رقم ( 10 ) : الباب الأول : منهج القرآن الكريم فى التأكيد على التقوى غاية ومقصدا لفريضة الحج :
الفصل التاسع : التقوى تنفى أكذوبة الحج عن الغير

الفصل التاسع  : التقوى تنفى أكذوبة الحج عن الغير

أولا : لا إستنابة فى الحج

فى شرع الله جل وعلا لا يجوز أن يحُجّ أحد عن أحد ، فالمؤمن في مناسك الحج يقوم بها بنفسه ، فلا يصح الحج بالنيابة ، ولا تصح الاستنابة فى العبادات عموما وخصوصا  فى الحج ، فالحج تجربة شخصية على المستطيع بالنفس والمال ، لكى تتزكّى نفسه وتتطهّر . هذا التطهّر تجربة نفسية شخصية لا يصح أن يقوم بها أحد نيابة عن أحد . إنّ القائم بالحج يعيش جوا مختلفا فى الزمان والمكان والمشاعر والحلال والحرام ، ما يكون فيه حلالا فى الأوقات العادية وفى الأماكن الأخرى – مثل الصيد والحلق والرفث – يكون حراما . لذا يستلزم الحج إستعدادا نفسيا لتقبل مشاق التجربة من بدايتها إلى نهايتها ، ومن فشل فيها فإنه لم يتم الحج فى ميزان رب العزة . ولذا لا يجوز فيها أن يحج شخص عن آخر .  ودليلنا الآتى :

مقالات متعلقة :

1 ـ يقول سبحانه وتعالى : ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ )28 ) الحج) . قال: (يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ ) ( رجالا ) أى (مترجلين )  ، وقال (يَأْتُوكَ) ولم يقل يرسلون من ينوب عنهم، وقال:( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ )، والشاهد هو الذي يحضر بنفسه لا من ينيب عنه غيره .

2 ـ  ذلك الذي يحج عن غيره إذا وقع في المحظور ـ من رفث وفسوق وعصيان وجدال وحلق في الأحرام او قتل للصيد ـ فمن يكون عليه الآثم ؟ هل هو القائم بالحج نيابة عن الغير ؟ أم ذلك الغير القاعد بعيدا فى بيته لم يرتكب ما يستوجب الفدية ؟ ثم من الذي منهما يدفع الفدية ؟ ..

3 ـ و ذلك الذي يحج عن غيره إذا تاب وأناب وأتم فريضة الحج على أكمل وجه بينما القاعد فى بيته يلهو ويلعب .. من منهما ينال الثواب ؟

4 ـ ثم موضوع التعمد فى قتل الصيد ، كيف يؤاخذ الذى كلّف غيره بالحج عن نفسه إذا تعمد الأجير الذى يحج عن غيره قتل الصيد ؟ يقول جلّ وعلا :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (95) المائدة ) . أن التعمّد إرادة نفسية شخصية ترتبط بصاحبها ، ويتحمل هو مسئوليتها فى الدنيا والآخرة أمام الله العزيز المنتقم الجبّار، وهو وحده الذى يحاسب عليها ، فهو وحده الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور: ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (19) غافر)،وهذا مختصّ بالقائم بالحج . والله جل وعلا يعفو عن الخطأ غير العمد ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ (5) الأحزاب ). وهذه علاقة خاصة بين الفرد وربه جل وعلا ، لا مجال فيها لوسيط أو وكيل أو نائب عن الفرد ، أى لا تصح فيها الاستنابة .  ومثل التعمد فى قتل الصيد أن تمتلىء النفس بإرادة الالحاد والظلم فى الحج . لذلك فإن الله تعالى يعاقب على إرادة السوء فى قلب الحاج وهو فى حالة الاحرام : ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) الحج ).فمن يقع عليه العقاب هنا : الذى يحج عن غيره ؟ أم الذى يحج عنه غيره ؟

 5 ـ وقد يقول قائل : فما الذي يفعله صاحب المال الراغب فى الحج ولكنه غير قادر عليه بنفسه بسبب ضعف أو عجز  جسدى ؟ . ونقول ان الأستطاعة شرط في وجوب الحج ،والأستطاعة تشمل عموم المعنى ،اى الاستطاعة بالجسد وبالمال معا . ويكفي قوله تعالى " وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سبيلا) (97) آل عمران). ومن يمنعه عجزه الجسدي فليس عليه حج. اما إذا منعه مانع خارجي من الحج فقد دخلنا في موضوع الحصر في الحج .

6 ـ ويقولون انه يجوز للإنسان أن يحج عن الميت . وهذا خطأ فادح ، فالميت لم يعد له وجود فى هذه الدنيا ، وقد انتهى سعيه الدنيوى ـ إن خيرا أو شرا ـ بموته ، وسيراه يوم القيامة  (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)النجم ) ، وعند الاحتضار تأتيه ملائكة الموت تبشره بالجنة أو بالنار فقد تحدد مصيره :( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوْا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) ) (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (32) النحل ) (فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)( الواقعة ). لقد تم طىّ كتاب اعمال الميت فلا يقبل زيادة او نقصاناً،ولن يستفيد الميت بسعي غيره كما لا يضره سعي غيره أيضاً ، ولم يعد للميت مال ، فقد أصبح المال ملكا للورثة ولمن أوصى لهم قبل موته من الوالدين والأقربين .

ثانيا : لا إستنابة فى العبادات عموما :

الاسلام يقوم على الحرية الدينية ومسئولية النفس البشرية على إختيارها يوم الحساب ، فإن تطهرت وتزكّت فلها ، وإن إختارت الفجور والعصيان فعليها ، ولا تتحمل نفس بشرية وزر أخرى ، ولا تجزى نفس بشرية عن أخرى ، وبالتالى فليس فى العبادات إستنابة ولا يجوز أن يحج شخص عن آخر.  هذه هى حقائق الاسلام التى يخالفها أصحاب الديانات الأرضية من المسلمين . ولمجرد التذكير ، وتأكيدا على تناقض الاسلام مع الوهابية بالذات فنعطى لمحة عن حقائق الاسلام التى يكفر بها الوهابيون والسلفيون والاخوان المسلمون وغيرهم من أساطين الديانات الأرضية فى العالم . 

1ـ الحرية الدينية المطلقة لكل نفس بشرية ومسئوليتها يوم القيامة على إختيارها:(الكهف 29 : 31 ) وعن حرية البشر فى الايمان أو عدم الايمان بالقرآن الكريم ، إقرأ(الاسراء 107 ) ، وعن حرية البشر فى الالحاد فى القرآن وعلم الرحمن بذلك وتهديده لهم بعذاب يوم القيامة (فصلت  40 ) 

2 ـ لا تتحمل نفس وزر أخرى، ومصيرنا الى الله جل وعلا يوم القيامة ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون   (فاطر 18 )(الأنعام:194 ) (لاسراء 15)( الزمر 7) (النجم 38 : 42 )

3 ـ الهداية والضلال إختيار شخصى ، وكل فرد مسئول عن نفسه ، إن إهتدى فلنفسه وإن ضلّ فعلى نفسه : (الإسراء: 15) (الجاثية:15 ) ، ولذا فلا ظلم يوم القيامة( فصلت:46 )، وكل نفس مؤاخذة بما كسبت بالحق كما خلق الله جل وعلا السماوات والأرض بالحق:( الجاثية:22 ) والتكليف على قدر الطاقة والاستطاعة: (البقرة:286 ).  والكافر عليه كفره والمؤمن يمهّد لنفسه مستقرا فى الجنة:( الروم:44 ) لذا فإن من يشكر الله جل وعلا مؤمنا به خاشعا له إنما يفعل ذلك خيرا لنفسه وستلقى نفسه ثواب ذلك فى الجنة ونجاة من النار ، ومن يكفر فإنّ الله جل وعلا غنى عنه وعن العالمين:( لقمان:12 )،( النمل:40 ). وثواب الحج هو لمن أدّى المناسك متقيا ربه جل وعلا، وليس الله جل وعلا محتاجا لحجّه لأنه جل وعلا غنى عن العالمين: (97) آل عمران ).

 4 ـ وتزكية النفس أيضا مسئولية شخصية . فقد خلق الله جل وعلا النفس البشرية وقد الهمها الفجور والتقوى، والفجور فيها مقدم على التقوى:(الشمس7 : 10)،والفلاح فى تزكية النفس  يعنى الدرجات العلا يوم القيامة: ( طه 76) .وعملية التزكية هى إرادة ذاتية يتم بها تحكم الفرد فى نفسه وأن يلزمها بالتقوى إبتغاء مرضاة الله جل وعلا.هنا نتحدث عن ( الأنا العليا ) أو الضمير اليقظ فى داخل كل إنسان الذى ينهى النفس عن الهوى (النازعات :40 : 41)،وهو عكس الذى يكون عبدا لهواه وغرائزه ونزواته :( فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)النازعات ).وهناك وسائل كثيرة للتزكى ، أو السمو بالنفس حتى تكون متقية لله جل وعلا ، منها ذكر الله جل وعلا:(آل عمران: 135 )(الأعراف :205 )،والصلاة:(الأعلى14 : 15). والزكاة المالية (الليل 17 : 21 ).

 5 ـ والمتقى يعلم بأن الله جل وعلا يراه،ويؤمن بأن الله جل وعلا قائم على كل نفس بما كسبت  (الرعد :33 :42)،)ق (45)  لذا فإن المؤمن يخشى ربه جل وعلا فى سرّه قبل علانيته، يخشاه فى خلوته أو يخشاه بالغيب: (الملك  12 : 14). أولئك هم المتقون : (الأنبياء 50)، وهم من يقومون بتزكية أنفسهم ويحتاجون للوعظ المستمر حتى تستمر عملية التزكية والاصلاح ( فاطر 18 )( يس 11 ). هذه التزكية عملية ذاتية شخصية ، هى تعامل شديد الخصوصية بين الفرد وربّه جل وعلا ، بمحض إرادة المتقى دون فرض خارجى عليه من سلطة سياسية أو إجتماعية ، وبالتالى فلا مجال هنا لأن يقوم بها أو بوسائلها من الصلاة والحج شخص آخر .  

6 ـ آلية المساءلة يوم الحساب تنفى الاستنابة فى العبادة : فكل ما تفعله النفس يتم تسجيله عن طريق الملائكة الحافظين الذين يحفظون العمل ، يقول جل وعلا عن تسجيل العمل لكل نفس بذاتها : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ)الطارق:4 )، وبالتالى تكون كل نفس فى الآخرة رهينة وأسيرة بما عملت فى الدنيا : (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)المدثر:38 ). ويوم الحساب لا تنفع شفاعات البشر لبعضهم، ولا ينوب بعضهم عن بعض ولا تنفع نفس نفسا : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)الإنفطار:19 )، ( وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ) البقرة  48) ، بل تأتى كل نفس تدافع عن نفسها : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)النحل:111 ) عندئذ لا تستطيع نفس بشرية ـ تقية أو عاصية ـ أن تتكلم إلا بإذن الرحمن:( يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) هود:105 ) (رَبِّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا (40)( النبأ ).

يوم الحساب تأخذ كل نفس حقها بالعدل وفق عملها المسجّل لها او عليها والذى عملته بجسدها المادى وقت حياتها فى هذه الدنيا ، وتكرّر هذا فى القرآن الكريم بصيغ مختلفة منها : (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ)الزمر:70 )(لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)إبراهيم:51 ) (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)آل عمران:25 ). لذا يقول جل وعلا يحذّرنا مقدما (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) البقرة:281 ).

وبالتالى لا ظلم يوم الحساب فهو بميزان دقيق للأعمال الى قامت بها النفس وقت تحكمها فى جسدها الدنيوى :( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)الأنبياء )، وبهذا الميزان الدقيق لعمل كل نفس سيكون هناك نفس خاسرة ظلمت نفسها بأن تظل خالدة فى النار أبد الآبدين : (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)المؤمنون:103 ). الخسارة فى الدنيا هيّنة لأن الدنيا نفسها زائلة ووقتية ، والأحوال تتقلب فيها بين ربح يأتى بعد خسارة وخسارة تأتى بعد ربح ، وفى النهاية يأتى الموت. أما الخسارة الحقيقية فهى للنفس ذاتها حين تقضى حياتها الأبدية فى جحيم خالد ، يقول جل وعلا عن هذه الخسارة الحقيقية لأصحاب الجحيم:( قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)الزمر:15 )،( وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ)الشورى:45 ). والخاسرون فى النار نوعان حسب ظلمهم لأنفسهم ، فأكثرهم خسارة أو (الأخسرون ) هم ( رجال الدين ) والمتاجرون بالدين والذين يفترون على الله جل وعلا كذبا بأحاديث وأقاويل وتشريعات ، ويشترون بآيات الله جل وعلا ثمنا قليلا ، ويستخدمون دين الله جل وعلا فى الوصول الى حطام الدنيا، يقول جل وعلا عنهم وعن إفتراءتهم :(أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ  (21) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ (22)هود:21 ).هذا هو مصير الوهابيين والاخوان والسلفيين وكافة رجال الدين الأرضى إذا ماتوا دون توبة . عندها تكون خسارتهم الحقيقية ، خسروا أنفسهم لأنهم ظلموا أنفسهم ، فالخسران هو عكس التزكية للنفس بالتقوى .

ويوم القيامة سيلقى من ظلم نفسه العذاب بعمله السىء الذى عمله بنفسه . اى سيتحول العمل الظالم الى عذاب لصاحبه، وهذا ما نفهمه من قوله جل وعلا : (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)غافر:17 )، فالجزاء هو بنفس العمل السىء : (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)يس:54 )، ويشرح هذا قوله جل وعلا عن تعذيب من يكنز الأموال ولا ينفقها فى سبيل الله ، إذ تتحول هذه الأموال الى نار تكويه : (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35) التوبة  )( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)آل عمران ). هذا فيمن يبخل بماله .. فكيف بمن ينهب أموال الآخرين ويكتنزها لنفسه ؟ وكيف بمن ينهب موارد شعب بأكمله ويكتنزها لنفسه ؟ وكيف بمن يسرق موارد شعب بأكمله ويكتنزها لنفسه ثم يزعم أن ذلك هو الاسلام ؟ وكيف بمن يفرض ضريبة على حجاج بيت الله الحرام متحكّما فيهم وفى بيت الله الحرام ويكتنز الأموال السحت مما يأخذه من الحجاج ومعظمهم فقراء ؟ نتحدث عن الأسرة السعودية محور الشّر فى العالم ..ونبشرهم مقدما بالخسران العظيم طالما هم على هذا الشّر قائمون ..

إن الله جل وعلا قد أوجز فى سورة ( ق ) مراحل البشر بين الدنيا وألآخرة تأكيدا على المسئولية الفردية لكل نفس . فعن تسجيل عمل كل نفس يقول جل وعلا : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18). وعن الموت لكل نفس والذى تتحاشاه وتتناساه كل نفس : ( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19). وبعد موت الأنفس كلها يتم تدمير هذا العالم ويأتى اليوم الآخر ويكون البعث بعد إنفجار البعث ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20). وفى الحشر يرى كل منا ( رقيب وعتيد ) اللذين كانا يسجلان أعماله فى الدنيا، وقد تحولا الى سائق وشهيد؛ أحدهما يقبض عليه ويسوقه والآخر يشهد عليه ( وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) . لم يكن يراهما فى الدنيا وهو فى جسده الترابى ، ولكن فنى جسده الترابى وأصبح فى عالم جديد إنكشف فيه عنه الغطاء:( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) . ويرى الخاسر قرينه الشيطانى الذى كان يلازمه فى الدنيا يزين له الباطل حقا والحق باطلا ، ويتنازع مع قرينه الشيطانى  يتبرأ كل منهما من الأخر : ( وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27).  وردا على هذا التخاصم يأتى ردّ رب العزّة بأنه لا تبديل لحكم اله جل وعلا فمن حكم الله جل وعلا بدخوله النار فلن يخرج منها فهذا هو العدل الالهى :(قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (29) . وبعد أن تمتلىء جهنم بأهلها يظل فيها متسع : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30). هذا هو مصير الذين ظلموا أنفسهم .  أما المتقون فتأتى لهم الجنة : ( وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31). ويقال لهم ( هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)أى إن الجنّة تنتظر كل أوّاب تائب توّاب ، وسيدخلونها بسلام حيث كانوا فى الدنيا منحازين للسلام ومنقادين للرحمن . وتنتهى السورة بقوله جل وعلا لخاتم النبييّن:( نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45). فهو عليه السلام تنحصر وظيفته فى التذكير والتبليغ . أما الهداية فهى مسئولية شخصية . هذا فى الاسلام . أما فى الأديان الأرضية فهى تجارة يتم فيها بيع صكوك الغفران وتداول أساطير الشفاعات البشرية ، وتتحول فيها العبادات الى تجارة ينوب فيها فلان عن عن فلان ، ويحج فيها فلان عن فلان ، بل تتحول العبادات من سائل للتقوى الى تشجيع للإجرام ، فيظل أحدهم معظم العام سادرا فى الفسوق والعصيان ثم يقوم بالحج بضعة أيام ليرجع من الحج ( كمن ولدته أمه ) ..فلا ولدته أمّه ..!!

أخيرا :

الذى يحج الى بيت الله دون رغبة فى التقوى لن ينفعه حجّه . والذى يستأجر من يحج عنه لا ينفعه حج الغير عنه . والذى يحج عن ميت لا طائل من حجّه لهذا الميّت. والذى يحج وقلبه ملىء بالشرك سيحبط عمله بالشرك ، والذى يحج وهو مدمن للمعصية سيتضاعف نصيبه من المعصية ، والذى يحج الى البيت الحرام وقلبه معلّق ( بزيارة النبى ) هو عدو للنبى .  

كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين
يوضح كيفية الحج فى الاسلام وكيف زيفت قريش والمحمديون شعيرة الحج للبيت الحرام ، ويقع الكتاب فى ثلاثة أبواب تتضمن 34 فصلا .
more