رقم ( 4 )
الفصل الأول : القرآن الكريم هو المصدر الوحيد للإسلام

الفصل الأول : القرآن الكريم هو المصدر الوحيد للإسلام

:القسم الأول :ـ القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد للمسلم.

1- لا إله إلا الله ولا كتاب للمسلم إلا القرآن كتاب الله..
 2- المؤمن يكتفى بالله تعالى رباً ويكتفى بالقرآن كتاباً

مقالات متعلقة :

3- القرآن هو الحق الذى لا ريب فيه، وما عداه ظن ولا ينبغي اتباع الظن..
 4 - القرآن هو الحديث الوحيد الذى ينبغي الإيمان به
5ــ الوحى المكتوب الذى نزل على الرسول هو سور وآيات في القرآن فقط
6 ــ لا مثيل للقرآن كما أنه لا مثيل لله تعالى

يستسهل بعضنا أن يؤمن بكتب أخرى تكتسب لديه قداسة ويضعها إلى جانب القرآن العزيز. وبعضنا يعتقد أنه يكفيه أن يؤمن بالقرآن وأنه لا يضره أن يؤمن بكتب أخرى مع القرآن كتبها الأئمة ونسبوها للنبي عليه السلام.. ولو تدبرنا كلام الله العزيز في القرآن الكريم لتأكدنا أن القرآن هو الكتاب الوحيد الذى ينبغي أن يتمسك به المسلم دون غيره، ولتأكدنا أن القرآن الكريم ليس محتاجاً لهذه الكتب البشرية، فالقرآن الكريم ما فرط في شيء ونزل تبياناً لكل شيء وجاءت به تفصيلات كل شيء يحتاج للتبيين والتفصيل..
فالقرآن هو الذكر وهو الحكمة وهو الصراط المستقيم وهو الحق الذى لا ريب فيه والقرآن في النهاية هو المصدر الوحيد للإسلام.. هذا ما ينبغي أن يكون.. تعالوا بنا نستعرض آيات الله في هذا الموضوع..

 القسم الأول: القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد للمسلم

 1- لا إله إلا الله ولا كتاب للمسلم إلا القرآن كتاب الله..


يقول الله تعالى في ذاته العلية ﴿ قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً  وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً﴾. (الكهف 26:27)
فالله وحده هو الولي الذى لا يشرك في حكمه أحدا.
والقرآن هو وحده الكتاب الذى أوحى للنبي ولا مبدل لكلماته ولن يجد النبي غير القرآن كتاباً يلجأ إليه..
والنبي لا يلجأ إلا لله تعالى رباً وإلهاً ﴿
قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً)(الجن22).
والنبي أيضاً ليس لديه إلا القرآن ملتحداً وملجأ ﴿
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ هذا بالنسبة للنبي عليه السلام.. فكيف بنا نحن؟.


  2- المؤمن يكتفى بالله تعالى رباً ويكتفى بالقرآن كتاباً
عن اكتفاء المؤمن بالله تعالى رباً يقول تعالى ﴿
أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ؟﴾ (الزمر 36).
فالله تعالى هو وحده الخالق وهو وحده الرازق ﴿
هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ؟﴾ (فاطر 3). لذا لابد للمؤمن أن يكتفى به تعالى رباً ﴿قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ؟﴾. (الأنعام 164)
والمؤمن طالما يكتفى بالله تعالى رباً فهو أيضاً يكتفى بكتاب الله في الهداية والتشريع يقول تعالى ﴿
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ؟﴾ (العنكبوت 51).
ويلاحظ أن الآيات الكريمة التي تحض على الاكتفاء بالله رباً وعلى الاكتفاء بالقرآن كتاباً جاءت كلها بأسلوب الاستفهام الإنكاري.. أي الإنكار على من يتخذون أولياء وأرباباً مع الله والذين يتخذون كتباً أخرى مع كتاب الله.
وأوضح رب العزة أن في الاكتفاء بالقرآن رحمة وذكرى للمؤمنين ﴿
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.
فمن رحمة الله بنا أن فرض علينا كتاباً واحداً ميسراً للذكر ومصوناً عن التحريف وجعله واضحاً مبيناً، له بداية وله نهاية، ولم يتركنا إلى كتب أخرى كتبها بشر مثلنا يجوز عليهم الخطأ والنسيان والهوى والعصيان، ثم هم مختلفون متناقضون، ولا أول لكتبهم ولا نهاية لها..
3- القرآن هو الحق الذى لا ريب فيه، وما عداه ظن ولا ينبغي اتباع الظن..


يقول تعالى عن القرآن ﴿ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة 2).
فالقرآن لا مجال فيه للريب أو الشك، وحقائق القرآن مطلقة، وما عداه من كتب يعترف أصحابها بأن الحق فيها نسبى أي يحتمل الصدق والكذب.. وما يحتمل الصدق والكذب يدخل في دائرة الظن..
ودين الله الحق لا يقوم إلا على الحق اليقيني الذى لا ريب فيه حتى لا تكون للبشر حجة على الله يوم القيامة. لذا ضمن الله حفظ كتابه من كل عبث أو تحريف ﴿
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ (الحجر 9).
ويقول تعالى عن كتابه الحكيم ﴿
وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (فصلت 41: 42).
أما أديان البشر الوضعية فالمجال واسع فيها للظن والريب..
لذا يأمرنا جل وعلا باتباع الحق الذى لا ريب فيه والإعراض عن المعتقدات التي تقوم على الظن، يقول تعالى في الاعتقاد القائم على الظن ﴿وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ
﴾ (يونس 66).
ويقول تعالى في التشريع القائم على الظن ﴿
سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ﴾ (الأنعام 148).
ويقول تعالى يقارن بين اتباع الحق واتباع الظن ﴿
وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً﴾ (يونس 36). ويتكرر نفس المعنى في سورة النجم ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ ﴾ ، ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً﴾.
وصدق الله العظيم ﴿
وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً﴾ (النجم 23، 28،...).
ولكن المشكلة أن الغالبية العظمى من البشر ينبذون الحق ويتبعون الظن، يقول تعالى يخاطب النبي الكريم ﴿
وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ (الأنعام 116).
ومشكلتنا نحن المسلمين أن علماء الحديث يؤكدون أن الأغلبية العظمى من الأحاديث المنسوبة للرسول (صلى الله عليه وسلم) هي أحاديث آحاد ويؤكدون أنها تفيد الظن ولا تفيد اليقين.. ومع ذلك يأمرنا بعضهم باتباع الظن مع أن الظن لا يغنى من الحق شيئا.. هدانا الله إلى الطريق المستقيم..
ويلفت النظر أن الله تعالى وصف ذاته العلية بأنه الحق ، ووصف إنزال القرآن بأنه أنزله بالحق ، ووصف القرآن نفسه بأنه الحق..
عن وصف الله تعالى بالحق يقول الحق تعالى ﴿
فَذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ ؟﴾ (يونس 32).﴿ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَاطِلُ﴾ (لقمان 30).
وعن إنزال القرآن بالحق يقول تعالى ﴿
وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ﴾ (الإسراء 105).
وعن وصف القرآن بأنه الحق يقول تعالى ﴿
وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ هُوَ ٱلْحَقُّ﴾ (فاطر 31). ﴿إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ﴾ (آل عمران 62).
بل إن الله تعالى يصف الحق القرآني بأنه الحق اليقيني المطلق، يقول تعالى ﴿إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ
﴾ (الواقعة 95) ، ﴿وَإِنَّهُ لَحَقُّ ٱلْيَقِينِ(الحاقة 51).
وجاءت الصيغة بالتأكيد..
فإذا كان الله قد أكرمنا بالحق اليقيني فكيف نأخذ معه أقاويل ظنية.. مع أنه لا مجال في الدين الحق للظن؟؟

4- القرآن هو الحديث الوحيد الذى ينبغي الإيمان به

وصف الله تعالى القرآن بأنه حديث وتحدى المشركين أن يأتوا بحديث مثله فقال تعالى ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ﴾ (الطور 33: 34).
ووصف القرآن بأنه أحسن الحديث ﴿
ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ﴾ (الزمر 23).
فإذا أكرمنا الله تعالى بأحسن الحديث فكيف نتركه إلى غيره؟..
وأوضح رب العزة أن الصدق كله في حديث الله تعالى في القرآن ﴿
وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً﴾ (النساء 87).
وتوعد الله تعالى من يكذب بحديثه في القرآن ﴿فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ
﴾ (القلم 44).
وأكد رب العزة أن الإيمان لا يكون إلا بحديثه تعالى في القرآن الكريم فقال في آخر سورة المرسلات ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ
؟﴾ (المرسلات 50).
وتكرر نفس المعنى فى قوله تعالى ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ؟﴾ (الأعراف 185)
وهى دعوة لنا لنتفكر قبل أن يأتى الأجل المحتوم..
بل إن الله تعالى يجعل من الإيمان بحديث القرآن وحده مقترناً بالإيمان به تعالى وحده، فكما لا إيمان إلا بحديث القرآن وحده فكذلك لا إيمان إلا بالله وحده إلهاً. وكما أن المؤمن يكتفى بالله وحده إلهاً فهو أيضاً يكتفى بحديث القرآن وحده حديثاً.. وجاءت تلك المعاني في قوله تعالى ﴿تَلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِ يُؤْمِنُونَ
وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍيَسْمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ (الجاثية 6: 8).
وذلك الذى يعرض عن آيات الله شأنه أنه يتمسك بأحاديث أخرى غير القرآن سماها القرآن ﴿لهو الحديث﴾ يقول تعالى
﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌوَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(لقمان 6: 7).
وحين يقول رب العزة ﴿ومن الناس﴾ فإنه تعالى يقرر حقيقة تنطبق على كل مجتمع بشرى فيه ناس في أي زمان ومكان..

ـ الوحى المكتوب الذى نزل على الرسول هو سور وآيات في القرآن فقط

تحدى الله تعالى المشركين أن يأتوا بسورة مثل القرآن ﴿وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ﴾(البقرة 23).
﴿أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ ؟ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ ﴾ (يونس 38). والشاهد هنا أن الذى نزله الله تعالى على رسوله الكريم هو سور، وليست هناك سور إلا في القرآن. إذن فالقرآن هو الوحى الوحيد المكتوب الذى نزل على الرسول (صلى الله عليه وسلم).

- البشر مطالبون يوم القيامة بما نزل على الرسل من آيات الوحى.. فالوحى آيات
يوم القيامة سيقول تعالى ﴿
يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا ؟﴾ (الأنعام 130) فالرسل كانوا يقصون آيات الله التي أنزلها عليهم..
ويقول تعالى في أصحاب النار ﴿
وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ....﴾ (الزمر 71). أي كان الرسل يتلون آيات الله. ومن أعرض عنها دخل النار وحشره ربه أعمى.. ﴿قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ..﴾ (طه 125: 127..).
إذن نحن مطالبون بالإيمان بالآيات التي نزلت على النبي ، وليست هناك آيات من الوحى خارج القرآن الكريم.. إذن هو القرآن الكريم وكفى...

ـ6ـ لا مثيل للقرآن كما أنه لا مثيل لله تعالى


يقول تعالى عن ذاته العلية ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ﴾ (الشورى 11). ويقول تعالى عن كتابه الحكيم ﴿قُـلْ لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ...﴾ (الإسراء 88).. إذن لا مثيل للقرآن كما أنه لا مثيل لله..
وكما أن الله تعالى أحد في ذاته وصفاته ولا يشبهه أحد من المخلوقات ﴿
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ  اللَّهُ الصَّمَدُ  لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ  وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ (الإخلاص 1: 4) فإنه ليس في استطاعة المخلوقات أن تأتى بسورة واحدة مثل السورة القرآنية ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾ (البقرة 23). ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ﴾ (يونس 38).
ليس هناك مثيل للقرآن، وليس هناك مثيل لأى سورة من سور القرآن.. ومع ذلك يقولون أن الله أوحى للنبي القرآن ﴿ومثله معه﴾ فإين ذلك المثيل إذا كان الله تعالى قد نفى وجوده؟
(2) القرآن الكريم ما فرط في شيء
- بيان القرآن في داخل القرآن ، القرآن كتاب مبين في ذاته
يقول تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ﴾ (البقرة 159).
كتاب الله هو الكتاب المبين بذاته، وآياته موصوفة بالبينات أي التي لا تحتاج في تبيينها إلا لمجرد القراءة والتلاوة والتفكر والتدبر فيها. والذى جعل الكتاب مبيناً وجعل آياته بينات هو رب العزة القائل ﴿
بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ﴾ والقائل عن كتابه ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ (القمر 22). ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً﴾ (مريم 97). ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ (الدخان 58).
وكل المطلوب منا أن نتلوا القرآن وإذا تلوناه نطقت آياته البينات بنفسها والتي لا تحتاج منا إلا لمجرد النطق وعدم الكتمان. لذا فإن الله تعالى يجعل الكتمان- كتمان الآيات- هو عكس التبيين لذا فإن الله تعالى يهدد من يكتم آيات الله البينات التي بينها في كتابه ﴿
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ..﴾
ويقول تعالى عن أهل الكتاب ﴿
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ...﴾ (آل عمران 187). فشرح تعالى تبيين البشر للكتاب بأنه عدم كتمانه، أي تلاوته وقراءته، ومتى تلونا الكتاب المبين نطقت آياته البينات لمن يريد تدبرها .
والآيات التي تتحدث عن بيان القرآن ووصفه بالكتاب المبين والبينات أكثر من أن تستقصى ومع ذلك فإن منا من يعتقد أن كتاب الله غامض مبهم يحتاج إلى من يفسره.. هذا مع أن الله تعالى يقول عن كتابه ﴿
وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً﴾ (الفرقان 33). فأحسن تفسير للقرآن هو في داخل القرآن.
وابن كثير يعترف في بداية تفسيره أن أحسن التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن..

 

 

الفصل الأول : القرآن الكريم هو المصدر الوحيد للإسلام

القسم الثانىالقرآن الكريم ما فرط في شيء.

1- بيان القرآن في داخل القرآن ، القرآن كتاب مبين في ذاته ، والقرآن ما فرط في شيء ونزل تبياناً لكل شيء وجاء مفصلاً لكل شيء
2 ــ القرآن هو الذكر الذى نزل على النبي (صلى الله عليه وسلم)
3ــ القرآن كامل تام لا يحتاج لشيء آخر معه
 4ــ القرآن هو صراط الله المستقيم وما عداه خروج عن الصراط المستقيم
 5- القرآن هو الحكمة



1- القرآن ما فرط في شيء ونزل تبياناً لكل شيء وجاء مفصلاً لكل شيء
يقول تعالى ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ (الأنعام 38).
ويقول تعالى ﴿
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ (النحل 89).
ويقول تعالى ﴿
مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ﴾.(يوسف 111)
والمؤمن بالقرآن لا يبادر باتهام كتاب الله بأنه فرط وجاء غامضاً يحتاج لما يبينه وجاء مجملاً يحتاج لمن يفصله..
والمؤمن بالقرآن يؤمن بأن الله تعالى صادق فيما يخبر به من أن القرآن ما فرط في شيء وأنه نزل تبياناً لكل شيء وتفصيلاً لكل شيء.
وحتى لا تتلاعب به أهواء السوء لتقول له وأين كذا وكذا في القرآن عليه أن يتفهم منطق القرآن قبل أن يبادر بالاتهام..
يقول تعالى ﴿
مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ والتفريط هو إغفال الشيء الضروري الهام وتركه ، ونحن مثلاً لا نواجه مشكلة في عدد ركعات الصلاة ولا في كيفيتها. والله تعالى ـ وهو الأعلم بالماضي والحاضر والمستقبل- لو عرفنا أننا سنواجه مشاكل في موضوع الصلاة لأوضح لنا عددها وكيفيتها ومواقيتها بالتحديد.. ولكنه تعالى أنزل القرآن يوضح ما نحتاج إليه فعلاً في الحاضر وفى المستقبل وأنزل القرآن بالحق والميزان ﴿اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ﴾ (الشورى 17). فلا مجال فيه لزيادة أو تزيّد لسنا في حاجة إليه، ولو نزل القرآن يحكى لنا تفصيل الصلاة ونحن نعرفها ونمارسها منذ الصغر لكان في ذلك شيء من الهزل، ولا مجال للهزل في كتاب الله ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ  وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ  وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ (الطارق 11: 14).
لذا فالقرآن ما فرط في شيء نحتاج إليه.
ويقول تعالى ﴿
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ والتبيان هو التوضيح لما يستلزم البيان والتوضيح . والشيء الواضح بذاته لا يحتاج لما يبينه ويوضحه وإلا كان فضولاً في الكلام وثرثرة لا حاجة إليها..
والله سبحانه وتعالى أنزل كتابه محكماً لا مجال فيه للغو والتزيد لذا كان البيان فيه لما يتطلب البيان، وكل شيء يستلزم البيان والتوضيح جاء في القرآن بيانه وتوضيحه. وما ليس محتاجاً لبيان فلا مجال فيه للتفصيل والبيان في كتاب فُصّلت آياته ثم أحكمت من لدن حكيم خبير.
لذا يرتبط "البيان في القرآن" بالهدى والرحمة والبشرى للمسلمين ﴿
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)(النحل 89 ) فبيان القرآن ﴿هدى﴾ للباحث عن الهدى وسط ركامات من الغموض والحيرة ، وبيان القرآن ﴿رحمة﴾ به حين يبين له ما خفى ويصل به إلى شاطئ الأمان والرحمة الإلهية وهناك ﴿البشرى﴾ بعد الهدى والرحمة..
وأيضاً ترتبط (تفصيلات القرآن) بالهدى والرحمة، يقول تعالى ﴿
وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ (الأعراف 52). فالتفصيلات القرآنية التي شملت كل شيء جاءت هدى وحمة لأولئك الذين يحتاجون إلى هذه التفصيلات. وإذا كانت الأمور واضحة لا تحتاج إلى تفصيل وإيضاح فمن العبث توضيح ما هو واضح، وتعالى الله عن العبث.
والبشر قد تتحول التفصيلات في كلامهم إلى لغو وثرثرة فيما لا حاجة إليه ولا طائل من ورائه، وهذا ما تنزهت عنه تفصيلات الكتاب العزيز التي جاءت فيما يحتاج إلى تفصيل، لذا ارتبطت تفصيلات القرآن الكريم بالعلم المحكم وفى ذلك يقول تعالى ﴿
كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ (هود 1).
ويقول تعالى عن العلم الإلهي الذى يحكم التفصيلات القرآنية لتكون هدى ورحمة للمؤمنين ﴿ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾.
ولذا فإن العلماء المحققين المؤمنين بتمام القرآن والمكتفين به هم فقط الذين يفهمون تفصيلات القرآن. وفى ذلك يقول تعالى ﴿
كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ (الأعراف 32).. ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون﴾ (يونس 24).. ﴿ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الروم 28). ويقول تعالى ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (فصلت 3).
والذين لا يعلمون هم الذين يسعون في آيات الله معاجزين مكذبين ببيان القرآن وتفصيله لكل شيء ، يقولون : أين عدد الركعات في القرآن ؟ أين كيفية الصلاة ؟ كيف نحج ؟ وبعضهم يتساءل ساخرا : أين أيام الأسبوع في القرآن .. والله تعالى يقول ﴿
وَالَّذِينَ سَعَوْ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ﴾ (سبأ 5) قال عن ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْ﴾ فى الماضى. فأين الحاضر؟. يقول تعالى ﴿وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾ (سبأ 38).
والله تعالى نسأل ألا نكون من الذين يسعون في آيات الله معاجزين.

2ــ القرآن هو الذكر الذى نزل على النبي (صلى الله عليه وسلم)

يقول تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ  بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (النحل 43: 44).
يسئ الناس فهم قوله تعالى ﴿
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ...﴾ والسبب أنهم يقطعون هذا الجزء من الآية عما قبله ويتخذونه دليلاً على وجود مصدر آخر مع القرآن، وعندهم أن هناك ذكراً نزل للنبي يبين به القرآن الذى نزل للناس. وحتى نفهم الآية الفهم الصحيح علينا أن نتدبر السياق القرآني، فالله يقول عن الأنبياء السابقين ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ  بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ﴾ أي أن الله تعالى أرسل الأنبياء السابقين لأهل الكتاب وأنزل معهم البينات والزبر- أي الكتب - ثم يوجه الخطاب للنبي فيقول ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ﴾ أي القرآن ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ أي لتوضح لأهل الكتاب ما سبق إنزاله إليهم من البينات والزبر لعلهم يتفكرون.
إن كلمة (الناس) في قوله تعالى ﴿
لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ لا تدل هنا على عموم البشر وإنما تفيد حسب السياق أهل الكتاب الذين نزلت فيهم الكتب السماوية السابقة فاختلفوا فيها وحرفوا فيها بعض ما جاء بها.
واستعمال كلمة (الناس) لتدل على طائفة معينة أشار إليها السياق ـ ورد في القرآن كثيراً كقوله تعالى ﴿
الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً...﴾ (آل عمران 173).. وكقوله تعالى ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف 46). فكلمة الناس هنا لا تعنى عموم البشر وإنما تعنى طائفة معينة ورد ذكرها في السياق القرآني الذى يتحدث عن الموضوع.
وبالنسبة لقوله تعالى ﴿
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ فإن المقصود بكلمة الناس هو أهل الكتاب طالما تتحدث الآية عن الأنبياء السابقين وما أنزل الله عليهم من البينات والزبر وأهل الذكر الذين لديهم علم بالكتب السماوية السابقة.
وتقول الآية عن سبب من أسباب نزول القرآن ﴿
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ فوظيفة القرآن لأهل الكتاب هي تـبـيـيـن الحق في الكتب السماوية السابقة بعدما لحقها من تحريف وتغيير وإخفاء وكتمان ، وفى ذلك يقول تعالى ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾ (المائدة 15) ، ويقول تعالى عن دور القرآن في توضيح الحق لبنى إسرائيل ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ (النمل 76) ، ويقول أيضاً ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ  بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (النحل 43: 44) ، والآية السابقة في سورة النحل فسرتها آية لاحقة في نفس السورة ، يقول تعالى ﴿تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمْ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (النحل 63: 64) ، وكل ذلك يؤكد أن القرآن هو الذكر الذى نزل على النبي لـيـبـيـن لأهل الكتاب ما نزل لهم من قبل واختلفوا فيه.. وذلك يعنى أيضاً أن الذى نزل على النبي كتاب واحد وذكر واحد وقرآن واحد لا مثيل له ولا شيء معه.
وقد جاء وصف القرآن بالذكر كثيراً، منها ﴿
إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ (يوسف 104ــ  ص 87) ، ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر 9) ، ﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ ...﴾ (الأنبياء 50) ، ويقول تعالى يؤكد أن ذكر الله في القرآن وحده ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً  وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً﴾ (الإسراء 45: 46).
فالمشركون كانوا ينفرون من النبي لأنه يذكر ربه من خلال ما ورد في القرآن الكريم فقط ، فقال تعالى ﴿
وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً﴾ ، والشاهد هو قوله تعالى ﴿وَحْدَهُ ﴾ التي ترجع لله تعالى والقرآن معاً ، ومن الإعجاز البلاغي أن تأتى كلمة ﴿وَحْدَهُ ﴾ ليعود الضمير فيه على الله وكتابه بضمير المفرد وذلك يؤكد لنا أن المسلم هو من يكتفى بالله ﴿وَحْدَهُ ﴾ وبالقرآن ﴿وَحْدَهُ ﴾ أو من يكتفى بالله وكتابه ﴿وَحْدَهُ ﴾ ، أما المشرك فيحلو له دائماً أن تتعدد لديه المصادر والآلهة ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً﴾ وهذا ما توضحه الآية..
نسأل الله تعالى لنا جميعاً الهداية...!!

ـ القرآن كامل تام لا يحتاج لشيء آخر معه  
يقول تعالى ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ (الأنعام 115). إذن تمت كلمة الله لنا بالقرآن ولا مبدل لكلمة الله..
ويقول تعالى ﴿
...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً ﴾ (المائدة 3). إذن تمت نعمة الله علينا بالإسلام الذى ارتضاه لنا ديناً وذلك باكتمال وحى القرآن.
ويقول تعالى ﴿
وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ (لقمان 27) ، ويقول تعالى ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ﴾ (الكهف 109).
ليس هناك حد أقصى لكلمات الله التي لا تنفد. والقرآن كتاب مثاني يتكرر فيه المعنى مرة ومرات، وفيه تفصيل وتوضيح وتبيين على حكمة وعلم ، وتأتى أحياناً كلمة ﴿
قُـلْ﴾ تؤكد معنى سبق إيراده في القرآن وذلك حتى تكون أقوال الرسول من داخل القرآن وليست من عنده أو من خارج القرآن.
ولو أراد الله أن تكون كلماته لنا بلا نهاية لفعل وحينئذ لن تكفيها الأشجار أقلاماً ولا البحار مداداً ، ولكن شاءت رحمة الله بنا أن أنزل لنا كتاباً واحداً تاماً كاملاً مفصلاً مبيناً وأمرنا بالاكتفاء به.
ولذلك كان الاكتفاء بالقرآن رحمة ﴿
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ وكان الله تعالى شهيداً على أن كتابه يكفى فيقول تعالى ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ﴾ (العنكبوت 51: 52).

ـ القرآن هو صراط الله المستقيم وما عداه خروج عن الصراط المستقيم


في الفاتحة ندعو الله تعالى فنقول ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ والصراط المستقيم هو القرآن الكريم، يقول تعالى عن كتابه الكريم ﴿وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ (الأنعام 126).
ويقول تعالى يأمر باتباع القرآن الصراط المستقيم دون غيره ﴿
وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (الأنعام 153). فالله تعالى أوصى باتباع القرآن صراطه المستقيم ونهى عن اتباع غيره من السبل حتى لا يقع المسلمون في التفرق والابتعاد عن سبيل الله. وحدث ما حذر منه رب العزة فاختار المسلمون أحاديث نسبوها للنبي عليه السلام واختلفوا في أسانيدها ، وقام (علم الحديث) على تنقيح تلك الروايات وتلك الأسانيد، وقوله تعالى ﴿وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ﴾ أي لا تتبعوا الطرق ، فالسبيل هو الطريق ، ومن العجيب أن علماء الحديث يقيمون تلك الأسانيد وتلك الروايات على سلاسل و"طرق" فيقولون أن الحديث من "السلسلة" الفلانية ، وأن تلك الرواية جاءت من "طريق فلان" أي أنهم حين تنكبوا الصراط المستقيم ونبذوه وقعوا في اتباع السبل وتناسوا قول الله تعالى ﴿وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ وتلك السلاسل والطرق التي قام عليها علم الحديث أوقعته في تفرق واختلاف لا ينتهى ، وصدق ما نبأ به كلام الله العزيز.
والله تعالى حذرنا من التفرق وقال لرسولنا عليه السلام (
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ (الأنعام 159) ، أي أمره بالتبرؤ ممن فرقوا دينهم.
والنبي يوم القيامة سيعـلن براءته من أولئك الذين تركوا كتاب الله وهجروه جرياً وراء مصادر أخرى ومعتقدات ما أنزل الله بها من سلطان، يقول تعالى ﴿
وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً﴾ (الفرقان 30: 31).
والقرآن هو الصراط المستقيم وحده..
ويستحيل هندسياً أن يكون هناك أكثر من كتاب واحد يوصف بأنه الصراط المستقيم ، وعلم الهندسة يقول أن الخط المستقيم هو أقصر ما يوصل بين نقطتين ولا يمكن ان يتعدد اكثر من خط مستقيم واحد بين نقطتين.. إذن لابد أن يكون خطاً واحداً ذلك الذى يوصف بأنه الخط أو الطريق المستقيم ، وعليه فالصراط المستقيم أو الخط المستقيم في دين الله تعالى لا يتعدد ، وطالما هو الكتاب الحكيم الكامل التام فليس معه كتاب آخر.
ومع أننا ندعو الله في صلاتنا بأن يهدينا الصراط المستقيم فإننا في العادة نكون غافلين عن معنى الصراط المستقيم ، وذلك بسبب إبليس الذى حدد مهمته في إبعادنا عن الصراط المستقيم وتحويله إلى طرق وسبل شتى ﴿
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ (الأعراف 16).
اللهم اهدنا الصراط المستقيم...!!


5- القرآن هو الحكمة


يقول تعالى ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ (الجمعة 2).
والشائع بين الناس أن الكتاب شيء والحكمة شيء آخر وحجتهم أن العطف بالواو يقتضى المغايرة إذن فالكتاب شيء آخر يغاير ويختلف عن الحكمة.
والواقع أن العطف بالواو في القرآن قد يكون للتبيين والتوضيح والتفضيل وليس للمغايرة. ودليلنا قوله تعالى ﴿
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ﴾ (الأنبياء 48) ، فالفرقان والضياء والذكر كلها أوصاف توضح وتفصل وتبين معنى التوراة ، وفى موضع آخر يقول تعالى عن التوراة في حديثه تعالى عن موسى وهارون ﴿وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ ﴾ (الصافات 117) ، فالتوراة أو الكتاب المستبين هي نفسها الفرقان والضياء والذكر ، والعطف هنا معناه التوضيح والتفصيل لمعنى الشيء الواحد وليس المغايرة.
والله تعالى يقول لعيسى ﴿
وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ﴾ (المائدة 110).
ويقول تعالى عن عيسى ﴿
وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ﴾ (آل عمران 48) ، فالكتاب والحكمة أوصاف للتوراة والإنجيل ، ولا يعنى ذلك أن الله تعالى علّم عيسى أربعة أشياء منفصلة مختلفة ، والدليل هو قوله تعالى عن عيسى ﴿وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ﴾ (الزخرف 63) ، فالحكمة هنا تعنى الإنجيل الذى جاء به عيسى ، والآية هنا تلخص ما جاء في الآيتين السابقتين عن الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ، إذن فالحكمة هي كتاب الله ، وبالنسبة لخاتم النبيين فقد جاءت في القرآن أوامر عديدة متتالية في سورة الإسراء تبدأ بقوله تعالى ﴿لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ..﴾ إلى قوله تعالى ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً﴾ وفى النهاية هذه الأوامر القرآنية يقول تعالى ﴿ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنْ الْحِكْمَةِ..﴾ (الإسراء 22: 39) ، إذن فالحكمة هي آيات القرآن ، والقرآن هو الحكمة فهو كلام العزيز الحكيم الذى جعله كتاباً محكماً ﴿ِكِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ (هود 1).
إن الحكمة من أوصاف القرآن ومن مرادفات الكتاب العزيز ، شأنها شأن كلمات أخرى مثل الفرقان والنور.
ودليلنا الأخير على أن الحكمة هي القرآن قوله تعالى ﴿
وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ (البقرة 231). فلو كانت الحكمة شيئاً آخر غير القرآن لقال "وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم بهما.."، ولكن لأن الحكمة هي القرآن فقد قال ﴿يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ فهما شيء واحد لذا عاد الضمير عليهما بصيغة المفرد..