رقم ( 3 )
التمهيد : المرأة بين الاسلام وأديان المسلمين الأرضية

التمهيد : المرأة بين الاسلام وأديان المسلمين الأرضية  

1 ــ  هناك فارق بين دين الإسلام و وأديان المسلمين الأرضية          

( دين ) الإسلام نزل كتابا سماويا على كل الرسل والأنبياء بألسنتهم ، ثم نزلت الرسالة الخاتمة للبشرية جميعا بلسان عربى هو القرآن الكريم ، المحفوظ من لدن الله جل وعلا الى قيام الساعة . دين الله ( الاسلام ) مصدره من الله جل وعلا ، صاحبه هو الله تعالى ، يقول جل وعلا : (وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ ) النحل  52) ، فخالق السماوات والأرض ومن يملك السماوات والأرض  هو الذى يملك الدين له وحده خالصا . وقد خلق البشر أحرارا فى الايمان أو الكفر ، فى الطاعة أو المعصية ، وانزل الرسالات السماوية بدين الاسلام بكل لسان لكل نبى وقومه ، وقد جعل رب العزة يوما ل ( الدين ) هو ( يوم الدين ) وعلى أساسه سيحاسب الله تعالى الناس يوم الدين أو يوم الحساب .

وكالعادة ، وبعد كل رسالة سماوية لا يلبث الناس أن يصنعوا أديانا أرضية ينسبونها  زورا وبهتانا لرب العزة عبر وحى كاذب . وهذه الأديان الأرضية تعبر عن أهواء صانعيها . وإذا كان دين الله جل وعلا ينزل وحيا الاهيا من رب العزة جل وعلا لاصلاح البشر، فإن اديان البشر الأرضية تنبع من أهواء البشر لإفساد البشر وتكريس الظلم والفساد فى الأرض ، وإقامة دول إستبدادية تمتطى الدين الأرضى وكهنوته ، أو يقوم الكهنوت الأرضى نفسه بالحكم فى دولة دينية تزعم التحكم فى الناس باسم رب الناس ، ليس فقط  فى الدنيا بل الآخرة أيضا . وهذا أفظع ظلم لرب العزة جل وعلا.

ولأن الدين الأرضى يعبر عن أهواء صانعية ويتأثر بظروفهم الجغرافية والتاريخية فإن من الطبيعى وجود شقاق بين تلك الأديان الارضية حتى مع زعمها الانتساب الى دين سماوى واحد . ترى هذا فى الأديان الأرضية للمسيحيين الذين ينسبون أنفسهم الى المسيح عليه السلام زورا وبهتانا . هم مختلفون ، فالفارق شاسع بين الكاثولوكية الأوربية والارثوذكسية المصرية ، وبينهما وبين البروتستانتية . ونفس الحال مع الديانات الأرضية للمحمديين الذين ينسبون انفسهم زورا وبهتانا لخاتم النبيين عليهم السلام . فالخلاف شاسع بل ودموى بين الشيعة والسنة ، وبين التصوف والسنة .

وينعكس هذا على وضعية المرأة . فدين التشيع يرتفع ـ قليلا ـ بشأن المرأة نظرا لتقديسه للسيدة فاطمة ، ودين التصوف القائم على وحدة الوجود وزعم الاتحاد برب العزة يؤله المرأة ويجعلها فى نفس الوقت مركز الانحلال الخلقى . أما دين السّنة فهو يعتبرها عورة وناقصة عقل ودين .

إنّ الظروف المحلية لأى دين أرضى تؤثر فى نظرته للمرأة . البيئة الصحراوية تعتبر المرأة سلعة مملوكة للرجل ( الأب / الأخ /  الأبن / الزوج ) ، لأن الرجل فى القبيلة هو المسئول عن حماية المرأة وعن كفالتها شأن ما يفعل مع حيوانات الرعى . ولهذا تتوافق الوهابية الحنبلية السنية مع البيئة الصحراوية . ونجد العكس فى البيئات الزراعية حيث تتأسّس الدولة المركزية تسيطر على النهر والزراعة والفلاحين ، ويتعاون الفلاح مع زوجته فى الحقل ، بالاضافة الى عملها المنزلى فى البيت المستقر ، وبهذا الدور الكبير تحتل المرأة مكانتها فى مصر الفرعونية الى درجة أن تكون ( فرعونة / حتشبسوت ) أو أميرة ذات نفوذ ( نفرتيتى ) بل تكون ألاهة قوية ( أيزيس أو عزى ). وحتى الآن ـ ومع الغزو الوهابى البترولى لمصر فى عصر الانحدار والانكسار إلا إن للمرأة المصرية مكانتها فى البيت ، أمّا وزوجة وبنتا ، بينما لا تزال المرأة الوهابية فى الدولة السعودية لا تسافر إلا مع ( محرم ) وممنوعة من قيادة السيارة بنفسها .

أى أنه من الطبيعى أن تتأثر أديان المحمديين بظروفهم الاجتماعية والنفسية والجغرافية والتاريخية ، ولهذا يكتسب كل دين أرضى الطابع السائد لدى كل شعب ولدى كل ثقافة .  وقد لا يكون فى ذلك مشكلة طالما نعتبر ذلك التدين بشريا يقبل الخطأ والتصحيح ، ولكن تأتى المشكلة حين ينسب ذلك الدين البشرى نفسه لرب العزة ،  ونضفى  عليه قدسية بأن ننسبه للنبى ( كما يفعل أهل السنة ) أو ننسبه لأقارب النبى ( كما يفعل الشيعة ) أو ننسبه لأشخاص مقدسين (كما يفعل الصوفية ). الخطورة هنا أن الدين البشرى الأرضى يكتسب قدسية الدين الالهى نفسه عبر تلك النسبة المزيفة لله تعالى ولرسوله . وهنا يصبح النقاش معه ـ إذا ساد وتحكم ـ مرفوضا وموصوما بالكفر والعصيان، بل يصبح أعمدة ذلك الدين الأرضى آلهة أو أنصاف آلهة لا يستطيع أن يقترب منها أحد إلا بالتقديس والتبجيل . وذلك ما يحدث فعلا فى التعامل مع البخارى والشافعى مثلا عند أهل السنة أو مع جعفر الصادق أو موسى الكاظم عند الشيعة ، أو مع الغزالى أو السيد البدوى عند الصوفية . هذا مع أنه لا عصمة إلا لله تعالى وللنبى والرسول فى أمور الوحى !!

وهذه المشكلة الخطيرة كانت عادة لدى القرون الوسطى ، حيث كان الاحتراف الدينى سائدا ، وحيث كانت الأنشطة البشرية يتم تغليفها بالدين الأرضى السائد المنسوب ظلما لله تعالى ورسوله ، ، لذلك كانت الحروب دينية ، وكانت الاضطهادات المذهبية دينية ، وكانت التعاملات الاجتماعية كلها تبحث فى كل تفصيلاتها عن فتاوى دينية .

ومن الطبيعى أن يتعاظم دور محترفى الدين الأرضى من الرهبان والشيوخ والأحبار ، وأن يكتسبوا  قداسة ، وهذا ما كان عليه تاريخ العصور الوسطى فى بلاد المسلمين وفى الغرب. ومن الطبيعى أيضا أن يعمل رجال أو علماء الدين هنا وهناك على نسبة فكرهم البشرى إلى الله تعالى أو الرسول ليضفوا المزيد من القداسة على أشخاصهم وعلى أفكارهم.

وتحررت أوربا من سيطرة الكنيسة وحظرت عليها التجول ، وانطلقت أوربا تكتشف العالم وتخترع وتستعمر العالم الجديد والعالم القديم معا بما فيها بلاد المحمديين ، وبدأت حركة يقظة فى مصر وفى تونس تتعلم من اوربا وتبدأ فى التخلص من أوزار أديانها الأرضية وظلمات القرون الوسطى . ولكم ما لبث أن أعادت الدولة السعودية أسوأ ما فى الأديان الأرضية ، وهى الحنبلية السنية المتشددة المتزمتة ، فظهرت الوهابية تجمع مع التعصب والتطرف والارهاب إستباحة دماء المخالفين لها وأموالهم وأعراضهم ، وتعيد ثقافة تحقير المرأة والتأكيد على أنها ناقصة عقل ودين . وأتاح البترول للدولة السعودية الثالثة الراهنة أن تنشر وهابيتها على أنها الاسلام ، وحازت جماعات ومنظمات وقيادات الوهابية على لقب ( الاسلاميين ) أى انهم وحدهم المعبرون عن الاسلام . ودفعت المرأة الثمن ، وعن رضا وطيب خاطر فانتشر ما يسمى بالحجاب أو الخمار والنقاب لأن المرأة إعتقدت أن هذا هو الاسلام .

 2 ـ وهنا ندخل على قضية المرأة فى الدين

فالتشريع الإلهى فى القرآن أو فى غيره من الكتب السماوية لا يمكن أن ينحاز للرجل ضد المرأة ، لأنهما معا خلق الله جل وعلا ، ولكن الرجل الذى تسيد العصور الوسطى واخترع أديان أرضية ذكورية ، استغلها فى فرض سيطرته على المرأة ، أوبمعنى آخر استمرت وتأكدت بها سيطرته علي المرأة فأصبحت من خلال تلك الأديان الأرضية أو الشعبية أقل درجة من الرجل ، ولذا تحتاج إلى اجتهاد دينى  لتجلية حقوقها الإنسانية والاجتماعية .

وهذا ما نحاوله فى هذا البحث عن حق المرأة فى رئاسة الدولة الإسلامية .

إن بحثا بهذا العنوان : ( حق المرأة فى رئاسة الدولة الاسلامية ) يصعد بحق المرأة فى الإسلام إلى قمة السلطة التنفيذية لابد أن يثير الكثير من علامات الاستفهام ، خصوصا فى عصرنا الراهن الذى سيطر فيه الفكر الحنبلى المتشدد، والذى قام بتعبئة المرأة فى النقاب وفرض عليها حظر التجول داخل أسوار البيت ، وحشا عقلها بخرافات الأديان الأرضية التى تنتمى الى العصور الوسطى ، فإقتنعت بالهوان على أنه ( سُنّة نبوية ).! .

إلا إن منهج البحث نفسه هو الكفيل بالإجابة . وقد وضح المنهج منذ البداية فى التفريق بين الاسلام وهو القرآن وبين أديان المسلمين الأرضية وما يتبعه من فكرالمسلمين وممارستهم .

وعليه فإن هذا البحث يسير مع حق المرأة فى رئاسة الدولة الإسلامية من خلال القرآن الكريم ، وهو دين الإسلام والذى كان يتبعه النبى عليه السلام فى حياته حيث كان خلقه القرآن . ثم بعدها يسير مع الواقع التاريخى الحركى للمرأة فى الصراع السياسى نحو السلطة ، وكيف اقتربت منها أو بلغتها وفق قوانين الصراع السياسى ومعطياته فى القرون الوسطى .

وبين الواقع القرآنى ( فى التشريع والقصص) والواقع التاريخى ( بين ساحات المعارك ومكائد القصور) تتوارى خجلا ـ أو يجب أن تتوارى خجلا  ــ تشريعات الدين الوهابى السلفى التى كان أغلبها ثمرة ظروف اجتماعية وسياسية ونفسية أوقعت بأصحابها اضطهاداً فلم يجدوا غير المرأة وسيلة لتنفيس غضبهم المكبوت . والعادة أن الرجل المقهور فى عصور الاستبداد ينفس عن طموحاته المكبوتة و الضائعة فى تعامله مع المرأة وفى نظرته لها ، فإذا كان ذلك الرجل المقهور  صاحب فكر دينى فالويل للمرأة من فتاويه ، وتلك حقيقة تحتاج بحثا مستقلا آخر.

حق المرأة فى رئاسة الدولة الإسلامية : لمحة أصولية تاريخية
سبق نشر هذا المبحث عام 1999فى دورية ( رواق عربى ) التى يصدرها مركز القاهرة لحقوق الانسان ، وكان العدد بعنوان ( حقوق المرأة بين الدينى و المدنى )( عدد 15 & 16 ) . ( ص 64 : 99 ). وأعيد نشر البحث فى دوريات أخرى ، وتم نشره هنا بدون تغيير . ولأن المؤلف باحث أزهرى الأصل ولا يزال ينظف عقله من وساخات التراث ، ولا يزال يتعلم من القرآن الكريم فإنه يراجع كتاباته القديمة باستمرار . ولهذا أعيدت مراجعة هذا البحث ، وأعيد نشره هنا منقحا .
more