رقم ( 5 )
الفصل الرابع : نقد لإبراء الذّمة وللعظة ـ بعد اليأس مع الاصلاح

 

الفصل الرابع : نقد لإبراء الذّمة وللعظة ـ بعد اليأس مع الاصلاح

 

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

السبت 28 فبراير 2015

مقالات متعلقة :

أولا :

قال لى : أطلقوا سراح مبارك وأعوانه بعد صفقة تم فيها إقتسام أموالهم التى نهبها مبارك وأعوانه .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال لى : لا شك فى إدانة مبارك بالسرقة هو وأعوانه ، ولكنهم برأوهم . واضح أن مبارك وأعوانه إشتروا حريتهم بالتنازل عن بعض السرقات . ودخلت جيوب أصحاب السلطة الجديدة .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!:

قال : إنه بتبرئة مبارك واعوانه فقد ضاعت على مصر الأموال التى هربوها فى الخارج ، وأصبح مستحيلا إرجاعها . ومن المؤكد أنه تمت تحويل بعضها من حسابات بنكية لفلان وفلان  الى حسابات بنكية أخرى لفلان وفلان ، وانتقلت من أرصدة مسئولى العهد القديم الى أرصدة مسئولى العهد الجديد .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : إن ميزانية الجيش لا يستطيع أى جهاز مصرى مدنى معرفتها ، ولا يملك مجلس الشعب الإطّلاع عليها ولا مراقبتها كما يحدث فى الدول الديمقراطية . وصفقات السلاح التى يشتريها الجيش تعرفها إسرائيل وكل من يهمه الأمر سوى أهل مصر . والجيش المصرى يستثمر أمواله فى مصر ، وله شركات ومصانع وأراضى ، ويسيطر عليها قادة العسكر ، ولا رقيب عليهم . ولا أحد يعرف الفاصل بين ميزانية الجيش وأرصدة كبار العسكر المتحكمين فى كل شىء فى مصر ، والذين يديرون شئون الجيش يتصرفون  كما لو كانوا يحتلون مصر . وبالتالى فإن ما يحدث من إطلاق سراح مبارك وأعمدة ملكه وتبرئتهم يدخل ضمن هذه الأعمال الاستثمارية .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : مصادرة كل أموال مبارك وأعوانه كانت ممكنة بكل بساطة لو كانت هناك إرادة سياسية . يكفى أن تتم معاملتهم كأى مسجون مصرى ، ينام على الأرض ، ويتعرض لنفس المعاملة السيئة التى يلقاها المصريون فى أقسام الشرطة وغرف الحجز فى أمن الدولة وفى السجون العلنية والسرية . ليلة واحدة ــ بدون تعذيب ــ تجعل أولئك المترفين المنعّمين يعترفون بكل السرقات ويتنازلون عنها لميزانية مصر التى هى على وشك الافلاس ، وبدلا من الاستدانة و التسول من الخليج العربى الفارسى الى المحيط الهادى والأطلنطى نسترد أموال المصريين التى سرقها مبارك وأعوانه ، ولكنهم عقدوا صفقة مع الحرامية وأخذوا جزءا من المسروقات ، وجعلوا مبارك وأعوانه أبرياء من كل التهم .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : من البداية كان السيناريو معروفا ومرتبا . وضع مبارك وأعوانه فى سجون خمسة نجوم ، وتزييف الأدلة التى تدينهم لاستعمالها فى تبرئتهم ، ومحاكمتهم جنائيا وليس سياسيا ، وإتاحة الفرصة للدفاع أن يتلاعب بثغرات القانون ، هذا مع إستمرار المفاوضات فى عقد الصفقات الى أن تم ــ أخيرا ــ الاتفاق ، وخرجوا أبرياء . وفى نفس الوقت يوضع خصوم مبارك فى السجن ، ومنهم زعماء الثوار ، وتُفرض عليهم الغرامات وهم أفقر الفقراء .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : لو كانوا وطنيين مخلصين لمصر فعلا، لأقاموا محاكمة سياسية لمبارك باعتباره مسئولا عن تخريب مصر وتجريف مصر وضياع مكانة مصر و إفلاس مصر ونهب مصر وقتل الآلاف من أبناء مصر . وبهذه المحاكمة بأدلتها الثبوتية سينال مبارك مئات الأحكام بالاعدام هو أعوان حكمه . وإثناء المحاكمة سيتم إرغامه على ارجاع ما سلبه من أموال المصريين .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : إن الذى يجرى الآن هو عودة نظام مبارك بدون مبارك ، بل أفظع مما كان فى عصر مبارك .  بالاضافة الى الفساد فهناك التعذيب وتلفيق القضايا وقتل المتظاهرين وإغتيال المعارضين ، ونشاط ترزية القوانين . إنفتحت شهية المفسدين الجُدد لالتهام المزيد ، بينما الأغلبية الساحقة من المصريين على حافة الجوع ، وهم بين الموت جوعا لو سكتوا والموت قتلا وتعذيبا  لو ساروا فى مظاهرة تطالب بالحرية والعيش و العدالة الاجتماعية . وسط كل هذا الموقف المتفجر يتم تبرئة مبارك وأعوانه تحديا لمشاعر ملايين المصريين الذين ثاروا عليه .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : إنها عادة معروفة فى حكم العسكر المصرى خلال عهوده المتتالية . بعد موت عبد الناصر تعرض أعوانه للسجن والمحاكمة فيما عرف بثورة 15 مايو؛ ثورة التصحيح أوالتصليح ، وفى غياهب السجون تم عقد صفقات حصل بها الحكام الجُّدُد على غنائم من الحكام السابقين المسجونين . وبعد قتل السادات أقام مبارك محاكمات وهمية لبعض أخوة السادات وبعض رموز حكمه والفاسدين من أعوانه ، وفى غياهب السجن تم عقد صفقات إنتقلت بها بعض أملاك الحكام القدامى الى الحكام الجدد . وبعد عزل مبارك تكررت نفس القصة . الفارق الوحيد هو فى كمية المنهوبات . زمان كانت بالملايين أصبحت الآن بالبلايين .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : إنها عادة معروفة فى حكم العسكر المملوكى لمصر خلال عهوده المتتالية  . كانت العادة أن يأتى السلطان المملوكى الجديد يصادر أعمدة السلطان المملوكى القديم أو السلطان القديم نفسه لو بقى على قيد الحياة . وكانت تقترن المصادرة بالتعذيب الشديد ، وأكثره كان فى سجن القلعة ، الذى لا يزال يمارس دوره .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال: إن الفارق بين سرقات العسكر المملوكى القديم والعسكر المصرى الحديث أن المماليك أقاموا بهذا المال السُّحت عمائر دينية تعليمية وخيرية لا تزال تزين القاهرة حتى الآن . أى إنهم إستثمروها فى تعمير مصر ، ولم يقوموا بتهريبها للخارج . أى إن العسكر المملوكى الوافد لمصر أفضل من العسكر المصرى المولود فى مصر .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : والفارق الأكبر إن العسكر المملوكى الغريب الذى حكم مصر رفع إسم مصر عاليا ، أمتد سلطانه من جنوب تركيا وغرب العراق  شرقا الى برقة غربا ، وامتلك قبرص ، وهزم المغول واجتثّ الصليبين ، وتحكم فى التجارة الشرقية ، وسيطر على الشام وجزء من العراق وكل الحجاز ، وكانت القاهرة مقرا للخلافة العباسية ، ومركزا حضاريا لكل المسلمين . أما العسكر المصرى فتاريخه ممتلىء بالهزائم ، أضاع سيناء ، وبعد أن كانت إنجلترة مدينة لمصر ب55 مليون جنيه استرلينى قبل إنقلاب العسكر عام 1952 أصبحت مصر الآن تستدين لدفع فوائد الديون ، وبعد أن كان الدولار معدوم القيمة أمام الجنيه المصرى أصبح الدولار الآن يساوى ثمانية جنيهات  . وبعد أن كان العسكر المملوكى يواجه أوربا كلها أصبحت مصر فى عصر العسكر المصريين عاجزة عن مقاومة حماس وقطر ،. وأصبحت مصر ( أم الدنيا ) تابعة للسعودية الشقيقة الكبرى لمصر، وفى ذيل القائمة بالمقارنة باسرائيل ، وبعد أن كانت القاهرة تنافس مدن أوربا فى جمالها ونظافتها منذ مائة عام أصبحت الآن عاصمة لأكوام الزبالة . باختصار : العسكر المملوكى إنتصر على أعداء مصر بينما لم يُفلح العسكر المصرى إلا فى الانتصار على مصر ونهب ثروة مصر .العسكر المملوكى الأجنبى الحاكم كان يصنع السلاح ليهزم به أعداء مصر أما العسكر المصرى الحاكم فهو يشترى السلاح بأموال مصر ليقتل به أبناء مصر .!!

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : العسكر المملوكى الغريب حكم مصر بالاستبداد طبقا لمنطق العصور الوسطى . ونهب أموال المصريين طبقا للشرعية السائدة فى العصور الوسطى . لا نلومهم لأن هذا كان شريعة عصرهم . ولكن نلوم العسكر المصرى الذى  يستبد بمصر وينهبها بالمخالفة لمنطق عصرنا ، وهو عصر الديمقراطية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : إن لم يتعقّل عسكر مصر ستدخل مصر فى حمامات دم لن ينجو منها عسكر مصر أنفسهم ولا أولادهم . وسيكونون عبرة سيئة تحتقرهم كل الأجيال المصرية القادمة .

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

قال : التاريخ سيكون حكما بينى وبينك

قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!

أخيرا :

ولم يخرس . لأنه كذاب كأبى هريرة ..

ملاحظة :

لازالت أكاذيب أبى هريرة مقدسة حتى الآن ، بل أصبحت دينا أرضيا إسمه السُّنّة . ولا يزال أبو هريرة متمتعا بتقديس العسكر والاخوان .!!

 

 

 

 

 

فى الاحتكام الى رب العزة جل وعلا بشأن الرئيس السيسى ( 1 من 2 ) 

الرئيس السيسى : هل يؤمن بالله جل وعلا ؟

 

في الإثنين 02 مارس 2015

مقدمة :

1 ـ  ليس مقصودا على الاطلاق من كلامنا هذا التكفير بل الوعظ والتذكير . كل ما نكتبه مستشهدين بالقرآن الكريم وآياته فى وصف المشركين الكافرين هو لوعظ أنفسنا ووعظ الأحياء المعاصرين لنا أملا فى الاصلاح ، ومهمتنا هى الاصلاح السلمى لأنفسنا وللآخرين . ومهما تكون قسوة الوعظ بالكلمة فهى الطريق السلمى لتجنب حمامات الدم . فلا مقارنة بين الكلمة والرصاص ، خصوصا إذا كانت كلمة تستشهد بالقرآن الكريم حرصا على حقن دماء الناس أجمعين .

2 ــ فى مجال الانذار والدعوة لا بد أن نستدل بالقرآن فى إيراد صفات المشركين والكافرين أملا فى اصلاح من يمارس نفس الصفات فى وقتنا، لكن ليس لنا أن نقول إن فلانا هذا الذى لا يزال حيّا يُرزق ويكرر اقوال وافعال المشركين هو من أهل النار . بل نقول إنه إذا مات على هذا فهو طبقا للقرآن من اهل النار . لنا أن نحكم على المؤلفين الموتى ممّن كتب كتابا فى الضلال بأنه من أهل الضلال بناءا على كتابه الذى يخالف القرآن الكريم . نحن فى الحقيقة لا شأن لنا بالمؤلف بل بالكتاب الضال . المؤلف مات ولا نعرفه ، ولكن الكتاب الذى بين يدينا هو الذى نعرفه ونحكم بضلاله بناءا على المكتوب فيه ، وحين نفعل ذلك فهو للتحذير وتبرئة الاسلام من نسبة هذا الكتاب اليه . هذه المشكلة الشائكة تعرض لها النبى محمد عليه السلام حين تعرض لهزيمة ( اُحُد ) قال قولا يٌستشفُّ منه الحكم النهائى وقتها على قادة جيش قريش بعدم الفلاح . ولأنه ليس من حقه أن يقول هذه الكلمة فقد نزل عليه قول الله جل وعلا مؤنبا بأنه ليس له من الأمر شىء ، لأن خالق السماوات والأرض هو الذى يملك وحده الغفران وعدم الغفران : ( لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) آل عمران  ) .  

3 ــ  ولا شك أن الرئيس السيسى أفضل من مبارك العسكرى ومرسى الإخوانى . ولا شك أنه يمثّل الخيار الوحيد للمصريين فى ظل أزمة عاصفة تعصف بالشرق الأوسط كله فى منحنى تاريخى قد يتم على أساسه تغييرات فى هذا القرن الحادى والعشرين ، ولأننا نرى أنه يسير فى طريق خاطىء لذا نكتب رأينا نبتغى رضا الله جل وعلا وحده وأملا  فى الاصلاح . ونرجو السلامة والخير لنا وللناس أجمعين .

3 ــ وفى البداية نتساءل : الرئيس السيسى : هل يؤمن بالله جل وعلا ؟

أولا : لماذا نسأل هذا السؤال :

1 ــ لم يتم توجيه هذا السؤال من قبل للرئيس مبارك لأنه لم يكن هناك أمل فى إصلاحه . من البداية كنت معارضا للرئيس مبارك ، لم أدهنه ولم أوافقه ولم أنافقه بل كتبت وتكلمت ضده وعلنا حين كنت فى مصر فى سلطانه ودولته ومضطهدا من أجهزته الأمنية . ثم إن الرئيس مبارك كان علمانيا لم يصطنع الاسلوب الدينى فى خطابه السياسى ، ولم يرفع شعارا دينيا .

ولم يتم توجيه هذا السؤال للرئيس الاخوانى محمد مرسى لأنه إخوانى وهابى ، والوهابيون فى معتقدى هم أعدى أعداء الاسلام ، وبهم أصبح الاسلام متهما بالارهاب والتطرف والتزمت والتعصب والتخلف . وهم مع عدائهم العقيدى للاسلام فهم يزعمون أنهم الممثلون للاسلام ظلما وعدوانا وإفتراءا .  

2 ـ يتم التوجيه هذا السؤال للرئيس السيسى لأنه يصطنع اسلوبا دينيا فى خطابه السياسى . وهذا يعطينا الحق أن نسائله بنفس خطابه الدينى أملا فى وعظه ، ونسأله : هل هو يؤمن فعلا بالله جل وعلا ؟. هنا نحتكم الى القرآن الكريم . والاحتكام الى القرآن فريضه إسلامية ضمن الفرائض الاسلامية المُغيّبة ، التى غيبتها أديان المحمديين الأرضية ، مع إن الله جل وعلا يقول : (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً )(114) الانعام ) هيا بنا نعرض بعض أقاويل الرئيس السيسى وأفعاله على القرآن الكريم :.

ثانيا : الرئيس السيسى هل هو من المؤمنين بالله جل وعلا حقا ؟

 1 ــ الايمان بالله جل وعلا ليس مجرد كلمة تُقال بل هى موقف وسلوك . معظم الناس يعلن إيمانه بالله جل وعلا ، ولكن السلوك هو الذى يُظهر حقيقة إيمانه بالله جل وعلا ، وطالما يكون الانسان حيا يسعى فى الأرض فهو فى إختبار الايمان بالله جل وعلا . يزداد إيمانه بالله وينقص تبعا لاختياراته ، فى موقف ما يختار فيه الطريق الخطأ فيتناقص فيه إيمانه ، يقول جل وعلا عن بعض المنافقين وقد إختاروا القعود عن الدفاع عن المدينة يزعمون عدم قدرتهم عن القتال : (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ ) (167) النساء ) أى حين قالوا ( لو نعلم قتالا لاتبعناكم ) كانوا وقتها ولحظتها وفى هذا الموقف وبذلك السلوك أقرب للكفر منهم الى الايمان.  فالايمان بالله جل وعلا يزداد وينقص تبعا للمواقف ( آل عمران 173 ، الأنفال 2 ، التوبة 124 ، الاحزاب 22  ) وكذلك الكفر بالله جل وعلا يزداد وينقص حسب مواقف الانسان ( البقرة 10 ، المائدة  64 ، 68 ، التوبة  125). ومن هنا يأتى طريقنا الوعظى ، نعظ فيه أنفسنا وغيرنا بالإيمان الحق بالله جل وعلا ، وأن نلتزم بذلك سلوكا وقولا .

وفى ( ذكر ) إسم الله جل وعلا ، يكون الموقف تكون غاية فى الخطورة لا يحتمل التوسط ، فإما أن يخشع قلبك حين تنطق باسم الله جل وعلا ، أو حين تسمع إسم الله جل وعلا ، وإما أن تتخذ إسم الله جل وعلا وآياته هزوا ولعبا . ومن يمت على هذا سيكون ممّن قال فيهم رب العزة :(وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُواً (56) الكهف )( ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106) الكهف )( ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمْ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35)  الجاثية ). أما من أسرع وتاب فقد نجا . 

نحن نعظ أنفسنا نرجو أن نكون من المؤمنين حقا ، من الذين إذا ذُكر إسم الله جل وعلا وجلت قلوبهم وإذا فرىء عليهم كتابه إقشعرت جلودهم  . فأولى صفات المؤمنين حقا هى ما جاء فى قوله جل وعلا :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الانفال ). المؤمنون حقا هم ( الخاشعون المخبتون ) الذين قال جل وعلا عنهم : (وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِ الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35 ) الحج ). نحن نرجو أن نكون من هؤلاء ، وندعو الآخرين أن يكونوا من هؤلاء .

2 ــ ولكن الرئيس السيسى قال ما يناقض هذا . نكتفى مما قاله بمثل واحد فقط نتوقف معه :

قال فى خطاب علنى لمنافسه السابق فى الرئاسة ( حمدين صباحى ): ( ربنا بيحبك ). أى سار على سُنّة الوهابيين والاخوان فى إستخدام اسم رب العزة فى خطابهم السياسى ، فمن يرضون عنه فربنا راض عنه ، ومن يكرهونه فربنا لا يرضى عنه . يعنى انه يقف متناقضا مع صفة المؤمنين حقا الذين ترتعش قلوبهم عند ذكر الله ، هو على العكس يستخدم رب العزة جل وعلا فى خطاب سياسى دنيوى قد يكون مزاحا وتهريجا ، وقد يكون جادا ، ولكنه فى كل الأحوال إستخفاف برب العزة جل وعلا الذى ترتعش القلوب المؤمنة من ذكر إسمه العظيم رهبة وخشوعا وتقوى وإخباتا .

3 ــ وهنا نتساءل : هل أعطى الخالق رب العزة ( المخلوق عبد الفتاح السيسى ) رُخصة الحديث بإسمه ؟ هل أطلع  رب العزة ( المخلوق عبد الفتاح السيسى )على أن ( المخلوق حمدين صباحى ) محبوب لرب العزة ؟ هل أعطى رب العزة جل وعلا ( المخلوق عبد الفتاح السيسى ) علم الغيب الذى لم يُعطه لخاتم النبيين عليه وعليهم السلام ؟ قد لا تكون هذه المعانى قد طافت بعقل الرئيس السيسى حين قالها ، ولكنه حين قالها لم يكن من الذين إذا ذٌكر الله جل وعلا وجلت قلوبهم ، بل نظنّ أنه حين قالها لم يكن يوقّر الله جل وعلا . هذا مع أن شأن المؤمنين حق الايمان هو توقير الله جل وعلا وتسبيحه : ( لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (9) الفتح ). هذا شأن المؤمنين حقا .أما الكافرون فينطبق عليهم قول النبى نوح عليه السلام لقومه : ( مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً (13) نوح ).

4 ـ هذه الأقاويل التى يستسهلها اللسان ويتم فيها إمتهان إسم الرحمن تورد صاحبها مورد التهلكة . ونعطى أمثلة قرآنية :

4 / 1 : التهكم بالدين الحق وإستخدام إسم الرحمن فى النُكت والطرائف والنوادر عادة بشرية سيئة لا تزال سائدة ، وقد إرتكبها بعض المنافقين فى عهد النبى فحكم الله جل وعلا بكفرهم . قال جل وعلا :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) التوبة ).مجرد كلمة أضاعت أصحابها . يمكنك أن تسخر من أى مخلوق وتكون مجرد سيئة ، أما أن تخوض فى حق الله جل وعلا وقرآنه ورسوله فيومك طويل ورهيب . .!!

4 /2 : بعض الكافرين إستهزا بالاسلام وباليوم الآخر ، وقال قولا يتكرّر اليوم ، يعنى أن ( السعيد فى الدنيا سيكون سعيدا فى الآخرة ) وأن الغنى الثرى فى الدنيا سيأتى فى الآخرة ثريا أيضا . قالها فرد كافر من قريش فإستحق أن يقول عنه ـ وعن أمثاله ـ رب العزة جل وعلا : ( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً (77) أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً (78) كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنْ الْعَذَابِ مَدّاً (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً (80) مريم ).

4 / 3 : يستسهل الناس إستخدام إسم الله جل وعلا فى الحلف به باطلا ، ولا يعلمون أنهم بذلك يهلكون أنفسهم ، وهذا كان يحدث من المنافقين فقال جل وعلا عنهم:(  وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) التوبة )

5 : إن من العادات السيئة للكافرين المشركين أعداء الرحمن جل وعلا أنهم ( لا يقدّرون الله جل وعلا حقّ قدره ) . هذا مترسّب فى قلوبهم وعقيدتهم ، وبهذا تنطق ألسنتهم .

5 / 1 : وهكذا قال رب العزة عن من يقدس الأصنام والأنصاب والبشر والحجر : ( مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)الحج  )، لو آمنوا أن الله جل وعلا هو القوى العزيز ما جرأوا على الاستخفاف باسمه العظيم وتقديس بشر مخلوقين مع الله جل وعلا . وهؤلاء لديهم فرصة للتوبة قبل الموت .

5 / 2 : وقالها جل وعلا فى وصف الكافرين من أهل الكتاب لمجرد كلمة قالوها ؛ قالوا : ما أنزل الله على بشر من شىء . ردّ جل وعلا يصفهم بأنهم ما قدروا الله حق قدره حين نطقوا بذلك : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) الانعام ) . وهؤلاء كانت لديهم فرصة للتوبة قبل الموت. لا نعرف إذا تابوا أم لا .!

5 / 3 : ثم جاءت وصفا للكافرين يوم الدين :(  وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)  الزمر ). عندها سيرون بأعينهم قدرة الله جل وعلا وجبروته وقيوميته ، ولن تكون لديهم فرصة للتوبة . ستضيع كل أوهامهم وخرافاتهم ، وسيبدو لهم من الله جل وعلا الذى لم يقدروه حق قدره ــ ما لم يكونوا يحتسبون ن وسيتمنون ـ لو إستطاعوا ــ أن يفتدوا أنفسهم من العذاب بكل ثروات الأرض ، يقول جل وعلا :(وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (48)  الزمر )

أخيرا : أليس من الأفضل للرئيس السيسى أن ينجو بنفسه من هذه الألغام المدمرة ، ويتكلم فى السياسة بخطاب السياسة ؟  

 خير الكلام :

(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)  الحديد ).

ودائما : صدق الله العظيم .!!

 

 

 

 

فى الاحتكام الى رب العزة جل وعلا بشأن الرئيس السيسى ( 2 من 3):

الرئيس السيسى : هل يؤمن باليوم الآخر ؟!!

في الأربعاء 04 مارس 2015

أولا :  بين الايمان باليوم الآخر و الكفر باليوم الآخر

1 ــ الايمان باليوم الآخر قلبيا يعنى الايمان بالله جل وعلا وحده مالكا يوم الدين ، وأنه جل وعلا وحده الشفيع والولى والنصير ، وأنه جل وعلا هو الذى سيحاسب البشر جميعا وفق علمه المطلق وعدله المطلق .

الايمان باليوم الآخر عمليا وسلوكيا يعنى أن يحاسب المؤمن نفسه فى حياته قبل يوم الحساب ، وأن يؤمن ويعلم ــ وهو يحاسب نفسه ـ أنه سيكون مسئولا عما ينطق به لسانه وما تفعله جوارحه وما يجول فى قلبه مصداقا لقوله جل وعلا: ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36) الاسراء )، وأنه سيأتى يوم القيامة يجادل عن نفسه أمام ربه لينقذ نفسه من الخلود فى النار: (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111) النحل )، وأن يؤمن وهو يحاسب نفسه أنه لو إجتمع له كل نعيم العالم فى هذه الدنيا فى حياته القصيرة فلن يساوى لحظة نعيم فى الجنة الأبدية ، وانه لو قاسى كل آلام العالم فى هذه الدنيا فى حياته القصيرة فلن يساوى ذلك لحظة عذاب فى الجحيم الأبدى ، وان كل حُطام الدنيا لا يساوى أن يظلم الآخرين بسببه ، وأنه لا بد أن يترك المال والجاه خلال حياته أو بموته ، وبالتالى لا يكون ابدا ممّن ينسى الآخرة منشغلا بالدنيا .  

2 ـ الكفر باليوم الآخر له مظهر عام هو إيثار الحياة الدنيا على رب العزة ، والله جل وعلا خير وأبقى : (   وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) طه )، وإيثار الدنيا على الآخرة وهى خير وأبقى (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) الأعلى ).وبعضهم يتطرف من إيثار الدنيا وتفضيلها على الآخرة الى درجة أنه ينسى الآخرة تماما ويُسقطها من حسابه ، فلا يريد سوى الدنيا .وهذا الصنف الذى لم يُرد إلا الحياة الدنيا لا أمل فى هدايته : (  فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) النجم ).

3 ــ وهناك أنواع من الكافرين باليوم الآخر .

منهم من تشغله الدنيا فيلهو بها عن الآخرة التى إقترب موعدها ، يقول جل وعلا فى القرآن الكريم منذ  أكثر من 1400 عام : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) الانبياء ). إذا كانت موعد القيامة قد إقترب من أكثر من 1400 عام فكيف بنا اليوم ؟

ومنهم من ينكر الآخرة جملة وتفصيلا مؤمنا بالدنيا وحدها ، يقول هى حياة الدنيا وحدها ( يا عم ..إحنا بنعيش مرة واحدة ) ، يقول جل وعلا عنهم : (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَاالدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) الانعام )( هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) المؤمنون )( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (24)الجاثية ).

ومنهم من يصنع بالتزييف أساطير عن اليوم الآخر تمتلىء بالشفاعات والوساطات بحيث يدخل الجنة بلا حساب أو بالشفاعات ولو يدخل النار سيخرج منها . وتراث الأديان الأرضية للمحمديين والمسيحين يطفح بهذا الإفك عن ( محمد الشفيع ) و ( يسوع المخلّص). وهناك اكثر من 150 آية قرآنية تنفى هذا الأفك .

وهناك كفار باليوم الآخر يجمعون بين إنكار اليوم الآخر ، وحتى لو كان فيه يوم آخر فسيدخلون الجنة ، كما قال بعضهم : (  وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) فصلت  )( وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً (36) الكهف ).

ثم هناك فئة هى الأخطر ، وهى موجودة فى كل زمان ومكان، يزعمون الايمان بالله وباليوم الآخر وماهم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلّا أنفسهم وما يشعرون. قال جل وعلا عنهم  : (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)( البقرة ). فحيثما يوجد ( ناس ) فمن الناس من يحترف إضلال الناس بالزعم أنه يؤمن بالله جل وعلا وباليوم الآخر وهو كافر بالله جل وعلا وباليوم الآخر . هم الآن نجوم الإعلام الدينى فى مجتمعات المحمديين .

ثانيا  : موقع الرئيس السيسى فى قضية الايمان باليوم الآخر

1 ــ نحن هنا نحكم على افعال وأقوال الرئيس السيىسى . لا شأن لنا بما فى قلبه ، بل بسلوكه المٌعلن بالصوت والصورة والمسجل فى الاعلام المحلى والعالمى  . ونحن نحكم على ما مضى ، ولا شأن لنا بمستقبل لا نعرفه وليس لنا أن نتكلم فيه . نحكم على أقوال وأفعال مٌعلنة وماضية أملا فى أن يتراجع عنها وأن يتوب منها ، لأن أعماله هذه تؤثر فى الملايين ويقع لها ضحايا آلافا مؤلفة من المصريين . وهنا نقول :

2 ـ ليس من الايمان باليوم الآخر أن يتكرر من الرئيس السيسى قوله إنه سيحاجج هذا وذاك يوم القيامة لأنهم فعلوا كذا أو لا يفعلون كذا . قال هذا لشيوخ الأزهر كما قاله لنجوم الفن على حد سواء . إذا كان السيسى يؤمن فعلا باليوم الآخر فالله جل وعلا لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وكل نفس ستكون مُساءلة امام الواحد القهار عمّا يمكنها فعله من فرائض ومسئوليات ولم تفعلها . الرئيس السيسى هو صاحب القرار، وهو الآن مصدر الارادة السياسية ، وهو المسئول الأول ، وعليه عزل المُقصّر لا أن يبقيه متحكما فى منصبه ثم يٌزايد عليه بالخطاب الدينى .

إختار السيسى الطريق الأسهل ، وهو أن يتكلم بخطاب دينى يبدو فيه أمام الناس تقيا مؤمنا ، وتناسى أن تقوى القلب تجعل صاحبها يتحكم فى لسانه ويخشى من هول يوم القيامة ، فلا يتكلم إلا وهو مُدرك ومؤمن بأنه مؤاخذ على ما ينطق به لسانه ، فكل ما ينطق به يتم تسجيله له أو عليه فى كتاب أعماله الفردى : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) ق ) ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) الاسراء ).

ويقول جل وعلا عن كتاب الأعمال الجماعى : (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49) الكهف ) .

المؤمن باليوم الآخر يحاسب نفسه فى حياته الدنيا خوفا من حساب الآخرة : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) هود ).والقدوة هنا هو خاتم الأنبياء عليه وعليهم السلام الذى كان يخشى إن عصى ربه من عذاب يوم عظيم : ( يونس 15 ، الزمر 13 ).

3 ـ ليس من الايمان باليوم الآخر أن تحدث كل هذه الجرائم فى مصر فى عهد السيسى وفى إطار مسئوليته ، وهو الذى بيده كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية . كل صفعة على وجه مظلوم يتحمل السيسى الجزء الأكبر منها ، كل إغتصاب تتعرض له مصرية بيد الشرطة يتحمل جزءا من هذا الجُرم ، كل دم برىء سال ويسيل فى مصر ، وكل نفس بريئة تم قتلها ظلما وعدوانا يتحمل السيسى المسئولية الكبرى فى إزهاقها . وحتى نتخيل فظاعة الإثم ، نتعرّف على مصير الذى يقتل مؤمنا مُسالما واحدا . يقول جل وعلا : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93) النساء ). الجزاء هنا هو الخلود فى جهنم مع غضب الله جل وعلا ولعنته وعذاب أبدى عظيم . هذا فيمن يقتل فردا واحدا مسالما ، فكيف بالآلاف ؟ وكيف إذا كان قتلهم بموافقة المسئول عن حمايتهم ؟!. فى عصر السيسى وخلال أقل من عام تفوق عدد ضحايا السيسى على عدد ضحايا مبارك فى ثلاثين عاما . نسأل : كم عدد القتلى الأبرياء ؟ كم عدد الجرحى ؟ كم عدد المساجين السياسيين ؟ كم عدد ضحايا التعذيب ؟ كم عدد القوانين التى صدرت تصادر حقوق المصريين فى حريتهم السياسية وتُخضعهم لرأى السيسى وحده وتترصدهم وتتعقبهم وتفرض عليهم عقوبات ظالمة ؟ ثم كم عدد المجرمين الظالمين المستحقين لعقوبة القتل قصاصا والسجن طبقا لجرائمهم وتقارير المنظمات الحقوقية عنهم، وهم مع ذلك أعمدة نظام السيسى ؟ والى من ينحاز السيسى ؟ هل الى الثوار الذين وضعهم فى السجن وهم الذين أوصلوه الى السلطة ؟ ام الى نظام مبارك الفاسد الذى أفرج عنه وعن قادته وتركهم يتمتعون بما نهبوا من بلايين ؟ وهل من الايمان باليوم الآخر فرض ضرائب على الشعب المطحون ورفع الدعم عنه ؟ وهم الأغلبية الساحقة المطحونة من المصريين الذين تولى مسئوليتهم والذين خرجوا يؤيدونه بالملايين .!! وهل من يتحسّب مسئوليته أمام الله جل وعلا يوم الحساب يقوم بتبرئة حرامية سرقوا البلايين ويوقع عقوبات بالغرامة على الثوار الفقراء المساكين ؟ ملايين المصريين الغلابة لهم فيه عشم ، ولهم عليه حق . ولا يصح أن يكافئهم باتباع طريق مبارك .

أخيرا

أدعو الرئيس السيسى أن يخلو بنفسه ليفكر فى موت قادم لن يستطيع الافلات منه ، وفى لقاء الله جل وعلا الذى لا مفرّ منه . إن الفرد العادى سيكون يوم الحساب مسئولا عن نفسه وربما عدد قليل من الأشخاص ، أما السيسى فسيكون مسئولا عما فعله مع شعب بأكمله . أدعو الرئيس السيسى أن يتذكر أن هذا الكرسى الذى يجلس عليه قد جلس عليه قبله مئات الحكام ، ولو دام هذا الكرسى لغيره ما وصل اليه ، ولن يدوم له .

أرجو أن يٌسارع فى إنقاذ نفسه بالتوبة والاصلاح الجدّى الشامل ، وعفا الله جل وعلا عما سلف . التوبة ليست مجرد عقد صلح مع رب العزة بل هى أيضا إرجاع الحقوق لأصحابها .

خير الكلام :

(قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)  الزمر ).

ودائما : صدق الله العظيم .!

 

 

الدولة العسكرية الأمنية ( الفرعونية ) ( السيسية )التى تستعلى على الشعب:

الدولة العميقة بين الرئيس السيسى وفرعون موسى ( 1 من 3)

 

في الخميس 05 مارس 2015

مقدمة

جمع فرعون موسى فى يده قيادة العسكر والأمن والحكومة المدنية التى تشتغل بالانشاءات الهندسية والمعمارية . وهى الدولة العميقة التى تستعلى على الشعب وتسخره ، والتى إستعادتها دولة العسكر المصرية منذ حركة الجيش فى يولية 1952 . وإذا كان فرعون موسى له ( ها ـ مان ) قائد الجيش ومهندس الانشاءات الهندسية فإن السيسى فى عصرنا هو المتحكم فى العسكر والأمن ، وله مهندس هو ( مح ـ لب ) . انتهى فوعون موسى وجنده وقومه الى الهلاك فى البحر الأحمر بسبب العلو والفساد ومعهم دولتهم العميقة ، وتم تدمير كل المنشئات والقصور التى أنشأها ( ها ـ مان ) : ( وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) الاعراف ). قوم فرعون هم جند فرعون هم ملأ فرعون ، أما الشعب المصرى فقد كان ــ ولا يزال ـ ضحية الدولة العميقة الفرعونية فى مصر ، بعسكرها وأجهزتها الأمنية والحكومية . الرئيس السيسى ـ بعد أقل من عشرة أشهر فى الحكم ـ ظهر الشبه سريعا بينه وبين فرعون موسى ، فكيف به إذا حكم ثلاثين عاما مثل مبارك . لذا نكتب هنا للوعظ والتحذير ، لأن مصير فرعون موسى ولعنته تلحق بكل من يسير على ( دأب فرعون ). ولهذا تكررت قصة فرعون فى القرآن الكريم فى معرض العظة والعبرة مع التركيز على أنه وقومه ودولته العميقة ( أئمة يدعون الى النار ). خوفا على السيسى ودولته العميقة ومصر ( العتيقة ) نكتب هذه المقالات .

 الدولة العسكرية الأمنية ( الفرعونية ) ( السيسية )التى تستعلى على الشعب :

الدولة العميقة و العلو فى الأرض

يقول جل وعلا : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)( القصص ) . الواضح هنا ببساطة أن الفوز فى الدار الآخرة هو للمتقين الذين أمضوا حياتهم الدنيا لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا . التدبر فى الآية الكريمة يعطينا الآتى :

1 ــ المتقون ( لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا ) ولذلك فهم أصحاب الجنة فى الآخرة . أما الآخرون الذين لا يؤمنون بالآخرة والذين ليس فى الجنة نصيب فهم ( الذين يريدون علوا فى الأرض وفسادا ). أى قرروا وأرادوا التصارع فى سبيل الوصول للسلطة التى يتعالون بها على الناس .الإرادة وحدها لا تكفى ، لا بد من توفير أسباب القوة و(إستضعاف الخصم ) . وفى هذا الصراع بين الخصوم الذين يريدون علوا فى الأرض يفوز البعض ويخسر البعض ، ولكنهم جميعا أرادوا ( العلو ) فى ( الأرض ) واستخدموا كل الوسائل الفاسدة التى تمكنهم من الوصول للحكم تحت شعارات مختلفة وطنية أو دينية أو قومية . ولكى يظل المتغلب فى ( عُلُوه ) فى الأرض فإنه يقوم بتفريق الشعب لإضعافة ، أى يخلق عدوا داخليا يضربه ليفرق الشعب شيعا ، وهذا ما فعله فرعون وما يفعله بعده كل فرعون : هنا نسترجع قوله جل وعلا : :( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) القصص ).  فرعون بعسكره وأجهزته الأمنية والحكومية أقام الدولة العميقة التى ( علا ) بها فى الأرض .

العسكر فى الدولة العميقة لفرعون موسى والدولة العميقة للرئيس السيسى

 إرتبطت حياة عبد الفتاح السيسى بالجيش والحياة العسكرية ، وتقلب فى المناصب ، وكان أهم ما تولاه المخابرات الحربية ، أى جمع فى شخصه القائد العسكرى والرجل الأمنى معا . وهكذا كان نظام فرعون موسى . وهذا يستلزم تفصيلا :

( الدولة العسكرية الفرعونية والدولة العسكرية الحالية ):

1 ــ يتميز فرعون موسى بصفته العسكرية ، بل إعتبره رب العزة جنديا فقال : ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) البروج ) . وتأنى كلمة ( الجنود ) مرادفة له فى القصص القرآنى .وكانت صفته قائدا عسكريا لجنوده تصاحبه فى كفره السلوكى فى بغيه وعدوانه ، يقول جل وعلا عنه وهو يُطارد بجنده إثنين من الأنبياء وقومهما لمجرد أنهم أرادوا الهروب من طغيانه وتعذيبه وإضطهاده : (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً ) (90) يونس ). كما تصاحبه كلمة ( الجنود )  فى كفره العقيدى بالله جل وعلا مستكبرا متعاليا : ( وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ (39) القصص ). أى إنه بعسكره وجنده أعلن التحدى لرب العزة فى مؤتمر أمام جنده ، قال فيه لهم وللرجل الثانى فى دولته ( هامان ): (  وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) القصص ). ونلاحظ أن التعبير القرآنى يقول ( وجنوده ) أى إنه يملك الجيش والجند .

 ولأنها دولة عسكرية تحتكر الثروة والسلطة والسلاح والقوة وتتحكّم فى شعب أعزل من الفلاحين فقد كان الجيش هو المسيطر على كل شىء عسكريا ومدنيا وأمنيا ، من أعمال المقاولات الى الأعمال العسكرية . وكان ( هامان ) الرجل الثانى فى دولة فرعون ، وكانت له وظيفة عسكرية، إذ  يأتى إسمه تاليا لفرعون فى قيادة الجنود ، يقول جل وعلا : ( وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) ( إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) القصص )، وهو أيضا القائم على المشروعات الهندسية والتعميرية ، لذا أمره فرعون بأن يبنى بالحجر صرحا يبلغ السماء ليطلع الى إله موسى : ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ (38) القصص ).

لو تأملنا الآيات الكريمة السابقة وطبقناها على دولة العسكر اليوم فلن نجد فارقا هائلا بين عسكر فرعون وعسكر السيسى . أليس كذلك ؟

تعالى واستعلاء و ( علو ) قوم فرعون ( جند فرعون ) على الشعب المصرى

الجهاز الحاكم فى دولة العسكر المصرى الحالى يشعرون بأنهم هم ( أسياد البلد ) . قال بهذا صراحة أحد زعماء القضاة فى لقاء تليفزيونى ، وقالها من قبل لواء فى البوليس . هى نفس عقيدة العسكر الفرعونى فى عصر موسى عليه السلام .وبعقلية أنهم ( اسياد البلد ) يتصرف البوليس المصرى مع الشعب المصرى ، ويتصرف العسكر المصرى مع الشعب المصرى ، حتى مع العاملين فى خدمته وفى حكومته ، من الوزراء ونجوم الاعلام ، وهذا ما ظهر فى التسريبات فى حديث السيسى مع مدير مكتبه ، وقول مدير مكتبه عن أحد الوزراء ( الصايع الضايع ) وعن أحد نجوم الاعلام ( الواد ) فلان . منتهى الاحتقار العسكرى فى التعامل مع المدنيين خدم العسكر .!.

جند فرعون هم قوم فرعون :

1 ـ ويتكرر ايضا وصف قوم فرعون بالملأ ، وفرعون وملئه ، تعبيرا عن ملكيته لهذا الملأ . ولقد كان الملأ هم قادة الجند الفرعوني وكبار موظفيه في العاصمة والأقاليم.ونفس الحال مع ( قوم فرعون ) يقول رب العزة ( قومه ) أى هو يملك قومه . إن قوم فرعون هم جند فرعون مع ملأ فرعون ، فقوم فرعون هم الجند والملأ معا. كان الجند هم القطيع الذي يتم حشده من كل مدائن مصر خلف فرعون وملائه. و(جند) فرعون مع ملأ فرعون هم معا ( قوم فرعون) الذين هرولوا خلف فرعون يطاردون معه موسي واستقروا معه في قاع البحر. ويقول تعالي عن (قوم ) فرعون : ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ،فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ " ( الزخرف 54 ) إذن أغرق الله فرعون وقومه  أجمعين. وفى نفس السياق يقول تعالي عن (جند) فرعون. " وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ،فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ .."( القصص 39 : 40 ).إذن غرق(جند فرعون)  الذين هم (قوم فرعون ) .
2 ـ ويقول مؤرخ عصر الرعامسة ( بيير مونتييه : الحياة اليومية فى مصر فى عصر الرعامسة : 307 ) :( إن الجنود لم يكونوا يتعلمون مهنة أخري سوي مهنة حمل السلاح التي كانوا يتوارثونها ( وهو نفس الذى يحدث اليوم ) وكانوا جميعا من ذوي الأملاك ، اى كانوا يشرفون على الاقطاعات الزراعية التى يزرعها الفلاحون المصريون لصالح الفرعون الذى كان يملك الأرض ومن عليها. ومعني ذلك أننا أمام نظام الإقطاع العسكري حيث يقوم جيش الفرعون بالإشراف علي زراعة الأرض التي تقسم علي القادة والجنود ويتم تسخير الفلاحين في زراعتها في مقابل ما يقيم أودهم . وقد استمر الإقطاع العسكري الزراعي في مصر في فترات لاحقه كان آخرها في العصر المملوكي ( 1250ــ 1517م) وعاش الإقطاع العسكري فترات طويلة في أوربا فى العصور الوسطي.وكانت بدايته في مصر في عصر الرعامسة ..

ولا يزال الاقطاع العسكرى قائما فى مصر ، ليس فقط فى هيمنة الجيش على الأرض المصرية ، وبميزانيته المستقلة التى لا يملك أحد من الشعب معرفتها ، ولكن أيضا بتوزيع الأراضى على أنفسهم وأتباعهم بأثمان رمزية ، بل حين يقوم بعض الناس باستصلاح أرض يغتصبها قادة العسكر باعتبارها منطقة عسكرية ، أو يقيم بعض اللواءات من الشرطة والجيش جمعيات تستولى على هذه الأرض .

 3 ـ والقرآن الكريم يعطي أضواء علي نظام الإقطاع العسكري الزراعي الفرعوني، ويظهر ذلك في تكرار كلمة" حشر" في أفعال فرعون، أي أنه كان يحشد جنده وأتباعه من كل مكان فى العمران المصرى ليأتوا اليه فى مكان محدد وموعد محدد. يقول سبحانه وتعالي يصف نوعية الحشد العسكري الفرعوني الذي يضم كل المدن المصرية والقرى الزراعية، يقول جل وعلا: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ،فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ،إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ،وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ،وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ،فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ،وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ،كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) ( الشعراء 53 : 56 ) . أي أن فرعون أرسل منشورا إلي قادة الجيش في كل أنحاء المدائن المصرية ليحشروا ـ أو ليحشدوا ـ قواتهم ويسيروا بها إلي فرعون ، وذلك المنشور يقول أن بني إسرائيل شرذمة قليلة ولكنهم يسببون الضيق للفرعون وأنه يحذرهم ، وطبقا لذلك الأمر خرج كل الجنود من اقطاعاتهم الزراعية وكنوزهم التي يديرونها ويشرفون عليها ، ووصفها رب العزة جل وعلا  بقوله : ( فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ،وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. "( الشعراء 57 : 58 ) . ويتكرر نفس المعني في قوله تعالي: ( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ،وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ،وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ) ( الدخان 25 ـ ).

4 ـ ويعتبر فريدا فى وقته هذا الحشد العسكرى القادم من جميع العمران المصرى ليتجمع فى نقطة واحدة مركزية هى الفرعون . ونلاحظ تحكم قبضة فرعون المركزية فى الحكم ، فالحكام فى المقاطعات هم الملأ  التابعون المخلصون له ، وهو الذى يملك تعيينهم وعزلهم وقتلهم . ثم ـ وهذا هو الأهم ـ إنه لا بد من وسائل اتصال قوية ومرنة و مستمرة تعزز من التواصل والاتصال بين االفرعون وأؤلئك القادة ، وتجعل الفرعون كأنه موجود فى كل مكان . ووسائل الاتصال تلك من أهم وسائل السلطة المركزية المستبدة فى التحكم فى كل اطراف دولتها.

5 ــ وفى القرآن الكريم إشارات إلي نظم متفوقة في الاتصال بين فرعون في عاصمته وفرق جيشه في سائر العمران المصري القديم . وعن طريق ذلك الاتصال المستقر والمستمر كانت كل فرق الجيش وكل قوم فرعون في متناول يده في اللحظة التي يريدها ، ويكفي انه جمع جنوده من كل الإنحاء ولحق بموسي . وفى القرآن الكريم مثلان على دقة وتميز النظام الفرعونى فى الحشد و الحشر. أولهما ينتمى الى الأعمال المدنية ، حين تم تجميع كل السحرة من كل أنحاء مصر ليأتوا فى وقت محدد للمباراة مع موسى : ( قَالَ لِلْمَلإٍ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ، يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ، قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ، يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ، فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ، وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ ، لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمْ الْغَالِبِينَ) ( الشعراء 34 ـ ) ، إذن ذهبت الرسل إلي كل المدائن تجمع أمهر السحرة وتنقلهم إلي العاصمة في وقت محدد . ثم اندست مجموعات أخري من التنظيمات السرية للملأ الفرعونى بين الجماهير تحثهم علي حضور المباراة المرتقبة. وحتى يزيدوا في إثارة الجماهير لمشاهدة المباراة فإنهم لا يقطعون بفوز السحرة وإنما يقولون: لعل السحرة يفوزون . : (وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ ، لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمْ الْغَالِبِينَ).

ويقول تعالى يحكى عن فرعون بعد أن شهد آية موسى فى العصا و اليد : (قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنتَ مَكَانًا سُوًى قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى ) ( طه 57 : 60 ) 
هنا يتحدث الفرعون بلهجة الواثق من نفسه ، فيطلب من موسى أن يحدد ساعة الصفر مقدما ، ولأن موسى يعرف قدرة الفرعون على الحشد و الحشر فإنه يقول للفرعون: (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ) ، وبسرعة يتصرف الفرعون مستغلا إمكانات الدولة فى الحشر وفى الحشد ،أو بالتعبير القرآنى (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى ). فالقرآن يصف أجهزة فرعون في الاتصال والتأثير في الجماهير بأنه " كيد" وهو أفضل تعبير عن الأجهزة السرية التي تخدم الحاكم المطلق.

أما المثل الآخر فى الحشد والحشر فقد كان عسكريا . وطبقا للنظام الاقطاعى العسكرى فقد كان جند الفرعون موزعين فى الأقاليم يشرفون على الزراعة وتسيير أمور المملكة ، ويحكمهم نظام إتصال على أعلى مستوى متقدم فى ذلك الوقت ، مركزه قصر الفرعون . ومن الطبيعى أن يكون الحشد العسكرى أهم وأخطر أنواع الحشد . وحين علم فرعون بنية موسى على الهرب ببنى اسرائيل أمر نظامه فى الحشد و الحشر بتجميع كل الجنود من كل اقاليم مصر، فتم ذلك بسرعة جعلت جيش فرعون يكاد يلحق ببنى اسرائيل ويكاد يفتك بهم لولا التدخل الالهى ، يقول جل وعلا (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ،فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ،إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ،وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ،وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ،فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ،وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ،كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) ( الشعراء 52 : 59 ) 

المخابرات الفرعونية  
1 ـ نستشفّ مما سبق وجود جهاز أمنى متشعب ومتعمق فى العمران المصرى ،  نتحدث هنا عن الأجهزة السرية للفرعون ،  كان منهم جهاز دعائى سرى يتخصص فى التأثير على الجماهير ، وسبق أن أشرنا اليهم فى سياق التعرض لقوله جل وعلا :(وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ ، لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمْ الْغَالِبِينَ). وربما كان منهم ذلك ( الرجل ) الذى كان في أطراف المدينة ، وعلم بالمؤامرة فجاء وحذر موسي :(وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) ( القصص 20 ). ربما كان يعمل ( مرشدا ) للملأ المحلى ، وربما كان من بنى اسرائيل فخاف على موسى فبادر بنصحه.ولا نستبعد وجود قارون عميلا للفرعون ضمن اجهزة الفرعون السرية التى كانت تتلصص على بنى اسرائيل.. 

2 ــ ولكن أخطرهم هم اولئك الذين يعملون فى الشرطة والجندية ويتخصصون فى إرهاب الناس.وقد تتبع عملاء فرعون وجواسيسه كل أفراد بني إسرائيل في عصر موسي ، ولم يشعر بهم بنو إسرائيل ، ولم يشعر موسي أو هارون بذلك النظام السري الفرعوني الذي يعد عليهم أنفاسهم.وتطلب الأمر أن يوحي الله تعالي لموسي يحذره من أولئك الجواسيس ، وجاء ذلك الوحي قبيل اللحظة الحاسمة" ساعة الصفر" أي وقت هروبهم من مصر للشرق.يقول تعالي: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ )( الشعراء 53 ) (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ )( الدخان 23 ). أي كان بنو إسرائيل " متبعون" أي خلفهم جواسيس فرعون يتبعونهم حيث تحركوا .ومع إنهم تحركوا في ظلمات الليل سرا فإن البوليس السري الفرعوني ما لبث أن اكتشف السر وسارع بإبلاغه إلي فرعون ، وسرعان ما أرسل فرعون بالمنشور الذي يحشد به كل قواته من كل أنحاء مصر . ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ..)"
3 ــ واضح هنا أن النظام السري لفرعون كان يتكون من درجات مختلفة السرية .ودليلنا علي ذلك ـ أيضا ـ ما نستشفه من قوله تعالي: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ."( يونس 87 ). فالله تعالي يأمر بني إسرائيل بأن يقيموا الصلاة في بيوت سرية خاصة في أنحاء مصر ، وقد جاءت هذه الآية بعد آيات أخري تفيد خوفهم من اضطهاد فرعون إلي درجة أن ذرية قليلة من بني إسرائيل هي التي آمنت لموسي ووثقت به . وتطلب الأمر أن يعتصموا بالله ويتوكلوا عليه ليستعينوا به في كربهم أمام اضطهاد الفرعون: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ) ( يونس 83 ) .
ومعني ذلك أن رموز الإرهاب كانت تحيط ببني إسرائيل من الشرطة العلنية ونصف السرية.
وبعد أن كانوا يصلون لله في بيوت سرية فإن الأعين الفرعونية شديدة السرية كانت تلاحقهم. وحذر الله جل وعلا موسي من ذلك النظام السري الجهنمي . وفي النهاية أسرع فرعون بكيده إلي حتفه.

4 ـ ولأن جهاز الحكم الفرعون كله يخضع للمركزية الشديدة بما فيه نظام الاقطاع العسكرى فإن كل أفراد النظام المشرف على الحقول وإدراة الدولة مدنيا وإقتصاديا وعسكريا قد لحق بالفرعون فى ( نزهته الحربية) لكى يؤدب بنى اسرائيل الذين أرادوا الخلاص من إرهابه والتحرر من استبداده.وقد غرق نظام الحكم الفرعونى مع فرعون فى البحر الأحمر . وبقى الشعب المصرى العامل فى الحقول .  

هل يشمل تعبير " قوم فرعون " كل المصريين ؟

1 ـ هنا نسترجع قوله جل وعلا : :( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) القصص ). ولقد كان بنواسرائيل وقت فرعون موسى أقليه تحتلف فى الدين والعرق عن بقية المصريين ، ومع ذلك فإن رب العزة يعتبرهم من ( أهل مصر ) أى مصريين : (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ  ). وهذا هو حضيض الفساد .بينما إعتتبر فرعون وجهاز دولته ( العميقة ) : قوم فرعون أو آل فرعون أو ملأ فرعون .

وقد جمع فرعون دولته ونظام حكمه من كل الأنحاء ليطارد بهم خصومه، فغرق وغرقوا معه تاركين خلفهم أرض مصر الزراعية عامرة بما فيها من كنوز وجنات وعيون. ومعناه أن الفلاحين المصريين كان لا شأن لهم بما يجري من السياسة الفرعونية وتطوراتها.ولم يكن منتظرا أن يتركوا حقولهم ليحضروا مؤتمرا للفرعون في العاصمة، ولم يكونوا مؤهلين ليشتركوا في أعمال عسكرية. كان الفلاحون من ضحايا الفرعون شأنهم في ذلك شأن بني إسرائيل فنجوا من الغرق ورضوا بتحمل الظلم ـ ولا يزالون.

2 ـ يقول مؤرخ عصر الرعامسة أن أحقر المهن جميعا هي مهنة الزراعة التي يفني فيها الفلاحون ، وكانوا يتعرضون لأذى سادتهم . ويستغلهم السادة ومحصلو الضرائب علي السواء " وهذه هى حال رجل الحقول . تسجن زوجته ويؤخذ أولاده رهائن"( نفس المرجع 139) . أى نظام الرهائن المعمول بهم فى الدولة الأمنية الحالية فى مصر . تؤخذ الأم رهينة حتى يسلّم الابن المطلوب نفسه للشرطة .

، يقول بيير مونتييه: (  وعندما تبدأ سنابل القمح في الاصفرار يري الفلاح سادته ومعهم عدد كبير من الكتبه والمساحين والموظفين ورجال الشرطة يبدأون عملهم بمسح الحقل ثم يقدرون كمية الحبوب بالكيل ، ويكونون فكرة دقيقة عما يستطيع الفلاح أن يقدمه إلي مندوبي الخزينة ، وبعد إتمام الحصاد يحضر الكتبة والكيالون فيستولون علي المحصول ويعاقبون الفلاح الذي يخفي جزءا من المقرر عليه. ثم يتم تجميع المحاصيل كلها في صوامع ضخمة علي شكل أقماع السكر". ( نفس المرجع 154 )

وما سجله مؤرخو عصر الرعامسة كان يتكرر في العصرين المملوكي والعثماني ويتكرر بعضه فى دولة العسكر الحالية .

بين عسكر الفرعون ( الرعامسة ) والعسكر المصرى الحالى

فى الوقت الذى كان فيه الرجل الأوربى لم يهبط بعدُ من على الأشجار كان الفرعون من الرعامسة يحشد جيشه وقومه كما لو كان معه ريموت كنترول .

الدولة العسكرية الفرعونية كانت أقوى دولة فى العالم المعروف وقتها . مصر مع بداية حكم العسكر فى الخمسينيات والستينيات كانت تناطح أمريكا والغرب واسرائل ، وانهزمت وفقد سيناء ، وانتهى بها الحال الآن فى عهد السيسى تابعة للسعودية ودول الخليج وتتصارع مع حماس وقطر . الدولة العسكرية المصرية الفرعونية حولت مصر الى ( مدائن ): (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ). وكان الريف المصرى جنات وعيونا . تحولت مدن مصر وقراها الآن الى أكوام زبالة تحت حكم العسكر الحالى.

فرعون موسى كان يحكم وفقا لثقافة عصره فى الاستبداد والفساد . عسكر مصر الآن يحكم بالاستبداد والفساد مخالفا لثقافة عصرنا ، عصر الديمقراطية وحقوق الانسان . 

 

 

الدولة العميقة بين الرئيس السيسى وفرعون موسى ( 2 من 4 )   

السيسى وفرعون موسى : العلو الذى يصل الى التأليه : ( أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى )

  

    في الجمعة 06 مارس 2015

 

العلو فى الأرض يعنى التأليه صراحة أو ضمنا :

لا زلنا نتدبر قوله جل وعلا : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)( القصص ) .

1 ــ إن صاحب الحق الوحيد فى ( العلو ) هو الخالق رب العزة جل و ( علا ). فمن أسمائه جل و ( علا ) : (الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) الرعد) .  هو وحده المستحق للتسبيح لأنه الذى له وحده حق ( التعالى ) على مخلوقاته ، لذا نقول ( سبحانه وتعالى ) ويتكرر قوله (جل وعلا):( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل ، يونس 18) الروم40 الزمر 67 ) (سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) القصص )( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) الانعام ). وبالتالى فمن يزعم العلو فى الأرض إنما يُنازع رب العزة جل و ( علا ) فى صفة من صفاته .

2 ـ النبى محمد عليه السلام لم يكن متعاليا وهو قائد دولة المدينة ، ولم يكن فظّا غليظ القلب ، بل كان يتعرض لأذى المنافقين ويصبر وينزل الدفاع عنه من رب العالمين فى القرآن الكريم ( التوبة 61 ) ووصل إيذاء المنافقين له الى وصفه عليه السلام بالأذل والتهديد بطرده من المدينة ( المنافقون 8 )، وكان لا يردّ على الأذى بل يصبر الى أن ينزل رب العزة آيات يردّ عنه . ولقد توعّد رب العزة جل وعلا من يؤذى الله ورسوله باللعن والعذاب المهين ( الأحزاب 57 ) ، وحذر المؤمنين فى المدينة من إيذاء النبى كما كانت بنواسرائيل يؤذون موسى ( الأحزاب 69 ).

3 ــ المستفاد من هنا تأكيد الاسلام على تشريع المساواة بين البشر فى حقوقهم السياسية ، فهذا خاتم النبيين القائد لدولة يتعرض لنقد يبلغ السّب والإهانة ، وهو عليه السلام يصبر ولا يستخدم مكانته (أو سلطته ) فى القصاص أو عقوبة منتقديه. ولوفعل ما إعترض عليه أحد  ، وهو ــ طبقا لتشريع الاسلام ــ لا يملك مصادرة حقهم فى الاعتراض السياسى أو فى تنظيم مظاهرات ضد الاسلام نفسه تسير فيها جماعات المنافقين والمنافقات فى شوارع المدينة تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف . الرد الوحيد هو قيام مظاهرات من المؤمنين والمؤمنات تأمر بالمعروف وتهى عن المنكر ( التوبة 67 ـــ ).

4 ـ محمد عليه السلام خاتم رسل الله جل وعلا لم ( يعلُ ) برأسه على الآخرين لأن ( العلو ) حق لله جل (وعلا ) وحده .ومن يسعى للعلو فى الأرض أو يصل الى الحكم مستبدا عاليا فى الأرض إنما يرفع نفسه فوق مكانة النبى محمد عليه السلام ، أى يرفع نفسه الى مرتبة الألوهية ، لأن البشر كلهم متساوون فى البشرية وفى العبودية لرب العزة .  ولذا إرتبط علو فرعون وإستعلاؤه بزعم الالوهية ، وأعلن هذا فى مؤتمر حشر وحشد له الناس : (  فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24) النازعات). 

كان فرعون موسى مُغرما بعقد المؤتمرات يحشد فيها أتباعه ، وينادى فيهم بما يقول معبرا عن ربوبيته العليا للمصريين : ( فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24) النازعات ) . وفى مؤتمر آخر أعلن انه لا إله لهم غيره وأمر هامان أن يبنى له صرحا لكى يرى إله موسى متهما موسى بالكذب : ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ (38) القصص ) وفى واحد من مؤتمراته كان يتكلم فيها ساخرا بموسى معبرا عن ملكيته لمصر بما فيها : ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)الزخرف ) .والمطبلاتية  كانوا يهللون له ، مهما إستخف بعقولهم ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (54) الزخرف ). ولا يزال نفس المطبلاتية حتى اليوم يصاحبون كل فرعون ، يتراقصون فى موكبه سواء كانوا من رجال الدين أو من غلمان الاعلام . وخلال عدة أشهر من حكمه أصبحت عادة للسيسى أن يعقد المؤتمرات متلاعبا بالكلمات الناعمة للمصريين ويرقص له فى دولته خصيان الإعلام الذين كانوا من قبل يهتفون لمبارك .  

5 ـ من ينتقد رب العزة جل وعلا يكون كافرا ، لأنه جل وعلا المستحق وحده للثناء والحمد والتسبيح والتمجيد : (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) الاسراء ).

المستبد الذى ( يعلو ) فى الأرض منافسا لرب العزة يتحكم فى الاعلام ويجعله آلة تسبح بحمده . قام الاعلام المصرى بواجبه فى إنتقاد الرئيس الإخوانى مرسى فتسبب فى سقوطه ، وجاء السيسى ممثلا للدولة العميقة ، وأول ما فعله هو السيطرة على الاعلام ومطاردة الاعلاميين الأحرار ، فأصبح الاعلام المصرى خلال أقل من عام عارا لا يعرف سوى التسبيح للسيسى . السيسى بهذا يرفع نفسه فوق خاتم النبيين الذى لم يكن عاليا فى الأرض ، وكان خصومه يتطرفون فى إنتقاده ويصبر عليهم رحمة بهم . إذا كان السيسى يفعل هذا ولم يُكمل عاما فى الحكم فماذا سيفعل فى المستقبل ؟ .

من اسف فإن السيسى ـ حتى الآن ـ وهو لم يكمل عاما فى الحكم يسير على سُنّة فرعون موسى فى الاستبداد السياسى . كان فرعون موسى يرى نفسه وحده صاحب الرأى الصواب حتى لو أمر بقتل موسى : ( قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) غافر ) ـ  ومن يُعارض فرعون يكون مصيره القتل والتعذيب الشديد كما حدث للسحرة (قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى (71) طه ) . جريمة السحرة أنهم آمنوا دون أن يستأذنوا فرعون ، كما لو كان فرعون يملك قلوبهم.

السيسى يجتهد فى ملاحقة المخالفين له فى الرأى بالسجن والتعذيب والقتل . والسيسى يطارد خصومه السياسيين بقوانين يكتبها له الخدم من أتباعه ، ويُصيغونها فى صياغة هُلامية مطاطة ، يمكن تطبيقها على النبى محمد عليه السلام نفسه ، لو كان يعيش فى دولة السيسى . شىء مُقزّز ومُقرف ومُؤسف أن ينفرد شخص واحد بالتحكم فى 80 مليونا من المصريين ، ويُطارد منتقديه بأجهزته العسكرية والأمنية والقانونية والقضائية ، بحيث صارت أحكام القضاء المصرى فى خلال عدة أشهر من حُكم السيسى عارا على الحضارة الانسانية .!!. ومع هذا يقول أحد خدم السيسى من القضاة إنهم أسياد البلد .!!

6ــ إن الله جل وعلا وحده هو الذى لا يُسألُ عما يفعل ، ومن عداه فهم مساءلون: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) الأنبياء ) . يقول جل وعلا بعدها لخدم وطواشية المستبد : (أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِي وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) الأنبياء )

هل سيسير السيسى على دأب فرعون الى أن يقول  :( أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى )

1 ــ خلال هذه الأشهر القليلة من حكمه أكثر السيسى من عقد المؤتمرات لقومه سيرا على ( دأب فرعون ) أو سُنّة فرعون . وتميز بخطاب دينى يقول فيها لفلان ( ربنا بيحبك ) ويقول لآخرين إنه سيحاججهم أمام الله جل وعلا يوم القيامة . يتصور السيسى بهذا أن له حظوة عند الله جل وعلا بحيث يشكو الآخرين ، ولا يشكوه الآخرون . لو كان يؤمن فعلا باليوم الآخر لأختلفت سياسته بل وإختلف التاريخ الحالى لمصر والشرق الأوسط بسبب موقع مصر وريادتها . لو كان يؤمن فعلا باليوم الآخر لتخيل ضحاياه من القتلى والمساجين والجوعى والمُعذبين يشكونه لرب العزة جل وعلا يوم الدين . بالتأكيد هو لا يرى هذا ، وبالتأكيد هو لا يؤمن بهذا ، لأنه ــ كما قلنا ـ لو آمن باليوم الآخر لكان شخصا آخر غير الذى نعرفه .

2 ــ إن اليوم الآخر هو يوم ( التغابن ) أى رفع الغبن والظلم الذى يقع على المظلومين . إن الله جل وعلا لا يريد ظلما للناس ( آل عمران 108 ) ( غافر 31 ) ، وتكرر فى القرآن الكريم أن الله جل وعلا لا يحب القوم الظالمين ويجعل الكافرين هم الظالمين . ويوم الحساب سيكون بالعدل المطلق بالقسط المطلق : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) الأنبياء ). وفيه سينجو ويكون آمنا من عاش دنياه مؤمنا لم يخلط إيمانه بظلم ( الانعام  82) وخاب خسر من حمل ظلما ( طه 111 ). ولكن الله جل وعلا وضع البشر فى هذه الدنيا فى محنة الاختيار والاختبار . منحهم حرية الايمان والكفر والطاعة والمعصية ، ثم هم اليه راجعون ليحاسبهم يوم الدين بالعدل المطلق ، حيث ينتصف فيه المظلومون من الظالمين .

الذى يؤمن باليوم الآخر يتحسب لهذا ، ويحرص أن يخرج من إختبار الدنيا دون أن يظلم فردا ،  فماذا بمن يظلم شعبا  ؟ ثم ماذا إذا كان يمارس هذا الظلم ويتحدث عن رب العزة كما لو كان الناطق باسمه ، وكما لو كان هو الذى سيتهم الآخرين دون أن يتهمه الآخرون ؟ . إرتكب السيسى هذا الاستهزاء برب العزة مٌصطنعا الإستظراف المصرى الذى تميز به فرعون موسى حين كان يسخر بموسى فى مؤتمراته العلنية . خلال عدة أشهر فقط  فعل هذا .  فماذا سيفعل لو ظل فى الحكم ثلاثين عاما مثل مبارك ؟.

3 ــ لا نتصور أن يجرؤ السيسى على أن يقول صراحة ما قاله فرعون موسى فى زعم الالوهية المطلقة والربوبية العليا . ولكنه بخطابه الدينى السلفى هذا مُرشّح أن يكون مثل بقية الحكام المتألهين الذين تشقى بهم هذه المنطقة ، والذين أوصلوها للخراب .لا يوجد خراب فى العالم اليوم إلا فى بلاد المحمديين ..

ولكن يبقى الفارق الأساس بين السيىسى وفرعون موسى : التوبة . التفصيل فى المقال القادم .

 

الدولة العميقة بين الرئيس السيسى وفرعون موسى ( 3 من 4 )                                                       

السيسى وفرعون موسى : من الكفر الى التوبة

  في السبت 07 مارس 2015

 

 الكفر السلوكى بين فرعون موسى و السيسى

1 ــ المؤمن بالأخرة يعتبر حياته فى هذه الدنيا طريقا ليفوز بالجنة . وحتى لو أخطأ فإنه يتوب قائما بشروط التوبة الصادقة التى جاءت فى قوله جل وعلا : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (82) طه ). الذى يريد الدنيا كافرا بالآخرة غير آبه بها قد يكون مسالما لا يؤذى أحدا ولا يظلم أحدا ولا يسعى للعلو فى الأرض بالفساد . هذا مسالم فى السلوك ، وعقيدته هو مسئول عنها أمام رب العزة جل وعلا يوم الدين . هناك كافر بالآخرة قلبيا وسلوكيا يصل كفره السلوكى الى طلب العلو فى الأرض بالفساد حيث يركب أقفية الملايين من المسالمين ، ومن يعترض عليه منهم يسومهم سوء العذاب . هذه هى ( الفرعونية ) التى كانت فى الدولة المصرية العميقة ــ ولا تزال حتى الآن .

2 ــ قلنا إن المستبد الذى يفرض نفسه ( أعلى ) من الآخرين لا بد له من إستعمال القوة ضد الآخرين لينحنوا له ويستطيع العلو عليهم وركوبهم وإسترقاقهم ،أى لا بد من أن يقترن علوه بالفساد فى الأرض. وهذا ما حدث من فرعون موسى .وصفه رب العزة جل و (علا ) فقال فى بداية سورة القصص :( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) القصص )فإرتبط هنا العلو بالفساد ،ثم ختم رب العزة سورة القصص بآيات للعبرة منها قوله جل وعلا : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)( القصص ) .وعن ارتباط العلو بالفساد قال عنه جل وعلا : ( إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِنْ الْمُسْرِفِينَ (31) الدخان )، اى اسرف فى الفساد .

3 ــ هذه النوعية من الفساد هى أحطُّ دركات الكفر السلوكى لأنه يعنى إرهاب الناس بالقتل والسجن والتعذيب ليستسلموا للمستبد ويتنازلوا له عن حقوقهم .  هذا الاضطهاد للمسالمين يسميه رب العزة ( فتنة ) ويجعله أشد من القتل وأكبر من القتل ، لأنه قتل لكرامة الانسان وحريته . يقول جل وعلا : (  وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ  ) (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ ) ( البقرة 191 ، 217 ) ، وفعلا فإن الموت قتلا ـــ  للمؤمن المسلم الحُرّ ــ خير من حياة ذليلة فى ظل حكم مستبد . 

3 ــ و قلنا إن ( الفتنة ) فى المفهوم القرآنى تعنى الاضطهاد للمسالمين . وهذا ما فعله فرعون موسى حين إصطنع سياسة ( الفتنة ) أى الاضطهاد الهائل لخصومه ، وأباح لنفسه قتل معارضية وتعذيبهم ، وبسبب سطوته إرتاع قوم موسى خوفا من ( فتنة ) فرعون بهم .. يقول جل وعلا : ( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُسْرِفِينَ (83) يونس )، أى بسبب الرُعب من الارهاب الحكومى الفرعونى فإن السواد الأعظم من قوم موسى إبتعدوا عنه خوفا من فرعون أن يفتنهم أى يعذبهم ، وقد كان عاليا فى الأرض ومن المسرفين .

هو نفس الاحساس الذى يعيشه المصريون فى ظل حكم العسكر الحالى ودولته البوليسية منذ 1952 . من تغضب عليه السُّلطة يتجنبه الناس خوفا من ارهاب السلطة . إذكر أننى بعد أيام من خروجى من السجن فى أواخر عام 1987 قابلت بالمصادفة صديقا عزيزا فى ميدان الأوبرا ، حين إلتقت عينانا لمحت فى عينيه الذعر الشديد حين رآنى ، وأسرع بالسلام .. وأختفى بسلام . !!

4 ــ الذى يرتكب الفتنة أو إضطهاد معارضية سياسيا أو دينيا هو كافر بسلوكه المُعلن هذا . جاءت كلمة (الفتنة ) الدين وصفا لكفار قريش الذين تابعوا المؤمنين بالهجوم الحربى عليهم فى المدينة ، وهذا قبل أن ينزل للمؤمنين تشريع القتال الدفاعى . قال جل وعلا عن كفار قريش وفتنتهم المؤمنين بالقتال الهجومى :( وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا )(217) البقرة  ) . أى من يفعلون هذا فهم كفار ، ويجب قتالهم حتى يكفوا عن إعتدائهم وفتنتهم أو إضطهادهم للمُسالمين .

ويقول جل وعلا : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) البقرة ) (  وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) الانفال ). وهنا جاء المقصد الأعلى من تشريع القتال الدفاعى فى الاسلام ، وهو منع الفتنة أى الاضطهاد للمسالمين ، مهما إختلفوا فى الدين . الاسلام يقوم على السلام والعدل والحرية الدينية المطلقة ، حيث لا ( إكراه فى الدين ) ليكون الناس أحرارا فى إختيارهم الدينى فى هذه الدنيا ومسئولين عن هذا الاختيار (يوم الدين ) أمام ( مالك يوم الدين )، وسيحاسب فيه رب العزة ( مالك يوم الدين ) الناس أجمعين وينبئهم بما كانوا فيه يختلفون . وهذا معنى أن يكون الدين لله جل وعلا ، أى يجب أن يكون الدين لله جل وعلا وحده بلا إضطهاد وبلا إكراه فى الدين الى أن  يحكم فيه رب العالمين وحده.

من حق المظلومين تكفير الباغى الظالم الذى يمارس الفتنة ( الاضطهاد للمسالمين ) 

1 ــ والمؤمنون حين يقاتلون العدو الباغى المعتدى يكفّرونه أى يصفونه بالكفر ( السلوكى ) بناء على بغيه عليهم وإعتدائه عليهم ومعناتهم من ظلمه ووحشيته. لذا هم يدعون ربهم جل وعلا قائلين : ( أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) البقرة ) . يدعون الله جل وعلا أن ينصرهم  على ( القوم الكافرين ). أى يصفونهم بالكفر . فالله جل وعلا هو مولاهم لأنه لا يحب المعتدين ، وقد قال جل وعلا فى تشريع القتال الدفاعى (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) البقرة  ). فالله جل وعلا لا يحب المعتدين الكافرين ، وينصر المظلومين الذين يقاتلون أولئك الكافرين المعتدين دفاعا عن حريتهم .

وهكذا كان يفعل الأنبياء السابقون فى تكفير خصومهم الذين يهجمون عليهم حربا ظلما وعدوانا : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)آل عمران ) . تكفير الباغى هنا أمر مشروع ، ولهذا قال جل وعلا عن أولئك المؤمنين المُسالمين الذين أُضطروا للقتال الدفاعى :( فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) آل عمران  ). هؤلاء المؤمنون المُسالمون المقاتلون دفاعا عن أنفسهم وحريتهم وصفوا أعداءهم بالكفر . وكوفىء أولئك المؤمنون من رب العزة بأن أتاهم ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة ، ووصفهم بالمحسنين .

2 ــ والمسالمون العاجزون عن القتال الدفاعى حين يتعرضون لاضطهاد ظالم باغ فمن حقهم تكفير ذلك الباغى ووصفه بالكفر بناء على إجرامه فى حقهم . هكذا فعل موسى عليه السلام وابراهيم عليه السلام .

لقد إشتكى بنو اسرائيل لموسى ما أصابهم من الاضطهاد : ( قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا )(129) الأعراف ). ونسترجع الآية الكريمة من سورة ( يونس ) عن إضطهاد فرعون لبنى إسرائيل : ( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُسْرِفِينَ (83) يونس ) ونقرأ الآية التى بعدها : ( وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) يونس ). هنا وصفوا فرعون وآله بالقوم الظالمين والقوم الكافرين بناء على السلوك أو ( الفتنة ) اى الاضطهاد الظالم لقوم مسالمين .  اى إنه من حق من يتعرض للإضطهاد أن يصف الظالمين البُغاة المعتدين بالكفر طبقا لسلوكياتهم .

نفس الحال مع ابراهيم عليه السلام وقد تعرض لاضطهاد من قومه وصل الى درجة أنهم ألقوه فى نار محرقة ( كما تفعل داعش اليوم ) . دعا ابراهيم عليه السلام ربه جل وعلا أن ينجيه من فتنة القوم الكافرين : ( رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ) (5) الممتحنة ). أى وصفهم بالكفر بناء على ما يفعلون .

التوبة بين فرعون موسى والسيسى

1 ــ الفارق بين فرعون موسى والسيسى أن السيسى لا يزال حيا يملك وقتا للتوبة قبل الموت ، وهو يستطيع لو أراد . أما فرعون فلم يتذكر التوبة إلا عندما أشرف على الموت غرقا . ولم يتقبل الله جل وعلا توبته . يقول جل وعلا: ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (90) أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) يونس ). ولهذا نكتب لا لتكفير السيسى ولكن لوعظه ليلحق بقطار التوبة قبل فوات الأوان . ونعطى بهذه المناسبة تفصيلات عن التوبة فيما يخص موضوعنا :

2 ــ معنى التوبة : تعنى تصحيح الايمان والتركيز على العمل الصالح وإلتزام الهداية حتى الموت. يقول جل وعلا : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (82) طه ).

تصحيح الايمان قد يكون سهلا لمن لديه رغبة فى الهداية . وقد أتى علينا حين من الدهر كنا نؤمن فيه بشفاعة النبى محمد وبأحاديث ما أنزل الله جل وعلا بها من سلطان . ثم تحررنا من هذا الإفك . قد يكون سهلا التخلص من الشرك العقيدى والتوبة منه ، لذا يقول جل وعلا ــ مثلا ــ عمّن يجعل الله جل وعلا ثالث ثلاثة: العقيدى ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)). ثم يدعوهم الى التوبة والاستغفار : ( أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) المائدة ).

المشكلة الحقيقية هى فى الكفر السلوكى الذى يعنى ظلم البشر وسلب حقوقهم . التوبة هنا تستلزم رد الحقوق لأصحابها ، فإذا ظلمت فردا واحدا وتُبت ، فعليك أن ترد له حقه وأنت حىّ على الأرض تسعى . وإذا لم تستطع لظروف خارجة عن إرادتك فعليك بكثرة الأعمال الصالحة وتكثيفها لتعوض مظالمك السابقة قبل التوبة . ولو نجحت فى هذا فإن الله جل وعلا يُبدّل سيئاتك حسنات . يقول جل وعلا عن كبرى الجرائم من الشرك والقتل والزنا :( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69)الفرقان ) ويستثنى من هذا العذاب المهين الخالد من تاب فى حياته الدنيا وكان له وقت كاف يتمكن فيه من تأدية فرائض التوبة من تصحيح الايمان والاكثار من العمل الصالح بديلا وتعويضا عن أعماله السيئة السابقة حتى يبدل الله جل وعلا سيئاته حسنات فيكون من ( الصالحين ) لدخول الجنة :( إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً (71) الفرقان ).

موعد التوبة : لذا فإن موعد التوبة عنصر فعّال هنا . فالذى يتوب مبكرا هو الفائز لأنه سيجد وقتا طويلا لاصلاح نفسه ، يقول جل وعلا :( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) النساء ) . أما الذى يتذكر التوبة وهو على فراش الموت بعد حياة حافلة بالظلم فلا سبيل لقبول توبته ، يقول جل وعلا فى الآيت التالية :( وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (18) النساء). وهذا ما حدث لفرعون موسى . وهذا ما لا نرجوه للسيسى .!

التوبة فى الدنيا والغفران فى الآخرة

الذى يموت مشركا كافرا دون توبة لا يمكن أن يغفر الله جل وعلا فى الآخرة : (  إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ  ) (48) ( 116 ) النساء)( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) المائدة )

يخطىء البعض معتقدا أن الغفران فى هذه الدنيا بناء على التوبة فيها . ولكن الغفران سيكون يوم الدين ، وبالتحديد يوم الحساب أمام الواحد القهار . ابراهيم عليه السلام دعا ربه أن يغفر له يوم الدين : ( وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) الشعراء )، وهو هنا يوم الحساب ، فهو القائل أيضا : (  رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)) ابراهيم ). وقبلها والمؤمنون مع النبى يسعى نورهم بين أيديهم وأيمانهم يدعون ربهم أن يُتم لهم نورهم وأن يغفر لهم ليدخلوا الجنة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) التحريم )

إن اليوم الآخر أيام ومشاهد فى زمن لا يمكن لنا أن نتخيله . فيه يوم البعث ويوم الحشر ويوم العرض ويوم الحساب ..ونفهم أن البداية بالبعث ، وفيه يرى كل الناس أعمالهم من خير أو شر ، يشمل هذا كل شىء من الأعمال من كبيرها الى أصغر صغيرها : ( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (8) الزلزلة ). يتسلم كل منا كتاب أعماله الفردى ، كما يرى كتاب الأعمال الجماعى الذى يسجل حركته وتاريخ حياته مسجلا بالصوت والصورة وسط مجتمعه وقومه ، ويرى المجرمون كتاب أعمالهم فيرتاعون لأنه لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، ووجدوا ما عملوا حاضرا ، ولا يظلم ربك أحدا : ( الكهف 49).

ثم عند الحساب يكون الغفران لمن تاب وآمن وعمل عملا صالحا ثم إهتدى . والغفران من ( غفر ) أى ( غطى ) ، أى هو التغطية لذنوب التائب حتى لاتهلكه ذنوبه ، ولا يتبقى له سوى عمله الصالح . فهذا التائب يأتى بأعمال صالحة وسيئة ، وبالتوبة المقبولة يغفر له الغفور الرحيم جل وعلا ، أى ( يغطى ) أعماله السيئة بالأعمال الصالحة ، وبهذا يقيه من سيئات أعماله بغفرانها . فهذه السيئات هى التى سيكون بها عذاب العاصى يوم القيامة . لذا تدعو الملائكة للمؤمنين بأن يقيهم السيئات  : ( وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) غافر  ). فالوقاية من عذاب الجحيم تعنى الوقاية من سيئات الأعمال التى يقترفها الانسان فى حياته الدنيا ، وستكون هذه السيئات أساس تعذيبه فى النار ، ويقال لهم وهم فى الجحيم : (إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (39)  الصافات ).( اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (16) الطور ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (7) التحريم ).

بين الخاسرين يوم القيامة سيكون الأشد عذابا هو المستبد الذى ظلم شعبا بسلطانه . عندها لا ينفعه ماله ولا سلطانه ، سيصرخ قائلا : ( مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) لحاقة ) ومصيره : ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32)   الحاقة ).

الذين يغفر لهم الغفار الرحيم هم المستغفرون فى حياتهم الدنيا يطلبون الغفران من الغفور الرحيم ، يقول جل وعلا عنهم : (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) آل عمران ) ويقول جل وعلا عن مصيرهم يوم الدين :(أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران ).

نكتب أملا فى التوبة . ونرجو من الله جل وعلا أن يهدينا وأن يجعلنا من التوابين .

 

 

لدولة العميقة بين الرئيس السيسى وفرعون موسى ( 4 من 4 )

بين الرئيس السيسى وفرعون موسى : النهاية والعظة والعبرة

  في الأحد 08 مارس 2015

 

بعد هذا التشابه بين الدولة العميقة لفرعون موسى والرئيس السيسى ، ماهو الدرس وماهى العظة ؟ نقول هذا خوفا من إنهيار الدولة المصرية العميقة الحالية كما إنهارت غرقا من قبل فى عصر موسى ، خصوصا ونحن نشهد الآن تغييرا فى خرائط المنطقة ، وسقوطا متتاليا للدول ، من الصومال الى العراق وسوريا وليبيا .الأخطر من هذا ، أنه حين غرق فرعون ومعه دولته العميقة أصبحت مصر تركة مباحة ( لبنى اسرائيل ). فهل إذا سقطت الدولة المصرية العميقة الحالية ، فهل أيضا سترثها ( إسرائيل ) ؟

إن موضوعا خطيرا كهذا يستلزم توضيحا قرآنيا بقدر ما يسمح به المجال . ونرتبه كالآتى خطوة خطوة :

أولا : تكرار الأمر الالهى بالعبرة والعظة من قصة فرعون دون فائدة

1 ــ تكررت قصة فرعون موسى فى القرآن الكريم بصورة ملحوظة . وهذا التكرار ليس عبثا ، فتعالى رب العزة عن العبث . إن القرآن الكريم كتاب قد أُحكمت آياته ، وهو قول فصل وما هو بالهزل . وهذا التكرار فى قصة فرعوى يحوى إعجازا مستقبليا ، لأن ثقافة الاستبداد الفرعونية ظلت سائدة بعد سقوط فرعون ، وفى قريش فى حربها للنبى ، وفى قريش بعد سنوات من موت النبى . وتأسست الديانات الأرضية للمحمديين  على هذه الفرعونية ، وبها قامت دولهم الدينية والمستبدة . ولأنها متجذرة فيهم فإن السبيل الوحيد هو تغيير هذه الثقافة الدينية من الداخل بالاحتكام الى القرآن الكريم . بدون هذا الاصلاح ــ  الذى لا نمل من التأكيد عليه ــ فستظل المنطقة تعيش فى حلقات مستمرة من الدمار والخراب ، وحين يثورون على مستبد فإنهم يستبدلونه بمستبد آخر . إتبع الغرب  الديمقراطية وحقوق الانسان فتطور وازدهر ، وإتبعتها إسرائيل فهزمت العرب ، وتفوقت على مستوى العالم المتقدم ، بينما لا يزال المحمديون أسرى أديانهم الأرضية وثقافتهم الاستبدادية . يزعمون التمسك بالقرآن ـ ويقرأون صباح مساء قصص فرعون فى القرآن وما حلّ به واللعنة التى حاقت به ، وهم مع ذلك لا يعقلون . التكرار هنا جاء ردا مسبقا على هؤلاء المحمديين الذين إتخذوا آيات الله جل وعلا هزوا ، وسيكون كتاب الله جل وعلا حكما عليهم يوم القيامة .

2 ـ وفى هذا التكرار تأتى الاشارة الى العبرة والعظة بعد ذكر ما حاق بفرعون ودولته العميقة . لقد جعل رب العزة جثة فرعون باقية ليكون لمن خلفه آية وعبرة : ( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) يونس ). وفعلا ، فإن كثيرا من الناس عن آيات رب الغزة غافلون .ويقول جل وعلا عن غرق فرعون وكيف جعله سلفا ومثلا سيئا للآتين بعده : ( فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ (56) الزخرف ). وهذه السلفية الفرعونية فى تقديس الحاكم هى السائدة حتى الآن . كلهم سلفيون ، ولكن بآلهة مختلفة ، وزعيمهم هو فرعون موسى .أساس الضلال لدى فرعون موسى أنه لم يكن مؤمنا بالآخرة ولا يعتقد أن مصيره الرجوع الى الله جل وعلا ، لذا علا فى الأرض واستكبر ومعه جنوده فانتهى بهم الى الغرق وتلك عاقبة الظالمين : ( وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) القصص ). يقول جل وعلا يخاطبنا : (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ). فمن منا ينظر ويعى ويتعظ ويعتبر ؟. ويقول جل وعلا عن عاقبته :  ( فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26) النازعات ). يقول جل وعلا لنا : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ) فهل هناك من يعتبر ومن يخشى مما حدث لفرعون فى الدنيا وما سيحدث له فى الآخرة ؟ .

3 ـ وبرغم التكرار القرآنى على الاتعاظ من قصة فرعون نجد المحمديين غافلين عنه تماما . فالطغاة الباغون على ( داب فرعون ) وسنته يسيرون . ونتعجب من خمرة السلطة التى تصيب الحاكم الشرقى . ما إن يجلس على الكرسى حتى تلتصق مؤخرته بالكرسى لا يريد مفارقته ، لا يتركه إلا بعمليه جراحية أو بالقتل. العادة أنه بعد إستمرار المستبد سنوات طوالا فى الحكم أن يرتبط الخلاص منه بسقوط دولته جزئيا أو كليا ، ويصبح مصيرها مرهونا بصراع القوى المحلية والاقليمية والدولية . بدا هذا فى الصومال ، إذ حكم العسكرى سياد برى الصومال مستبدا ، وحين سقط سقطت معه الدولة الصومالية عام 1991. ويتوالى فيما بعد سقوط دول المسلمين ليصبح لدينا نموذجين : ( الصوملة ) أى التجزئة الكلية للدولة وتفتتها ، و( الأفغنة ) أى إعادة تماسك بعض الدولة مع استمرارها فى حروب أهلية . وبين نموذجى الصوملة والأفغنة تتأرجح دول المحمديين من العراق الى ليبيا وسوريا واليمن . وعلى الطريق بقية الدول الاستبدادية الأخرى: مصر والخليج وشمال أفريقيا والسودان  .والغريب أن الحكام الذين لم يسقطوا حتى الآن لا يتعظون بما حدث لرفاقهم المستبدين . ينطبق عليهم قوله جل وعلا عن المنافقين الكافرين بالقرآن الكريم : ( أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) التوبة  )، لا هم يتعظون بالقرآن ولا بما يرونه من سقوط أقرانهم . لا يتعظون من مصير صدام ولا مبارك ولا القذافى ولا زين العابدين ولا على صالح ..

4 ــ كلهم يسيرون فى غياب تام عن الوعى على سُنّة فرعون و( دأب فرعون ). يتخذون فرعون إماما لهم ، فقد جعله الله جل وعلا ودولته العميقة أئمة يدعون الى النار : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (41) القصص )، والى أن تقوم الساعة يظل أولئك الكفرة المستبدون على دأب فرعون يسيرون ، ومصيرهم أن يكونوا وقود النار مثل إمامهم فرعون ، حيث لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم شيئا : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) آل عمران ),

وعند الاحتضار تضربهم ملائكة الموت على وجوههم وعلى مؤخراتهم التى أدمنت كرسى السُّلطة : ( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) الانفال ) ، ( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54) الانفال )

ثانيا : مصير مصر بعد غرق فرعون ودولته العميقة   

1 ـ يذكر رب العزة حقيقتين مجهولتين عن تاريخ فرعون موسى:

1 / 1 :  تمّ تدمير منشئات الدولة العميقة لفرعون موسى ، يقول جل وعلا : ( وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) الاعراف ). وفعلا ، لا توجد آثار لفرعون موسى على الاطلاق لأنه تم تدمير كل ما تركه . ولهذا يتشكك بعض علماء المصريات فى قصة موسى وفرعون بسبب عدم عثورهم على آثار تدعمها .

1/ 2 : أنه بعد غرق فرعون بدولته العميقة فإن ( مصر ) أصبحت أرضا زراعية بفلاحيها وعمالها وأهلها ولكن بلا دولة ، جسما هائلا بلا مركز تحكم ، فعاد بنو إسرائيل الى مصر يسيطرون عليها ردحا من الزمان ، يعيشون فى مصر ( ملوكا ) . قال لهم موسى : (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ (20) المائدة ) ثم جاءهم الأمر بترك مصر و دخول الأرض المقدسة التى كتبها الله لهم ، فرفضوا فحكم الله جل وعلا عليهم أربعين سنة يتيهون فى الأرض ( المائدة 21 : 26 ) . يؤكد رب العزة على أن كل ما تركه هذا الفرعون من جنات وعيون وكنوز ورثته بنواسرائيل : (  فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59)) الشعراء ). وتحققت بهذا مقالة موسى لهم من قبل ، إذ كانوا يشتكون له من عسف فرعون بهم ، وهو يأمرهم بالصبر عسى أن يهلك الله جل وعلا عدوهم ويستخلفهم فى الأرض بعده إختبارا لهم : ( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)  الاعراف ). لذا يقول جل وعلا عن حكم بنى إسرائيل مصر بعد غرق فرعون ودولته العميقة :( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) الاعراف )

 2 ـ نأتى للسؤال المُفجع : هل إذا سقطت دولة السيسى العميقة سترثها وتحكمها إسرائيل ؟ : هذا مستحيل . قد يكون هو الحل الأصلح ولكنه مستحيل الحدوث . هو الأصلح لأنه على الأقل فإن المصرى الغلبان المُسالم سيجد الحماية والأمن بنفس حال الفلسطينى داخل إسرائيل . ولكنه حل مستحيل ، فى حرب 1973. تسللت فرقة من الجيش الاسرائيلى بقيادة شارون وعبرت الى الضفة الغربية من القناة وحاصرت الجيش الثالث المصرى فى السويس ، وكان يبعد 80 كيلومترا عن القاهرة التى كانت بلا حماية عسكرية ، ولكن رفض موشى ديان إحتلال القاهرة حتى لا تبتلع القاهرة بملايينها جنوده وحتى لا يكون مسئولا عن إطعام ورعاية هذه الملايين . الحل البديل هو الأفظع . هى نفس السياسة التى تتبعها إسرائيل وأمريكا والغرب فى التعامل مع العرب والمحمديين : (هم يريدون أن يقتلوا بعضهم فلنساعدهم فى ذلك ). على إفتراض أن لديهم الرغبة المخلصة فإن الغرب واسرائيل لا يستطيعون حل الخلافات بين الشيعة والسنة . الحل المفيد للغرب هو الاستفادة من هذا الوضع بإتاحة الفرصة أكثر لهم لكى يستمروا فى قتال بعضهم . النتيجة هو ما نسميه بالصوملة ( تفكيك الدولة الى دويلات متصارعة ) أو ( الأفغنة ) أى دولة مركزية تواجه تمردات عسكرية مستمرة ومنهكة . ويقوم الغرب ببيع الأسلحة لكل الأطراف وتستمر المذابح . يحدث هذا فى العراق وسوريا وليبيا واليمن ، ولكن الحال سيكون أفظع فى مصر ، ليس فقط لكثرة عدد السكان ولكن أيضا لاكتظاظهم فى مناطق محصورة ، فإذا شبّ حريق الاقتتال الأهلى فى مصر وانتشر بين أهلها السلاح وانقسم الجيش وتأسست الميليشيات وتنوعت مصادر التمويل ( فارسية وخليجية وغربية ) فيستحول مجرى النيل الى اللون الأحمر . نرجو من الله جل وعلا السلامة .

3 ـ كلامنا مؤلم بلا شك . ومهما بلغ الألم منه فهو لاشىء مقارنة بما يحدث من داعش اليوم ، فكيف بها إذا ظهرت قوية هادرة فى مصر ؟ ومن هنا تأتى دعوتنا السيسى للإصلاح والتوبة ، لأن البديل قائم وقادم وقاتم .

ثالثا : مصير كنوز فرعون :

1 ــ  عندما إشتد الاضطهاد الفرعونى بموسى وهارون وقومهما أمرهما الله جل وعلا بالصلاة السرية فى بيوت سرية :( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (87) يونس ) . وفيها دعا موسى وهارون أن يطمس الله جل وعلا على أموال فرعون حتى لا تكون عُدة له فى ضلاله :( وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88) يونس ) واستجاب الله جل وعلا هذا الدعاء: ( قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا )(89) يونس). تم ( طمس ) أموال فرعون فلم يحملها معه وهو يطارد موسى وقومه ، وغرق وقد تركها خلفه فى خزائنها .

2 ـ حتى تتفرغ لممارسة السُّلطة فإن الدولة الفرعونية العميقة كانت ــ ولا تزال ـ تحتاج الى خادم يستثمر لها أموالها ، وكاتت ـ ولا تزال ـ تفضل أن يكون هذا الخادم من الأقلية المقهورة ، لتضمن بإرهابها ولاءه ، فيكفى أن يشهد ما يحدث لقومه من عسفها ليكون مخلصا فى خدمته للدولة الفرعونية ، ثم إن هذه الخدمة لا تعنى لهذا الخادم مجرد النجاة من العسف الذى يعانى منه قومه ، بل أيضا أن يعيش منعما فى ركاب الفرعون . هذا هو الذى حدث من فرعون موسى ، وهو ما يحدث الآن ، من تكوين طبقة من أصحاب البلايين من رجال الأعمال خدما لآرباب الدولة الفرعونية العميقة ، وأكثرهم من الأقباط . بمعنى أن الأغلبية من الأقباط يعانون من الاضطهاد ، ولكن أيضا فإن الأغلبية من رجال الأعمال الخدم للفرعون الحالى هم أيضا من الأقباط . !!

3 ـ ( قارون ) كان هو هذا الرجل فى عصر فرعون موسى . قارون أصلا من بنى إسرائيل ولكن بغى على قومه متحالفا وخادما لفرعون : ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ ) القصص 76 ). وبلغ مكانة هائلة فى دولة فرعون موسى الى درجة أن إسمه يأتى تاليا لهامان وزير فرعون وقائد جيشه ، وكان مثل سادته رافضا لدعوة موسى بإنقاذ بنى اسرائيل من اضطهاد فرعون . يقول جل وعلا : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) غافر )أى قال قارون نفس المقالة عن موسى . ويقول جل وعلا يجعل قارون مقدما على فرعون : ( وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) العنكبوت ) وتأخر الانتقام من قارون ، فلم يصحب فرعون فى حملته ، وبقى بعده الى أن عوقب بالخسف . يقول جل وعلا :( فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) العنكبوت )

4 ــ الفلاحون المصريون المقهورون تحت سلطة الدولة الفرعونية العريقة لم يكن لديهم الاحساس بالانتماء للوطن ، لأنه وطن فرعون وقومه وليس لهم وطنا ، بل هو سجن بالأشغال الشاقة المؤبدة . هو نفس مشاعر المقهورين حتى الآن تحت سلطة المستبد الشرقى . بسقوط دولته تعم الفوضى وينتشر السلب والنهب وتدمير القصور والاستراحات وسرقة الكنوز والمقتنيات . حدث هذا بعد فرعون موسى ، ولا يزال يحدث مع سقوط فراعنة العصر من صدام الى القذافى . المعابد التى أسسها فرعون موسى تم تدميرها ، وكنوزه تم نهبها . من المنتظر أن ينهب الفلاحون الغلابة ما فى المطابخ من طعام ومافى القصور من أثاث ورياش . ولكن قارون كان هو ( العارف ) بمكان الكنوز  والذى ظل حيا بعد غرق فرعون ودولته هو الذى إستطاع نهب كل كنوز فرعون .

فى الفترة التى أعقبت هلاك فرعون ودولته والتى أصبح فيها بنواسرائيل ( ملوكا ) على مصر ووارثين لجناتها وومزارعها تمكن قارون من تجميع كل الكنوز الفرعونية ، وهو الوحيد الباقى من حاشية فرعون والأعرف من غيره بخباياها . بلغت الكنوز الفرعونية الى حصل عليها قارون أن كانت مفاتيحها تنوء العصبة من الرجال بحملها ( القصص 76 ) . وانتهى الأمر بأن خسف الله جل وعلا به وبداره الأرض ، فأصبح لاشىء . وفى نهاية قصته يقول جل وعلا : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) القصص )

 5 ــ وتبقى العبرة . مصير أموال فرعون وقارون هو نفس المصير لأموال كل المستبدين الظالمين الكافرين ، من الأمويين والعباسيين والفاطميين والعثمانيين ..الخ .. وهو نفس المصير الذى نشهده اليوم ، فالمستبد الشرقى ينهب بلده بكل إخلاص ، ويتفنّن فى إخفاء سرقاته فى شركات عابرة للقارات وبنوك (أف شورز ) وعقارات وأسهم وسندات تحت أسماء وهمية ، فإذا وقع وقُتل ضاع عليه كل شىء.، وإذا بقى حيا معزولا أصبح تحت رحمة من يحميه ، ولا يستطيع إسترجاع ما نهبه . ونتساءل : أين ذهبت أموال القذافى ؟ كانت له ممتلكات وإستثمارات فى أمريكا وأوربا ومصر . وحين شبّت الثورة قام بتهريب أطنان من الذهب و الدولارات الكاش الى جنوب أفريقيا. ولقى حتفه مثل فأر مذعور وما أغنى عنه ماله وما كسب . ولكن من يعتبر ؟

  أخيرا

من بين قوم فرعون كان هناك أمير فرعونى كان يكتم إيمانه خوفا من الارهاب الفرعونى . وقد ظل ينصح الفرعون دون جدوى. بل تآمروا عليه وأنجاه الله جل وعلا من مكرهم . وفى النهاية عندما يأس منهم قال لهم : (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) غافر ) بعدها مباشرة كان غرق فرعون دولته العميقة .خير الكلام :

(فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) غافر ).

ودائما : صدق الله العظيم .!!

 

 

 

 

 

بين نقيضين : السيسى وعمر بن عبد العزيز

   في الإثنين 09 مارس 2015

 

مقدمة :

1 ـ ـيلفت النظر نبرة التدين التى تجمع بين الرئيس السيسى والخليفة الأموى عمر بن عبد العزيز . نبرة التدين هذه حين يتميز بها خطاب الحاكم المستبد فهى إسلاميا تضعه فى موقع من إثنين لا ثالث بينهما : إما أن يكون صادقا يطبّق مايقول ، وإما أن يكون مجرما كذابا منافقا .

2 ــ كان عمر بن عبد العزيز حسبما تُجمع الروايات فى تاريخه صادقا ، طبّق ما يرفعه من شعارات على نفسه ، و لم يتردد أن يطبقها على غيره ، وتمسك بمنهجه واقفا ضد أسرته الحاكمة وضد تقاليد عصره ، ودفع الثمن إغتيالا بالسّم ومات شابا لم يكمل الأربعين في رجب سنة 101 هجرية ، بعد أن حكم سنتين وخمسة أشهر فقط . على العكس من ذلك تماما ، نرى السيسى الذى وصل الستين من عمره ، وكان يبكى فى صلاة الظهر خشوعا ليقنع الرئيس مرسى بتقواه ، والذى يهدد شيوخ الأزهر بأنه سيحاججهم أمام الله . الرئيس السيسى بعد أن خدع مرسى ووضعه فى السجن وخدع الشعب المصرى بالكلمات المعسولة والتقوى الزائفة يتواصل فى عهده قتل المصريين فى سياسة عملية واضحة المعالم : تقول لرجل الشرطة : لا محاكمة عليك لوقتلت ، وتقول للشعب تنتظرك المحاكمات والقتل لو تظاهرت .!!.

3 ــ سريعا نقول :  يجمع بين السيسى وعمر بن عبد العزيز أن كليهما كان حاكما مطلقا ، وأن كليهما جاء فى إطار نظام عسكرى إستبدادى ، وأن كليهما واجه معارضة مسلحة ، وأن لكليهما نبرة خطاب دينية . الخلاف بينهما أن عمر بن عبد العزيز كان فى عصر يتنفس الدكتاتورية السياسية ويعتبرها حقا شرعيا للحاكم ، وعمر بن عبد العزيز ورث إمبراطورية مستبدة ترحب به مستبدا كاسلافه ، وتعتبر الخروج عن الاستبداد الملكى ضعفا يُلقى بصاحبه الى التهلكة .  ولكنه ــ إتفاقا مع النبرة الدينية الاسلامية فى خطابه ــ ـ خرج على هذه الشرعية الاستبدادية الظالمة ، وفاجأ العالم بثورة إصلاحية سلمية ، دفع حياته ثمنا لتمسكه بها.أما السيسى فقد جاء فى  عصر الديمقراطية وحقوق الانسان ــ وأوصلته للسلطة جموع المصريين أملا فى تحقيق مبادى ثورتهم ( عيش/حرية/ عدالة إجتماعية ) واستعمل السيسى نبرة دينية اسلامية فى خطابه ، .وحتى الآن وبعد عدة أشهر فى رئاسته فقد قتل السيسى وسجن من المصريين أكثر مما فعله مبارك خلال ثلاثين عاما . الى مزيد من تفاصيل التناقض بين السيسى وعمر بن عبد العزيز  

 أولا : ( عمر و السيسى ) قبل الوصول الى السلطة :

1 ــ  عمر بن عبد العزيز قبل توليه الخلافة

(عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم ). جده هو الخليفة مروان بن الحكم . كان أبوه ولى العهد بعد أخيه عبد الملك بن مروان . وقد تولى عبد العزيز بن مروان مصر . وتوفى عبد العزيز فى حياة أخيه فعهد الخليفة عبد الملك لابنه الوليد ، وزوّج عمر بن عبد العزيز ( إبن أخيه ) من بنته فاطمة بنت عبد الملك . حكم الأمويون بالقسوة المفرطة ، وخصوصا فى الحجاز موطن المعارضة . كان الحجاج بن يوسف هو الوالي علي الحجاز مابين (73 ـ75هـ) في خلافة عبد الملك، فأذاق الناس النكال خصوصا في المدينة. كان عمر بن عبد العزيز رافضا هذا الظلم . وقد تولي عمر بن عبد العزيز إمارة المدينة سنة87هـ وكان شابا عمره خمسا وعشرين سنة . وذلك في خلافة ابن عمه الوليد بن عبد الملك. وفي إمارته علي المدينة أعاد مبدأ الشورى الإسلامي الذي أجهضه الأمويون. وكانت تلك الخطوة هي أول ما بدأ به ، يحكي ابن سعد في ترجمته أنه لما جاء المدينة واليا عليها صلي الظهر ثم دعا عشرة من كبار الفقهاء، في المدينة المشهورين بالورع وهم " عروة بن الزبير ، عبد الله بن عبد الله بن عتبة ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة ، سليمان بن يسار القاسم بن محمد، سالم بن عبد الله ،عبد الله بن عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، خراجة بن زيد بن ثابت" وجعلهم أعوانا له يأخذ برأيهم ولا يقطع أمرا دونهم ويبلغونه بأي ظلم يقع.  وعاشت المدينة المنورة ـ والحجاز ـ أروع الأيام في العصر الأموي في ولاية عمر بن عبد العزيز  (87 ـ93 هـ)  إذ أنصف المظلوم وأطعم الجائع وأمن الخائف، وقام بتوسيع مسجد المدينة ، وحفر الآبار في طريق الحجاج ، وأقام لهم الخانات ومحطات الراحة ، وأنشأ عين ماء فوارة بالمدينة.  فجاءت ولاية عمر بن عبد العزيز بلسما داوي الجراح وأراح النفوس.

 ثم اختلف عمر مع ابن عمه الخليفة الوليد حين أراد الخليفة خلع أخيه سليمان من ولاية العهد ليولي  ابنه عبد العزيز بن الوليد، فرفض عمر بن عبد العزيز أن يوافقه ، فعزله الوليد عن إمارة الحجاز  وسجنه ،  فلم يرجع عمر عن رأيه . وفشل الخليفة الوليد  في البيعة لابنه ، ومات فتولي سليمان الخلافة ، وقد أصبح مُمتنّا لابن عمه عمه عمر بن عبد العزيز فجعله كالوزير معه ، ثم في النهاية عهد له بالخلافة علي أن يكون بعده يزيد بن عبد الملك ليظل الحكم فى ذرية عبد الملك بن مروان .

شخصية عمر بن عبد العزيز الصالحة ظهرت قبل أن يلى الخلافة . فماذا عن السيسى قبل أن يلى الرئاسة ؟

السيسى قبل رئاسته :

فى عصر مبارك وفساده  كان لا يترقى الى الرتب العليا فى الجيش إلا من يثق النظام فى فساده وولائه ، وكانت تلك مهمة المخابرات الحربية . وحظى السيسى على ثقة مبارك فترقى فى عهده ،وواصل الترقى حتى أصبح رئيس المخابرات الحربية نفسها. بالتالى كان عضوا فاعلا فى نظام مبارك وفساده وإجرامه . كما كان أول من تباهى بجريمة الشرطة العسكرية ف مارس 2011، ( كشوف العذرية) ، وزعم أنها تحمي الفتيات من الاغتصاب وتحمي الجنود من الاتهام بالاغتصاب.أى إنه إستحل إنتهاك أعراض الفتيات المصريات المناضلات ، وهو اللاتى تعرضن للتعذيب ، ومستمر إضطهاد بعضهن حتى الآن فى رئاسة السيسى . فهل مهمة الشرطة العسكرية حماية الفتيات الثائرات وتوصيلهن لبيوتهن معززات مكرمات أم إعتقالهن وضربهن وسجنهن ثم هتك أعراضهن بحجة كشف العذرية ؟ تحول خطير فى العقيدة العسكرية للجيش المصرى لا يساويها فى الإجرام سوى جرأة السيسى فى تبريرها . لأنه نفسه سيقول هذا لو تعرضت إبنته لنفس المعاملة .

اى برغم خطابه الدينى فإن السيسى مجرد مخادع ، سار على داب الفرعون مبارك بل وتفوق عليه . هذا بينما بدأ عمر بن عبد العزيز فى شبابه وهو والعلى المدينة بإصلاح غير مسبوق فى الدولة الأموية ، مع إن المدينة كانت موطن المعارضة السياسية للأمويين .

ثانيا : ( عمر والسيسى فى الحُكم )

عمر بن عبد العزيز فى خلافته :

 الأوامر الاصلاحية

فى خطبة العرش : تقول الرواية فى الطبقات الكبرى لابن سعد : ( كان اول ما أُنكر من عمر بن عبد العزيز)، (انه لما دفن سليمان بن عبد الملك اتي بدابة سليمان التي كان يركب فلم يركبها وركبدابته التي جاء عليها فدخل القصر وقد مهدت له فرش سليمان التي كان يجلس عليها فلميجلس عليها ثم خرج الى المسجد فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعدفانه ليس بعد نبيكم نبي ولا بعد الكتاب الذي انزل عليه كتاب الا ان ما احل اللهحلال الى يوم القيامةوما حرم الله حرام الى يوم القيامة الا اني لست بقاض ولكنيمنفذ الا اني لست بمبتدع ولكني متبع الا انه ليس لاحد ان يطاع في معصية الله . الا انيلست بخيركم ولكني رجل منكم غير ان الله جعلني اثقلكم حملا  ). وبتحليل هذه الرواية يتضح أن عمر بن عبد العزيز من البداية خرج على المألوف الأموى فأنكروا عليه  رفضه البروتوكول الأموى فى مواكب الخلافة . والعادة أن يُلقى الخليفة الجديد خُطبة يُعطى فيها ملامح حكمه . وكان عمر بن عبد العزيز صريحا فى خطبته وفى تعبيره عن عقيدته الاسلامية . لم يكن  معروفا وقتها فى عصر عمر بن عبدالعزيز تعبير ( الكتاب والسّنة ) الذى تم إختراعه فيما بعد فى العصر العباسى . لذا إفتتح خطبته بالتأكيد على أنه :( ليس بعد نبيكم نبي ولا بعد الكتاب الذي انزل عليه كتاب الا ان ما احل اللهحلال الى يوم القيامة وما حرم الله حرام الى يوم القيامة ). ثم يعلن نفسه منفذا للشرع وفقا للحلال والحرام المذكور فى القرآن الكريم ، ,ان الجميع سواء أمام شريعة الله جل وعلا فى القرآن ، وأنه ليس خيرا من أحد ولكنه الأكثر مسئولية .

وكتب الخليفة عمر بن عبد العزيز بنفس الخطاب الدينى الى الولاة يدعوهم الى البيعة ، وأقواهم وأخطرهم ( يزيد بن المهلب ) وقد قرأ خطاب الخليفة الجديد فعرف ان عمر بن عبد العزيز  مخالف لمن سبقه . وعرف ابن المهلب أن لا مستقبل له مع هذا الخليفة الصالح ، فقد كان يزيد بن المهلب على طريقة الحجاج وخلفاء بنى أمية .وكان ابن المهلب هذا يحكم النصف الشرقى من الدولة الأموية وزعيم القبائل اليمنية القحطانية . 
وارسل عمر بن عبد العزيز بأوامر اصلاحية الى الولاة وكف أيديهم عن المظالم وعن فرض ضرائب وأخذ رشاوى ، وألا يحكم أحدهم بقتل شخص إلا بمراجعته . وقبله كان من حق الوالى أن يقتل من يشاء ، والحجاج قتل عشرات الالوف بلا جريرة .  

تطبيق الاصلاحات

عزل الولاة المفسدين :                                 

بدأ عمر بن عبد العزيز إصلاحاته بعزل الولاة المفسدين إذ لا يمكن أن يقوم المفسدون بتنفيذ الإصلاح وإقامة العدل، لذلك بادر بعزل أقواهم وأفجرهم يزيد بن المهلب ، ووضعه فى السجن ، وعزل أسامة بن زيد التنوخي عن خراج مصر وكان غاشما ظلوما كثير الاعتداء وأمر بحبسه ، وظل في الحبس طيلة خلافة عمر ، ولما تولي بعده الخلافة يزيد بن عبد الملك رده إلي منصبه !!. وبادر عمر بعزل يزيد بن أبي مسلم عن شمال أفريقيا وكان أحد مجانين الظلمة وكان يأمر بتعذيب المساجين ويطرب لصراخهم ويقول للزبانية : الله أكبر سبحان الله والحمد لله اضرب يا غلام في موضع كذا.. وكانت حالته شر الحالات فعزله عمر وولي مكانه إسماعيل بن عبد الله المخزومي.وعزل باقي الولاة وولي مكانهم في العراق وخراسان وسمرقند. وبأولئك الولاة الجدد قام بتنفيذ سياسته الإصلاحية .  

إسترداد المنهوبات :

كالعادة استحل أمراء البيت الأموى ممتلكات الناس فاستولوا على الأراضى والعقارات المملوكة للغير ووزعوها ( أو أقطعوها إقطاعات ) على أنفسهم  وهذا معنى ( الإقطاع ). وكان هذا الظلم سياسة عادية ـ ولا تزال فى دول المحمديين وفى حكم الدولة المصرية العميقة فى عصر السيسى حتى الآن . وورث عمر بن عبد العزيز وفق هذا ( الشرع ) الظالم إقطاعات ، وفى سياسته الاصلاحية بادر برد كل المنهوبات ومنها الاقطاعات ، وبدأ بنفسه ، فأرجع ما أعطاه له أبوه الى بيت المال مكتفيا بميراثه الحلال ومرتبه البسيط . وأخذ جواهر زوجته فاطمة بنت عبد الملك ووضعها في بيت المال. ثم صادر عمر بن عبد العزيز كل ما سلبه أهله الأمويون وأرجعه الى بيت المال ، وسمى ذلك ( مظالم ) ففزعوا الى عمتهم فاطمة بنت مروان بن الحكم لتكلمه فرفض التراجع . وهددوه فهددهم بالتنازل عن الخلافة لمن يستحقها من العلويين ، فسكتوا على مضض. ولقد كان ابنه الأكبر عبد الملك شابا صالحا أراد أن يقف أبوه منهم موقفا حازما فقال له عمر :  يا بني إن بادهت الناس بما تقول أحوجوني إلى السيف ولا خير في خير لا يحيا إلا بالسيف.!!. أى إنه سلك معهم مسلكا سياسيا سلميا بقدر المستطاع ونجح فى مصادرة أموالهم .ويقول سليمان بن موسي " مازال عمر بن عبد العزيز يرد المظالم منذ يوم استخلف إلي يوم مات ".!!.وإن كان ذلك دليلا علي عدله فهو دليل أيضا علي كثرة المظالم وتنوعها . ولم يكن عمر يطالب الناس بالبينة القاطعة علي ما صودر من أموالهم لما كان يعرف من ظلم الولاة السابقين، وإذا مات صاحب المال المصادر أعاده لورثته . وقد وصلت أوامره بهذا الخصوص إلي الأقطار البعيدة حتي كان الوالي علي اليمين يراجعه في ذلك تحريا للأمر وتفصيلاته فكتب له عمر بأن يجتهد برأيه ولا ينتظر رأي الخليفة في كل صغيرة وكبيرة بسبب بعد المسافة بينهما. وقد امتلأت دمشق بأصحاب المظالم يشكون للخليفة ما لحق بهم ويطلبون استرداد أموالهم . فقال لهم : " الحقوا ببلادكم ".وأعطي الولاة كافة السلطات لإنصافهم في بلادهم .

   إلغاء المكوس والضرائب الظالمة                                                          وكان الأمويون قد ابتدعوا ضرائب ومكوسا جديدة تحت مسميات مختلفة فأمر عمر بإلغائها ومنها ما يعرف الآن بالجمارك .وكان موظفو الأمويين يفرضوا ضرائب عالية علي المحاصيل والثمار أو يشترونها بثمن بخس . وكان يحدث ذلك أكثر في فارس . حيث يقوم الأكراد بتحصيل العشور من الناس علي الطرقات ، فأمر عمر بإلغاء ذلك كله . ويقول محمد بن سعد في ترجمته إنه لما ولي عمر بن عبد العزيز وضع المكس عن كل أرض . وكانت الدولة تأخذ ضرائب علي كل فرس دينار وعلي كل غلام دينارا وعن الفدان خمسة دراهم فألغي ذلك، وأباح للمزارعين  بيع ما تحت أيديهم من الأرض ومنع محصل الضرائب من الوقوف علي الطرقات ، وجعل عمال الصدقة من أبناء البلد يأخذون الزكاة من أهلها بالعدل ، ولم يجعل عقوبة علي من يرفض دفع الزكاة . ومنع السخرة وعاقب من يتطاول من الموظفين علي الناس . وكان الأمويون قد استأثروا لأنفسهم بمناطق جعلوها محميات ممنوع علي الناس دخولها والانتفاع بها فألغي عمر ذلك . فيقولون إنه لما تولي أباح  الأحماء كلها، أباح للناس الانتفاع بها ، وكتب إلي الولاة بذلك ، ومنع أن يستولي أحد لنفسه علي الجزائر وطرح النهر وقال : إنما هو شيء أنبته الله فليس أحد أحق به من أحد .

   رفع الجزية عمن أسلم

    وكان الأمويون يأخذون الجزية من غير العرب حتي لو أسلموا بحجة أنهم دخلوا  الإسلام فرارا من الجزية . وقد كتب إليه والي مصر: إن أهل الذمة قد أسرعوا في الإسلام وكسروا الجزية ، فقال لهم عمر: " إن الله بعث محمدا داعيا ولم يبعثه جابيا". وأمر برفع الجزية عن كل من أسلم، وبعث إلي والي خراسان يأمره بتشجيع من يدفع الجزية علي الدخول في الإسلام مقابل رفع الجزية عنه، فإن أسلموا كانوا والمسلمون سواء، واقترح بعضهم علي الخليفة أن يمتحنهم بالختان فرفض عمر قائلا : أنا أردهم عن الإسلام بالختان؟ لو أسلموا كانوا إلي الطهرة أسرع . وأسلم علي هذا نحو أربعة آلاف.  وكان الذي يدخل في الإسلام قبل استحقاق الجزية بيوم لا تؤخذ منه الجزية ، بل إن عمر أمر الولاة إن كان قد دفع الجزية وأسلم وقتها فلا تؤخذ منه الجزية. 

الإحسان للموالي وأهل الذمة                                                    

 وبينما تعصب الأمويون ضد أهل الذمة والموالي وهم الأكثرية فإن عمر جاء بسياسة التسامح الإسلامية ، فقد جعل العرب والموالي المسلمين سواء في الرزق والكسوة والمعونة والعطاء، وقضي للذمي بحقه في الشفعة وأباح لأهل الكتاب الوقف علي الكنائس وبيوت العبادة ، ولم يكن الأمويون يسمحون بذلك، وكتب إلي الآفاق بالرفق بأهل الذمة ويقول في ذلك الكتاب " وإذا كبر الرجل منهم وليس له مال فأنفق عليه..".                                                        الرفق بالمساجين

 كانت سجون الأمويين سيئة السمعة خصوصا في ولاية الحجاج علي العراق . وبعد وفاة الحجاج سنة 95 هـ وجدوا في سجونه 33 ألفا بدون جريمة، ومات في السجن 120 ألفا، وكان يحبس الرجال والنساء في موضع واحد ولم يكن في السجن ستر يحمي الناس من البرد والحر لذا كان يموت أكثرهم في تلك السجون. وجاء عمر بن عبد العزيز فأصلح السجون ، وأمر بالعناية بالمساجين ومنع أن يبيت أحدهم في القيود إلا إذا كان مطلوبا في دم و أجري علي المساجين النفقات. وأمر بالفصل بين أنواع المساجين حسب الجرائم ، وبالفصل  بين الرجال والنساء ،ومنع من تجاوز العقوبة ومنع أخذ الرشوة من أهل المسجون وأمر بكسوته مرة في الشتاء ومرتين في الصيف ، وأن يتم عرضهم كل يوم سبت وكتب إلي كل والي " استوصي بمن في سجونك خيرا حتي لا تصيبهم ضيعة ،  وأقم لهم ما يصلحهم من الطعام والإدام ". وخارج السجن وداخله منع الخليفة العادل من التعدي في العقوبة ومن التعذيب وإهانة الإنسان وقال: " إياك و المثلة وجر الرأس واللحية".   وكل هذا كان خلافا للمتعارف عليه فى عصره .

سياسته في الزكاة

 ومع رفع الظلم انتهج سياسة العدل في تحصيل الزكاة  وفي توزيعها، يقول ابن ثوبان " إن عمر بن عبد العزيز أخذ الصدقة من حقها وأعطاها في حقها وأعطي العاملين عليها بقدر عمالتهم وقال الحمد لله الذي لم يمتني حتي أقمت فريضة من فرائضه ". ومما يذكر له أنه منع أخذ الزكاة في الخمور وأراق جرار الخمر ، وقرر أن يكون أخذ الزكاة من أطيب الأموال.

 والتزم في توزيع الصدقات بالنص القرآني فكان الغارم يأخذ حقه من بيت المال ، وقضي ديون الكثيرين بهذه الطريقة ، وكان يعطي بعض البطارقة النصارى من الصدقات ألف دينار ضمن سهم المؤلفة قلوبهم. وقالوا إنه أعطى كثيرا من المؤلفة قلوبهم في الشام . أما الفقراء والمساكين وأبناء السبيل فقد ابتكر طريقة جديدة لإيصال مستحقاتهم إليهم إذ أنشأ دورا لإيواء الفقراء  وعلاجهم . وأنشأ خانات لإيواء المسافرين وأبناء السبيل، وأمر بالإنفاق علي طلبة العلم .ونتيجة للعدل في توزيع الصدقة والعدل في أخذ الضرائب والزكاة فقد تحول كثير من الفقراء إلي أغنياء فيقول بعض العاملين علي الصدقة " فلقد رأيت من يتصدق عليه يأتي في العام القابل وهو يعطي الصدقة "                                              

 سياسته في الضمان الاجتماعي

( العطاء ) هو مرتب سنوي أو ( معاش ) كان يُعطي فرضا للعرب من بيت المال الى كبار السّن والمقاتلين ، وقد أنشأ عمر بن الخطاب دواوين لتوزيع العطاء وتقديره. ثم جاء الأمويون وفرضوا سياستهم الخاصة فمنحوا أنصارهم وحرموا خصومهم. إلي أن جاء عمر بن عبد العزيز فأعاد فرض العطاء للجميع . وكانت المدينة تتمتع بسخط الأمويين من قبل فحرموا معظم أهلها من العطاء ، وحين تولي عمر بن عبد العزيز  بعث إلي الوالي عليها يأمره أن يفرض العطاء للناس فيها إلا من كان تاجرا، وفي خلال خلافته القصيرة منح أهل المدينة ثلاث مرات ، وكان يفرض للطفل المولود . والمحرومون من العطاء أعاد إليهم عمر بن عبد العزيز عطاءهم بأثر رجعي، ومن كان غائبا أعطي عطاءه لأهله. وجعل من بنود العطاء أن يعطي من كانت عليه أمانة ولا يقدر علي أدائها ومن أراد الزواج وعجز عن المهر وكان بعض الناس يتحايل ويدعي ليأخذ ويعرف الولاة ذلك ويقولون للخليفة فيتسامح معهم لأنهم تحملوا الكثير من ظلم الأمويين من قبل . لذلك كانوا يقولون: كل يوم يجيء خير من  عمر بن عبد العزيز. هذا في الوقت الذي عاش فيه عمر في تقشف لا يقدر عليه إلا من كان مثله في الإيمان والتقوى، وقد جاءت امرأة إلي بيت عمر تطلب شيئا فنظرت إلي البيت وما فيه شيء فقالت لزوجة الخليفة: كيف أُعمّر بيتي من هذا البيت الخرب؟ فقالت لها زوجة عمر : لقد خرّب هذا البيت عمارة بيوت أمثالك. وزوجة عمر هي فاطمة بنت عبد الملك بن مروان، أبوها خليفة ، وجدها خليفة، وأخوتها الأربعة خلفاء. وقد رضيت بأن تتنازل عن كل متع الحياة إرضاءا  لزوجها ابن عمها عمر رضي الله عنه !!. وجاءه رجل من الأنصار فقال له " يا أمير المؤمنين أنا فلان ابن فلان ، قتل جدي يوم بدر، وقتل أبي يوم أحد ، فنظر عمر بن عبد العزيز إلى أقاربه  قائلا" هذه والله المناقب، لا مناقبكم : مسكن ودير الجماجم". ومسكن ودير الجماجم من المعارك التي انتصر فيها الأمويون علي الثائرين عليهم.  

 وقد سألوه أن يتحفظ في طعامه وأن يكون له حرس إذا صلي حتي لا يتعرض للاغتيال ، فرفض ، فقالوا له: إن الخلفاء قبلك كانوا يفعلون ذلك فقال لهم : فأين هم الآن ؟  

وفي الوقت الذي كان الدعاء للخليفة من شعائر الخطبة للجمعة نجده يكتب إلي الولاة "لا تخصوني بشيء من الدعاء ، ادعوا للمؤمنين والمؤمنات عامة، فإن أكن منهم أدخل فيهم "!! وبينما كان الأمويون يعتبرون أنفسهم في مكانة أعلي وفوق جميع المسلمين فإن عمر كان لا يري ذلك ويأمر بالمساواة بينهم وبين الناس ،  يقول للوالي علي المدينة " لا يكن أحد من الناس أثر عندك من أحد، ولا تقولن هؤلاء من أهل بيت أمير المؤمنين فإن أهل بيت أمير المؤمنين وغيرهم عندي اليوم سواء ". وكان عمر بن عبد العزيز يواصل الليل بالنهار في عمل دؤوب في تحمل مسئولية الخلافة ، يقول محمد بن قيس " رأيت عمر بن عبد العزيز إذا صلي العشاء دعا بشمعة من مال الله ليكتب في أمر المسلمين وفي المظالم فترد في كل أرض، فإذا أصبح جلس في رد المظالم وأمر بالصدقات أن تقسم في أهلها" !!

     وألزم عمر الولاة أن يسيروا بنفس الطريقة، فكان واليه علي المدينة أبو بكر بن محمد بن عمر بن حزم يعمل بالليل كعمله بالنهار لأن عمر كان يحثه علي ذلك!!

السلام والقوة        

أوقف عمر غزو القسطنطينية عام 99 هجرية  . وفى نفس العام أغارت الترك على أذربيجان فقتلوا من المسلمين جماعة، فوجه عمر حاتم بن النعمان الباهلي فقتل أولئك الترك ولم يفلت منهم إلا اليسير. كانت الدولة الأموية تمتد من آسيا الوسطى الى آسيا الصغرى والى حدود فرنسا الجنوبية . ولم يوجه عمر بن عبد العزيز حملة حربية تواصل الفتوح وفى نفس الوقت لم يتسامح فى الاعتداء على المسلمين فى أطراف دولته . وكتب عمر بن عبد العزيز إلى ملوك السند يدعوهم إلى الإسلام على أن يملكهم بلادهم ولهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وقد كانت سيرته بلغتهم، فأسلم بعضهم وتسموا بأسماء العرب. ثم إرتدوا عن الاسلام فى خلافة هشام بن عبد الملك . و كان بنو أمية يسبون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب،إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، فترك ذلك وكتب أن يُقرأ عوضه: (إن الله يأمر بالعدل والاحسان ..).

مع الخوارج :

كانت المعارك مستمرة بين الخوارج والأمويين ، وفى عام 100 هجرية ثاروا فى الكوفة بقيادة شوذب ( بسطام اليشكرى )، فكتب عمر بن عبد العزيز إلى والى الكوفة ألا يتعرض لهم إلا إذا سفكوا الدماء ، فإن فعلوها حاربهم . واستعد والى الكوفة بجبش قوى لمواجهتهم ، وفى نفس الوقت أرسل عمر بن عبد العزيز الى قائد الخوارج رسالة يقول له فيها : ( بلغني أنك خرجت غضباً لله ولرسوله ولست أولى بذلك مني، فهلم إلي أناظرك، فإن كان الحق بأيدينا دخلت فيما دخل الناس، وإن كان في يدك نظرنا في أمرك.) فكتب شوذب إلى عمر:( قد أنصفت وقد بعثت إليك رجلين يدارسانك ويناظرانك.). وجاء الرجلان الى عمر بن عبد العزيز فى محل إقامته ودارت بينه وبينهما مناظرة علنية .وفى المناظرة إعترفا بعدله ، وتغلب عليهما عمر فى المناظرة ، ولكنهما أحرجاه عن مسئوليته عن تولى ابن عمه يزيد بن عبد الملك الخلافة من بعده ، والمفروض أن يكون الأمر شورى بالاستحقاق وليس بالوراثة .وبكى عمر عجزا عن الاجابة وطلب مهلة للتفكير .( فخاف بنو أمية أن يخرج ما بأيديهم من الأموال وأن يخلع يزيد ولاية العهد، فوضعوا على عمر من سقاه سماً، فلم يلبث بعد ذلك إلا ثلاثاً حتى مرض ومات. ! ). وعاد الأمويون لنفس سيرتهم .  توفي عمر بن عبد العزيز في رجب سنة101 ، ودفن بدير نصرانى ( دير سمعان) . وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر، ومات شابا لم يبلغ الأربعين .  وترك سيرة ناصعة فى التاريخ تجمع بين العظمة التاريخية( النجاح السياسى ) والعظمة الانسانية ( النجاح الأخلاقى ). وقلما يتوفر هذا لغير الأنبياء .                                 

 فماذا عن السيسى ؟ 

بعد عدة أشهر من توليه الرئاسة واجه السيسى ــ مع إختلاف الظروف ـ نفس التحديات التى واجهها عمر بن عبد العزيز . فساد الادارة والمسئولين ونهب أراضى الدولة وسلب ثروات الناس وسوء أحوال الفقراء . إنحاز السيسى للمفسدين على حساب المقهورين ، بينما إنحار عمر بن عبد العزيز للحق والعدل وواجه أهله وأعمدة دولته بلا هوادة .

واجه عمر بن عبد العزيز الخوارج الثائرين عليه برغم عدله فاستعد لهم حربيا بمعاقبتهم إن سفكوا الدماء ، ودعاهم للمناظرة العلنية على قدم المساواة  ، ولما تبين له قوة حجتهم فى مسئوليته عن فرض ولى عهد بعده على المسلمين دون مشورة إعترف لهم بالحق باكيا ، فكان فى هذا مقتله على يد أسرته . أما السيسى  فهو يقاتل معارضية المسلحين والمُسالمين بلا هوادة وبلا تفرقة . وبينما يخرج عمر بن عبد العزيز عن المتعارف عليه فى التعامل مع المساجين الجنائيين وفق حقوق الانسان التى نعرفها اليوم فإن السيسى تزدحم سجونه بخصومه السياسيين، ويوضع فى السجون بعضهم بلا محاكمة طبقا لقانون ظالم يمتد به الحبس الاحتياطى ليشمل من تغضب عليه السلطة وتضعه فى الحبس بلا أمل فى الخروج وبلا محاكمة ، وحيث يتعرض للتعذيب بلا مساءلة .  وتتوالى الأنباء عن مقتل مساجين ومحتجزين فى أقسام الشرطة وحالات إغتصاب ..

اخيرا

نتوقف اليوم عن تقييم السيسى .. ننتظر ونرى . وقد نعود اليه مرة أخرى إذا جدّ جديد يستحق المزيد .

 

السيسى والرهانات المدمرة لمصر والمنطقة

 

 الأحد 05 ابريل 2015

 

السيسى والرهانات المدمرة لمصر والمنطقة

بعد أقل من عام من إنفراد السيسى بحكم مصر وبلا مجلس نيابى نرى السيسى يتخذ ــ منفردا ــ نفسالرهانات التى كانت لأستاذه حسنى مبارك ، تلك الرهانات التى وصلت بمصر من قبل الى الحضيض سياسيا وإقتصاديا ،وسبّبت قيام أكبر ثورة شعبية مصرية وصل بها السيسى مؤخرا للسلطة ، فإذا به يُعيد إنتاج سياسة مبارك ورهاناته الخاطئة، وفى وضع غاية فى الحرج مصريا وإقليميا . وهذه الرهانات هى :

 أولا : الرهان على الأمن على حساب الحرية :

1 ــ حكم مبارك ثلاثين عاما بقانون الطوارىء ، مستخدما ( أمن الدولة ) و ( الأمن المركزى ) فى تأديب المصريين . ورفض أى إصلاح تشريعى سوى تشديد قبضته وإفساح الطريق للفساد ليسير بصحبة الاستبداد آمنا مستريحا . وقلنا ونقول أنه فى مواجهة الارهاب لا بد من إصلاح إقتصادى يؤسّس لحرب الفقر و لتحقيق عدالة إجتماعية و ( أمن إجتماعى ) ، ولا بد من إصلاح تشريعى يؤسس حرية الفكر والرأى والاجتهاد الدينى لمواجهة الثقافة الدينية الوهابية ، ولا بد من إصلاح تعليمى يُنقذ شباب المصريين بدلا من تعلميهم الوهابية على أنها الاسلام ثم إذا تصرفوا على أساسها بالتفجير والتخريب واجههم أمن الدولة والأمن المركزى . الحرية هى التى تقضى على الارهاب لأنه مؤسس على فكر يزعم إنتماءه الى الاسلام ، فلا بد من حرية فكرية حقيقية للقضاء عليه .

2 ــ السيسى أعاد دولة مبارك الأمنية بما فيها من تعذيب وقهر للمصريين ، وهو يواجه فكر الارهاب بالأمن المركزى وأمن الدولة وقُضاته الذين شوّهوا سُمعة القضاء المصرى فى العالم . وبدلا من إصلاح تشريعى ــ وهو الآن يتحكم بالتشريع منفردا ـ فإنه ــ خلال عدة أشهر من رئاسته ـ أسرف فى إصدار قوانين أمنية إستثنائية تفوّق فيها على مبارك الذى حكم ثلاثين عاما .

 ثانيا : الرهان على السلفية الوهابية المصرية على حساب التنوير

1 ــ تلاعب السيسى بالكلمات فى تصريحات علنية عن ( الثورة الدينية ) وهو يشهد طلبة الأزهر وغير الأزهر يتحولون الى ارهابيين ، ويرى حكم الاخوان وإعلامهم الدينى وما فعله بمصر . واضح جدا الحاجة الشديدة الى إصلاح الخطاب الدينى ، وواضح جدا أن كبار الشيوخ فى الأزهر يقفون ضد الاصلاح الدينى علنا ، وأنهم يروّجون للفكر الوهابى الداعشى وينحازون الى داعش وضد أى محاولة للتنوير ، وواضح جدا هذا التحالف الفكرى بين مسئولى الأزهر وقادة السلفية ، وواضح جدا إشتراك الجميع فى التمسك بالوهابية ودينها الارهابى .

2 ــ السيسى يدرك هذا ، ويستطيع أن يقوم بالاصلاح بمجرد تنفيذ القانون دون إصدار قوانين جديدة ، ولكنه مع هذا يترك شيوخ الوهابية فى الأزهر والأوقاف والاعلام والتعليم والجماعات السلفية متحكمين فى الخطاب الدينى الذى يدعو لاصلاحه . بل إنه عزل وزير الثقافة الذى دخل فى جدل مع شيوخ الأزهر ، وأحرجهم فكافأه السيسى بالعزل . ثم يجرى الآن مطاردة من يجرؤ على نقد الوهابية ، ومطاردة من يدافع عن ضحايا التعذيب وحقوق المصريين فى الجمعيات الحقوقية.

ثالثا : الرهان على السلفية السعودية الخليجية على حساب الدور المصرى 

1 ــ قام مبارك بتركيع مصر للسعودية ودول الخليج الوهابية ، فأصبحت تابعة ليس فقط للسياسة السعودية ودويلات الخليج بل تابعة للأسرة السعودية ، بل و يصل العار الى درجة أضطهاد المصريين القرآنيين بأوامر من السفير السعودى فى القاهرة . عار ما بعده عار .!!.

إستفاد مبارك وحاشيته من وقوفه الى جانب الوهابيين السعوديين والخليجيين ضد صدام حسين فى حرب الخليج . عشرات البلايين من الدولارات وجدت طريقها لجيوب مبارك وعصابته، وهى جيوب لا قاع لها . نفس الموقف إتخذه مبارك فى تأييد صدام فى حربه المعتدية على ايران ، وكسب البلايين لنفسه وحاشيته ، وجعل مصر تابعة للعراق وقتها ، بل وتغاضى عن إضطهاد صدام للمصريين العاملين فى العراق وسلب حقوقهم وتعذيبهم وقتلهم وارسال جثثهم الى مصر تحمل آثار التعذيب فيما كان يٌعرف بالنعش الطائرة . عار ما بعده عار .!! .

السيسى ينتهج نفس السياسة فى المراهنة على السعودية ودويلات الخليج ؛ يجعل مصرراكعة تحت أقدام الأسرة السعودية والأسر الحاكمة فى دويلات الخليج ، ومن أجلهم يعادى إيران . هذا مخالف للثوابت الجيوبوليتيكية للمنطقة . ( أو الجغرافيا السياسية التى تحكم منطقة الشرق الأوسط ) .ويستحق شرحا موجزا :

رابعا : من حقائق الجغرافيا السياسية لمصر والشرق الأوسط

1 ــ فى هذه المنطقة توجد دولتان رئيستان هما إيران ومصر . ما بينهما ( العراق والشام والجزيرة العربية )  مناطق تُخوم جغرافية تظهر فيها دول مرحلية مؤقتة ، تقوم وتسقط . منذ فجر التاريخ تبدلت وتغيرت وتتابعت تكوين وسقوط دول وإمارات ونظم حكم ، وتغيرت الحدود ، وتعددت أسماء الدول ، بين ايران ومصر ، بينما بقيت ايران ومصر . كل منهما تمثل حضارة مستقلة وتاريخا رائدا ودورا مستمرا حتى فى خضوعهما لاستعمار وحكم أجنبى عربى وغير عربى .

2 ــ بعض من حكم مصر من غير المصريين أدرك هذه الحقيقة فوصل بها الى تكوين امبراطوريات مركزها مصر كما فعل المماليك والفاطميون ، ودخل فى حكمهم أجزاء من العراق وجميع الشام مع الحجاز  . وحتى من سيطر على مصر مع تبعيته الاسمية للدولة العباسية كالدولة الطولونية والاخشيدية قام بضم الشام والحجاز والتأثير على بقية شبه الجزيرة العربية . والوالى العثمانى ( محمد على ) حين حكم مصر أدرك دورها ، وهو الذى دمر الدولة السعودية الأولى وأعاد الحجاز للتبعية المصرية ، وسيطر على الشام ووصل نفوذه الى الخليج ،وكان على وشك إسقاط الدولة العثمانية نفسها  لولا أن خافت منه أوربا وخصوصا انجلترة حتى لا يسيطر على الخليج وهو الممر الهام للهند ( دُرّة التاج البريطانى وقتها ) فتعاونت اوربا وانجلترة فى تقليم أظافر محمد على وتحجيم دور مصر لكى تستأثر بالمنطقة بدلا من مصر ، ثم مال ما لبث أن إحتلت انجلترة مصر نفسها ثم تقاسمت مناطق التخوم فى العراق والشام مع فرنسا فظهرت دول سايكس بيكو ( العراق ، سوريا ، لبنان ) ثم اسرائيل والأردن ، بالاضافة للسعودية . وهذا كله بعد الحرب العالمية الأولى . ويجرى الآن إعادة رسم الخريطة فى بعض مناطق التخوم فى غيبة مصر وركوعها تحت أقدام الأسرة السعودية لصالح الأسرة السعودية  .

3 ــ جاء عبد الناصر يُعيد تجربة ( محمد على ) فى مواجهة الاستعمار الغربى وحلفائه فى المنطقة وأبرزهم السعودوين فى دولتهم السعودة الثالثة الراهنة . وجود عبد الناصر بالثقل المصرى كان نذيرا بإسقاط هذه الدولة السعودية ( المؤقتة ) كما أسقطها محمد على من قبل . مشروع عبد الناصر كان يؤذن بتغيير خريطة المنطقة بين ايران ومصر على حساب السعودية والغرب .  لذا كان لا بد من القضاء على عبد الناصر ومشروعه، لتحجيم دور مصر ولتظل المنطقة تابعة للغرب الأمريكى الأوربى وعملائه فى الخليج والشرق الأوسط . كانت ايران وقتها تحت النفوذ الغربى وكانت مصر بمفردها تتزعم دول العالم الثالث ( عدم الحياد والحياد الايجابى ). وسيثبت فى المستقبل تآمر السعودية مع اسرائيل وأمريكا على هزيمة عبد الناصر فى يونية 1967 ، ثم فى قتل عبد الناصر ليتولى السادات العميل السعودى الأمريكى حكم مصر لتبدأ مصر من عهده وحتى الآن دور الراكع أمام أقدام الأسرة السعودية ، ولكى تشعر الأسرة السعودية بالأمن فلا بد أن ترى مصر راكعة لها .

4 ــ وقامت ثورة الخمينى مُعادية للغرب وامريكا وتسعى لنشر التشيع فى العالم ( الاسلامى ) بتصدير ما يُسمّى بالثورة الاسلامية . تفعل إيران الشيعية هذا وعينها على الخليج وبترول الخليج . شعرت الأسرة السعودية بالهلع فاستخدمت مصر ضد ايران خلال حكم مبارك ومرسى والسيسى .

5 ــ من حقائق الجغرافيا السياسية للمنطقة أن الدول المؤقتة حول مصر تعلو بمصر إذا إرتفعت قامة مصر وقامت مصر بدورها ، وأنها أيضا تهبط بمصر إذا هبطت مصر وارتفع فوقها حاكم من تلك الدول المؤقتة حول مصر ( مثل صدام ، القذافى ، آل سعود ، وأخيرا قطر.!! ). كان العرب أحسن حالا فى زعامة عبد الناصر ، ثم كانوا ـ ولا يزالون أسوأ حالا بعد سقوط عبد الناصر وتحكم زعماء الوهابيين فى المنطقة .

وفى تاريخ العصر الوسيط  كان أهل المنطقة أحسن حالا بمصر وهى تهزم الصليبيين وتستأصلهم  من حكم صلاح الدين الأيوبى والظاهر بيبرس والأشرف خليل بن قلاوون . وكانوا الأسوأ حالا بهزيمة المصريين وتعاون حكامهم الأيوبيين مع الصليبيين من العادل الأيونى الى أبنائه . وارتفع شأن العرب والمسلمين بهزيمة مصر المملوكية للمغول ، بينما إحتل المغول ايران و العراق .

6 ــ وبهذا تتميز مصر على منافستها ايران ، فايران تمثل أقلية دينية هى التشيع الاثناعشرى فقط ، وهى بقوميتها الآرية ولغتها الفارسية غريبة عن المحيط العربى السنى ، فليس سوى مصر زعيمة للعالم السُّنى . وليس من مُنقذ لهم سوى مصر بتدينها السنى الصوفى المعتدل .

خامسا : لو تخيلنا فى مصر حاكما يعى دور مصر :

1 ــ لو تخيلنا فى مصر الان حاكما مصريا وطنيا على قدر الدور المصرى ، لا يقل وعيا عن احمد بن طولون والأخشيد والخلفاء الفاطميين والمماليك ومحمد على فماذا كان سيفعل فى تفعيل دور مصر ؟

2 ــ لقد أخطأ عبد الناصر فى أنه لم يدرك ثقافة العصر فى الديمقراطية وحقوق الانسان ، لذا فالمفترض فيمن يمثّل الدور المصرى أن يتشرّب الديمقراطية ويجعل من المصريين كلهم عقولا حُرة تتفاعل فيما فيه الخير لمصر والمنطقة معها ، تنهض به مصر والدول المؤقتة معها فى طريق الديمقراطية وحقوق الانسان وتتخلص من الوهابية التى شوّهت الاسلام وقتلت ملايين المسلمين ، ولاستطاع الأزهر أن يقيم دورا تنويريا فيما يسمى بالعالم الاسلامى كله وفى المجتمعات الاسلامية فى أمريكا والغرب .

2 ــ ايران برغم عُزلتها وغُربتها الآرية الفارسية الشيعية نجحت لأنها إستفادت بغيبة الدور المصرى وركوع مصر تحت أقدام الأسرة السعودية . وبرغم التدمير الذى تعرضت له من إعتداء صدام حسين والحرب الايرانية العراقية وبرغم الحصار الغربى برزت إيران قوة مناهضة لأمريكا ، ودخلت فى الميدان النووى ، وأقامت صناعة للسلاح ، وتمدّد نفوذها الاقليمى فى الخليج والعراق وسوريا ولبنان وفى اليمن وحتى فى فلسطين ، بينما لا تزال مصر بفضل حكم العسكر تركع أمام أقدام الأسرة السعودية والخليجية .

سادسا : لو كان ..!!

لو كان فى مصر حاكم يدرك أهمية الدور المصرى كيف سيكون تصرفه مع ايران والأُسر الحاكمة فى الرياض والخليج ؟ وكيف سيتعامل مع ايران ؟ . لن يراهن على الأُسر الحاكمة فى الرياض والخليج ، ولا على أى نظام حكم فى الدول المؤقتة فى المنطقة ، ولن يراهن على ايران ليكون تابعا لايران .

سيراهن فقط على الدور المصرى ، بأن يستغله لصالح مصر . كالآتى :

1ــ لا يمكن للأغلبية المصرية أن تعتنق التشيع على الاطلاق . لم تنجح الدولة الفاطمية فى هذا وهى تحكم مصر . المسلمون المصريون يقدسون آل البيت ويقدسون أيضا الصحابة أبا بكر وعمر وعثمان والسيدة عائشة بل والصعلوك الكذّاب أباهريرة ، ولا يسمحون بلعنهم كما يفعل الشيعة . أى سيظل الشيعة المصريون أقلية ضئيلة مهما حاول الايرانيون الشيعة نشر التشيع فى مصر. هذه حقيقة لا ينكرها سوى الجاهل بالتاريخ المصرى والدين الواقعى العملى للمصريين ــ وما أكثرهم الآن فى مصر وأزهرها .

لا خطر على مصر من التشيع . بل إن التشيع فى مصر ضرورة  الآن لحفظ التوازن ، وحتى لا يحتكر الساحة الوهابيون ، خصوصا وأنّ دينهم الأرضى فرع من دين السّنة مما يتيح له فرصة الانتشار بين السنيين المصريين أكثر عكس التشيع .  أى لا بد من تقرير حرية الفكر وحرية الدين لكل المصريين من أقباط وسنيين وشيعة وملحدين ومفكرين ، فهذا هو السبيل لانطلاق العبقرية المصرية .

2 ــ إيران تسعى الى ضم دول الخليج ( الفارسى ) اليها لأنها تعتقد أنه ( خليجها ) ولأن ما حوله هو المجال الحيوى لها ، وترى أنها الأحق ببتروله من الغرب وأمريكا ، ولأن أغلبية السكان فى تلك المناطق البترولية هم من الشيعة المنتمين أصلا الى ايران ، وهؤلاء الشيعة تحت الاضطهاد الوهابى من جانب الأسرات الحاكمة التى تحتلُّ بلادهم ، وهؤلاء الشيعة هم الأصحاب الحقيقيون للبترول .  ومن مصلحة ايران إسقاط تلك العائلات الحاكمة لتأخذ ما تراه حقا لها وسرقه منها الوهابيون أعدى أعداء الشيعة .

لذا فهذه الأسرات الوهابية الحاكمة فى السعودية والخليج تدخل مرحلة صراع الوجود ، بين خيارين لا ثالث لهما : الحياة أو الموت . وهى تحتاج فى بقائها وأمنها الى مصر أكبر معقل للسنيين ، وهى القائد للمسلمين العرب والسنيين . وبالتالى فلو تحالفت مصر مع ايران لسقطت سريعا تلك الدول بعائلاتها الحاكمة ، بل لو لوّحت مصر ــ مجرد تلويح  ــ بالتحالف أو التقارب مع ايران لتزلزلت عروش الرياض والخليج .!.

3ــ الاستفادة المصرية من الدور الايرانى المعادى للأسر الحاكمة فى الدول المؤقتة فى الخليج ليس بالركوع تحت أقدام تلك العائلات الحاكمة وإستجداء مساعدات منهم ، وتحمُّل المنّ والأذى منهم ، والسكوت على إحتقارهم وأضطهادهم للعمالة المصرية عندهم ، ولكن بارغامهم على أن يكونوا أتباعا لمصر التى تتولى حمايتهم ضد الخطر الايرانى الماحق .

آن الأوان للحساب الآن ، ليس بأن ترسل مصر جيشا لليمن ليحارب اليمنيين تلبية لأوامر سلمان السعودى ، أو أن  ترسل جيشا ليدافع عن السعودية ضد داعش وهى أصلا صناعة سعودية ، ولكن باستغلال هذه الحاجة السعودية والخليجية ـ وهو موقف حياة أو موت ــ فى الحصول على الآتى وهو ممكن جدا وهذا أوان تنفيذه لو وجد حاكما مصريا واعيا :

3 / 1  ـ إسترجاع الحق المصرى فى السيطرة على الحجاز والأمكان المقدسة للمسلمين فى مكة والمدينة . كان الحجاز يتبع مصر من العهد الطولونى الى أن إحتل عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الراهنة الحجاز بعد مذابح فى عام 1924 . الحجاز منطقة حيوية لمصر سياسيا ودينيا . وإعادته للحماية المصرية وهو تحت الرعاية المصرية أفضل لكل المسلمين من شيعة وسُنة وصوفية ، بل إن سيطرة الوهابيين المعتدين على البيت الحرام حرام شرعا ، لأنهم معتدون ينطبق عليهم قوله جل وعلا : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) التوبة ) ، ولأنهم يصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام : (  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) الحج  ).

إن مجرد عقد مؤتمرات لتحرير المسجد الحرام من الاحتلال السعودى للتنبيه على هذه القضية الاسلامية الصميمة ، كفيل بدق مئات المسامير فى نعش الدولة السعودية . وكتبنا فى هذا من سنوات ندعو اليه بلا فائدة . فهل نجد الآن من يُعيننا على عقد هذه المؤتمرات ؟ والوقت ملائم جدا ؟

3 / 2 : استرجاع حقوق مصر من عوائد البترول بأثر رجعى من عام 1973 وحتى الآن، اى بالمحاسبة على عوائد البترول التى تضخمت وتضاعفت بعد حرب اكتوبر 1973، فنتيجة الدماء المصرية تضخمت عوائد البترول لتصل آلاف البلايين من الدولارات ، واستخدت الأسرة السعودية حوالى مائة بليون منها فى نشر الوهابية فى مصر وخارجها ، ووضعت آلاف البلايين فى حسابات شخصية لها فى البنوك الأجنبية ما ظهر منها وما بطن ، أى استخدمت العوائد الضخمة التى جاءت بالدماء المصرية فى تركيع مصر. وآن الأوان للحساب .

لقد قام النبى عليه السلام بالاستعداد للهجوم على قافلة قريش وحدثت موقعة بدر ، لأن قريش ــ بعد أن أخرجت المسلمين من ديارهم وأموالهم ـ  إستولت على بيوت المسلمين وأموالهم واسهمهم فى رحلة الشتاء والصيف وتجارتها بين اليمن والشام . وبالتالى كانت تلك القافلة تتاجر بأموال المسلمين ، وكان أخذها حقا وتعويضا للمؤمنين المهاجرين . نفس الحال مع عوائد البترول التى تركمت وتضاعفت بدماء المصريين . للمصريين حقُّ شرعى  ــ في الزيادات التى طرأت وتراكمت ـ لا يقل عن النصف . لا نقول بشنّ حرب من أجلها ، ولكن بإستغلال حاجة تلك العائلات الحاكمة للحماية المصرية فى إسترجاع تلك الحقوق المصرية فى الزيادة فى عوائد البترول .

3 / 3 : تفاوضت أمريكا والغرب مع ايران بشأن برنامجها النووى ، واستفادت ايران وستستفيد أكثر بهذا ، بل إن هذا ــ مع الحرب السعودية على اليمن ـ هو البداية لسقوط الأسرة السعودية .

وقبل أن تسقط السعودية فعلى مصر أن تتفاوض مع ايران ـ كقوة اقليمية أمام قوة اقليمية أخرى ـ حول مناطق التخوم الواقعة بينهما فى العراق والشام والجزيرة العربية ، لصالح القوتين الاقليميتين وسكان تلك التخوم . وكفى ما سلبته تلك العائلات الحاكمة الظالمة من ثروات شعوب المنطقة ، ويكفى تشويههم للاسلام العظيم ، ويكفى ما سببوه من مذابح وضحايا بالملايين .

هذا هو الدور المصرى المأمول والذى يتفق مع مكانة مصر ومسئوليتها الاقليمية والاسلامية .

واخيرا :

1 ــ هى سياسة مترابطة . هذا الموقف الاقليمى الذى يُعيد الدور المصرى يستلزم تخلص مصر من ثقافة الوهابية وسيطرتها الحياة الدينية فى مصر ، وهذا بالتالى يستلزم إصلاحا تشريعيا وتعليميا وسياسيا سبقت الاشارة اليه .

2 ـ السيسى يتبنى الرهان الخاطىء الذى سيدمر مصر والمنطقة فى هذا الوقت العصيب ..وقد أوضحنا له ما يجب أن يفعله . هذا التوضيح موجّه أساسا للضمير المصرى ..لعلّ وعسى ..!! 

 3 ـ اللهم بلغت .. اللهم فاشهد .

خير الكلام :

(فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)  ) غافر )

ودائما : صدق الله العظيم .!

 

 

الحلقة الرابعة  : حكومة كعب الغزال بعد القضاء على ثورة الشيخ منيع

الإثنين 13 ابريل 2015

ملاحظة : حلقات حكومة كعب الغزال مقالات فى الأدب السياسى الساخر ، كانت تسخر من نظام حسنى مبارك . وسبق نشر الحلقة الأولى فى 14 ابريل 2008 ، بعنوان : ( الواد عطوة وشفاعة المصطفى.!!:رغم أنف أبىذر..!!). ونشرت الحلقة الثانية فى 22 ابريل 2008 ، بعنوان : ( الفتنة الكبرى : وقائع الفتنة الكبرى بين الشيخ محجوب وزوجته كعب الغزال ودور عشاق كعب الغزال : الواد عطوة والواد محمود أبوقاعود والواد سيد عجور فى أحداث الفتنة ، وكيف انتهت بالتحكيم وتحكم كعب الغزال.)

 ونشرت الحلقة الثالثة فى 03 مايو 2008 بعنوان : ( محاكمة الواد عب ودود . )

 وننشر الآن الحلقة الرابعة من ( حكومة كعب الغزال ) لأن نظام حسنى مبارك عاد بنجاح ساحق . إحتفالا بحكومة العسكر ننشر الحلقة الرابعة من ( حكومة كعب الغزال):

حكومة كعب الغزال بعد القضاء على ثورة الشيخ منيع  / الحلقة الرابعة

 مقدمة : إستخدم الشيخ ( منيع ) دراويشه فى الثورة على حكومة كعب الغزال ، وانضم اليهم الشباب البائس . ولأن لحكومة كعب الغزال خبرة سياسية هائلة فى التحكم فى الدولة العميقة من أكثر من ستين عاما، فقد تراجعت تراجعا تكتيكيا فى مواجهة الثورة ، وأتاحت للشيخ منيع وجماعته أن يحكموا ، وكعب الغزال تعرف أنهم ( بقر )، لا يفقهون شيئا سوى  الوعظ والترغيب والترهيب وآداب دخول الحمام والخروج منه وفنون الاستخارة وعذاب القبر والثعبان الأحول . وثبت فشل الشيخ منيع وعصابته فتقدمت كعب الغزال ورفسته مع أصحابه بقدميها الإثنتين ، فوقعوا فى جُبّ عميق ، لا يزالون فيه يصرخون ويلطمون، ويستغيثون ، بلا مغيث ولا يحزنون . وعادت كعب الغزال للحكم ، وخططت لسياستها خلال السنوات القادمة ، بأن تخلق لها معارضة جديدة مُستأنسة مُستنفعة ، أليفة حليفة ، حبُّوبة لهلوبة .

وكان أعمدة حكمها : الواد حمودة راغب ( القفا ) و الواد فتوح المعجبانى والواد محمود ابو قاعود. هذا بالاضافة الى الطاقم القديم ( الحرس القديم )  وظل الشيخ محجوب حامل مفاتيح الجنة والنار وصكوك الغفران . ونعرض هنا لبعض كبار المسئولين فى حكومة كعب الغزال الذين ستقوم بهم سياستها فى المرحلة المصيرية القادمة ، مع العلم بأن كل حكم كعب الغزال مراحل مصيرية ، وكل سياساتها هى حل المشاكل فى السنوات القادمة ، وكل السنوات القادمة ليست قادمة .

 

أولا : عريض القفا :الواد حمودة راغب ( القفا )

1ـ المشكلة الحقيقية فى الواد حمودة راغب تكمن فى قفاه، لذا أطلقوا عليه لقب ( القفا ).  قفاه هو الذى يحمل بطاقته الشخصية الحقيقية ويلخص كل حياة الواد حمودة راغب...
قفا الواد لامع ودافئ وعريض يغرى اى انسان يراه بان يصفع ذلك القفا مثنى وثلاث ورباع ، يستوى فى ذلك اذا كان ذلك الانسان قديسا يشار اليه بالبنان على شاكلة عمر الخيام او كان رجلا مسالما من رواد حقوق الانسان مثل كوفى عنان...
كثير من الناس المحترمين المسالمين وقعوا ضحية لقفا الواد حمودة راغب ،كل منهم - حسبما اقر واعترف – رأى نفسه مدفوعا الى صفع ذلك القفا ،وهو لا يدرى، بعضهم بادر وسبق وقدم شكوى الى قسم الشرطة يتهم حمودة راغب بان قفاه ظل يضرب يد الشاكى حتى تورمت ،والغريب ان الشرطة صدقت التهمة والزمت حمودة راغب بالتعهد ان يبعد قفاه مسافة اربعة اميال عن يدى ذلك الشاكى المسكين ...
بكل ذلك القفا ذهب الواد حمودة راغب الى قرية كعب الغزال ليستقر فيه وليبدأ مع قفاه صفحة جديدة ...
2- مشكلة اخرى فى قفا الواد حمودة راغب نفسه هى انه راغب ...
انه يرغب فى السلطة ويعشق النفوذ ويحلم بالقوة .رغبته فى السلطة وعشقه للنفوذ وحلمه بالقوة سبب له اتساع قفاه، فكل محاولاته للوصول الى السلطة والتمتع بالنفوذ وممارسة القوة كانت تنتهى  دائما بالصفع على قفاه ، فيتورم ويتسع وينتشر .

مثل كل انسان ولد الواد راغب بقفا انسان عادى لا يلفت الانظار ولكن انتهى به طموحه الى الفشل والى الصفع واللطع والسكع ... حتى اصبح قفاه اصفر فاقع اللون يسر الناظرين ، وبكل تجاربه فى الفشل وعراقته فى الخسارة فقد قرر ان يجرب حظه مع قرية كعب الغزال ...
 الواد راغب جلس وفكر وقدر؛ كيف يستطيع الوصول الى قلب كعب الغزال ويسيطر عليه ليسيطر عليها ثم يسيطر من خلاله على القرية ...
خطرت له فكرة عبقرية هى اقامة مهرجان فنى  فى البلد تحت اسم كعب الغزال.
3- فى ذلك الوقت كانت السيدة كعب الغزال قد امتدت بها الايام،ضاع منها الشباب وهرب منها الشباب فلم يعد احد منهم يحلم بالنداهة التى تأتيه ليلا وتختفى . وشعرت كعب الغزال ان شخصيتها المجهولة (النداهة ) لم تعد تناسب جسدها الذى ترهل وتجعد وبلغ منه الكبر عتيا ،لذا قامت كعب الغزال بتكوين فرقة سرية من النداهات يمارسن نفس الواجب الوطنى ، اى يقن بامتصاص رحيق الشباب وهن يلبسن النقاب  ويكشفن اسرار الجميع فى اتقان بديع ، وبهذا ظلت كعب الغزال تعرف المستور والمنشور من دبيب النملة الى الفارق بين البغل والبغلة .

وبسبب امتداد الايام بها فقد مل الناس وجودها ووجود نفس الوجوه حولها ، وبدأ الشباب فى الهمس وعلا الهمس فاصبح نقاشا ، وعرفت كعب الغزال باول همسة قبل ان يغنيها فريد الاطرش ، وسارعت بتدعيم فرقة النداهات فزودتها بعناصر من الذكور المخنثين لارضاء كل الاذواق ماظهر منها وما بطن،وما علا منها وما سفل .وحدث تنافس بين الذكور والاناث فى تأدية الواجب الوطنى فتكاثرت المعلومات لدى كعب الغزال تؤكد وجود حركات معارضة مختلفة بدأت تتشكل وتتطور وتنمو وتنتشر خصوصا بين الشباب راسبى الاعدادية والفاشلين من الثانوية الى الكلية والجالسين على المصاطب على المصاطب والمقاهى بلا هوية ...

ثانيا : الواد فتوح المعجبانى
1 ــ كعب الغزال تعودت ان يتدعم قرارها بفتوى من الشيخ محجوب ( حامل مفاتيح الجنة والنار ومتعهد صكوك الغفران )، فاستصدرت منه فتوى بانشاء إدارة للتعذيب والترهيب بناءا على احاديث الترغيب والترهيب ، وعينت للقيام بشئون الهيئة الجديدة الواد فتوح المعجبانى الذى اشتهر فيما بعد بلقب الثعبان الاصلع ...

2 ـ فى طفولته تعرض الواد فتوح المعجبانى لعملية اغتصاب شنيعة ، قام بها اثنان ملثمان ، وكلما صرخ المسكين جاء اناس اخرون يسارعون بالتلثم ومشاركة الجناة يتعانون معهم على الاثم والعدوان .عاش بعدها يحمل داخله هذه المأساة ويكره كل الناس ، ولما بلغ مبلغ الرجال زارته كعب الغزال وهى منقبة حين كانت تقوم وحدها بدور النداهة . حاول المسكين ان يتجاوب معها فلم يستطع ، واكتشف ان عقدته المترسبة داخله قد حرمته من القدرة الجنسية فازداد كراهية للبشر جميعا ، وأحست كعب الغزال بحجم الكراهية الشديدة لديه فادخرته لوقت اللزوم .وهكذا اختارته فيما بعد نائبا لشيخ الغفر ورئيسا لادارة التعذيب والترهيب .وفى وظيفته الجديدة راى الواد فتوح المعجبانى نفسه وحقق طموحه ، فقد كان يصر على ان يقوم بالتعذيب بنفسه وهو يغطى وجهه باللثام ، وسمى نفسه الفارس المقنع ، فاطلقت عليه المعارضة الثعبان الاصلع ...
3 ــ وتكونت للواد فتوح شخصيتان ، الاولى الشخصية المعروفة للناس ، فتوح المعجبانى  الذى يسير فى القرية مختالا معجبا بنفسه ليخفى حقده وكراهيته لبنى ادم ، ثم الثعبان الاصلع الشخصية السرية التى لا يعرفها سوى كعب الغزال؛كل القرية تكره الثعبان الاصلع ولا تعرف من هو ....
4 ــ تكاثر عدد ضحايا الثعبان الاصلع حتى شاع بين الناس انه لا تأخذه فى الباطل لومة لائم ، وانه مستعد لتعذيب امه وبنته وخالاته وعماته وحماته ليظل محتفظا بمنصبه . وانتشرت اساطير مرعبة عن الثعبان الاصلع ، منها ان الذى يرى وجهه لابد ان يموت فى الحال ، وان السعيد من ضحايا التعذيب هو الذى لا يكشف له الثعبان الاصلع عن وجهه ، ويظل يعذبه وهو يرتدى القناع. وساعد انصار كعب الغزال فى خلق روايات التخويف اكثر واكثر من شدة بأس الثعبان الاصلع فى التعذيب فأشاعوا ان من لم يمت من التعذيب على يد الثعبان الاصلع سيموت خوفا من تعذيب الثعبان الاصلع ...
5 ــ ومع ان مساعدى كعب الغزال هم من قاموا بالترويج لاسطورة الثعبان الاصلع وارهاب الناس باسمه الا انه سرعان ما وقعوا انفسهم ضحية لهذه الحملة الارهابية ، كل منهم يسأل: ماذا لو غضبت علىّ كعب الغزال والقت بى بين انياب الثعبان الاصلع؟

ثالثا : الواد محمود أبو قاعود
1 ــ الواد محمود ابو قاعود بالذات كان اكثرهم خوفا ، مع إن له تاريخا سابقا مع كعب الغزال ...
الواد محمود ابو قاعود ورث عن السيدة والدته ادمان السرقة ، حتى كان ينطبق عليه المثل القائل ( يسرق الكحل من العين )؛ وكانت – عليها سحائب الرحمة والرضوان – اذا ضبطوها فى حالة تلبس بالسرقة تسرع بالصراخ والعويل والتكبير والتهليل والهتاف والتطبيل ، فيسارعون بالفرار منها ، فتبتسم وتغمز بعينها وتمضى فى طريقها ...
2 ــ الواد محمود ابو قاعود ورث منها المهارة فى السرقة ، ولكن لأنه ورث من والده الغباء الشديد فقد كانت سرقاته مفضوحة ومكشوفة ، واصبحت نقطة ضعف تجعله اكثر تحت سيطرة كعب الغزال وتجعله اكثر خوفا من الثعبان الاصلع ...
ولكن العجيب ان ادمانه للسرقة كان اكبر من خوفه من الثعبان الاصلع وسيدة الثعبان الاصلع ...وبفضل بركات كعب الغزال أصبح الحرامى محمود أبو قاعود بليونيرا يُشار اليه بأصابع القدم .
3 ــ ومنذ أن تصدر الواد محمود ابو قاعود قائمة المفسدين والحرامية الكبار ، فى مملكة كعب الغزال  توثقت الصلة بينه وبين الواد فتوح راغب المشهور بلقب:(القفا )، واتفقا على اقامة حفل او مهرجان كعب الغزال .

4 ــ تعاون الواد حمودة راغب القفا مع محمود أبو قاعود فى إقامة هذا الحفل . دفع الواد حمودة راغب القفا كل ما يملك من مال للواد محمود ابو قاعود ، فحصل على كل الموافقات والتسهيلات ، بل اكثر من هذا حصل على وعد بأن تحضر السيدة الاولى كعب الغزال المهرجان الفنى بنفسها. وتحدد للمهرجان يوم الحادى والثلاثين من شهر رجب المبارك ، وهو يوم عيد ميلاد السيدة كعب الغزال او تاريخ الوكسة كما يسميها شباب النهارده ....
5- تم اعداد مسرح كبير فى ميدان الاستقلال فى البلد والذى تسميه المعارضة ميدان الاستهبال والاستغفال ، وامام المسرح تم تجهيز الصف الاول للسيدة الاولى وكبار اتباعها ، وتخلف عن الحضور الشيخ محجوب بسبب اصابته بالاسهال ...

ماذا جرى فى هذا الحفل الاسطورى ؟

الاجابة فى الحلقة الخامسة .

 

حكومة كعب الغزال وكيف صنعت المعارضة الجهنمية / الحلقة الخامسة

     الثلاثاء 14 ابريل 2015

 

1 ــ كانت كعب الغزالى محتاجة لشىء جديد يشغل الشعب من جديد ، حتى لا يثور ، وتتلخبط الأمور ، فالغلاء ينهش الجميع منذ إعتقال الشيخ منيع ، وإخوانه الجرابيع . والشعب لن يظل خانعا ‘ذا إستمر جائعا .  

لم تعد تُجدى خُطبها الحنونة العاطفية ولا مشاريعها الوهمية البليونية ، ولا أخبار القبض على المتآمرين  من جماعة الاخوان الملاعين. لهذا وافقت كعب الغزال على إقامة حفل  يفوق الخيال .

2 ــ وتعددت المفاجآت فى الحفل  الاسطورى ...

 اولها ان الحفل كله سيدور حول اغنية (كعب الغزال) لمحمد رشدى ، وثانيها انه لا توجد فرقة موسيقية عسكرية ولا قومية ولا ذهبية ولا ماسية ، ولا حتى صوفية .  الموجود فقط هو الواد حمودة راغب القفا الذى ستتسلط كل الاضواء على قفاه من كل الجهات ألصلية والفرعية ؛هو وحده الممثل والمغنى والعازف والراقص والمذيع والقارئ والمعلق ؛هو وحده البطل ، أما الجمهور فهو المسرح الذى سيلعب عليه وسيلعب به الواد حمودة راغب القفا..
2
ــ بعد تقديم الشكر والعرفان والولاء والاخلاص الى السيدة الاولى كعب الغزال قال الواد فتوح ــ وهو يقدم الحفل الذى حضرته كعب الغزال مع كل أعمدة حكمها ــ انه سيجرب لاول مرة العرض المسرحى المفرد الذى سيقوم شخص واحد فيه بكل الادوار ، وبذلك ستكون البلد رائدة لهذا الفن الجديد فى العالم كله تحت قيادة السيدة كعب الغزال . وحتى يجمع بين العالمية والمحلية فإن هذا العرض المسرحى المفرد سيدور ايضا حول موضوع وحيد محلى هو التحية للسيدة كعب الغزال بتجسيد اغنية محمد رشدى ( كعب الغزال يا متحنى بدم الغزال)....
3
ــ وظهر الواد حمودة القفا ، فلمعت الأضواء حول قفاه من الجهات الأربع الأصلية والفرعية . وصفقت له كعب الغزال ، فصفق له كبار الأتباع . وسكت التصفيق إنتظارا لما سيقوله الواد حمودة القفا.

تقدم الواد حمودة راغب القفا وإنحنى للست كعب الغزال ، وشكر الحاضرين بلسان طلق لبق بلق ، ثم قال إنه سيقدم أغنية محمد رشدى ( كعب الغزال ) بتوزيع جديد وطريقة جديدة . وقال انه لن يغنى الاغنية ولكن سيعيش الاغنية مع الجمهور وليس مطلوبا من الجمهور سوى الانصات ...

4 ــ  بعد حركات بهلوانية راقصة ، تصحبها موسيقى من جهاز تسجيل انحنى الواد حمودة راغب للجمهور وقال: تبدأ الاغنية بترديد مقطع:

كعب الغزال يا متحنى بدم الغزال ... كعب الغزال يا متحنى بدم الغزال ...
غناها الواد راغب بصوته .

ثم توقف فجأة وقال: الشاعر هنا يتحدث بالعامية المصرية، والمعنى بالفصحى يا سيدتى كعب الغزال يا من تزينين كعب قدمك بدم الغزال .اى هو يخاطب امرأة حسناء جميلة وقد انبهر باحمرار كعب قدميها فعبر عن ذلك باستعارة بأنها قامت بصبغ كعبها بدم الغزال . وفجأة التفت غاضبا الى الجمهور ، وصرخ:
- ممكن واحد من المعارضة المثقفين منكم يطلع ويقولى ان الشاعر يقصد الهجوم على السيدة كعب الغزال ويتهمها بالدموية وسفك الدماء والوحشية علشان بتحنى كعبها بدم الغزال؟ ... ساعتها ... هاقوله اقعد يا لوح ...
ثم استطرد قائلا:
- دم الغزال هنا مقصود به (المسك) ، وعطور المسك التى تتكون فى بطن الغزال ، وبعدين الغزال يحك بطنه فى الشجرة فيقع منها المسك ، وهو ده قصد الشاعر بالظبط...فاهمين يا بقر ..!!
5 ــ وعاد الواد حمودة راغب يغنى المقطع التالى:

انا شايف الارض بتتمرجح تحت الخلخال ... ما تبطل تمشى بحنية لايقوم زلزال ... لايقوم زلزال ...
وقفز قفزة سريعة ، ثم توقف وتكلم فى جدية:
- فى شرح هذا البيت باللغة العربية الفصحى ، الشاعر يقول انه رأى الارض تتراقص عندما مرت عليه كعب الغزال تتثنى وتتمايل وهى تلبس الخلخال ، ولأنها كانت تمشى بحنان ودلال فإن الشاعر خشى ان يحدث زلزال ... ليس فى الارض ، ولكن فى اجساد الشباب الذين يتابعون مشية كعب الغزال ، فى شبق واشتهاء وسوء حال ، ولذلك ... وخشية من وقوع ذلك الزلزال ، فإن الشاعر يتوجه برجاء الى كعب الغزال ان تتوقف عن السير بهذه الطريقة المغرية حتى يستتب الامن فى البلاد وبين العباد ...
عاود الواد حمودة القفز ثم وقف صامتا ، ثم التفت الى الجمهور فى غضب قائلا:
- ممكن الواد بتاع المعارضة اياه يتنطط ويقولى ان الزلزال هنا اسقاط ليس عن الرغبة الجنسية ولكن عن الثورة الشعبية الكامنة تحت الرماد ، لأن كعب الغزال تركت الشعب جائعا وانفقت كل اموال الدولة على مشروعات وهمية ، وتركت أعوانها يخربون البلاد ، وينهبون العباد ، وهى تتقاسم معهم المسروقات ، بالجنيه والدولارات ، وتتمتع وحدها بكل النعيم بينما يعيش الشعب الحزين فى عذاب مقيم ، يئن من الجوع ، وإذا صرخ فممنوع . !
سكت الواد حمودة راغب ثم صرخ وتكلم بلهجة خطابية:
- اذا قال كده اقوله اخرس يا معارض يا منحط يا حرامى البط ... الست كعب الغزال لا تنام الليل حزنا على سوء الحال ... الست كعب الغزال لا تنام الليل لانها تفكر فى تحسين الاحوال ..لكل النساء والرجال والأطفال ... فالست كعب الغزال صممت على حل مشكلة الخبز بزراعة القمح فى رومانيا واثيوبيا والبرتغال ... الست كعب الغزال هى اول من افتتح الصحراء وقهر ما فيها من اهوال ...الست كعب الغزال هى صاحبة المشروعات التى تٌبهر المصريين والمصريات والمسلمين والمسلمات والقبطيين والقبطيات الأحياء منهم والأموات .
ثم صرخ باعلى صوته:
- وبعدين انت نسيت توشكى واللى صرفناه فيها من اموال؟ هتقولى ده مشروع فاشل هتقولى ده كلام عُزّال ... وبدال ما تبقى معارض عمّال على بطّال ، خليك ايجابى وقولنا حل السؤال!. وإوعى يا ابن الهبلة تمسك لى طبلة ، وتقولى على مشروعات التعمير والتفحير والدعوة للتنوير إن هيه كلام فشار ما لوش أى إعتبار . كده تبقى حمار
صمت الواد حمودة ثم انطلق ضاحكا :
- مثلا عندى حل لمشروع توشكى ... نبعت الشيخ محجوب وفرقة ميليشيات من اخواته الشيوخ الى توشكا - يبنوا هناك حيطة ويقعدوا يقولوا: تبرع يا اخى لبناء مسجد نفق توشكي ، وساعتها هتلاقى توشكي بقت خضره ببركة مشايخنا ...

ونفس الحال مع كل المشروعات القديمة المنسية ، من إسوان للمنشية ..عايزة بركة الشيخ محجوب . الشيخ محجوب والهلافيت الشغالين معاه ثروة قومية بس إحنا سايبينهم عواطلية . 
6 ــ وبعد عدة رقصات وقف ليغنى المقطع التالى:

انا كنت مسافر فى الصحراء ومشوارى طويل 

ايه اللى غصبنى اروح عندك وابيع مواويل 

اتاريك مكار.. رحت شاغلهم قوية ومناديل 

ونسيت مواويلى ..بقيت انت لوحدك موال ...

ما تبطل تمشى بحنية  لا يقوم زلزال ...
وتوقف كعادته ثم انطلق يشرح باللغة الفصحى قائلا:
- الشاعر هنا – لا فُضّ فوه ، أو فُضّ فوه ، ما تفرقش  ، يقدر يركّب طقم اسنان – يقول انه كان سائرا فى الصحراء فى رحلة طويلة ثم يتساءل فى حزن عن السبب الذى اجبره على ان يترك رحلته الصحراوية فى طريقه الى توشكى ، ثم منها الى صحراء قناة السويس . ولكن لسبب ما تذكر كعب الغزال . ويأتى المسكين الى كعب الغزال ليغنى لها اشعار الغرام والغزل والهيام... وهنا الشاعر فى الحقيقة لا يتسائل باحثا عن الاجابة ، والا كان حمارا لا يختلف عنكم اهل البلدة الاعزاء ... التساؤل هنا خرج من اصله اللغوى وهو الاستفهام واصبح له هدفه البلاغى وهو التعجب ... اى يتعجب عن السبب الذى اجبره على قطع رحلته الصحراوية الغراء والذهاب الى كعب الغزال ، او قد يكون التحسر او الالم حسب نفسية الشاعر واحساساته ... لذا تراه بعدها يعرب عن خيبة امله حين اكتشف ان المحبوبة ليست ساذجة او عبيطة ، بل ألعبان وبنت ستين فى سبعين ، لذا فقد تلاعبت بالشاعر المسكين واستغلت عواطفه وإشتغلته بيديها كما تلاعب اصابعها وهى تنسج خيوط الطواقى والمناديل ... كل ذلك والشاعر المسكين قد نسى اغانيه وقصائده ودواوين شعره وتوجه بكل قلبه وما بقى من عقله نحو المحبوبة يغنى لها المواويل وهى لا تتوقف عن المشى بدلال وحنية ولا تخاف من ثورة الزلزال ...
وبعد الشرح سكت.. ثم التفت الى الجمهور غاضبا وسأل:
- فهمتوا يا غجر؟ الواضح هنا ان الشاعر خد بمبة ، بسلامته راح الى كعب الغزال عامل فيها عبد الحليم حافظ ، وقعد يسبّل عينيه ويغنى اسير الحبايب يا قلبى يا دايب ... وفكر ان اللى قدامه مريم فخر الدين او ميرفت امين ، طلعت له واحدة تشبه اسماعيل يس ... خد مقلب .. المسكين ...الشاعر المسكين خد مقلب على رأى المثل اللى بيقول (راحت تاخد بطار ابوهه ، رجعت حبلى ) ... يعنى بسلامتها راحت تقتل اللى قتل ابوها فرجعت حامل فى الشهر التاسع ...ده حال الشاعر المسكين ، خيبه بعيد عن السامعين ولا خيبة الاخوان المسلمين ..  
ممكن هنا يطلع واد تانى يقول: هنا اسقاط سياسى يتهم كعب الغزال بالمكر والاحتيال والتلاعب بعقول الرجال ... وان ده لا يليق بمن تحكم الشعب العريق ... ساعتها هاقوله اقعد واتنيل على عين اهلك ... شعب عريق مين يا حزين ... يصبر على الضرب ويقول امين ... يصبر صبر ايوب وطول عمره مركوب ... من اول مينا والفراعنة والهكسوس .. لغاية الصعيدى والمنوفى والمتعوس ... حكام نصابين من كل صنف وكل ملة...وشعب مافيش زيه فى الخنوع والذلة ...
7 ـ وعلى هذا المنوال استمر الواد حمودة راغب يرقص ويغنى ويصرخ ويشرح ويمدح ويهجو ، ويخلط الهبل على الشيطنة والعبط مع المسكنة . وكانت ليلة ليلاء . والشئ الذى ازعج كعب الغزال ، ان الجمهور ظل يصفق له باستمتاع ، بلا انقطاع ..

خامسا : بعد الحفل الاسطورى

1 ـ جلس حمودة راغب القفا صامتا امام كعب الغزال ... كانت تتامله فى صمت وليس فى الحجرة غيرهما ... اخيرا تكلمت كعب الغزال ... قالت:
- انت ايه ؟ انت مين ؟ انت ليه ؟ انت فين ؟ انت ازاى؟ انت كام ؟...انت  معايا ولا ضدى ؟ اللى زيك أٌلعبان يتلون بكل الالوان ... واكيد جاى عندى فاكرنى صيدة زى صاحبك الشاعر اللى كان فى الصحرا ومشواره طويل ...
رد عليها قائلا:
- العفو يا ست الكل ، مش معقول ابيع المية فى حارة السقايين ...
قالت:
- طيب وجاى ليه عندى هنا فى حارة السقايين يا ابن الملاعين ؟
قال:
- جاى خدام ...
قالت:
- مستحيل تشتغل عندى ... ماقدرش اثق فيك حتى لو حلفت لى بشرف امك ...

قال : لو حلفت بشرف أمى أكون كداب

ضحكت ثم قالت:
- قلت تشتغل خدام .. طيب ازاى؟ اذا ماكانش لك مكان عندى ؟
قال:
- عمرى ما فكرت ابدا اخدمك هنا زى الواد عطوة والواد عجور والواد ابو قاعود ...
 قالت ضاحكة:
- والواد الشيخ محجوب...
ابتسما ... وقالت:
- فهمتك ... وانا موافقة ... تشتغل لحسابى فى المعارضة ...
قال:
- بالظبط ...
قالت:
- موافقة ... بس نتفق ...
قال:
- تحت امرك يا ست الكل ...
قالت:
- اذا لعبت بديلك عندك الثعبان الاصلع ... واقف لك بالمرصاد ...نفسه ومُنى عينه يستلم قفاك ، ويلعب فيه على راحته .
قال:
- عارف ... وخايف ...
قالت:
- تروح تعلن توبتك ... وتربى دقنك..وتجمّع كل المعارضة حواليك وتلم كل فى قلبه مرض ومغلول من ناحيتى ... وبكده تكشف لى عن الكل ...
قال:
- وبعدين...؟
قالت:
- كل شوية اقبض على شوية واعذب شوية ... وافرش السجن حرير لشوية تائبين ... بس انت فى الحفظ والصون انت واللى تثق فيهم وترضى عنهم ...
قال:
- وحدود حركتى؟
قالت:
- بالاتفاق... لازم شوية عيال من بتوعك يشتغلوا ارهابيين هنا ، وفى البلاد التانية ... وممكن اقدم لك شوية عيال من عندى يشتغلوا معاك . ونقبض على اللى تحب نقبض عليه بعد كل عملية ...
قال:
- وبكده كل البلد تقول ان كعب الغزال ارحم من الارهابيين ومن الشيخ منيع وجماعته الكحيانين ...
قالت:
- وكل البلاد اللى برة تأيدنى علشان باقف ضد الارهاب ...
قال:
- يعنى بكده وجودى مرتبط بوجودك ... موافق ... بس فين مكسبى؟
قالت:
- هتعيش تحت حمايتى...ومن هنا ورايح مافيش اى كف هيقرب من قفاك . قفاك خط أحمر . يكون فى الحفظ والصون ..بشرفى

قال : بلاش تحلفى بشرفك . أنا فى عرضك .!

قالت : وحياة قفاك والذُّل اللى شافه أنا معاك صريحة .. ومريحة
لمس الواد حمودة راغب قفاه وتنهد قائلا:
- معقول؟!
قالت:
- ليه لأ... ده ممكن اذا لعبتها كويس لمصلحتى ... اما اذا لعبت ضدى وصدقت نفسك هتلاقى الثعبان الاصلع بيلف حوالين قفاك ...
هتف الواد حمودة قائلا:
- يا حفيظ يا رب

وبهذا تمت ولادة المعارضة الجديدة ، وهى التى ستجعل البلاد على الحديدة ..!!

وبعد أن تخلصت كعب الغزال من معارضة الشيخ  المحتال ، المسمى منيع وأصحابه الجرابيع ، أنشأت معارضة قوية فى هذا العصر ، مكتوب عليها : صُنع فى مصر .!!

شاهد على بضعة أشهر من حُكم السيسى
بدأ مقالا أستبشر فيه بالسيسى أملا فى إصلاح شامل يوفر على مصر تكلفة باهظة فى تحولها الديمقراطي ة فى وقت تشتعل فيه حروب أهلية فى دول الجوار . لكن السيسى خيّب الأمال ، فكتبت أنقده على أمل موضحا أُسُس الاصلاح المطلوب التى يتجاهلها مع قدرته عليها . ثم كتبت أنقده بعد فقدان الأمل ، أكتب بأساليب مختلفة أصولية وتاريخية واستراتيجي ة وفكاهية ساخرة فى تحليل الاستبداد المصرى الفرعونى ، أكتب للعظة ولإبراء الذمة ولتنوير جيل الشباب المصرى ليكون مختلفا عن هذا الجيل الذى أرهق معظمه الدين الوهابى السلفى الحنبلى السُّنى .
أهدى هذا الكتاب للجيل المصرى الواعد الذى سيقوم بالتغيير الى الأفضل ، داعيا الله جل وعلا أن يتم
more