رقم ( 15 )
ج2 ف 1 أثر التصوف فى شعيرة الصلاة فى مصر المملوكية

ج2 ف 1  أثر التصوف فى شعيرة الصلاة  فى مصر المملوكية

 

 الجزء الثانى :  العبادات فى مصر المملوكية  بين الإسلام والتصوف               

 الفصل الأول :أثر التصوف فى شعيرة الصلاة  فى مصر المملوكية

مقالات متعلقة :

أولا : أهمال الصلاة الإسلامية:

*  : إهمال الوضوء :

فريضة الوضوء تسبق الصلاة ،وإهمال الوضوء – والإستنجاء- تحت أى دعوى يحمل فى طياته إهمالاً للصلاة ،  إذ كيف تصح صلاة بلا طهارة..

 وقد كان من فضائل الصوفى وكراماته أنه يبقى بلا حاجة إلى وضوء مدة تطول حسب درجته فى الولاية أو على قدر كمية الكذب فى الرواية .. يقول ابن العماد فى ترجمته شمس الدين الكردى ت 811 نزيل القاهرة ( كان يذكر أنه يقيم أربعة أيام لا يحتاج إلى تجديد وضوء )[1]. وذكر اليافعى أن أحدهم ( صلَى بوضوء واحد اثنى عشر يوماً) ،وعد ذلك من كراماته [2]، وذكر الشعرانى أن أبا السعود الجارحى كان ينزل فى سرداب تحت الأرض ( من أول ليلة فى  رمضان فلا يخرج إلا بعد العيد بستة أيام وذلك بوضوء واحد )[3]. ونحن مطالبون بتصديق الشعرانى والجارحى مهما طال مكثه فى ذلك السرداب ، مع أن السرداب يوحى بقضاء الحاجة ويشجع عليها..

وأشهر الصوفية فى هذا المجال العفن هو تاج الدين الذاكر وقد تناقلت المصادر حكايته نقلاً عن الشعرانى ..وفيه يقول الغزى ( كان تاج الدين الذاكر يمكث إثنى عشر يوماً لا يتوضأ عن حدث ،(أى بول وبراز) ولم يعرف ذلك لأحد فى عصره إلا للشيخ أبى  السعود الجارحى)  [4]. أى أنها مباراة عقدها العصر العثمانى وفاز فيها الإثنان معاً،كل منهما يظل بدون بول وبراز طيلة هذه المدة ،وبالتالى لا يتوضأ. ومطلوب منا أن نصدق ذلك .

ويقول فيه ابن العماد الحنبلى ( كان لا يتوضأ عن حدث إلا كل سبعة أيام ،وسائر طهارته تجديد ،وانتهى أمره أنه إلى أنه كان يمكث اثنى عشر يوماً لا يتوضأ عن حدث ،ولم يعرف ذلك لأحد فى عصره إلا للشيخ أبى السعود الجارحى ، وقال عند موته إن له أربعين سنة يصلى الصبح بوضوء العشاء)[5].

   وقد نقل الغزى هذه المعلومات عن الشعرانى الذى عرض لذلك فى ( تنبيه المغترين)[6]،وقال عنه فى ( لواقح الأنوار)[7]،( كلما يصلي .. مايجدد الوضوء ، وكان لا يدخل الخلاء إلا من الجمعة إلى الجمعة ، وبقية الأُسبوع كله على طهارة ليلاً ونهاراً مع أكله وشربه على حكم عادة الناس ، وكل شيء نزل جوفه إحترق من شدة الحال ). والجملة الأخيرة هى مربط الفرس فمن كرامات صاحبنا أن شدة الحال عنده تحرق فضلاته وهو على أى حال تجديد فى الفكر الصوفى فيما يخص موضوع الإستنجاء والخلاء كمجالات إقتحمتها الكرامات الصوفية ..

   إذ يقول الشعرانى فى معرض حديثه عن كراماته ( .. وعزم عليه جماعة فى جامع ابن طولون فدعوه إلى ناحية الجيزة فى الربيع ، وصاروا يعملون له الخراف والدجاج واللبن بالأرز وغير ذلك وهو يأكل معهم من ذلك كله ، ثم لايرونه يتوضأ لا ليلاً ولا نهاراً مدة تسعة أيام [8].. اى أن شهرة تاج الدين الذاكر فى هذا المجال تطلبت إجراء تجربة فاز فيها بلا شك بألوان من الأطعمة المسهلة وخرج منها ناجحاً إذ لم يتوضأ وكان يصلى بالوضوء الوحيد الذى حافظ عليه طوال المدة .. واعتقدوا فى صدقه ، إذ كيف يكذب الولى؟. وما سأل  أحدهم عن جدوى ذلك كله والماء قريب ووفير؟؟. ولكنها الرغبة الصوفية فى الإستهزاء بالصلاة والطهارة فرائض الله تعالى ،فالصوفى يدعى كرامة له فى أنه لا يتبول ولا يتبرز ،ثم يصلى بلا وضوء ، ويصدقه الناس ، بل يقيمون له الولائم ليشاهدوا كراماته.

 وإذا كان ترك الوضوء فضيلة صوفية تستحق أن يقول تاج الدين الذاكر ليلة وفاته أنه حافظ عليها أربعين سنة ، فإن صوفياً آخر هو يوسف الحريثى اعترف بذلك للشعرانى ليلة أن توفى فقال له (خرجت من الدنيا وما عرفت أن أتوضأ )[9]. وهو بلا شك أفضل من تاج الدين الذاكر فلم يصبغ ذلك بكرامة أوافتراء، وإنما صدق مع نفسه فقال الحقيقة مجردة ،أنه أمضى حياته دون أن يتوضأ ،وبالتالى دون أن يصلى .

* صوفية لا يعرفون الوضوء ولا الصلاة :

  وقد سأل الشعرانى أحد الأشياخ المعتقدين فى عصره عن شروط الوضوء والصلاة فلم يعرفها، وكانت النتيجة أن غضب منه الشيخ الصوفى وقاطعه [10]، وأجبر بعضهم الشيخ بركات الخياط على أن يؤدى صلاة الجمعة فقال (مالى عادة بذلك ولكن لأجلكم أصلى اليوم) وتعلم على أيديهم كيفية الوضوء[11].

   وقيل فى ترجمة أبى بكر البجائى المجذوب المعتقد (كان يفطرفى نهار رمضان ولا يتوضأ ولا يصلى)[12]. أما الشيخ ابن عصيفير فى عهد الشعرانى فقد (ترك الصلاة حتى صلاة الجمعة والجماعة وصار لايستنجى قط)[13]

* صوفية لا يصلون  :

هناك أسطورة صوفية مشهورة عن رجل انقطع فى جزيرة ، وحدث أن وصل إليها بعض الناس ،وحزنوا حين وجدوا ذلك الرجل الطيب لا يعلم الصلاة فعلموها له وتركه فى الجزيرة ، وأبحر بهم مركبهم ، ففوجئوا بالرجل يلحقهم يمشى على الماء يطلب منهم أن يعيدوا تعليمه لأنه نسى الصلاة،فعجبوا منه وتركوه، لأنه ـ وقد عرفوا درجته وكرامته ـ  ليس فى حاجة إلى صلاة[14]..وهذه الأسطورة التى تقرب لأذهان العوام مبدأ إسقاط التكليف كانت عاملاً  ساعد على تحلل الكثيرين من الصوفية من فريضة الصلاة ما داموا قد وصلوا وتحلوا بالكرامات وشهد لهم عصرهم بذلك .. حتى أن اليافعى روى مفتخراً أنه قيل لأحدهم : لم لا تصلى ؟(فتكلم بكلام عجيب وأنشد شعراً)[15]  أى أن كلامه العجيب وشعره يكفيانه حجة له على تركه الصلاة ..

  2- ولم يعدم الصوفية وسيلة يبررون بها تركهم للصلاة ويرفعون بها من شأنهم فى الطريق الصوفي فى نفس الوقت ،فالفرغل ذلك الأمى الذى لا يحفظ القرآن كان لا يصلى محتجاً بأن له فى كل إقليم بدناً أى جسداً(فواحد من الأبدان يصلى والباقى ليس عليهم ذلك)[16]

  3- والمجذوب مقامه كبير عند الصوفية وهو بالطبع لا يكلف فقلبه جذبه الرحمن (تعالى عن ذلك علواً كبيراً) يقول الدسوقى (من غاب بقلبه فى حضرة ربه لا يكلف فى غيبته)[17]والمجذوب مستمر فى غيبته لذا ارتفع عنه التكليف .لذا كان أداء المجذوب للصلاة ظاهرة تسترعى النظر من المؤرخين المعاصرين له ،يقول ابن الصيرفى فى ترجمة الشيخ صالح المجذوب 876(كان يصلى ويتعبد مع جذبته)[18]

  4- وترتب على إهمالهم للصلاة أن أهملوا القرآن الكريم فلم يحفظوا منه ما يستعين  به المسلم على صلاته وقد قلنا أن الفرغل كان لا يحفظ القرآن[19]، وتفوق عليه آخرون فكانوا لا يحفظون الفاتحة نفسها ،فقد ورد فى التبر المسبوك أن بعض كبار الصوفية عقد لهم السلطان مجلساً للتحقيق فى بعض إنحرافاتهم وسأل المشايخ عن قراءة الفاتحة فلم يحسنوا قراءاتها[20].

  5- وبعضهم لم يكتف بترك الصلاة وإنما كان يعاقب من له عليه سلطان إذا صلى ، مثل الشيخ شهاب الدين النشيلى وقد ترجم له الشعرانى فقال فيه (وكان الشيخ شهاب الدين الطويل النشيلى   ينادى خادمه وهو فى الصلاة فإن لم يجئه مشى إليه وصكه ومشى به ، وقال كم أقول لك لا تعد تصلى هذه الصلاة المشئومة ،فلا يستطيع أحد أن يخلصه منه)[21]. ونفهم من النص أن ذلك كان يحدث مراراً وتكراراً ، والشعرانى يكتب هذه الحادثة عن شيخه النشيلى فى معرض الفخر به ومدحه .

 * ترك صلاة الجمعة و الجماعة :

  وهى صلاة طابعها الظهور ،وإهمالها يعنى إهمال الصلاة الأخرى التى تؤدى بإنفراد ،وقد يتدرج الصوفى من ترك الصلاة المنفرة الى ترك صلاة الجمعة والجماعة كما قيل عن ابن عصيفير سالف الذكر (ترك الصلاة حتى صلاة الجمعة والجماعة )[22]. ، وقد توحى بعض الروايات الصوفية أن بعضهم كان يهمل فى صلاة الجماعة والجمعة فحسب فقد سئل أبو العباس المرسى عن صوفى شهير لا يحضر صلاة الجمعة [23]، ويقول الشعرانى محتجاً على صوفية عصره (كثير من سكان المساجد يفرطون فى الوضوء أول الوقت حتى تفوتهم صلاة الجماعة بحجة أن الوقت متسع ، وكثير من لا يواظب على صلاة الجماعة)[24]، وإذا كان أولئك وهم سكان المساجد يتباطئون عن صلا ة الجماعة فيها – وأنظار المصلين الوافدين للمساجد تتجه إليهم ، فكيف بالآخرين فى حرصهم على الصلاة ؟ .أو كيف بهم فى تأدية الصلاة على إنفراد ؟ وهم وإن أعرضوا عن الإنكارعليهم بترك الصلاة فى جماعة فهم فى ترك الصلاة المنفردة أولى بالإنكار عليهم .

  ويقول الصفدى عن الصوفى الشهير فى عصره ابن عبد الله المرشدى 737 (أقام مسجداً ومنبراً للخطيب يوم الجمعة ، وكان يأمر الناس بالصلاة ولم يصل مع أحد ، وصلاة الجماعة لا يعدلها شيء ، وأمره غريب والسلام)[25]، فالصفدى يتعجب من شأن المرشدى المشهور بالكرامات والضيافات ، كيف أنه يأمر بالصلاة ولا يُرى مصلياً ، ويبدو أن الصفدى لم يعرف بالقاعدة الصوفية التى تقول بإسقاط التكليف على الصوفى الواصل .

     * تعليل لتركهم الصلاة:

1-   وبعض القصص الصوفية كانت تشى بترك الصوفية للصلاة بشتى الحجج والمعاذير .. كأن يحكى الغزالى عن أحد النساك يقول (أتيت ابراهيم بن أدهم فوجدته قد صلى العشاء ، فقعدت أرقبه فلف ّ نفسه بعباءة ، ثم رمى بنفسه ،فلم ينقلب من جنب إلى جنب الليل كله ،حتى طلع الفجر ، وأذن المؤذن فوثب إلى الصلاة ، ولم يحدث وضوءاً ، فحاك ذلك فى صدرى ، قلت له : رحمك الله قد نمت الليل كله مضجعاً لِِم لم َتجدد الوضوء ، فقال : كنت الليل كله جائلاً فى رياض الجنة أحياناً وفى أودية النار أحيانا ،فهل فى ذلك نوم )[26].، وتلك القصة تتطلب صوفياً معتقداً يؤمن بكلام ابراهيم بن أدهم مهما قال ، أما نحن فنقول أنها تعليل غير مقنع لإهمال الوضوء وإبطال الصلاة عن عمد ، وأنها كانت سابقة للصوفية اللاحقين ممن خصصوا كراماتهم فى إهمال الوضوء والإستنجاء ،وعن طريق ذلك استهانوا بحرمة الصلاة والطهارة وكانت تأديتهم للصلاة مظهرية وبدون وضوء أو إستنجاء وطهارة ، ولمجرد أن يؤمن الأتباع – وهم يصدقون إدعاءاتهم ـ  بكراماتهم تلك ..

   ويحكى الغزالى أيضاً أن أحدهم قيل له بصوت عال (إلا أن للخلق غداً مقاماً ، فبقى مبهوتاً فاتحاً فاهُ شاخصاً ببصره يصيح بصوت ضعيف .. وظل مبهوتاً على حالته متحيراً لا يؤدى فرضاً ،فلما كان بعد ثلاث عقل)[27]، فذلك المبهوت استمر فاتحاً فمه وعينيه ثلاثة أيام بالتمام والكمال ، ومن الطبيعى ألا يصلى طالما ظل مفتوح الفم والعين طيلة هذه المدة ، وكل ذلك لأن قائلا ً – لا بورك فيه – صاح فيه فجأة بأن للخلق غداً مقاماً.. وكأن صاحبنا الصوفى قد عرف هذه الحقيقة لأول مرة فارتاع ، واستمر مرتاعاً ثلاثة أيام ،ونحن مطالبون بالرثاء لذلك الصوفى ومسامحته فى تركه للصلاة ثلاثة أيام ، فالخطب جليل ومحنته شاقة ويكفيه من أمره عسراً أن ظل مصراً على فتح فمه طوال هذه المدة بلا توقف وهذا عناءاً يهون معه أمر الصلاة!!.

  ويهمنا أن الغزالى يومىء بهذه الأسطورة إلى أن المبهوت أو المجذوب يسقط عنه التكليف طالما ضاع منه عقله ..ذلك ما صرح به الدسوقى فيما بعد فى القرن السابع من أن (من غاب بقلبه فى حضرة ربه لا يكلف فى غيبته)[28]، وكانت رخصة صوفية للمجاذيب فى العصر الممولكى يتركون بها الصلاة ..

  2- وفى العصر المملوكى اختلفت المواقف بشأن تعليل ترك الصوفية للصلاة .. مع تنوع فى أساليب التعليل، فبعض الفقهاء الصوفية كابن الحاج استنكر تركهم الصلاة يقول(منهم من يقوم مع الناس لصلاة الجماعة فإذا ركعوا أو سجدوا بقى واقفاً ينظر اليهم ،لا يحرم،ولا يركع ولا يسجد ثم يتمادى على ذلك حتى يفرغ الناس من صلاتهم، ومنهم من يدعى أنه يصلى فى مواضع أخرى ويرى أنه ممن يُتبرك به ‘وأنه من الواصلين )[29]،فمن الصوفية من كان يتباهى وسط المصلين بعدم صلاته .. فخوراً بأنه قد سقط عنه التكليف ،ومنهم من يدعى أنه يصلى فى أماكن أخرى بحجة أنه من أهل الخطوة الذين تطوى لهم الأرض فينتقلون من مكان لأخر بلا عناء أو سفر ..

ويقول السخاوى عن الشيخ ابن سلطان(ت853)(أنه بالغ فى العزلة ،حتى لم يكن يحضر صلاة الجمعة مع قرب سكنه جداً من الأزهر )[30]،وعدم صلاته الجمعة دليل على  تركه للصلاة الأخرى..والعزلة مؤهل الصوفى لإدعاء الولاية ، وادعاء الولاية يتفرع عنه الإعتقاد فى سقوط التكاليف عنه ..

ورزق العصر المملوكى بالشعرانى الذى استغل اعتقاد العصر فى الصوفية وأنهم من أهل الخطوة فانبرى يتخذ منها حجه يدافع بها عن أشياخه تاركى الصلاة..وقبل أن نعرض للشعرانى موقفه نقرر أن صلاة الصوفى فى مكة- مثلاً- وهو بمصر كانت قضية مسلماً بها من العصر وتذكر ضمن مناقب الصوفى وكراماته فيقال مثلاً عن الشيخ أبى ناصر صدقه (كان يصلى الخمس بمكة المشرفة)[31]، إلا أن الشعرانى أضفى على هذا الإدعاء الأسطورى  كثيراً من التفاصيل والمبالغات المتفننه فى الكذب كى يستحوذ على أكبر كمية من التقديس لأشياخه من ناحية ويقابل الإنكار عليهم من جهة أخرى باعتباره صوفياً فقيهاً يرمى لربط التصوف بالإسلام ..

فقد سأل الشعرانى الخواص عن أرباب الأحوال الذين يظهرون الخوارق مع عدم صلاتهم وصومهم فقال (ليس أحدا من أولياء الله  له عقل التكليف إلا وهو يصلى ويصوم ويقف على الحدود،ولكن هؤلاء لهم أماكن مخصوصة يصلون فيها كجامع رملة وبيت المقدس وجبل قاف وسد اسكندر)[32]. أى أن الشعرانى يتخذ من اعتقاد العصر فى كرامات الصوفية سلماً لتقرير تركهم الصلاة ،وأولئك لم يكونوا من المجاذيب الذين يتمتعون بتسليم العصر لهم فيما يفعلون ومالا يفعلون..

ثم يذكر الأماكن التى تحظى بصلاتهم ومنها الموجود كجامع رملة وبيت المقدس ومنها ما لا يوجد إلا فى خيال المتصوفة والمعتقدين فيهم كجبل قاف وسد اسكندر، ويعلل الشعرانى –أوالخواص –اختار هذه الأماكن دون غيرها فيقول (والسبب فى صلاتهم فى هذه الأماكن قلة عبادة ربها فيها فأرادوا جبر خاطرها وإكرامها بالصلاة فيها)[33]، ثم عرض الصوفية أصحاب الصلاة فى تلك الأماكن فقال(ومنهم الآن الشيخ عبد القادر الدشطوطى والشيخ أبو خودة وجماعة ،ومنهم جماعة  يصلون بعض الصلاة فى هذه الأماكن وبعضها فى جماعة بالمساجد ، وكان ابراهيم المتبولى يصلى الظهر دائماً فى الجامع الأبيض برملة أللد، فكان علماء حارته ينكرون عليه ويقولون :لأى شىْ لا تصلى الظهر أبداً مع كونه فرضاً عليك ؟ فيسكت )[34]،أى أن المتبولى ترك صلاة الظهر عمداً ليوصف بأنه يصليه فى الجامع الأبيض برملة أللد فى فلسطين كل يوم ثم يعود ، على ما يزعمون .

وذكر الشعرانى فى طبقاته أن المتبولى كان لا يراه أحد يصلى الظهر فى مصر أبدا ًوأن بعض الفقهاء أنكر عليه وتزعم الرواية أن ذلك الفقيه سافر الشام فوجد المتبولى يصلى فى الجامع الأبيض وقالله القائم  على الجامع أنه يصلى الظهر عندهم فرجع الفقيه عن إنكاره [35].،ومن زبائن الجامع الأبيض كان الدشطوطى ، يقول الشعرانى فى ترجمته أنه عندما يؤذن  للظهر يتغطى  بالملاءه ويغيب ساعة ثم يتحرك ويقول (الناس معذورون يقولون عبد القادر ما يصلى .والله أنى ما أظن أنى تركت الصلاة منذ جذبت ،ولكن لنا أماكن نصلى فيها ،فقال محمد بن عنان: أن الدشطوطى يصلى فى الجامع الأبيض برملة لد )[36].

والخواص أستاذ الشعرانى كان من رواد ذلك الجامع الأبيض وقت الظهيره أيضاً.. يقول فيه الشعرانى (كان لا يصلى الظهر أبداً فى جماعة ولا غيرها ،بل كان يرد باب حانوته وقت الآذان فيغيب ساعة  ثم يخرج، فصادفوه فى الجامع الأبيض برملة لد فى صلاة الظهر ،وأخبرالخادم أنه دائماً يصلى الظهر عندهم )[37].

ثم يستخدم الشعرانى أسلوب الفقهاء فى تقنين هذا الإفك وللدفاع عن أولئك الصوفية فيقول (لذا ربما يقال أن الفقير تارك الصلاة وهو خطأ،ولأهل هذا المقام أمارات يتميزون بها على من ترك الصلاة تهاوناً أوكسلاً ، وقال لى سيدى عبد القادر الدشطوطى : ولِم تقول أهل مصر : عبد القادر ما يصلى شيئاً،ونحن والله لا نقطع الصلاة ، ولكن لنا أماكن نصلى فيها ،فقلت ذلك لسيدى محمد بن عنان فقال : صدق الشيخ عبد القادر، له أماكن يصلى فيها ، وأخبرنى الشيخ محمد أيضاً أن سيدى أبراهيم المتبولى ما رؤى قط يصلى الظهر فى مصر حتى قيل : كأن الله لم يفرض الظهر على ابراهيم ،والحال أنه كان يصلى فى الجامع الأبيض برملة لد.وكذلك كان سيدى على الخواص يصلى فى الجامع المذكور الظهر دائماً، وسمعت الشيخ بدر الدين المنشاوى يقول له :الظهر فرض عليك ،فيسكت الشيخ ، وأخبرنى الشيخ يوسف الكردى أنه صلى مع سيدى ابراهيم (المتبولى) الظهر فى الجامع الأبيض مراراً قال : ورأيت الذين يؤم فيهم وهو شاب أمرد نحيف البدن أصفر اللون كأن لونه لون الزعفران .أ.هـ)،ويقول الشعرانى (وقد حضرت أنا صلاة الظهر عند الدشطوطى فلما سمع الأذان اضطجع وقال : غطونى بالملاءة فغطيناه بها فلم نجد تحت الملاءة أحداً ثم جاء بعد خمس عشرة درجة ، وكان الخواص يغلق باب حانوته بعد أذان الظهر ساعة ثم يفتحه ففتحوه عليه مرة فلم يجدوه بالجملة .فأرباب الأحوال ينبغى التسليم لهم) [38].

وهذه هى النتيجة التى يداوم الشعرانى الوصول إليها بعد سلسلة من الأكاذيب التى تشرع للصوفية ترك الصلاة .

 

 السيد أحمد البدوى لا يصلى:

وقد حاز السيد البدوى على شهرة وتقديس أكثر من السابقين ولم يكن يصلى ،وقد عصمته شهرته من محاولات التبريروالإدعاءات التى اضطر إليها الشعرانى والصوفية المتأخرون فى القرن العاشر.. ذلك أن البدوى اعتبروه إلاهاً، فالمنتظر منه ألا يصلى ،  وإن أنكروا عليه ذلك فى وقته فقد كان ـحينئذـ صوفياً عادياً إلا أن شهرته ازدادت بعد موته بكثرة أتباعه وتوزيعهم فى أرجاء الدولة فازداد تقديسه وشهرته بمرور الزمن ، حتى أصبح عادياً أن يذكر فى ترجمته أنه لم يكن من المصلين ..فقد ورد فى مناقب البدوى أن ابن دقيق العيد أنكر عليه عدم صلاته وقال( يا أحمد هذا الحال الذى انت فيه ما هو مشكور ، فإنه مخالف للشرع الشريف ، فإنك لاتصلى ولاتحضر الجماعة ،وما هذه طريقة الصالحين ,! فالتفت إليه الشيخ وقال :اسكت وإلا أطيّر دقيقك )[39]. وفى رواية أنه قال له (انت ما فيه ما هو مليح ، وأنت تارك الصلاة والجمعة والجماعة )[40].

وقال عبد الصمد  الأحمدى فى الجواهر السنية ( ومما وقع لسيدى أحمد البدوى من الكرامات أن الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد ، وكان قاضى القضاة بالديار المصرية ، سمع بالشيخ وأحواله ،  فنزل إليه واجتمع به بناحية طنطا ، وقال له : يا أحمد هذا الحال الذى أنت فيه ما هو مشكور ، فإنه مخالف للشرع الشريف ، فإنك لا تصلى ولا تحضر الجماعة وما هذا طريق الصالحين .! فالتفت إليه الشيخ وقال : اسكت وإلا أطيّر دقيقك) [41]. ولشهرة البدوى فى هذا المجال فقد ذكرته المصادر التاريخية اللاحقة ، يقول ابن العماد الحنبلى أن ا بن دقيق العيد اجتمع بالبدوى فقال له ( إنك لا تصلى ،وما هذا سنن الصالحين ، فقال اسكت وإلا أغبّر دقيقك)[42].

وذكر ابو المحاسن رواية مثبتة تصف حال البدوي وموقفه من الصلاة والمصلين والمسجد والجماعة يقول (قال أحدهم بسنده : ألزمنى الأمير ناصر الدين محمد بن جنكلى ابن البابا بالمسير معه لزيارة الشيخ أحمد البدوى بناحية طنتدا ، فوافيناه يوم الجمعة : فإذا به رجل طوال عليه ثوب جوخ غال ، وعمامته صوف رفيع، والناس تأتيه أفواجاً، منهم من يقول : يا سيدى خاطرك مع بقرى ، ومنهم من يقول: زرعى، إلى أن حان وقت صلاة الجمعة فنزلنا معه إلى الجامع بطنتدا ،وجلسنا فى إنتظار الصلاة ، فلما فرغ الخطيب من خطبة الجمعة واقيمت الصلاة ، وضع الشيخ أحمد رأسه فى طوقه بعد ما قام قائماً ، وكشف عن عورته بحضرة الناس ، وبال ( أى تبوّل ) علي ثيابه وعلى حصير المسجد ، واستمر ورأسه فى طوق ثوبه وهو جالس حتى انفضت الصلاة ، ولم يصل .!)[43].

ومع كل تلك النصوص التاريخيه والصوفيه عن تركه للصلاة إلا أن أحدهم لم يحاول الدفاع عنه وتبرير تركه للصلاة ،لأنه عندهم أكبر من أن يحتاج إلى تبرير لأنه  ـ عندهم ـ إله ، فوق مستوى البشر .

التثاقل عن الصلاة

بعضهم فى بداية طريقه الصوفى كان يخفف منصلاته - إذا صلى - إذ اعتبروا أن صلاة الإبدال خفيفة. والأبدال ( جمع بدل ) درجة فى المملكة الصوفية الهمية سبق التعرض لها . ومعنى ذلك أن البدل إذا ترقى فى المملكة الصوفية ووصل إلى القطبانية فقد سقط عنه التكليف . فأبو العباس المرسى كانت صلاته: ( موجزة فى تمام)[44]. ولا نعرف معنى أن تكون موجزة وتامة . وكان المرسى يقول (صلاة الإبدال خفيفة..)[45]. وعلى ذلك سار كمال الدين السيواسى (ت816) فقيل فى ترجمته أنه كان ( يخفف صلاته كما هو شأن الإبدال ، فقد نقلوا أن صلاة الإبدال خفيفة )[46]. وقيل فى الصوفى الشهير ــ وقتها ــ عبد الغفار بن نوح أنه( كان يخفف صلاته جداً مراعاة لحضوره فيها )[47]. أى يراعى الخشوع ، فكيف عرف الراوى بخشوعه . ورآه الأدفوى يصلى صلاة خفيفة جداً ويدعى أنه يراعى الحضور[48]. أى الخشوع، ولو صدق لأعطى الصلاة حقها ..

وفى القرن العاشر ـ عصر الشعرانى ـ  اصبحت الحاجه ماسة لتقعيد هذا التخفيف فى الصلاة .. وقام بذلك مشاهيرالصوفيه ممن ترك الصلاة أو تكاسل عنها فالدشطوطى يقول ( كل بلاء أهون على العارف من صلاة ركعتين مع هيبة)[49].أى مع خشوع ..

وانبرى الشعرانى يشرح ويفصل فى هذه الناحية فنقل عن المرصفى قوله (من خصائص تجليات الحق جل وعلا أنها - أى الصلاة - كلما طالت ثقلت على العبد عكس الوقوف بين يدى ملوك الدنيا ، وذلك لأن تجليات الحق متعددة مع  الأنفاس فما من تجلى إلا والذى بعده أعظم منه .  وأشد ما يكون على العبد التجلى الأخير .  ومن رحمة الله تعالى  بعبده المؤمن خطور الأكوان فى قلبه حال ركوعه وسجوده ، لأن تلك الحضرة كحضرة  قاب قوسين أوأدنى .. وما كل أحد يصلح للمكث فيها لثقل  التجلى الذى يهدم أركان العبد. فإذا أراد الله تعالى رحمة العبد فى تلك الحضرة أخطر فى قلبه شيئاً من الأكوان لما فى  الأكوان من رائحة الحجاب عن تلك العظمة ، ولولا ذلك لذاب عظمه ولحمه وتفصلت مفاصله ، كما وقع لبعضهم أنه سجد فصار يرتعد حتى صار قطرة ماء على الأرض فأخذوها بعظمة ودفنوها .  وقال آخر: طول القيام فى الصلاة على العارفين أشد من ضرب السيف ، وسمعت أخى العارف بالله تعالى أفضل الدين يقول : طول الإعتدال عذاب على العارفين) [50]. أى أن الصوفية جعلوا عذابهم فى القيام للصلاة والاعتدال فيها  ، وجعلوا من رحمة الله بالعبد أن يغفل أثناء صلاته ويتذكر الأكوان فى قلبه ، حتى لا يذوب ويتحول إلى قطرة ماء ،لأنهم نظروا للصلاة على أنها اتحاد بالله يجعل العبد ينصهر فى الألوهية. فالصوفية الذين اضطروا – مؤقتاً- للقيام بالصلاة أدوها خفيفة وخالية من الحضور والخشوع ، وربطوا ذلك بدينهم وجعلوها رحمة من الله أن ينشغلوا أثناء الصلاة بأى شىْ سوى الله تعالى مع ادعائهم الاتحاد بالله.

*المتثاقلون ينكرون على التاركين :

بعض من أدى الصلاة بالكيفية السابقة اعتقد أنه بلغ بها درجة تمكنه من الإنكار على غيره من تاركى الصلاة من الصوفية ، فالمرسى سئل عن صوفى كبير لا يحضر صلاة الجمعة فغضب وقال ( لوأعلم أنك تذكره لى ما طلعت عندك، تذكرون بين يدى الإبدال والأولياء أهل البدع ؟)[51]. وقد سبق أن المرسى اعتبر نفسه من الإبدال لمجرد أنه يصلى صلاة خفيفة .

وذكر الشعرانى أن الصوفى (محمد العدل ظل سنة كاملة لا يحضر جمعة ولا جماعة وذلك بأمر شيخه على الدويب ، فأرسل محمد بن عنان يقول له : إن لم تخرج للجمعة والجماعة وإلا فأنت مهجور حتى تموت ، فخرج من الخلوة ، وهجر شيخه الدويب لأنه كان من أرباب الأحوال الذين لايقتدى بهم )، فعصر المرسى اعتبر تاركى الصلاة من أهل البدع ،وبزيادة التصوف فى القرن العاشر أعتبروهم من أرباب الأحوال الذين لايقتدى بهم . ومحمد بن عنان الذى احتج على محمد العدل – هو نفسه الذى برر للصوفية الآخرين ــ كالمتبولى والدشطوطى ــ تركهم للصلاة ، بدعوى أنهم يصلون فى رملة لد فى الأردن.

والشعرانى الذى أرخ لأولئك جميعاَ ووضع لهم القواعد.  يقول لتاركى الصلاة من صوفية الزوايا والمساجد ( ينبغى للشيخ أن يأمر الفقراء القاطنين بالزاوية بالوضوء قبل أوقات الصلاة ليدركوا صلاة الجماعه ولاسيما صلاة الجمعة ، بل ينبغى لهم المبادرة إليها أشد من غيرها ، وأن يجتمعوا قبل الناس تقوية لقلوبهم ، فإن الإنسان إذا جاء ورأى أهل الزاوية نائمين أو يلعبون ويمزحون فترت همته عن الحضور..ولا ينبغى للشيخ المسامحة قط بتأخير المجاورين الوضوء حتى يؤذن فتفوتهم صلاة الجماعة ، وليس للمقيم الصحيح فى الزاوية عذر فى التأخير إلاالكسل ، وينبغى له معاتبة كل من غاب من الفقراء عن صلاة الجماعة أو عن مجلس الذكر ولو بالنوم )[52].

ويعنى ذلك أن الكيل قد طفح فهب الشعرانى ينبه الأشياخ المعاصرين للحزم فى معاملة تاركى الصلاة من ساكنى الزوايا والذين لا عمل لهم إلا العبادة والتصوف ، فإذا بهم يتكاسلون عنها بالنوم واللغو والمزاح .. حتى أن المصلين الآخرين يتأثرون بهم وهم دائماً يتخذون من الصوفية القدوه والمثل ..

وكل المطلوب من أولئك هو بعض الركعات الخفيفة التى لا حضور فيها. لكى تحفظ صورتهم نقية أمام الوافدين على الزوايا من المعتقدين فى الصوفية ..هذا هو هدف الشعرانى ..

 

 أثر التهاون الصوفى فى ترك الصلاة : على العوام

 آثار ترك الصوفية للصلاة المكتوبة إعجاب المعتقدين فيهم من العوام والعلماء المعبرين عن فكرالعامة.. وقد استنكر ابن الحاج ذلك المسلك من( بعض من ينسب إلى العلم، يقعد بين يدى بعض من يدعى الفقر (أى التصوف) والولاية ، وهو مكشوف العورة، وقد تذهب عليه أوقات الصلاة وهو لم يصل ، ويعتذرون عنه ).[53]. يعنى بعض من يؤمنون بالمجاذيب الصوفية الذين لا يصلون يعكفون حول أولئك المجاذيب العُراة ، تاركين أداء الصلوات .

بل شارك فى ذلك الإعجاب بعض من عرف بالصلاح – أى الصلاح بالمفهوم الصوفى وهو حُسن الإعتقاد فى الصوفية ، وقد رأى ابن الحاج بعضهم يرحل إلى زيارة شخص (من هذا الجنس ، ( اى المجاذيب ) وبقى نحو ثلاثة أيام أو أربعة حتى اجتمع به وهو عريان ، ليس عليه شىْ يستره ، وبين يديه بعض قضاة البلد ورؤسائها. ) يقول الفقيه ابن الحاج محتجا : ( وهذا أمر شنيع فى الدين ، وقلة حياء من عمل الذنوب ، وارتكاب مخالفة السنة ،  وترك الفرائض. )[54].

والعوام مغرمون بالتقليد ،لاسيما إذا تعلق التقليد بأمور تريح من آداء التكاليف وتجلب الكسل والدعة ، فالعامة تجسيد للأكثرية فى كل مجتمع ، وقد وصف القرآن الكريم الأكثرية بأنها لا تعلم ولا تعقل ولاتفقه ولاتؤمن.. وهكذا فإن مصلحةالصوفية تتلاقى مع هوى العامة .. وقد بدأ ذلك منذ عصر الغزالى فى القرن الخامس فيما يخص ترك الصلاة بالذات، يقول الغزالى يصف العامة فى عصره ( أكثر الناس جاهلون بالشرع فى شروط الصلاة فى البلاد، فكيف فى القرى والبوادى ومنهم الأعراب والأكراد والتركمانية وسائر أصناف الخلق)[55]. أى أن أهل المدن أقرب إلى التحضر والإلتزام، ويتلاشى ذلك الإلتزام كلما بعدنا عن العمران والحضارة وتوغلنا فى الريف . ومن ناحية أخرى فإن الإلتزام  بالإسلام وفرائضه بدأ فى التلاشى بمرور الزمن وانتشار دين التصوف، حتى إذا أهلَ العصر المملوكى وتسيد التصوف أصبح الجهل بالصلاة شيمة العامة وأوليائها.

ومن أسف فإن إهمال تاريخ العوام وشئونهم يكاد يكون قاسماً مشتركاً فى الكتابات التاريخية لمؤرخى العصر المملوكى وما سبقه، إذ استحوذ على المؤرخين تتبع حركات الحكام وسكناتهم ومن خلالها نظروا للعامة فى شذرات متفرقة لا تسمن ولا تغنى من جوع. ومن هذه الشذرات القليلة نستخلص موقف العامة من الصلاة..

يقول ابن الفرات فى حوادث  790(رتب القاضى نجم الدين الطبندى محتسب القاهرة جماعة من الفقهاء، فى كل سوق من أسواق القاهرة وظواهرها فقيه ، يعلم التجار واصحاب الصنايع والمتعيشين سورة الفاتحة وغيرها من السور ، ليقرأوا بذلك، وجعل لكل فقيه على كل من يعلمه فليس جرد، وهذا ترتيب حسن لا بأس به) [56].أى أن العامة نسيت الفاتحة واستلزم الأمر إيفاد بعض الفقهاء لتعليم التجار والصناع سورة الفاتحة. وهذا فى المدينة العاصمة. فكيف بالحال فى القرى والنجوع ؟! وكان ذلك فى القرن الثامن، فكيف الحال فى القرون التالية وقد اشتدت سيطرة التصوف ؟؟..

 لقد وصل الأمر فى القرن التاسع إلى درجة أن الجهل بالفاتحه والصلاة وصل إلى الأمراء والسلاطين ،فكان الأمير أحمد بن نوروز 852( يُرمى بترك الصلاة ) [57]، أى كان متهما بترك الصلاة ، ووصل بعضهم الى السلطنة وهو لا يعرف قراءة الفاتحة ، مثل  السلطان الأشرف اينال ، الذى كان ( لا يحسن قراءة الفاحة ولا غيرها من القرآن، وكانت صلاته للمكتوبات صلاة عجيبه، نقرات ينقر بها ، لا يعبأ بها الله، وكان لا يحب إطالة الدعاء بعد الصلاة، بل ربما نهى الداعى عن تطويل الدعاء) [58]. .

فالأشرف اينال طولب بالصلاة كحاكم مسلم فكان يصلى صلاته المضحكة وهو جاهل بالفاتحة، وكان يؤدى تلك النقرات بضيق حتى إذا ما انتهت أضرب عن الدعاء بعدها ..

وفى القرن العاشر تكاثر الأولياء وانتشروا فى ربوع مصر ومدنها وقراها. . وأغلبهم من العامة الأميين فكان ادعاء الصلاة إلى رملة لد وأماكن وهمية مثل جبل قاف وسد اسكندر.. وهم ما تعودوا الصلاة قبل المشيخة فلابد أن يفكروا فى حل صوفى يبرر عدم صلاتهم..

وقد ترسب فى الضمير الشعبى ما يعبر عن اهمال الصلاة أو السخرية منها حسب الرؤية الذاتية للشعب المصرى الذى يغلف نظرته للأموربالسخرية والتندروالفكاهة : فعن الجهل بالفاتحة يقول المثل السائد فى العصر المملوكى والذى استمر بعده : ( سورتك إيه ؟ سورتك إياك ) . والمراد ب (إياك) سورةالفاتحة . لا يعرفون من الفاتحة سوى ( إياك )، ربما لتكررها فى السورة . ويضرب المثل لبقاءالشخص على نمط واحد كأنه يقرأ الفاتحة كل يوم لا يتعداها [59].  والفاتحة أصبحت فى عرفهم مجرد (إياك)، ويوصف المصلى بأنه يبقى على نمط واحد يردد كل يوم دون وعى أو فقه بما يقول.. ويشبهون بالمصلى كل من توقف على أسلوب واحد لا يسأم من ترديده.  وعن الجهل بالفاتحة أيضاً يقول المثل الشعبى( إذا نسيت الحمد تصلى بأيه) [60]. . وقد يقصد الشخص المسجد أو الجامع متكاسلاً متأففاً فيجد أبوابه موصدة وحينئذ يشعر بسرور يعبر عنه المثل الشعبى (بركة ياجامع اللى جت منك ما جت منى)[61].

   وكانت المآذن تردد بعد آذان الفجر أن الصلاة خير من النوم . وهذه مقولة لا توافق عليها العامة التى تؤثر الكسل ، فلم تترك هذا القول دون تندر فيقول المثل الشعبي(الصلاة خير من النوم .!! قال جربنا ده وجربنا ده) أى أنهم من واقع السخرية عرفوا أن النوم خير من الاستيقظ لصلاه الفجر . فهذا المثل : ( يضرب فى تفضيل شىء على شىء  دلت التجربه على خلافه)[62]

 

 أثر التهاون الصوفى فى ترك الصلاة  فى وسوسة الفقهاء فى الطهارة والصلاة

   1- تراضي الفقهاء على قبول التصوف مبدءاً بعد الغزالى الذى تفوق عليهم علماً وفلسفة وفقهاً .. وبعد أن كان الفقهاء فى القرن الخامس يستنكفون من الدخول للمؤسسات الصوفية أجبرتهم الظروف على غشيانها ، ويحكى إبن الجوزى عن فقيه مخضرم عاصر الإنقلاب الذى أحدثه الغزالى ومات بعده وهو الشيخ أبو الخطاب الكلوذانى وقد دخل رباطاً صوفيا وهو يتوكأ على ذراع بعض تلاميذه للعزاء فى فقيه مات فكان يقول (يعز على لو رآنى بعض أصحابنا ومشايخنا القدماء وأنا أدخل هذا الرباط) يقول ابن الجوزى (قلت وعلى هذا كان أشياخنا ، فإنا فى زماننا هذا اصطلح الذئب والغنم)[63].

2- وبعد تقرير دين التصوف كان إعلان الصوفية عن عقائدهم المخالفة وتهاونهم بالصلاة وشعائر الاسلام . وفى الجانب المقابل عانى الفقهاء السنيون من التخلف العلمى والعقم العقلى وأسهم التصوف فى ذلك الجمود .. فاكتفى الفقهاء بمقابلة انحلال الصوفية العقائدى بتطرف فى الجانب المقابل . وقد رأينا أن الشطحات الصوفية قوبلت من الفقهاء بإعلان التكفير لأى شى ْوكانت المغالاة فى التكفير طابع العصر وتتم فى أى حديث عادى. أما من حيث الصلاة والتهاون الصوفى بشأنها أو تركها كان الفقهاء فى المقابل يتطرفون فى تحرى الطهارة والنية والألفاظ إلى درجة الوسوسة والتشكيك فيما يفعلون ويقولون ، وتصل المبالغة فى الوسوسة لدى الفقهاء الى نفس النتيجة وهى ترك الصلاة .

3- بيد أن الوسوسة عند الفقهاء لها أصل فى التاريخ الفقهى . فقد عرفت مسيرة علم الفقه فى القرن الرابع مبالغة فى استقراء الحركات والصور الفقهيه دون إهتمام بالعوامل الباطنية كالنية والإخلاص والرياء وغيرها من أمور القلب والضمير . ففى الصلاة مثلاً انصب جهد الفقهاء على تحرى شرائط الصحة فى التلفظ بالنية وفى قراءة القرآن ومقدار الركوع والسجود إلخ ، مع التأكيد على إسباغ الماء عند الوضوء،   ونسوا اشتراط الخشوع وأهمية التضرع وخطر الغفلة أثناء الصلاة . وكان ذلك أهم مأخذ للغزالى عليهم ، وإستغل هذا فى أن أبعدهم عن التكلم فيما اسماه بالأمور القلبية ثم أخذ يقرر عقائد التصوف المخالفة للاسلام على أساس أنها امور خارجة عن ولاية الفقيه واختصاصه.، ولا يجوز له أن يناقشها أو يتعرض لها .

4- وشعور الفقهاء بالعجز عن مجاراة الغزالى فى علمه وإحساسهم بتفوقه عليهم فى الفقه الذى به يُعرفون ـ مع تدهورهم العلمى ـ كل ذلك أورث الفقهاء شعوراً بالذنب إذ خسروا المعركة بتقصيرهم ، فعولوا على المبالغة فيما أهمله أعداؤهم الصوفية ، فأضحى اهتماهم بالحركات فى الصلاة وسوسة فى أدائها ،  وتطرفا ًفى القيام بها .

وفى العصر المملوكى ازداد الأمر فقد وقع الفقهاء ــ ممثلو دين السّنة ــ فى تقديس الأولياء الصوفية ،  مما عمق شعورهم بالشك والإضطراب والوقوع فى الإثم ، فكانت الوسوسة فى الطهارة والصلاة مظهراً لذلك كله.

5- والوسوسة مرض نفسى يعرف (بالحصر القهرى)(وهو أحد أمراض العصاب الذى يصور لنا بوضوح تأثير الشعور بالإثم وعلاقة ذلك بالطقوس .. وتتلخص الأعراض بأن المريض تراوده افكار تسلطية غريبة وسيئة وشاذة رغماً عنه كأن يغسل يديه كلما لمس كتاباً أو صافح يداً غريبة ، وقد يغسلها ثلاثة أو خمسة أو عشرة أو عشرين مرة من قبل أن يطمئن ويشعر بالراحة . والمهم فى هذا أن التفسير النفسى الديناميكى لمثل هذه الأعراض أنها ردود أفعال احترازية دفاعية يقوم بها المريض ليشعر بالأمن والراحة ضد شعور دفين مكبوت بالخطر أو الإثم ، وقد يتولد هذا الشعور بالذنب منذ الطفولة لا شعورياً الى العقل الباطن)[64].

6- وقد بدأت أعراض الوسوسة تظهر على الفقهاء فى القرن السادس التالى للغزالى مباشرة ، وقد أنكر ابن الجوزى على فقهاء عصره مبالغتهم فى الطهارة (فترى  أحدهم يغسل الثوب الطاهر مراراً، وربما لمسه مسلم فيغسله، ومنهم من يغسل ثيابه فى دجلة ولا يرى غسلها فى البيت يجزىء ( أى يكفى ) .. ومن الموسوسين من يقطر عليه قطرة ماء فيغسل الثوب كله . وربما تأخر لذلك عن صلاة الجماعة )[65]

وقال عن الوسوسة فى النية ( ومن ذلك تلبيسه عليهم فى نية الصلاة ، فمنهم من يقول : أصلى صلاة كذا ، ثم يعيد هذا ، ظناً منه أنه قد نقض النية )[66]. وفى التكبير ( ومنهم من يكبر ثم ينقض ثم يكبر ثم ينقض ، فإذا ركع الإمام كبر الموسوس وركع معهم )[67]. ( ومن الموسوسين من تصحٌّ له التكبيرة خلف الإمام، وقد بقي من الركعة يسير فيستفتح ( أى يقرأ الفاتحة ) ويستعيذ ، فيركع الإمام )[68].( ومن الموسوسين من إذا صحت له النية وكبر ذهل عن باقى صلاته، كأن المقصود من الصلاة التكبير فقط )[69]. ويقول ابن الجوزى: (  وقد لبَس إبليس على بعض المصلين فى مخارج الحروف فتراه يقول: الحمد الحمد.. وتارة يلبَس عليه فى تحقيق التشديد وتارة فى إخراج ضاد " المغضوب عليهم" . )[70].

7- وفى بداية العصر المملوكى إشتهر بالوسوسة الشيخ شهاب الدين الصعيدي بالإسكندرية (ت659) الذى "كان شديد الوسواس" ، وابن الطحان( ت735) الذى كان يتوسوس فى الوضوء والغسل ، بل أن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد (ت702) كانت له وقائع عجيبة فى الوسوسة فى الطهارة [71].

8 ــ وبتسيد التصوف للعصر المملوكى أصبح مرض الوسوسة وباءا بين الفقهاء السنيين ، به يعرفون ويتميزون ، بل واتخذوا الوسوسة  ديناً ، فكانت لهم حججهم فى الدفاع عنها ، الى درجة أن تصدى للرد عليهم  ابن القيم فى القرن الثامن حيث سجل أحوالهم والرد عليها بتفصيل واسع [72]. .

يقول يصف حركاتهم (وهؤلاء يغسل أحدهم عضوه غسلاً يشاهده ببصره ،ويكبر ويقرأ بلسانه بحيث تسمعه أذناه ويعلمه قلبه بل يعلمه غيره منه ويتيقنه ، ثم يشك : هل فعل ذلك أم لا)[73]. ( وحكى لى من أثق به عن موسوس عظيم رأيته أنه يكرر عقد النية مراراً عديدة فيشق على المأمومين مشقة كبيرة ، فعرض له أن حلف بالطلاق أنه لا يزيد على تلك المرة فلم يدعه إبليس حتى زاد ، ففرق بينه وبين امرأته ، فأصابه لذلك غم شديد ، وأقاما متفرقين دهراً طويلاً)[74]. ( وبلغنى عن آخر أنه كان شديد التنطع فى التلفظ بالنية والتقعر فى ذلك فاشتد به التنطع والتقعر يوماً إلى أن قال : أصلى أصلى مراراً صلاة كذا وكذا وأراد أن يقول أداء فأعجم الدال وقال اذاء ، فقطع الرجل إلى جانبه الصلاة فقال : ولرسوله وملائكته وجماعة المصلين ، ومنهم من يتوسوس فى إخراج الحرف حتى يكرره مراراً ، فرأيت منهم من يقول الله أكككبر ، وقال لى إنسان منهم : قد عجزت عن قول " السلام عليكم " فقلت له : قل مثل ماقد قلت الآن وقد استرحت) [75].( ومن أصناف الوسواس ما يفسد الصلاة مثل تكرير بعض الكلمة كقوله فى التحيات  ات ات التحي التحي ، وفى السلام أس أس ، وقوله قى التكبير أكككبر ونحو ذلك ، فهذا الظاهر بطلان الصلاة به ، وربما كان إماماً فأفسده صلاة المأمومين )[76].

وكان ابن عطاء السكندرى فى بدايته فقيهاً مريضاً بالوسواس فلما تصوف على يد أبى العباس المرسى تركه الوسواس أو ترك الوسواس فقد قاله شيخه (إن كنت لا تترك الوسوسة فلا تعد تأتينا)،(قال ابن عطاء : فشق ذلك على، وقطع الوسواس عني)[77].

9-وفى القرن العاشر عمت البلوى بالوسوسة فى الصلاة إلى درجة منعت القيام بها ،يقول الشعرانى (وشهدت أنا بعينى موسوساً دخل ميضأة ليتوضأ قبل الفجر من ليلة الجمعة فلا زال يتوضأ للصبح حتى طلعت الشمس ،ثم جاء إلى باب المسجد فوقف ساعة يتفكر،ثم رجع إلى الميضأة فلا زال يتوضأ ويكرر غسل العضو إلى الغاية ،ثم يرجع وينسى الغسل الأولى ،حتى خطب الخطيب الخطبه الأولى ،ثم جاء إلى باب المسجد فوقف ساعة يتفكر ورجع ،فلا زال يتوضأ حتى سلم الإمام من صلاة الجمعة ،وأنا أنظر من شباك المسجد ، ففاته صلاة الصبح والجمعة )[78]. فإذا كان الصوفية قد وصلوا بالتفريط فى الصلاة إلى درجة الترك الكلى فإن خصومهم الفقهاء فى نفس القرن العاشر وصل بهم الإفراط فى الوسوسة إلى تضييع الصلاة .. ولكل فعل رد فعل مساوٍ له فى القوة مضاد له فى الاتجاه..

وقد عمت بلوىالوسوسة فأصابت عامة الفقهاء فى عصر الشعرانى فافتخر بعدم وسوسته (فى الوضوء والنية والقراءة وغير ذلك )، يقول (وهذه النعمة من أكبر نعم الله تعالى عليَ ، فإن الوسوسة قد عمت غالب الناس الآن ، حتى أن بعضهم ترك الوضوء والصلاة ،وقال لا يعجبنى وضوء أصلى به ولا قراءة أقرؤها)[79].

10 ــ ويستشف من الحوادث التى ذكرها الشعرانى أن التطرف فى الوسوسة وصل إلى ما يشبه الجنون والهذيان ،وبه أضحى الفقهاء السنيون المتوسوسون أشبه بالمجاذيب الصوفية . يكفى أن نقرأ ما يقوله الشعرانى هنا : ( وقد رأيت من استحمى بخمسة وخمسين أبريقاً ثم شك بعد ذلك فى أن الماء عمَ بدنه وكان ذلك لصلاة الظهر، فقال : روحوا بى إلى بحر النيل ، فجعل يغطس ويصعد برأسه إلى أن غربت الشمس وفاته الظهر والعصر ، وقد رأيت من ذهب أيام النيل إلى بركة الخازندار خارج القاهرة ليطهر ثيابه فما زال يغسلها ويجففها إلى آخر النهار ثم ضم ثيابه ولبس بعضها ، ثم شك فى بعضها ،ثم شك فى أنه هل غسلها أم لا ، وكان قد مر على صيادي السمك فى طريقه إلى البركة فلما رجع قال لهم : هل رأيتموني مررت عليكم بكرة النهار ومعي ثيابي فقالوا له : ما رأيناك ، فقال إذن أنا ما برحت البركة ، ثم ذهب من بكرة النهار إلى البركة ثانياً .. وقد رأيت من يقفز في الهواء إذا نوى الصلاة ثم يقبض بيده على صورة كأنه يخطف شيئاً كان هارباً منه ثم يقول : استغفر الله ، ثم يقول : الطلاق يلزمني ثلاث لا أزيد على نية واحدة ، ثم يزيد ، وكان ذلك فى صلاة الجمعة فما زال كذلك حتى فاتت الجمعة . ثم من جملة مفاسد الوسوسة أن الموسوس يصير يعذب نفسه باستعمال الماء البارد فى الشتاء ، وربما غاص فى الماء البارد، فنزل الماء البارد فى عينيه فعمي كما وقع للشيخ  محمد الجويني بالجامع الأزهر ، وربما فتح عينيه فى داخل الماء ليغسلها فيضر بصره ، وربما كشف عورته للإستنجاء فى الحمام وعلى إفريز الفساقي والناس ينظرون إليه وربما صار إلى حال يسخر منه الصبيان ويستهزىء به من يراه ، وقد رأيت موسوساً من قضاة شبين الكوم وهو ذاهب إلى البحر وذكره مربوط بخيط فى عود جعله بين وركيه حتى لا يصدم ذكره وركيه ،وهو عريان ورأسه مكشوف ، وثيابه وعمامته فى يده مرفوعة خوفاً من أن تمس جسده فلا زال كذلك حتى نزل البحر فطهر ثيابه ، وإغتسل بعد تكدير الماء ، ثم وضع ثيابه على جرن قمح ليجففها ، فطلع له كلب من داخل القش فرجع بثيابه إلى البحر فغسلها ثم طلع بها،فمر كلب ووصل ظله إلى ثيابه،فرجع إلى البحر ثالثاً)[80].

وهذه الأفعال لا يقدم عليها إلا المجانين ، أى تضاءل الفارق فى عصر الشعراني بين المجاذيب الصوفية وموسوسي الفقهاء .. فكلاهما يأتي من الأفعال المضحكة مالا يتصوره عقل .. ويكفي أنهما إجتمعا على العري وترك الصلاة مع تناقض الأسباب ..

11 ــ على أن الوسوسة فى عصر الشعراني وصلت إلى نواحٍ أخرى غير الطهارة والصلاة.  يقول الشعراني : ( وقد رأيت بعضهم يأنف من مواكلة الصبيان أو من مواكلة العوام ، ويغسل يده إذا أكل معهم ، ويرى أنها تنجست بالأكل معهم ، وبعضهم يغسلها سبعاً أحداهن بتراب كلما يأكل أو يشرب من محل أكل الناس أو شربهم .. ورأيت بعضهم لا يصلي قط فى صف المسلمين حتى إضطره ذلك إلى أن لا يصلي إلا إماماً حتى لا يلاصقه أحد بثيابه ..ورأيت بعضهم كلما يجامع زوجته يفتق الطراحة واللحاف ويطهرهما ثم ينجدهما ، وإذا جامع فتق فى الملاءة فتقاً يخرج ذكره منه ،  حتى لا يلامس جسم المرأة..)[81].

إن لم يكن هذا جنونا فبماذا نسميه ؟

 

ثانياً : تَشريع الصلاة الصوفية: بين الصلاة الاسلامية والصلاة الشركية

 بين الصلاة والدعاء والتوسل فى المعنى:

1-   الصلاة تعني الصلة . وصلتك بالله جل وعلا أن تدعوه ليرحمك ، فالصلاة هى ( الدعاء ) .. والدعاء هو التوسل بالمعبود رغبة ورهبة. وهناك ارتباط فى القرآن الكريم بين الصلاة والدعاء لله جل وعلا أن يرحمنا . ويدخل فى ذلك صلاة الله جل وعلا ( علينا ) والصلاة على النبى . فصلاة الله (علينا ) تعني رحمته بنا، أى إنزال القرآن الكريمة ليكون رحمة للعالمين ( الأنبياء 107 ) من الله الرحمن الرحيم ، ولكن يستحق هذه الرحمة القرآنية من يؤمن بالقرآن ويعمل به ( الاعراف 156 : 157 ). والصلاة (على ) النبى هى الصلاة ( على ) نزل عليه القرآن . هى صلتنا به ، أى بهذه الرحمة الالهية ، أى تمسكنا بالقرآن الذى كان يستمسك به ، وعندما نتلفظ بالقرآن تلاوة فإننا ننطق ما كان عليه السلام ينطق به ، اى برغم إختلاف الزمان والمكان يظل القرآن  ( الرحمة الالهية ) صلة تجمعنا بالنبى عليه السلام بعد موته . وهذا القرآن ( نور ) للهداية فى الدنيا ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) المائدة ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174) النساء ) والذى يتمسك به فى الدنيا يكون له القرآن هداية ونورا فى تعامله مع الناس عكس الكافر الضال : ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) الأنعام ). ويوم القيامة يكون النبى والذين آمنوا معه فى نور القرآن الذى يتحول الى الرحمة الالهية التى تقيهم العذاب: ( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمْ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) الحديد ). فالرحمة من الله والدعاء من الخلق ـ  وتلك هى الصلاة على النبى وعلى المؤمنين ، وكما أن جل وعلا وملائكته يصلون على النبى بإنزال القرآن عليه فإنه جل وعلا يأمرنا بالصلاة على النبى أى أن نتمسك بهذه الرحمة القرآنية ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56). الأحزاب  )  والله تعالى يصلي وملائكته على المؤمنين كما يصلي على النبى رحمة بهم، ليخرجهم بالقرآن من الظلمات الى النور ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) الأحزاب 43)، فالمؤمنون أولى الخلق برحمة الله ـ  أى بصلاته عليهم، يقول تعالى (أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157)  البقرة157).

2-    2- ويجمع بين الصلاة والدعاء ـ أو التوسل ـ  أنهما يعبران عن العبادة والتقديس. وارتباط الصلاة بالعبادة والتقديس أمر مفهوم لا حاجة بنا إلى شرحه. أما ارتباط الدعاء بالعبادة فقد ورد فى مواضع كثيرة فى القرآن الكريم، خاصة فى معرض الإحتجاج على المشركين الذين يتجهون إلى آلهة أخرى بالدعاء أو التوسل أو الصلاة، يقول تعالى : ( وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنْ الظَّالِمِينَ (106)يونس 106)، أى أن ذلك الذى تتوجه إليه بالدعاء – من دون الله – لن يقدم لك نفعاً ولن يمنع عنك  ضراً .

3-   - ويجمع – أيضاً – بين الصلاة والدعاء أو التوسل اشتراط الخشوع فيهما.. فالمؤمن – إذا أفلح – خشع فى صلاته (  قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2).المؤمنون1 :2) والمؤمن إذا دعا تضرع . والتضرع هو الخشوع المخلص للمعبود.  فمن دعا بلا تضرع فقد اعتبر معتديا على جلال الله تعالى. يقول جل وعلا :( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) الأعراف55 ،).

4-    4- ويجمع  بينهما أن المصلي لله يرجو رحمة الله ويخشى عذابه، يقول تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)البقرة 277). فلهم الأجر ولاعليهم من خوف أو حزن . وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة كانت من بنود الميثاق الذى أخذه رب العزة على بني إسرائيل ، يقول سبحانه وتعالى : (  وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) المائدة12) .ونفس الحال فى الدعاء أيضا . فمن يدعو الله تعالى مخلصاً يرجو رحمة الله جل وعلا ، أى النجاة من العذاب ودخول الجنات ، يقول تعالى ( وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (56) الاعراف  )، ومن تكون رحمة الله جل وعلا قريبة منه يوم القيامة فلن يلحقه العذاب . وهكذا كان إيمان وسلوك الأنبياء : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ )(الأنبياء90 ).  ويقول جل وعلا عن المتقين الذين يدعون ربهم خوفا من عذابه وطمعا فى جنته ورحمته: (.. تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) السجدة ) وسيكون مصيرهم فى نعيم لا يمكن تخيله : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) السجدة) فلا يمكن أن يتساوى المؤمن بالفاسق :( أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمْ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) ) السجدة )

  بين الصلاة والدعاء في الكييفية:

1- والصلاة في كيفيتها تجسد الدعاء في ركوع وقيام وسجود – من حيث الشكل – أما من حيث النطق فهى تحميد لله جل وعلا وتسبيح وتكبير ودعاء وقراءة للفاتحة وبها أفضل صيغ الدعاء. ومن آداب الدعاء العام أن يسبق بالتحميد والتسبيح والتكبير والإقرار بالذنب ثم يكون الدعاء ، وأفضل الدعاء ما ورد في القرآن الكريم .. فالتشابه قائم بين الصلاة  والدعاء من حيث الشكل والمضمون.. غاية ما هناك أن السنة الإلهية علمت المسلمين فى كل رسالة سماوية كيفية معينة للصلاة ، وفرضتها على المؤمنين كتاباً موقوتاً.. وكأن الدعاء قد شرع فى الحقيقة فى كل صلاة من الصلوات الخمس. ويزاد على ذلك للمسلم إن أراد أن يتقرب إلى الله تعالى أن يتضرع بالدعاء حتى أثناء الليل( السجدة 16 ).فالدعاء عام فى أى وقت وبأى كيفية خاشعة ، أما الصلاة فهى خاصة بتجسيد الدعاء وتشكيله فى هيئة معينة وأوقات محددة . ولأن الدعاء تعبير دينى عام كان به التعبير عن أن الإسلام هو الدعاء ( الحق ) وأن ما عداه أى الدعاء لغير الله جل وعلا هو ( الباطل ): ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) لقمان 30)،( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)  الحج 62).

الصلاة فى الأمم السابقة :

1-   وقد فرض الله تعالى الصلاة على الأمم السابقين والرسل السابقين ، فقوم شعيب كانوا يتندرون عليه قائلين (  قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) هود )، وابراهيم كان من دعائه( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) ابراهيم )، وقال تعالى عن الأنبياء من ذرية ابراهيم عليهم السلام ( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) الأنبياء )، واسماعيل ابن ابراهيم  ( وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً (55) مريم 55) ،وكان من نصح لقمان لابنه (يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ )(17) لقمان)، وكان زكريا يصلي في المحراب حين نادته الملائكة تبشره ( آل عمران 39)، وقال عيسى وهو في المهد( وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31) مريم ). وبنو إسرائيل طولبوا بالصلاة منذ كانوا مضطهدين في مصر حين أرسل إليهم موسى وبتوجيهه كانوا يؤدونها خفية رغم الإضطهاد الفرعوني (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (87) يونس ) وكانت الصلاة أهم بنود الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) البقرة 83). فالصلاة ليست فرضاً على المسلمين بالقرآن وحدهم، وإنما هى فرض عام تعبد الله به عباده منذ ارسال الرسل ، وبنفس الكيفية والتوقيت ما بين ركوع وسجود وتسبيح وتقديس وتنزيه وتضرع وتقرب ، مع إختلاف الألسنة والزمان والمكان .

2-   ومنذ تأسيس الكعبة وفريضة الحج توارث العرب ملة ابراهيم ، ومنها الصلاة ، ولكنهم أضاعوها بالتوسل بالأولياء الموتى ، وبرفع الدعاء لهم فى المساجد كما نفعل الآن .  وحين قام رسول الله عليه السلام ينكر ذلك كادوا يكونون عليه لبدا ، فقال جل وعلا يدعوهم ـ ويدعونا ــ لأن تكون المساجد خالصة لله جل وعلا وحده : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلاَّ بَلاغاً مِنْ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً (23) ) الجن ) . أضاع الجاهليون صلاتهم لأنها كانت خالية من التقوى . كانوا ( يؤدون ) الصلاة ، ولا ( يقيمون ) الصلاة . لذا لم يأت الأمر فى القرآن بتأدية الصلاة ، ولكن بإقامة الصلاة .، قريش كانت تؤدى صلاة شكلية حركية ، من حيث الشكل نفس الصلاة المتوارثة من ملة ابراهيم ، ولكن بلا خشوع ولا تقوى. كانوا يعمرون المساجد بالزخرفة ، مع أن تعمير المساجد لا يكون إلا بالخشوع القلبى والعمل الصالح ، يقول جل وعلا عن قريش المشركة وعن من يسير على دينهم فى التدين السطحى المزخرف الخالى من الايمان الصحيج والسلوك المستقيم :( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ (18)  )التوبة ). لذا إعتبر رب العزة الصلاة التى تؤديها قريش مجرد حركات مضحكة ( مكاء ) يستخدمونها فى ( التصدية ) أى ( الصد ) عن المسجد الحرام بالتحكم فيه ، يقول جل وعلا : ( وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34) وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (35 ) الانفال ).

  3- ذلك أن من عادة البشر السيئة سرعة الوقوع فى الشرك وتقديس البشر والحجر ، يأتى الرسول بالحق وتؤمن به أقلية ، وتصل الدعوة ولكن سرعان ما يأتى ( الخلف ) من الجيل التالى فيقع فى المعاصى والشهوات والشرك ، وتحريف الصلاة أوتضييع ثمرتها بأن يجعلها مجرد حركات بلا خشوع وبلا تقوى ، أى لا يقيم الصلاة ولا يحافظ عليها ، طبقا لما جاء فى القرآن الكريم ( المؤمنون 1 : 9 ) ( المعارج  22 : 32 ). المشرك المتدين حين يصلى يكتفى بتأديتها حركات شكلية مع إصراره على تقديس البشر والحجر وإدمان الشهوات والعدوان . وهكذا يكون تضييع الصلاة بدلا من إقامة الصلاة ، يقول جل وعلا : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59) مريم ) ولكن أمامه فرصة للتوبة : ( إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) مريم).. وما حدث مع الأنبياء السابقين وسجله القرآن الكريم حدث بعد موت النبي محمد عليهم السلام ، فقد رأينا كيف تحايل الصوفية على الصلاة الإسلامية بالإهمال والترك ثم وجدوا من العامة مؤيداً لهم في التخفف من فرض الصلاة . وفى الدين السّنى تكرار لما كانت تفعله قريش ، التى كانت تحافظ على المظهر الشكلى للصلاة بنفس الحركات والمواقيت ، وتجعل من هذه الصلاة الشكلية هدفا تبرر به العدوان على الغير ، أى إذا كانت الصلاة فى الاسلام وسيلة للتقوى بإقامتها فى القلب خشوعا وفى السلوك إستقامة : (  وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) العنكبوت ) فإن الصلاة عند قريش وفى الدين السنى تبرر لهم الاستطالة على الناس . والصوفية لم يسعوا إلى هدم الصلاة عبثاً ، وإنما قصدوا إحلال شعائرهم الخاصة بهم والتي تقوم مقام الصلاة وتحقق هدفهم في عبادة الولي الصوفي ، ومرَ بنا في مبحث علاقة المريد بشيخه كيف حاصروا المريد الصوفي بسياج من الأوامر والنواهي يفوق ما شرعه الله لعباده المؤمنين . وإذا كانت الصلاة تعبيراً عن الدعاء والتوسل بكيفية معينة وأوقات محددة، فإن الصوفية توجهوا بصلاتهم أو بدعائهم  وتوسلهم إلى الأشياخ متضرعين متذللين . ولم تخل تلك الصلاة الصوفية من ركوع وسجود وأوراد قدمت فيها الإبتهالات أو التسبيحات للإله الصوفي خوفاً وطمعاً.. الجاهليون قصدوا الأنصاب والقبور المقدسة بالصلاة والتبرك ، فاستحقوا أن يسخر بهم رب العزة جل وعلا . ونقرأ قوله جل وعلا عن عبثية الدعاء والعبادة والتوسل والصلاة للأولياء الآلهة الموتى المقبورين : ( أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (192) وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (197) الأعراف )،  فهذه الأولياء الموتى لا تخلق شيئا ، بل لا تستطيع أن تخلق ذبابة ولو إجتمعت لها ( الحج 73 ) ، ولا تستطيع نصر أنفسها يوم القيامة ولا تستطيع نصر غيرها ، وهم بشر مثلنا وعباد مثلنا ولكن ماتوا وتحولوا الى تراب ، ليست لهم أيدى للبطش ولا أرجل للمشى ولا أعين للرؤية ولا آذان للسمع ، فكيف يُخيفون الناس بكراماتهم وتصريفهم المزعوم ؟ لذا أمر الله جل وعلا رسوله أن يتحدهم وآلهتهم المقبورة ، وأن يعلن أن الله جل وعلا هو وحده الولى وهو الذى يتولى برحمته الصالحين الذين يموتون بإيمانهم الخالص وعملهم الصالح .ما كان يفعله الجاهليون هو نفس ما يفعله العابدون للأضرحة والقبور المقدسة . ونفس الحال مع الصوفي الذي يقصد الضريح ويقف أمامه خاشعاً متبتلاً ينسى أن المقبور قد تحول إلى تراب ميت فكيف يستجير الحى القادر على المشي والبطش والنظر والسمع – بتراب لا يختلف عن التراب الذى تطؤه الأقدام؟ . كل ما هنالك أن ذلك التراب قد أحيط بأساطير شيطانية جعلته إلهاً متصرفاً في كون الله تعالى.. ثم يهددون بهذه القوة المزعومة كل منكر عليهم .ونعطى تفصيلا عن التوسل كصلاة فى دين التصوف فى العصر المملوكى .

 

التوسل بالأولياء كصلاة للصوفية تخالف الاسلام

1- الدين بما فيه من توسل وعبادة ومعاملة مع البشر يجب أن يكون خالصا لله جل وعلا : ( فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ) (3)( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (11) (قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) الزمر ). والاخلاص يعنى أن لا تكون هناك وسائط بين العابد وربه جل وعلا ، فاتخاذ الوسائط والأولياء والتوسل بهم للتقرب إلى الله زلفى أمر ينافي إخلاص الدين لله تعالى .وإذا أخلص انسان دينه لله – عقيدة و عبادة دعوة وصلاة وشعائر وتعاملا مع الناس – فلا مجال لأى انسان مقدس في عقيدته، وحق الله عنده أكبر الحقوق وأجلها وأعظمها . لذا كان من البديهي أن تبدأ الصلاة والآذان بقول المسلم (الله أكبر).، فهو جل وعلا ( الأكبر ) وليس معه معبود غيره ، لأنه جل وعلا لا خالق للمخلوقات غيره.

أما المشرك فهو يكره من المسلم إخلاص دينه لله جل وعلا : ( فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14)غافر ) لأن هذا المشرك قد تبدد إخلاصه بالشوائب فتتعدد الآلهة أمام عينيه ، ويقصدها بالتوسل كي تتوسط له عند الله متناسياً أن الله تعالى قريب من عباده ، يقول تعالى  (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (186) البقرة ). بل إن الله أقرب إلى الإنسان الحي من حبل الوريد حتى لا تخفى عليه خافية من هواجس النفس البشرية (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)  ق )، هذا فى الحياة ، وهو أيضا عند الاحتضار:( فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) الواقعة ). ذلك المشرك الذي يترك الله تعالى القريب منه ويتوجه إلى غيرالله بالتقديس والعبادة والدعاء والتوسل إنما يتدنى بنفسه إلى عبادة الشيطان ، فهو الذي يوحي إليه بذلك ويزين له أنه على حق في اتخاذه للأولياء وأنه بذلك يحسن صنعاً .. (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106) الكهف )، فالشيطان هو الذي جعلهم يعتقدون أنهم يحسنون صنعاً باتخاذ البشر أولياء وتقديسهم ، لذلك يصف رب العزة جل وعلا تلك القبور المقدسة بأنها رجس من عمل الشيطان.  أي من تدبيره (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90): المائدة ). ويؤكد جل وعلا على إجتنابها : (  فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) الحج )، ومع هذا التأكيد على ( رجسية ) القبور المقدسة إلا إن المحمديين يحجون اليها ويعكفون عليها ، واشهرها القبر المنسوب زورا للنبى محمد والقبور المنسوبة زورا للحسين وأخته زينب بنت على ، والصحابة والأولياء وائمة الشيعة . يتفوق المحمديون ( سنة وشيعة وصوفية ) على أتباع كل الأديان الأرضية فى عبادة القبور والموتى ، ثم يتطرفون فى تحريم  التصوير والنحت والتماثيل العادية ، يعتبرونها كفرا وشركا. وهذا خبل عقلى مضحك .!

2- وقد حرص الصوفية على أن يتمثل فى التوسل كل خشوع وتذلل يتقدم به المريد أمام الأضرحة الصوفية ، حتى أن فقيهاً صوفياً طالما أنكر على الصوفية وانحرافاتهم في عصره سلم بهذه العقيدة الصوفية – عقيدة التوسل، وطالب بها زائري الأضرحة وعبُادها ، وهو بذلك يعبر – لا عن نفسه فحسب –  بل عن العصر،يقول ابن الحاج العبدرى عن الأولياء المقبورين : ( يتعين على الزائر قصدهم من الأماكن البعيدة ، فإذا جاء إليهم فليتصف بالذل والإنكسار والمسكنة والفقر والفاقة والحاجة والإضطرار والخضوع ، ويحضر قلبه وخاطره إليهم وإلى مشاهدتهم بعين قلبه لا بعين بصره ، لأنهم لا يبلون و لا يتغيرون .. ثم يتوسل إلى الله تعالى بهم في قضاء مآربه ومغفرة ذنوبه)[82].

ويهمنا أن ابن الحاج ذلك الصوفي المعتدل لم يملك الا بالتسليم بالعقيدة الأساسية لدين التصوف الذي يؤمن به، وأن اشتراط الذل والإنكسار والمسكنة والفقر والفاقة والحاجة والإضطرار والخضوع وحضور القلب والخاطر وعين القلب – كل ذلك أكبر مما هو مطالب به المسلم في صلاته لله ، فلم يرد في القرآن الكريم بشأن الصلاة بعد المحافظة عليها إلا طلب الخشوع فيها كما جاء فى إفتتاحية سورة ( المؤمنون ). فابن الحاج وقع فيما تردى فيه الصوفية من تفضيل للولي على الله .. تعالى عما يقولون علواً كبيراً..

ويتجسد ذلك التفضيل في مقارنة التوسل بالصوفي بالصلاة لله تعالى ،فالمسلم مهما كان تقياً فإن صلاته لا تخلو من شرود وسهو ونسيان ، أما الصوفي عابد الأضرحة فيقف أمامها وكله انتباه وخشوع وتخشع وانكسار وتوسل واضطرار وتزلف..

وسبق أن ذكرنا أن بعض الصوفية اعتبر الخشوع في الصلاة الإسلامية بلاءاً عظيماً في الوقت الذي يعبر فيه صوفي معتدل كابن الحاج عن هيئة العابد الصوفي أمام الضريح بشتى صفات الفقر والاحتياج والذل والإنكسار، بل إن الشعراني صرح بأن الهدف من التوسل هو منع المريد من الإلتجاء لله تعالى ، فهى إذن حرب لله تعالى في سبيل سلب أكبر كمية من التقديس الواجب لله تعالى ،يقول الشعراني (المريد إذا مرض ولم يعده شيخه يحصل له الأسف في نفسه ويحول باطنه إلى الإعتماد على الله تعالى ، بخلاف ما إذا عاده أصحابه ، فإنهم ربما يحجبونه عن الإلتجاء إلى الله تعالى في مثل ذلك). وقد عد الشعراني من المنن مداواته بعض المريدين للأشياخ الآخرين إذا مرضوا فلم يزرهم شيوخهم[83].  ، وذلك حتى لا يلجأ المريد لله تعالى .

3- والتوسل بالولي الصوفي ركن أساس وهام في العقيدة الصوفية ، بل هو عمودها وبدايتها ، وقد سبق أن ذكرنا أن التوسل بدأ مع بداية التصوف الأولى  فمعروف الكرخي كان نصرانياً فتصوف وادعى الإسلام وأصبح رائداً في الطريق الصوفي ،وقد قال لتلميذه السري السقطي :(إذا كانت لك حاجة إلى الله تعالى فأقسم عليه بي)[84].  ,أنه وقع على عاتق الغزالى فى القرن الخامس الهجرى إختراع الصيغة المناسبة للتوسل بالولى الصوفى ، أى الصلاة اليه ـ فوجد ضالته فى صناعة حديث مزور ينسبه للنبى عليه السلام ، فزعم أن صوفيا ظل يتمرغ فى التراب يلوم نفسه قائلا : أجيفة بالليل بطّالة بالنهار ، وتمضى الاسطورة بأن يلقى النبى فيقول له النبى : أما لقد فُتحت لك أبواب السماء ولقد باهى الله بك الملائكة ، ثم قال لأصحابه : تزودوا من أخيكم ، فجعل الرجل يقول له : يا فلان ادع لي ، فقال النبي (ص) عمَهم فقال الرجل :اللهم  اجعل التقوى زادهم واجمع على الهدى أمرهم فجعل النبي (ص) يقول : اللهم سدده فقال الرجل : اللهم اجعل الجنة مآبهم) [85].  ويقول العراقي في تصحيح سند هذا الحديث : (هو منقطع أو مرسل ولا أدري من طلحة هذا)[86]. أى إنه حديث لا أصل له ، أى إخترعه الغزالى نفسه ، ولم ينقله عن آخرين . ومن حيث المتن نقول إن هذا الحديث ذكر مصطلحات صوفية لم تكن معروفة في عصر الرسول عليه السلام مثل (بطال) ( أى عاطل عن العمل ) . مع وجود الجو الصوفي في تعذيب النفس بلا مبرر، والتوسل بذلك الذي تمرغ في الرمضاء بدافع صوفي هو مجاهدة النفس.  ومع أن النبى محمدا نفسه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فكيف يملك هذا الحق شخص من عامة المسلمين لم يجرؤ الراوي الكاذب على أن يطلق عليه إسماً.. ثم كيف يتوسلون به فى عصر النبى والنبي موجود معهم والإسلام يمنع التوسل بالنبي؟ ألا يعبر ذلك عن عقيدة الإتحاد الصوفية التي تفضل الولي الصوفي على الرسل والأنبياء؟؟

وقد يلجأ الغزالي إلى أقاصيص الصوفية التي تنبىء بالتوسل وعلم الصوفي بالغيب كقول ابن علوان ( كنت قائماً ذات يوم أصلي فخامر قلبي هوى طاولته بفكري حتى تولد منه شهوة الرجال فوقعت إلى الأرض وأسود جسدي كله ، فاستترت في البيت فلم أخرج ثلاثة أيام وكنت أعالج غسله في الحمام بالصابون فلا يزداد إلا سواداً ، حتى انكشف بعد ثلاث ، فلقيت الجنيد وكان قد وجه فأشخصني من الرقة فلما أتيته قال لي : ما استحييت من الله تعالى ، كنت قائماً بين يديه فساررت نفسك بشهوة حتى استولت عليك برهة  فأخرجتك من بين يدي الله تعالى فلولا أني دعوت الله لك وتبت إليه عنك للقيت الله بذلك الذنب ، قال فعجبت كيف علم بذلك وهو ببغداد وأنا في الرقة).وعلى هذا فالجنيد علم الغيب وكشف المستور وأن إبن علوان هذا إحتلم وهو يصلى فإسودّ جلده ، فما كان من الجنيد إلّا أن توسط لدى الله تعالى ــ بزعمهم ــ حتى انقشع اللون الأسود عن مريده . كل ذلك والجنيد في بغداد والمريد في الرقة لم يخطر بباله أن الجنيد يعلم بحاله.

 ثم يومىء الغزالي للتوسل ويسنده حتى لخدام الصوفية في الربط يقول (خدام الصوفية في الربط يخالطون الناس بخدمتهم وأهل السوق للسؤال منهم – أى التسول منهم – كسراً لرعونة النفس واستمداداً من بركة دعاء الصوفية المتصرفين بهممهم إلى الله تعالى )[87]

 

 

 

 

بعض تفاصيل عن صلاة التوسل الصوفية

 فى العصر المملوكي لم يجد الشعراني حرجا من الإعلان بوجوب زيارة الشيخ لمريده حتى لا يلجأ المريد لله تعالى من دون الشيخ وتضيع قاعدة التوسل ، وهذا هو التجسبد الحي لعبادة الصوفي والصلاة إليه . وصار من مظاهر تمكن الصوفي أن يدعو الآخرين للصلاة إليه للتوسل به  فالدسوقي يقول لمريده (يا مريدي إن صدقت معي وصح عهدك فأنا منك قريب غير بعيد ،وأن في ذهنك وأنا في طرفك ، وأنا في جميع حواسك الظاهرة والباطنة )[88].وقال (إن صدق المريد مع شيخه ونادى شيخه من مسيرة ألف عام أجابه ، حياً كان الشيخ أو ميتاً ، فليتوجه المريد الصادق بقلبه إلى شيخه في كل أمر دهمه في دار الدنيا فإنه يسمع صوت شيخه ويغيثه مما هو فيه ، ومهما ورد عليه من مشكلات سره يطبق عينيه ويفتح عين قلبه فإنه يرى شيخه جهاراً فإذا رآه فليسأله عما شاء وأراد)[89].

فالدسوقي ينتحل لنفسه وللشيخ الصوفي صفات الله تعالى ، فيجعل من الولي الصوفي قريبا ًمن مريده ومهما ناءت بينهما المسافات فهو أقرب إليه من حبل الوريد ،ثم هو – أى الصوفي – يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ولو من مسيرة ألف عام وكل ما على المريد أن يدعو شيخه بصدق وإخلاص فيرى الإجابة محققة . والصلاة – أو الدعاء – تكون رغبه أو رهبة ، وأكبر الخوف من النار وأعظم الرغبة في الجنة ، ومع أن الله تعالى هو خالق الجنة والنار ،إلا أن الدسوقي استكثر أن تخرج الجنة والنار عن منطقة نفوذه فيضيع منه جانب من الصلاة له والتوسل به ، فكان يقول (أنا نار الله الموقدة ، أنا جنة الخلد ، أنا بي يستغيث الناس فيغاثون). وسبق أن عرضنا  لتخريف الدسوقي بشأن تصريف في الجنة والنار في مبحث تصريف الولي.

وصارت دعوة الصوفية للتوسل بهم حقاً لكل صوفي مشهور أو غير مشهور، فتاج الدين النخال (ت824 هـ) كان يقول (إن حصلت لك شدة وكنت في أى جهة فتوجه إلى مصر وقل يا شيخ تاج الدين يا نخال فإن كنت في المشرق أو في المغرب أتيتك بأسرع ما يمكن)[90].

وبعد موت الصوفي لا تنقطع دعوته لمريديه بالتوسل إليه والصلاة عند قبره ليستجيب لهم ، حتى أن أحدهم دعا الله بدعاء مأثور فى جلب الرزق فرأى شيخه المنوفي بزعمه – وكان ميتاً – يقول في منام (أما يستحي أحدكم أن يكلف جبريل في شيء من الرزق)[91].،ذلك أن أتباعه كانوا يتوجهون إلى قبره يتوسلون به فيقضى حاجتهم[92]   بزعمهم ، ونحو ذلك ما قاله سالم العفيفى عمن يزور قبره ولا يتوسل به( أنا أعجب ممن يزورني ولا يدعو ولا يسأل حاجة )[93].

5- وواضح ان تلك المنامات المزعومة المسندة للشيوخ إنما حكيت على ألسنة الأتباع من سدنة الأضرحة المتعيشين على النذور التي تقدم والهبات التي تمنح ، وقد يكون منهم ابن للشيخ المتوفي لم يرث إلا سمعة والده وهو حريص على تنميتها بعد ان تحول إلى ضريح ، من ذلك ما حكي عن محمود ولد شمس الدين الحنفي الصوفي الشهير في العصر المملوكي من أنه أصابته فاقة بعد وفاة والده فجلس أمام ضريحه وشكى إليه حاله وذكر قول أبيه للمريدين (من كانت له حاجة فليأت إلينا ويطلب حاجته فإن ما بيني وبينكم غير ذراع وكل رجل يحجبه عن أصحابه ذراع من تراب فليس برجل ) ثم قال فلم يشعر إلا برجل يقدم له خروفاً مشوياً وخبزاً كثيراً . ورويت قصة أخرى عن نفس الإبن توسل بأبيه من أجل الثياب[94].

وبعد موت الشاذلي وازدياد شهرته بتكاثر الطريقة الشاذلية وفروعها عظم التوسل بالشاذلي وحمل أتباعه الأوائل لواء الدعوة للتوسل به .. يقول مكين الدين الأسمر ( الناس يدعون إلى باب الله تعالى وأبو الحسن يدخلهم على الله )[95]. ويقول أبو العزايم ماضي أنه استغاث بالشاذلي عندما كانت العرب تنهب الحجاج واغاثه الشاذلي ، رغم أنه مقيم بالإسكندرية ،وعندما رجع إليه قال له (يا ماضي لما اشتد الحال عليك وناديت بنا أتينا إليك وخلصناك مما كنت فيه)[96]..

6- ومن الطبيعي أن تتخم كتب المناقب بالدعوة للتوسل بالأولياء الذين كتبت فيهم تلك المناقب .. ففي مناقب الحنفي أن تاجراً صرعه اللصوص وهموا بذبحه فاستجار بالحنفي . يقول ( فألهمتني القدرة أن قلت يا سيدي محمد يا حنفي هذا وقتك) وسمعه الحنفي وهو في خلوته التي لا منفذ فيها فرمى بفردة قبقابه فأصابت اللص وصرعته (فلم أشعر يا سيدي إلا وهذه الفردة في الهوا وسمعت سيدي يقول : الله أكبر الله أكبر) ( ونجاني الله منه ببركة سيدي)[97].

وفي مناقب عبد الرحيم أن امرأة دعت على الزردكاش والي قوص وتوسلت بعبدالرحيم القنائي فمات الوالي [98]. وفي مناقب الفرغل أن ركاب سفينة غارقة توسلوا بالفرغل فسد الموضع بطاقيته فأنجاهم والسفينة وأمرهم بالحرص على الطاقية فأتوا بها  إلى بلدته في الصعيد [99].

وفي مناقب المنوفي أن بعض الأمراء خاف من غضب السلطان الناصر محمد بن قلاوون فاستغاث بالمنوفي – وكان وقتها مع مريديه – فرآه أمامه وطمأنه[100].

  وفي العصر العثماني يقول حسن شمة كاتب مناقب الدسوقي (ضل لي حمار فنظمت بيتين استغثت فيهما بسيدي ابراهيم الدسوقي في رده فجاء الحمار [101]. أى أن سلطان الصوفية وصل للحمير..

7- ومن الطبيعي أن يتضخم التوسل بالأولياء في العصر المملوكي – ليس فقط للإعتقاد في جدوى التوسل – ولكن ظروف العصر المملوكي السياسية – بين فتن ومؤامرات واشتداد للظلم – كلها كانت تدفع للتوسل . ومع وجود الجهل وسيطرة التصوف لم يجد الناس أمامهم إلا أولياء الصوفية وادعاءاتهم فصدقوا بها وآمنوا. ورددت ذلك المؤلفات التاريخية غير الصوفية ، فيقول المؤرخ أبو المحاسن عن إسماعيل الإمبابي أنه (أحد من تستغيث به العامة إذا مسها الضر ، ويزعمون أن سره يجلب عنهم السوء والمكروه  )[102]. بل أن السبكي الفقيه الصوفي يصف الصوفية بأنهم (أهل الله سبحانه وتعالى وخاصته ، الذين يرتجى الرحمة بذكرهم ويستنزل الغيث بدعائهم )[103]. والأكثر من ذلك أن السلطات الرسمية المملوكية اعترفت بالتوسل بالصوفية ، فقد ورد في وثيقة تقليد شمس الدين الأيكي لمشيخة خانقاه سعيد السعداء بشأن الصوفية ,( بهم تكشف الكربات وبهم يتوسل المتوسلون .. فمنهم الأبدال والنجباء والأوتاد والنقباء والمختارون بعد العرفاء والغوث الذي هو واحد تحت السماء)[104].

 

تشريعات  صلاة التوسل بالأولياء الموتى

1- وقد وضع الصوفية أولويات للتوسل . فمن ذلك أن أقرب الناس للولي الصوفي لا يتوسلون إلا به ، يقول الشعراني أن زوجة شمس الدين الحنفي مرضت ( فكانت تقول يا سيدي أحمد يا بدوي خاطرك معي ، فرأته في المنام يقول لها : كم تناديني وتستغيثي وأنت لا تعلمي انك في حماية رجل من الكبار المتمكنين ، ونحن لا نجيب من دعانا وهو في موضع ( أى فى حماية ) أحد الرجال ، قولي يا سيدي محمد يا حنفي يعافيك الله ، فقالت ذلك فأصبحت كأن لم يكن بها مرض )[105]. وعلى نفس المنوال استغاثت زوجة خادم زاوية الحنفي في مرضها بالبدوي فكان أن عنفها البدوى في المنام ( أما تعلمي أن الأدب بين الفقراء ( أى الصوفية ) مطلوب ، فلا تعودي تقعي في هذا القول ، بل قولي يا سيدي محمد يا حنفي خاطرك معي)[106].

والصوفي في حياته قد يدعو للتوسل بالصوفية السابقين ، وبعد موته تسند إليه الأقوال الداعية للتوسل به . فالشاذلي مثلاً كان يقول إذا عرضت إليكم حاجة إلى الله فتوسلوا إليه بالإمام أبي حامد[107].وفي المصادر الشاذلية اللاحقة  كان المرسي تلميذه يقول أن الشاذلي قال له (إذا عرضت لك حاجة إلى الله فأقسم عليه بي) ،ويقول مؤكداً ما سبق (فكنت والله لا أذكره في شدة إلا انفرجت ، ولا أمر صعب إلا هان ، وأنت يا أخي إذا كنت في شدة فأقسم على الله به، وقد نصحتك)[108].

2 ــ ومن ناحية أخرى أوجد الصوفية بعض التدرج في التوسل حين كثر الأولياء وتفرعت الطرق الصوفية ، يقول الخفاجي (من كان له مقصد فعليه بالتوسل أولاً بسيدي عبدالعال في أن يترجى له من سيدي أحمد البدوي فهو المقبول عنده في حال الحياة ، فيكون في أمر البرزخ أسرع للإصابة )[109]. وكان المتبولي يقول (إذاكان لكم إلى الله حاجة فتوسلوا بسيدي عبدالله المنوفي، فإن لم تُقض فتوسلوا بسيدي شرف الدين الكردي ، فإن لم تُقض فعليكم بالإمام الشافعي ،فإن لم تقضى فعليكم بالسيدة نفيسة )[110]. فلم يتذكروا الله وسط هذا التدرج ولو فعلوا لما كانت هناك حاجة لهذه السلسلة الطويلة ، فهو تعالى قريب ولا واسطة بينه وبين عباده إذا أخلصوا له العبادة والدعاء ..

9- ويقول صوفي :

 

اني اتيتك يا ذا المشرع العالي

                                            فأنظر بلحظك في شأني وفي حالي

ولا تكلني إلا من ليس ينصرني

                                             ولا إلى ذي جفا للعهد لي قالــي

ففاقتي لك يا ذا الطول قد عُلِِمتْ

                                             منْ كسرقلبى ومن حالي ومن قالي

وقد تحاميت في الجاه المديد فلا

                                             تردني خائباً من فيض أفضـالي

اغث بجاهك من يأتيك ملتهفاً

                                             فالجود بالجاه فوق الجود بالمـــال

ومن أولى بغوثي منك يا أملي

                                            ومنتهى رحلتي ومنائي بل وآمالي

وصُن بعزك ياذا الطول وجهي عن

                                               سؤال غيرك ممن حاله حــالي

وقد نزلت بــباب  فــاز     قاصـده

                                              بــكل قصـد وتعظيــم وإجــلال ..

 

والقارىء العادي يعتقد لإول وهلة أن المقصود بهذا الخطاب هو الله تعالى، إذ لا يليق أن ندعو غيره بهذا الدعاء والتوسل ، ولكن ذلك الشعر قاله أحد المحبين في توسله للبدوي [111].

فقد نظم الصوفية كثيراً في شعر التوسل قياساً على ما قاله بعض الزهاد السابقين في الدعاء لله. ومن ذلك الشعر الصوفي ما قاله ابن الميلق الشاذلي فى التوسل بأبى الحسن الشاذلى : [112]:

 

فكن شاذلي الوقت تحظى بسره

                                         وفي سائر الأوقات مستغنياً بعن

فإنــــي له عـــبد وعبد لعبــــده

                                          فيا حبذا عبد لعبد أبى الحــسن

وإذا لم أكن عبداً لشيخي وقدوتي

                                          إمامي وذخري الشاذلي أكن لمن؟

 

ونقول لقاضي القضاة ابن الميلق الشاذلي : كن لله عبداً.أو لم تتذكر الله رباً لعبوديتك؟.

وصار من عادة النثر الصوفي أن يقال في ترجمة الصوفي أو حين يذكر (ونفعنا الله ببركته) أو (ونفعنا بهم)إلخ[113].

10- ولله ( سُبحانه تعالى ) ( يُسبّح ) كل شيء : ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (44)  ) الاسراء ) يشمل ذلك الطير في أكنانها، يقول تعالى ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) النور). ، وزاحم الصوفية الله تعالى في ملكه فجعلوا الطير والحيوان يتوسل بهم من دون الله ، وكأنهم لم يكتفوا بالمريدين من البشر فطمحوا لمد نفوذهم على بقية الخلائق.!.

يقول الصوفية (إن يمامة تسكن في جامع عمروتوسلت بياقوت العرش في الإسكندرية فصحبها إلى الجامع وامر المؤذن ألا يأكل أولادها، فتقدمت اليمامة من الشيخ ووضعت منقارها على يده كأنها تقبله فبكى الجميع (وكانت ساعة عظيمة)، وهذه الأسطورة المؤثرة صيغت في أواخر القرن التاسع أى بعد موت ياقوت العرشي بأكثر من قرن.  وردّد ذكرها البتنوني في مناقب الحنفي [114]. والشعراني بعده [115]، ذلك أن القرن التاسع وما تلاه شهد تسيد التصوف للحياة المملوكية فلم يكتف أساطين التصوف بتوسل البشر، فأضافوا توسل الطيور والحيوان ، وحفلت بذلك كتب المزارات التي تدعو إلى تقديس القبور والأضرحة وتنسج هالة حول كل قبر ،ورأت ان تشرك الحيوانات والطيور في هذا الإفك رغم إرادتها ..

فقيل عن قبر مزور منسوب للسيدة عائشة المعروفة ببرء الطير( أن الطيور تأتي إلى قبرها وهى متألمة فتبرأ)[116]. وعن قبر أبي الحسن على المعروف بطب الوحش( كانت الوحوش   إذا  أصابها وجع أو ألم  تأتي إلى قبره تتمعك به فتبرأ )[117]. وقيل عن قبر أبي الحسن اللخمي ( كانت الوحوش تأتي إلى قبره تتبرك بترابه)[118]. وقيل عن قبر أبى زكريا ( وان السبع كان يأتي إلى باب أبى زكريا البستى ويتوسل به)  [119]. ونفس السبع ( المسكين ) كان يأتى إلى قبر أبي الطاهر المحلي (ويتوسل به)[120].

والأرجح ان الوحوش كانت تلجا إلى الترب  والمقابر تتبول عليها ، إذا كانت التربة على أطراف القاهرة وبداية الصحراء ، ورأى المريدون أن الوحوش تعبر بتبولها عن طريقتها فى التبرك بأوليائهم ، فسجلوا ذلك . ولسنا ملتزمين بتصديقهم..

11- ومن الطبيعي أن تستجيب البيئة المصرية لذلك التشريع الصوفي فتصلي للصوفية توسلاً بهم في الوقت الذي تهمل فيه الصلاة لله تعالى..

فالمقريزي عاب على ما شاع في عهده من قولهم ( أنا متوكل على الله وعليك ، وأنا في حسب الله وفي حسبك ، ومالي إلا الله وأنت ، وهذا من الله ومنك ، وهذا من بركات الله و بركاتك ، والله في السماء وأنت لي في الأرض) وجعل هذه الألفاظ شركا ًبالله[121]. والمقريزى كانت فيه نزعة إصلاحية جعلته يُنكر على الصوفية ، وهو هنا يرى إنه لا يصحّ اسلاميا القول بالتوكل على الله جل وعلا وعلى بشر آخر معه .

والواقع ان سهولة جريان هذه الألفاظ  على اللسان إنما ترجع إلى شيوع التوسل بكل شيء وبأى شيء طالما تمتع بإعتقاد الناس حتي لو كان حجراً ، فالمثل الشعبي يقول ( لواعتقد أحدكم في حجر لنفعه )[122]. ويجدر بالذكر ان ذلك المثل الشعبي صدر عنه حديث موضوع بعناية التصوف يقول ( لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه)، وقد نقده ابن القيم وقال فيه ( وهو من وضع المشركين عبُاد الأصنام ) [123]، وهل الأضرحة والأنصاب إلا أحجار تعبدها وتقصدها العامة بحسن الإعتقاد وكبير التوسل والتذلل ؟؟..

ولقد أضحى التوسل فى مصر المملوكية عادة مصرية أصيلة يتميز بها المصرى على ما عداه ،فقد ورد أن السلطان قايتباى أمر بضرب مملوك اشتراه حديثاً ، (فصار المملوك يأكل الضرب ويقول " يا ستى نفيسة " فغضب السلطان أعظم الغضب وصار يقول لمقدم طبقته "هذا ما هو جلب إنما هو زقاقى " يعنى لأى شئ يضرب ولا يقول " توبة حجم " على عادة الأتراك ،ثم أمر أن يسلموه لتاجره)[124]فقد استجار المملوكى(حين ضربوه ) بالسيدة نفيسة فافتضح أمره ،واكتشف السلطان إنما هو مشترى من أزقة مصر، لا من الرقيق الوارد من الخارج ،( أى جلبى ) فأمر برده .

وشاع التوسل بالأولياء والأنبياء حين الأزمات كالضرب مثلاً كما سبق مع ذلك المملوك، ونحو ذلك ما روى عن بعضهم من أنه كان يتوسل بابراهيم الخليل وهو يتعرض لعقوبة الضرب [125]، وقال ابن حجر ان الأمير كشبعا كتبغا كان يضرب مملوكه كلمش فصار يتشفع عنده بالله والرسول[126]، وهو قريب مما يقال فى البيئة الشعبية حين الضرب (أنا فى عرض النبى )..

وقد نشأ الناصر محمد بن قلاوون في مصر وتأثر بالتوسل السائد فيها ، وحدث في أثناء معاركه مع التتار أن صاح مستغيثاً بخالد بن الوليد فقال له ابن تيمية وهو معه ( قل يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين)[127]. . وابن حجر لم يكن صوفياً، بل كان منكراً على صوفية عصره ،ومع ذلك فحينما مات وصار له قبر وشُهرة وصيت قصدته العامة بالتوسل وقالوا فيه (من توسل به إلى الله في حوائجه قضيت)[128].

وأبرز عبارات التوسل الشائعة حتى عصرنا هى قولهم ( مدد يا شيخ فلان ) عند زيارة ضريح انتظاراً لمدد – لن يأتي – من صاحبه .. والمدد هو العون . والمدد أو العون لا يأتى إلا من الله جل وعلا. ولقد قالها نوح عليه السلام لقومه من قبل : (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً (12) نوح) وبعده قالها خاتم المرسلين لأصحابه فى موقعة بدر: (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) آل عمران  )

وكان ينادي على الولد التائه بقولهم (يا عدوي) والعدوي شيخ صوفي ينسب إليه انه يحضر التائه [129]. أو هو عندهم  ( إله) صوفي زعموا انه تخصص في إحضار الأطفال التائهين فكانوا يتوسلون به وقت الحاجة .

  تشريعات صلاة التوسل بالأولياء الأحياء                                 

1- إنصاع المريدون لأوامر الشيوخ بتقديسهم فاعتبروا مجرد رؤية الشيخ عبادة .. يقول ياقوت العرشي تلميذ أبي العباس المرسي ( النظر في وجه الولي على جهة التعظيم ساعة واحدة خير للمريد من عبادته وحده خمسين عاماً)[130]. وعليه فيمكن للمريد ان يكتفي بنظرة لإلهة عن أداء الصلاة لله تعالى- وكان الشيخ بدر الدين المهدي يقول عن أشياخ رفاقه ( كانت رؤيتهم عبادة)[131]. وقيل في ترجمة (على بن وفا) ت 807 (دان أصحابه بحبه( أى جعلوا حبه دينا ) ، واعتقدوا رؤيته عبادة ،وتبعوه فى أقواله وأفعله ،وبالغوا فى ذلك مبالغة زائدة ، وسموا ميعاده المشهد ، وبذلوا له رغائب أموالهم ،هذا مع تحجبه التحجب الكثير)[132].

2- فعلىُ بن وفا جعل من نفسه إلاهاً ، واعتبره أتباعه كذلك، فاعتقدوا ان رؤيته عبادة. ولم يزدد بذلك على وفا إلا غلواً، فطالب مريديه بالصلاة له حتى يتحقق بهم ويمن عليهم يشيء من ألوهيته..يقول( لم أجد الآن مريداً صادقاً يتقرب إليَ حقيقة حقه عندى بالنوافل حتى أحبه ، ولو وجدته لوافيته بحقه، فأحببته فكنت هو . )[133]. اى يقلد حديث البخارى ( من عادى لى وليا .) وفيه ( ولا يزال عبدى يتقرب الى بالنوافل ..) الى آخر هذا الإفك الكافر الآثم الذى صنعه البخارى . وعلى بن وفا يريد من مُريده أن يتقرب اليه بصلاة النوافل له ، ويعده حينئذ أن يتحد به ويحل فيه طبقا لعقيدتهم فى الحلول والاتحاد . أى يجعل نفسه (الإله ) فى الدين الصوفى الذى يحل بالولى الصوفى ويتحد به الولى الصوفى بزعمهم.  وكان الإعتقاد في شفاعة الولي الصوفي سائداً في العصر المملوكي ، وبحجة الشفاعة المزعومة طالب بعضهم الأتباع بالصلاة إليهم حتى يشفعوا فيهم ،فكان أحمد الزاهد يقول (ما دخل أحد إلى مسجدي هذا ثم صلى ركعتين إلا أخذت بيده في عرصات القيامة ، فإن الله شفعني في جميع أهل عصري)[134]. وعلى ذلك فهو يطلب من جميع معاصريه أن يصلوا له في مسجده كي يشفع لهم وإلا فلا ..

3- وكان قيام المريد بين يدي شيخه متمثلاَ فيه كل معاني التقديس والتبتيل والعبادة ، لا تقل بأي حال عن وقفة المصلي أمام ربه الخالق جل وعلا ، بل ربما ينشغل المصلي عن صلاته – وهوما لابد أن يحدث – أما المريد فكله انشغال بشيخه حين الوقوف أمامه ،بل إن تعلقه بشيخه وانشغاله به مستمر سواء وقف أمامه أم ركع .

ويبدو أن ذلك القيام الخاشع أمام الأشياخ كان عادة مملوكية لم يعرفها العثمانيون حين دخلوا مصر فنظروا إليها بشيء من الإستنكار، ولما كان الحكم العثماني في بدايته شديداً على ذوي المكانة من المصريين فقد نال بعض الصوفية المقدسين بالضرر فانكمش الآخرون ومنهم الشعراني القائل (أخذ علينا العهود إذا عملنا مشايخ على فقراء ( أى صوفية ) في زاوية أو على خرقة من الخرق المشهورة أن نفر من طريق الناموس جهدنا ولا نمكن أحداً من الفقراء ( الصوفية ) يقف بين أيدينا غاض طرفه كما يقف في الصلاة .. فنأمره أن يخالف عادته إذا حضر )[135].

أى ان الوقفة الخاشعة أمام الشيخ والتى لا تختلف عن الصلاة لله تعالى قد اتخذت عادة في العصر المملوكي ثم آن لها أن تنحصر قليلاً – لا خوفاً من الله تعالى وإنما خوفاً من إغضاب العثمانيين، يقول الشعراني بعد ذلك (وربما جره – أى الشيخ المعبود – ذلك إلى النفي من بلده كما وقع ذلك للشيخ أويس بالشام والشيخ على الكارزوني بحلب.. والقانون العثماني الآن إن كل من تظاهر بصفات الملوك وعارض أركان الدولة فيما يفعلونه يحبسونه أو ينفونه.. نسأل الله اللطف) [136].

4- وركوع المريد أمام شيخه أمر مقرر، فهويقف أمامه( غاضاً طرفه ) كما يقول الشعراني ، ثم يزيد ذلك بأن يقبل يده فيركع أمامه ليتمكن من التقبيل .. وقد حكى الشعراني عن نفسه ( دخلت مرة جامع الأزهر في صلاة جنازة فلما انصرفت من الصلاة أكب الناس على تقبيل اليد والخضوع ، وتبعوني يشيعوني إلى الباب ، حتى صاروا أكثر من الحاضرين في الجنازة )[137]. أى ركعوا امام الشعرانى يقبلون يده خاضعين له.  ولا تجد صوفياً إلا ومريدوه يقبلون يده ويحققون له الركوع . مع أن الركوع خشوعا هو الواجب لله جل وعلا وحده.

5- وقد يمتد التقبيل ليصل إلى تقبيل رجل الصوفي .. فيصبح الركوع سجوداً..

وقد افتخر الشعراني وعد من المنن كثرة تواضعه لكل فقير زاره يقول أن من المنن: ( كثرة تواضعي وتعظيمي لكل عالم أو فقير زرته وتقبيل يده أو رجله بطيبة نفس ، ثم لا أرى أني قمت بواجب حقه عليَ ) فالسجود من الشعراني – وهو من كبار الصوفية – لبعض الصوفية من أقرانه أقل من الواجب المفروض لهم. ثم أن هذاالسجود وتقبيل القدم لهدف صوفى بحت وهو تقوية الاعتقاد فى ذلك الصوفى  إذ يرون شيخهم يسجد له أقرانه ويقبلون رجله ، يقول الشعراني ( ثم لا أرى أني قمت بواجب حقه علي ، لا سيما بحضرة أصحابه وتلامذته ، فإن في ذلك تقوية لإعتقادهم فيه ، فيعكفون عليه ويقبلون نصحه ، وتربيته، لا سيما أن لي إسماً في المشيخة عندهم فيقولون إذا كان الشيخ فلان يقبل رجل شيخنا فذلك دليل على أن شيخنا أعلى منه مقاماً ،فيزداد اعتقادهم فيه وانتفاعهم به)[138]. إلى هذا الحد بلغ فعل الشعراني بنفسه ، يقبل أقدام زملائه ساجدا لهم – وهو أكبر الصوفية في عهده – كي يقرر مبادىء التصوف ويدعمها .

بل كان الشعراني يسجد أمام عتبة بيت الصوفي ، يقول (وكثيراً ما أُقبّل عتبة باب ذلك الشيخ أو باب زاويته بحضرة تلامذته إذا دخلت وإذا خرجت وهم ينظرون ، وإن كان ذلك الشيخ دوني في المقام (مقام الولاية بزعمهم ) وإنما أفعل ذلك مع ذلك الشخص لعلمي بعكوف أصحابه عليه دوني )[139].

والشعراني يعرف مكانته جيداً ويعلم انه أكثر الصوفية في عصره علماً ، وهو إذ يفعل بنفسه ذلك إنما يهدف إلى خدمة دينه الصوفي ويقدم ذلك على حظ  نفسه،  يقول ( وصاحب هذا المقام دائر مع المصالح ، لا مع حظ النفس )[140].

6 ــ على ان السجود للشيخ اتخذ عادة صوفية في السماع أو الرقص الصوفي منذ بداية العصر المملوكي . وقد أثارت هذه العادة إنكار ابن الحاج الفقيه الصوفي يقول ( يسجد الفقير للشيخ حين قيامه للرقص وبعده.. واتخذ هذا السجود عادة في السماع وعند الدخول على مشايخهم .. فإذا أخذه الحال يسجد للأقدام سواء كانت للقبلة أوغيرها)[141]. أى أن السجود للشيخ يتم في حفلة السماع اوالرقص حين يدخل على الشيخ في مجلسه أو حين يقوم للرقص أو ينتهي منه.. ولا يرتبط ذلك بالقبلة على حد قول ابن الحاج الذي يخلط بين الفقه والتصوف ، فالصوفي يقصد الشيخ بالسجود ولا محل للقبلة في تفكيره. ونحو ذلك ما كان يفعله أتباع علي وفا إذ كانوا ( يومئون إلى جهته بالسجود ) ، أى يسجدون ناحيته أينما سار ، وقد أنكر عليه وعليهم ابن حجر المؤرخ ، فما كان من علي وفا إلا أن قال ( فأينما تولوا فثم وجه الله )[142]. وكان مريدو الشيخ سنطباي (يسجدون له ، ويقرهم على ذلك)[143].

والمهم أن الصلاة للشيخ الصوفي كان فيها كل حركات الصلاة الاسلامية لله جل وعلا من ركوع وقيام وسجود، ولكن الصلاة الصوفية تمتلىء أكثر بالخشوع للشيخ وتقديسه.   

 

 تشريعات  الصلاة الصوفية بالأوراد والأحزاب والسبحة

1-الصلاة تعني الدعاء معنى وقد جسد الصوفية في التوسل بالأولياء معنى الصلاة. والصلاة تعني الركوع والقيام والسجود شكلاً، وقد تعبد الصوفية لأشياخهم بركوع وسجود وقيام ذليل.وفى الصلاة تسبيح وتحميد. ولم ينس الصوفية أن يخترعوا صيغاً مطولة لتمجيد الأشياخ أطلقوا عليها الأوراد والأحزاب والصلوات.وقد قرن الله سبحانه وتعالى بين التسبيح والصلاة ، وجعل تسبيح الطير صلاة له جل وعلا فقال : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) النور ) . والصوفية قرنوا الورد او الحزب بالصلاة، فحزب الشاذلية المنسوب لإبن بشيش معروف بأنه (صلاة ابن بشيش ) وفيه يقول ( وزجُني في بحار الأحدية ، وانشلني من أوحال التوحيد ، واغرقني في بحر عين الوحدة )[144].

2- ومن الطبيعي ان تعكس اوراد أو صلوات الصوفية عقائدهم في الإتحاد بالله  من خلال آيات قرآنية وابتهالات لله تعالى.

فالشاذلي – الصوفي المعتدل – يقول في نهاية حزبه بعد آيات قرآنية كثيرة للتمويه ( اللهم صلني بإسمك العظيم الذى لا يضر معه شيئ في الأرض ولا  في السماء، وهب لي منه سراً لا تضر معه الذنوب شيئاً ، واجعل منه وجهاً تقضى به الحوائج للقلب والعقل والروح والسر والنفس .. وادرج أسمائي تحت أسمائك وصفاتي تحت صفاتك وأفعالي تحت أفعالك .. واغنني حتى تغنى بي ، واحيني حتى تحيى بي ما شئت ومن شئت من عبادك ،واجعلني خزانة الأربعين..)[145].

ويقول تلميذه ابو العباس المرسي في حزبه ( اللهم يا جامع ليوم لا ريب فيه اجمع بيننا وبين الصدق والنية والإخلاص والخشوع والهدية والحياء.. وخصنا منك بالمحبة والإصطفائية والتخصيص والتولية وكن لنا سمعاً وبصراً ولساناً وقلباً وعقلاً ويداً..) إلى أن يقول :(.. ضيق عليّ بقربك واحجبني بحجب عزتك وعز حجبك وكن أنت حجابى حتى لا يقع شيئ منى إلا عليك.. وهب لي حفنة من حفناتك ، ونوراً من أنوارك، وذكراً من أذكارك، وطاعة من طاعات أنبيائك وصحبة لملائكتك.. واجعلني حسنة من حسناتك ورحمة من عبادك.. وارفع الحجاب فبما بيني وبينك ، واجعل مقامي عندك دائما بين يديك ، وناظرا بك إليك ، واسقط البين عني حتى لا يكون بيني وبينك .. يا الله يافتاح يا غفار يا منعم يا هادي يا ناصر يا عزيز هب لي من نور أسمائك ما تحقق به حقائق ذاتك)[148]. ويقول كاتب الوفائية ( واعلم يا أخي ان أحزابه وتوجهاته وأذكاره وأوراده وآدابه جامعة مانعة )[149].

ومن ناحية أخرى كان الشيخ أبو الحمائل يكره للمريد قراءة حزب الشاذلية وأحزاب غيرهم[150]..

4- واحتلت الأوراد مكانتها كعمود لتدين التصوف يماثل الصلاة في الإسلام .. فيقال عن اعتناق التصوف أن الصوفي يتلقن العهد والأوراد ،فزروق الفاسي ( لقنه  الحضرمي العهود والأوراد وأدخله الخلوة )[151]. تماما كما يتعلم الداخل في الإسلام الصلاة بعد الإقرار بالشهادة.

وإذا كانت الصلاة قد فرضت على المسلمين كتابا موقوتا خمس صلوات في اليوم والليلة ‘ قإن الأوراد وزعت توزيعا زمنيا يختلف بإختلاف الأشياخ والطرق .. فوضعت أوراد لكل يوم من أيام الأسبوع كما فعل الخفاجى حين تكلم عن مفاتيح الأوراد لكل يوم من أيام الأسبوع[152]، وألف السيوطى فى الأوراد كتاب( عمل اليوم والليلة)[153]. وزع فيه الأوراد على الأيام والليالى لكل الأسبوع .. واشتهر هذا الكتاب للسيوطى وشاع أن (من قرأ الأوراد الواردة فى عمل اليوم والليلة للسيوطى فليس للجن ولا للإنس عليه سبيل)[154].. وألف غير السيوطى فى الأوراد ، مثل ابن داود الذى (عمل فى الأوراد مجلداً ضخماًً)[155]..

وهذا التشريع وذلك الإختلاف فى الأوراد وتوزيعها وصيغها يذكرنا بالقول السابق عن الأوراد والصوفية من أنهم(اختلفوا فى الأذكار كإختلاف إهل المذاهب ) أى كإختلاف الفقهاء في أمور خاصة بالصلاة ، أي أن لهم دينا أرضيا يعكس إختلافاتهم ومذاهبهم ، كما حدث فى الدين السّنى ومذاهبه وإختلافاته ، وكما فى دين التشيع من طوائف وإختلافات ، ودائما فإن المشركين فى شقاق ، يقول جل وعلا: ( وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) الحج ). ولكن بينما يقوم دين التصوف على الاختلاف ويعترف به ويتسامح فيه ، ويتفرّق الى طرق صوفية متنوعة لكل منها أورادها وأحزابها وشيوخها، فإن دين السّنة يتأسس على التعصب فى داخله بين المذاهب ، وفى خارجه ضد الأديان الأرضية الأخرى سواء كانت محمدية أو مسيحية .

6- وفي مجتمع يتدين بالتصوف فالمنتظر أن يردد الأوراد آناء الليل وأطراف النهار في الوقت الذي  يهمل فيه الصلاة الإسلامية. فكان من علامات التدين أن يوصف الشخص بالأوراد ، فالشيخ الفقيه ضياء الدين الشافعي ( ت780) ( له تهجد وأوراد ، لم يقطع ورده ولا ليلة موته)[156]. وابن سلطان (ت853) ( كان مديما للتلاوة والتسبيح والذكر والأوراد)[157]. وقيل في آخر  ( كان يداوم على  التهجد والأوراد)[158]. ووصف المقريزي  بكثرة الأوراد والتهجد [159]. ومثله ابن ظهير 817 ( كان كثير العبادة والأوراد)[160]..

 

وقال المقريزي عن ابن العديم الحنفي   (كان ذا دين وتعبد وأوراد )[161]. . وابن داود الذى ألف في الأوراد مجلداً ضخماً مات بعد فراغه من قراءة أوراد الجمعة [162]. وممن وصف بالعبادة والأوراد ابن جماعة [163]. وسراج الدين القرمي [164]. وظافر الفيومي [165]. وآخرون كالبلالي [166]. والنعماني[167]. وقيل في القاضي بدر الدين البغدادي( كان له أوراد هائلة)[168].

ولم تتخلف النساء عن التعبد بالأوراد مثل أخت نجم الدين بن صهري وكان لها أوراد وتسبيح [169].

وأغرم بالأوراد طائفة من المماليك مثل الأمير جانم الذي أحب الفقراء وكان كثير العبادة والأوراد [170]. وكانت للسلطان قايتباي ( أذكار وأوراد جليلة تتلى في الجوامع[171]. ووصف الغوري بالرأي والتدبير مع الذكر والورد[172].

السبحة

1- كانت المظهر العملى للتدين السطحى وآلة للأذكار الصوفية والعبادة عامة فى العصر المملوكى .

2- والسبحة دخيلة على الأديان فلم يرد لها ذكر فى التوراة ولا فى الإنجيل ولا فى القرآن ،ولكن نشرها المتصوفة بين المسلمين كإعانة للتعبد فصارت من الأصول المرعية عندهم يستعملونها فى حلقات الذكر ويحفظها شيخ السبحة وخادم السبحة فى صندوق خاص[173].فذكر أن المنصور لاجين رتب شيخاً للسبحة فى الجامع الطولونى [174].

3- ويدل على قيمة السبحة عند المتصوفة أن أحدهم إنتقص بأنه "لا أخذ فى يده مسبحة ولا طلس مرقعة "[175]. وجعل من آدابهم "إكرام اليد اليمنى إكراماً للقرآن العظيم وكتب الأوراد والمسبحة التى يسبحون عليها "[176].

4- ولعبت السبحة دوراً فى أساطير الصوفية وأقاصيصهم فرويت قصة عن إنسان صوفى بيده سبحة طويلة ولا شيخ له فقال عنه على وفا هذه سبحة الشيطان [177]، ووهب الحنفى مسبحته لوالدة مريده ابن كتيله حين كانت صبيه ذات ست سنوات [178]،. ولعبت السبحة دوراً هاماً فى الفوائد الصوفية حيث يوجبون تكرار اللفظ آلاف المرات ويحذرون فى الوقت نفسه من الزيادة والنقص " فإنه يبطل السر، والحيلة فى معرفة ضبط ذلك أن تأخذ سبحة عدتها 129 فتقرأ الإسم عليها 129 فيحصل المقصود [179].

5- وتستعمل السبحة عند الصوفية بمعنى الورد ففى مناقب الحنفى ".. فلما فرغ  من السبحة .. " " كنت يوما بين يدي سيدي مع الفقراء والسبحة تدار بين يديه والجماعة محدقون به " [180].

6- وأصبحت السبحة منتشرة بين الناس في العصر المملوكي كشعيرة دينية مظهرية يقول ابن الحاج  "بعضهم يعلق السبحة في عنقه ، وبعضهم يتخذ السبحة في يده كإتخاذ المرأة السوار في يدها ، ويلازمها وهو مع ذلك يتحدث مع الناس في مسائل العلم وغيرها ، ويرفع يده ويحركها في ذراعه ، وبعضهم يمسكها في يده ظاهرة للناس ينقلها واحدة واحدة كأنه يعد ما يذكر عليها ،وهو يتكلم مع الناس في القيل والقال وما جرى لفلان وما جرى على فلان" [181]، وفي طاعون سنة 833 إستسلم الناس للموت وتابوا وأنابوا " وصار غالب الشباب في يد كل واحد منهم سبحة وليس له دأب إلا التوجه للمصلاة " [182].

 

  ثالثاً.  التحوير الصوفى فى الصلاة والأذان :

* في الصلاة :

1- لم يكتف الصوفية بإهمالهم للصلاة الإسلامية وإنما حاولوا إخضاعها لسيطرتهم وتدخلوا في التشريع الخاص بها مع أن التشريع الإسلامي حق لله وحده لا دخل لأى بشر فيه بالزيادة أو النقص ،والرسول عليه السلام نفسه مبلغ عن ربه منتظر لوحيه فيما يخص دينه ودنياه . وبسيطرة التصوف على الحياة الدينية أعطى الصوفية لأنفسهم الحق في التدخل في شرع الله إما بالوضع في الحديث او بالأمر المباشر للمريدين ..

2- ومن ذلك ما أضفاه المتصوفة من أفضال كثيرة على ليلة النصف من شعبان[183]. وقد جعلوا لها صلاة خاصة يقرأ فيها (قل هو الله أحد) ألف مرة لأنها مائة ركعة في كل ركعة عشر مرات ، يقول أبو شامة (وهى صلاة طويلة مستثقلة لم يأت فيها خبر ولا أثر إلا ضعيف موضوع)[184]. وذكر الأحاديث الموضوعة في ليلة النصف من شعبان وقال عن الوضاعين من الصوفية (وكلفوا عباد الله بالأحاديث الموضوعة فوق طاقتهم)[185]..

وفي الوقت الذى تقاعس فيه العوام عن الصلاة المفروضة هرعوا إلى صلاة النصف من شعبان استجابة للأشياخ الصوفية ودعايتهم وعبادة منهم للتشريع الصوفي الذى يكلفهم فوق ما يطيقون ، وأهم من هذا إنها كانت مناسبة للإنحلال الخلقى ، حيث يتجمع الرجال والنساء والصبيان فى تلك الليلة ويحدث الفسق الجماهى ، يقول أبو شامة عن تلك الصلاة ( وللعوام بها افتنان عظيم والتزم بسببها كثرة الوقيد (الإضاءة) في جميع مساجد البلاد التى تصلي فيها ، ويستمر ذلك كله ويجري فيه الفسوق والعصيان واختلاط الرجال بالنساء)[186]. وإذا عرف السبب بطل العجب فالعامة تسمع وتطيع لمن ييسر لها سبل الإنحراف ..

3- والصوفية الذين اعرضوا عن الصلاة الإسلامية المفروضة فرضوا على مريديهم صلاة أخرى ، وجعلوها عامة عليهم . المدبولي ( الذى كان لا يصلى بزعم أنه من أهل الخطوة ويصلى فى الأردن فى جامع اللد والرملة حسب خرافاتهم  )  أوصى الخواص (قرينة في تلك النقيصة) بصلاة ست ركعات بعد المغرب ( وعمم هذا في سائر النوافل التى بعد الفرائض )[187].  فهى صلاة المريد لشيخه ، ولو انصف لاهتم بالصلاة المفروضة أولاً.

4- وذلك الذى استجاب لشيخه الصوفي فصلى نوافل إنما يقصد اولاً طاعة الشيخ في غير ما أمر الله به ، وثانياً يصلي وقلبه معلق بشيخه ..فلا  عبرة بصلاته وبما يقوله فيها غافلاً عنها ..

ويقول الشعراني (إن لم يتيسر للمريد صلاة الجمعة عند استاذه فليتخيله في أى مسجد صلى فيه ، فإن الحكم دائر مع القلب لا مع الجسم )[188]. فصلاة المريد لشيخه ، سواء صلاها بحضرة الشيخ أم بعيداً عنه ، فشيخه في قلبه وخاطره .. وهذا حكم عام يقصد به الشعراني كل مريد لكل شيخ. وفي العصر المملوكي كان المصريون بين مريد وشيخ .. فأين الصلاة لله تعالى؟!

5 ــ وطبقاً لأوامر رب العزة جل وعلا : يجب أن تكون المساجد خالصة لله جل وعلا وحده ، فلا عبادة فيها إلا لله جل وعلا ، ولا تسبيح ولا تحميد ولا تقديس إلا لله جل وعلا ، ولا تكبير ولا ذكر إلا لله جل وعلا وحده ، ولا ذكر لإسم بشر الى جانب إسمه جل وعلا فى الأذان أو فى الصلاة أو العبادة ، وهذا معنى قوله جل وعلا :   ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18)  الجن )..ولكن الذى حدث يتناقض مع ذلك :

أ ) بدأ الصوفية بإقامة الأضرحة داخل المساجد ليستحوذ الولي المقبور على جانب من التقديس والعبادة التى توجه لله في المسجد، حتى يكون شريكاً لله تعالى . فالبداية جعل القبور ملحقة بالمساجد

ب ) ثم بازدياد التصوف أصبحت المساجد ملحقة بالقبور ، أى أن القبور تضم مساجد تابعة لها . ولهذا تكاثرت المساجد فى ( القرافة ) فى القاهرة ومصر . والقرافة هى أماكن الدفن ، وفيها إشتهرت مدافن الأولياء الصوفية ، وصارت زيارة القرافة للتبرك بقبور الأولياء المقدسة فريضة دينية صوفية وعادة إجتماعية زرعها التصوف فى العصرين المملوكى والعثمانى . وإنحسرت بعض الشىء فيما بعد .

وهكذا ، ففي القرافة – حيث قبور الأولياء – أنشئت المساجد . وعمّت تلك الثنائية ( المسجد والضريح ) بحيث أصبح وجود المسجد بدون ضريح فيه أمرا منكرا ، مما جعل الفقهء السنيين يصنعون أحاديث تنكر تقديس القبور وتلعن اليهود والنصارى الذين إتخذوا قبور أنبيائهم مساجد . والفقيه السّنى ابن القيم أفتى بأن الصلاة باطلة إلى جوار القبور العادية، وذكر حديثاً يقول:( جعلت لي الأرض مسجداً إلا المقبرة والحمام). وروى عن ابن عمر انه (نهى عن الصلاة في سبع مواطن وذكر منها المقبرة ). يقول  ابن القيم " والسبب في ذلك حتى لا يعود التقديس الجاهلي للأنصاب وهو القبور المقدسة في العصر الجاهلي، يقول الأثرم  في كتاب (ناسخ الحديث ومنسوخه) ( إنما كرهت الصلاة في المقبرة للتشبه بأهل الكتاب لأنهم يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد)[189].

ج ) إلا أن صرخات ابن القيم وابن تيمية ذهبت هباءاً ، إذ جعل الصوفية المسجد تابعاً للضريح، وذلك في القرن التاسع حيث اشتدت سيطرة التصوف. فالسلطان قايتباي انشأ لنفسه تربة ( مقبرة ) بضريح وجعل بها جامعاً تابعاً[190]. وسبقه في ذلك السلطان خشقدم[191]. والمماليك أتباع مخلصون للتصوف.. وبرعايتهم أقيمت الأضرحة لكبار الصوفية المشهورين وتتبعها المساجد كالشاذلي [192]. والقنائي[193]. وابن الفارض[194].

د) ثم كانوا يقيمون المساجد على أضرحة وهمية لا وجود لها فى الواقع.. وإنما مجرد اسم شهير يُقام من أجله نصب مقدس و يلحق به مسجد ،فأقاموا أضرحة للمشاهير،يقول السخاوى الصوفى مؤلف كتاب ( تحفة الأحباب ) :( اخترعت أسماء منهم عمرو بن العاص وجماعة من الصحابة والحال أنه لم يذكر أحد من أهل التاريخ ولامن أهل الزيارات ذلك ، ولم يشتهر، ولو كان لهذا صحة لعرف واشتهر)[195].

هـ) بل كان المسجد يقام على ذكرى ولي صوفي قيل أنه كان يجلس في ذلك المكان ، فيقام فيه مسجد بمقصورة، وهى عبادة فصيحة للأحجار فهم يعترفون أنه ما تحت  القبة  من شيخ ، ومع ذلك يقدس الضريح ، ويُنشأ مسجد يتبعه . يقول صاحب تحفة الأحباب (بنى أبوبكر محمد مسجداً أنفق عليه ماله في مغارة ابن الفارض ، قيل أن عمر بن الفارض كان يجلس هناك فاتخذه أبوبكر مسجداً )[196].

6- وعادة ما تقترن الصلاة في المسجد ذي الضريح بتقديس الضريح قبل الصلاة أو بعدها ، بل يصبح الضريح في المسجد مزية له على المساجد الخالية من الأضرحة ، فالعامة حتى الآن تقصد مسجد الحسين مثلاً وتعتبر صلاتها فيه أفضل من الصلاة في غيره من مساجد الله تعالى التى لا يقدس فيها غيره .وجدير بالذكر أن مسجد الحسين أقامه الفاطميون أواخر0 55 هجرية حين ضعفت دولتهم وانفض الناس عنهم فاحتاجوا إلى سند يؤيدهم فكان ذلك النصب المقدس الذي لم يغن عنهم من الإنهيار السياسي شيئاً. إذ سقطت دولتهم بعد إنشائه بنحو أربع عشرة سنة .. إلا أن دعايتهم لمسجد الحسين بوجود رأس الحسين فيه استشرت وتمتعت بالتصديق في العصور التالية حيث سيطر التصوف.

والطريف أن الفاطميين لم يفكروا في الحسين ولا في رأسه حين انتقلت دولتهم إلى مصر قوية فتية، حتى أنهم أقاموا القاهرة عاصمة لهم وأنشأوا فيها الأزهر نسبة إلى فاطمة الزهراء ولم يقيموا في الأزهر ضريحاً لا لفاطمة ولا للحسين (رضى الله عنهما)..

7- ويتحول المسجد الإسلامي إلى ( معبد وثنى ) صوفى لم يجد الصوفية مانعاً من الإقامة فيه كإقامتهم في الربط والخوانق الخاصة بهم .. بل كانت إقامة الصوفي في المسجد مؤهلاً لاعتقاد العامة فيه، حتى أن فقيها سنيا شافعياً في القرن الثامن انقطع بمسجد فهرع إليه الناس معتقدينفيه وليا صوفيا  [197].. وبمرور الزمن أصبحت إقامة الصوفية في الجوامع عادة صوفية. وأشهرهم زين الدين السطحي[198]  وبيرم التركي[199]. وقد أقاما على سطح جامع الحاكم بالقاهرة في أزمنة مختلفة، وفي عصر الشعراني سكن عمر البجائي بجامع آل ملك بالحسينية ،واعتزل صوفي آخر أربعين عاماً بأحد الجوامع [200]..

وسكن الصوفية الأحياء في المساجد معناها أن لهم نصيباً من الصلاة الى تقام في ذلك المسجد.. حيث تمتع أؤلئك باعتقاد الناس فيهم ، وقصدوهم في المسجد بالتبرك والدعاء..

8- ومع سيطرة التصوف على المساجد وتحويلها الى ( معابد وثنية ) فقد قام بعض الصوفية ببناء مساجد خاصة بهم بقصد التميّز ، وأنّ لهم أسرارا وشعائر خاصة يريدون ممارستحا فى حرية بعيدا عن غيرهم .  ومن أؤلئك كان أحمد الزاهد الذي اتخذ طريقة الجنيد في التقية، وقام ببناء عدة مساجد في مصر ، خصصها لأتباعه، وكان يتحرز في لقاء المريدين الجدد كما فعل مع الغمري حين قصد لأخذ العهد لأتباعه . وفي مسجده منع الزاهد مريديه من تعلم الفقه وكان يطرد من يرى فيه اتجاهاً سنيا فقهيا  عن جامعه، بل كان إذا أراد تأديب مريد من أتباعه أمره بإلاقامة في ميضأة الجامع.. أى حول المسجد إلى ملكية خاصة به يتمتع فيها بتقديس أتباعه فهو القائل ( ما دخل أحد إلى مسجدي هذا ثم صلى ركعتين إلا أخذت بيده في عرصات القيامة )[201]. فهو مسجده ، والصلاة له ، والشفاعة أيضاً بزعمه وافترائه .. والدشطوطي كان لا يصلي . ومع ذلك فقد أقام لنفسه عدة جوامع بمصر وقراها وكان متوليه على عمارتها الشيخ جلال الدين البكري مريده [202]..

التحوير في الآذان بالصلاة على النبي (ص)

1- الآذان هو الإعلام بدخول وقت الصلاة لدعوة المسلمين لتأدية الصلاة المكتوبة. ويبدأ بتكبير الله تعالى (الله أكبر). وشهادة الإسلام والدعوة للصلاة والفلاح ويختتم بالتكبير وأن لا إله إلا الله .. تلك هى صيغته الشرعية التى تتناسب مع مقولة ( الله أكبر) التى تعنى أن الله تعالى (أكبر) وما عداه فهو بالنسبة إليه (أصغر) ولا ينبغي أن يذكر إلى جانب الله تعالى إسم بشر حتى إسم النبى محمد ، لأن هذا ينافى ( الله أكبر ) ، ف ( الله أكبر ) من أن يُذكر إسم بشر الى جانب إسمه جل وعلا العظيم الأكبر .

2- ولم يترك الصوفية الآذان يفلت من قبضتهم .. في عصر استولوا عليه وتسيده الجهل حتى لم يدركوا أن التعظيم لأى إنسان في الآذان مرفوض طبقاً للجهر بأن (الله أكبر).. حتى لو كان ذلك الإنسان هو خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم..فأصحابه المؤمنون هم أكثر البشر حباً له، ولو كان ذلك مشروعاً لكانوا الأولى بتطبيقه ولأقرهم الرسول عليه،ثم أن التحوير في الآذان تدخل فى تشريع الله تعالى لدينه، وهو تدخل مرفوض ممقوت ولابد أن يتخذ طابع الكذب والإفتراء.وقد بدأت الزيادة في الآذان في تدرج ، بدأ السنيون فى إضافة ( الشهادتين ) فى الأذان طبقا لعقيدتهم فى تقديس النبى محمد ورفعه فوق مستوى الرسل السابقين بالمخالفة لأوامر الله جل وعلا التى تنهى عن التفريق بين الرسل ، ثم جاء دين التصوف فتطور الأمر .

3- ففي سنة765 هجرية أمر الصوفي صلاح الدين البرلسي محتسب القاهرة المؤذنين أن يضيفوا بعد الآذان لعشاء ليالي الجمعة وقبل الفجر قولهم (السلام عليك يا رسول الله، الصلاة والسلام عليك يا رسول الله)(فاستمر ذلك ولم يكن قبله إلا الآذان فقط)[203].

وفي سنة 782(أحدث السلام علي النبي عقب آذان العشاء ليلة الآذان الإثنين)[204].

وفي عام 791 استمع بعض الصوفية إلى الصلاة على النبي بعد العشاء فقال لمريديه(أتحبون أن يعمل هذا في كل آذان ؟ قالوا: نعم، فبات وأصبح وقد زعم أنه رأى الرسول عليه السلام في منامه يأمره أن يقول لنجم الدين الطبندي المحتسب يأمر المؤذنين بالصلاة عليه عقب كل آذان . وكان الطبندي في غاية الجهل فسره قول الرائي فأمر بالصلاة على النبي بعد كل آذان واستمر ذلك)[205].

4- ثم أحدث التوسل بجاه النبي عليه السلام بعد صلاة الصبح ، وأمر القاضي الشافعي بذلك . وكان سببه اعتراض بعض تلامذة ابن تيمية على قصيدة صوفية تتوسل بالرسول [206]. وكان ذلك سنة 874.

ومعنى التوسل بغير الله في الآذان أن يجهر بعقيدة تخالف الإسلام، ثم يقولون  (الله أكبر) وهو تناقض لا يستسيغه إلا التصوف ..

ثم أضحى الآذان في أواخر القرن التاسع مجالاً خصباً للزيادة لكل من هب ودب.. يقول البقاعي في حوادث 880 (أحدث بعض أتباع الشيطان العاشقون في البدع أن يقال عقب آذان الصبح بصوت كصوت الآذان مع الاتصال به : يا دايم المعروف يا كثير الخير يا من لا ينقطع معروفه أبداً) وقد أبطل البقاعي ذلك في كل مئذنة له فيها تعلق كما يقول[207]. ثم كان وصف النبي بعبارات إلهية [208] ، تمهيداً لأن يوصف الصوفية بتلك الصفات على المآذن، فكانوا يقولون (السلام عليك يا سيدي أحمد يا بدوي بعد التسليم على النبي) وانتشرت المنامات وإشاعات الكرامات تحذر من ينكر على ذلك بانتقام أحمد البدوي [209]. وبذلك تم للصوفية في القرن العاشر أن يخضعوا الآذان لتقديسهم وسيطرتهم..

5 ـ ومن المضحك أن تتخصص التواشيح فى التغزّل بالنبى بنفس ما كان شائعا فى العصرين المملوكى والعثمانى من التغزل بالمُردان ، و( الأمرد ) هو الشاب الأملس المعشوق الذى يؤتى جنسيا كالمرأة . وقد شاعى الشذوذ الجنسى فى العصر المملوكى وجعله التصوف شعيرة دينية تحت مصطلح ( الشاهد ) أى ( الشاهد على جمال الله ) ، تعالى الله جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا ، وكانوا يعتبرون إتيان الأمرد جنسيا إتحادا بالله ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا . وسيأتى تفصيل ذلك فى الجزء الخاص بأثر التصوف فى نشر الانحلال الخلقى. ولكن يهمنا هنا أنهم فى الأذان كانوا يتغزلون بالنبى محمد بنفس هذه الثقافة الصوفية المُنحلّة خلقيا ، فيصفونه بإحمرار الخدود وجمال العيون ..الخ ..

لعنهم الله جل وعلا .

 

 

 



[1]
شذرات الذهب جـ7/093

[2] روض الرياحين 179

[3]الطبقات الكبرى جـ2 /01

[4]الغزى الكواكب السائرة ج1ـ/258

[5]شذرات الذهب ج8ـ / 110 : 111.

[6]89 .   

[7]17 .

[8]الطبقات الكبرى جـ2 / 117 .

[9]الطبقات الكبرى جـ2/132

[10]تنبيه المغترين 13، لطائف المنن516 الطبقة   

القديمة .                                              

[11]أخبار القرن العاشر مخطوط 199

[12]عقد الجمان مخطوط لوحة 419سنة 797

[13]الطبقات الكبرى للشعرانى ج2ـ/127.

[14]الكواكب السيارة 270 .

[15]روض الرياحين36 .

[16]مناقب الفرغل 19مخطوط.

[17]الطبقات الكبرى جـ1/143.

[18]إنباء الهصر 458 .

[19]مناقب الفرغل 17 .

[20]السخاوى :التبر المسبوك 105 .

[21]الطبقات الكبرى جـ2/127.

[22]الطبقات الكبرى جـ2/127.

[23]لطائف المنن لابن عطاء 103 .

[24]لواقح الأنوار30 :31 .

[25]أعيان العصر مخطوط جـ6، 1 /47.

 

[26]إحياء جـ4/351  .

[27]إحياء جـ4/162.

[28]الطبقات الكبرى للشعرانى جـ1 /143 .

[29]المدخل جـ2/210.

[30]التبر المسبوك 288 .

[31]تحفة الأحباب 19.

[32]درر الغواص 63.

[33]درر الغواص 63.

[34]درر الغواص 63.

[35]الطبقات الكبرى جـ2 79.

[36]الطبقات الكبرى جـ2/125.

[37]الطبقات الكبرى جـ2/137.

[38]اليواقيت والجواهر 153: 154.

[39]النفحات الأحمدية 234.

[40]النصيحة العلوية 280.

[41]الجواهر السنية 39.

[42]شذرات الذهب جـ5/364.

[43]المنهل الصافى . مخطوط جـ5/191.

[44]الطبقات الكبرى للشعرانى جـ2/14.

[45]لطائف المنن لابن عطاء 146.

[46]شذرات الذهب جـ 7/ 299.

[47]الدرر الكامنة جـ2/495.

[48]الطالع السعيد171.

[49]الجواهر والدرر176 .

[50]الشعرانى .الميزان الخضرية 165 :166: 167 :169.

[51]تعطير الأنفاس 228، لطائف المنن لابن عطاء 103.

[52]البحر المورود 331: 332.

[53]المدخل جـ2 /11.

[54]المدخل جـ2/11.

[55]إحياء جـ2/299.

[56]تاريخ ابن الفراتجـ9/1/25.

[57]النجوم الزاهرة جـ15/530.

[58]النجوم الزاهرة جـ6/159.- تا ريخ ابن إياس جـ2/368 تحقيق أحمد مصطفى

[59]تيمور .الأمثال الشعبية 294.

[60]شعلان الشعب المصرى في أمثاله 170.

[61]تيمور الأمثال الشعبية 140.

[62]تيمور. الأمثال الشعبية 315.

[63]تلبيس إبليس 359.

[64]مجلة العربى العدد 262 شوال 1400سبتمبر 1980ص33.

[65]تلبيس إبليس 133: 136.

[66]تلبيس إبليس 132: 136.

[67]تلبيس إبايس133: 136.

[68]تلبيس إبليس 133: 136.

[69]تلبيس إبليس 133: 136.

[70]تلبيس إبليس 133: 136.

[71]الصفدى :الوافى بالوفيات :الطبعة الألمانية جـ7/12.جـ2/239،جـ4/194 على الترتيب.

[72]إغاثة اللهفان جـ1/126: 132.***

[73]إغاثة اللهفان جـ1/133: 134.

[74]إغاثة اللهفان جـ1/135.

[75]إغاثة اللهفان جـ1/135.

[76]إغاثة اللهفان جـ1/139.

[77]لطائف المنن لابن عطاء 118.

[78]لطائف المنن للشعرانى558.

[79]لطائف المنن للشعرانى 558.

[80]لطائف المنن 559: 560.

[81]لطائف المنن559.

[82]المدخل جـ1/ 125 : 126.

[83]لطائف المنن 319 الطبعة القديمة.

[84]الرسالة القشيرية 15.

[85]إحياء جـ4/ 347.

[86]إحياء جـ4/48.

[87]إحياء جـ2/212.

[88]قواعد الصوفية جـ1/189، الطبقات الكبرى للشعرانىجـ1/153: 154.

[89]شمه. حزب مسرة العين 9ب.مخطوط.

[90]طبقات الشاذلية 118.

[91]مناقب المنوفى 52.

[92]الكواكب السيلرة 120.

[93]مناقب الحنفى 508 :509 ،510: 514.

[94]مناقب الحنفى 508 :509، 510: 514.

[95]الطبقات الكبرى للشعرانى جـ2/10 .

[96]تعطير الأنفاس .مخطوط 57.

[97]مناقب الحنفى 392: 396مخطوط والطبقات الكبرى للشعرانى جـ2/87.

[98]مناقب عب الرحيم 21.مخطوط.

[99]مناقب الفرغل 16: 17مجلد .

[100]مناقب المنوفى 41مجلد.

[101]شرح مسرة العينين10 ب مجلد.

[102]المنهل الصافى مخطوط جـ1/556.

[103]معيد النعم ومبيد النقم 157.

[104]تاريخ ابن الفرات مجلد جـ8/29.

[105]الطبقات الكبرى جـ2/88 ،الجواهر السنية 79.

[106]مناقب الحنفى مخطوط 490: 493.

[107]لطائف المنن لابن عطاء .

[108]المفاخر العلية 17.

[109]النفحات الأحمدية 155.

[110]عيون الأخبار جـ2/453: 454.

[111]عبد الصمد .الجواهر السنية 117.

[112]المفاخر العلية 7.

[113]على سبيل المثال .روض الرياحين 15، 20 ،23 إلخ.

[114]مناقب الحنفى 139: 142.

[115]لواقح الأنوار 321: 322.

[116]الكواكب السيارة 79، تحفة الأحباب جـ4/208.

[117]الكواكب السيارة 79.

[118]الكواكب السيارة 121.

[119]تحفة الأحباب جـ4/352.

[120] الكواكب السيارة 229

[121]تجريد التوحيد المفيد 12 تحقيق طه الزينى .

[122]شعلان الشعب : المصرى167.

[123]المنار المنيف في الصحيح والضعيف 139.

[124]أنباء الهصر 275.

[125]التبر المسبوك 303.

[126]أنباء الغمر جـ2/29.

[127]تاريخ المقدس مخطوط 42ب.

[128]السخاوى التبر المسبوك 231.

[129]قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية 478، 469.

[130]لطائف المنن للشعرانى 225.

[131]الطبقات الصغرى للشعرانى 63.

[132]شذرات الذهب جـ7/71.

[133]الطبقات الكبرى للشعرانى جـ2/54.

[134]الطبقات الكبرى للشعرانى جـ2/75.

[135]البحر المورود 328.

[136]البحر المورود 328.

[137]لطائف المنن 315 ويقول في ص587(ومما من الله تبارك وتعالى على عدم إمتناعى من الإجابة إلى وليمة كون أحد من اقرانى هناك ، بل أذهب إلى الوليمة وأقبل رجله وركبته بحضرة ذلك الجمع العظيم).

[138]لطائف المنن 321 :322.

[139]لطائف المنن321: 322.

[140]لطائف المنن 321: 322.

[141]المدخل جـ2/152.

[142]إنباء الغمر جـ2/308،شذرات الذهب جـ7/71.

[143]الغزى .الكواكب السائرة جـ1/211.

[144]شرح صلاة ابن بشيش مخطوط 225: 226.

[145]حزب الشاذلى .في لطائف المنن لابن عطاء262: 266.

[146]متفرقات من حزب المرسى في لطائف المنن لابن عطاء 253، 254 ، 255 ،   256، 257، 258.

[147]طبقات الشاذلية :6.

[148]مناقب الوفائية من 17: 19 مخطوط.

[149]مناقب الوفائية 114: 115 .

[150]الطبقات الكبرى للشعرانى جـ2/1.

[151]طبقات الشاذلية 124: 125.

[152]النفحات الأحمدية 171.

[153]مخطوط بالدار ضمن مجموعة رقم 72 تيمورية رقم 6.

[154]لواقح الأنوار للشعرانى 116.

[155]التبر المسبوك 401 .

[156]ذيل ابن العراقى. مخطوط 211.

[157]التبر المسبوك 288.

[158]التبر المسبوك 24 .

[159]حوادث الدهور جـ1 /138.

[160]عقد الجمان مخطوط مصور لوحة 398.

[161]المقفى .مخطوط جـ2/45.

[162]اليبر المسبوك 402.

[163]الوافى بالوفيات جـ2/18.

[164]شذرات الذهب جـ7/85.

[165]الضوء اللامع جـ4/14.

[166]شذرات الذهب جـ7/147.

[167]التبر المسبوك 228.

[168]حوادث الدهور جـ2/354.

[169]تاريخ الجزرى مخطوط جـ2/266.

[170]حوادث الدهور جـ3/403.

[171]تاريخ ابن إياس جـ2/298 ط.بولاق.

[172]وثيقة الغورى ص3 نشر عبد اللطيف.

[173]محمد فهمى عبد اللطيف يوميات الأخبار العدد 7643 السنة 25 بتاريخ 15 /12/1976.

[174]تاريخ ابن الفرات جـ8/229، الدرر الكامنة جـ1/198.

[175]إنباء الغمر جـ2/215.

[176]صحبة الأخيار 109.

[177]مناقب الوفائية 90، 91.

[178]مناقب الحنفى 427.

[179]الدميرى حياة الحيوان جـ1/36.

[180]مناقب الحنفى 478، 522.

[181]المدخل جـ2/ 207.

[182]النجوم الزاهرة جـ14/341، 342.

[183]ابن اجا.تاريخ يشبك 235.

[184]الباعث فى الإنكار على الحوادث 24.

[185]الباعث قى الإنكار على الحوادث 9:29.

[186]الباعث فى الإنكار غلى الحوادث24.

[187]درر الغواص 16.

[188]قواعد الصوفية جـ1/188.

[189]إغاثة اللهفان لابن القيم جـ1/89.

[190]تاريخ ابن إياس جـ2/153، 117ط بولاق.

تاريخ البقاعى محطوط14، تاريخ ابن إياس جـ2/393 تحقيق محمد مصطفى .3

[192]الإلمام للنويرى مخطوط جـ2/80.

[193]الطالع السعيد 157.

[194]تحفة الأحباب 432، 435 تاريخ ابن إياس جـ2/142.بولاق.

[195]تحفة الأحباب 174.

[196]تحفة الأحباب 427.

[197]تاريخ ابن الفرات جـ9/2/425.

[198]إنباء الغمر جـ3/265.

[201]الطبقات الكبرى جـ2/75: 76.الخطط المقريزية جـ4/135. تحفة الأحباب 31.

[202]شذرات الذهب جـ8/129،الكواكب السائرة 248.

[203]السلوك جـ2/1/94،النجوم الزاهرة جـ11/85.

[204]إنباء الغمر جـ1/218، تاريخ ابن اياس جـ1/2/265.

[205]السلوك جـ3/2/669، النجوم الزاهرة جـ11/331، المنهل الصافى مخطوط جـ4/606،تاريخ ابن اياس جـ1/2/390.

[206]انباء الغمر جـ1/290.

[207]تاريخ البقاعى مخطوط ..حوادث سنة 880 هـ.

[208]لطائف المنن للشعرانى 272 :273 الطبعة القديمة .

[209]الحلبى النصيحة العلوية 37.مخطوط.

كتاب ( التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية
يقع فى ثلاثة أجزاء تتناول بعد التمهيد أثر التصوف فى العقائد الدينية والعبادات الدينية والحياة الأخلاقية فى مصر العصر المملوكى . تعطى مقدمة الكتاب لمحة عن أصل هذا الكتاب ، وأنه كان ضمن الأجزاء المحذوفة من رسالة الدكتوراة التى قدمها المؤلف للمناقشة حين كان مدرسا مساعدا فى قسم التاريخ الاسلامى بجامعة الأزهر عام ذ977 ، ورفضوها وبعد إضطهاد دام ثلاث سنوات تم الاتفاق على حذف ثلثى الرسالة ، ونوقش ثلثها فقط ، وحصل به الباحث على درجة الدكتوراة بمرتبة الشرق الأولى فى اكتوبر 1980 . من الأجزاء المحذوفة من الرسالة ينشر المؤلف هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة ، يوضخ فيه أثر التصوف فى مصر المملوكية ويعرض فيه عقائد التصوف
more