رقم ( 2 )
الفصل الأول - ((ماهية الموت))

">عزرائيل هل هو ملك الموت؟ .

بين تمنى الموت والفرار منه .
مقالات متعلقة :


لا تأجيل لموعد الموت .

الوصية عند الموت.

ماهية الموت.

الموت: حقيقة أكبر من أن نضع لها تعريفاً جامعاًمانعاً . وربما يكون من الأفضل أن نقترب من الموت بعد مقارنات بينه وبين نقيضه "الحياة " وبين مترادفاته " الوفاة " " والقتل " .



بين الحياة والموت



كي نتعرف علىالعلاقة الأولية بين الحياة والموت علينا بإجراء هذه التجربة : خذ حفنة من التراب الجاف ثم اخلطها بالماء وافحصها تحت الميكروسكوب تجد أن التراب الذي كان ميتاً قدنبتت فيه الحياة فجأة ممثلة في آلاف من الكائنات الدقيقة ، بكتيريا وحشرات متناهيةالصغر كلها بدأت دورة جديدة من الحياة بعد الموت ، والسبب: وجود الماء .

هناك حيوانات ونباتات دنيئة تكمل دورة حياتها في أيام قليلة أو خلال ساعات ثم تكف عن الحركة والحياة الظاهرة لتنقسم وتتوالد وإذا ما جفت بركة الماء أو سادت ظروف سيئة في البيئة فإن مثل هذه الحيوانات تتحوصل أي تغلف نفسها بغلاف سميك وينكمش نشاطها الحيوي _ أي تدخل مرحلة الموت _ فإذا جاء الماءلتلك الحويصلات أو الجراثيم الساكنة دبت فيها الحياة ثانية .


 

وقد سبق القرآن الكريم إلى تقرير هذه الظاهرة العلمية فى عدة آيات تتحدث عن قدرة الخالق جل وعلا فى إخراج الحى من الميت وإخراج الميت من الحى ،وإحياء الأرض الميتة عندما ينزل عليها الماء الذى هو سر الحياة فى الكون ..اقرأ فى ذلك:


 

(يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى ويحى الأرض بعد موتها ) الروم 19


 

(تولج الليل فى النهار وتولج النهار فى الليل وتخرج الحى من الميت وتخرج الميت من الحى )- آل عمران 27

إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖيُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ۚذَ‌ٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ (الانعام 95

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَخَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّالَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۚ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " فصلت 39

وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَاالْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ --الحج 5


 

تحدثت تلك الآيات قبل ألف وأربعمائة عام عن هذه الظاهرة العلمية لتثبت قدرةالخالق وتدعوَ البشر عامة والمسلمين خاصة لأن يقدروا الله حق قدره ولتقرب للعقلالبشرى إمكانية البعث بعد الموت.

فالموت مرحلة من مراحل الحياةالمتجددة، والحياة خمود في قصة الموت .. ويبقى الموت والحياة من الأسرار الهائلة فيهذا الكون .

هناك أنواع عديدة من الموت وهناك درجات مختلفة من الحياة ، كائنات متناهية الصغر يبلغ قطرها نحو جزء من عشرة أجزاء من المليون من المليمتر تنقل أمراضاً معينة للإنسان والحيوان والنبات مثل مرض الأنفلونزا وشلل الأطفال ..وتسمى بالفيروسات ومع دقة حجمها فهى شديدة الشراسة ولها قابلية عجيبة فى مواجهة الظروف ومقاومة المضادات الحيوية ... والحرب إلى الآن مستمرة بين فيروس الأنفلونزا وعقول البشر ، وغالبا ما ينتصر فيروس الأنفلونزا ويظهر بآلاف الأنواعوالأشكال مقاوما لكل دواء جديد تتمخض عنه عقول العلماء .. ولا يزال العلم مشغولاًبمحاربة فيروس الإيدز وإذا وصل لعلاج ناجح له فسينجح الإيدز في إنتاج فصائل جديدةمنه لا يجدي معها هذا العلاج .

وما يهمنا في هذه الفيروسات أنهاالمثل الأدنى للحياة .. إذ إنها تتبلور أحياناً كبلورات الملح وتتخذ بالفعل شكلالبلورات أي تتحول إلى جماد ميت دون أن تفقد قوتها في نقل العدوى ، لكنها ومن ناحيةأخرى تتكاثر ويتضاعف عددها ، وبتلك الصفات تكون تلك الكائنات الشديدة الشراسة والذكاء في مرحلة وسطى بين الكائنات الحية والكائنات غير الحية وتلك هي إحدى عجائب الحياة والموت أن يجتمع الموت والحياة في كائن واحد .. وهو أدق الكائنات ..


 

وليس ذلك بمستغرب إذ إنه يجرى في داخل الجسد الإنساني نفسه .. لنفترض أنك عزيزيالقارىء في الثلاثين من عمرك مكتمل الرجولة والصحة ، ولعلك نظرت إلى صورة فوتوغرافية التقطوها لك حين كان عمرك أسبوعاً واحداً . ولو تأملت هذه الصورة لأيقنت أن ذلك الجسم اللدن الضعيف الذي كان لك وقتها لا يمت بأي صلة لك الآن .. ولو تتبعت صوراً أخرى التقطوها لك وأنت في سن العاشرة ثم في العشرين لأيقنت أنك في كل مرحلةتكتسب جسماً جديداً حتى إذا وصلت إلى الخمسين أو الستين صار لك جسد آخر .. تلك حقيقة نلمسها في أنفسنا .. أين ذهب جسد ذلك الطفل ؟ باختصار. مات .! أين ذهب جسدذلك المراهق حين نبلغ الأربعين ؟ مضى ! . أين ذهب جسد ذلك القوى بعد أن نبلغ من الكبر عتياً ؟ ولى .

هناك مراحل نمو في الجسد الإنساني يكمل بعضهابعضاً ولا يستطيع العلم أن ينقذ الإنسان من وصوله للشيخوخة والضعف ، لأنها مراحل حياة وموت تتكرر داخل الجسد ولا حيلة مع الموت .. يقول تعالى " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنبَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُالْقَدِيرُ " الروم 54

"
يَا أَيُّهَا النَّاسُإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّمِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِمُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰأَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖوَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِلِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةًفَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّزَوْجٍ بَهِيجٍ " الحج 5ً


 

والآية الأخيرة تذهب إلى ابعد مما قلناه ..قارن نفسك الآن بنفسك حين كنت جنيناًفي بطن أمك ؟ والآية تقرب لعقل الإنسان إمكانية البعث لأنه ببساطة يحدث تلقائياً فيجسد الإنسان الذي يشهد الحياة ثم الموت ثم إعادة الحياة أو البعث .. ويقرر العلم أن الجسد الانسانى يغير خلاياه خمسين مرة تقريباً خلال  عمره ..ولذلك يحتاج الإنسان إلى البروتين فى غذائه ووظيفة البروتين هو تجديد الخلايا التالفة والإحلال والإبدال فيها .


 

ويقول تعالى ( افرايتم مت تمنون ،ءأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون .نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فى ما لا تعلمون .ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون) الواقعة 58-62


 

الله قدر بيننا الموت الذى يجرى فى داخلنا .ويكفى أن يتذكر الإنسان نشاته الأولى طفلاً واهن الجسد ،ويقارن بين جسده الان وبين نشأته الأولى ليعرف أن ذلك الجسد الواهن قد مات فيه منذ زمن بعيد .الموت مخلوق فى داخلنا فى داخل خلايانا فكل الخلايا تموت لتحل محلها خلايا جديدة ،والتغذية بالبروتينات الحيوانية -بالذات - ضرورية لتعويض الميت والتالف من الخلايا ، الخلية الحية تحوى فى داخلها في داخلها عوامل فنائها المادية ، إذن الموت يعيش في داخل الخلية الحية .. إذنالموت مخلوق مادي داخلنا ، وليس مجرد عدم ،وكثيراً ما توقف المفسرون عند قوله تعالى : " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًاۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ "

وتساءلوا : نفهم كيف خلق اللهالحياة .ولكن كيف خلق الموت ، والموت عدم وفناء ؟؟

لم يعرفوا أن الموت مخلوق في داخلنا ولذلك لا نستطيع الهرب منه " أَيْنَمَا تَكُونُوايُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ " النساء78.


 

وهناك أنواع للحياة كما أن هناك أنواع للموت ، الموت الذي يحدث لخلايا الجسدالإنساني الحي يختلف عن الموت الذي يحدث للإنسان نفسه في نهاية عمره . والحياة التي يتحرك بها الحيوان المنوي في اتجاه البويضة غير الحياة التي ينتفض بها الجنين البشرى عند اكتمال نموه ونفخ النفس فيه . بالتالي فالحياة التي تنبض في الكائنات الدقيقة ذات الخلية الواحدة وفى الفيروسات – أصغر المخلوقات المعروفة – تختلف عن طبيعة الحياة في الثدييات ومنها الإنسان ، وهناك أكثر من ذلك ، الذرة بما فيها من نواة وإلكترون وحركة وطاقة وقوة هائلة .. ألا تعتبر نوعاً من الحياة . والشمس التي تجرى لمستقر لها وتوابعها . والنجوم السيارة .. ألا تعتبر نوعاً من الحياة ؟ إن الذرات الدقيقة تدخل في تفاعلات كيميائية لتكون مواد جديدة .. والنجم يبدأ صغيراًثم يصل بعد ملايين السنين إلى منتهى قوته ونشاطه ،ثم ينفجر ويموت . ويتحول إلى ثقب اسود في الكون .. يتحول إلى طاقة – غير مادية – يحبس كل شيء في داخله ويبتلع كل شيءحتى الضوء .. أي بالتعبير الدارج يتحول جسم النجم بعد موته إلى روح شريرة تحل لعنتها بكل من يقترب منها .. إن ماهية الموت والحياة أعقد بكثير مما نتحمل . لانستطيع أن نتصور أبعاد الموت وأبعاد الحياة والحدود التي تقف بينهما ، سواء في أدق فيروس أو أضخم نجم .

لذلك فإن القرآن يستعمل لفظ الموت على سبيلالمجاز ويستعمله على سبيل الحقيقة المادية .. يقول تعالى عن المشرك الذي لا يستجيبلدعوة الحق : " إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَالْمَوْتَىٰيَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ " الأنعام 36 ، " إِنَّكَ لَاتُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْامُدْبِرِينَ " النمل 80 ," فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُالصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ " الروم 52


 

ويقول تعالى عن الذي سمع الحق واستجاب له :

"
أَوَمَن كَانَمَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنمَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَ‌ٰلِكَ زُيِّنَلِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "الأنعام 122

وحقيقة الأمرأن لا مجاز هنا .. فالمشرك الذي لا يستجيب إنما هو ميت، إذ إن للموت أنواعا ،والعادة أن يكون الناس يهتمون بموت الجسد عند نهاية العمر وينسون ما عداه وخصوصاًالموت المعنوي ، حيث تحيا نفس الإنسان بالإيمان فيشرق فيها نور الهداية ، والنفسكائن مجهول لا يعلمه إلا الخالق جل وعلا.


 

بين الموت والقتل :

نتهي حياة الإنسان في هذه الدنيا بالموت أوبالقتل . وقد اصطلح البشر على أنه إذا انتهت حياة الإنسان نهاية طبيعية بالمرض ؛فإن ذلك معناه الموت . أما إذا انتهت حياته بإزهاق نفسه من مصدر خارجي كان ذلك قتلاً . وفى كل الأحوال يموت جسد الإنسان وتدخل نفسه إلى المجهول أو البرزخ . في تقرير الفارق بين الموت الطبيعي العادي وبين القتل الطارئ يقول تعالى">الإنسان هل هى الموت الطبيعي الآتي من داخل الإنسان أم القتل المفاجىء الآتي من مصدر خارجي .

ويتخيل الإنسان أن القتل قد قطع أجل الإنسان لأنه حدثمن مؤثر خارجي ، بيد إنسان آخر قتل أخاه الإنسان أو تسبب في قتله . ويتحمل الجاني أو المتسبب في القتل مسئولية أنه قطع أجل المقتول . وأن المقتول كان مقدراً أن يعيش أطول لولا أن حدث له طارئ القتل ، ويقرر القرآن أن القاتل لا يقطع أجل المقتول ،وأن المقتول بلغ نهاية أجله المقدر له سلفاً في علم الله وأن ذلك بالطبع لا ينفىمسئولية الجاني القاتل لأخيه الإنسان ظلماً .


 

وفى غزوة أحد التي قُتل فيها عشرات المسلمين اعترض بعض المنافقين من أتباع عبدالله بن أبى ، وقد كان عبد الله بن أبى يرى أن يرجع المسلمون ليتحصنوا بالمدينة ،وقد رجع فعلاً بأصحابه في أثناء المسيرة لأحد .. وبعد الهزيمة ومقتل الكثير من المسلمين قال المنافقون : لو أطاعونا ورجعوا معنا ما قتلوا .. وجاء الرد من الله بأنه ليس في طاقة أحد من البشر أن يهرب من مكان موته أو موضع مصرعه اقرأ في ذلكقوله تعالى : " ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًايَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ ۖ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْيَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَللَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗيُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَامِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِيبُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗوَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " ال عمران 154


 

أي لو كان أولئك في بيوتهم لخرجوا رغم أنوفهم إلى مكان مصرعهم الذي لا مفر منه . وتأتى الآية التالية لتحذر المؤمنين من نفس المقالة : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَاضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُواوَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَ‌ٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُيُحْيِي وَيُمِيتُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "


 

ولأن الله هو الذي يحيى ويميت فهو الذي قدر سلفاً موعد ومكان الموت سواء كان موتاًطبيعياً أو قتلاً ، ومن يعترض على ذلك لا يستطيع أن يدرأ الموت عن نفسه :

"
الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَامَا قُتِلُوا ۗ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْصَادِقِينَ " آل عمران 168

وفىغزوة الأحزاب كان بعض المنافقين يفر إلى بيته مخافة القتل فقال تعالى :

"
قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَالْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا " الأحزاب 16

وتقول الآية التالية : " قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَبِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً ۚ وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِاللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا "

ليس للقاتل فيجريمة القتل إلا ما كسبت يداه من الإثم ،ولله وحده تحديد أجل الإنسان ، والإنسان لايعلم عن الغيب شيء . وأجل الإنسان من مظاهر الغيب الذي لا يعلمه إلا الله وحده . والله هو المحيى المميت .. يقول تعالى عن قتلى المشركين في بدر : " فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ " الأنفال 17

ويقول تعالى عن الإنسان بوجه عام :

"
ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ, " عبس 21


 

بين الموت والوفاة

الوفاة بالنسبة للإنسان أعم من الموت . الوفاةتعنى أن الإنسان قد وفى ما له وما عليه ، أما الموت فهو نهاية حياته في هذه الدنيا . ومن الطبيعي أن تكون كل أعمال الإنسان وأجله والمقدر له أوعليه تنتهي أو توفىبنهاية حياته ، وهنا يجتمع الموت مع الوفاة . فيقال : توفى فلان أو مات . ولكن للوفاة معنى خاص يتميز به عن الموت .. فحين يخلد المرء إلى لنوم وتذهب نفسه إلى عالم البرزخ يكون عمله في ذلك اليوم المنصرم قد وفى ، ويقال للإنسان النائم حينئذأنه قد وفى عمله والمقدر له وعليه في اليوم الذي انتهى بنومه ، يؤخذ ذلك من قولهتعالى : " وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُمَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّىۖ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " لأنعام 60

فالقرآن يصف نوم الإنسان بالليل بأن هوفاة " وهو الذي يتوفاكم بالليل" وهى وفاة أي توفية لذلك اليوم الذي انقضى "ويعلم ما جرحتم بالنهار " ويصف القرآن يقظة الإنسان بأنها البعثة " وثم يبعثكم فيه " وتتكرر هذه العملية إلى أن يأتي الموت الذي تنتهي به الحياة في أجل محدد ومسمى عندالله " ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى "


 

وعن الفرق بين تلك الوفاة المتقطعة _ أي النوم _ وبين الموت النهائي يقول تعالى :

"
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَمَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰعَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِيذَ‌ٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " الزمر 42

فالآية الكريمة هنا تقرر أن الوفاة أعم من الموت . فالوفاة تشمل الموت النهائي ، وتشمل النوم ، والله يتوفى الأنفس التي انتهى أجلها بالموت ويتوفى الأنفس التي تخلد للنوم ، وحين يحتفظ بالنفس التي قضى عليها الموت فإنه يرسل بالنفس النائمة ليستيقظ صاحبها في الصباح .


 

موت الجسد وموت النفس :

للموت علاقة عضوية بالجسد .. فمعناه أن ذلك ا لجسد قد فقد القدرة على الحياة بمؤثر داخلي كالمرض أو خارجي فجائي كالقتل .. وتحديد وقت الموت للجسد عند الأطباء يكون بتوقف الدماغ عن العمل بضع دقائق . وإن كان الأمر لا يزال محل البحث والدراسة .. وقد جاءنا التقدم العلمي بظاهرة غريبة وهي أولئك الموتى الأحياء(الموت السريري) ، ممن فقدوا الوعي مدة طويلة وانتهت علاقتهم بالأحياء غير أن الأجهزة العلمية المتطورة تقوم بالعمليات الضرورية لبقاء الجسد حيا فترة طويلة لابد أن يعقبها عجز الجسد المنهك عن الاستمرار فيذبل بعد أن يكون المريض الميت قد أستهلك كل أموال أهله في تلك الفترة . والجدل القائم الآن هو ، هل من الرأفة أن يظل ذلك المريض الميت هكذا أم يجب قطع شرايين الحياة الصناعية لذلك الجسدالذي " أنتهي عمره الافتراضي "؟

الذي يهمنا هنا أن النفس وهىالمعيار الحقيقي في تحديد وفاة الإنسان وموته قد تركت ذلك الجسد وأصبح صاحبه ميتا ،وما تقوم به أساليب التكنولوجيا المتطورة من أعطاء الجسد المتهالك تغذية صناعيةمؤقتة وتنفسا صناعيا لن يجدي في نهاية الأمر لأن الأنسجة الميتة في الجسد لن تصمدطويلا مهما أوتيت من وسائل حياة صناعية .

وقد فطن العلم الحديث إلىالعلاقة العضوية بين الجسد وتغذيته الصناعية التي تمكنه من الاستمرار في حياة مؤقتةحتى بعد تدمير معظم خلايا الدماغ ودخوله في غيبوبة . الأمر الذي خلق فجوة بين موت الجسد وموت النفس ، ثم عرفوا أنه قد توقف الدماغ .. وهم الآن يحاولون بث الحياةبقوة التكنولوجيا في جسد متهالك ونفس تركت الجسد الذي إن عاش قليلا فلأن حياته تستمر من الغذاء صناعيا أو طبيعيا ..


 

وقد ذكر القرآن الكريم الجسد مرتبطا بالطعام مشير إلى ذلك الارتباط العضوي بينالجسد والطعام فقال تعالى عن موت الأنبياء : " وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّايَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ " الأنبياء 8 .

أي أن الأنبياء كانوا جسدا يأكل الطعام مثل باقي البشر ،والبشركلهم سيموتون .


 

الموت من صفات الخلق لا الخالق

من بديهيات الإيمان أن الخالق جلوعلا هو الحي القيوم الذي لا تدركه سنة ولا نوم ولا يلحقه موت : " اللَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌوَلَا نَوْمٌ)) البقرة 255

وإذاكانت لا تدركه سنة ـ أي نوم خفيف ـ ولا نوم فمعنى ذلك أن الموت مستحيل عليه

"
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ" الفرقان 58

وقد يوصف الإنسان أوأي كائن حي بأنه (( حي )) ولكن لا يقال له (( الحي )) لأن الحي لا يكون إلا اللهوحده .. فأنا حي أي أحيا حياة مؤقتة يتخللها الموت النسبي وهو النوم ، وموت الخلاياداخل جسدي ، وتنتهي هذه الحياة المؤقتة بالموت الكامل للجسد ورجوع نفسي للبرزخ الذي جاءت منه . أما الله فهو (( الحي )) أي الأول والآخر الذي لا يموت ولا تدركه سنةولا نوم وما سوى الله تعالى فهو هالك . " كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ " القصص 88

"
كُلُّمَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِوَالْإِكْرَامِ"

الرحمن 26 : 27

قد تكون تلك الحقائق بديهية لا جدال فيها ، ولكن لابد من ذكرها لننفى تلك العقائد التي تجعل بعض البشر يظلون أحياء في قبورهم . أي يشاركون الله في صفة الحي الذي لا يموت .

ومن المؤسف أن هذه العقيدة تشكل التدين العملي لكثير من المسلمينالذين يذهبون للتوسل بصور الموتى اعتقاداً منهم إن أولئك الموتى أحياء في قبورهميسمعون الآهات والتضرعات والصلوات التي ينبغي أن يتوجه بها المؤمن لله وحده . والمفجع أنهم يعتقدون أن النبي حي في قبره قريب من أولئك المتوسلين به يجيب دعوةالداع إذا دعاه ، وأن أعمال البشر تعرض عليه فإذا وجدها خيراً حمد الله وإن كانتغير ذلك استغفر وشفع لأصحابها .

هؤلاء يسيئون للنبي من حيث لايدرون ويضعونه في موضع لا يرتضونه هم لأنفسهم .. فمعنى اعتقادهم أن النبي حي فيقبره بزعمهم أنهم حكموا على النبي بأن يظل سجيناً محجوراً عليه في قبره ,في حفرةتحت الأرض منذ وفاته إلى قيام الساعة .. وهو حكم جائز لا يرتضيه أحدهم لنفسه فكيفيرتضيه للنبي ؟
وحين أراد الله تكريم بنى آدم علم قابيل كيف يوارى سوأة أخيه المقتول ، وأصبح من الإكرام للمتوفى أن يوارى جسده التراب حتى يتحلل بعيداً عن أنوف الأحياء وعن عيونهم . ولكن الله استثنى من هذا التكريم فرعون ,إمام كل أصحاب النار ، فأبقى جسده ليكونعبرة فقال تعالى له : " فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَالَغَافِلُونَ" يونس 92

في بدايةالدعوة في مكة كان النبي في صراع مع كفار قريش فقال تعالى للنبي :

"
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْيَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ" الزمر 92

ولنتأمل في الآيتين : حين نزل قوله تعالى للنبي " إنك ميت " كان في بداية الأربعينات .. ولا يزال أمامه عمر طويل يقضيه ما بين مكةوالمدينة ، ومع ذلك جاءت الصيغة بالجملة الاسمية "إنك ميت " ولم تقل له مثلاً " إنك ستموت " والجملة الاسمية تفيد الثبوت أي أن الموت ثابت في حقك مهما عشت من عمر . ثم تقول " وإنهم ميتون " وتقصد أن أعداءك المشركين هم أيضاً ميتون وهذا ما نفهمه منالآية التالية : " ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَالْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ "


 

 


 

ولن يختصم مع النبي يوم القيامة إلا أعداؤه ، أبو جهل ، عقبة بن معيط ، أمية بنخلف ، أبو لهب .. الخ . والنظرة السريعة لقوله تعالى " إنك ميت وإنهم ميتون " تفيدالمساواة بين النبي وأعدائه في استحقاق الموت ، والتأكيد هنا بورودها على شكل جملةاسمية حسب المفهوم من فصاحة اللغة العربية .. أي لاشك في أنك ستموت وفى أنهم سيموتون .. والنظرة المتعمقة في قوله تعالى " إنك ميت وإنهم ميتون " تجعل التأكيد لموت النبي يزيد عن نظائرها في تأكيد موت المشركين من أعدائه ، فالآية بدأت بالنبى يوخاطبت النبي مباشرة فقالت " إنك ميت " ثم ثنت بالمشركين وتحدثت عنهم بضمير الغائ بوليس بضمير المخاطب ، وضمير المخاطب أكثر معرفة من ضمير الغائب .. والتركيب القرآني غاية في الدقة والفصاحة ولم يأت عبثاً ـ سبحان الله عن العبث ـ وإنما جاء ذلك التركيب اللغوي ليرد على دعاوى, علم الله أنها ستظهر بعد القرآن, تشيع أن النبي حيفي قبره فأراد الله تعالى أن يكون كتابه حجة عليهم إلى يوم القيامة .

لن يدعى أحد أن أبا جهل حي في قبره .. وإنما يدعى الكثيرون أن النبي (ص) حي في قبره .. لذا كان لابد من زيادة جرعة التأكيدات في استحقاقه الموت أكثر من التأكيد على موت أعدائه الذين لا خلاف على استحقاقهم الموت ، وقد ذكرت الآية موتهم لتزيد من يقين المؤمن بأن محمداً (ص) ميت لا محالة وأن موته سيكونطبيعياً شأن كل إنسان .


 

وعطاء هذه الآية " إنك ميت وإنهم ميتون " لم ينفذ بعد .. إن الآية ببساطة أخبرتالنبي والمؤمنين معه في مكة أنه لن يقتل في سبيل الله ولكن سيموت على فراشه ميتهطبيعية .. لأن القرآن ينهى أن نقول على من قتل في سبيل الله بأنه ميت :

"
وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚبَلْ أَحْيَاءٌ وَلَـٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ)) البقرة 154 .

بل ينهانا ربنا جلا وعلا أن نحسبهم ضمن الأمواتفيقول بلهجة التأكيد الشديد :

"
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَقُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْيُرْزَقُونَ " آل عمران 169

المقتول في سبيل الله  فقط ـ هو الذي يستحق الحياة عند الله وإذا وصفناه بأنه ميت فقد عصينا أمر الله في القرآن .. ولكن في نفس الوقت فالقرآن يخبر النبي بأنه ميت . وعلينا أن نؤمن بذلك وإلا فقد كذبنا آيات الله .. وليس لنا إلا التسليم وأن نقول " سمعنا وأطعنا " كان الجاهليون في عصر النبي يؤمنون بحياة الأولياء في قبورهم ويتقربون إليهم بالقرابين والنذور ويتوسلون بهم والله تعالى يقول عن هذه الآلهة الموتى :

"
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ -النحل 20 ، 21 .


 

أي أن هؤلاء الأولياء أموات غير أحياء ولا يشعرون متى سيبعثون من قبورهم . ومع ذلك فقد كان الجاهليون يخيفون النبي من الاعتراض على هؤلاء الأولياء الموتى " وسرهم الباتع " فنزلت الآيات تأمر النبي أن يتحدى أولئك المشركين وآلهتهم الموتى الذينأصبحوا تراباً ، يقول تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْدُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْكُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍيَبْطِشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۗ قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ " الأعراف 194، 195 .

بل إن الجاهلين منحوا أنفسهم أيضاً حق الحياة في القبر والخلود فقال تعالى للنبي :

"
وَمَاجَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِفِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ " الأنبياء 35: 34

وبالفعل .. إن كان النبي سيموت . أفيكون الخلد من نصيب المشركين وأوليائهم ؟ ولا يزال السؤال مطروحاً .

وقد تحدث القرآن عن موتالأنبياء قبل محمد (ص) مثل : عيسى :

"
وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَوُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا " مريم 33

يحيى :

"
وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَوَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا " مريم 15

سليمان

 
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ۖفَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَالَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ " سبأ 14

يوسف :

"
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ " يوسف 101

وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَاهَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَ‌ٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ

غافر 34

يعقوب :

"
أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَيَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوانَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَإِلَـٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ " البقرة 133 " إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّي نَبِغَيْرِ حَقٍّ " آل عمران 21

"
ذَ‌ٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّيَبِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَ‌ٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ " البقرة 61

"
قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " ل عمران 183

إذن ليست لجسدالنبي حصانة تمنع عنه القتل ، ونعرف ما حدث لمحمد (ص) في غزوة أحد ، وهلع المسلمون فيها مخافة أن يكون قد قتله المشركون ، ونزل القرآن يعتب عليهم :

"
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ افإن مات أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ " آل عمران 144

ولم يثبت في القرآن أن أجساد الأنبياء لها حصانة بعدموتهم تدفع عنهم التحلل والتحول إلى تراب .وحين أمات الله النبي سليمان أراد أن يجعل من جسده الميت برهاناً للجن يثبت أنهم لا يعلمون الغيب ، فظل جسده الميت متصلباً مرتكزاً على عصا تمنعه من السقوط ، ولما تآكلت العصا خر الجسد على وجهه وعرفت الجن المسخرة أن سليمان مات من زمن .

"
فَلَمَّا قَضَيْنَاعَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوايَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ " سبأ14


 

بل تحدث القرآن عن مصرع بعض الأنبياء

وتصلب الجسد الميت أحدى مراحل التحلل ويعقبها انفجار الأحشاء وتحلل الجثة إلى غازات وعناصر أولية تعود للأرض بفعل جراثيم التعفن والتحلل .. وكل محسوب ومسجل ، كل ذرة من الجسد الميت يعرف الله مستقرها ومآلها ، يقول تعالى لمنكري البعث : " بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَـٰذَاشَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ۖ ذَ‌ٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ ۖ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ) (ق2 :4)

ويعتقد البعض أن الولي المدفون في ضريحه يظل جسداً حياًيتلألأ نوراً .وذلك إفك يرفضه القرآن.والدليل في قصة أهل الكهف الذين كانوا أولياءلله وصفهم القرآن بأنهم : " نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُ مْبِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى - وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَـٰهًا ۖ لَقَدْ قُلْنَاإِذًا شَطَطًا " الكهف 14:13



وقد ظلوا في الكهف ثلثمائة سنين وازدادوا تسعاً ..

والسؤال كيف كانت هيئة أولئك الفتية النياموليس الأموات – حين كانوا رقوداً ؟ كانت هيئتهم بشعة ، تغيرت وجوههم إلى ملامح الموت المرعب ، يقول تعالى : " لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا "الكهف 18

إذن ما يحدث للجسد عند الموت لا علاقة له بصلاح صاحبه أو فساده .


 

ومعظم الأضرحة المنسوبة لمشاهير من الصحابة والتابعين في مصر أضرحة مزورة كمايقول المحققون من العلماء ولكن نفترض جدلاً أن صاحب الضريح مدفون فعلاً في داخله . فهل يمكن أن يتحمل الناس مجرد فكرة أن يخرج لهم من تحت التراب ليقول أهلاً وسهلاً ؟وهل يستطيع عشاق ذلك الولي المدفون أن ينظروا إلى وجه الميت ؟ أم أنهم سيولون منه فراراً وسيملؤون منه رعباً ؟

وفى النهاية فإن التبرك والتمسح لايصل منه شيء إلى رفات الولي الميت وعظامه الرميم ، وإنما يكون التبرك بالطبع من نصيب المقصورة التي تمثل ذلك الولي .. وهذه المقصورة تتكون من أخشاب وزجاج وأحجارومسامير ، وكلها مواد بناء لا تختلف عن نظيرتها في أي بناء آخر ، ولكنها اكتسبت قدسية مزورة بفعل الشيطان الذي يتلاعب بعقائد الناس .. ولا شك أن القفل الموضوع علىباب الضريح يحوز على أكبر قسط من التبرك والتمسح .. مع أنه غالباً ما يكون مكتوباعليه made in china .


 

رسل الموت

لا يتحمل الكون تجلى الله له ..

"
فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ :

"
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ " الأنفال 17


 

وعرش الرحمن هو سلطانه على العالمين ،ويهيمن الرحمن على ذلك العرش بملائكته ،منهم من يكون تخصصه بأبناء آدم مثل الكرام الكاتبين والحفظة ورسل الوحي .. ثم رسل الموت الذين يرسلهم الله لقبض الأنفس حين الموت . والقرآن يسند ذلك الفعل ـ وهوالإماتة ـ لله باعتباره الذي خلق القوة ، وأسندها للملائكة التي تقوم بهذه المهمة .. فيقول تعالى : " وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا " النجم 44

"
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُالْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى " الزمر 42

"
ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ " عبس 21

"
وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ " يونس 104

وتارة يسند القرآن ذلك الفعل للملائكةالذين خولهم الله هذه المهمة

فيقول تعالى : " حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا " الأنعام 61

"
حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوايَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ " السجدة 11

والمعرف في كتب التراث والمتداول علىالألسنة أن ذلك الملك اسمه عزرائيل . و لم يرد, بالطبع, اسم لملك الموت في القرآن ،والقرآن ذكر أسماء لبعض الملائكة مثل جبريل وميكال ومالك .. وما ورد في القرآن من إشارات تجعلنا نفهم الأصل الذي جاءت منه تسمية ملك الموت بذلك الاسم عزرائيل .

فالمعروف أن إله الموت عند المصريين القدامى كان اسمه " أوزوريس "وتلك هي الترجمة اليونانية للاسم المصري الأصيل وهو "عزير" حيث تنقلب العين إلى همزة فيتحول اللفظ المصري " عزير " إلى " أوزير " في اليونانية وتضاف له السين .

وقد كان المصريون يعبدون عزير ، ونشأ بنو إسرائيل في مصر القديمةوحملوا أوزاراً من الديانة المصرية القديمة ظلت معهم حتى بعد أن شهدوا المعجزات التي أيد الله بها موسى .. من ذلك أنهم عبدوا العجل حين تركهم موسى أي كان تأثرهم بالديانة الفرعونية أقوى من إيمانهم بموسى ومعجزاته .. ثم ما لبثوا أن عادوا لعبادةإله الموت الفرعوني " عزير " فنسبوه لله على أنه ابن لله فقالوا بلغتهم " " عزيرائيل " وكلمة " ئيل " معناها عندهم الله .. وإسرائيل يعنى عبد الله .. ثم تسرب ذلك للتراث عند المسلمين مع تحريف بسيط إذ أصبح عزيرائيل عزرائيل فقط ، ولم يعدإلهاً للموت أو أبنا لله وإنما أصبح فقط ملك الموت الذي ترتعب منه الأفئدة وتخشاهالقلوب أكبر من خشيتها لله ..


 

وقد سجل القرآن إتباع اليهود للمصريين القدامى في ذلك حين قال تعالى :

"
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَ‌ٰلِكَ قَوْلُهُمْ ِأَفْوَاهِهِمْ ۖيُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ" التوبة 30

والذين كفروا من قبل وهم بعض المصريين القدامى الذين نشأ بنوا إسرائيل فيهم وعاشوا بينهم قروناً من عصر الهكسوس إلى عصر الرعامسة . بين تمنى الموت والفرار منه :

في لحظة الضعف الإنساني يتمنى الإنسان الموت . وقد حدث ذلك مع مريم العذراء التي حملت بلا رجل .

"
فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا" مريم 23

وفى حالة العجلة أوالضعف ينسى المرء نفسه فيدعوا على نفسه بالموتأو يدعوا على أقرب الناس إليه بكل شر . والموت في عرف البشر, من أهم ملامح الشر ،يقول تعالى :

"
وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُبِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا" الإسراء 11

وهذا الدعاء المتعجل بالموت لا يجدي في تعجيل الموت لأحد

"
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ۖ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَلِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ" يونس 11

وفى غمرة اليأس هذه قد يقع الإنسان في جريمةالانتحار

"
وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَ‌ٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَ‌ٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا" النساء 29 : 30

لا أن ذلك المنتحر إذا دخل في عملية الموت حاول بكل ما تبقى لديه من قوة أن ينقذ نفسه ، إذ إن غريزة البقاء في داخله أقوى من لحظة الضعف الطارئة . وقد كان بعض الصحابة يتمنى الموت في سبيل الله بعد غزوة بدر ثم أتيح له أن يرىالموت بعينيه في تجربة " أحد " يقول تعالى : " وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ" آل عمران 143

وفى المقابل كان بعض المنافقين يفكر بقدميه فيفر طلباً للنجاةبنفسه في غزوة الأحزاب ، وفيهم يقول تعالى : " قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًالَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا" الأحزاب 16

كان لبعضهم موقفآخر " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواالصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَافَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚوَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَاإِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌلِمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ " النساء 77 : 78


 

والدرس الذي ينبغي أن نتعلمه من الآية أن لا نخاف الموت ولا نتمناه .. فالموت حتمي لا مهرب منه لأنه يعيش في داخلنا ، ونحن إليه سائرون شئنا أم أبينا ، يقولتعالى لنا :

"
نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَانَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ" الواقعة 60

ولا يستطيع مخلوق أن يسبق قضاء الله ، والذي يفر من الموت فسيجد الموت أمامه :

"
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" الجمعة 8

وقد حدث أنه لما هرب قوم من الموت وجدوه بانتظارهم :

"
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ " البقرة 243


 

لا تأجيل لموعد الموت :

يحاول البشر دوما الفرار من الموت لاعتقادهم أنه يمكن تأجيل موعدالموت .

وهناك أساطير صيغت عل شكل أحاديث تدعي أن الله تعالى عرض على محمد (ص) أن يؤجل له موته ، والذين يرددون هذه الرواية المضحكة لم يسألواأنفسهم أين كان الراوي لهذه الرواية الخيالية ؟ هل كان ساعة احتضار النبي شاهداًعلى ذلك الحوار الذي دار بين الله ورسوله . وروايات من نفس القبيل عن موت نوح .. ولكن هناك رواية في التراث يضحك منها الحزين تقول إن موسى حين جاءه ملك الموت ضربه موسى على عينه ففقآها فرجع ملك الموت إلى الله شاكياً .. الخ وصيغت كرامة لأحدأولياء الصوفية على منوال هذه الأسطورة ، تقول إن أحد الأولياء جاءه ملك الموت يقبض نفس ابنه فقلعه الولي من يد ملك الموت وأنقذ ابنه من الموت وصرخ في وجه ملك الموت " ارجع إلى ربك " فرجع ملك الموت كاسف البال حزيناً وعاش ابن الولي بعدها ثلاثين عاماً ,الأسطورة موجودة في الطبقات الكبرى للشعراني /123 ط صبيح .


 

هذه الأساطير تبالغ في تقديس البشر بنفس القدر الذي تنتقص فيه من التقديس الواجب لله وحده .. وصدق الله العظيم . " وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ " الأنعام 91 ، الزمر 67

"
مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ " الحج 74

وهذه الأساطير صيغت لتكذب بآيات الله التي تؤكد أنه لا تأجيل لموعد الموت ومنها .

"
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَايَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ " الأعراف 34

"
إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ۖ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ " نوح 4

"
وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚوَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " المنافقون 11


 

وحتى لا يتوهم أحد أنه بمقدور بشر أن يبطش بملك الموت يقول رب العزة :

"
وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْلَا يُفَرِّطُونَ " الأنعام 61

إن تحديد وقت الوفاة لكل إنسان إنماهو بإذن الله وحده

 
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّابِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا " آل عمران 145

ولا يملك بشر أن يبدل قضاء الله يقول تعالى : " مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ " ق 29

وهناك عبارات تقال للمجاملة في مناسبات العزاء تعبر عن أمنيات البشر في تأجيل الموت .. وهذه العبارات تحمل إلى جانب مجاملة الأحياء من أقارب الميت ، شعوراً بالتعويض بالميت نفسه ، وأشهر تلك العبارات " البقية في حياتك " " خلف لك طول العمر " . كما لو كان المتوفى قد ترك باختياره بقية من حياته وأقارب الميت أحق بهذه البقية .

وقد تعودت الألسنة على أن تلوك هذه العبارات وتعودت الأفئدة أن تعرف مضمونها مع التسليم بأنه لكل أجل كتاب ويكفى أن المثل الشعبي يقول " العمر إلى حده " " مفيش حد يسيب من عمره حاجة " .. وكم من تناقضات في حياتنا.


 

وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَمَا يُعَمَّرُمِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَ‌ٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ " فاطر 11

ففي الآية أكثر من مجرد تحييدالأعمار للبشر . في الآية تأكيد على أن العد التنازلي لعمر الإنسان يبدأ بلحظة ميلاده وقدومه للدنيا .. إذ إنه حين يولد يكون مقدراً له سلفاً العمر الذي سيقضيه في الحياة الدنيا" ومضى على ولادته خمس دقائق ،إذن بقى له خمسين عاماً إلا خمس دقائق ،ثم إلا عشر دقائق ،وهكذا يبدأ العد التنازلى لحياته منذ اللحظة الأولى للميلاد.
وبعض الأساطير الدينية تجعل بعضهم يعرف موعد ومكان موته ففى أساطير الشاذلية أن أبا الحسن الشاذلى فى أثناء رحلته للحج أمر خادمه بأن يتخذ معه فأساً وأجهزة الدفن ،فأستغرب  الخادم فقال له أبو الحسن الشاذلى فى حميثرة سوف ترى::
ونحن أمام خيارين ،إما أن نصدق بهذه الأسطورة ، وإما أن نصدق بقوله تعالى (وما تدرى نفس بأى أرض تموت) .وإما أن نكذب بهذه الأسطورة وإما أن نكذب بقوله تعالى (وإلى الله مرجعكم)

أوجب الله تعالى على المؤمن عند الموت أن يوصي .... والوصية نوعان :

(1) نصيحة بالتمسك بالدين الحنيف وعبادةالله وحده ، وذلك ما كان الأنبياء يفعلون ، يوصى النبي أبناءه وذريته بالإسلام يقول تعالى : " وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّاوَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُإِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهًاوَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" البقرة 132 : 133

(2)
ثم وصية ماليةتتعلق بالتركة ، وفيها يوصي بجزء من تركته للوالدين إن كانا على قيد الحياةوالمستحق من الأقارب سواء كان له في الإرث أم لا ، والمهم أن يراعى ربه وهو علىفراش الموت ، يقول تعالى : " كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَأَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَين  وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ" البقرة 180

وهذه الوصية واجب مكتوب وحق مفروض على المتقين حين الموت . ومع ذلك فقد أبطلوا الحكم الواجب في هذه الآية واخترعوا بدلاً منها فتوى تقول " لا وصية لوارث " .. وأصبحت تلك الفتوى أكثر قدسية من كتاب الله الذي أوجب الوصية وفصل أحكامها .

"
البقرة 180 : 182 " " المائدة 106 : 108 " في السفر والحضر .
كتاب الموت
عن حقائق الموت فى القرآن الكريم .
أحبتى
قبل أن تقرأ هذا الكتاب :
أولا :
1 ـ فى اوائل التسعينيات كنت أمر بأقسى فترة من الضنك والفقر و المتابعة الأمنية . قليل ممن حولى من أهل القرآن من كان يدرك ذلك ،فقد كان بيتى مفتوحا يستقبل الأحبة والأصدقاء فى القاهرة وقريتى (ابوحريز)،و هذا المظهر يعطى إنطباعا مغايرا لما نعانيه .
أتذكر أن جاء لزيارتنا فى القاهرة أحد الأحبة من بلد بعيد وكان معه صديق له يريد التعرف بى ، ولم يكن فى بيتنا ما يفى بواجب الضيافة ، ولم يكن فى جيبى ما استطيع أن أقوم له بالواجب ، وليس من عادتى أن أقترض من أحد ، ركبنى الهول وأنا أستقبل ضيفى وصديقه ، وجاء الفرج حين صمم الأخ العزيز على أنه ليس لديه وقت لارتباطه
more