رقم ( 5 )
الباب الرابع : هجص الخضر فى العصر العثمانى

الباب الرابع : هجص الخضر فى العصر العثمانى

 الفصل الأول : هجص الخضر فى هجص الشعرانى  (898 – 973 ) 

الفصل الثانى :  هجص الخضر فى كتاب (الميزان الخضرية ) للشعرانى

مقالات متعلقة :

  

الفصل الأول : هجص الخضر فى هجص الشعرانى  (898 – 973 ) 

أولا :

1 ــ الامام الشعرانى ـ فى نظرى ـ أكبر هجّاص ـ بين أئمة الأديان الأرضية المحمديين من سنيين وشيعة وصوفية . تسيد بمؤلفاته الكثيرة العصر العثمانى ، وجمع بين إمامة السنيين والصوفية فى دين التصوف السنى ، وكالعادة إستخدم إمامته فى إخضاع الدين السنى لدين التصوف . وقد ركب الإثنين معا ـ ليس فقط لعلمه بالسنة والتصوف وسيطرة الجهل على عصره وخضوعه لخرافات وهجص الكرامات الصوفية ، بل لسبب أهم ، وهو أنه كان ــ فى نظرى أيضا ـــ اكبر كذاب فى تاريخ المحمديين الفكرى ، كان إعجوبة فى الكذب . هذه محصلة معايشة لكل مؤلفاته استمرت سنتين من رحيق الشباب . دعنا نقل  إنه  كان لا يكذب إلا فى ثلاث حالات فقط : عندما يتكلم وعندما يكتب وعندما يصمت .!! فى هذه الحالة من الهجص لا بد أن ينال ( هجص الخضر ) عناية خاصة . وهذا ما نُلمح اليه هنا .

2 ـ على أن الشعرانى ــ هذا الكذاب الأثيم ــ  كان صادقا رغم أنفه . كان صادقا فى التعبير عن عصره . فلولا أن عصره كان يصدق كل هذا الهجص ما تجرأ وقال هذا الهجص .!  بل إن شهرته وتقديس الناس له كان بسبب تفرده بهذا النبوغ فى الكذب ، إذ صدقوه فى كل ما هجص قاله عن نفسه وعن الآخرين ، بدءا فى تأريخه لرواد التصوف  فى " الطبقات الكبرى " الى ( الخضر ) وشيوخه الصوفية فى اواخر العصر المملوكى . العجيب أنه  لم يكتف بالكتابة فى هجص مناقبهم وفضائلهم المزعومة بل كتب فى مناقب نفسه ومدح نفسه وهجص كراماته فى مجلد ضخم منشور بعنوان ( لطائف المنن ) . ثم لا يزال ـ حسب علمى ـ من المخطوطات ـ كتاب ( لطائف المنن الصغرى ) و ( لطائف المنن الوسطى ) فى هجص مناقبه أيضا .

3 ـ والشعرانى فى كتابته عن ( هجص الخضر ) قد تابع من سبقه من الصوفية وخالف من سبقه من السنيين . السنيون فى كتابتهم عن هجص الخضر مالوا الى موته وعدم خلوده حيا ، لذا تندرج كتابتهم عنه فى الإطار التاريخى ، أى كتبوا عنه كشخصية تاريخية . أما الصوفية الذين يعتقدون حياته الأزلية ويزعمون لقاءه والحديث معه فقد كانوا يتخذون من شخصيته المصنوعة بوقا يقيمون من خلاله حفلات تكريم لأنفسهم بأن يسندوا للخضر عبارات  المدح لأنفسهم ولأشياخهم ، ثم ينسبون له أقوالا فى المواعظ الصوفية . وقد تعرضنا لطرف من ذلك فيما سبق . وكان أبو حامد الغزالى من رواد هذا الإفك ، ثم بعده بأكثر من خمسة قرون نسج الشعرانى على منواله.

4 ـ وكثيرة هى المواضيع التى أورد فيها الشعرانى الحديث عن خضر ، ولكنه أفرد كتابا خاصا زعم فيه أنه إلتقى الخضر ، ونقل عنه أن الخضر قال له  كذا وكذا . إنه كتاب ( الميزان الخضرية ) وقد كان مخطوطا بدار الكتب المصرية ، وقد عثرت عليه عام 1975 حين كنت أجمع المادة العلمية لرسالة الدكتوراة عن اثر التصوف فى مصر المملوكية . وقد نقلته وقتئذ . ولا أعرف هل تم تحقيقه ونشره فيما بعد ـ أم لا . وسنتوقف مع الميزان الخضرية فى المقال القادم . ونخصص هذا المقال لأمثلة لهجص الشعرانى فى كتابه ( الطبقات الكبرى ) :

ثانيا : فى الطبقات  الكبرى للشعرانى :

1 ـ للشعرانى ( الطبقات الكبرى ) وفيه يترجم لشيوخ الصوفية من الرواد الأوائل الى عصره ، ثم أتبعه بالطبقات الصغرى الذى ترجم فيه للمتأخرين من شيوخ العصر المملوكى وأوائل العصر العثمانى  ، وهما منشوران .

فى ( الطبقات الكبرى ) جعل الشعرانى مشاهير الأعلام السابقين ضمن الصوفية ، ولم يسند لهم الكثير من الكرامات بينما أسرف فى تمجيد وتقديس شيوخ الصوفية الذين أدركهم ، ومنحهم الكثير من الكرامات ، وكان ينقل أحيانا عن الرسالة القشيرية وطبقات الصوفية لعبد الرحمن السلمى ، ثم يزيد من عنده هجصا شعرانيا يخترعه إختراعا . وكم تمنينا لو أن لدينا وقتا لتحليل الهجص فى هذا الكتاب ( الطبقات الكبرى للشعرانى ) . وننقل من هذا الكتاب بعض المواضع الى ذكر فيها الخضر ولقائه المزعوم بالأولياء الصوفية (أولياء الشيطان ) .

2 ـ  يزعم الشعرانى أن ( الفضيلبنعياض) قال  (دخلتدارييوماًفإذارجلجالسفيالدارفقلتله:كيفدخلتداريبغيرإذني؟  فقال: أناأخوكالخضر.  فقلت:  ادعاللهتعالىلي. فقالعليهالسلام:هوّنالله عليكطاعته.  فقلتزدني،فقال:  وسترهاعليك،) (  وكانرضياللهعنهيقول: دخلتداريمرةفرأيترجلاطويلاقائماًيصلي ، فراعنيذلكلأنالمفتاحكانمعي.  فسلممنصلاته،  ثمقاللي:  لاتفرغأناأخوكالخضر.  فقلتله: علمني شيئاًينفعنياللهبه.  فقال:  قلأستغفراللهعزوجلوأسألهالتوبةمنكلذنبتبتمنهثمرجعتإليه..)

 ويزعم أن إبراهيمبنأدهم قال (  اجتمعتبالخضرعليهالسلامفقدمليقدحاً أخضرفيهرائحةالسكباجفقاللي:  كلياإبراهيم .فرددتهعليه.فقال: إنيسمعتالملائكةتقولمنأعطى فلميأخذ،سألفلايعطي . )

ويزعم أن سهل بن عبد الله  قال :  ( يقول: اجتمعتبشخصمنأصحابالمسيحعليهالصلاةوالسلامفيديارقومعاد،  فسلمتعليه،  فرد عليالسلام،فرأيتعليهجبةصوففيهاطراوة،فقاللي: إنها عليّمنأيامالمسيح.  فتعجبتمنذلك ، فقال :  ياسهلإنالأبدانلاتخلقالثيابإنمايخلقهارائحةالذنوب،ومطاعمالسحت. فقلتله:  فكملهذه الجبةعليك؟ فقال :  لهاعلىسبعمائةسنة.  فقلتله: هلاجتمعتبنبينامحمدصلىاللهعليهوسلمفقال: نعم وآمنتبهحينآمنبهالجنالذينأوحىإليهفيحقهم"قلأوحيإلىأنهاستمعنفرمنالجن" . قلت:ومن هناكانالخضرعليهالسلاملاتبلىلهثيابلأنهلايعصياللهتعالىولايأكلحراماًوكمالايبلىلآكل الحلالثيابفكذلكلايبلىلهجسمبعدموته،  كماوقعلبعضالأولياءوجدناهطرياًكماوضعناهبعد سنين. ) .

وفى ترجمة : (  أبوالحسينأحمدبنأبيالحواري )  ( يقول:  علمنيالخضرعليهالسلامرقيةللوجعفقال: إذاأصابكوجعفضع يدكعلىالموضعوقل: "وبالحقأنزلناهوبالحقنزل"،"الإسراء: 105 " فلمأزلأقولهاعلىالوجع فيذهبلساعته. )

 ويقول فى ترجمة :(  أبوإسحاقإبراهيمبنإسماعيلالخواص)  ( كان يقول: لقيتالخضرعليهالسلامفيباديةفسألنيالصحبةفخشيتأنيفسدعليتوكليبالسكونإليه ففارقته. ) (  وكانيقول: عطشتفيباديةفيطريقالحجاز،فإذابراكبحسنالوجهعلىدابةشهباءفسقانيالماءوأردفنيخلفه،ثمقال: انظرإلىنخيلالمدينة،فانزلواقرأعلىصاحبهامنيالسلاموقلأخوكالخضريقرأعليكالسلام.)

وفى ترجمة عبد القادر الجيلانى ، يقول الشعرانى : ( ومنهمأبوصالحسيديعبدالقادرالجيليرضياللهتعالىعنه .. وكانالشيخعبدالقادررضياللهعنهيقول : أقمتفيصحراءالعراق،وخرائبه خمساًوعشرينسنةمجرداًسائحاًلاأعرفالخلقولايعرفوني، يأتينيطوائفمنرجالالغيب والجان أعلمهمالطريقإلىاللهعزوجل.ورافقنيالخضرعليهالسلامفيأولىدخوليالعراق،وماكنتعرفته،وشرطأنلاأخالفهوقاللياقعد هنافجلستفيالموضعالذيأقعدنيفيهثلاثسنينيأتينيكلسنةمرةويقوللي:  مكانكحتىآتيك )

 ويقول الشعرانى : ( ومنهمالشيخعليبنوهبالسنجاريرضياللهتعالىعنه . وكانرضياللهعنهيقول: حفظتالقرآنالعظيموأناابنسبعسنينثماشتغلتبالعلم،وكنتأتعبدفي مسجدبظاهرالبريةفبينماأنانائمليلةرأيتأبابكرالصديقرضياللهعنهفقال: ياعليأُمرتأن ألبسكهذاالطاقية،وأخرجمنكمهطاقيةووضعهاعلىرأسي. ثمجاءنيالخضرعليهالسلامبعدأيام وقاللي :ياعلياخرجإلىالناسينتفعوابك.فتثبتفيأمري.  ثمرأيتأبابكرالصديقرضياللهعنهفي النومفقاللي:كمقالةالخضرعليهالسلام، فاستيقظت،وتثبتفيأمري.  ثمرأيترسولاللهصلىاللهعليه وسلمفيالليلةالثالثةفقالليكمقالةالصديقرضياللهعنهفاستيقظت،وعزمتعلىالخروج،ونمتفي آخرالليلمنليلتيتلكفرأيتالحقجل،وعلافقاللي: ياعبديقدجعلتكمنصفوتيفيأرضي، وأيدتكفيجميعأحوالكبروحمني،وأقمتكرحمةلخلقيفاخرجإليهم،واحكمفيهمبماعلمتكمن حكمي،وأظهرلهمبماأيدتكبهمنآياتيفاستيقظت،وخرجتإلىالناسفهرعواإليمنكلجانب .).الهجص هنا يهبط الى أحط درجات الكفر.

 ويقول الشعرانى : ( أبوسعيدالقلوريرضياللهعنه .. هومنأكابرالعارفين،والأئمةالمحققينصاحبالأنفاسالصادقة،والأفعالالخارقة،والكرامات والمعارف،وكانيفتيببلده،وماحولها،وكانيتكلمبقلوريةعلىعلومالشرائع،والحقائقعلىكرسي عال،وقصدبالزياراتمنسائرأقطارالأرض.  ..وكانالخضرعليهالسلاميأتيهكثيراً....  ودُعيمرةإلىطعام هو،وأصحابهفمنعهممنأكلذلكالطعام،وأكلهوحدهفلماخرجواقاللهم: إنمامنعتكممنأكله لأنهكانحراماًثمتنفسفخرجمنأنفهدخانأسودعظيمكالعمود،وتصاعدفيالجوحتىغابعن أبصارالناسثمخرجمنفمهعمودنار،وصعدإلىالجوحتىغابعنالنظرثمقالهذاالذيرأيتموه هوالطعامالذيأكلتهعنكم،رضياللهعنه.). هنا هجص مضحك .

وننتقل بعده الى هجص مُقرف.

يقول الشعرانى :( ومنهمأبوالشيخعبداللهالقرشيرضياللهعنهورحمه ... وكانرضياللهعنهكثيراً مايجتمعبالخضرعليهالسلام،وكانيطبخطعامالقمحكثيراًفقيللهفيذلكفقالرضياللهعنه: إن الخضرعليهالسلامزارنيليلةفقال: اطبخليشوربةقمحفلمأزلأحبهالمحبةالخضرعليهالسلاملها ..وكانرضياللهعنهيشترطعلىأصحابهأنلايطبخوافيبيوتهم  إلالوناًواحداًحتىلايتميزعلىأحد . فاتفقأنأحدأصحابهقاللزوجته:  ماتشتهيحتىنشتريهتطبخيه؟ فقالت: شاوربنتك.  فقاللابنته: أي شيءتشتهين؟  قالت:ماتقدرعلىشهوتي.!  فقال: بلأقدرعليهاولوتكونبألفدينار،فقال:لابد تخبريني .فقالت:  تزوجنيللقرشي. !  وكانالشيخرضياللهتعالىعنهأعمىأجذملاترضىبمثلهالنساء . قال: فجئتإلىالقرشيوأخبرته.  فقال: اطلبواالقاضيفجاءالقاضي،وعقدواعليها،وأصلحواشأ نها ، وأحضروهاعندالشيخ.  فلماخرجتالنسوةدخلالشيخإلىالمرحاض،وخرجوهوشابجميلالصورة أمردبثيابحسنةوروائحطيبةفسترتوجههامنهحياءفقال: لاتستريأناالقرشي.!  فقالت: ماأنت القرشي.  فحلفلهاباللهتعالىفقالتله: ماهذاالحال؟  فقاللها: أبقىمعكعلىهذاالحال،ومعغيرك علىتلكالحالة،ولكنلاتخبريبذلكأحداًحتىأموت. فقالت: نعم. ثمقالت :بلأختارحالتكالتي تكون فيهابينالناسمنالجذام،والبرص،والعمى.فقاللها: جزاكاللهخيراً. فلمتزلمعهعلىتلكالحالة،  وكانيضعشيئاًتحتثيابه،وأقدامهينزلفيهالصديد،  فكانترضياللهعنهاإذاخرجتمنالحمام جاءتفشربتذلكالصديدعوضاًعنالماء.  فلماقبضالشيخرضياللهعنهحكتللناسأحواله ، وكانتحرمتهابينالفقراءكحرمةالشيخفيحالحياته. ) .

 

الفصل الثانى :  هجص الخضر فى كتاب (الميزان الخضرية ) للشعرانى   (898 – 973 )    

 

مقدمة:

 كتاب : ( الميزان الخضرية )  ينقسم الى محورين : كلام عن الخضر وحياته ، والثانى : الآراء التى زعم الشعرانى أن الخضر علّمها للشعرانى . ونعطى لمحة عنهما ، ونترك للقارىء الحكم على هجص الخضر فى هذا الكتاب ( الميزان الخضرية ) للشعرانى .

 

أولا :

العلم اللدنى ( الفقهى ) الذى عم الشعرانى أنه تلقاه عن الخضر  فى المنام :

1 ـ يقول الشعرانى أنه كتب ( الميزان الخضرية ) من تعليم الخضر له فى المنام ( ص 17 )

2 ـ ويقول الشعراني :  ص 7  ،  أنه توجه إلى الله ( جل وعلا ) سائلا أن يجمعه على أحد عنده علم بالميزان  الذي يجمع من الأقوال والمذاهب المتعارضة فى الفقه ، يقول : ( فمنّ الله تعالى  ، وتفضل وأجاب سؤالي ، وجمعني على سيدنا ومولانا أبى العباس الخضر عليه الصلاة والسلام ، وذلك فى سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة ،  بسطح جامع الغمرى ، حين كنت ساكنا فيه ، فشكوت إليه حالي،  فقلت له  :" أريد تعلمني يا نبي الله ميزانا أجمع بها بين مذاهب المجتهدين ومقلديهم واردها كلها إلى الشريعة."  فقال عليه الصلاة والسلام  : "" ..افتح عين قلبك . "  فقلت له : " نعم " . فقال : " أعلم يا ولدى أن الشريعة المطهرة  قد جاءت من حيث الأمر والنهى على مرتبتين : تخفيف وتشديد لا على مرتبة واحدة ومثلها. "  3 ــ  وفى ص 9 : 10 : يزعم الشعرانى أن الخضر نصحه بان يسلك طريق الرياضة على يد شيخ متضلع فى علوم الشريعة والحقيقة حتى يوقفه على عين الشريعة ( فقلت له : لا أجد أحدا أعلم منكم .! فقال عليه الصلاة  والسلام : " هات يدك وغمض عينيك " فسار بى فى الغيب حتى أوقفني على عين الشريعة المطهرة ..فلما أخبرته  بذلك سُرّ عليه الصلاة والسلام فقال : عرفت فألزم.  !)

4  ـ أى أن الشعرانى ــ بعد أن اصبح الامام الأكبر للصوفية والسنيين فى العصر العثمانى ــ يؤرخ كاذبا لنفسه ، وبأثر رجعى ، يزعم أنه تلقى العلم اللدنى من الخضر ، وحدّد الزمان والمكان ، ووقتها ـ فيما يزعم ـ كان فى الثالثة والثلاثين من العمر ، يسكن مريدا فى جامع شيخه الغمرى ، لم يحصل على شهرته اللاحقة بعد ، ولم يؤسس مسجده ( مسجد الشعرانى ) الذى أصبح علما على المنطقة فى القاهرة ، وسُمى الحى على إسمه ( باب الشعرية ) . الشعرانى يزعم أنه تعلم من الخضر ليس علم الصوفية ولكن ( ميزان ) الشريعة السنية . وإتخذ الشعرانى من هذا الكذب طريقا يتفوق به على أقرانه وشيوخه فى أوائل العصر العثمانى   . وتحقق له ما يريد ، إذ ظل بهذا الافتراء الذى حشا به مؤلفاته الكثيرة صاحب التأثير الأكبر على العصر العثمانى . ثم كان أن فضحناه فى أواخر القرن الماضى فسقطت مكانته الفكرية وأصبح مثارا للسخرية . واذكر أن مكتبة ( صبيح ) بجوار الجامع الأزهر ـ والتى كانت تتخصص فى نشر كتب الشعرانى ـ أصبحت لا تبيع كتبه إلا لم تثق فيهم من الصوفية ، تحرجا من موجة الاستهزاء التى نشرتها عن أقواله ومؤلفاته فى الفترة ( 1977 : 1984 ).

5 ـ عن الانفراد بالتفوق على الفقهاء ، وفى ص  17   يقول الشعرانى عن كتابه ( الميزان ) : ( فأنى قد انفردت بها من بين أقراني فى مصر وقراها ، فلا اعلم لي مشاركا فيها . وتقدم عن الخضر عليه الصلاة والسلام أنه قال  : لم يسبق منى تعليمها لأحد قبلك .) . وأكد هذا فى ص 50 ، أنه أطلع شيخه عليا الخواص على كتاب الميزان فقال له الخواص : ( يا ولدى هذه خصيصة خصك بها الخضر .)

6 ـ الشعرانى الأفّاق الأفّاك قال كلاما من عنده وزعم انه تعليم الخضر له . مع ان ما قاله سبق أن كرره فى مؤلفات له فقهية . وليس فيه جديد ، هو نوع آخر معتاد من الهجص الفقهى ، يخرج عن موضوعنا .

ثانيا :

 هجص الشعرانى عن الخضر حيا  فى ( الميزان الخضرية ):

  كرر فى ( الميزان الخضرية ) نفس الهجص وننقل منها فقرات من ( ص 13 : 18 ).   : 

1 ـ عن حياة الخضر ومن التقى به من شيوخ الصوفية يقول تحت عنوان :( نبذة من أحوال سيدنا ومولانا أبى العباس الخضر عليه الصلاة والسلام : أذكر فيها عدة جماعة من الأولياء الذين اجتمعوا به إلى عصرنا هنا ، وأبين منها نبذة من صفاته وملبسه وأكله ، وأنه لا يأتي لأحد فى المنام أو يقظة إلا معلما له لا متعلما ، لأنه غنى عن علم العلماء مما أعطاه الله تعالى من لدنه ) . ( فأقول وبالله التوفيق : قد أجمع أهل الكشف قاطبة على حياة الخضر عليه السلام إلى وقت اجتماعنا به. ومن أخبر أنه أجتمع به وصافحه أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وقال قلت له: يا نبي الله  أوصنى فقال : يا عمر إياك أن تكون وليا لله تعالى فى العلانية وعدوا له فى السر انتهى . ومنهم ذو النون  المصري اجتمع به مرات وعلمه اسم الله الأعظم . ومنهم ابوعبدالله البسرى كان يذكر أن الخضر بأنه فى داره . ومنهم الشيخ عبدا لرازق اجتمع بالخضر مرات لما كان الخضر يحضر مجلس وعظه وعلمه الخضر : " أن كل من واظب على قراءة آية الكرسي وآخر سورة البقرة وشهد الله أنه لا إله إلا هو وقل اللهم مالك الملك الآيتين عقيب كل صلاة صبح  حفظ الله عليه الإيمان حتى يلقى ربه عز وجل" . حكاه الشيخ عبدا لغفار القوصى  رحمه الله تعالى. ومنهم إبراهيم الخواص وأبو يزيد البسطامى وإبراهيم بن أدهم . وكذلك كان ممن كان يجتمع به كثيرا الشيخ محيي الدين بن العربى  قال: " أخذ على الخضر عليه السلام العهد بالتسليم لمقالات الشيوخ وألبسنى خرقة الصديقية تجاه الحجر الأسود . " . وكذلك كان ممن يجتمع به الشيخ الكامل أبوعبدالله القرشي من أكابر مشايخ مصر..وأجمع أهل الكشف قاطبة على حياة الخضر إلى وقت اجتماعنا به وقد أجتمع بعمر بن عبدا لعزيز وأبى عبدا لله البسرى والشيخ عبدا لرازق وإبراهيم الخواص وأبى يزيد البسطامى وابن عربى وأبى عبد الله القرشي والشاذلي والمرسى وياقوت العرشى . وكذلك ممن يجتمع به كثيرا الشيخ الكامل أبو الحسن الشاذلي والشيخ أبو العباس المرسى والشيخ ياقوت العرشى . وكان الشيخ أبو الحسن  يقول : أكره للفقهاء خصلتين قولهم بموت الخضر وقولهم بكفر الحلاج . وكان أبو العباس المرسى رضي الله عنه يقول : صافحت الخضر بيدي هذه فوق ثلاثمائة مرة . وكان الشيخ ياقوت رحمه الله يقول :  طلبت مرة أجمع لفقير شيئا من الدنيا فقال لي الخضر : يا ياقوت إن الله يفقر عيده  لحكمة .  فتركت ما كنت عزمت عليه ، وممن سمعنه يذكر اجتماعه به من أهل عصرنا سيدي على الضرير النبتيتى وأخبرني أنه سأل الخضر عن علماء مصر فى عصره فصار يقول ونعم من فلان حتى سأله عن الشيخ زكريا وقال ونعم منه إلا أن عنده نفيسة قال فقلت له : وما هي فقال : إذا كاتب الأمراء يقول فى كتابه من الشيخ زكريا إلى فلان فيلقب نفسه بالشيخ قال فأعلمته بذلك فترك هذه اللفظة   انتهى . وكذالك من اجتمع به على الخواص وأخي أفضل الدين وسيدي محمد المنير بإخبارهم لي عن ذلك ، وحاشا أولياء الله تعالى أن يخبروا عن بخلاف الواقع  . وقد نقل اليافعى إجماع القوم على حياته إلى أيام الدجال فأعلم ذلك .)

2 ــ وعن مكانته بين النبوة والولاية الصوفية يقول : ( وأما مقامه عليه الصلاة والسلام فهو دون مقام النبوة وفوق مقام الصديقين كما اخبر بذلك عن نفسه،  فهو مقام برزخي له وجه إلى النبوة  ووجه إلى الولاية. فلذلك كان العارفون يصلون على الخضر عليه الصلاة والسلام تارة ويقولون رضي الله عنه تارة .

3 ـ وعن شروط الاجتماع به يقول : ( وأخبرني سيدي على الخواص رضي الله عنه أن للاجتماع بالخضر عليه الصلاة والسلام ثلاثة شروط  من  لم تجتمع  عنده لا يجتمع به ولو كان على عبادة الثقلين. الأول: أن يكون أن يكون على سنة لا يتدين ببدعة ، الثاني  :أن لا يكون له حرص على الدنيا فلو خبأ عنده رغيف إلى غد لم يجتمع به . الثالث أن يكون سليم الصدر للمسلمين، فلا يكون فى قلبه غل ولا حسد ولا كبر على أحد منهم . قال: "وكان أبو عبد الله اليسرى احد رجال رسالة القشيرى يجتمع به كثيرا ، فوقع انه قال لزوجته ضعي هذا الدرهم إلى غد فانقطع عن رؤيته إلى أن مات . ثم رآه فى المنام من بعد فقال له : ما ذنبي أما علمت أنا لا نصحب من يخبئ رزق غد  انتهى .

4 ـ وعن صفته ومظهره يقول : ( وأما صفته وصفة ملبسه:  فهو رجل مهيب أبيض اللحية مطرق الرأس على الدوام عليه إزار ورداء من صوف لا يخلقان ( يعنى لا يصيبهما القدم بمرور الأيام ) خصوصية من الله تعالى له حيث أطال عمره . وقال بعضهم الحكمة فى ذلك عدم العصيان فإن من لا يعصى لا يخلق له ثياب . وما  ورد من ترقيع  الأنبياء ثيابهم فهو محمول على أنها تمزقت من جذب الجهاد والحيطان والأشجار . انتهى.

5 ـ وعن طعامه يقول : ( وأما طعامه عليه الصلاة و السلام فتارة يكتفي بالتسبيح  وذكر الله عز وجل ، تارة يتغذى بنسيم الاسحار وتارة يأكل كآحاد الناس . وكان أبو عبد الله القرشي يقول زاراني الخضر عليه الصلاة والسلام فلم أزل أحب طبيخه من حين علمت انه يحبه حين طبخه له .

6 ـ وعن علمه اللدنى يقول : ( وأعلم  يا آخى أن الخضر عليه الصلاة والسلام لا يجتمع بأحد   من الأمة إلا معلما له ، ما لم يكن عنده علم ، ولا يستفيد هو علما من احد لأنه غنى عن علم الاستنباط  لما أعطاء الله الحق سبحانه وتعالى  من العلم اللدنى. )

7 ـ وعن وقت الاجتماع به ، يقول : (  ثم أنه  لا يجتمع بأحد من المريدين يقظة إنما يجتمع به فى المنام. ) ويعلل ذلك لأن المريد لا يتحمل الصبر : ( يعجز المريد من الصبر عن صحبته فى اليقظة بخلاف كل العارفين يجتمع بهم فى اليقظة ويعلمهم من العلم ما لم يكن عندهم . وأنا  ممن اجتمع به فى المنام جاء تعليمه لي فى هذه الميزان فاعلم ذلك فانه نفيس .).

أخيرا :

كل الأديان الأرضية مبنية على الكذب والافتراء . ليس فى هذا عجب . العجب فيمن يصدقها ويؤمن بها .!

كتاب ( الخضر بين القرآن الكريم وخرافات المحمديين )
هذا الكتاب
بدأ الأمر بسؤال من استاذة جامعية قرآنية عن قتل العبد الصالح للغلام فى قصة موسى ، فكتبت مقالا بعنوان ( وما فعلته عن أمرى ) ، ثم توالت أسئلة فتوالت المقالات تحت عنوان ( تدبر قرآنى فى قصة موسى والعبد الصالح ) . ثم جاءت فكرة متابعة الموضوع ، ليكون كتابا عن الخضر بين القرآن الكريم وخرافات المحمديين . يكون فيه ما سبق نشره من المقالات هو الباب الأول من الكتاب . ثم يكون الباب الثانى عن صناعة اسطورة الخضر فى العصر العباسى الثانى بين السنيين والصوفية ، ثم تطور هذه الصناعة للخضر فى العصر المملوكى فى الباب الثالث ثم فى العصر العثمانى فى الباب الرابع . ثم الخاتمة.
more