رقم ( 4 )
الفصل الثالث- ((البرزخ))

الفصل الثالث
البرزخ

* لنا موتتان وحياتان وبرزخان .
* البرزخ .
* هل هناك إحساس في البرزخ .
* عذاب القبر ونعيمه .
* شعائر الموت .
لنا موتتان وحياتان وبرزخان

من حقائق القرآن الغريبة عن الموت أننا نموت مرتين ونعيش مرتين وذلك ما سنعرفه يقيناً عند القيامة :
"{قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ }غافر11"
وفى آية أخرى يقول لنا ربنا : "{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }البقرة28"
إذن كنا موتى قبل أن نولد ثم دخلت النفس في الجنين وبدأنا الحياة الدنيا أو الحياة الأولى ، وبعدها خرجت النفس من الجسد فعدنا إلى الموت أو الموتة الثانية فبعدها كان البعث في دخول النفس ثانية إلى الجسد لنحيا الحياة الثانية وفيها يكون الحساب أو الجنة أو النار . وفى الجنة والنار . لا موت .. وذلك مفهوم في حالة الجنة ، وفى حلة النار فالعذاب أبدي لكن أصحاب النار تنبت جلودهم كلما نضجت ليذوقوا العذاب إلى مالا نهاية . والموت لن يرحمهم من ذاك العذاب الأبدي . يقول تعالى : {يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }إبراهيم17
الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى{12} ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى{13} الأعلى 12 : 13
{إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى }طه74
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ }فاطر36
ومن خلال إشارات القرآن يمكن أن نقترب من فهم ماهية النفس في البرزخ قبل إن نولد في هذه لدنيا. في عالم البرزخ وحيث لا زمن خلق الله البشر جميعاً من نفس واحدة كلية ثم انشقت منها أنفس البشر وكانت البداية نفس آدم ومنها جاءت نفس حواء ثم يتم نفث كل نفس في الجنين الخاص بها في الوقت المحدد لها سلفاً .
أقرأ عن خلق النفس الأولى آدم وتسلسل الأنفس البشرية منها : " يا أيها الناس أتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً " النساء 1
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا" الأعراف 189
{خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا " الزمر 6
وعن عملية الخلق لكل الأنفس مرة واحدة في وقت واحد يقول تعالى :
{وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ " الأنعام 98
أي في كل نفس بعد آدم مستقر لما مضى ومستودع للآتي ، وحيث أنها أنفس صدرت عن النفس الأولى : آدم وخلقت معها في نفس الوقت ؛ فإن بعثها سيكون بنفس الطريقة : {مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }لقمان28 "
وحين خلق الله هذه الأنفس فطرها على أن تعبد الله وحده لا شريك له . وأخذ عليها العهد والميثاق وهى في عالم الأثير – عالم البرزخ – أن تؤمن بالله وحده :
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ{172} أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ{173} الأعراف
في عالم البرزخ حيث لا زمن كان العهد على كل الأنفس – ثم تدخل كل نفس في جنينها وتدخل تجربة الحياة الأولى في هذه الدنيا وتظل تحت سيطرة الزمن طيلة العمر المقرر لها ثم تفارق الجسد وتموت للمرة الثانية حيث ترجع للبرزخ الذي أتت منه – ويأتي يوم القيامة ويكون البعث ، أي تعود الأنفس لترتدي أجساداً جديدة لا تبلى ولا تموت تتحمل اللذة في الجنة أو العذاب في النار ولا يكون هناك موت . بل خلود أبدى .
الموت بالنسبة للنفس أن تكون بلا جسد كما في البرزخ الأول أو أن تفارق الجسد الذي كان لها كما يحدث لنا في العالم . وفى الحالين تعود النفس لعالم البرزخ الغامض .
إذن هناك موتتان الأولى قبل أن نولد والثانية بعد أن نموت في هذه الدنيا وفى الموتتين نكون في البرزخ أو نعود إليه ، ولنا حياتان الأولى في هذا العالم والأخرى في العالم الآخر في يوم الدين وما يتلوه من جنة أو نار .
البرزخ
بالنسبة لعالمنا الأرضي الذي يدور في إطار الزمن نقول برزخ أول وبرخ ثان .
ونضرب مثلاً لتقريب معنى البرزخ الأول والثاني . أو الموتة الأولى والموتة الثانية :- والدي المتوفى هو الآن في البرزخ الثاني في موتته الثانية لأنه سبق له أن عاش على هذه الأرض، وقبل أن يكون على الأرض كانت نفسه ميتة في البرزخ ، ثم بعد أن قضى عمره في الأرض مات الموتة الثانية وعاد للبرزخ ثانية .
أما ابني الذي لم أرزق به بعد أو حفيدي الذي لم أره بعد فلا يزال نفساً ميتة في البرزخ الأول .. لم يولد بعد . ولأن البرزخ عالم من الموت والموتى فيستحيل أن يتعرف والدي في البرزخ على ابني أو حفيدي الذي لم يأت الدنيا بعد ، وإذا أمكنك أن تحادث حفيدي الذي لم يولد بعد في البرزخ الأول أذن يمكنك أن تحادث الموتى في قبورهم أو في البرزخ الثاني ، في واقع الأمر إن الموتى لا يسمعون في أي حال
" وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمعٍ من في القبور (22) )) فاطر 22
وهذا غير الشهادة التي اثبتها الله تعالى لوحدانيته في عالم البرزخ وهى لأنه يسمع من يشاء ويسمع من في القبور
. هل هناك إحساس في البرزخ
من الخرافات الدينية أن بعض الأموات في البرزخ يتميز بخاصية غريبة وهى قدرته على التخاطب مع البشر وتلبية مطالبهم ، لذا يحج الناس إلى قبورهم متوسلين ويلقون إليهم بالشكاوى والمشاكل يطلبون منهم الحل .. ويقول القرآن في ذلك : {إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }فاطر14
وعلى أية حال فهى مفارقة مضحكة ، كيف يكون ميتاً ويكون سميعاً في نفس الوقت ؟ والموت يعنى أنه لا سمع ولا شيء هناك : {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ }النمل80
{فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ }الروم52
" إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين (194) ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم ءاذان يسمعون بها" الأعراف 194 ، 195
(( والذين تدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون (20) أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون ))
النحل 20 : 21
لقد تحول جسد الميت إلى تراب وذلك حكم إلهي تصير أعضاء الميت جزءاً من التربة سواء تحللت أو بقيت بعض أجزائها : " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى " طه 55
لقد انتقل الكائن الحقيقي داخل الجسد – وهو النفس – إلى عالم البرزخ ، ودخل فترة كمون أو موت حيث لا يحس بأحد ولا يحس به أحد ، إن آخر لحظة إحساس للميت تكون ساعة الاحتضار في حواره مع ملائكة الموت ، وحين البعث في العالم الآخر يستعيد الإنسان ذكرياته سريعاً ويكون أول ما يتذكر هو لحظة موته ويتخيل أنها كانت بالأمس القريب ، يظن أنه مر عليه يوم أو بعض يوم .. وينسى أنه مكث في البرزخ آلاف السنيين، ولكن فترة البرزخ لازمن فيها ، يستوى الزمن من ملايين السنين إلى يوم واحد فقط .. إن آدم أبا البشر وآخر إنسان من أولاد آدم سيحسان نفس الشعور حين البعث .. أنهما قضيا يوماً أو بعض اليوم من موعد الموت إلى موعد البعث.
يقول تعالى َوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ {259}
حين استيقظ أو بعثه الله بعد مائة عام ظن أنه لبث يوماً أو بعض يوم فقط ، أي فقد الإحساس بما حوله لمدة مائة عام . وأصبحت المائة عام مجرد نوم استمر يوماً أو بعض اليوم .
ويقول تعالى عن أهل الكهف حين استيقظوا بعد ثلثمائة سنين و تسع سنوات :
وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ {19} الكهف
أصبح البرزخ في منامه مجرد يوم أو بعض يوم وهو في الزمن الأرضي 309 سنوات كاملة . وخلالها لم يحس أهل الكهف بما جرى لمدينتهم من تقلب الأيام وموت أجيال وحياة أجيال وانقراض حكام وقيام حكام حين استيقظوا كانوا يخافون من نفس المدينة التي تركوها بالأمس فقط في اعتقادهم ، فقالوا لمن أرسلوه ليشترى لهم الطعام :
فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً{19} إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً{20} " الكهف 19 : 20
ويتكرر نفس الموقف ساعة البعث يوم القيامة أي حين ينتهي البرزخ ، يظن أحدهم انه مات أو نام منذ ساعة ، والساعة في التعبير القرآني تعنى بعض اليوم : وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ{55} وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{56 الروم 55 ،56
واقرأ قوله تعالى عنهم : َ"ويومَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً{102} يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً{103} نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً{104} طه 102 : 104"
وللقرآن أسلوبه في الربط بين آخر إحساس للميت قبل دخوله البرزخ وأول إحساس له بعد وخروجه من البرزخ كي يبين أن البرزخ فترة ولا زمن ولا إحساس ولا شعور فيها
فالقرآن لا يجعل فاصلاً بين المرحلتين فيما يخص الشعور والحوار فيقول تعالى :
وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ{93} وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ{94} الأنعام 93 : 94
فالذي يقال عند الموت لهم ينتهي بقوله " وكنتم عن آياته تستكبرون " والذي سيقال لهم يوم القيامة " ولقد جئتمونا فرادى ." وما بينهما برزخ لا حوار ولا شعور فيه . أي أن الموت والبعث هما نقطة واحدة ويقول تعالى : وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ{19} وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ{20} ق 19 : 20
فمن الإحساس بسكرة الموت لا يأتي الإحساس بعدها إلا في بالنفخ في الصور. وفيما بينهما برزخ لا إحساس ولا شعور فيه .
وما سبق من أدلة تدحض ما قيل من أن الميت في قبره يستيقظ ويأتي له ملكان منكر ونكير فيحاسبانه ويستجوبانه ، وكل ما نعرفه أن الحساب يكون أمام الله يوم الحساب ، وأن قصة حساب القبر مستوحاة من التراث الفرعوني حيث يمثل الميت أمام أوزوريس الذي يسأله عن أعماله .. ثم وهذا هو الأهم أن البرزخ فترة موت أو كمون لا إحساس فيها يظل فيها الميت إلى يوم البعث . يقول تعالى حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ{99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ{100} المؤمنون 99 : 100
والبرزخ في اللغة يعنى الحاجز بين الشيئين الذي يمنع أحدهما من الوصول للآخر وبهذا المعنى جاء قوله تعالى :
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ{19} بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ{20} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{21} "
الرحمن 19 ، 20
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراًالفرقان 53
فالبرزخ حاجز بين الموت بين الحياة الدنيا الأولى والحياة الآخرة ولا يستقيم أن يتخلل البرزخ حياة أو حساب .
ولكن ماذا عن عذاب القبر أو نعيمه ؟

لم يرد في القرآن شيء من عذاب القبر أو نعيمه ، وإنما ذكر القرآن أن من في القبور :
" موتى لا يسمعون ولا رجاء فيهم " فاطر 22 الممتحنة 13 "
" وأن موعدهم البعث " الحج 7 ، الانفطار 4 ، العاديات 9
ولكن ورد في القرآن أن بعض البشر سيعذب بعد موته وبعضهم سيحظى بالنعيم بعد موته وبالطبع فإن ذلك في غير العالم الأرضي وفى غير البرزخ .
يقول تعالى عن الذين قتلوا في سبيل الله :
وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ " البقرة 154
إذن من البداية ينهانا الله تعالى أن نعتبر المقتول في سبيل الله ميتاً أو أن نقول عنه أنه مات . بل هو حي ولكن كيف ؟ لا نشعر .. لأنه حي في عالم أثيري لا يمكن أن نراه أو نحس به ويعطى القرآن . إشارات على قدر ما تسمح به أفهامنا عن نوعية هذه الحياة التي لا يمكن أن نشعر بها
فيقول :
)
وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ{169} فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{170} يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ{171} " آل عمران 169: 171
ففي الآيات تكرار للنهى عن أن نحسبهم موتى .. بل هم أحياء في عالم آخر " عند الله " ويتمتعون بالرزق من الله ، ثم هم سعداء فرحون بنعيم الله وفضله وينتظرون مجيء ضيوف آخرين من الذين يهبون حياتهم في سبيل الله ليكافئهم الله بالحياة الأكرم عنده ، وهناك لا خوف ولا حزن ولكن استبشار وحمد لله الذي لا يضيع أجر المؤمنين ..
إذن نحن أمام نوعية فريدة من الحياة في مكان لا نعرف عنه شيء ، حيث يحس أولئك بالآخرين ممن لا يزالون في العالم الأرضي ويتمنون لهم أن يلحقوا بهم في ذلك النعيم الإلهي .
وفى القصص القرآني حكاية ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ليؤيد الرسل الثلاثة الذين أرسلهم الله إلى القرية فكذبوهم وهددوهم بالرجم ، ودفع الرجل حياته ثمناً لكلمة الحق التي تطوع بقولها ، وحين قتله قومه جاء تبشيره بالجنة :
)
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ{26} بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ{27} يس 26 : 27
فذلك الرجل المقتول في سبيل الله أحس بقومه وتمنى أن يكون منهم من يلحق به في دار النعيم عند الله .
هذا بينما تظل الحقيقة القرآنية ماثلة أمامنا . إننا لا نشعر بهم وإن كانوا يشعرون بنا .
أولئك أناس دفعوا حياتهم ثمناً لرضا الله وفى سبيله فاستحقوا أن يكتب الله لهم الحياة حيث يتوقع الآخرون لهم الموت ، وحيث أراد أعداء الله لهم الموت .
وهناك من البشر من تطرف في الكفر إلى درجة أدعاء الربوبية الكبرى وإنكار وجود الله والتساؤل بسخرية عنه تعالى ، وإلى درجة قتل وصلب المؤمنين ، ثم بذل حياته وهو يطارد نبي الله موسى لا لشيء إلا لكي يجعل قومه تحت سيطرته وعذابه الدائم .. إنه فرعون الذي جعله الله إماماً لكل المشركين إلى يوم القيامة " القصص 4 : 38 : 42 " ، " غافر 36 : 37 " " النازعات 21 : 25 "
وكوفىء فرعون على تطرفه في الكفر بخصائص منها أنه يظل في عذاب بعد غرقه في سبيل الشيطان إلى أن تقوم الساعة : " وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ{45} النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ{46} غافر 45 : 46
فطالما هناك دنيا وليل ونهار وغدو وعشي يعرض فرعون وآله على النار وذلك هو سوء العذاب ، ثم يوم القيامة له نوع آخر يتميز به وهو أشد العذاب، ويكون فيه " زعيماً" لقومه في دخول النار يقدم قومه يوم القيامة
فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ{98} وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ{99}
هود 98 : 99
شعائر الموت

جاء في القرآن تكريم بنى آدم:
)
"ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً " الإسراء 70
ومن تكريم الإنسان دفن جثته بعد الموت وذلك ما علمه الله لابن آدم حين قتل آخاه " المائدة 31 " ثم توالت شعائر الإنسان لتكريم الميت ومنها غسله وتكفينه وتحنيطه أحياناً حتى لا تبلى الجثة . وأهم ما في شعائر الموت هي الصلاة على الميت أو الدعاء له على قبره ، وقد نهى الله النبي عن الصلاة على قبور المنافقين الذين تقاعسوا عن الجهاد في غزوة ذات العسرة فقال : وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ{84} التوبة 84
وقد عرف المصريين القدامى المبالغة في تكريم الميت من ملء قبره بالأطعمة وتلاوة الأعاويذ المقدسة على قبره حتى ينعم بالسعادة .. ولا نزال حتى الآن نخرج للمدافن بالأطعمة ونستأجر المقرئين على القبر .
وأخيراً نقول إن من ابتعد عن القرآن فقد وقع في المتاهة.
أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{122} الأنعام 122
الفهرس
المقدمة :
الفصل الأول ماهية الموت .
بين الموت والحياة .
بين الموت والقتل .
بين الموت والوفاة .
موت الجسد وموت النفس .
الموت من صفات الخلق لا من صفات الخالق .
رسل الموت .
عزرائيل هل هو ملك الموت .
بين تمنى الموت والفرار منه .
لا تأجيل لموعد الموت .
الوصية عند الموت .
الفصل الثاني : ماذا يحدث لحظة الموت .
على بوابة الموت .
بين عالمين .
الجسد وغفلة الإنسان في حياته .
الموت نهاية لاختبار الحياة .
الموت هل هو خروج النفس أم خروج الروح .
بين النوم والموت .
أحلام النائم في البرزخ وأحلام الميت المحتضر .
تذوق الموت .
حوار الملائكة مع الميت .
حوار الملائكة مع المتقين عند الاحتضار .
حوار الملائكة مع العصاة عند الموت .
حوار الملائكة مع المشركين عند الموت .


الفصل الثالث : البرزخ.
لنا موتتان وحياتان وبرزخان .
هل هناك إحساس في البرزخ .
عذاب القبر ونعيمه .
طقوس الموت .
الكتاب التالي من هذه السلسلة :
القرآن في القرآن "
للأستاذ الدكتور أحمد صبحي منصور
وحديث القرآن عن القرآن فيه بعض الحقائق المذهلة عن كيفية نزول الوحي , وكيفية كتابة القرآن , ثم قيمة القرآن بالنسبة لله والنبي ( ص) وبالنسبة للكتب السماوية السابقة والقرآن إذا جاء بالحق في هذا فهو الحق اليقيني الذي ينبغي التسليم به .
كيف تحدث القرآن عن القرآن
الإجابة في الكتاب التالي :
القرآن في القرآن
رقم الإيداع
3681/1990

 

كتاب الموت
عن حقائق الموت فى القرآن الكريم .
أحبتى
قبل أن تقرأ هذا الكتاب :
أولا :
1 ـ فى اوائل التسعينيات كنت أمر بأقسى فترة من الضنك والفقر و المتابعة الأمنية . قليل ممن حولى من أهل القرآن من كان يدرك ذلك ،فقد كان بيتى مفتوحا يستقبل الأحبة والأصدقاء فى القاهرة وقريتى (ابوحريز)،و هذا المظهر يعطى إنطباعا مغايرا لما نعانيه .
أتذكر أن جاء لزيارتنا فى القاهرة أحد الأحبة من بلد بعيد وكان معه صديق له يريد التعرف بى ، ولم يكن فى بيتنا ما يفى بواجب الضيافة ، ولم يكن فى جيبى ما استطيع أن أقوم له بالواجب ، وليس من عادتى أن أقترض من أحد ، ركبنى الهول وأنا أستقبل ضيفى وصديقه ، وجاء الفرج حين صمم الأخ العزيز على أنه ليس لديه وقت لارتباطه
more