الصنف الخسيس. وإذا هبطت مصر هبط معها العرب، وإذا صعدت وعزّت صعد معها وعزّ العرب .!

7 ـ المناخ الثقافى هنا له طابع مستمر ومستقر هو إيثار الصبر على التمرد. ولا يصل التمرد الشعبى إلا أن يكون مجرد هوجة لسبب طارىء يتعلق بأساس الحياة (العيش والملح) أى (إكسير الحياة) أو الضرورى جدا للبقاء حيا، أو بالتعبير الرائع الموجز (لقمة العيش )، والتى بدونها لا تكون هناك حياة أو (عيش)، فرغيف الخبز فى الريف المصرى يقال عنه (عيش) أى حياة وعيش.ويقسم المصرى بالعيش والملح ، ولو وجد كسرة خبز ملقاة على الطريق بادر بحملها فى إعزاز يقترب من التقديس وهو يقول ( بسم الله الرحمن الرحيم). ويصبح أكل العيش والملح رابطة صداقة وأخوة حتى بعد طول خصومة وعداء. (الملح) هنا أرخص الادام، وهو يمثل كل انواع (الغموس) أى ما يغمس فيه الخبز. وكسرة الخبز أو لقمة العيش فى يد الطفل المصرى هى التجسيد المادى لقيمة الصبر ومعنى الأسرة المصرية. كسرة الخبز لها سيرة حياة متجددة، تبدأ ببذرة الحنطة الى محصول القمح والدقيق و تنتهى الى الخبز. وفى كل تلك المراحل تتعاون الزوجة والبنت والأخت مع الرجل فى البيت والحقل ، ويقتسم الجميع موال الصبر والتحمل الى أن يتحول الصبر و القمح الى لقمة ( عيش ) فى يد الطفل ، يسير بها فى الشارع يأكل ، ويطلب طفل آخر منها ( كسرة ) فيعطيها له راضيا بالسليقة ، إذ لا مجال لمنع لقمة العيش عن الآخرين .

إذا وصل سوء الحال الى تهديد ( لقمة العيش ) هذه تنتفض الجماهير ، كما حدث فى انتفاضة الخبز فى عهد السادات ، أومن هنا نفهم تقاتل المصريين حول أفران الخبز فى الحضيض الذى أوصلهم اليه حسنى مبارك .!

8 ـ وخارج هذه الانتفاضات الفجائية الوقتية يكون من الاستثناء قيام الشعب كله بثورة مستمرة مثل ثورة 19 التى لم تأخذ حقها من الدراسة و التحليل برغم كثرة المكتوب عنها .

هذه الثورة الاستثنائية صنعتها عوامل شتى، منها الانفتاح والتحديث الذى أقامه محمد على مع فرنسا والغرب، وأثمر هذا التحديث العسكرى وعيا ثقافيا يطمح للتشبه بأوربا فى عصر الخديوى اسماعيل، وواكب ذلك حركة تعليمية أوصلت الفلاحين المصريين المتعلمين الى قيادة الجيش فكانت ثورة عرابى، وبهزيمتها جاء الاحتلال البريطانى.

الاحتلال البريطانى هو صاحب الفضل فى تطور الفكر المصرى الليبرالى، فلم يكن احتلالا فظا غليظ القلب بل كان يسمح بنمو المعارضة الوطنية الى مدى معين، لذا ظهر واشتهر مصطفى كامل الذى خرج من الطبقة الوسطى وكان يناضل داخل بريطانيا نفسها، وتلاه رفيقه محمد فريد الذى كان يمثل الوطنية لدى الطبقة العليا.

هذه الليبرالية البريطانية ساعدت على نمو حركة الاصلاح الدينى و السياسى للامام محمد عبده ، وفى مدرسته تخرج سعد زعلول ، وقامت حركة ثقافية ليبرالية ارتقت بطموحات المصريين من مجرد ضمان الحصول على (لقمة العيش) الى قيمة أعلى وأكرم، وهى الحرية بمعنى شامل وراق، ليس التحرر من المستعمر الأجنبى فقط، بل التحرر أيضا من الاستبداد المحلى..

9 ـ بعد انهيار الحكم الفرعونى المصرى خضع المصريون لمختلف الغزاة الأجانب حوالى ثلاثين قرنا، من الآشوريين والفرس والأغريق والرومان والعرب والأتراك والفرنسيين، ثم الانجليز.

كان الانجليز هم أرقى مستعمر حكم مصر، وأكثرهم رفقا بأهلها، لم يقم الانجليز بارتكاب جريمة تعذيب لأى مصرى، برغم من شيوع ثقافة التعذيب قبل وبعد الاستعمار البريطانى لمصر وحتى الآن. ولقد استغل مصطفى كامل حادثة دنشواى ضد انجلترة داخل انجلتره نفسها ، مع أن المحكمة فى دنشواى كانت مصرية صميمة ، ومع أن العادة قبل وبعد الاستعمار البريطانى ـ و حتى الآن ـ هو حق الحاكم فى قتل من يشاء بدون محاكمة أصلا.

10 ـ أتاح التعليم مع الليبرالية البريطانية ظهور وعى سياسى أشعل ثورة 19 وكان تمهيدا لتطورالحركة الوطنية التى طالبت بشيئين معا (الجلاء والدستور ) ،اى (الجلاء) لتحرر الوطن من المحتل الأجنبى، و(الدستور) لتحرر المواطن من أى استبداد محلى. وهو تقدم فى الفكر الديمقراطى سبقت به مصر معظم أوربا، ويكفى أن مصر افتتحت ثانى خط سكة حديدية فى العالم، وكانت من أوائل من عرفت صناعة السينما، وسبقت الشرق كله فى تكوين أول مجلس نيابى فى ستينيات القرن 19 فى عهد الخديوى اسماعيل.

كل ذلك قبل أن يقضى عليها الجراد، اى العسكر الذى يحكم مصر من عام 1952.ثورة 19 كانت هاجسا مزعجا للضباط المراهقين الذين قاموا بحركة الجيش عام 1952، ثم حولوها الى انقلاب ثم الى ثورة، فى ظل تهميش لثورة 19 لما فيها من دعوة ليبرالية ودستورية .

11 ـ وبينما تم حرمان المصريين من فهم ثورة 1919 فان هذه الثورة هى التى ألهمت غاندى زعيم الهند، والذى قام بتحرير الهند سلميا. والهند هى الأخرى إحدى أهم البيئات النهرية والحضارية فى العالم.

والواقع أن نجاح غاندى فى ثورته السلمية يرجع الفضل فيه الى التحضر الانجليزى نفسه، إذ تشبه غاندى بمصطفى كامل وخاطب الضمير الانسانى داخل الانجليز واستطاع أن يجذبه الى القيم التى عايشها غاندى نفسه وهو يعيش داخل المجتمع الانجليزى. ولو ظهر غاندى اليوم فى عصر حسنى مبارك يدعو سلميا للحرية والديمقراطية مستخدما العصيان المدنى لكان مصيره التعذيب والاغتصاب فى سجون حسنى مبارك!! وهذا ملمح من ملامح الاختلاف بين الثقافة الشعبية التى انحدرت لها مصر فى عصر مبارك ( المتوحش )، والثقافة الشعبية التى كانت عليها مصر منذ قرن من الزمان ـ وهى تحت الاحتلال الانجليزى (المتحضر).

12 ـ هنا ندخل على التحول الثقافى الخطير الذى حدث فى عصر حسنى مبارك بحيث يؤخر حدوث ثورة شعبية كالتى حدثت فى مصر عام 1919 . وهو تحول يتشابك مع مثيل له حدث مع معاوية وتكوين أول حكم وراثى مستبد فى تاريخ المسلمين . نبدأ بعمنا معاوية.

ثانيا: ننتقل الآن الى الجزيرة العربية حيث نتعامل مع نموذج ثقافى مختلف.

1 ـ هنا صحراء قاحلة ، فيها الماء سلعة تتقاتل فى سبيلها القبائل، ويكون العشب المؤقت المتنقل سبب الاستقرار المؤقت ، فالعشب هو الوطن المتحرك، والقبيلة هى الدولة المتحركة التى تسعى خلفه ولكن حدودها بقدر ما تستطيع سيوف القبيلة الدفاع عنه ، والانتماء هنا ليس للأرض والوطن أو المكان الثابت ولكن للنسب الذى يربط أبناء القبيلة بصلة الدم والقرابة. والقبيلة كدولة متحركة لها زعيم أو شيخ أو (قيل) أو ملك أو أمير. وكل ذكور القبيلة هم جند القبيلة وجيشها المحارب، والرجل هو كل شىء، فهو المسئول عن المعاش وعن الحماية، أما المرأة فهى مجرد متاع وممتلكات للأب أو الأخ أو الزوج، أو حتى الابن. وللقبيلة علاقات متنوعة مع القبائل الأخرى، من الحرب الى الحلف، وهناك من ينزوى وينضم الى القبيلة الكبرى من عشائر تتحالف مع القبيلة الكبرى، وبمرور الزمان قد تكتسب (جنسيتها) أو نسبها، كما يتردد فى مصادر أنساب العرب.

العمل الاقتصادى للقبيلة هو الرعى ( سلميا ) والاغارة على القبائل الأخرى لسلب ممتكاتها، والممتكات هنا ليست مجرد المال والابل والغنم ولكن أيضا النساء والأولاد، لذا يرتبط السلب والنهب بالسبى والاسترقاق .

فى هذه الثقافة البدوية يشترك العرب فى المدن (قريش فى مكة، هوازن فى الطائف، الأوس والخزرج فى يثرب) مع الأعراب فى البوادى، من ربيعة ومضر وقيس (العرب الشماليون) فى نجد شمالا ومن كلب وقضاعة (العرب اليمنيون القحطانيون) فى الشام.

وبينما نعمت قريش بسكنها حول البيت الحرام بالحصول على الأمن والرخاء الاقتصادى برحلة الشتاء و الصيف فان بقية العرب عاشوا فى قتال مستمر، كان اسلوب حياة لهم يقوم على مشروعية اجتماعية هى الاستحلال، أى استحلال ما فى يد الغير طالما تقدر عليه وطالما لا يستطيع الدفاع عنه. وبالاغارة لك الحق فى ملكية ما حصلت عليه بسيفك، وتؤول اليك المرأة السبية وتدخل فى طاعتك وتهبك نفسها لأنها مملوكة لمن يغلب ولمن يستطيع حمايتها .

2 ـ وببعض التأويل والتحريف الدينى ـ بعد الاسلام ـ تحول هذا الاستحلال الاجتماعى فى الجزيرة العربية الى استحلال دينى قامت على اساسه دول متحركة مثل حركتى الزنج والقرامطة، أو دول مؤقتة مثل حكم الهاشميين (الأشراف ) للحجاز، والدولة السعودية الأولى و الثانية و الثالثة الراهنة.

3 ـ الصراع المسلح المستمر هو السبب فى عدم وجود دولة مستمرة مستقرة فى الجزيرة العربية، يستوى فى ذلك إن قامت الدولة على اصول عشائرية قبلية أو على أساس دين أرضى أو سماوى. فى كل الأحوال هناك معارضة مسلحة لا تلبث أن تثور وتقضى على تلك الدولة، وتجعل القاعدة هى وجود دولة مؤقتة أو متحركة وليست مستقرة مستمرة.

ولو افترضنا أن دولة الاسلام العربية ظلت محصورة فى الجزيرة العربية لانتهى عمرها سريعا. وهذا مفهوم من بزوغ حرب الردة بمجرد وفاة النبى محمد عليه السلام. ولو لم تصدّرقريش حيوية العرب العسكرية فى غزو البيئات النهرية خارج الجزيرة العربية ما قامت للعرب المسلمين دولة خارج جزيرتهم العربية. بل إن الجزيرة العربية عادت الى ظلام الجاهلية وغرقت فيه منذ العصر العباسى الثانى، بعد انتقال الأضواء وتركزها فى البيئات النهرية، واستقرار حكم العرب القرشيين فيها، سواء من الأمويين أو العباسيين أو الفاطميين.ولولا البيت الحرام وفريضة الحج لانقطع الاتصال بين الجزيرة العربية والعالم الخارجى بعد منتصف القرن الثانى الهجرى.

4 ـ استفاد العرب من شيوع ثقافة الصبر والخنوع فى البيئات النهرية التى احتلوها فتأكد سلطانهم ، خصوصا وقد تم صبغ ذلك الاحتلال بأديان أرضية تشرع العدوان وتسوغ ظلم السلطان وتوجب طاعته وتحرم الخروج عليه.

ومن هنا تفاعلت ثقافتان متناقضتان فى احتلال العرب للبلاد النهرية، هما ثقافة تلك الشعوب: الخمول والصبر، أى (ثقافة الموات) أى عدم التفاعل إلا قليلا، وثقافة العرب وهى التفاعل والصراع الى درجة القتل أى (ثقافة الموت). بايجاز (تقافة الموات) النهرية وثقافة (الموت) الصحراوية.

وكان الاسلام وسطا بين الثقافتين.

5 ـ نزل القرآن الكريم بثقافة مختلفة تقوم على أساس التفاعل الايجابى ليقوم الناس بالقسط وبالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. والمعروف هو المتعارف عليه من قيم العدل والحرية والسلام، والمنكر هو الظلم والاعتداء والبغى والفحشاء، مع إعلاء قيمة الصبر (الايجابى) الذى يدفع للهجرة فى سبيل المعتقد عند وقوع الاضطهاد، ويدفع بالمؤمن للصبر على القتال دفاعا وليس عدوانا، مع التمسك بفضائل الرحمة والرأفة والرفق والاحسان.

وتركزت الآيات المكية فى تعليم (لا اله إلا الله) وتعليم الجانب الخلقى، ثم جاءت تفصيلات التشريع فى الآيات المدنية ،خصوصا فى تجريم وتحريم الاعتداء وأن تكون الحرب دفاعية فقط وملجأ أخير لتعزيز السلام وليس للبدء بالعدوان. وأدى عسف قريش بالمسلمين الى الهجرة الى المدينة وتأسيس أول ـ وآخر ـ دولة اسلامية حقيقية فى السنوات العشر الأخيرة فى حياة خاتم المرسلين ـ عليهم جميعا السلام.

وتداخل التشريع القرآنى فى الجهاد مع خطاب قرآنى كان يتوجه بالخطاب المباشر للمسلمين يحثهم على نبذ ثقافة العرب (المسماة بالجاهلية) وأهمها موالاة القبيلة والنسب والمصالح الاقتصادية على حساب الانتماء للقيم العليا التى جاء بها الاسلام . وكان المهاجرون فى المدينة يعانون من الغربة والتردد بين نوعين من الانتماء والولاء: الانتماء الجاهلى لقريش أعظم قبيلة عربية ، هذا الانتماء الذى يوجب نصرة اخيك ظالما أو مظلوما، أى نصرة قريش الظالمة وموالاتها فى حربها العدوانية ضد دولة الاسلام، أو الانتماء الى دولة الاسلام وقيمها العليا المناقضة لقيم الجاهلية.وكثيرة هى الآيات التى تكررت وعاتبت المهاجرين على تذبذبهم فى موضوع الموالاة والانتماء. بدأ هذا مع أول استقرار المهاجرين فى المدينة (سورة الممتحنة 1: 9) (الأنفال 72 ـ) وظل بعدها (المجادلة 22، آل عمران 28) واستمر الى أواخر التنزيل (المائدة 54: 58 التوبة 23 : 24 ).

6 ـ مع التعصب القبلى أو الولاء القبلى كان هناك أيضا الانتماء للمال.

فى الاسلام لا وجود لاحتراف دينى، والداعية لا يسأل الناس أجرا، وكذلك الأنبياء، بل مفروض التضحية فى سبيل الله بالنفس والمال.

ولكن المال مقدم على حياة النفوس فى الجاهلية حيث يتقاتل الناس فى سبيل المال، ويتحول المال الى اله معبود، من أجله كانت قريش تعاند الهدى مع علمها بأن القرآن هدى، ولكن هدى القرآن يعارض مصالحها الاقتصادية (القصص 57) (الواقعة 81 : 82). ولذا قيل عن أحد زعماء القبائل وقتها إنه ( الأحمق المطاع )، لأنه (كان إذا غضب، غضب لغضبه مائة ألف سيف لا يسألونه برهانا ). هذا ما قيل عن (الأقرع بن حابس ).

أى مع انه ( أقرع ) و( ابن حابس ) و( أحمق ) إلا أنه كان مطاعا فى قبيلته مهما قال ومهما فعل، وخلفه مائة ألف سيف فى طاعته وفى الولاء له. لماذا ؟ لأنه فى حمقه كانت لا تستمر صداقاته أو تحالفاته مع القبائل الأخرى ، لأن الهدف الأساس له هو توفير الغنائم لقبيلته من أى طريق وبأى سبيل ، فوصفه العرب من خارج قبيلته بالأحمق المطاع . وهنا يكون التعبير الصادق عن ثقافة الجاهلية التى تناقض الاسلام .

7 ـ ولم يكن الصحابة سواءا فى مدى وعمق تمسكهم بالاسلام ،أو حتى فى حفظهم للقرآن الكريم .وفى القرآن الكريم تقسيمات للمنافقين، وأنواع من المؤمنين منهم السابقون والذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ومنهم المرجفون فى المدينة و الذين فى قلوبهم مرض ، والموصوفون بالخيانة.

ومن تاريخ المسلمين نعلم أن من المسلمين من تأخر اسلامه مثل عمرو وخالد وأبى هريرة، ومنهم من كان صبيا عاش فى مكة لم ير النبى إلا وقت فتح مكة، وظل فى موطنه مكة الى أن مات النبى فى المدينة، أى لم ير النبى إلا سويعات ، مثل عبد الله بن عباس ومعاوية بن أبى سفيان.

وعايش السابقون ـ زمنا ـ الاسلام حوالى 23 عاما فقط . أسلموا كبارا بعد تشرب كامل لثقافة الجاهلية ، ونستثنى منهم من أسلم صغيرا ولازم النبى محمدا عليه السلام مثل على بن أبى طالب . وبعد السابقين زمنا هناك من تأخر اسلامه . وهناك من أسلم مضطرا بعد طول عداء للاسلام ، ليحافظ على مكانته وليركب الموجة الجديدة ، ثم يحيد بها حيث يريد فى الوقت المناسب . وهذا هو حال أبى سفيان وابنه معاوية والحكم بن العاص وابنه مروان , وهو أيضا حال العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله، ومنهم جاءت الخلافة الأموية و العباسية، وعادت الثقافة الجاهلية خلال أديان أرضية، أهمها السّنة.

8 ـ ومع العداء بين العباسيين والأمويين إلا إنهم تمسكوا بأسس هذه الثقافة الجاهلية، وهى التعصب و جمع المال بالسحت و العدوان.

فى ميدان التعصب نراهم جميعا قد مارسوا التعصب القبلى لقريش وتفضيلها على سائر العرب، وربطوا ذلك بالدين الأرضى فحصروا فيها الامامة و الحكم، فصنعوا حديثا يقول (الامامة فى قريش). ثم داخل دائرة قريش يضيق التعصب ليكون تعصب الأمويين ضد أبناء عمومتهم الهاشميين ، والعكس ، ثم تضيق الدائرة فيتعصب العباسيون ضد العلويين، ويتعصب الأمويون من ذرية مروان بن الحكم ضد أبناء عمومتهم من أبناء أبى سفيان ، ثم يضيق التعصب أكثر وأكثر فيتعصب الخليفة لابنه ضد أخيه ، فيعزل أخاه ويولى ابنه محله .

وفى جمع المال تجدهم يتشابهون. فابن عباس يخون ابن عمه عليا بن أبى طالب الذى عينه واليا على البصرة، وحين رأى ابن عباس اهتزاز حكم الخليفة ( على ) فإنه لم يقف الى جانبه كما يمليه عليه واجب الولاء الوظيفى باعتباره واليا عند (على ) بل كما يمليه عليه واجب القرابة كونه ابن عم الخليفة. غلب عليه حب المال فهرب وحمل معه فى هربه بيت مال البصرة، وطلب الحماية من أخواله فى الصحراء. خسة ودناءة لا مثيل لها فى ذلك الوقت، ومع ذلك فابن عباس أحد روافد الدين السّنى، وجد الخلفاء العباسيين، وقيلت فى فضله أحاديث..

وفى المقابل جمع الأمويون كل ما يقدرون على جمعه من أموال فى ولايتهم على الشام ومصر، وجاءتهم الفرصة فى خلافة عثمان (الأموى) فتحكموا فيه وفى ايرادات الدولة الى أن تسببوا فى قتله، وتركوه محاصرا دون نصرة لأنهم كانوا يريدون فقط قميصه الملوث بدمائه ليستغلوه فى حرب (على) للوصول الى الحكم، وهذا ما تحقق فعلا. وبوصولهم للحكم أصبحوا يتحكمون فى ثروة معظم العالم المعروف من حدود الهند والصين الى جنوب فرنسا.

وللانصاف نقول إنهم لم يكونوا وحدهم فى جمع المال السحت، فقد فعل مثلهم كبار الصحابة، خصوصا زعماء الحرب الأهلية: الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله ، وعمرو بن العاص وآخرون، تركوا ميراثا من الاقطاعات و القصور و أرادب من الذهب. وفى مواجهة عبادة المال السحت هذه وقف الى جانب العدل والعفة والنزاهة قلة من الصحابة تزعمها على بن أبى طالب ومعه أبو الدرداء و أبو ذر. ولكن طغيان الثقافة الجاهلية حملهم الى متحف التاريخ ليفسح الطريق للأمويين ثم العباسيين.

9 ـ بايجاز .. فان ثقافة الاسلام ذات ال 23 ربيعا لم تصمد أمام ثقافة الجاهلية التى أعادتها قريش من خلال الأمويين الذين أقاموا ملكهم باستخدام المال ، وبذلك تم التغيير الثقافى المشار اليه . وبالمال استطاع معاوية استمالة شيوخ القبائل ، يعطيهم بلا حساب أو بحساب حسب ولائهم له ومدى حاجته اليهم .

وبهذه الثقافة برزت نوعية جديدة من زعماء القبائل، ليس مؤهلها السبق فى الاسلام أو الخشية من الرحمن ولكن المقدرة على الحصول على اموال للقبيلة من الخليفة فى دمشق، والخليفة يعطيه بقدر الولاء للخلافة و بقدر ما تقدمه قبيلته من جند للغزو فى الخارج وفى محاربة الخصوم فى الداخل. من هنا نفسر هزيمة (على ) ومقتل ذريته فى كربلاء، حيث كانت قلوب الناس مع الحسين ولكن سيوفهم عليه لأن سيوفهم تبع لجيوبهم .

انتهى عصر الولاء للقيم الأخلاقية التى جاء بها الاسلام، وأصبح الولاء للمنفعة الشخصية للقبيلة و لشيخ القبيلة وأفراد القبيلة.

هذا هو التغيير الذى أحدثه الأمويون وساعد على توريث يزيد خلافة معاوية.

10 ـ نعود الى وجعنا الدائم: مصر. لنرى تغيير المناخ الثقافى فى عهد مبارك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 :الجزء الثاني

 

تاريخ النشر: 2010-04-23

 

أولا : ثقافة القناعة لدى الفلاح المصري قبل أن يلحقها التغيير..

1 ـ مصر تتجسد فى الفلاح المصري. ما عداه ومن عداه من مستبدين وجند ورجال دين وموظفين وعمال وحرفيين وعاطلين ومطبلين وراقصين وراقصات واراجوزات ـ هم مجرد ( ملحقات) للفلاح المصرى ، يحملهم على كاهله.

معظم هذه الملحقات دينها التكالب على الثروة، لذا وقف لهم الفلاح المصرى بالمرصاد فقال فيهم أمثاله الشعبية التى لا تخلو من حكمة: (إجري جري الوحوش. غير رزقك ما تحوش) (الطمع اقل ما جمع). وفى مواجهة الظالمين المتكالبين على الدنيا ينصح فى أمثاله الشعبية بالابتعاد عنهم: (قالوا دخلنا بيت الظالمين وطلعنا سالمين، قال وايش دخّلكم وايش خرجكم)؟!!

2 ـ كان هناك حاجز ثقافى بفصل بينه وبينهم اسمه (القناعة).

فبينما كانت ( الملحقات ) تتصارع فيما بينها ـ ليس على لقمة العيش وكسرة الخبز ، ولكن على الثروة والسلطة ـ كان الفلاح يعيش قانعا راضيا يردد الحكمة القائلة (القناعة كنز لا يفنى). أورثته القناعة والسماحة راحة البال التى يتمناها المتكالبون على حطام الدنيا، فيقول فى أمثاله عن الدنيا (ما حدش واخد منها حاجة).

كان يكتفى بالموجود ويحمد الله عليه، يأكل الخبز بالبصل ويفرك يديه راضيا قائلا: (اللهم أدمها نعمة واحفظها من الزوال) . عاش هانئا ـ رغم المكاره ـ ينشد (السّتر) ويمضغ (الصبر) ويتندر على ما يحدث له من (قهر)، ويتندر مبتسما على الحاكم الظالم فيطلق عليه النكات (جمع نكتة) و (القفشات) فإذا مات الحاكم الظالم إنطلق الفلاح المصرى بأصالة ونبل يترحم عليه، ويستنكر الهجوم عليه قائلا: (أذكروا محاسن موتاكم) و ينسب الظلم للحاشية، مكتفيا بالقول بأن الحاكم الظالم قد لقى ربه (عند رب كريم). وينسى أن ذلك الحاكم الظالم هو المسئول عن الفقر، وأيام (الفقر)، بل ترى الفلاح المصرى يتندر على الفقر نفسه، فهو الذى قام بتقسيم الفقر الى نوعين: الفقر العادى، والفقر الدّكر، وهو الذى أطلق على (الجنيه المصرى) ( الشيخ رفاعى) لأنه كان يرفع مقام صاحبه حتى لو لم يكن ذا مقام. كان هذا طبعا وقت أن كانت للجنيه المصرى قيمة.

هذا ما كان عليه الفلاح المصرى قبل الثورة المصرية؛ قانعا فى الباطن سعيدا فى الظاهر، مبتسما متندرا حتى يحسبه الجاهل أسعد مخلوق فى الدنيا ، لذا استحق أن يحسده محمد عبد الوهاب فغنى له (محلاها عيشة الفلاح. متهنى قلبه ومرتاح. يتمرغ على أرض براح).

3 ـ الذى لم يعرفه المطرب المترف (محمد بن عبد الوهاب) أن سعادة الفلاح المصرى كانت تغلفها حفلات مستمرة ـ ليس للتكريم ولكن للتعذيب، يقيمها له أعوان السلطة ، أشدها فى موسم الحصاد وتوريد المحصول للسلطة . فبسبب حرصه على (لقمة العيش وكسرة الخبز) تركّز كل جهاده فى أن يخفى من السلطات بعض انتاجه من الحبوب و الدواجن، بينما يتبارى المشد والمأمور فى ضربه حتى يقرّ ويعترف بما أخفاه من حبوب أو دقيق لاطعام عياله. وبعد انتهاء السلطة من التعذيب وجمع (الضريبة) يعقد الفلاحون حفلات سمر يفخر كل منهم بما تحمله من ضرب دون أن يقرّ ودون أن يعترف بما أخفى من كده وتعبه لقوت عياله. ويتردد فى الأمثال الشعبية ما يعكس هذه الحالة الفريدة، منها: (ضرب الحاكم شرف)!(من افتكرنى ما احتقرنى ولو بطوبة وزقلنى).! 

وواضح أن جهل الفلاح المصرى وقتها أتاح له أن يعايش الظلم متصالحا ومتسامحا معه، يراه قدرا لا فكاك منه، ولا حيلة معه إلا بالصبر: (إصبر على جار السوء حتى ينصلح أو تيجى له داهية تاخده). وعاش الفلاح المصرى مع ذلك الجار السىء من الحكام الظالمين آلاف السنين،من الفراعنة الى العثمانيين .

ثانيا: بداية التغيير من ثورة عرابى الى ثورة 19

1 ـ من مميزات التعليم أنه ينشىء وعيا بالظلم وحرصا على تغييره ، وإحساسا بالفوارق بين المحروم المأزوم والمتخم المترف . فاذا اجتمع مع التعليم والوعى بالظلم الحصول على بعض أسباب القوة تم فرض التغيير بالقوة . وهذا هو الفارق بين الفلاح المصرى أحمد عرابى وأبناء عمومته الفلاحين المساكين فى قرية هرية رزنة فى الشرقية . ظل أبناء عمومته متمسكين بالقناعة و الرضا والصبر ولكنه خرج على هذا (الإجماع ) لأنه تعلم فى الأزهر ودخل الجيش وأصبح ضابطا ، لذا أحدث ثورة داخل الجيش المصرى ، ثم حشد الجيش فى مواجهة القصر يطالب بالحقوق ، فلما قال له الخديوى : لستم إلا عبيد إحساناتنا ، ردّ عرابى بكل أنفة ( والله لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم ).

انتشر التعليم وانتشر معه الوعى بالظلم والرغبة اقامة العدل و تحرير الوطن والمواطن ، فانفجرت ثورة 19 . وبدأ بها التغيير فى ثقافة الفلاح المصرى .

 

2 ـ أدت ثورة 19 الى تركيبة طبقية جديدة .

كان التعليم قد صعد ببعض أبناء الفلاحين الى طبقة الأفندية وارتقى بكثيرين من طبقة الأفندية والطبقة الوسطى الى الشرائح الدنيا والعليا من الطبقة العليا، وكان أولئك الأفندية والمتعلمون هم مادة وقيادة ثورة 19، وبنجاحها انتقلوا الى الطبقة العليا ، وبهم انتشر التعليم وتكاثرت وطالت صفوف المتعلمين الجدد وانتظم فيها مئات الأوف من أبناء الفقراء والشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطى من الشباب الطامح لمكان تحت الشمس بعد أن ودع قيمة (القناعة) وآثر أن يكافح ويدخل معترك السياسة والحياة الحزبية والصحفية فوجد الباب موصدا فى وجهه ، ولم يعد أمام هذا الجيل التالى لجيل ثورة 19 إلا مجرد الهتاف للباشوات والبهوات ـ القدامى و الجدد ـ الذين احتكروا السلطة و الثروة ، ولم يفسحوا مكانا للجيل القادم ، إذ حجزوه مقدما لأولادهم المدللين الذين أطلق عليهم عبد الناصر فيما بعد ( العاطلون بالوراثة ).

3 ـ هذا الجيل المتعلم القادم من رحم الطبقات الدنيا اصبح الجيل الناقم الذى اعتنق الايدلوجيات الوافدة من الغرب: من علمانية (الاشتراكية و الشيوعية) وعنصرية (مصر الفتاة)، ولكن كانت الايدلوجية الوهابية الدينية هى الأكثر انتشارا وتأثيرا ،خصوصا فى الريف والأقاليم والأحياء الشعبية ، لذا نجح حسن البنا بسهولة وباستغلال اسم الاسلام فى انشاء خمسين ألف شعبة للاخوان المسلمين ، وكان الاخوان هم الأكثر تأثيرا فى الشباب والأكثر حضورا فى الشارع والمظاهرات ، ثم كانوا الأكثر تأثيرا فى العسكر. إذ أنه مثلما حدث فى ثورة عرابى فتحت الكلية الحربية أبوابها فى منتصف الثلاثينيات فى القرن الماضى لدفعات جديدة من هذا الجيل الناقم ، فكان منهم العسكر الذى قام بحركة الجيش عام 1952 .

4 ـ فى تحليل سريع لما حدث بعد ثورة 19 نجد ليبرالية ديمقراطية منقوصة ولكن سابقة لعصرها فى مصر وما حولها ، أسفرت هذه الليبرالية عن دستور 23 الذى لم تشهد مصر مثيلا له حتى اليوم ، والذى نتمنى مثله اليوم . كما أسهمت الليبرالية المصرية ( 1920 : 1952 ) فى تدعيم الحركة الفكرية الأدبية الثقافية الفنية والصحفية . بايجاز قامت بتوفير مناخ من الحرية فى الكلمة والاعتقاد والحركة السياسية استفاد بها الاخوان المسلمون أكثر من غيرهم حيث قدموا أنفسهم كحركة دينية وليست حزبا سياسيا ، مع أنهم فصيل سياسى ، فاستفادوا سياسيا ودعائيا دون آثار جانبية للعمل السياسى .

ولكن هذه الليبرالية السياسية لم تساندها عدالة اجتماعية .

ومشكلة المجتعات والنظم هى التوازن بين الحرية و العدل . وبدون هذه الموازنة تسقط نظم الحكم و تنفجر المجتمعات وتقوم الثورات . وضحايا الظلم الاجتماعى فى مصر بعد ثورة 19 جعلهم التعليم أكثر إحساسا بالحرمان وأكثر حرصا على الحصول على حقوقهم فى المساواة و العدل، فاستخدموا الليبرالية فى الدعوة و الحركة، وتشعبت التنظيمات والحركات السرية، وكان الاخوان أنشطهم، وقد اخترقوا الجيش، وانضم اليهم معظم تنظيم الضباط الأحرار (عدا يوسف صديق و خالد محيى الدين) .

ثالثا : ثورة 52 والتغيير الثقافى للفلاح المصرى

1 ـ كانت حركة عسكرية حوّلها تأييد الأخوان المسلمين الى ثورة شعبية، فقد وقف الفلاح المصرى لأول مرة يؤيد حكما مصريا صميما، والتفت عبد الناصر للفلاحين الأجراء فأقام لهم الاصلاح الزراعى وتحديد الملكية الزراعية، وقام بتوزيع الأرض على الفلاحين. وبهذا دخل الفلاح المصرى الصميم فى (ثورة ثقافية) جديدة . وأصبح أبناؤه المتعلمون جيل الثورة، خلعوا الجلباب الأزرق وارتدوا البنطلون والبدلة،وتكونت منهم ومن غيرهم جيل الثورة، أوطبقة (الأفندية) من حيث المظهر بعد إلغاء الألقاب. وانتشر التعليم بمستوى إنشاء مدرسة كل ثلاثة أيام على امتداد الريف المصرى، بجانب الجامعات الجديدة، ومكتب التنسيق الذى يضمن العدالة القصوى فى دخول الكليات، مما أتاح الفرصة لآبناء الفلاحين والعمال و الفقراء للترقى أجتماعيا.

2 ـ وحين نجحت حركة الجيش سلميا سقطت مصر بين ايدى الضباط غنيمة سهلة، وغادر الملك بسهولة وتقاطر الباشوات وأبناؤهم (العاطلون بالوراثة) يتملقون الضباط الشباب ، فشجعوهم على أن يتركوا الثكنات العسكرية ليحكموا مصر بدلا من حماية مصر، أى حولت حركة الجيش مصر الى معسكر حربى كبير . ترك قادة العسكر ثكناتهم وعملوا بالسياسة وقد ارتدوا الزى المدنى و جلسوا فى المكاتب الوثيرة ، فأصبحوا مخلوقات مشوهة ، ليسوا عسكرا و ليسوا مدنيين، فشلوا فى السياسة وفشلوا فى الحرب .!!

3 ـ وكما رفع نظام الحكم الملكى لواء الليبرالية وأهمل العدالة الاجتماعية ففشل فإن العسكر فعلوا العكس وفشلوا أيضا ، رفعوا لواء العدالة الاجتماعية وصادروا الحرية فأدى الاستبداد الى تدمير البلاد والعباد. نسى العسكر أن الديمقراطية هى ثقافة العصر، وقد عرفتها قبلهم مصر، ونسوا أنه بدون الديمقراطية لا يمكن أن ينجح نظام حكم فى عصرنا مهما بلغت وطنية المستبد.

رابعا : وعبد الناصر هو أبرز مثال .

1 ـ كان عمره 34 عاما حين نجح فى حركته . لم تكن له خلفية ثقافية معرفية عميقة شأن أى ضابط ، تركزت خلفيته فى العمل السرى . ولكن النجاح السهل جاءه مبكرا يسعى وجعله حاكما لمصر بدورها الرائد ، بل جعله أحد ثلاثة من زعماء التيار الثالث فى العالم (الحياد الايجابى وعدم الانحياز)، الى جانب جوزيف بروز تيتو (الذى قاد المقاومة وأسس دولة يوغوسلافيا من شتات متنافر من القوميات والأديان والمذاهب تحت ايدلوجية الشيوعية) والى جانب جواهر لال نهرو الحكيم الهندى المثقف وتلميذ غاندى. لا مجال لمقارنة الشاب عبد الناصر بهما، ولكن بموقع مصر وبموضع مصر صار عبد الناصر الأكثر منهما شهرة ونفوذا فى العالم. هذا الوضع ساعد عبد الناصر على التمادى فى الاستبداد. وطمع فى أن يكون المستبد الأكبر لكل العرب تحت لافتة القومية العربية، وحقق الوحدة مع سوريا عندما بلغ الأربعين من عمره، وهى مرحلة عمرية لا يستطيع الشاب المصرى الآن فيها أن يتزوج أو يجد عملا أو سكنا.

2 ـ وفى تحليل الاستبداد الناصرى نقول إنه ارتكز على عدة محاور :

2 /1 : بعد ان كان الشعار المصرى سابقا هو ( الجلاء والدستور ) لتحرير الوطن من الاستعمار ولتحرير المواطن من الاستبداد المحلى المصرى ، الغى عبد الناصر الدستور مكتفيا بعض الوقت بدساتير مؤقتة او اعلانات دستورية ، وكانت مجرد قصاصات ورق ، فى الوقت الذى تطرف فيه عبد الناصر فى مقاومة الاستعمار ليس فقط فى مصر بل فى العالم العربى و أفريقيا وآسيا . أى أرسى الاستبداد محليا وتطرف فيه وطارد الاستعمار دوليا .وبهذا الاستبداد انطلق يدعو للقومية العربية ليستبد ليس فقط بالمصريين بالعرب أجمعين .

2 / 2 : فى حماية استبداده اعتنق الاشتراكية والمركزية فتحكم فى لقمة العيش للمواطنين ، فالفلاح ليس مالكا لأرضه ولكنه ( حائز ) تحدد له الدولة الدورة الزراعية و تتكفل بالانفاق على المحصول ثم تستولى على المحصول ، أى تقريبا نظام الاقطاع فى عهد الوالى محمد على الذى اعتبر نفسه المالك لكل الأرض الزراعية .والقطاع العام يمتلك الصناعة و التجارة ، وبقية الأعمال الحرة تتحكم فيها البيروقراطية الحكومية ، وتوسع فى التوظيف ، وتدخلت الدولة بموظفيها فى كل مفردات الحياة المصرية ، وبهذه البيروقراطية سيطر عبد الناصر على كل شىء ، كما سيطر على الموظفين ، فلقمة عيشهم فى يده. والرفت من الوظيفة يعنى الجوع إذ لا مجال تقريبا خارج نطاق الحكومة .

2 / 3 : لظروف شتى مرحلية مصرية وعربية وعالمية وشخصية أصبح عبد الناصر الزعيم الأوحد للقومية العربية وصاحب أكبر كارزمية عربية فى القرن العشرين . واستخدم هذه الكارزمية فى تدعيم استبداده .

2/ 4 : كانت لا تأخذه فى ديكتاتوريته واستبداده لومة لائم . ومع أن الأغلبية الساحقة من الشعب كانت تقدسه بالمعنى الحرفى ـ وقد عايشت فى صباى تلك المرحلة ـ ومع أنه حصل بتقديس الشعب له على مشروعية سياسية طاغية بحيث لا يأبه لأى معارضة ،إلا إنه لم يسمح بوجود أى معارضة ولو هامسة .

2 / 5 : ومع أنه وصل بسهولة للسلطة وأطلقوا على ثورة 52 الثورة البيضاء لأنه لم يحدث فيها صراع وسفك دماء فإن الدماء فيما بعد سالت أنهارا من القتلى وضحايا التعذيب التى أقامها عبد الناصر بقسوة متناهية ضد من يفكر فى الاعتراض ، وكانت الأغلبية الساحقة من الضحايا أبرياء ـ ليس لهم نشاط سياسى ، فقد جاءه الخطر من داخل نظامه ، بدليل أنه نفسه قام بمحاكمة جهاز المخابرات الذى تخصص فى تعذيب وقتل المواطنين . ومع كل هذا التعذيب فان القضاء على عبد الناصر وهزيمته عام 67 ومقتله عام 71 جاءت من الدائرة القريبة من عبد الناصر و ليس من الغلابة الذين أهلكهم تعذيب و سطوة عبد الناصر.

3 ـ كان استبداد عبد الناصر غير مبرر.

والاستبداد وحده يكفى سببا للفشل فى القرن العشرين وما بعده حيث ثقافة الديمقراطية وهزيمة الديكتاتوريات منذ الحرب العالمية الثانية. ولكن فى حالة عبد الناصر نجد سببا آخر يضاف الى الاستبداد ، إنه الحمق .

قد يوجد مستبد حكيم وعظيم سياسيا خصوصا إذا كان فى استبداده متسقا مع ثقافة العصر . وعرفت مصر نوعا راقيا من المستبدين فى عصور الاستبداد ، ارتفعوا بمصر وارتفعت بهم مصر . وعرفت مصر أنواعا شتى من المستبدين الحمقى ، أضاعوا مصر وحجزوا لهم مكانا فى زبالة التاريخ ـ المصرى. وبين هؤلاء وأولئك يقف عبد الناصر .

ارتفع بمصر وارتفعت به مصر عاليا، ثم سقط من أعلا سقوطا مدويا مأساويا. السبب فى سقوطه أنه تطرف فى الاستبداد فى الداخل فى وقت كان يحتم عليه تبنى الليبرالية والديمقراطية التى ترعرعت وتمهدت فى مصر قبله خلال قرن من الزمان، ولأنه أيضا خلط الاستبداد فى الداخل بالحمق مع الخارج .

4 ـ حمق عبد الناصر يرجع لأنه غفل عن مراعاة التوازن بين موقع مصر وموضع مصر. وكل مستبد مصرى حصيف من عهد حتشبسوت الى عهد الخديوى اسماعيل لم يغفل عن هذا التوازن فى سياسته بين موقع مصر وموضع مصر.

موقع مصر يعنى علاقتها بالبحر المتوسط وأوربا وآسيا ، حيث تقع بينهما ، وتتركز نقطة الارتكاز فى الموقع فى قناة السويس ، وما سبقها من محاولات وصل البحرين الأحمر و المتوسط. هذا الموقع يزيد قوة لمصر لو كانت قوية ، ويزيد ضعفها لو كانت ضعيفة. وقوتها وضعفها يرتكز على شخصية الحاكم المصرى . والتفصيل فى هذه النقطة جاء فى كتابنا ( شخصية مصر بعد الفتح الاسلامى )، وهو بالمناسبة مختلف تماما عن كتاب العلامة المصرى جمال حمدان الذى لم أقرأه حتى الآن . وسننشر كتابنا هذا فى هذا الموقع . وكان مقررا على طلبة قسم التاريخ بجامعة الأزهر عام 1984 .

موضع مصر هو النيل ، وأفريقيا . هذا الموضع ليس نقطة قوة بل نقطة ضعف لمصر ، فالنيل هو أساس مصر ، وبدونه تكون مجرد صحراء قاحلة . ومصر ليست منبع النيل ولكنها موضع مصب النيل ، ومن منابعه الأصلية فى اثيوبيا و البحيرات الكبرى فى وسط أفريقيا يمر بأقطار عديدة يمكنها أن تهدد مصر فى قصبتها الهوائية التى لا تستطيع التنفس بدونها . كان تهديد مصر بالتحكم فى منابع النيل هو أمنية أعداء مصر ، خصوصا فى الحروب الصليبية ، وكانت سببا فرعيا للكشوف الجغرافية . كما أن تأمين منابع النيل هو الشغل الشاغل للحاكم المصرى الحصيف ، من أجل ذلك قامت حتشبسوت باكتشاف بلاد بونت (الصومال) وقام محمد على بفتح السودان ووصل نفوذ مصر فى عهد الخديوى اسماعيل الى ارتريا وأواسط أفريقيا منافسا للنفوذ الانجليزى والفرنسى هناك.

حين جاء عبد الناصر للحكم كان السودان جزءا من مصر حتى وهى تحت الاحتلال الانجليزى ، وبدلا من تدعيم وحدة مصر والسودان ـ وهو داعية االوحدة والقومية العربية ـ فإن عبد الناصر فرّط بسرعة وسهولة فى السودان فانفصل ، ومن بعدها لم يفلح السودان ولم تفلح مصر.

أهمل عبد الناصر (موضع مصر : النيل والسودان وأفريقيا ) وانهمك فى مشاكل موقع مصر ، (قناة السويس ، سوريا العراق الجزيرة العربية ،والبحر المتوسط وأوربا ) . وبدون استعداد عسكرى واقتصادى اندفع فى حمق هائل ليؤمم قناة السويس قبل ان تعود مجانا لمصر بعدة سنوات . وأدت هزيمة 1956 ـ التى حولوها لانتصار وهمى ـ الى فتح الطريق أمام اسرائيل فى البحر الأحمر ومنابع النيل بعد استيلائها على أم الرشراش ( ايلات ) ، وبذلك جاء التهديد لمصر فى الموضع بعد إهماله والتركيز بحمق وافتعال مشاكل مع الغرب . ثم جاءت القاصمة ، وفقدت مصر الموقع نفسه بهزيمة 67 واحتلال اسرائيل لسيناء ، وهى هزيمة لمصر لم تر مثلها من قبل طيلة تاريخها ، وهو أطول تاريخ فى العالم . ولا تزال سيناء شبه محتلة بعد أن عادت لمصر ناقصة السيادة . كل ذلك بسبب حمق عبد الناصر فى التركيز على الموقع بطريقة خاطئة وإهماله موضع مصر بطريقة متطرفة.وعلى نهج عبد الناصر فى التركيز على موقع مصر واهمال موضع مصر سار السادات ثم مبارك .

5 ـ ولكن كانت لعبد الناصر مزايا نفتقدها فيمن جاء بعده أو فى غيره من مستبدى العرب .

امتاز عبد الناصر عن غيره بالانتماء للفقراء ورعايتهم ،و الكرامة والعفة والنزاهة الشخصية والتعفف عن المال الحرام و تطبيق المساواة والحرص على تكافؤ الفرص ، فنهض بالتعليم والصناعة و تطوير الريف ، وجعل التعليم سلما آمنا يصعد به أبناء الفقراء للطبقة العليا فى السلم الرسمى ،أى يكون ابن البواب وابن الفلاح وزيرا بكفاءته ودرجة الدكتوراه التى حصل عليها من أوربا على نفقة الدولة . وأدى ذلك كله الى تذويب الفوارق بين الطبقات .

باختصار حقق عبد الناصر وعده مع المصريين ، أخذ منهم الحرية مقابل قيامه بتوفير التعليم المجانى و العلاج المجانى و بناء المساكن الشعبية وتوفير الوظائف و الدعم للسلع و توفيرها رخيصة . أخذ منهم الحرية السياسية ومنحهم العدالة الاجتماعية .

6 ـ وبعد سقوط عبد الناصر سار على سنته السيئة فى الاستبداد والتعذيب حكام من الدرجة الثانية ، منهم من لقى حتفه ومنهم من ينتظر . أخذوا منه أسوأ ما فيه ( الاستبداد فى الداخل والحمق فى التعامل مع الخارج)، ولم يأخذوا منه أروع ما فيه ( النزاهة و العدل الاجتماعى والانحياز للفقراء وحب الخير لأغلبية الشعب ).أى إن عبد الناصر حصل على صفر كبير بسبب الاستبداد ، ولكن من أتى بعده وصل ببلده الى ما تحت الصفر .

خامسا : والسادات هو أبرز مثال .

1 ـ عبد الناصر كان ( عقدة ) السادات . حاول السادات تشويه سيرة عبد الناصر فلما فشل فى جعل المصريين يحبونه بدل عبد الناصر أنتقم من المصريين باختيار مبارك خليفة له.

مع مرضه بعقدة عبد الناصر كان السادات مريضا بعقدة الشهرة وحب الظهور، وأن يتصدر نشرات الأخبار. جعله هذا ممثلا رائعا يلعب دور الرئيس وليس رئيسا حقيقيا ـ وسبق تحليل هذه الناحية فى مقال (الرئيس أنور وجدى السادات). حقق السادات أمله فتصدر نشرات الأخبار فى العالم ، حتى فى مقتله، ولكنه انتهى الى ما تحت الصفر. والسبب هو عشوائيته التى ضخمت من أخطائه وأضاعت منجزاته فى الحرب و السلام والانفتاح الاقتصادى والسياسى .

2 ـ فيما عدا الاستبداد والحكم العسكرى سار السادات على نقيض عبد الناصر.

وتميز بسياسته العشوائية التى كان يسميها سياسة الصدمات ، حيث يفاجىء الناس بقرارات مفاجئة ومتناقضة . فاجأ العالم بحرب اكتوبر، وزار اسرائيل فجأة فأعطاها كل شىء بدون مقابل ، ثم أخذ يتسول منها أى مقابل . طرد الخبراء السوفييت ليحقق لأمريكا أكبر أمنية فى الشرق الأوسط بدون مقابل ، ثم أخذ يتسول منها المقابل . حقق لدول الخليج ثروة كبرى فى أسعار النفط بدون مقابل ، ثم أخذ يستجدى منهم المقابل . حتى فى الداخل المصرى فاجأ المصريين بالمنع من ذبح المواشى وعدم أكل اللحوم الحيوانية لمدة شهر أو أكثر على ما أذكر ، وفاجأهم برفع سعر الرغيف ( العيش ) فانفجر الشارع المصرى بثورة الخبز ، وفاجأهم بالانفتاح الاقتصادى دون أن يجهز أرضية قانونية وسياسية يقومك عليها الانفتاح ، وفاجأ المصريين باباحة المنابر السياسية ، ثم فاجأهم بتحويل المنابر الى أحزاب، وانشغل النشطاء المصريون فى العمل السياسى ففاجأهم السادات بوضعهم جميعا فى السجن فى 5 سبتمبر 81. وفى النهاية فوجىء هو بالرصاص يطلقه عليه ( أبناؤه ) فى العرض العسكرى ، على مرأى العالم كله .!!

3 ـ وصلت عشوائية السادات الى قرارت كبرى تتعلق بالحرب و السلام وماهية الدولة وشخصيتها ، فقد أحدث تحولات خطيرة مفاجئة دون أن يجهز لها تشريعيا و ثقافيا.

الاعداد الثقافى للشعب بطىء بطبعه ويستلزم وقتا ، ولكن لا بد له من تغيير فى التشريعات والقوانين . التغييرات من الاشتراكية الى الانفتاح ومن الاتحاد الاشتراكى وتحالف قوى الشعب العامل الى الأحزاب لا بد له من أرضية تشريعية واضحة ومسبقة ، تبدأ بالدستور الذى يرسى انفتاحا سياسيا يقوم على الديمقراطية و تداول السلطة وحقوق المواطنة وحقوق الانسان ، وتقوم بغربلة القوانين السابقة من عهد عبد الناصر وما قبل عبد الناصر لتوفير بيئة صالحة للاستثمار ، مع تدريب البيروقراطية المصرية العتيقة و تقليم أظفارها حتى لا تتدخل فى كل شىء لتتيح حركة وسهولة وسيولة ، وفى نفس الوقت تعطى أجهزة الرقابة سلطة قانونية فى الحساب وحق مجلس الشعب فى الرقابة الفعلية على المال العام ومحاسبة المسئولين .

ولكن الانفتاح الاقتصادى لم يؤيده انفتاح سياسى ديمقراطى، بل جاء تعديل دستور 71 ليجعل السادات ـ ومبارك من بعده ـ رئيسا مدى الحياة ، بالاضافة الى كونه الاها يتحكم فى كل شىء دون أن يكون مساءلا أمام أحد.

4 ـ ثم إن عشوائية السادات حولت الانفتاح الى فساد .

المستثمر يأتى بملايينه ليتعاما مع موظف يمثل الدولة . هذا الموظف مرتبه عدة مئات من الجنيهات ، ولكن تأشيرته على الأوراق تعطى المستمر ربحا بالملايين . وهذا الموظف الجائع معه قوانين وقرارات متضاربة، بعضها يقول للمستثمر أهلا وسهلا ومرحبا ، فقد تمت صياغتها فى عشوائية ساداتية متعجلة ، ولكن لا تزال هناك أقوانين أخرى تقول له لا ،بل تدخله السجن . أى لدى ذلك الموظف سلطات قانونية بالمنح والمنع يتصرف فيها حسب يشاء. وفى نفس الوقت قام السادات بالغاء أجهزة الرقابة فى خطوة أخرى أكثر عشوائية ، أى يقول بصريح العبارة للموظف و المستمر : اسرق وانهب . وأعلنها السادات بلسانه داعيا للفساد : إن من لم يحصل على الثراء فى عهدى لن يرى فرصة أخرى .

5 ـ وقتلوا السادات قبل أن يرى ثمرة فساده بالتفصيل .

 

سادسا ـ ومبارك هو التجسيد الحىّ لشجرة الفساد التى أنبتتها عشوائية السادات .

 

1 ـ إذ تمخض جبل ثورة 23 يولية فأنجب ـ أخيرا ـ .. حسنى مبارك .!!

بعد مقتل السادات حاول حسنى مبارك تشويه السادات ، مع أن السادات لم يكن محتاجا لتشويه إضافى فيكفى أنه لم يحضر جنازته سوى بعض المشبوهين من الرؤساء . وكل ما عثر عليه حسنى مبارك هو اتهام عصمت السادات أخ أنور السادات بقضايا فساد لا تزيد عن بضع ملايين من الجنيهات و ليس الدولارات .

الآن وفى حياة حسنى مبارك تتحدث وسائل الاعلام عن اتهامات لآل مبارك بسرقة عشرات البلايين . فماذا سيبلغ الرقم بعد موت مبارك ومجىء رئيس جديد يريد أن يكسب شعبية بفضح مبارك والكشف عن بعض المستور؟

2 ـ نجح مبارك فى الوصول بمصر والمصريين الى الحضيض . وكتبنا فى هذا كثيرا . ولكن نضيف شيئا واحدا : إن عبد الناصر استبد بالمصريين ، أخذ منهم الحرية مقابل كفالة الدولة لمجانية التعليم والتوظيف والسكن ودعم السلع الأساسية وتوفيرها . لم يوجد فى عصر عبد الناصر خريج عاطل عن العمل ، ولم توجد أزمة فى السكن .

جاء مبارك وخلال 29 عاما جمع بين الاستبداد والتعذيب مع حرمان المصريين من العدالة الاجتماعية التى كانت فى عهد عبد الناصر. الآن يعانى المصريون من الاستبداد والتعذيب والفساد والفقر والبطالة و تفشى الأمراض ونقص السلع الأساس حتى الخبز وارتفاع أسعارها. ومع مصادرة كل الحقوق فقد صودر معها الأمل فى التغيير والأمل فى المستقبل ، بين التمديد فى رئاسة مبارك أو توريث مصر لابنه الأصغر .

3 ـ كان ممكنا أن تقلّ معاناة الفلاح المصرى والفقير المصرى لو ظل محتفظا بثقافة الصبر والقناعة التى تمسك بها فى تاريخه القديم والوسيط . ولكن ذلك زمن مضى وانتهى .

3/ 1 . لم تعد حياة الفلاح المصرى صالحة لوصف محمد عبد الوهاب (محلاها عيشة الفلاح) لأنه ببساطة مؤلمة لم يعد هناك فلاح مصرى، ولم تعد هناك قرية مصرية أو أرض زراعية .

الفلاح المصرى الآن له أشكال متعددة وكلها مخزية .

تراه عاطلا عن العمل بعد حصوله على الشهادة المتوسطة أو شهادة عليا من كلية اقليمية . من حيث الظاهر هو حاصل على شهادة ، ولكنه فى الواقع تعلم الجهل فى المدرسة والكلية من أساتذة أجهل منه ، وحصل بالغش والتزوير على نجاح لا يستحقه ، وضاعت قيمة التعليم عنده لأنه لم تعد للعلم قيمة اقتصادية إذ لا وظيفة حكومية ، وحتى لو عثر على وظيفة حكومية فالمرتب لا يكفيه اسبوعا ، فكيف بالزواج والسكن والأولاد . لذا يضطر الى العمل فى الحقل ، وهو يحلم بالسفر للخارج فى الغرب أو حتى لبلاد البترول العربية . وفى سبيل الوصول للغرب يضحى بحياته التى لم يعد لها ثمن .

وترى هذا الفلاح مهاجرا الى دول النفط يتحمل الذل مقابل أن يوفر ما يبنى به بيتا ـ لا يسكنه ـ فى قريته ،أو أن يتزوج زوجة لا يستطيع الحياة معها باستمرار ، أو ينجب أولادا لا يراهم إلا فى الأجازات .

وترى هذا الفلاح جنديا مستعبدا فى الأمن المركزى يذيقه الضباط العذاب ليحمل حقدا هائلا ينفثه فى أحرار المصريين المعارضين لمبارك ونظام حكمه .

وبين هذا وذاك يتوزع بين الانحلال والتطرف لو كان يعيش فى ظل من يتكفل بنفقاته .

القرية المصرية تحولت الى نموذج شائه ، لا هى قرية ولا هى مدينة . والتربة الزراعية تم تجريفها ، والترعة المصرية تحمل المجارى تنقلها من قرية الى أخرى، وكل قرية تصرف مجاريها لتشرب منه القرية التالية، وتنتشر الأوبئة ويظهر الفساد فى البر و فى البحر بما كسبت أيدى الناس. ويسيطر على الجميع حالة من البلاهة والتواكل وانتظار المجهول حتى لو كان موتا!

3 / 2 : انتهت ثقافة الانتماء الى فكرة القناعة المصرية ، بل حتى انتهى الانتماء لفكرة وهمية هى القومية العربية التى حشد وراءها عبد الناصر المصريين والعرب. القومية العربية سقطت فى مؤتمر الصمود و التصدى الذى قاده صدام ليعاقب مصر بعد ان زار السادات اسرائيل عام 1979 ، وتم تشييع جنازتها ودفنها مع احتلال صدام للكويت عام 90 . وبسقوط المشروع القومى الوحدوى أصبح لكل فرد مشروعه الفردى الذى يناضل فيه من أجل نفسه طلبا للثروة ، وطلبا للسلطة إن أمكن . وهو يحمل هذه الفردية الأنانية حتى لو حاول تحقيق حلمه بالانضمام الى حزب أو تيار أو منظمة علنية أو سرية ، لذا لا يمانع فى الانفصال عن رفاقه أو خيانتهم فى أى فرصة تلوح له طالما فيها مكسب .

أصبح المال هو المقصود الأعظم ، والقيمة العليا . ليس مهما كيفية الحصول عليه ، المهم أن تحصل عليه .

لم يكن سهلا تغييب أو غياب ثقافة القناعة المصرية لتحل محلها عند المصريين اليوم عبادة المال الجاهلية و التى من أجلها تقاتل الصحابة وبها فازت بنو أميه و أصبح معاوية ملكا .

3/ 3: كان الفلاح المصرى (القديم) منعزلا عن العالم فى قريته وحقله، لا يغادر القرية إلا لماما، وقد يظل طيلة عمره لا يغادرها.

منذ عصر السادات اضطر الفلاح المصرى بسبب الفقر الى القيام بأكبر هجرة فى تاريخه الممتد سبعين قرنا فى عمق الزمان. هاجر الى دول مستحدثة بعد أن ضاقت عليه أرض مصر بما رحبت، فرأى ما لم يره أسلافه وتعلم ما لم يعرفوه. بذل الفلاح المصرى دماءه فى حرب اكتوبر وتحولت دماؤه الى أرصدة هائلة لدول النفط ، وجاء أبناء النفط الى مصر يغزونها بأموالهم يستبيحون المصريات فى عقود زواج وهمية ويستعبدون الرجال فى عقود عمل احتكارية استعبادية ، وسافر الفلاح الى هناك ، وبين اللقاء هنا وهناك تفتحت عينا الفلاح المصرى على رفاهية ،رآها وتمناها ولم يحصل عليها .

وفى نفس الوقت ظهرت طبقة المترفين المفسدين تفاخر بثرائها تغيظ به المحرومين الذين زادهم التعليم والاعلام و الأفلام و الاعلانات إحساسا أكثر بالحرمان .بالسفر للخارج وبظهور التليفزيون عايش الفلاح المصرى بعينيه وقلبه واحلامه صور الثراء فانتهت ثقافة القناعة وحل محلها الطمع الذى لا يشبع .

وفى الفجوة بين الشعور المؤلم بالحرمان واليأس من تغيير الواقع تنتشر الدعوات المتطرفة، وهى أقوى أنواع المخدرات العقلية، فتتشابكت وتكاثرت التنظيمات السرية، ومهما تنوعت لافتاتها فالأصل هو الحصول على الثروة و الوصول للسلطة .

ونشرت الثقافة الدينية السلفية ثقافة الاستحلال اجتماعيا ودينيا ، نقلتها من بيئاتها الصحراوية البدوية ، وأرساها أيضا الاخوان المسلمون وهم وهابيون فى الثقافة و المنشأ و المنبع . وتعاون الجميع على الاثم والعدوان ، وانتشر بهم التدين السطحى ممثلا فى اللحية والجلباب وتقصير الثياب وارتداء الحجاب و النقاب . وانتشر مع التدين السطحى و الاحتراف الدين كل مساوىء البشر ورذائلهم . وفى المقدمة منها عبادة المال ، وجمعه بالسحت ، سواء بالرشة أو باستغلال الدين ، ( تبرع يا أخى لبناء مسجد نفق شبرا ).!!

4 : هذا التغيير حدث بالتدريج فى عهد السادات ( 1971 : 1981 ) ، ثم تراكم وتلاطم فى عهد حسنى مبارك . تغيرت وفسدت أخلاق الفلاح المصرى ، وأصبحت هذه حقيقة مؤلمة تحظى بالاعتراف .

وزادها إيلاما الحاجة الى الاصلاح . والاصلاح يحتاج الى تضحية ، والمصلحون الذين يضحون بأنفسهم وراحتهم يتعرضون الى اضطهاد المستبد والى التشويه ، والمناخ الفاسد لا وقت لديه لاظهار الحقائق ونصرة المظلوم لأنه تسيطر عليه الثقافة السمعية فما يقوله زبانية المستبد هو الحق والوقت كله للحصول على المكاسب.

وفى هذا المناخ الفاسد تسود الفردية الأنانية المريضة ، فمع رسوخ الاستبداد وطول حكم المستبد الواحد تسود ثقافة العبيد والاستعباد ، ويتحول الأفراد الى مستبدين ، كل منهم يستعبد من دونه و يكون عبدا مطيعا لمن هو أعلا منه ، شأن الحياة فى معسكر حربى ، وهذا هو واقع مصر منذ حكمها العسكر .

آفة هذه الحالة تتمثل فى عدم نجاح أى عمل جماعى ـ فى ميدان اصلاحى ـ لأن كل فرد يرى نفسه مركز الكون ، ولسهولة إغواء الأفراد حيث يصبح المال و النفوذ المقصود الأعظم . ومن هنا تضخم عدد العاملين فى دولة مبارك البوليسية العسكرية ، وانتشر التعذيب و الفساد جنبا الى جنب مع مظاهر التدين السطحى وزيادة عدد المساجد وزيادة صفوف المصلين الذين يخادعون الله جل وعلا وهو خادعهم.

5 ـ من أسف أن اختلف الحال فى مصر الآن عنها منذ مائة عام تقريبا .

فى ثورة 19 كان الفلاح المصرى بخيره وأخلاقه وأصالته وشهامته، لذا هبّ يشارك فى الثورة ، واحتضن من قبلها عبد الله النديم وهو يهرب من الاحتلال، وكان البوليس المصرى أكثر وعيا ووطنية من البوليس المصرى اليوم الذى تخصص فى تعذيب الضعفاء و المصلحين وحماية المفسدين .

ونفس الفارق بين الأفندية قواد ثورة 19 الذين أحاطوا بسعد زغلول ، وبين أفندية اليوم المحيطين بالبرادعى . وهو نفس الفارق بين البرادعى وسعد زغلول .

سعد زغلول كان قد تخطى الستين من عمره ، أى يقترب من عمر البرادعى اليوم ، وفى نفس التخصص القانونى ، وله أيضا سيرة حياة وظيفية فى خدمة السلطان القائم . ولكن الاختلاف الواضح حتى الآن ، هو الاستعداد الذى ابداه سعد زغلول للتضحية فى شيخوخته ، ولقد تحمل النفى مرتين ، بينما يتردد حتى الآن ـ وقت كتابة هذا المقال د. محمد البرادعى فى النزول للشارع وقيادة المظاهرات ، مع علمه بأن وجوده الى جانب الشباب فى المتظاهرات سيحميهم من ضرب العسكر وسيشد من أزرهم .

6 ـ أخشى أن طريق الاصلاح طويل لأن الفساد وصل للنخاع، ووصل للنخبة المطالبة بالاصلاح. والأمل فى شباب الانترنت والمظاهرات .

 

أخيرا :

1 ـ ونأتى لعظة السلطان . أضحى معروفا أن مبارك يقترب من النهاية ، لا زلنا نطالبه ونعظه بالاصلاح ، وهو حتى الآن مستمر فى الطغيان والاستبداد والفساد.

2 ـ خلق مبارك مجموعة من (رجال الأعمال) جعلهم واجهة لحكمه ، واستطاع بهم تكوين ثروة لم يحصل عليها مستبد مصرى من قبل .

فهل يثق مبارك فى ( رجال الأعمال ) العاملين فى خدمته ؟

3 ـ رجل الأعمال الحقيقى مهما بلغت أمانته وحصافته فهو جبان لذا يقال إن رأس المال جبان ـ يقصدون أصحاب المال و ليس المال نفسه . وعليه فلو افترضنا أن المحيطين بالرئيس مبارك هم رجال أعمال حقيقيون وفى غاية الأمانة والاستقامة فهم بالسليقة جبناء ، ولن يتحملوا مخاطر من أجل مبارك أو غير مبارك ،أى أنهم عند أى مخاطرة سينفضون من حول مبارك ، وسيكون بقاؤهم حوله مرهونا ببقائه قويا مهابا متسلطا . فإذا لمحوا أى بادرة ضعف سيطيرون . وهذا لا يعيبهم فى شىء لأن عذرهم مقبول مقدما وهو إن راس المال جبان .

فما بالك إذا كان أولئك مجرد لصوص ومفسدين فى الأرض ، يرون مكسبهم الحقيقى فى الافلات بما سرقوه ، ولن يستطيعوا الافلات بما سرقوه إلا حين يضعف أو يغيب زعيمهم الذى يخيفهم بسلطانه وصولجانه، فيأخذ منهم معظم ما يسرقون .

هذه الطغمة من الحاشية المفسدة ستعمل على إبقاء مبارك بين الحياة والموت، ليظل تحت رحمتهم ـ يسلبون باسمه ما يستطيعون، فإذا جاءت اللحظة الحاسمة هربوا بما جمعوا لأنهم ليسوا رجال أعمال ولكن فئران سفينة غارقة.

والعظة الأخيرة لمبارك : بقى لك وقت ضئيل تنقذ فيه نفسك وعائلتك وتصلح فيها ما فات من أمرك . وإلا فستدفع الثمن حيا وميتا ، فى الدنيا والآخرة.

4 ـ وبعد هذه الوقفات مع مبارك ومعاوية نعود لوعظ السلاطين فيما مضى من القرون والسنين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 الفصل الرابع :   رفع الإصر عن شعب مصر

تاريخ النشر: 2010-04-25

 

قال: مع أن ظهور البرادعى قلّل من احتمال التوريث فلا يزال هناك من يراهن على امكانية توريث جمال مبارك حكم مصر بعد أبيه مثلما حدث فى سوريا بنفس السيناريو بتأييد من قادة الجيش، فقائد الجيش السورى (مصطفى طلاس أو م. ط) هو الذى قام بتأمين انتقال السلطة لبشار بعد أبيه حافظ الأسد، ومن أجل هذا كان أطول من تولى وزارة الدفاع فى سوريا. ونفس الحال فى مصر، فالمشير محمد طنطاوى (م . ط أيضا) هو أيضا أقدم وأطول وزير دفاع فى مصر، وقد كان قائدا للحرس الجمهورى، وعرف مبارك ولاءه له فجعله وزيرا للدفاع منذ عام 1991، على أمل أن يضمن تأمين انتقال السلطة لجمال كما حدث فى سوريا لبشار.

قلت:

التشبيه فى سوريا ليس فى محله، إن بشار الأسد لا يمثل الجيش السورى وإنما يمثل الطائفة العلوية النصيرية التى تشكل حوالى 20% من الشعب السورى، وهذه الفئة هى التى تتحكم فى سوريا سياسيا وإداريا وإقتصاديا ، ولذلك جرى توريث السلطة من عميد الطائفة العلوية الحاكمة ( حافظ الأسد ) إلى ابنه ( بشار) وكان ينافسه عمه (رفعت الأسد)، ليس مهما هنا أن سوريا جمهورية لا توارث فيها للسلطة، لأن الأهم أنه حكم طائفة وأقلية مذهبية لشعب بأكمله تحت زعامة حزب يرفع لافتة القومية العربية..

الى جانب حكم الطائفة الأقلية للأكثرية كما فى سوريا فهناك سلالات من الأسر الملكية الحاكمة ( السعودية، الأردن، المغرب) ثم هناك حكم عسكرى يقوم فيه الرئيس بالحكم باسم الجيش مثل مبارك فى مصر وزين العابدين فى تونس والقذافى فى ليبيا والبشير فى السودان وصالح فى اليمن. وعلى ذلك فإن الأمر الحاسم فى توريث مصر يقع فى يد الجيش المصرى الذى يحكم مصر، والذى يجعل مبارك فى السلطة حتى الأن.

قال: ولكن الجيش تمثله قياداته العليا، ومبارك هو القائد الأعلى لهم، وبيده عزل وترقيته من يشاء منهم، ووفقا لقانون جديد اصبح بيده ابقاء الموالين للتوريث فى الرتب العليا، أى بامكانه توريث السلطة لابنه.

قلت:

هناك حقائق تاريخية واساسية فى فهم العقلية العسكرية حين تحكم.

هى نفس العقلية التى سادت فى الحكم المملوكى العسكرى والحكم العسكرى المصرى الذى استأثر بمصر منذ عام 1952.

أساس هذه العقلية العسكرية ان كبار القادة يتفانون فى نفاق السلطان العسكرى الحاكم طالما ظل فى السلطة، وقد يوافقونه وينافقونه فى حياته اذا اراد توريث السلطة لابنه ولكن بعد موت السلطان يبادرون بعزل الابن ويتنكرون لعهودهم السابقه لأبيه لاعتقادهم فى أحقيتهم دون ابن السلطان لأنهم الورثة الحقيقيون للسلطة وليس ابن الرئيس. وحتى لو كان هذا الأبن ضابطا فى الجيش فلا يصلح لأنه اقل من الرتبة والخبرة من اولئك القادة.

لايمكن ان يتنازل قادة القوات المسلحه المصريه عن سلطانهم وقوتهم لابن مبارك ـ المدلل الهارب من التجنيد ـ بعد موت مبارك لأنهم ليسوا عبيدا لمبارك، بل هم الذين يحمون مبارك و يمكنونه من البقاء بالسلطة، ولأن مبارك يحكم باسمهم هم وليس باسم عائلة ملكية أو اسرة هاشمية عريقة. الأساس انهم يعتقدون أنهم أصحاب السلطة والقوة و البأس الشديد، ولا بد أن تعود اليهم ليضعوا فيها عسكريا آخر بعد موت هذا العسكرى القائم.

تلك هى عقلية العسكر حين يحكمون بلدا.

لقد تحول عبد الناصر من مجرد حاكم عسكرى الى زعيم عربى و قائد لدول عدم الانحياز وحاز شهرة لم يصل اليها حاكم عربى فى العصر الحديث، ومع ذلك لم يفكر فى توريث السلطة لابنه ، بل اختار نائبا له من العسكر لأنه كان يعلم أنه مهما بلغت شهرته وزعامته و كاريزميته وحب الشعب له فهو فى النهاية يحكم باسم الجيش ، وصل الى الحكم بدبابة ، وظل يحكم راكبا الدبابة ، وبدن انتخابات حقيقية أو حتى مزيفة. فاذا كان هذا حال عبد الناصر صاحب الثورة فكيف بمبارك ؟

قال: ربما يلجأ مبارك الى تعيين ابنه نائبا له ؛ وبذلك يكون من حقه دستوريا ان يصل الى السلطة :

قلت :

الحكم العسكرى لايحترم الدستورأوالقانون وانما يحترم القوة، وطالما انه يحتكر القوة فلن يتنازل عنها بسبب الدستور او القانون. ان مبارك كان نائبا للرئيس السادات؛ ويشاع أن مبارك تآمر مع صديقه أبى غزاله فى قتل السادات ، ولكن المهم أنه بمصرع السادات اصبح من حق النائب مبارك تولى الرئاسة ؛ ولكن الجيش امعانا فى امساك السلطه بيده ؛ قام بتولية رئاسة الجمهورة مؤقتا لرئيس مجلس الشعب وقتها الدكتور صوفى ابو طالب ؛وظل رئيسا رسميا وشبه مسجون الى ان تم تعيين مبارك رئيسا فعلا بالاستفتاء المزور اياه ؛ وفى تلك الفترة كان الجيش ممثلا فى الفريق ابو غزاله هو الذى يشارك مبارك فى السلطة . وكان المنتظر ان يكون ابو غزاله هو النائب للرئيس والوارث للسلطة بعده كما حدث بعد عبد الناصر وبعد السادات ولكن تخلص منه مبارك بفضيحة خلقية ؛ وعزله ؛ وامتنع من تعيين نائب للرئيس من وقتها حتى الان ؛ حتى يضمن ألا يشاركه احد فى السلطة ؛ وألا يتآمر عليه احد .

ولكنه لن يستطيع ان يجعل ابنه نائبا للرئيس بحيث يسهل له الوصول للسلطه دستوريا من بعده ؛ والسبب غاية فى البساطه ؛ فليست لمبارك شعبية فى الداخل والخارج ؛ والجميع اعداؤه ؛ وهو فى امس الحاجه الى الجيش ؛ ولذلك لايمكنه اغضابهم بتعيين ابنه نائبا له فى حياته .

لو فعل ذلك فانه يعلنها حربا عليهم ؛ اذ انه يحكم باسمهم ؛ وسيكون بذلك قد اغتصب منهم السلطة واعطاها لأبنه وجعل اعناقهم بيد ابنه المدلل؛ ومستحيل ان يوافقوا علي ذلك .

ولذلك جعلها مبارك مشكلة غامضة بين التوريث و التمديد ليكسب الوقت وليظل متفردا بالسلطة طالما ظل حيا يسعى . ولن يقوم بتعيين نائب له إلا إذا تعرض لضغط شديد من قادة الجيش ، وتبين لهم أن الباقى من حياته قصير وفق تقديرات الأطباء ، بعد تلك العملية الجراحية الخطيرة التى أضطر لإجرائها فى أرذل العمر فى ألمانيا .ولذلك فإن الحالة الصحية لمبارك تعتبر من أسرار الدولة العليا ، لأنها الخريطة التى يمكن بها تحديد ساعة الصفر للمترقبين للوثوب على السلطة .

قال: قد يوليه رئاسة الوزاره.. ليمهد له..

قلت:

إن فعل ذلك فقد حرقه سياسيا . ان الدكتور نظيف هو الذى يتلقى اللعنات

بالنيابة عن جمال مبارك ؛ ينفذ تعليمات جمال مبارك ويتحمل عنه المسئولية ، والاحوال تزداد سوءا كل يوم ؛ ولابد من كبش فداء كل حين ؛ بتغيير الوزارة او بعض الوزراء كل الوقت ؛ وتغيير الوزارة يعنى حرق رئيسها و أعضائها ليكونوا كبش الفداء لمبارك الأب والابن . وليس معقولا ان يكون كبش الفداء هو جمال مبارك .

قال: قد يتنازل مبارك لابنه عن الحكم وهو حى؛ ويضمن ولاء الجيش له.

قلت:

بمجرد تنازل مبارك عن الرئاسة سيفقد سلطاته وسلطانه، ويصبح مصيره ومصير عائلته فى يد قادة الجيش . وحتى لو افترضنا عقد صفقة ما تتيح توريث الابن فى حياة أبيه فلن يستمر جمال فى الرئاسة بعد ابيه..

مشكلة مبارك الأب أوالابن أنه ليس مقبولا شعبيا ؛ وليس هناك من يحميه من غضب الشعب سوى الجيش ؛ ولذا فعليه ارضاء الجيش بكل ما يستطيع ليظل باقيا فى السلطة .

قال :. ولكنه يظل مبارك هو الذى يمسك بيده مفاتيح عزل كبار القاده وترقية بعضهم بحسب ولائهم له. ان الامر هنا يختلف عن الجيش التركى الذى يحكم تركيا من وراء ستار؛ حيث لايتدخل الرئيس التركى او رئيس الوزراء فى تعيينات الجيش وكبار القادة؛ اما فى مصر فان مبارك هو القائد الاعلى للقوات المسلحة وهى تأخذ منه الامر المباشر.. وقد استغل هذه السلطة فى عزل القيادات العليا من الجيش من العناصر المستقلة وغير المواليه له؛ وابقى على اكثرها ولاء له خصوصا طنطاوى القائد العام للقوات المسلحه ووزير الحربيه.

قلت :

اولا : . الذين يظهرون لمبارك الولاء ويتفانون فى خدمة ابنه جمال هم اول من سيتحرك ضد جمال مبارك بمجرد موت ابيه إن لم يسارع بالهرب من مصر. وهم اول من سيتحرك ضد مبارك اذا قام بخطوة اساسيه تدعم من وصول جمال مبارك للرئاسة .

ثانيا : مبارك يدرك تماما حدود سلطته فى الجيش ؛ ومبارك بطبيعته أبعد ما يكون عن اتخاذ قرارت مصيرية ، وهو يؤجل أختيارها طالما يتيح له الزمن ذلك ، وحين تجبره الظروف على اتخاذ موقف ما فإنه يختار دائما أن يمسك العصا من منتصفها ليكون فى الوضع الآمن فى تصوره ، وهذا يفسر حيرته بين التمديد والتوريث .

يضاف الى ذلك خوفه من المحيطين به القائمين على تأمين عرشه من قادة الجيش ، وهم الطامعون فى وراثته حيا أو ميتا ، لذا يتحرك بحذر شديد فى قرارت الترقيه والعزل ؛ وبنفس الحذر يقدم رجلآ ويؤخر اخرى فى موضوع التوريث .بل بنفس الحذر يمنع من تلميع قادة الجيش اعلاميا وجماهيريأ .

الوحيد الذى سمح بتلميعه هو رئيس المخابرات العامة عمر سليمان ؛ وذلك بسبب ولائه لمبارك من ناحية ، ولأن موقعه فى المخابرات العامه لايجعل له سلطه على اى قوة مسلحة ؛ ثم انه يعهد اليه باكبر مهمه بغيضة شعبيا ؛ وهى التعامل مع اسرائيل ؛ وكل هذه مميزات تقلل من خطورة عمر سليمان فى الوثوب على مقعد مبارك فى حياة مبارك، بل وتجهض من احلام عمر سليمان فى رئاسة مصر لمدة طويلة لو جعله مبارك نائبا له .

ثم ان اختيار عمر سليمان لهذه المهمة وتلميعه يصادف رضى للجيش لأنه فى النهاية رجل عسكرى ؛ وهو بتدخله فى الامور الخارجية يعطى للقوات المسلحة سيطرة على جزء هام من ميادين العمل (المدنى) ، وفى نفس الوقت فان عمر سليمان لايمكن ان يكون منافسا لكبار القادة فى الصراع على السلطة بعد مبارك لأنه ليست له قوة عسكرية تأتمر بامره ..

قال : اذ انت ترى ان كبار القادة يتصارعون على السلطة الآن ؟

قلت : ليس الآن ، لأنهم فى ترقب وانتظار .

قال : انتظار لماذا ؟ هل هو انتظار لتدخل امريكى ؟.

قلت : كلا ثم كلا .

أمريكا الأن فى مأزق افغانستان والعراق ومأزق التعامل مع ايران وتحتاج لمبارك. لذا فهى ورطة ورثها الرئيس أوباما وجعلته لا ينفذ وعوده التى أعلنها فى القاهرة ، بل نفهم من تصريحات وزيرة الخارجية تأييدا لاستبداد مبارك ، فهل ينتظر من اوباما أن يفتح جبهه اخرى فى مصر ؟

ثم ان التدخل الامريكى له حدود ,

وفى بلد مثل مصر لايمكن للتدخل الامريكى الا ان يتعامل مع القوة المؤثرة أو الحاكمة . اى ليس له دور فى التغيير ولكن فى التعامل مع الطرف القوى القادر على إحداث التغيير؛ والاستفادة منه بما يخدم المصالح الامريكية . ولذلك يعاب على السياسة الامريكية فى الشرق الاوسط انها تتعامل مع الديكتاتوريات بما يخالف مبادئها فى الديموقراطية.

أمريكا الآن لاتستطيع خلق (وضع جديد) بل فقط هى تتعامل مع الوضع القائم محليا واقليميا .وحينما بادرت بالتدخل لتغيير وضع قائم وجدت نفسها فى مستنقع لبنان ؛ ثم مستنقع افغانستان ثم فى مستنقع العراق . وليست مستعدة لمستنقعات جديدة فى الشرق الأوسط .

قال: اذا أعيد نفس السؤال: كبار القادة فى القوات المسلحة المصرية يترقبون وينتظرون ماذا قبل صراعهم على السلطة؟

قلت:

هم يلعبون مع مبارك لعبة شطرنج قاسية اساسها الانتظار ؛ حيث يحول ضعف مبارك امامهم من ان يتخذ قرارا حاسما بالتوريث ؛ وهم فى نفس الوقت يلجاون للانتظار الى ان يموت مبارك وينقضى الامر ببساطة وهدوء . لقد اختارهم مبارك ليكونوا رفاقا متشاكسين ولا يوجد منهم شخصيه كارزميه او قيادية يدين لها الاخرون بالولاء ، فقد تخلص مبارك من كل شخصية قيادية فاعلة.

وبالتالى فهم معا مع مبارك وضده فى نفس الوقت ؛ معه يتفانون مظهريا فى نفاقه وتاييده؛ وهم معا ضده اذا اتخذ قرارا بالتوريث.

لايمكن لأحدهم ان يتحرك ضد مبارك منفردا خوف ان ينقلب عليه الاخرون وينفرد به مبارك فيجعله عبره للآخرين. أى ان الحل هو الانتظار. انتظار عزرائيل..

وربما يتولى بعضهم نصح مبارك بتعيين نائب له من بين العسكر يكون مكسور الجناح حتى يصبح مجرد فترة انتقالية فى الرئاسة الى أن يظهر قائد قوى يسيطر على مقاليد الأمور.

قال: فماذا اذا جاء عزرائيل –اخيرا- ورحل مبارك ؟

قلت:

دستوريا يتولى رئيس مجلس الشعب رئاسة الجمهورية الى ان يتم اختيار رئيس جديد للجمهورية.

قال: وهنا هل يمكن ترشيح جمال مبارك باسم الحزب الوطنى ؛ ويتولى الرئاسة ؟

فقلت:

مستحيل أن يرضى قادة الجيش ـ وهم اصحاب السلطة ـ أن يتنازلوا عن السلطة لهذا الفتى المدلل ليتحكم فيهم ويصبح قائدهم الأعلى حسب الدستور.

ولذلك فلابد ان يتصرفوا فى حل لهذ الاشكال فى حضور او غيبة مجلس الشعب بحيث يتمكن احد القادة من ترشيح نفسه للرئاسة . وكل ذلك فى فترة الرئاسة الصورية لرئيس مجلس الشعب ..وغالبا سيختارون عسكريا أو مدنيا مكسور الجناح حتى يصبح مجرد فترة انتقالية فى الرئاسة الى أن يظهر القائد العسكرى القوى الذى يسيطر على مقاليد الأمور.

قال: ولكن كيف سيختارون واحدا منهم .؟

قلت: هذا هو الصراع المؤجل الذى تحدثت عنه .

وهوصراع مؤجل ومؤدلج، ستدور رحاه داخل الجيش وعلى مستوى القادة الكبار.. وربما تتحول لحرب أهلية يشارك فيها الاخوان المسلمون بتنظيماتهم العلنية وميليشياتهم السرية.

قال : كيف ؟

قلت :

الاختراق هو الكلمة الذهبية هنا .

وهذا يستلزم شرحا :

مبارك استخدم الدين السنى الوهابى وجعله مرجعيته الدينية والممثل للاسلام ليؤكد استبداده، ومع أنه عدو للأخوان كتنظيم سياسى إلا إنه يحتاجهم كمبرر لبقائه فى السلطة ، لذا اضطهد ويضطهد القرآنيين الذين يثبتون تناقض الوهابية السنية مع الاسلام .

يدافع مبارك عن الايدلوجية الدينية للاخوان بل يفرضها على المصريين فى المساجد و التعليم والثقافة والاعلام ، ويسمح بوجود مقراتهم و تشكيلهم القيادى وتحركهم وتغلغلهم فى النقابات ومؤسسات المجتمع المدني، ولكن فى إطار محدود ومرصود، لو تعدوه أطلق عليهم أمن الدولة ونيابة أمن الدولة تعتقل و تتهم بالانتماء الى جماعة محظورة!! فإذا كانت محظورة فلماذا السماح العلنى بوجودها؟ ولماذا يفرض ايدلوجيتها على المصريين. ولماذا يضطهد من أجلهم الأقباط والشيعة و البهائيين والقرآنيين والمفكرين والمبدعين؟

وفى إطار المتابعة الأمنية للاخوان وتنظيماتهم العلنية و السرية تقوم أجهزة مبارك الأمنية باختراق الاخوان وتنظيماتهم ،ويصل الاختراق الأمنى الى درجة إنشاء تنظيمات وتجهيز زعامات وقيادات زرعها النظام نفسه .

ولكن الاختراق عملة ذات وجهين ، فالاخوان أيضا يخترقون أجهزة مبارك السرية و العلنية ، بل و الجيش وقياداته العليا . ولأن لعبة الاختراق هنا تقوم على الايدبلوجية الدينية التى ترفع اسم الاسلام وتدافع عن السنة فالذى يكسب فى النهاية ليس النظام العسكرى مهما زايد على الجميع باسلامه وتدينه ، ولكن الفائز سيكون هو الأصل ، وهم الاخوان . أضف الى ذلك سوء سمعة مبارك فى الفساد و التعذيب وتردى الأحوال ، وكراهية المصريين له .

مع ملاحظة أساسية وفارقة هنا وهى أننا نتحدث عن الاخوان ليس كتنظيم وأشخاص ولكن كثقافة ومرجعية دينية . وتلك المرجعية هى التى اخترقت أجهزة مبارك . كلها على اختلاف فى الدرجة مؤمنة بالايدلوجية السنية الحنبلية الوهابية الاخوانية ، شأنهم فى ذلك شأن الأغلبية الساحقة من الشعب المصرى ، والدليل هو انتشار الحجاب و الخمار وسائر ملامح التدين السنى فى عائلات و أسر الضباط فى الأمن و الجيش ، بل ربما تكون مشاركة بعضهم فى حماية مبارك واستبداده وفساده ، وفى التعذيب وقهر الشعب عاملا يدفعهم للتكفير عن هذا بالتمسك أكثر بالدين السّنى و ثقافة الاخوان الدينية .

والمحصلة النهائية أن التمسك بثقافة الاخوان الدينية السنية ستكون من مؤهلات الرئيس القادم ، حتى لو لم يتولى الحكم أحد كهنة الأخوان أنفسهم ، ولو سارت الأمور بنفس رتابتها سينجح الأخوان ، وسيحصلون على ما يعتبرونه حقا لهم فى مصر. فقد أعانوا العسكر فى انقلابهم عام 1952 وحولوا الانقلاب العسكرى الى ثورة شعبية ، ولما طالبوا بحقهم فى الغنيمة أطاح بهم عبد الناصر.وعانوا الكثير ـ خصوصا فى عهد مبارك الطويل البغيض ، واعتنق معظم المصريين ايدلوجيتهم ،أى فالعصر القادم هو لهم. وسيفوزون بالأصالة أوبالوكالة (عبر قائد عسكرى سنى وهابى).

وحين يفوزون ستخسر مصر وسنخسر مصر.

قال: وما هو الحل؟

قلت: فى يد الشعب المصرى الذى يتصارع على ركوبه العسكر والاخوان.

هنا اتوجه بالوعظ للشعب المصرى لينهض ويأخذ حقه بيده بحيث لا يظل مركوبا من العسكر ثم من الاخوان.

واتوجه بالوعظ للقوى المدنية الحية التى تحمل طموحات الشعب المصرى فى الحرية والعدالة وحقوق الانسان. أرجوها الصمود و التصدى والتضحية..

لو وقف الشعب العراقى منذ ربع قرن ضد صدام حسين وتحمل التظاهر المستمر اسبوعا كاملا فانه كان سيفقد بضع ألوف من الافراد ؛ ولكن كان الجيش فى النهاية سيشعر بالخجل ؛ ويسقط الطاغية بسهولة .. ولان الشعب العراقى اضاع تلك الفرصة الذهبية فقد قتل منه صدام الملايين ؛ وهو الان يفقد المئات كل شهر .

ونفس الحال فى مصر .

هى فرصة امامهم الان للتغيير؛ وعليهم ان يقوموا بمظاهرات عارمة ومستمرة فى كل أنحاء مصر، تطالب بعزل مبارك وعودة الجيش الى ثكناته كما هو الحال فى أى نظام ديمقراطى وإقامة حكم مدنى ديمقراطى حقوقى .

وكالعادة سيستخدم مبارك الشرطه والجيش ، فعلى الشعب ان يتحمل سقوط بضعة الاف من الشهداء مقابل الحريه .

الحرية لاتمنح ولكن تؤخذ عنوة بالدم والحديد. وكلها معاناه بضعة ايام بعدها يكف الامن المركزى عن ضرب الناس؛ ويكف الجيش عن قتل المصريين الغلابة المقهورين. وسيسال كل جندى وكل ضابط نفسه لماذا افعل ذلك؟ هل بسبب مبارك وابنه؟ وماذا فعل لى مبارك وابنه سوى الاستعباد والمعاناة؟ واحتقار الناس وكراهيتهم؟

سيكف الجيش ويرجع الى ثكناته وسيهرب مبارك من مطار شرم الشيخ راسا الى الخارج ومعه (تحويشة العمر)..

ان لم يتحرك الشعب المصرى الان.. فسيظل تحت العسكر وصراعهم الداخلى والخارجى بضعة عقود اخرى؛ و تتحول مصر الى ساحة حرب أهلية تقضى على الأخضر و اليابس.

لابد من عملية جراحيه لازالة السرطان من جسد مصر لانقاذ مصر..

قال: هل تعنى ان مبارك هو السرطان الذى يدمر الجسد المصرى؟

قلت: أنت الذى قلت هذا..

قال : هى فعلا فاجعة العصر فى احوال مصر..

قلت: بل هو أمل فى رفع الإصر عن شعب مصر..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الفصل الخامس : وعظ المعارضة المصرية الراهنة : لا بد من الاستقواء بالخارج

 

تاريخ النشر: 2010-06-06

 

أولا : وصمة الاستقواء بالخارج فى ثقافة العبيد..

 

1 ـ ثقافة الاخوان المسلمين توجب الوقوف مع الحاكم المسلم الظالم مهما بلغ عداؤهم له ومهما بلغ ظلمه ومهما بلغ جهادهم ضده. وفى كل الأحوال فلا يجوز الاستعانة عليه بأجنبى (أى غير مسلم). وتعتنق التيارات القومية والناصرية نفس المبدأ، مع تغيير طفيف هو وضع كلمة (عربى) مكان كلمة مسلم. أى فهم مع كل حاكم عربى مهما بلغ عتوه وظلمه، ولا يجيزون الاستعانة عليه بغير العربي.

2 ـ يجمع الفريقين; أنها معا ثقافة استبداد لا تؤمن بالديمقراطية وحق الشعب فى أن يحكم نفسه بنفسه، بل تؤمن بحق المستبد فى استعباد الشعب، وبالتالى هى ثقافة الاستعباد ( من أعلى ) وثقافة العبيد (من أسفل )..

ويجمعهما أنهما معا ضد المعسكر الديمقراطى الذى تتزعمه أمريكا. وبالتالى فإن الاستقواء بالخارج (اى أمريكا والغرب) هو خيانة للوطن لأن الوطن عندهم هو الحاكم المستبد .

لا يؤرقهم أن يستطيل المستبد عليهم وعلى الشعب قهرا وبغيا و عدوانا ، فهى عندهم مسألة وقت تنتهى بموت المستبد ليأتى مستبد آخر يأملون أن يكون عروبيا أو اخوانيا ، أى إن الذى يؤرقهم فى الحقيقة أن يتم تدمير ثقافة الاستبداد وتوابعها مثل تجريم الاستقواء بالخارج، لأن لهم أملا فى الوصول للسلطة، وأن يحكموا مستبدين وفق ثقافة الاستبداد والاستعباد.

يجمع الفريقين معا أنهم نشأوا على تلك الثقافة وأنهم نشروا تلك الثقافة منذ ظهر الاخوان المسلمون عام 1928 ومنذ أن أسهموا فى قيام انقلاب العسكر عام 1952 ..وحتى الآن . ومع وجود عداء تاريخى بين الاخوان و الناصريين إلا إن ما يجمع الاخوان و الناصريين و القوميين أكثر مما يفرقهما ، وبالتالى جرت وتجرى محاولات لتصفية الأجواء واعتبار النزاع بين الاخوان وعبد الناصر مرحلة تاريخية انتهت ، ولا بد من طى صفحتها للوقوف معا ضد أمريكا والغرب ( أى معسكر الشر لدى القوميين و الناصريين ) و( دار الحرب لدى الاخوان والسلفيين ). التيار القومى الناصرى هو الساعى أكثر للتآلف مع الاخوان لأنه بدا واضحا أن الاخوان هم البديل الواضح لحكم العسكر . بينما يمارس الاخوان كعادتهم اللعب على الحبال السياسية لتحقيق مصلحتهم ولتأكيد زعامتهم على الجميع من وفد وناصريين وهامشيين .

ثانيا : البرادعى ( المنتظر )

1 ـ بظهور البرادعى تبلور حلم العثور على البديل الثالث بعيدا عن العسكر و الاخوان . ومن هنا التف الناصريون والقوميون حول البرادعى ، وأيده الاخوان مع الاحتفاظ بمسافة بينه وبينهم انتظارا لما تسفر عنه الظروف. استغل الناصريون حاجة البرادعى الى أرضية مصرية وهو الذى هبط بالبراشوت على أرضية السياسية المصرية يحمل معه (وصمة) أنه من (الخارج) وما تعنيه هذه الوصمة من وصمة أكبر وهى احتمال الاستقواء بالخارج .

2 ـ كون البرادعى موظفا دوليا محترما على مستوى العالم وحائزا على جائزة نوبل لا يكفى لانجاحه فى التربة المصرية السياسية التى جرى تسميمها خلال ثلاثة ارباع القرن، ومن أعراض هذا التسمم الفكرى أن المصرى الذى يعيش فى الغرب هو عميل للغرب الى أن تثبت براءته. ليس مهما إن كان موظفا دوليا محترما كالبرادعى أو كان مصلحا سياسيا ومناضلا فى سبيل الديمقراطية والاصلاح السلمى، وعانى من السجن والتشرد مثل سعد الدين ابراهيم أو أحمد صبحى منصور.

3 ـ ممنوع هنا أن تفكر أو تقارن بين تبعية مبارك وخدمته لأمريكا و المساعدات التى تلقاها من أمريكا وتبلغ نحو مائة بليون دولار وبين حياة أحمد صبحى منصور فى أمريكا منذ عشر سنوات تقريبا بدون عمل خلال أكثر من سبع سنين . ممنوع ان تقارن بين غضب امريكا على البرادعى وهو غضب موثق ومعروف ومنشور وبين رضا امريكا عن حسنى مبارك واهمالها نصرة دعاة الديمقراطية المصريين المقهورين امثال سعد الدين ابراهيم مراعاة لخاطر مبارك .

4 ـ لسنا حسنى مبارك الذى قهر وسرق وعذّب وأذل وقتل وسجن ملايين المصريين ، بل نحن الذين وقفنا ضد حسنى مبارك بسبب فساده واستبداده وعجزه وخيبته وكراهيته لمصر والمصريين ولأنه الذى هبط بمصر الى مكانة اقل من مكانة موزمبيق .

ومع ذلك فان الشعب الذى صنعه حسنى مبارك خلال ثلاثين عاما يعتبرنا عملاء للغرب متناسيا أن العميل الأول للغرب وأمريكا واسرائيل هو حسنى مبارك ، ومتناسيا أن السياسة الأمريكية تفضل التعامل مع من يملك القوة على أرض الواقع ـ وهو حسنى مبارك ـ أما أمثالنا من ضحايا حسنى مبارك فلا نستحق أكثر من الشفقة وقبولنا لاجئين سياسيين نمارس حريتنا فى المعارضة .

5 ـ الأهم هو ذلك الذى نطالب نحن به والذى نقدمه لمصر دون مقابل .

نحن نطالب بما يطالب به المصريون فى الداخل، نطالب بالغاء قانون الطوارىء والافراج عن المسجونين ظلما و وإقرار حرية القضاء واستقلاليته ، واصدار قانون العبادة الموحد واصلاح الدستور ..الخ ، وكلها مطالب مصرية سبق أن وعد مبارك من قبل بتحقيقها ثم حنث بوعده كالعادة. ولما طولب بها ثانية أرسل جيشه يضرب المتظاهرين .هى مطالب أولية لتأكيد أسس الاصلاح السياسى فى مصر. الفارق بيننا وبين الداخل المصرى أننا نتمتع بالحرية فى القول وفى الحركة وفى التظاهر ، ومعنا الامكانات التى تجعل الصوت الوطنى المصرى يصل الى العالم من داخل عاصمة العالم (واشنطن).

لو كان هناك أمل بنسبة واحد فى المائة فى ان يستجيب مبارك للمعارضة فى الداخل لسكتنا ووفرنا وقتنا الغالى لما ينفعنا فى غربتنا ، ولكن يعلم من فى الداخل المصرى أنه لا أمل فى مبارك، وأنه قام باغلاق كل الطرق السلمية المؤدية للاصلاح فى مصر، وأنه يتعامل مع المعارضة فى الداخل بلغة البطش والجبروت.. لذا كان حتما علينا وعلى وطنيتنا المصرية أن نرفع صوت من لا صوت لهم من المعذبين والمقهورين فى مصر.

ولا يجوز لنا أن نستأذن أحدا فى الداخل أو الخارج ، خصوصا وأن منا من وهب حياته للنضال فى سبيل الاصلاح و عانى السجن والقهر فى مصر الى ان أنجاه الله تعالى من القوم الظالمين فأصبح حرا طليقا فى الخارج ، وضميره الوطنى يرفض الراحة فى أجمل بلاد العالم لأنه يحمل مصر وجعا فى قلبه أينما سار ، وهو بما يفعل من أجل مصر متطوعا لا يريد جزاءا ولا شكورا ، وبينما تطمح المعارضة فى الداخل للحكم ، ومن أجل الحكم تناور و تحاور و تتغير مواقفها فإننا نعانى ونجاهد بسواعدنا العارية وبدون أى طموح سياسى على الاطلاق . أقول هذا عنه نفسى و من أعرفهم من أشراف المصريين فى الخارج.

هذه حقائق تنفى الشائع عنا، من أن من يتعاون معنا يكون مستقويا بالخارج. ومع ذلك فان الناصريين والقوميين يرتعشون خوفا ورعبا من أى تعاون محتمل معنا لأننا نستقوى بالخارج .

ثالثا :(الاستقواء بالخارج ) هو الحل الوطنى الوحيد للأزمة المصرية.

1 ـ نحن لا نستقوى بالخارج ضد مصر، ولكن ضد العدو الأكبر لمصر، وهو حسنى مبارك.

هل يستطيع أحد أن ينكر مسئولية حسنى مبارك عن كل ما حدث للمصريين ومصر منذ تولى السلطة مستبدا معاندا للاصلاح من عام 1981 وحتى الآن؟ أحوال المصريين فى الفقر والجوع و التعذيب و الفساد أصبحت حديث العالم واستهجان واستنكار منظمات حقوق الانسان، وكلما ارتفعت الصرخات تطلب الرحمة والعدل والحرية إزداد حسنى مبارك عنادا وتعنتا وبطشا وتجبرا. لا أمل فى اصلاح يأتى على يديه لأنه منبع الفساد والاستبداد، ولأن الاصلاح لا يمكن أن يبدأ أو أن ينجح فى وجوده، لا بد أن يرحل ليبدأ الاصلاح.

ولكى يرحل سلميا لا بد من تدخل المجتمع الدولى ممثلا فى الأمم المتحدة وامريكا والغرب. بدون وساطة هؤلاء لا يمكن حل الأزمة المصرية. وهذا يعنى حتمية التدخل السلمى السياسى من الخارج ليسد عجز الداخل.

2 ـ أكره أن أكرر ما أقول، ولكن التكرار هنا دليل على عناد الرئيس وعلى جمود الوضع المصرى مع تفاقم الأحوال الاقتصادية باضطراد بحيث أصبح التخوف من انفجار الوضع يتردد هنا وهناك. ولذلك كانت ـ ولا تزال دعوتى المتكررة لوساطة خارجية تنهى حكم مبارك سلميا وتتيح للمصريين تداولا سهلا وسلميا للسلطة يوفر سنوات من الحرب الآهلية والتدمير والخراب وحمامات الدم، ودرس العراق والصومال وافغانستان ليس عنكم ببعيد.

هل يكون الاستقواء بالخارج تهمة وهو الذى يهدف الى حقن الدماء وارساء اصلاح تشريعى سياسى وديمقراطى ودينى وحقوقى. ؟

وفى اول كتاب بالانجليزية قدمته أثناء عملى للوقفية الأمريكية عن (جذور الديمقراطية فى الاسلام) عام 2002 اقترحت فى دمقرطة مصر سلميا عدة مقترحات منها ما يجب أن تقوم به أمريكا وما يجب أن تقوم به الأمم المتحدة فى سبيل التحول الديمقراطى السلمى فى مصر . والبحث منشور فى موقع الوقفية الأمريكية وفى موقعنا:

http://ahl-alquran.com/English/show_article.php?main_id=4145

 

وتكررت مقالاتى بالعربية والانجليزية فى دعوة المجتمع الدولى الى تدخل سلمى فى مصر لصالح مصر ولانقاذها مهاجما فكرة (هيبة الدولة) لأنها هيبة المستبد وارهابه للشعب، ولأن مقولة (عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول) أصبح ركيزة لاستبداد وانفراد شخص واحد بالتحكم فى شعبه، يتخذ من الشعب رهينة وأسيرا يقتل من يشاء ويعذب من يشاء ويسرق وينهب كيف شاء، مستعملا كل القوة ضد الشعب . وفى النهاية يدفع المجتمع الدولى الثمن فى صورة ارهاب . فالاستبداد يصنع الارهاب و يصدر الارهاب . تكرر هذا فى مقالات عديدة و فى ندوات فى واشنطن أؤكد فيها ان اصلاح الشرق الأوسط يبدأ باصلاح السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط لتكون مع شعوب الشرق الأوسط وليس مع مستبدى الشرق الأوسط.

2 ـ وقلت ولا أزال أقول إن الاستقواء بالخارج هو الحل الوحيد والمتاح للأسباب الآتية:

2 / 1 : إننا أمام حالة فريدة: شخص واحد هو حسنى مبارك يعطيه الدستور المصرى كل السلطات بدون أن يكون مساءلا أمام الشعب، ويجعله القائد الأعلى للقوات المسلحة و للبوليس و المجلس العلى للقضاء، أى يحتكر السلاح كله لنفسه، ثم يجعل مجلس الشعب ومجلس الوزراء مجرد سكرتارية له، تشرع له ما يريد وتنفذ له ما يريد، ثم يقوم بالتجارة فى السلاح وابناؤه معه ويصبح الفساد فى مصر سياسة عليا مرفوعة الرأس، لا يتوقف الحديث عنه فى مصر وخارجها، فاذا تحرك عشرة أفراد فى مظاهرة أنزل لهم مبارك آلاف الجنود بعرباتهم المصفحة، أى يستخدم معظم الجيش وقواته المسلحة والبوليس فى ارهاب الشعب وحماية نفسه واسرته تاركا الجرائم تسود الشارع المصرى، بل يتم الاستعانة بالمجرمين و البلطجية فى ضرب المتظاهرين المطالبين بالحرية، أى أن الشعب المصرى أسير فى يد مبارك داخل مصر. أفلا يحق لهذا الشعب الأسير المقهور أن يستنجد بالخارج؟ خصوصا إذا كان مبارك تابعا وخادما لذلك الخارج؟ وخصوصا إذا كان ذلك الخارج يملك ـ لو أراد ـ أن يضغط على مبارك ليرحل فى سلام متمتعا بما سرق ونهب مقابل أن يترك المصريين فى حالهم يصلحون ما أفسده مبارك فى سنوات عمره؟

2 / 2: الخوف من تكرار تجربة العراق لا مكان لها هنا، بل العكس، فإن تجربة العراق وافغانستان هى التى تحتم التدخل الخارجى السلمى. كنا قد حذرنا من التدخل العسكرى فى العراق وتنبانا بأنه سيكون فشلا يتضاءل أمامه فشل أمريكا فى فيتنام، كل ذلك مسجل فى ندوات أمريكية عامى 2002، 2003. أمريكا الآن لا يمكن أن تعيد نفس الخطأ بالتدخل العسكرى فى مصر مهما حدث. بل أنها من قسوة الدرس العراقى عازفة أيضا عن التدخل السياسى لحل الأزمة المصرية. وهو موقف أمريكى خاطىء ولكن يظل دليلا على أن التدخل الأمريكى المسلح فى مصر مستحيل.

2 / 3: تحول العالم الآن الى قرية كونية واحدة، وظهرت العولمة وبدأ تطور فى دور الأمم المتحدة و المجتمع الدولى اهتزت معه مقولة عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول المستقلة ، بعد أن اتضح ان تلك الدول التى تحررت من الاستعمار الأجنبى قد وقعت تحت استعباد واستبداد عسكرى محلى أفظع من الحكم الأجنبى ، ويتذرع هذا الاحتلال المحلى بمبدأ عدم التدخل فى استبداده معتبرا أن الحاكم الفرد المستبد هو الوطن وهو الشعب.

شهدنا تدخل الأمم المتحدة والولايات المتحدة فى البلقان وقيام المحاكم الجنائية الدولية بمحاكمة مستبدين سابقين من الصرب والارجنتين ، وتدخلها فى محاكمة قتلة الحريرى فى لبنان وتدخلها لانقاذ أهل دارفور من المذابح و طلبها القبض على البشير . ولا ننسى الملاحقات الدولية لبعض القادة الاسرائيليين فى أوربا . أى إن الاستقواء بالخارج أصبحت له شرعية دولية وقانونية وواقعية ، وفيها تم تطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، ولأن مصر وغيرها من البلاد العربية قد وقّعت ـ بل أسهم علماؤها ـ فى صياغة ميثاق الأمم المتحدة فمن حق الشعب المصرى أن يستقوى بالعدالة الدولية وهو يعانى التعذيب والاذلال والاستعباد من شخص واحد هو حسنى مبارك.

2 / 4: الاستقواء بالخارج له مشروعية تاريخية ، مصطفى كامل استقوى بأحرار بريطانيا ضد بريطانيا ، واستعان بفرنسا ضد انجلترة ، ومحمد فريد مات غريبا فقيرا فى أوربا حيث قضى أواخر عمره يستعين بأوربا ضد الاحتلال الانجليزى . ولقد تأكد لنا الآن ان المستبد المحلى العسكرى أسوأ ألف مرة من الاحتلال الفرنسى ( حملة نابليون ) والانجليزى ..

2 / 5: الاستقواء بالخارج أصبحت له مشروعية مصرية، فالكثير من المنظمات والجمعيات والنقابات تهدد باللجوء الى المحاكم الدولية والأمم المتحدة بسبب تعنت مبارك وإصراره على الظلم، ومنذ بداية عهد مبارك تعودت منظمات حقوق الانسان المصرية الاستغاثة بالخارج، وجعلت لها مشروعية مصرية برغم اتهامات مبارك لها بالاستقواء والعمالة للخارج. بدأ الاستقواء بمنظمات حقوق الانسان العالمية ، وستبدأ الاستعانة بالمحاكم الجنائية الدولية لمعاقبة مبارك، وهذا ما يؤرقه فعلا ـ لو كنتم تعلمون!!

2 / 6: الاستقواء بالخارج هو الحل الوحيد. الأزمة المصرية فى تداول السلطة لا تزال بدون حل منذ مطلع القرن الحالى. مبارك حائر بين التوريث والتمديد ، وآخر تصريح له أوكل المهمة لله جل وعلا قائلا إن من يعلم من سيحكم مصر بعده هو الله. مبارك أعرب مرات عن أمله فى الرحيل و العيش مع أسرته فى هدوء ما تبقى له من عمر، ولكنه بسبب جرائمه وفساده وسرقاته يخشى من الملاحقة وأن يدفع الثمن لو تخلى طواعية عن السلطة بدون مقابل. وهو لا يأمن أى مصرى ولا يثق بأحد من (أخلص) المطيعين له، لأنه متأكد أنهم سيفعلون به ما فعله هو بالسادات، ونفس ما فعله السادات بعبد الناصر، هذا مع الفارق الكبير بين جرائمه وجرائم السادات وعبد الناصر. مبارك يثق فى الاسرائيليين والأمريكيين والأوربيين فقط. وبالتالى فلا بد من تدخل خارجى ، يكون وسيطا يثق فيه مبارك ويحس بالأمن معه. فالاستقواء هنا يعنى الوساطة الخارجية الأمريكية التى تتوسط لحلّ أزمة يعجز مبارك نفسه عن حلها.

الخروج الآمن لمبارك هو الحل الأمثل والذى يجنب مصر خطر الوقوع فى حرب أهلية تفجر مصر من الداخل، ويدفع ثمنها فقراء الأقباط وفقراء المسلمين على السواء. ففى مقابل قتل مبارك وبعض أتباعه ستضيع حياة ملايين المصريين بلا ثمن.

الخروج الآمن لمبارك هو الحل الأمثل لضمان تغيير للأفضل، ولكن هذا يستلزم وساطة أى تدخلا خارجيا يضمن لمبارك ولأسرته وكبار حاشيته الأمن. ولأن مبارك لا يثق فى المصريين فلا بد ان تكون الوساطة أمريكية غربية اسرائيلية حسب ما يريد مبارك لا حسب ما نريد نحن.

2 / 7 : وفى النهاية فإن للاستقواء بالخارج مشروعية قرآنية اسلامية.

فالانتصار للمظلوم ضد الظالم واجب اسلامى ، يقع ضمنا فى دائرتى (الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر) و (التعاون على البر والتقوى وليس على الإثم والعدوان). والعدل ونجدة الضعيف المقهور من أوائل القيم الاسلامية المتعارف عليها ، كما أن الظلم والبغى و العدوان والفساد والسرقة والاستبداد من أخسّ أنواع المنكر.

والانتصار للمظلوم ضد الظالم يقع مباشرة فى تشريع قتال الفئة الباغية المعتدية ( الحجرات 9) فإن تقاتلت طائفتان من المؤمنين فيجب التدخل من طرف مؤمن ثالث ليصلح ما بينهما ، فإن بغت إحدى الطائفتين فعلى الطرف الوسيط أن يتحالف مع الطرف المعتدى عليه ضد الفئة الباغية حتى ترجع عن عدوانها . هنا تشريع بالتدخل المسلح لوقف عدوان مسلح قامت به فئة باغية على فئة أخرى مسلحة معتدى عليها .فما بالكم ـ دام فضلكم ـ إذا كنا لا نريد التدخل المسلح بل التدخل السلمى تفاديا لحرب أهلية قادمة نحونا تكشّر عن أنيابها ؟ فما بالكم ـ دام فضلكم ـ إذا كانت تلك الفئة الباغية تغير بجيوشها على شعب مسكين مقهور مسالم منزوع السلاح ؟ ما بالكم ـ دام فضلكم ـ بقوات الأمن المركزى و فرق الكراتيه والعربات المصفحة و ميليشيات الحزب الوطنى من البلطجية وعساكر البوليس و قيادات الشرطة تحتشد بالآلآف لتضرب بكل قسوة مجموعة صغيرة من الشباب النقى الطاهر من الذكور والاناث يحملون الزهور يرجون الحرية بالتى هى أحسن فتتناولهم كلاب الشرطة وكلاب حراسة مبارك بالضرب، وينادى عضو فى برلمان مبارك بضربهم بالرصاص، ويصرخ لواء شرطة من كلاب حراسة مبارك يأمر أتباعه مشيرا الى فتاة مصرية فى سنّ بناته قائلا: هاتوا البنت المومس بنت.. هل هناك بغى أكثر من ذلك؟

وطالما لا يوجد بين مسلمى اليوم من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وطالما لا يوجد فيهم من يهب لنجدة المظلوم المقهور وطالما أن الغرب وحده هو الذى يقوم بنجدة المسلمين فى الزلازل والمآسى والبراكين فلا بأس بأن نتوجه له طالبين أن ينقذ ملايين المصريين من بغى مبارك.. اللعين.

أخيرا:

هل لديكم حلّ آخر؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الفصل السادس : المستبد يصنع شعبه

 

تاريخ النشر: 2010-06-08

 

أولا ـ (المستبد يصنع شعبه):

 

1 ـ هذا التعبير صاغه الكاتب المصرى المبدع الثائر (محمد عبد المجيد: طائر الشمال)، هو تعبير يتفوق على تعبيرات تراثية تقاربه فى المعنى، مثل (الناس على دين ملوكهم) (كما تكونون يولى عليكم).

2ـ ( المستبد يصنع شعبه ) تعبير نافذ ناقد ثاقب موجز بليغ ومؤلم وبديع. يحسّ به ويتألم منه من نجا من ثقافة العبيد وثقافة الاستعباد التى يخنق المستبد بها شعبه، والتى يصنع المستبد بها شعبه. فليس كل الشعب يقع فى ثقافة العبيد والاستعباد، وليس كل الشعب صناعة للمستبد، هناك من يتمرد عليها فيعانى طالما بقى داخل سجن المستبد الأكبر المسمى بالوطن، فإذا أتيحت له فرصة الهرب وأصبح حرا كتب وأبدع وحلّق كيف يشاء، يحمل وطنه بين جوانحه كما يفعل طائر الشمال الاستاذ الكاتب الوطنى المصرى محمد عبد المجيد فى مقالاته الحارقة الملتهبة حبا وحزنا على مصر.

3 ـ (المستبد يصنع شعبه) فعلا عبر سيطرته على الاعلام والتعليم والحياة الدينية وحجب المعلومات و اضطهاد المفكرين الأحرار ومطاردة المبدعين ووضع المتاريس فى شارع الفكر. وهو خصم عنيد لكل ما لا يعرفه وما لا يفهمه. ولأن المستبد جاهل فى الأصل فهو حاقد على كل عالم وكل مفكر وكل مبدع. لأن لديهم احتراما للذات بسبب تفوقهم وتميزهم، ولا وقت لديهم للتزلف للسلطان أو الهتاف له أو حتى تحيته بالتى هى أحسن أو التى هى أسفل. ومن هنا يستريح السلطان لأهل الثقة من الفاشلين فى ميدان العلم والخبرة، ومن المفسدين الذين حصلوا بالتزوير والغش على شهادات دكتوراة لا يعرفون عن موضوعها شيئا.

5 ـ (المستبد يصنع شعبه) بنشر التعصب و الانقسام بين فئات الشعب، عرقيا ودينيا ومذهبيا حتى ينشغلوا بالصراع فيما بينهم عن الاتحاد ضده، وحتى يستعين كل منهم على الآخر به، فلا بد من إثارة التعصب بين المسلمين والنصارى كما فى مصر، أو بين السنة والشيعة كما فى العراق.

ولا بد من إشاعة ثقافة أن الغرب يتآمر علينا، ومن خلال هذه الثقافة يتم تأجيل الاصلاح وإشاعة اليأس من الاصلاح لأن العيب ليس من المستبد ونظام حكمه ولكن من الخارج المتآمر، وطالما أن هذا الخارج هو الأقوى فليس هناك مجال لأى نجاح أو أى اصلاح. وهكذا بسياسة التفرقة بين طوائف الشعب الواحد (فرّق تسدّ) وبتوجيه شحنة الغضب والاحباط نحو الغرب وأمريكا واسرائيل ينشغل الشعب عن مقاومة المستبد.

وبالتالى ينسى الشعب أن العدو الحقيقى للشعب هو المستبد، لأنه هو الذى يقهر الشعب ويعذب الشعب ويسرق الشعب و يذل الشعب ، وهو الذى يستخدم جيش الشعب فى قهر الشعب ويستخدم بوليس الشعب ليس فى حماية الشعب ولكن فى تعذيب الشعب .

 

وفى الوقت الذى يستأسد فيه على الشعب تراه الخادم المطيع لأمريكا واسرائيل والغرب، ينشد حمايته لديهم، وحتى لو مرض فلا يأمن غيرهم على صحته، وعلى أمواله التى يسرقها من شعبه فيستودعها لديهم. أى يتخذ من شعبه عدوا لا يثق فيه، ولا يثق إلا في الغرب وأمريكا واسرائيل.

ولأنه احتكر الوطن لنفسه ، ولأنه تملك الشعب فقد أصبح هو الوطن، وهو الشعب وهو القومية. فمن يختلف معه يكون خائنا للوطن، ومن يخرج عليه يكون خارجا على (القومية) أو (القوم) أو (الأمة).

ولأنه يملك الوطن وما عليه ومن عليه ويتحكم فى عقول أبنائه فمن السهل عليه أن يقوم بتشويه خصومه المصلحين وملاحقتهم باتهامات الخيانة والعمالة للخارج وبالتبعية للغرب وبالاستقواء بالخارج .

ثانيا : عندما يصنع المستبد شعبه ، فمتى يثور عليه شعبه :

1 ـ اكتب هذا المقال ردا على  صديق تفضل بالتعقيب على مقالى السابق ( وعظ المعارضة المصرية الراهنة : لا بد من الاستقواء بالخارج ) والذى اوضحت فيه ضرورة الاستعانة بالخارج من الناحية الشرعية و السياسية ولمصلحة مصر وحتى لمصلحة مبارك نفسه واسرته . لأن الاستعانة هنا تعنى توسط امريكا فى توفير خروج آمن لمبارك يضمن تداولا سلميا للسلطة مع اصلاح يقى مصر من الوقوع فى حرب اهلية .

إقترح   اللجوء للسلاح فقال : ( هل جربت المعارضة المصرية حمل السلاح بوجه السلطة ؟ هل جربت عمليات الإغتيال السياسي لرجالات السلطة ؟ هل هناك محاولات لإغتيال الرئيس ؟ هل هناك عصيان مدني واسع ؟ هل هناك خروج على سلطة الدولة الديكتاتورية ؟ كأن تخرج محافظات بكاملها عن السيطرة ، في الصعيد المصري مثلا ؟ قبل وبعد إجابتكم على أسئلتي أقول رأي شخصي وهو : في حالة إصابة شخص ما بمرض ، وعند استعمال علاج ليس بالفعال جدا لقطع دابر المرض وموت مسبباته ، كأن تكون بكتيريا مثلا ، فأن هذه البكتريا تصنع مضادات للدواء ، أو أنها تتكيف مع الدواء ، وبالنتيجة لا ينفع معها الدواء ، بل وربما لا ينفع ما هو أشد منه ، سوى البتر ، وإسألوا أهل الطب حول ذلك . وفي حالة حسني فأنه كهذه البكتريا أصبحت لديه مناعة ذاتية هو ونظامه ضد كم الخطابات هذه . فلديه من العجلة الإعلامية وإمكانيات الدولة ما يفوق كل ما لدى المعارضة بمراحل ، لذا وجب على المعارضة تغيير إسلوب العمل ، وأن تتجه نحو العمل المسلح . قد لا ترضون بهذا الحل ، ولكنه آخر العلاج الكي . وإذا بقيتم تطلبون فقط التغيير بالكلام ، فيمكن حجز الموقع من الظهور داخل البلد ، وهذا سهل جدا على إمكانيات الدول ، كما يمكن إيجاد كم هائل من كتاب السلطة الذين يستطيعون تلفيق كل التهم الممكنة بحقكم وحق كل من يكتب ضد السلطة . وطبعا سذاجة الشعب تصدق كل ما يقال لها ، خصوصا لو جاء عن طريق دعاة المنابر. هذا حل من حلول كثيرة ممكن أن تقوم بها المعارضة المصرية، ولكني أجدها متشرذمة ومتقطعة الأوصال، وكل فريق داخل المعارضة يطعن بالفرق الأخرى. فمثلا لم لا يتم تنظيم مؤتمر عام كبير للمعارضة بكل طوائفها، تضع خلافاتها على جنب ، وتعمل مع بعض من أجل إسقاط هذا الحكم).

كلام منطقى ، ومن هذا المنطق السديد ينبع الخوف الشديد من حرب اهلية قد لا تبقى ولا تذر ، وأكثر الضحايا فيها هم من الفقراء والمستضعفين فى الأرض بينما سيجد المترفون الظالمون بأموالهم ونفوذهم وعلاقاتهم مأوى ومثوى فى الخارج وأمنا ، بل ربما يستمر بعضهم فى ثنايا الحكم القادم وعلى هوامشه .الحرب مشكلة ، ويباح اللجوء اليها عند الضرورة القصوى كآخر حلّ لأزمة أكبر .

ولكننا هنا لا نتحدث عن حرب بين جيشين بل عن حرب أهلية يبدأ فيها جيش الشعب بحرب الشعب ثم ينقسم الجيش على نفسه وتنتقل انواع السلاح من مخازن الجيش ومن الخارج الى طوائف من الشعب تتحول الى ميليشيات ، لا تلبث ان تكون لها ولاءات خارجية تقتل من أجلها أبناء الوطن الواحد، وتدور حرب الشوارع، ويتأسس اقتصاد للحرب ويظهر مستفيدون من هذه الحرب يبيعون السلاح و الذخيرة و المؤن والحماية ، لفرقاء المتصارعين، ويعمل المستفيدون بالحرب بكل جهدهم على استمرار تلك الحروب لتصبح وليمة دائمة، وتتداعى الى تلك الوليمة شركات وشخصيات من الخارج ومن الداخل، واللحم المأكول فى الوليمة هم بنو قومى اهل مصر البسطاء الغلابة ..

المفجع هنا أن هذه هى النتيجة المنطقية التى يدفع نظام مبارك مصر اليها . فآخر ما قام به مبارك هو ذلك التزوير الفج فى انتخابات مجلس الشورى ، وما صاحبها من استعمال فظ للقوة مع الناخبين والمرشحين من المعارضة ،أى هى نفس الرسالة التى يكررها مبارك منذ الثمانينيات من القرن السابق ، وهى استحالة التغيير السلمى سياسيا عن طريق الانتخابات الشرعية ، أى لا طريق للاصلاح و التغيير إلا باستعمال القوة المسلحة . وهنا يأتى الرد المنطقى  بحتمية اللجوء للسلاح إذ لا يفلّ الحديد إلاّ الحديد . ولكن كما قلت هو حلّ باهظ التكاليف لا أحتمله ولا أتمناه لأبناء وطنى ، ولذلك أتمسك بالاستقواء بالخارج و توسط امريكا و المجتمع الدولى للخروج من هذا المأزق بأقل قدر ممكن من الخسائر و التضحيات ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مصر ، أو مما تبقى من مصر.!

2 ـ إن الأزمة أعمق وأفظع مما تتخيله المعارضة المصرية فى الداخل ،والتى تتراقص فوق برميل بارود ملتهب لو انفجر فلن يبقى ولا يذر .عمق الأزمة وفظاعتها يتجلى فى طبيعة الحكم العسكرى عموما ، وفى طبيعة نظام مبارك على وجه الخصوص .

 

وظيفة الجيش فى النظام الديمقراطى أن يحمل السلاح ويوجهه لأعداء الشعب فى الخارج فقط. أى يقف على الحدود شاهرا سلاحه ضد عدو الشعب معطيا ظهره للشعب . والقادة العسكريون للجيش هم محترفو حرب لا عمل آخر لهم ، لا مجال لهم فى البزينيس ولا فى السياسة فذلك من المحرمات . ولأنهم المخولون بحمل واستعمال السلاح الأشد فتكا وتدميرا فهم تحت السيطرة المباشرة من الشعب ، وهم يتلقون الأمر بالحرب من الشعب ممثلا فى هيئاته المدنية السياسية ؛ التشريعية والتنفيذية المنتخبة . وتأتى الأوامر محددة واضحة عليهم تنفيذها ، فلو أهملوا أو أخطأوا فالعقاب لهم بالمرصاد وفقا للقوانين العسكرية. ويتجلى شرفهم العسكرى والوطنى فى حماية المدنيين أى الشعب الذى يسهرون على حمايته .

على العكس من ذلك تكون وظيفة الجيش فى الحكم العسكرى المستبد .

القيادة العسكرية للجيش هى التى تحكم الشعب ، وهى التى تحكم الشعب بذلك الجيش الذى تسيطر عليه ، وبالتالى فان (العدو ) الذى يوجّه الجيش له السلاح هو ( الشعب ) المنزوع السلاح ، وبالتالى أيضا يكون ميدان المعركة ليس مع عدو خارجى بل عدو داخلى هم المدنيون الغلابة من أبناء الشعب ، أى يصبح الوطن بشوارعه ومدنه وقراه وبيوته أهدافا عسكرية معادية ، حالية أو محتملة ، أو ( جبهة داخلية ).

ولأن المستبد العسكري قد اتخذ من شعبه عدوا فتراه يقوم بتطبيع العلاقات مع أعداء الوطن التقليديين فى الخارج ليتفرغ للعدو المصرى فى الداخل ، يسنّ ضده قانون الطوارىء ، ويستورد من أجله أحدث أدوات التعذيب ، وبينما يسود السلام والوئام ما كان يعرف سابقا بالجبهة الخارجية التى تتحول الى حفلات استقبال ومؤتمرات ودية وتناول الأنخاب وتبادل القبلات والأحضان فى شرم الشيخ ، تبقى الجبهة الداخلية مشتعلة بالمعارك .

هذا هو التوصيف المؤلم لنظام مبارك العسكرى ، وفيه لا يتورع القائد العام للجيش المشير طنطاوى عن تكرار تأييد الجيش والقوات المسلحة للرئيس مبارك القائد الأعلى للقوات المسلحة . فإذا كان مبارك فى حالة حرب معلنة مع الشعب المصرى فإن المشير يؤيد بجيشه رئيسه مبارك فى هذه الحرب ضد الشعب المصرى ، وهو يسهم فيها بحوالى 700 ألف جندى مجند من القوات المسلحة بعتادهم تحت مصطلح الأمن المركزى ، وأولئك هم المقدمة العسكرية التى تنوب عن بقية أفرع القوات المسلحة فى حربها للشعب المصرى ، وهى تعمل تحت قيادة أمن الدولة لتساعد مئات الألوف من قوات الشرطة فى تأديب و قهر وتعذيب الشعب المصرى .

وطالما هى تحرز الانتصارات المتوالية على الشعب الأعزل المسكين فإن الجيش يكتفى بالمراقبة وعدم التدخل . هو يتدخل فقط لو أبدى بضع مئات من الشعب تذمرا أفضى الى استعمال بعض القوة ، ولو عن طريق القاء بعض القنابل أو اطلاق الرصاص ، عندها يتدخل الجيش الشهم الشجاع بكل عتاده وطائراته وصواريخه ودباباته لتأديب المتمردين .

هذه هى وظيفة الجيش فى الحكم العسكرى فى مصر ؛ لا يدافع عن الشعب بل يحارب الشعب ، لا يخدم الشعب بل يقهر الشعب ، لا يعمل أجيرا للشعب ولكن يستعبد الشعب . هذا الجيش هو خائن حقير للشعب الذى أنجبه والذى ينفق عليه . ولا توجد فى قواميس اللغة توصيفا أحطّ يوصف به هذا الجيش . هذا التوصيف بالخيانة العظمى او الخيانة السفلى تنال كل عامل فى ذلك الجيش بدءا من جندى الأمن المركزى الى القائد العام للقوات المسلحة والقائد الأعلى للقوات المسلحة ـ كل على حسب رتبته ، كلما علت رتبته تضخمت خيانته وحقارته وظلمه ودناءته وجبنه ونذالته .

ينطبق هذا الحكم والوصف على كل من ارتدى الزى العسكرى فى مصر من قيام حركة الجيش فى يولية 1952 وحتى الآن . لا استثناء ولا مداهنة ، فحق مصر وحق الشعب المصرى المهان المظلوم المقهور هو الأولى بالاعلان والأحق بالتوضيح والبيان . وهذا التوضيح فى تعيين وتحديد العدو الحقيقى لمصر هو أقصر طريق للاصلاح . إذ بعدها حين يأتى وقت الاصلاح لا بد من تحديد دور الجيش والشرطة بكل دقة وحسم وفقا للسائد فى الدول الديمقراطية الغربية حتى لا تتكرر مأساتنا مع عسكر 52 .

ولذلك يتحسب الخونة من هذه النقطة و لا يريدون ان يمتد النقاش الى مسئولية الجيش فيجعلونه خطا أحمر أن تناقش دور الجيش او التعرض له بأى شكل من الأشكال فى الجدال السياسى .

2 ـ فى ظل استبداد العسكر تم ( تصنيع ) المصريين من عام 52 وحتى الآن . أى أن معظم الشعب المصرى من سن السبعين فأقل فتح عينيه وتفتحت مسام عقله على استبداد العسكر ، وعلى ملء السجن ( الحربى ) فى عهد عبد الناصر بمئات الألوف من المدنيين ، وعلى إحالة الملايين من المصريين الى المحاكم العسكرية و الاستثنائية وقانون الطوارىء . لم نر عهدا من الحرية ولو يوما واحدا . وجيلى الذى تخطى الستين عاما فتح عينيه على الثورة وعبد الناصر فرضع الخوف من العسكر وعاش عليه، وأنجب شبابا تربى فى نفس الجب ، فماذا تنتظر منه وقد أدى به القهر فى ستة عقود الى أن يتواضع سقف احلامه الى مجرد أن يظل حيا .

ويلاحظ فى تظاهرات العمال واعتصاماتهم فى المحلة الكبرى وغيرها وأمام مجلس الشعب أنها فى الأغلب تخلو من الشعارات السياسية ، هى فقط تتسول الحقوق الضائعة و تستدر عطف النظام العسكرى الغاشم وتستجديه، وفى النهاية يضيق بها فينهال عليها الجيش (الأمن المركزى) ضربا .

3 ـ يدخل بنا هذا الى الناحية الأخرى و الخاصة بشخصية مبارك المتطرفة.

 

مبارك يتطرف فى استعمال القوة مع الشعب المصرى المسالم المقهور المنزوع السلاح . فى القبض على كاتب مسالم مثلى لا يملك سوى القلم يرسل مبارك جيشا صغيرا مدججا بالسلاح يحاصر حيّا بأكمله . فى مواجهة مظاهرة من الشباب الوديع الذى يحمل الزهور ويرفع لافتات الاحتجاج مطالبا بحقوقه المشروعة يرسل مبارك بجيش يفوق عددهم عشرات المرات ، فلو كان المتظاهرون خمسين فردا بعث لهم بجيش لا يقل عن خمسة آلاف بالمؤن والعتاد وعشرات الضباط من كبار الرتب . هذا عدا جيوش اخرى تأتى لمساكن أولئك الأفراد تعتقلهم فجرا .

تطرف مبارك فى استعمال قواته المسلحة ضد أفراد الشعب المصرى لا يدانيه سوى تطرفه فى الفساد والسرقات .

فى ظل حكم العسكر سيطرت الحكومة على كل شىء،وأصبح (أمين المخازن) مثلا مسئولا عن (عهدة) تقدر بالملايين، بينما مرتبه لا يتعدى كذا فى الشهر، أى أن الحكومة تقول له ضمنيا (إسرق كما تشاء)، ولكى يسرق (كما يشاء) فلا بد له من حيلة تنجيه من السجن، لذا عرفت مصر بعد حكم العسكر ما يعرف بموسم الجرد أو موسم الحرائق، فعندما يأتى وقت (جرد) أى وقت التفتيش على المخازن المسروقة يشب فيها حريق ويقال ان سببه ماس كهربائى . ومع كثرة التندر فى الصحف على هذا ومع العلم بأنها حرائق متعمدة للتغطية على سرقات حقيقية إلا أن ثقافة التدمير للتغطية على السرقة تطورت و تنوعت فأصبحت فى الخصخصة تعنى مثلا تخسير الشركة الحكومية الناجحة أو تدمير جزئى للمصنع المنتج ليتأهل للبيع بأبخس الأثمان، ويستفيد المفسدون من بيعه بعمولات تفوق ثمنه. هنا تتحول السرقة العادية الى سرقة سامة دنيئة، لأنك لم تسرق فقط بل حرقت ودمرت اصولا يملكها المجتمع وتعيش عليها عشرات العائلات.

هذا هو التطور الأكبر الذى جاء به مبارك فى تحويل السرقات الى فساد مكتمل الأركان مستخدما سلطته المطلقة وقانون الطوارىء ليتمكن من السلب و النهب و التهريب والعمولات عبر وسطائه ووزرائه دون ان ينتقده أحد ، فهو والجيش خط أحمر .ولأن له يدين فقط فقد استخدم واحدة (عسكرية) يضرب بها المصريين بأقسى ما يستطيع ن بينما ينهب مصر باليد الأخرى وبكل ما يستطيع.

4 ـ وخلال حوالى 60 عاما تعود المصريون على تحمل القهر، نصفها كان هينا (قبل مبارك) ونصفها تحت حكم مبارك المتطرف فى قسوته والمتطرف فى فساده .

ولأن المستبد يصنع شعبه فان هذا الشعب المسكين أدمن التعود على القهر طالما بقى المستبد واقفا على قدميه ممسكا بكل السلطات ، فإذا حدث ثقب أو شرخ فى حصن الاستبداد وأتيح لهذا الشعب ان يتنفس من خلال هذا الشرخ او ذلك الثقب فان تنفس الشعب المقهور سيكون انفجارا هائلا يساوى كل ما عاناه من قهر وذل وحرمان واستعباد . وسيكون إنفجارا عامّا وعشوائيا ومستمرا ومعدوم العقل والضمير ، فلن تستطيع ان تفرق فيه بين القاتل والقتيل لأن قاتل اليوم سيكون قتيل الغد ، وستتعود الشوارع المصرية والقرى المصرية والحقول المصرية و الترع المصرية والطرق المصرية على رؤية الجثث الملقاة وعلى اكتشاف القبور الجماعية بنفس تعودها على تدمير البيوت وقطع الطريق ونهب المتاجر والمحلات وتبوير المحاصيل والمذابح الجماعية.

تلك وصفة لبرميل البارود السّاخن الذى تتراقص فوقه المعارضة المصرية وهى لا تزال تصرخ بشعارات الستينيات تقول: لا لأمريكا.. ولا للتدخل الأجنبى أو التوسط الأجنبى. لا تملك حلاّ سوى الرقص بالشعارات. هذه المعارضة هى من علامات المرض فى مصر. هى أسوأ ما صنعه المستبد العسكرى فى مصر. وستكون أول ضحايا الانفجار القادم.

وخوفا عليهم وخوفا على مصر نرجو توسط المجتمع الدولى لاخراج مصر من تلك الأزمة.

أخيرا:

نقولها مرة ثانية: هل عندكم حل سلمى آخر؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

الفصل السابع :   مصر: من القطط السمان الى عصر الحيتان

 

 تاريخ النشر: 2010-07-26

 

أولا :

إن ربك لبالمرصاد..

(1 ) في يوم الخميس 22 محرم سنة 448هـ تم عقد زواج الخليفة العباسي القائم بأمر الله علي الحسناء خديجة بنت أخي السلطان طغرلبك السلجوقى المتحكم في الخلافة العباسية، وكان الصداق مائة ألف دينار، وتم الزفاف في شهر شعبان، وقد أهداها الخليفة عباءة منسوجة بالذهب وتاجا مرصعا بالجواهر، ومائة ثوب حرير مرصعة بالذهب وطاسة كانت تحفة بديعة الصنع، قد صنعوها من الذهب ورصعوها بالياقوت والفيروز والجواهر، وبالإضافة إلي تلك الهدايا العينية أعطاها الخليفة ضيعة هائلة علي نهر دجلة يبلغ إيرادها السنوي اثني عشر ألف دينار .

(2 ) وفي نفس الوقت كان الفقراء يموتون من الجوع خارج قصور الخلافة، وقد ارتفع ثمن المحاصيل إلي أرقام مفزعة، فوصل أردب القمح إلي 90 دينارا بعد 20 فقط، وتحول أغلب الناس لقطع الطريق بسبب الجوع فاضطر الفلاحون لبيع محاصيلهم بأبخس الأسعار لمن يستطيع حمايتها .ثم ازداد ارتفاع الأسعار حتى وصل ثمن حفنة الأرز إلي دينار، وتحول الغلاء الى مجاعة كان فى مقدمة ضحاياها الفقراء ،فانتشر الموت بين الفقراء فكان يموت منهم كل يوم ألف إنسان ، ولم يعد أحد قادرا علي دفنهم ، فاضطر الخليفة والسلطان طغرلبك إلي تكفين 18 ألف إنسان خشية أن يفسد الهواء من رائحة الجثث ، فتصل رائحتها للقصور المعطرة الفارهة .

(3 ) ومع كثرة الموتى من الفقراء وتضخم الغلاء حتى ارتفع ثمن القمح إلي 190 دينارا وانتشار المجاعة فإن أمير المؤمنين العباسي القائم بأمر الله لم يهتم بما يحدث خارج أسوار قصوره، مع ان المحنة أصابت الأغنياء فى العام التالى 449 هـ ، فافتقروا، واضطر الأحياء لأكل الكلاب بل وأكل الموتي ، ثم أصاب السعار الجوعى من الناس فبدأ الناس يأكلون بعضهم .

وارتبطت المجاعة بالوباء، يقول ابن الجوزى في تاريخه "وشوهدت امرأة معها فخذ كلب ميت قد احضروها وهي تنهشه.. ورؤي رجل قد شوي صبية فأكلها، فقتل" وكان الفقراء يشوون الكلاب وينبشون القبور فيشوون الموتى ويأكلونهم).

كان الذي يشغل بال الخليفة القائم هو حملة صديقه السلطان طغرلبك علي الموصل وتكريت وقد نهبها وسبي نساءها ، ثم عاد منتصرا للخليفة فاستقبله الخليفة استقبالا حافلا ومعه الملأ والسادة الكبار، وقد سجل ابن الجوزى مراسيم ذلك الاستقبال في حوادث سنة 449 هـ التي شهدت أحداثا متناقضة، مجاعة ووباء وبؤسا بين الفقراء والجماهير ، ثم أفراحا ومآدب واستقبالات في الدوائر السلطانية الحاكمة.

(4 ) وارتفع الوباء والمجاعة سنة 450 هـ ولكن ظلت الدوائر الحاكمة علي جبروتها وغرورها، فأخذ الجنود يعتدون علي الناس في الطرقات والبيوت، وصاروا يخطفون العمائم من فوق الرءوس، وتفرغ الوزراء لاضطهاد خصومهم من الشيعة وأهل الذمة. وكان الخليفة غارقا في شهر العسل لا يزال، ولكنه أحس بالقلق حين ارتحل السلطان طغرلبك عن بغداد إلي الشرق ليصلح أموره مع أخيه ، فلما خلت بغداد من العساكر أصبح الخليفة وحيدا في مواجهة الجماهير الناقمة.

(5) وانتهز الفرصة العدو الأكبر للخليفة العباسى القائم وهو البساسيري، فدخل بغداد يوم الأحد 8 ذي القعدة سنة 450 هـ وانضم إليه العوام وقطاع الطرق أو (العيارون) والشيعة، وأعلن البساسيري انضمامه للفاطميين وخليفتهم المستنصر في القاهرة، وأعلن الدعوة الفاطمية في بغداد . وانهزم الخليفة العباسي وهرب، ودخل الجوعي قصوره ينهبونها. وأدرك الثوار الخليفة وهو يهرب ومعه الملأ وكبار قومه وحوله جواريه حاسرات شعورهن، فأخذ يرفع المصحف يستجير بالقائد العربي قريش زعيم البدو الذي تحالف مع البساسيري. ولم ير الخليفة بأسا فى أن يركع أمام القائد البدوى قريش يسترحمه بشهامة العرب ويرجوه ألا يسلمه إلي البساسيري، ويقول له "الله الله في نفسي، فمتي أسلمتني أهلكتني وضيعتني وما ذلك معروف في العرب"!!

(6) وحملوا الخليفة علي جمل إلي الأنبار، ثم إلي بلدة اسمها الحديثة، ثم حيث أقام مسجونا مدة عام، وفيها عرف التضرع لله تعالي، فأرسل استغاثة لله تعالي أوصلها بدوي إلي الكعبة، يقول فيها: "إلي الله العظيم من عبده المسكين ، اللهم إنك العالم بالسرائر والمحيط بمكنونات السرائر، اللهم إنك غني بعلمك وإطلاعك علي أمور خلقك عن إعلامي بما أنا فيه..."

( 7 ) وقبل ذلك ببضعة شهور كان السلطان طغرلبك يدخل علي الخليفة في حفل الاستقبال الرسمي الذي أعده له في عظمة متناهية، وقد ركع طغرلبك وسجد أمام الخليفة يقبل الأرض دفعات وفقا للبروتوكول العباسي في عبادة الخليفة... وكانت المآدب حافلة بما لذ وطاب من الطعام والشراب بينما يأكل الناس بعضهم بعضا من الجوع ، ومن نجا من الموت جوعا لم ينج من الوباء أو من جائع يأكل لحم البشر . ومرت الأيام وعرف الخليفة الذل والجوع، ورأي العوام ينهبون قصره ويأخذون منه ما يتعذر حصره من الديباج والجواهر واليواقيت .

( 8 ) وكانت أم الخليفة قد هربت وقاست الجوع والفقر فاضطرها الجوع لأن تكتب للبساسيري رسالة تشرح له فيها ما لحقها من الأذى والفقر، ووصلت الرسالة إلي البساسيري في محر م 451 هـ فاستحضرها وكانت في التسعين من عمرها وأكرمها .. وقد ماتت سنة 452هـ ..

( 9 ) إن الإنسان ضعيف ، ويزداد ضعفه أكثر عندما يغتر بالدنيا ومواكبها ، ويأخذ ما ليس حقا له ، وينسي أن الله تعالي يمهل ولا يهمل ، وأنه جل وعلا للظالمين بالمرصاد ، حتي لو كانوا يرفعون لواء الإسلام ويدعون أنهم الخلفاء وأمراء المؤمنين ..

ثانيا :

آه ..يامصر ..!!

1 ـ كتبت هذا المقال فى سلسلة (قال الراوي) الذى ظلت جريدة الأحرار تنشرها عدة أعوام، وكان هذا المقال قد نشر عام 1993 حسبما أذكر. كتبته بنصف لسان وبنصف قلم، فقد كان الضغط الأمنى يلاحقنى مهددا بالاعتقال، مع ضغط الاخوان المسلمين المتحالفين مع حزب الأحرار وقتها والذين يريدون منعى من الكتابة فى جريدة الحزب، لولا إصرار رئيس تحريرها الاستاذ وحيد غازى بالتمسك بى حرصا على مصلحة الجريدة نفسها ومحافظة على الخط الليبرالى للحزب والجريدة. وبعدها بعدة أشهر حدث انقلاب فى الحزب والجريدة بدخول مصطفى بكرى، فتركت الجريدة وانتفلت كاتبا فى (العالم اليوم).

2 ـ كنت ألاحظ بقلق تصاعد وتيرة الفساد فى مصر وتنامى العلاقة بين أعمدة النظام ومن كان يطلق عليهم القطط السمان ، وقد تحولوا من قطط فى عصر السادات الى بقرات سمان فى أوائل التسعينيات فى حكم مبارك .

استدعى هذا ظهور مقالات للوعظ تستلهم خفايا التاريخ لتحذر وتنذر بلهجة حانية، لعل وعسى . ولم تفلح الكتابات الحانية او الحانقة لأن الفساد أصبح العمل اليومى والحقيقى للنظام، وبعد أن كانت القطط السمان ثم البقرات السمان يلعبن فى الفناء الخلفى للنظام، تحولت البقرات الى حيتان تعمل جهارا نهارا فى واجهة النظام، وتتولى الحكم علنا تحتكر السلطة والثروة، وتستخدم التعذيب والقهر والارهاب لاسكات الأحرار حتى تتمتع الحيتان بنهش ما تبقى من الجسد المصرى دون ان يعكّر صفوها أحد.

3 ـ الآن وبعد هذا المقال بسبعة عشر عاما أقرأ هذا المقال فى المنفى فأتحسر على زمن البؤس فى التسعينيات حين كان الموظف الشريف يستطيع تذوق اللحم مرة كل شهر، أما الآن فعلى فرض وجود هذا الموظف الشريف على قيد الحياة دون ان ينتحر أو أن يندثر فكيف يشترى كيلو اللحم وقد تجاوز الخمسين جنيها ؟

أقرأ عن البلايين التى تنفقها القلة المترفة على استيراد المخدرات والفياجرا ولحم الطاووس و ورق العنب والآيس كريم، كما أقرأ عن تزايد معدلات الانتحار بين الجوعى من الناس المستورة الذين هتك الجوع والحاجة و الفقر أعزّ ما كانوا يمتلكون وهو الستر والقناعة والرضا بالقليل، فاصبح القليل صفرا معدوما ،فلم يبق لهم رصيد من الأمل يحيون به ففروا من هذه الدنيا بكرامة تاركين اياها للمتخمين المترفين.

الآن، وقد هوت مصر الى الحضيض فى ظل هذا الرجل العجوز المريض فما الذى ينتظرها بعده؟

4 ـ أعيد بالتذكير بما قاله الكاتب الراحل خالد محمد خالد فى جريدة الوفد من ربع قرن، وفى أوائل حكم مبارك.

خالد محمد خالد ـ لمن لا يعرف ـ هو داعية الديمقراطية المشهور من قبل الثورة، وهو الذى هجر الاخوان تمسكا بالديمقراطية، وهو الذى جرؤ على مناقشة عبد الناصر علنيا فى لقاء على الهواء مناديا بالديمقراطية، فأحرجه، وتسبب هذا فى قطع الصلة بينهما، وتعرض بعدها للاضطهاد فاعتزل يكتب فى صمت، ثم عاد يكتب فى الصحف مبشرا بالديمقراطية فى عصر السادات، ثم ظنّ الخير فى مبارك حين تولى فأخذ يكتب يدعوه للتحول الديمقراطى ليكتسب ميزة تاريخية يتفوق بها على سابقيه عبد الناصر والسادات. لم يلق إلا الاعراض. ولا نعرف أكثر من ذلك، ولكن الذى نعرفه ولا زلت أتذكره أنه كتب مقالا أخيرا فى هذا الموضوع ينهى به حملته فى الدعوة للديمقراطية تحت عنوان:(استمتعوا بالسىء فإن الأسوا قادم). قالها نبوءة فى أواخر الثمانينيات وتحققت بعد أن مضى الى رحمة الله جل وعلا. وعشنا الأسوأ فى التسعينيات بعد رحيله.

5 ـ ماذا يقال اليوم بعد أن تحققت نبوءة الاستاذ خالد محمد خالد بدرجة ربما لم يتوقعها خالد نفسه؟ وماذا يخبئه الغد لو انتفضت مصر بالثورة ثم الى حرب اهلية تصعد بالاخوان للحكم فتهبط مصر من الحضيض الى أسفل سافلين؟

لم يعد سوى الاستعانة برب العزة جل وعلا، فهو خير حافظا وهو أرحم الراحمين..

أخيرا

خير الكلام:

(هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الأُولَى أَزِفَتِ الآزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ) (النجم 56 ـ ).

ودائما : صدق الله العظيم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(وعظ السلاطين من الخلفاء الفاسقين الى ( حسنى مبارك ) اللعين)
مقالات تمت كتابتها ونشرها قبيل الثورة على مبارك . وتم تجميعها فى هذا الكتاب فى فبراير 2016 .
more