رقم ( 9 )
الباب السابع : ( قل ) فى التشريع

 

  الباب السابع : ( قل ) فى التشريع

الفصل الأول : فى عموم التشريع

مقدمة عن مدارات التشريع

 أولا : فى الوصايا والأوامر العامة :

مقالات متعلقة :

ثانيا : فى بعض التفصيلات التشريعية فى الحلال والحرام

 الفصل الثانى : ( قل ) فى تشريع الحرية الدينية  

أولا :القاعدة الأساس فى تشريع الحرية الدينية : تأجيل الحكم لله جل وعلا  فى الدين الى يوم الدين .

 ثانيا : سريان هذه القاعدة العامة على الاختلافات بين طوائف البشر :

  ثالثا : تفريعات تشريعية لتأجيل الحكم لله جل وعلا يوم الدين :  الحرية الدينية والمسئولية الشخصية الفردية  ـ النبى ليس وكيلا عن أحد  ـ إنحصار دور النبى فى الدعوة فقط وباسلوب القصر ـ  الاعتراف بحريتهم فى الكفر قلبيا وتعبديا .

رابعا :الاعراض عن الكافرين الذين لا أمل فيهم : وارتباط الاعراض عنهم بالجهر بالحق كاملا :

 خامسا : تشريعات الدعوة الاسلامية فى هذا الإطار

 سادسا  ـ   الصفح عن الخصوم فى الدين

  الفصل الأول : فى عموم التشريع

 

مقدمة عن مدارات التشريع

 1 ـ  التشريعات الاسلامية لها مدارات ثلاثة للتأكيد على أن يكون الدين خالصا لله جل وعلا وحده، يقول جل وعلا باسلوب القصر والحصر : ( أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ) الزمر 3 )، وبالتالى فلا مجال لتقديس مخلوق فى دين الله جل وعلا . يشمل هذا : العقيدة القلبية والايمان ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ): يقول جل وعلا لخاتم المرسلين ولنا جميعا : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ )(19) محمد)، والاخلاص فى العبادة لله جل وعلا وحده ، يقول جل وعلا لخاتم المرلسن ولنا جميعا :( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2)، ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14)  الزمر ) والمعاملات مع الناس بالعدل والاحسان وتحريم الفحشاء والمنكر والظلم والبغى ، يقول جل وعلا فى خطاب مباشر لنا جميعا:( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) النحل  )

2 ـ وفى هذا الاطار جاءت الأوامر التشريعيى بكلمة ( قل ) وبدونها . ونعطى بعض التفصيل :

أولا : فى الوصايا والأوامر العامة :

1 ـ وهى تجمع بين المدارات الثلاثة الايمانية والتعبدية وفى المعاملات مع الناس . وتأتى أحيانا فى نسق واحد ، كالوصايا العشر ، وقد بدأت بكلمة ( قل ) :( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) الانعام ) ،

 2 ـ وجاءت بدون كلمة ( قل ) فى سورة الاسراء ، وفيها بدأت الأوامر التشريعية بتحريم الاشراك بالله جل وعلا وعبادته وحده ، ثم إنتهت أيضا بالتحذير من الوقوع فى الشّرك ، وبينهما وصايا أخلاقية تجمع بين العدل والاحسان  ، يقول جل وعلا : (لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (22) وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمْ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (28) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (30) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً (33) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35) وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36) وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنْ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (39)الاسراء).

3 ـ وجاء ( بدون : قل ) مشابها لذلك صفات ( عباد الرحمن ) لتكون نبراسا لمن يريد أن يكون منهم فى سلوكه وعبادته وعقيدته، يقول جل وعلا:(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً (71) وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74) أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (76) الفرقان ).

4 ـ  ومثل ذلك فى صفات المفلحين من المؤمنين للتأكيد على أنه ليس كل المؤمنين مفلحين ، فالمفلحون من المؤمنين يوم القيامة هم من يموتون بهذه الصفات المذكورة فى أول سورة المؤمنون ، يقول جل وعلا :( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) المؤمنون  ) . لم تأت هنا كلمة ( قل ) .

5 ـ  كما لم تأت أيضا فى نفس الموضوع فى صفات الناجين من جهنم ، أصحاب الجنة ، يقول جل وعلا : (كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18) إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) المعارج ).

6 ـ نلاحظ التكرار بكلمة ( قل ) وبدونها ، والتكرار فى الأمر بنفس الوصايا والأوامر والنهى عن نفس الرذائل . وهذا يؤكد بيان القرآن الكريم وتفصيلاته ، فى سياق الوعظ والتذكير . ومع هذا فإن المحمديين الذين يزعمون الايمان بالقرآن الكريم يؤمنون بأن القرآن نزل ناقصا يحتاج لأحاديثهم كى تكمله ، وأنه نزل غامضا مُبهما يحتاج لسُنّتهم كى تبينه وتفصله وتشرحه وتفسّره ، ثم لا يكتفون بهذا ، بل يجعلون من تخريفاتهم السنية حكما على القرآن الكريم ، ( تنسخ ـ بزعمهم ـ أى تُلغى وتُبطل ) شريعة الله جل وعلا فى القرآن الكريم .  وبسبب تعاملهم مع القرآن الكريم بهذه الدرجة من الاحتقار فقد خالفوا كل تلك الوصايا والأوامر والتشريعات . ونعود الى قراءة الآيات الكريمة السابقة وتدبرها ـ وهى واضحات بيّنات ـ ونتفكّر فى مدى تطبيقها فى مجتمعات المحمديين فلا نجد لها أثرا . هذه هى الشريعةالاسلامية الحقّة . وأولئك الذين يرفعون لواء تطبيق الشريعة للوصول للحكم أو للبقاء فى الحكم ، لا يطبقون إلّا المُناقض لها ، أى الشريعة السّنية أو الشيعية . ثم ينسبون هذا ظلما وزورا للاسلام العظيم،يشوهون دين الرحمن ، ويظلمون الله جل وعلا ويفترون عليه كذبا . (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) الزمر )

ثانيا : فى بعض التفصيلات التشريعية فى الحلال والحرام

1 ـ يحلو لأئمة الأديان الأرضية الاعتداء على حق الله جل وعلا فى التحريم والتحليل ، فيستحلون الحرام ( مثل قتل النفس وأكل اموال الناس بالباطل ، بل يجعلون ذلك دينا كالجهاد السّنى بالقتال المعتدى والسلب والنهب والسبى والاغتصاب ، ومثل قتل المُسالم المخالف فى الدين والمذهب والرأى : كقتل المرتد وقتل الزنديق ، وقتل من يخرج عن الجماعة فى الشريعة السنية ) ، وايضا يحرمون الحلال المباح الذى أحله الله جل وعلا ، وسبق أن نشرنا هنا مقالات عن الحلال والحرام فى تشريع الطعام . ونعيد هنا التذكير بالموضوع فى سياق كلمة ( قل )

2 ـ تكرر فى مكة التأكيد على حصر المحرمات فى الطعام فى الميتة والدم المسفوح من الحيوان الحى ، ولحم الخنزير ، والقرابين من الطعام والحيوانات المذبوحة ، والتى تُقدّم للأنصاب والأولياء وسدنة القبور المقدسة ، يقول جل وعلا باسلوب القصر والحصر  وبكلمة ( قل ): ( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) الانعام ). والاستثناء هنا للمضطر أن باكل منها دون ان يكون باغيا أو معتديا على حق الله جل وعلا فى التشريع ، اى فى حالة الاضطرار وليس بأن يكون مستحلا للحرام .

بعدها جاءت إشارة الى أن الذين هادوا حرموا بعض الطعام على أنفسهم فعاقبهم الله جل وعلا بأن جعله محرما فعليا عليهم جزاء بغيهم على حق الله جل وعلا فى التشريع ، يقول جل وعلا:( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) الانعام ) وفى حالة تكذيبهم جاء الأمر لخاتم المرسلين بكلمة ( قل ) بالتهديد لهم : ( فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147). وجاء الإخبار مسبقا بأنهم سينسبون  إجرامهم هذا الى مشيئة الرحمن ، ويأتى الرد مسبقا يتحداهم بكلمة ( قل ) بأن يُأتوا بالدليل والبرهان : ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150) . ثم جاءت بعدها الوصايا العشر التى تركز على المحرمات بكلمة ( قل ) ، وليس فيها هذا الذى زعموه من محرمات الطعام : ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ..) ( الانعام 151 : 153 )

3 ـ وتكر هذا فى سورة الأعراف المكية . بداية فى تعليق على دور الشيطان فى إغواء بنى آدم ، حيث يُقنعهم ويخدعهم بأن ارتكاب الفواحش هو بمشيئة الله جل وعلا وأمره ، وهكذا يفعل أتباع الشيطان فى الديانات الأرضية ، قبل وأثناء وبعد نزول القرآن الكريم : ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا)، ويأتى الرد عليهم بكلمة ( قل ) بأن الله جل وعلا لا يأمر بالفحشاء :( قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (28). بل إنه جل وعلا يأمر بالقسط وإخلاص الدين له جل وعلا  ( قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (29) الى أن يقول رب العزة عن أولياء الشياطين ( إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) الاعراف ).وبعدها يؤكد رب العزة إباحة الحلال فى الزينة والطعام والشراب بلا إسراف: ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) ثم يقول جل وعلا فى اسلوب إستنكارى بعدها عن أولئك الذين يحرمون الحلال : ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) ثم يحصر المحرمات باسلوب القصر فى الفواحش الظاهرة والباطنة والإثم والبغى بغير الحق والاشراك بالله جل وعلا، والكذب على الله بالأحاديث الضالة (  قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (33)الاعراف ). وواضح أن المحمديين وقعوا فى كل هذه المحرمات .

4 ـ وفى سورة ( يونس) المكية أيضا ينهى رب العزة جل وعلا عن تحريم الحلال من الطعام ، يقول جل وعلا فى اسلوب إستنكارى بكلمة ( قل):( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) فالله جل وعلا لم ياذن لهم ،بل هم يفترون عليه الكذب ، ومصيرهم جهنم يوم القيامة  ( وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (60)  يونس ).

5 ـ  وتكرر هذا فى سورة ( النحل ) المكية : يقول جل وعلا فى الأكل الحلال كقاعدة أساس فى خطاب مباشر بدون (قل ) : ( فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)  ثم يوضح الإستثناء المحرم (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) ثم يؤكد رب العزة على الاستنكار على من يحرم الحلال فى الطعام خارج تلك المحرمات ويؤكد أن هذا إفتراء على الله ، ومصيرهم العذاب الأليم يوم القيامة ( وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117). وأنهم يسيرون على ( سُنّة ) الذين هادوا الذين ظلموا أنفسهم : ( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)  النحل )ـ كان هذا كافيا ، ولكن جاء التأكيد والتفصيل  فى المدينة أيضا.

6 ـ فى أوائل ما نزل في المدينة ، فى سورة البقرة ، يقول جل وعلا يكرر ما جاء فى سورة النحل ، فى الأكل الحلال كقاعدة أساس : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) ثم يوضح الإستثناء المحرم ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173). هو تكرار بنفس اللفاظ تقريبا.

7 ـ وفى المدينة تكرر الحوار مع أهل الكتاب فى تحريمهم الحلال من الطعام . نزل القرآن يتحداهم أن يرجعوا الى التوراة الحقيقية ، وكانت لا تزال معهم ، يقول جل وعلا:( كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93)   آل عمران ) . تحداهم رب العزة فقال ( قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) جاء هذا بكلمة ( قل ) .وبدونها خاطبهم رب العزة مباشرة يهددهم :( فَمَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (94) ثم جاء الأمر ب( قل ) بصدق رب العزة،وبأتباع ملة ابراهيم حنيفا :( قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (95) آل عمران ).

8 ـ وفى أواخر ما نزل فى القرآن الكريم جاءت التشريعات عن الطعام بمقدمة وتفصيلات . جاء فى مقدمة للسورة قاعدة التشريع فى الطعام بإيجاز وإعجاز ، يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)) فالحلال هو الأصل والاستثناء فيما بعد (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ).

والتفصيل جاء فى : ( نوعيات الميتة المحرمة ) ، يقول جل وعلا:( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ) الى أن يقول جل وعلا عن الاضطرار : (فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3).

وبعدها تحليل أكل ما يمسكه كلب الصيد وأمثاله من الجوارح : (  يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوامِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) .بعدها تحليل طعام اهل الكتاب خارج المحرمات المعلومة : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) ( 5).

ثم جاء النهى عن تحريم الحلال من الطعام وإعتباره إعتداءا على حق الله جل وعلا فى التشريع ، وهنا جاء الخطاب للذين آمنوا ، وليس للكافرين وأهل الكتاب كما كان يحدث فى السور المكية ، يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) ثم الأمر بالأكل من الحلال الطيب: ( وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)، وألّا جُناح هناك على المؤمنين إذا إتقوا الله جل وعلا فى مطعمهم : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93).

ثم تحريم الصيد فى الاحرام :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (95). ثم تحليل صيد البحر وتحريم صيد البر فى الاحرام ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) المائدة )

 أخيرا  ـ

كل هذا التفصيل والشرح والتكرار والتأكيد لم يؤت ثماره لدى المحمديين وأئمتهم . يكفى أن الشافعى فى كتابه ( الأم ) عاد يشرّع تشريع الجاهلية فى تحريم الحلال فى الطعام ، يضيف محرمات جديدة خارج المنصوص عليها فى القرآن ، ويجعل ذلك هو ( الٍسُّنّة  ) التى جعلها ( تنسخ ) أو تلغى شريعة الله فى القرآن ، كما زعم فى كتابه ( الرسالة ) .

 

الفصل الثانى : ( قل ) فى تشريع الحرية الدينية  

أولا :القاعدة الأساس فى تشريع الحرية الدينية : تأجيل الحكم لله جل وعلا  فى الدين الى يوم الدين .

 ثانيا : سريان هذه القاعدة العامة على الاختلافات بين طوائف البشر :

  ثالثا : تفريعات تشريعية لتأجيل الحكم لله جل وعلا يوم الدين :  الحرية الدينية والمسئولية الشخصية الفردية  ـ النبى ليس وكيلا عن أحد  ـ إنحصار دور النبى فى الدعوة فقط وباسلوب القصر ـ  الاعتراف بحريتهم فى الكفر قلبيا وتعبديا .

رابعا :الاعراض عن الكافرين الذين لا أمل فيهم : وارتباط الاعراض عنهم بالجهر بالحق كاملا :

 خامسا : تشريعات الدعوة الاسلامية فى هذا الإطار

 سادسا  ـ   الصفح عن الخصوم فى الدين

أولا :القاعدة الأساس فى تشريع الحرية الدينية : تأجيل الحكم لله جل وعلا  فى الدين الى يوم الدين .

1 ـ نحن فى يوم ( الدنيا ) دار الاختبار والحرية والاختيار ، نموت ، وبعد فناء العالم يأتى يوم ( الدين ) بيوم الحساب على ما عمله كل فرد فى حياته الدنيا . وهناك نوعان من الحقوق : حقوق الانسان ، أو بتعبير الفقهاء ( حقوق العباد ) فى النفس والمال والعِرض ، وهذه لها جزاءات  أوعقوبات دنيوية لردع الظالم ، وهى تسقط بالتوبة الظاهرية ، هى خصومات بين الأفراد . أما حقّ الله جل وعلا من الايمان به وحده وعبادته وحده وتقديسه وحده فالحكم فيه مؤجل ليوم الدين ، لرب العالمين . لأن الخصومات الدينية فيها تتعلق بالله جل وعلا ، فالحكم فيها بين المختلفين المتخاصمين يجب أن تكون لله جل وعلا وحده يوم الدين ، وهو وحده صاحب الشأن ، وقد أعدّ لهذا يوما ثقيلا ، هو يوم الدين . والعادة أن أغلبية البشر لاهون عن الاستعداد لهذا اليوم الثقيل الآت بلا ريب ،هم مشغولون عنه بالدنيا العاجلة الفانية ، ويذرون وراءهم يوما ثقيلا، يقول جل وعلا:( إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (27)الانسان  )

2 ـ ولأن الحكم بين البشر فى خلافاتهم الدينية حق لله جل وعده ، فهذا يأتى ضمن الصفات الخاصة بالله جل وعلا وحده ، فلأنه جل وعلا هو وحده فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة ، إذن فهو وحده الذى يحكم بين البشر يوم القيامة فيما هم فيه يختلفون ، يقول جل وعلا : ( قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) الزمر ) ، ولأنه جل وعلا هو وحده الربّ لكل شىء فاليه وحده مرجعنا يوم القيامة ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون : ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) الانعام). وقد جاء هذا بكلمة ( قل ). 

وبدون ( قل ) ، يقول جل وعلا فى خطاب مباشر للناس جميعا : ( وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)المؤمنون ) ، أى ليس لأحد من البشر أن يحاسب أحدا من البشر إختار أن يُشرك بالله جل وعلا ، لأن حساب هذا المشرك عند ربه جل وعلا ،ووقتها لن يفلح الكافرون المشركون . وبدون ( قل ) أيضا يقول جل وعلا أيضا فى خطاب مباشر للناس جميعا : ( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) الزمر ) . ما أروع قوله جل وعلا فى هذه الآية الكريمة ، فى تقرير حرية البشر فى كفرهم به جل وعلا ، وهو لا يرضاه ، ولكن يتركهم أحرارا فى كفرهم ومسئولين عن كفرهم يوم مرجعهم اليه يوم الدين .

ثانيا : سريان هذه القاعدة العامة على الاختلافات بين طوائف البشر :

 ومن القاعدة العامة فى مرجعية الحكم له جل وعلا وحده على البشر جميعا يوم الدين ، نأتى الى تفصيلات لسريان هذه القاعدة على طوائف البشر وأديانهم وإختلافاتهم الدينية .

1 : فالاختلافات الدينية بين بنى اسرائيل مرجع الحكم فيها لله جل وعلا يوم القيامة ، يقول الله جل وعلا : ( وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمْ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) يونس) ( إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) النحل )( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة )( وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنْ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) الجاثية).

  2 : وعن تأجيل الحكم لله جل وعلا فى الاختلافات بين اليهود والنصارى، يقول جل وعلا  : ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة ).

3 : وعن تأجيل الحكم لله جل وعلا  فى الاختلافات بين المسيحيين يقول جل وعلا يخاطب عيسى عليه السلام : ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)آل عمران )

  4 : وعن تأجيل الحكم لله جل وعلا فى الخلافات بين المؤمنين بالقرآن وأهل الكتاب يأمر جل وعلا الفريقين بالتسابق فى الخيرات وليس التنافس فى التعصب و الموبقات، و يقول جل وعلا : ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) المائدة )

  5 : وعن تأجيل الحكم لله جل وعلا فى الخلافات بين أهل القرآن والمشركين الذين يعبدون القبور والأولياء يقول جل وعلا : (  أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3 الزمر) .

6 : وعن تأجيل الحكم لله جل وعلا فى الخلافات بين خاتم المرسلين والمشركين فى عهده، يقول له جل وعلا  بدون ( قل ):( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31 الزمر ) ، وبكلمة ( قل ) ( وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) الحج)

ثالثا : تفريعات تشريعية لتأجيل الحكم لله جل وعلا يوم الدين :

  الحرية الدينية والمسئولية الشخصية الفردية

  لأن حسابنا سيكون يوم القيامة فقط أمام رب العزة فقط فلا سلطة لأى بشر فى إلزام بشر آخر فى الدين ، ولا إكراه فى الدين . وبالتالى فإن الهداية مسئولية فردية ، وكل عمل للفرد يتم تسجيله ومؤاخذته به يوم الدين ، ومن إهتدى فقد إهتدى لنفسه وصالح نفسه ، ومن ضلّ فقد ضلّ على نفسه وضد صالح نفسه ، يقول جل وعلا : ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الاسراء ). أى من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعلى نفسه ، واليه جل وعلا مرجعنا يوم الدين ، يقول جل وعلا : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15 الجاثية ) ولا يوجد ظلم فى يوم الحساب فى هذا الحساب الفردى ، يقول جل وعلا:( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (46) فصلت )

النبى ليس وكيلا عن أحد

مع مرجعية الحكم لله جل وعلا وحده ، ومع المسئولية الشخصية الفردية فى مجال الايمان والهداية والكفر والضلالة فإن النبى محمدا عليه السلام نفسه ليس وكيلا عن أحد وليس حفيظا على أحد وليس له سيطرة على أحد ، وليس مسئولا عن أحد . يقول جل وعلا بكلمة ( قل ) :( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109 يونس ) ، وبخطاب مباشر للناس يقول جل وعلا :( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104 الانعام )، وبخطاب مباشر للنبى عليه السلام يقول جل وعلا  ( إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) الزمر)

إنحصار دور النبى فى الدعوة فقط وباسلوب القصر :

 وبالتالى فإن دوره عليه السلام هومجرد الإنذار والتبليغ، وهنا استعمال (قل ) ، يقول جل وعلا: (  فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنْ الْمُنذِرِينَ (92) وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) النمل ). فوظيفته هى الانذار وليس أن يكون وكيلا مسئولا عن أحد ، يقول جل وعلا فى خطاب مباشر له عليه السلام : ( إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) هود )، والانذار يعنى التذكير بالكلمة وليس بالاستطالة على الناس وفرض السيطرة عليهم ، ففى النهاية مرجعهم للخالق جل وعلا ، وهو وحده الذى سيحاسبهم، يقول جل وعلا له فى خطاب مباشر : ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) الغاشية )

 الاعتراف بحريتهم فى الكفر قلبيا وتعبديا

هذا يعنى الاعتراف بحريتهم فى الكفر ، والسماح لهم بممارسة شعائرهم الدينية فى تقديس القبور والأولياء والموالد والحج الى الأنصاب وتقديم القرابين لها ، وهو نفس تقرير الحق للمؤمنين فى عبادة الله جل وعلا وحده . هنا المساواة المطلقة فى الحرية الدينية للجميع ، المساواة بين حرية الايمان وحرية الكفر ، ونزل هذا باسلوب بالغ الروعة ، يقول جل وعلا : ( وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) هود ) وباستعمال (قل ) أيضا : ( قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) الانعام ) ( قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) الزمر )

وبنفس المساواة فى الحرية الدينية جاء الاعتراف بمشيئتهم فى الضلال وفى عبادة البشر والحجر ، مع تحذيرهم من الخسران يوم القيامة ، يقول جل وعلا باستعمال ( قل ) : ( قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنْ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) الزمر) ، وجاء هذا أيضا مصحوبا باعلان البراءة منهم طالما يكذبون بالحق القرآنى ، يقول جل وعلا باستعمال ( قل ) :( وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41 يونس ) فيكفى أن الله جل وعلا سيجمعنا جميعا يوم القيامة ويحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون، يقول جل وعلا :( لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) الشورى)، ونزلت سورة ( الكافرون ) تؤكد حرية الدين لنا ولهم بأروع اسلوب فى المساواة ، يقول جل وعلا: (بسماللهالرحمنالرحيم) قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) الكافرون )

رابعا :الاعراض عن الكافرين الذين لا أمل فيهم :

1 ـ يرتبط هذا الاعراض عنهم بالقاعدة الأساس ، وهى مرجعية الحكم علينا وعليهم لله جل وعلا يوم الدين ( يوم الفتح ) . باستعمال ( قل ) يقول جل وعلا : ( قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنتَظِرُونَ (30 السجدة ) ويأتى تحذيرهم مقدما من هذا اليوم مع التأكيد بأنه عليه السلام ليس حفيظا ولا وكيلا ولا مسئولا عنهم ، فليس عليه سوى البلاغ  ، يقول جل وعلا : ( اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ  ) (48) الشورى )، ونفس المعنى جاء فى قوله جل وعلا  فى خطاب مباشر للنبى عليه السلام :  ( اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107 الانعام )، وأيضا: ( فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) النجم ) 

 

 2 ـ وأمره ربالعزة بالاعراض عن المنافقين مع تقديم النصيحة لهم مسبقا : ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63)، وكان منهم من يخدع النبى بمزاعم الطاعة ثم يقوم بالتآمر عليه ، فقال جل وعلا  يأمر بالاعراض عنهم :(وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (81) النساء ). كما أمره ربه بالاعراض عن مجالس المشركين إذا أخذوا فى الخوض فى آيات القرآن يكذبون بها ، فإذا سكتوا عن هذا الخوض فلا حرج فى العودة لمجالستهم ، يقول جل وعلا : (  وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68 الانعام )

3 ـ ويأتى الاعراض عنهم بالرد عليهم بجميل القول ، كالسلام  فى مواجهى لغوهم وهذيانهم ، يقول جل وعلا عن صفات المؤمنين من أعل الكتاب : ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) القصص )، يقول جل وعلا من ضمن صفات المؤمنين المفلحين أنهم عن اللغو معرضون : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) المؤمنون ) ومن صفات عباد الرحمن يقول جل وعلا : (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً (72) الفرقان ) و (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (63) الفرقان ) .

ارتباط الاعراض عنهم بالجهر بالحق كاملا :

على أن هذا الاعراض لا يعنى الاعراض عن قول الحق ، ولا يعنى عدم التعرض لآلهتهم بما هو حق ، بل قول الحق جهرا وصدعا مع الاعراض عن الجاهلين المشركين، يقول جل وعلا :( خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ (199) الاعراف ) ويقول جل وعلا : ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ (94) الحجر ) .

خامسا : تشريعات الدعوة الاسلامية فى هذا الإطار

1 ـ  توضيح الحق القرآنى هو الدعوة بالتى هى أحسن ، وهى الجدال بالتى هى أحسن ، يقول جل وعلا : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  )(125) النحل ) هذا التوضيح ليس عيبّا وشتما . حين تؤكد للمحمديين بشرية النبى وأنه كان جسدا كأجساد البشر ، وأنه كان يأكل الطعام ويمشى فى الاسواق وأنه مات وتحلل جسده كبقية البشر ـ فأنت تقرر حقائق قرآنية. ولكنهم يعدون هذه الحقائق القرآنية عيبا فى الذات الالهية التى زعموها للنبى عليه السلام . نفس الحال حين تؤكد بشرية المسيح ، وتقرأ ما قاله جل وعلا فى بشرية المسيح وأمّه . نفس الحال مع المحمديين الشيعة الذين يقدسون عليا بن أبى طالب ، إذا تعرضت لتاريخه المكتوب بالنقد والتحليل ، ونفس الحال مع المحمديين السنيين حين تتعرض للصحابة ، وللمحمديين الصوفية حين تحلل أقوال وتاريخ الأولياء الصوفية . هم يعتبرون ذلك سبّا فى آلهتهم ، لأنها عندهم فوق مستوى البشر ، ولا يجوز أن تتعامل معها إلا بالتقديس والتبجيل والتاويل . هنا يكون الجهر بالحق مهما كان مؤلما للمشركين ، وفى نفس الوقت الاعراض عنهم ، بل رد أو ( دفع ) سيئاتهم بالتى هى أحسن . يقول جل وعلا : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) المؤمنون )( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) فصلت) . هذا يستلزم صبرا هائلا لا يتحلّى به إلّا صاحب الحظ العظيم ، لذا يقول جل وعلا  لخاتم المرسلين يأمره بالصبر وعدم الضيق من كيد المشركين: ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128 النحل ).

2 ـ وأعطى رب العزة نموذجين : فى جدال أهل الكتاب بالتى هى أحسن ، وما يجب قوله لهم : (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) العنكبوت ). والنموذج الآخر فى الحوار مع الكافرين :( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) سبأ )

سادسا  ـ   الصفح عن الخصوم فى الدين :

ليس مجرد الصفح ، بل الصفح الجميل . يقول جل وعلا : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) الحجر ) فطالما أن الساعة قادمة بالويل والخلود فى الجحيم فعلينا أن نصفح عنهم إكتفاء بما سيحدث لهم . يقول جل وعلا  فى الصفح عنهم وقول السلام لهم : ( وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89غافر )

وفى أمر بكلمة ( قل ) يأتى التشريع للمؤمنين بالغفران للمشركين ، يقول جل وعلا : ا( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) الجاثية)

 أخيرا : السبب أنهم لا يؤمنون باليوم الآخر .!!

باختصار ، وبدون وجع قلب ، فإن الدين السّنى يتناقض مع كل ما سبق جملة وتفصيلا ، والسعودية أكبر دليل على ذلك . أليس كذلك ؟   

 

 

 

 

 

 

 

  

 

 

 

 

   

 

 

 

 

  

  

 

  

 

 

 

 

 

 

 

 

كتاب ( قل ) فى القرآن الكريم

( أقوال الرسول فى القرآن فقط ، وليس له أقوال فى الاسلام خارج القرآن )
هذا الكتاب يوجز معالم الاسلام فى القرآن الكريم ،ويثبت أن أقوال الرسول فى القرآن فقط ، وليس له أقوال فى الاسلام خارج القرآن الكريم . أى يجعل حدا فاصلا بين دين الاسلام الذى لا مصدر له سوى القرآن ، واديان المحمديين الأرضية وتراثهم البشرى .
more




مقالات من الارشيف
more