رقم ( 6 )
الباب الرابع : ( قل ) فى الحوار وسيلة للشفاء من مرض الكفر

  الباب الرابع : ( قل ) فى الحوار وسيلة للشفاء من مرض الكفر 

 الفصل الأول : ( قل ) فى الحوار مع الكافرين حول ( الخلق ) 

أولا : معنى الحوار

ثانيا : الحوار حول الخلق

 ثالثا  الحوار حول الخلق بدون ( قل )

 رابعا : الحوار حول الخلق باستعمال ( قل )

 الفصل الثانى ( قل ) فى الحوار فى التأكيد على عبودية النبى لله جل وعلا وحده 

كفى شرفا للنبى أن يكون عبدا للخالق جل وعلا

أولا : بشرية النبى و الحوار ب ( قُل )

ثانيا : عبودية النبى لله جل وعلا

ثالثا : عبودية النبى تكريم له

رابعا : تكريم الأنبياء بالعبودية للرحمن جل وعلا

خامسا : التكريم للبشر بالعبودية للرحمن جل وعلا 

 الفصل الثالث : ( قل ) فى الحوار فى الألوهية ردّا على  الكافرين

مقدمة  

أولا : أسئلة متنوعة  تتحدى  بدون ( قل ) :

ثانيا : أسئلة متنوعة  تتحدى  باستعمال ( قل ) :

الفصل الرابع  : ( قل ) بأسئلة فى الحوار فى الألوهية تهديدا للكافرين

مقدمة :ـ السؤال هنا ب ( قل ) عن النشأة . أسئلة عن 1 ـ النشأة الأولى 2 ـ السمع والابصار والادراك

3 ـ الاهلاك 4 ـ  الماء .5 الليل والنهار   6 ـ الانذار بالوحى ـ لا جدوى من هداية أولياء الشيطان

الفصل الخامس  : ( قل ) فى  حوار فى الألوهية بإيقاظ الفطرة داخل الكافرين  

 

مقدمة : تدبر قوله جل وعلا : ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) سبأ )

أولا : ( صاحبكم ) . ثانيا : الفطرة:ثالثا : مخاطبة الجانب الخيّر ( الفطرة ) داخل قلوب المشركين 

  الفصل السادس  : ( قل ) فى الحوار وعظا بقرب قيام الساعة

مقدمة : ـ  

أولا : تأجيل عذاب المشركين الى قيام الساعة .

ثانيا : إقتراب العذاب ( إقتراب الساعة )   

ثالثا : قيام الساعة ـ أيها القارىء الآن  ـ أقرب اليك مما تظن .

أخيرا

الفصل السابع : ( قل ) فى الحوار فى الألوهية تحديا للمشركين طلبا للدليل العملى والعقلى  

مقدمة

اولا : أرونى الدليل العملى

ثانيا :   الاحتكام للدليل العقلى بكلمة ( قل ) وبدونها 

  الفصل الثامن  :  فى حوار حول الولاية والأولياء  ( قل )

مقدمة :

أولا : الله جل وعلا هو الولى وحده

ثانيا : إتخاذ الشيطان وليا:

 ثالثا : إتخاذ البشر أولياء من دون الله جل وعلا

 رابعا : ارتباط الموالاة بالنصرة

  الباب الرابع : ( قل ) فى الحوار وسيلة للشفاء من مرض الكفر 

 الفصل الأول : ( قل ) فى الحوار مع الكافرين حول ( الخلق ) 

أولا : معنى الحوار

ثانيا : الحوار حول الخلق

 ثالثا  الحوار حول الخلق بدون ( قل )

 رابعا : الحوار حول الخلق باستعمال ( قل )

 أولا : معنى الحوار

1 ـ قيم التعقل والحرية وقيمة ابن آدم ومسئوليته تتمثل فى حوار رب العزة مع بنى آدم .

2 ـ الحاكم المستبد من البشر يستنكف من الحوار مع شعبه مع أنه  فرد منهم مخلوق مثلهم ، ولكن الخالق جل وعلا المهيمن العزيز الجبّار يُجرى حوارا مع بعض مخلوقاته ، وهم بنو آدم .

3 ـ الاحتكام فى هذا الحوار للعقل ، وقد أنزل رب العزة القرآن الكريم كى نتعقّل أو نستعمل عقلنا (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف ) (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) الزخرف   ) وتكرر فى القرآن الدعوة للتعقل والتفقه والتفكر والتبصّر لنستعمل عقولنا التى نتميز بها عن الحيوانات.

4 ـ ومعنى هذا الحوار الذى يُجريه رب العزة معنا أننا أحرار ، نملك إختيارنا بأيدينا ، نملك أن نؤمن به وحدا إلاها لا إله سواه ، ونملك أن نؤمن بغيره آلهة وأولياء معه ، وهو جل وعلا يحاورنا كلى يُقنعنا ، دون أن يفرض علينا الرأى الحق والايمان الحق . المستبد الشرقى  هو باطل يسير على قدمين ، وهو يفرض باطله على الناس  دون حوار إلا مع مستشاريه الذين يفكرون له فيما يرضيه . المستبد لا يتصور أن يتحاور مع أحرار ، وكل ما لديه أن يقول حتى لمستشاريه مقالة فرعون  ( مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) غافر  ) ، ولكن رب العزة قيوم السماوات والأرض يتحاور مع بعض مخلوقاته  ليؤمنوا بالحق وبالعدل الذى نزلت به الرسالات السماوية .

5 ـ وهذه الحرية التى كرّم الله جل وعلا بها بنى آدم لها جانب آخر يساويها ويترتب عليها ، وهو مسئولية بنى آدم  ومصيره يوم الدين بناءً على إختياره ، إمّا خلودا فى الجنة أو خلودا فى النار .

ثانيا : الحوار حول الخلق

1 ـ حقيقة لا جدال فيها ، وهى أن الله جل وعلا هو وحده خالق السماوات والأرض وما بينهما وخالق الأحياء والجمادات ، وخالق كل شىء وما عداه مخلوق . وهذه الحقيقة تؤكد أنه لا إله مع الله .

2 ـ وبالتالى فإن المؤمن  الحق يُنكر تقديس مخلوق مثله ، بل ويتفكّر فى خلق السماوات والأرض ، وأن هذا بالحكمة و ليس عبثا ، وجاء فى صفات المؤمنين العقلاء أولى الألباب : ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ )(191 ) آل عمران )، وعلى العكس فإن الكافرين هم الغافلون عن هذه الحقيقة والذين لا يتفكرون فى خلق السماوات والأرض : ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) الروم )

3 ـ كلما تقدم العلم بكوكب الأرض إزداد إنبهار الانسان بإبداع الخالق جل وعلا وتجهيزه هذا الكوكب ليلائم الحياة . وكلما تقدم العلم بالنجوم والمجرات ( وهى التى بين السماوات والأرض ) إزداد الانسان إنبهارا مع أنه لا يزال على ساحل المعرفة بهذا الكون المادى ، فكيف بالأكوان غير المرئية كالبرزخ والسماوات ؟ لذا يظل الانسان مهما تقدم به العلم ينظر الى عظمة الأجرام السماوية ويُعيد النظر فيما فيها من إحكام وتقدير وتنظيم : ( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) الملك ).

4 ـ من هنا يدعو رب العزة الى ( النظر ) فى ملكوت السماوات والأرض . و ( النظر ) هنا هو بحث علمى مقترن بالتعقل الايمانى  القائم على أنه يستحيل أن يكون هذا الخلق الهائل الدقيق جاء بالصدفة وبلا خالق ، فهو ليس كونا عشوائيا بلا صاحب ، بل هو كون مستمر بالحركة يديره خالقه جل وعلا ويسيطر عليه و يتحكم فيه ، فقد خلقه لحكمة ولأجل مسمى . الحكمة هى إختبار الانسان فى حياته الدنيا ( وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً )هود 7 ) ، ولهذا فالسماوات والأرض وما بينهما من نجوم ومجرات وثقوب سوداء وبيضاء يعجز الانسان عن تصور عظمتها ـ هى مخلوقة لأجل مسمى ، مخلوقات مؤقتة ، وسيتم تدميرها بقيام السلعة حيث يخلق الله جل وعلا سماوات خالدة وأرضا خالدة ، وحيث يبرز الخلق للقاء الرحمن جل وعلا: ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) ( ابراهيم 48 ) ، هذا هو اليوم الحق الذى من أجله خلق هذه السماوات والأرض ، ثم سيدمرهما حين يأتى الأجل المسمى وهو قيام الساعة . يقول جل وعلا :( مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ) (3) الاحقاف )، وليس فى الأمر عبثا ولعبا ولهوا : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ )( الانبياء 16 )( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) الدخان 38 ـ ).

5 ـ بعض الملحدين من علماء الفلك والفيزياء يتميزون بالذكاء ولكن بلا تعقل ، أى يتوقفون عند بحث المادة مع إنكار الخالق جل وعلا . وهذا خارج عن مفهوم ( النظر ) أو ( البحث العلمى ) وهو فريضة اسلامية ضمن الفرائض المنسية ، أضاعها الدين السنى بأحاديثه ومفترياته وخرافاته . يقول جل وعلا داعيا للنظر العلمى المقترن بالايمان بالخالق الذى أبدع ما خلق :( قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ )( 101 يونس)( قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ )(العنكبوت 20 ).ويقول جل وعلا يصف القرشيين والعرب والمحمديين ومعظم البشر:( وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ) ( يوسف 105)

6 ـ ويقرن جل وعلا النظر العقلى العلمى فى ملكوت السماوات والأرض ومخلوقات الرحمن بوعظ الانسان ، خصوصا إذا إقترب أجله ، ويحذّره رب العزة من الايمان بحديث آخر غير حديث رب العزة فى القرآن الكريم : (  أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ )( الاعراف 185 ).

7 ـ وجعل الله جل وعلا من قضية ( الخلق ) عنصرا هاما فى حواره مع الكافرين ، وهو حوار جاء حينا بدون ( قل ) وجاء أحيانا مشفوعا بكلمة ( قل ) .

ثالثا  الحوار حول الخلق بدون ( قل )

1 ـ مهما بلغ كفر أحدهم فهو بينه وبين نفسه يؤمن بأن لهذا الكون خالقا . ذلك الملك الكافر الذى زعم الالوهية وأنه يحيى ويميت أفحمه ابراهيم عليه السلام بأن قال له إن الله جل وعلا يأتى بالشمس من المشرق فهل يستطيع هو أن يأتى بالشمس من المغرب :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ )( البقرة 258 ). هذا الذى كفر ( بُهِت ) لأنه فى داخله يؤمن أن الله جل وعلا هو خالق السماوات والأرض .

2 ـ ولم يحدث ولن يحدث أن يأتى إنسان يزعم أنه خالق السماوات والأرض ، أو خالق البشر . لو قال أحدهم هذا فسيكون مصيره أقرب مستشفى للأمراض العقلية . ومن هنا يقول رب العزة للبشر : هل تم خلقهم من لاشىء ؟ أم هم الذين خلقوا أنفسهم ، وهذه السماوات والأرض هل هم الذين خلقوها :(  أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ (36) الطور ). وحتى أصل الانسان ( الحيوان المنوى والبويضة ) هل هم الخالقون له أم رب العزة : (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ )( 57 : 59  ) ( الواقعة )

3 ـ ومن تسليم الكافرين بأنه جل وعلا خالق البشر وخالق السماوات والأرض كانت الحُجّة القاهرة عليهم فى هذا الحوار الالهى معهم ، فلو سألهم النبى أو أى سائل : من خلقكم ؟ من خلق السماوات والأرض فسيقولون الله ، إذن السؤال التالى : الى متى يتم خداعهم ؟ (أنى يؤفكون ؟ ) : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) الزخرف )، ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الزحرف )  ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّا يُؤْفَكُونَ (61) العنكبوت ) .

4 ـ ومن تسليمهم بأن الله جل وعلا هو الذى يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل ويسخر الشمس والقمر يأتى تساؤل آخر ساخر عن مغزى ومعنى إتّخاذهم آلهة وأولياء موتى فى قبورهم قد تحولوا الى رماد لا يسمعون من يستجير بهم ، وحتى لو سمعوا فلا يملكون إجابة الدعاء ، ثم يوم القيامة سيتبرأون من أولئك العابدين لهم : ( يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) فاطر ).

5 ـ وجاءت تنويعات من الأسئلة الحوارية حول هذه الآلهة والأولياء المخلوقة والتى لا تخلق :

ـ هل يتساوى الخالق بالمخلوق :( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) النحل ).

ـ التأنيب لهم حين يجعلون للخالق جل وعلا شركاء لا تخلق شيئا بل هى مخلوقة لا تملك نفعا ولا ضرا : ( أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) الاعراف ) ـ ( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً (3) الفرقان ) . بل هى   موتى لم تخلق شيئا ولا تشعر بأحد ، وبالتالى فلا إله إلا الله وحده لا شريك له :( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22 النحل )

رابعا : الحوار حول الخلق باستعمال ( قل )

على نفس النسق السابق جاء الحوار يؤكد ويكرر باستعمال (قل ) ، ومنه :

1 ـ التساؤل عما خلقته هذه الآلهة المزعومة ، وهل لهم ملكية مشاركة فى السماوات : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِأَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (40) فاطر ) ، ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِاِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) الاحقاف )

2 ـ هذه الآلهة المزعومة كلها هل تملك أن تخلق ذبابة  : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) الحج )

3 ـ وهل تملك أن تبدأ الخلق ثم تعيده ؟ ( قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلْ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّا تُؤْفَكُونَ (34 )يونس )

4  ـ وفى التساؤلات معهم عمّن خلق السماوات والأرض ، يأتى تسليمهم بأنه الله جل وعلا : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (25) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) لقمان )

 وتترتب تساؤلات على تسليمهم بأن الخالق هو الله جل وعلا وحده :

ـ هل تملك تلك الآلهة كشف الضُّر لمن أوقع الله جل وعلا به ضُرّا ، وهل تملك منع رحمة أنزلها الله جل وعلا : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) الزمر )

ـ  وهل خلقوا بشرا ومخلوقات فتشابه خلقها مع ما خلق رب العزة ، أم أن رب العزة هو وحده خالق كل شىء : ( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) الرعد )

ـ   وما أروع هذا الحوار العقلى الذى يُجريه رب العزة مع البشر مشفوعا بكلمة (قل ) فى البداية  ، ثم تأتى التساؤل الرائع ( أإله مع الله ): ( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ) ( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ) ( أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ )( أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ( أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ( النمل 59 : 64 )

تحليل هذا الحوار يخرج عن موضوعنا ، ولكن نعيد التذكير بأنه لم يكن التساؤل عن ( وجود الله ) بل فى نفى وجود إله مع الله جل وعلا . أى فى التأكيد على أنه لا إله مع الله ، وأنه لا اله إلا الله .

أخيرا

سؤال لمن يقدسون محمدا ويرفعونه الى جانب رب العزة فى الصلاة والأذان والحج .. هل محمد هو خالق هذه الآرض ؟ هل هو خالق المجموعة الشمسية ؟ هل كان يعرف فى حياته شيئا عن إعجازات المجرات وإعجازات الذرة والنواة والاليكترون ؟

سؤال لمن يعبد المسيح ومحمدا وبوذا ..الخ  .. هل لو إجتمعت كل تلك الآلهة المزعومة هل تستطيع أن تخلق ذبابة ؟

سؤال للمحمديين : ماذا سيكون موقفكم يوم القيامة وهو عليه السلام يتبرأ منكم ومما زيفتموه من تأليه يتنافى مع رسالة القرآن التى قضى عمره يكافح من أجلها ؟

ثم من يحب النبى محمدا عليه السلام : ذلك الذى يدفع عنه الافتراءات التى تلوث سيرته القرآنية العطرة أم أولئك الذين بدلوا نعمة القرآن كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ؟

 الفصل الثانى ( قل ) فى الحوار فى التأكيد على عبودية النبى لله جل وعلا وحده 

كفى شرفا للنبى أن يكون عبدا للخالق جل وعلا

أولا : بشرية النبى و الحوار ب ( قُل )

ثانيا : عبودية النبى لله جل وعلا

ثالثا : عبودية النبى تكريم له

رابعا : تكريم الأنبياء بالعبودية للرحمن جل وعلا

خامسا : التكريم للبشر بالعبودية للرحمن جل وعلا 

أولا : بشرية النبى و الحوار ب ( قُل )

1 ـ لأنه جل وعلا يعلم الغيب ولأن القرآن نزل للناس جميعا حتى قيام الساعة ، ولأن للمشركين عادة سيئة فى تقديس البشر وتحويل شخصية النبى البشرية الى إله بالتزييف ، لهذا جاء فى سياق كلمة ( قل ) التأكيد على بشرية النبى . ومن إعجاز القرآن أن هذا بالذات يأتى ردا على المحمديين الذين يقدسون خاتم المرسلين . وما يفعله المحمديون هو إمتداد ( عكسى ) لكفار قريش الذين كانوا يستنكرون أن يكون النبى بشرا مثلهم ، فجاء المحمديون يستنكرون ان يكون ( محمد ) بشرا مثل بقية البشر .

2 ـ كان القرشيون يسخرون من النبى حين كان يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق كأى بشر ، ومن سخريتهم أنه لو كان رسولا لما إحتاج لهذا : ( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (8) الفرقان ).

تخيل لو ذهب واحد من ( أهل القرآن ) الى منطقة الأزهر ، وأكل ( كشرى ) فى مطعم هناك ، ثم إتّجه الى مسجد الحسين واستنكر تقديس قبر الحسن ، إن بقى حيا بعدها سيكون أخف ما يتعرض له هو السخرية من هذا الذى يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق ، ويتعرض للمقدسات والثوابت وما وجدنا عليه آباءنا  .

3 ـ ولأنه عليه السلام  فى حياته فى مكة كان يتعرض لآلهتهم المقدسة ، ولأنهم كانوا يرونه بشرا مثلهم فقد إستكثروا أن يقوم بشر مثلهم بالنيل من مقدساتهم ، فردوا على ذلك بالسخرية منه ، فكان إذا مرّ عليهم فى الطريق يشيرون اليه باستهزاء : أهذا الذى يذكر آلهتكم : ( وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ )(36)الأنبياء)،أو يتندرون عليه ساخرين : أهذا هو رسول الله ؟ : ( وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً (41) الفرقان ). لا يتخيلون الرسول بشرا مثلهم ، يتصورونه الاها مختلفا عنهم . وفى هذا يتفق المحمديون والمسيحيون والبوذيون والقرشيون ..الخ

4 ـ وفى المقابل كان عليه السلام مأمورا أن يؤكد أنه ( بشر مثلنا ) ولكن يُوحى اليه بأنه ( لا إله إلا الله ) : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) الكهف ). أى إن القضية ليست فى الشخص البشرى ، ولكن فى الوحى الالهى الدّاعى إلى أنّه ( لا إله إلا الله ) . وبالتالى فليس مُهمّا شخص الداعى ، المهم هى الدعوة الى ( لا إله إلّا الله ) ، وهذه هى سبيل النبى فى حياته وسبيل كل داعية يأتى على سُنّته وطريقته يدعو الى الله جل وعلا على بصيرة قرآنية ، وبهذ أمر الله جل وعلا رسوله الكريم أن ( يقول ):( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف ) ولقد نزل القرآن الكريم بصائر للناس ، يقول جل وعلا يصف القرآن الكريم بأنه ( بصائر ): (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) ( الأنعام )

5 ـ ولو قام واحد من الدعاة يُبشّر بالقرآن ، يستنكر تقديس القبور ، كما كان يفعل خاتم المرسلين فسيكون المحمديون أشد الناس عداءا له . والدليل أنّ أهل القرآن يتحملون صنوف الأذى والتكفير لأنهم يبشرون  وينذرون بالقرآن ليؤكدوا نفس الذى  كان الرسول يدعو اليه : أنه لا تقديس إلا لله جل وعلا وحده ، وأن النبى محمدا كان بشرا مثلنا يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق ، وليس مقدسا ، وليس إلاها مع الله ، بل إنه كان يؤذى بسبب دعوته أنه ( لا إله إلا الله ) . وأنه عليه السلام  أوذى حين قام يدعو الى الله على بصيرة مستنكرا وجود  قبور مقدسة فى المساجد داعيا أن تكون المساجد لله جل وعلا وحده ، فلا يرتفع فيها بالأذان للصلاة إلّا ( الله أكبر ، لا إله إلا الله ) وأن تكون الصلاة فى المساجد لذكر الله وحده ، حين واجه كفار قريش بهذا كادوا يفتكون به : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19)الجن ) . وبعدها يأتيه الأمر من الله جل وعلا ب( قُل ) ثلاث مرات : ( قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلاَّ بَلاغاً مِنْ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً (23) الجن ) وهذه ال ( قُل ) الثلاث توجز عقيدة الاسلام وبشرية النبى عليه السلام ، وأنه لا يملك ضرا ولا رشدا ، ولن يُجيره أو ينقذه أحد من عذاب الله إلا تبليغه للرسالة ، لأن من يعصى  الله ورسالته فمصيره الخلود فى النار .

6 ـ تخيلوا : لو تجرأ أحد على الوقوف أمام قبر مقدس فى مسجد وخطب فى الناس بأن المساجد لله جل وعلا وحده فلا يجوز أن تدعوا غير الله . ماذا يحدث له لو تجرأ وأعلن أن هذه القبور المقدسة هى رجس من عمل الشيطان يجب إجتنابه ، وهذا أمر الاهى للمؤمنين : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) المائدة ). لا حاجة للتخيل ، فالنتيجة معروفة ، أساسها إنكار المحمديين أن يكون محمد عليه السلام (عبدا ) لله جل وعلا . هم لا يعتبرونه عبدا لله ، لأنهم يقدسونه إلاها مع الله .

ثانيا : عبودية النبى لله جل وعلا

1 ـ جاءت الأوامر بكلمة (قل ) فى الحوار مع المشركين تؤكد أن النبى مأمور بأن يعبد الله جل وعلا ، وأنه منهى عن تقديس وعبادة شىء معه جل وعلا : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) يونس:104 ) وجاء هذا فى الحوار مع أهل الكتاب : (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنْ الأَحْزَابِ مَنْ يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ) الرعد:36 ). ومن ناحيتهم قام الجاهليون بحملة مضادة تأمر النبى أن يقدّس أولياءهم وآلهتهم مع تقديسه لله جل وعلا ، ولأنّ هذا يتنافى مع العبادة الخالصة المخلصة لله جل وعلا فقد جاءت له عليه السلام أوامر بكلمة ( قل ):( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) ( قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي  فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونَنِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ)  الزمر: 11 ، 14: 15  ، 64 ) .

2 ـ ولأنه عليه السلام كان ( يعبد ) الله جل وعلا وحده مبشرا بالقرآن الكريم ومُنذرا به ، فإن من ملامح التكريم الالهى له أن يصفه رب العزة جل وعلا  بأنه ( عبد ) لله جل وعلا ، فى رد مقدم على المحمديين .

ثالثا : عبودية النبى تكريم له

1 ـ من التكريم للنبى أن يوصف بأنه عبد لله جل وعلا ، وأن يقول عنه رب العزة ( عبدنا ) أو ( عبده ) ، أى ينسب عبودية النبى له جل وعلا  وحده.

2 ـ  وهذا التكريم جاء لخاتم النبيين فى سياق نزول الوحى القرآنى عليه : ( فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ) النجم:10 )، (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) الفرقان: 1 ) ، ( وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ  ) الأنفال: 41 ) (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ )الحديد: 9 ) ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا )الكهف: 1 ) كما يأتى فى سياق التحدى بالقرآن : ( وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ )  البقرة 23)

3 ـ كما يأتى هذا التكريم فى موضوع الاسراء :  ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الاسراء 1 )،

4 ـ وفى تثبيت وتأييد النبى عليه السلام فى جهاده ضد حرب الكفار له نفسيا ، كالتخريف والارهاب ، وهنا فالله جل وعلا هو الكافى ( لعبده ): ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ )الزمر 36 ) ( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً )الجن: 19 ) (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْداً إِذَا صَلَّى) العلق: 10 ) .

رابعا : تكريم الأنبياء بالعبودية للرحمن جل وعلا

1 ـ ردا على تأليه المسيح يقصّ رب العزة ميلاد عيسى عليه السلام ، ونطقه فى المهد طفلا يدافع عن والدته بأنه عبد لله جل وعلا : ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً ) مريم: 30 ) الى أن يقول عليه السلام لقومه حين صار نبيا:( وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) مريم:36 ). ويقول جل وعلا عنه يصفه بالعبودية : ( إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ) الزخرف: 59 ) وفى الرد على تأليههم له يقول جل وعلا : ( لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً)النساء:  ) 172 ) .

2 ـ وفى قصص الأنبياء جاء وصفهم بالعبودة تكريما لهم ، عن زكريا : ( ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ) مريم:2 )، وعن داود : ( اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ )ص: 17 ) وعن سليمان أو داود  :  (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )ص: 30 ) وتمنى سليمان أن يُدخله ربه جل وعلا فى ( عباده الصالحين ) : ( فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)النمل 19 ) وأيوب : ( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ )ص: 41 ) ( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ص 44 ) ، ولم يذكر رب العزة إسم النبى صاحب موسى ، ووصفه بأنه ( عبد آتاه الله رحمة وعلما):( فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً )الكهف:65 ) ، وقال جل وعلا عن يوسف حين أعرض عن إمرأة العزيز (  إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) يوسف 24  ). وقال جل وعلا عن نوح ( إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً)الإسراء: 3  ) ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا )القمر  9 ). وتكرر الوصف لبعض الأنبياء بقوله جل وعلا  ( إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ) (الصافات : 81 ، 111 ، 122 ، 132 ).

3 ـ وجاء وصف بعض الأنبياء معا بالعبودية ، مثل ابراهيم واسحاق ويعقوب : ( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ) ص: 45 ) وداود وسليمان ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) النمل: 15 )، ونوح ولوط ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ ) التحريم 10 )

 4 ـ وجاء وصف العباد للرسل جميعا ، فهم الذين يتم إختيارهم من بين البشر لينزل عليهم الروح ( جبريل ) بالوحى والرسالات السماوية : ( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ)النحل: 2 )، ( رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِي)غافر: 15 ) ، ويقول جل وعلا  يأمر النبى محمدا ويامرنا بالسلام عليهم جميعا: ( قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى أَاللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) النمل: 59 ). والرسل يفخرون بهذه العبودية لله جل وعلا إذ منّ الله جل وعلا عليهم بأن إختارهم رسلا من بين عباده البشر : ( قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ  )إبراهيم: 11 )

5 ـ والملائكة ، أيضا من عباد الله ، وقال جل وعلا فيمن إتّخذهم آلهة : ( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)الزخرف 19 ) ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ)الأنبياء: 26)

6 ـ ويوم القيامة سيأتى الجميع عبدا لله جل وعلا  رغم انوفهم : ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً ) مريم: 93 )

خامسا : التكريم للبشر بالعبودية للرحمن جل وعلا 

1 ـ وإذا كان الرسل بالاصطفاء والاجتباء والاختيار الالهى فإن أمام البشر العاديين حرية الإختيار أن يكونوا من عباد الرحمن إذا تحلُّوا بصفات عباد الرحمن المذكورة فى سورة الفرقان ، والتى بها تتحقق العبودية الصادقة لله جل وعلا :  ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً )الفرقان: 63 وما بعدها ) . وهؤلاء الذين يختارون بمحض إرادتهم أن يكونوا عبادا وعبيدا للرحمن يأتيهم الخطاب الالهى بالتكريم ( يا عبادى ) مشفوعا بالأوامر ، وهى عامة لكل من يتمسك بها بارادته الحرة ، كقوله جل وعلا : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)البقرة  ) ( يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)العنكبوت: 56 ) ، أى هى صفات مطروحة أمام البشر فى كل زمان ومكان لمن شاء الفلاح بصدق العبودية للخالق جل وعلا .

2 ـ هو تكريم حقيقى لأى واحد من البشر ، أن يكون عبدا لله جل وعلا وحده ، أن يكون عبدا للخالق رب السماوات والأرض ، وليس عبدا لمخلوق مثله . يكفيه فخرا أن يكون عبدا لله جل وعلا وحده ، ويكفيه عِزّا أن يكون مولاه ومالكه وربه هو الله جل وعلا وحده، وبهذا جاءت ( قل ) أمرا لخاتم المرسلين  : (  قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ) (164 ) (الأنعام ) . المؤمن الحق هو ( عبد ) لله جل وعلا وحده ، لا يتخذ من البشر وليا يستغيث به ويجعل نفسه عبدا له ، ويقدم له النذور والقرابين .

4 ـ  المحمديون وأتباع الديانات الأرضية يجعلون أنفسهم عبيدا لمخلوقات يزعمون أنها الأولياء ، وقد أمر الله جل وعلا رسوله الكريم بأن ( يقول ) : ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (14) الأنعام ) .

الخاتمة

1 ـ محمد عليه السلام فى شخصيته البشرية الحقيقية كان مأمورا أن يكون صادقا فى عبوديته لله جل وعلا ، وكان مأمورا أن يعلن هذا وأن يقول هذا ( الأنعام 14 ، 164 ) .

2 ـ المحمديون عكس هذا .. جعلوا محمدا الاها ، فأصبحوا أعداء لمحمد عليه السلام .

الفصل الثالث : ( قل ) فى الحوار فى الألوهية ردّا على  الكافرين

مقدمة  

أولا : أسئلة متنوعة  تتحدى  بدون ( قل ) :

ثانيا : أسئلة متنوعة  تتحدى  باستعمال ( قل ) :

مقدمة

1 ـ  فى إطار الحوار تأتى أسئلة متنوعة ومتعددة تتحدى وتأتى إجابتها من الله جل وعلا ، لأن البشر لا يمكن أن يُجيبوا بغير هذا ، فهم يؤمنون بأن الله جل وعلا هو وحده الخالق الذى فطر هذا الكون ومن فيه وما فيه ، ويأتى هذا بكلمة ( قل ) ، وبدونها ، وقد يصل الحوار الى التهديد بالعذاب طلبا فى الشفاء من مرض الكفر قبل الموت .، و( الكفر ) من ( كفر ) أى (غطى ) وهذا هو معناه اللفظى ، ومعناه القلبى هو تغطية الفطرة السليمة التى يولد بها الفرد البشرى بالاعتقاد فى إله آخر مع الله . ولعلاج هذا الداء ( الكفر ) جاءت آيات القرآن بالشفاء بكلمة ( قل ) وبدونها . ونعطى بعض التفاصيل 

أولا : أسئلة متنوعة  تتحدى  بدون ( قل ) :

يقول جل وعلا : (  أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمْ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمْ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمْ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) الطور ). الأسئلة هنا هى :

1 ـ من هو الذى خلقكم ؟ أم أنتم الذين خلقتم أنفسكم ؟ الجواب الوحيد : الله جل وعلا هو وحده الخالق.   2 ـ هل أنتم الذين خلقتم السماوات والأرض ؟ وهل أنتم المسيطرون على الكون ؟ الجواب الوحيد : الله جل وعلا هو وحده الخالق إذن فهو وحده الذى يملك خزائن السماوات والأرض ، وهو وحده جل وعلا المسيطر على الكون .

3 ـ هل لديكم سُلّم ـ أو وسيلة ـ تستطيعون بها الاستماع الى الوحى الالهى ؟ إن كان لكم من يستمع فليأت بالبرهان . الجواب : لا يوجد هذا ولا ذاك

4 ـ فى الرد على قول الجاهليين بأن الملائكة بنات الله : هل إختار رب العزة الملائكة بنات له ـ وأنتم تكرهون إنجاب البنات ـ ثم يرزقكم رب العزة بالبنين ؟ الجواب بالنفى .

5 ـ هل يسألهم خاتم المرسلين أجرا على دعوته للشفاء بالقرآن من مرض الكفر ؟ الجواب بالنفى ، لأن كل رسول وكل نبى لا يسأل أجرا لأن أجره على الله، هذه  هى سُنّة الأنبياء من نوح عليه السلام : ( وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) الشعراء  ) الى خاتم المرسلين : (   قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) سبأ  )  وكذلك كل داعية للحق  مهتديا به : ( اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) يس). النبى وكل المؤمنين يجاهدون بأموالهم وأنفسهم ، وأجرهم هو الجنة التى أعدها رب العزة لهم:( لَكِنْ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (88)أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) التوبة ).أما أصحاب الديانات الأرضية وشيوخها فيتحول الدين عندهم الى إحتراف دينى وكهنوت وشراء بآيات الله ثمنا قليلا من ثروة وسلطة وحُطام دنيوى .

6 ـ هل يعلمون الغيب ؟ والجواب بالنفى ، لأنه لا يعلم الغيب إلا الله جل وعلا : ( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ  )(65)النمل) ، وقد يعطى رب العزة بعض الأنبياء العلم ببعض الغيب دليلا على صدق نبوتهم ( مثل يوسف:( يوسف37 ) وعيسى عليهما السلام:(آل عمران 49 )، يقول جل وعلا ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء )آل عمران 179 )، وبعض الأنبياء لم يعطه رب العزة أى علم بالغيب مثل نوح ( هود ) وخاتم النبيين عليهم جميعا السلام ( الجن 25 : 27 ) ( الأعراف 188 ) ( الأنعام 50 ) ( الأحقاف 9 )

7 ـ هل يريدون الكيد والمكر والتآمر ؟ نعم . إذن سينقلب عليهم كيدهم كما حدث لفرعون مع موسى الذى ربّاه ، وهى سُنّة الاهية  لا تبديل لها ، نراها فى عصرنا كما كانت من قبل : أن يحيق المكر السىء بأهله : ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) فاطر ) . يقول جل وعلا عن قوم ثمود ومكرهم حين تآمروا وعقروا الناقة : ( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)  ) النمل ) . وردا على مكرهم وإعتداءاتهم أمر الله جل وعلا رسوله أن ( يقول ) للكافرين المعتدين ولكل الكافرين المعتدين : ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) ( آل عمران ) وكان بعد هزيمتهم فى موقعة بدر . وقبل موقعة بدر حذّرهم رب العزة فى خطاب مباشر بدون (قل ) فقال لهم ، ولكل الكافرين المعتدين فى أى زمان ومكان وباسلوب الفعل المضارع لينطبق على السعوديين والوهابيين المعتدين سفاكى الدماء : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)( الأنفال )

8 ـ بعد هذه الأسئلة الحوارية ، تأتى النتيجة الحتمية : لا إله إلا الله : (أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) الطور ). كل هذا بدون كلمة ( قل )

ثانيا : أسئلة متنوعة  تتحدى  باستعمال ( قل ) :

1 ـ يقول جل وعلا ( قُلْ لِمَنْ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِالسَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّا تُسْحَرُونَ (89) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)  (المؤمنون ) .

هنا يأتى السؤال بكلمة ( قل ) وبعده تأتى الاجابة الحتمية ( سيقولون ) . ثم تساؤل بالنتيجة وبالموعظة وبالشفاء : ( ألا تتقون ؟ ألا تذكرون ، الى متى تُخدعون وتنخدعون ) ثم الموعظة والنتيجة الكلية والعقلية فى نهاية الحوار : وذلك كالآتى :

السؤال الأول : ( قُلْ لِمَنْ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (84) الجواب الحتمى :( سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ) النتيجة والموعظة والشفاء ( قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85)

السؤال الثانى ( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِالسَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) الجواب الحتمى :( سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ) النتيجة والموعظة والشفاء : ( قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (87)  

السؤال الثالث : ( قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88) الجواب الحتمى ( سَيَقُولُونَ لِلَّهِ  ) النتيجة والموعظة والشفاء : ( قُلْ فَأَنَّا تُسْحَرُونَ (89) المؤمنون ) .

ثم تأتى النتيجة النهائية العقلية فى نهاية الحوار ، وهى أنه لا اله مع الله وأنه جل وعلا لم يلد ، لأنه لو كان معه إله أو ولد لأخذ كل إله مخلوقاته التى خلقها ، وحدث صراع بينهم يتسبب فى دمار الكون ، وسبحان الله جل وعلا عما يصفون : (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)  (المؤمنون ) .

قد يبدو هذا مُستساغا عقليا لدى المحمديين طالما ينصرف ذهنهم الى أن المقصود هم ( كفار قريش الوحشين فقط ) ولكنه يكون مرفوضا منهم إذا وجهت لهم نفس الأسئلة عن أتخاذهم محمدا والأئمة والأولياء آلهة مع الله وشركاء له فى المُلك وفى الحكم . هم يكفرون بقوله جل وعلا للرسول عليه السلام  ولكل البشر : (مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26) وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27) الكهف ).

2 ـ ويقول جل وعلا  فى أسئلة متعددة تأتى الاجابة عليها ( قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (12) وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الانعام ).

الله جل وعلا يأمر رسوله بأن يقول أن يسيروا فى الأرض لينظروا آثار التدمير الذى لحق بالكفار السابقين حين كذّبوا الرسل ، وأن يقول لهم إنه وحده مالك السماوات والأرض ، وأن يقول لهم إنه جل وعلا قد كتب على نفسه الرحمة ، ولكن هذه الرحمة سينالها من يستحقها يوم القيامة ، وأمره جل وعلا أن يعلن ويقول بأنه لا يتخذ وليا غير الله ، لأنه جل وعلا هو الذى يُطعم المخلوقات الحية من بشر عاديين وبشر يتحولون بالافتراء والأكاذيب الى كائنات مقدسة وآلهة مزورة ، وأنه عليه السلام يخاف إن عصى ربه من عذاب يوم عظيم ، لأن الله جل وعلا هو مالك يوم الدين والذى لا يُشرك فى حكمه أحده ،  وأن الله جل وعلا إذا أصاب محمدا بضُرّ فلا كاشف لهذا الضُّر إلا الله ، وهذا يسرى على كل البشر لأن الله جل وعلا هو القاهر فوق عباده .

ثم تأتى الاية رقم 19 بثلاث كلمات من ( قل ) لأنها تؤكد شهادة الرحمن بأنه : لا إله ألا الله ، وأن القرآن وحى الله جل وعلا الصادق إنذارا للبشر ، بأنه لا اله إلا الله ، وأن محمدا عليه السلام برىء من المشركين . : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الانعام ). وبالتالى فهو عليه السلام برىء من المحمديين ، ليس فقط لأنهم مشركون بالله ، ولكن لأنهم جعلوا محمدا نفسه شريكا لله جل وعلا فى حكمه برغم الايات الكريمة السابقة وآلاف غيرها . هم بذلك يجعلون خاتم المرسلين فى موقف حرج مع رب العزة يوم القيامة . لذا سيتبرأ من قومه الذين إتخذوا القرآن مهجورا ، وكل من سار على (سُنّة ) قومه فى إتّخاذ القرآن مهجورا .

أخيرا

1 ـ والدليل على أن المحمديين إتخذوا القرآن مهجورا أننا نستدل بالقرآن الكريم نوضح داء الكفر المتمكّن فى قلوبهم ، والذى به يدمرون بلادهم ، ويُخربون بلادهم ، ويخرجون فريقا منهم من ديارهم ، ويسفكون به دماءهم فى مذابح لا تتوقف . هذه المذابح والمخازى تعوّد على رؤيتها العالم ولم يعد يأبه بها ، بل أصبحت مورد كسب بالبلايين لشركات السلاح . هذا الوباء الكُفرى حين نصف له العلاج القرآنى نُكافأُ عليه بالاضطهاد .

2 ـ ما يفعله المحمديون بأنفسهم وبنا يُعدُّ تكذيبا لآيات الله وكفرا بالقرآن الكريم . وإتّباعا للإسرائيليات التى جعلوها أحاديث وسُنّة نبوية .

3 ـ وبسبب هذه الاسرائيليات المسماة بالسّنة نرى المحمديين يكررون ما كان اليهود يفعلونه بأنفسهم وقت نزول القرآن . كان اليهود يقتتلون فيما بينهم قتالا مذهبيا ، ويُخرجون فريقا منهم من ديارهم ويأسرون آخرين يأخذون منهم الفدية ، وذلك حرام من أساسه ( الأسر ) ، يقول جل وعلا يخاطب اليهود وقتها :( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَتَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (86) ( البقرة ).

3 ـ لم يعد اليهود فى عصرنا يفعلون ذلك بأنفسهم . المحمديون هم الذين يفعلون ذلك ، يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعضه ، ويقتلون أنفسهم فى سوريا والعراق وآسيا وشمال أفريقيا ومصر ، منذ العصر الأموى وحتى الآن . هذا بالرغم مما جاء فى القرآن الكريم مكررا ومؤكدا ، مشفوعا بكلمة (قل ) وبدونها

2 ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم

 

الفصل الرابع  : ( قل ) بأسئلة فى الحوار فى الألوهية تهديدا للكافرين

مقدمة :ـ السؤال هنا ب ( قل ) عن النشأة . أسئلة عن

1 ـ النشأة الأولى ـ 2 ـ السمع والابصار والادراك 3 ـ الاهلاك 4 ـ  الماء .5 الليل والنهار   6 ـ الانذار بالوحى ـ  لا جدوى من هداية أولياء الشيطان

مقدمة :ـ  

 الطبيب الذى يعالج جسد المريض قد يلجأ الى تهديده بأنه لو إستمر فى التدخين أو شرب الخمر أو الافراط فى الطعام أو الامتناع عن تعاطى الدواء فسيحدث له كذا . ونفس الحال فى الشفاء القرآنى ، قد يصل الحوار الى التهديد بالعذاب طلبا فى الشفاء من مرض الكفر قبل الموت . ولعلاج داء ( الكفر ) جاءت آيات القرآن بالشفاء بكلمة ( قل ) وبدونها . ونعطى بعض النماذج:

1 ـ يقول جل وعلا ( أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) الملك ).

الحوار يبدأ بحقيقة لا جدال فيها ، ويأتى السؤال عنها للتذكير والتقرير مُغلّفا بالتهديد الواضح والضمنى ، وهذه الحقائق أن الله جل وعلا هو وحده الذى يرزق العباد ، وهو الذى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدره على من يشاء إختبارا لهذا وذاك ، ليكون هذا غنيا ثريا ويكون ذاك فقيرا مُملقا  ، ويصبح هذا فقيرا بعد ثراء ويصبح ذاك غنيا بعد إملاق  . ولو كان الرزق بيد البشر لصار كل البشر بليونيرات ، ولكننا نرى فقراء أصبحوا أثرياء ، ومليونيرات أصبحوا مفلسين ، أى إن الرزق بيد الرحمن ، وبالتالى فهنا تهديد بأنه جل وعلا لو أمسك ومنع رزقه فمن يرزقنا بعده . جاء هذا خطابا مباشرا بدون ( قل ) .

 2 ـ يقول جل وعلا  ( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (23)( الملك )

السؤال هنا ب ( قل ) عن النشأة . من مرحلة الجنين الى الولادة والطفولة . كلنا يراها فى غيره ، ولا يتذكرها فى نفسه . ترى إبنك رضيعا وطفلا يحبو ويكبر أمام ناظريك الى أن يشب رجلا . وكذلك رآك أبوك . ولكنك لا تتذكر نفسك حين كنت جنينا وحين كنت رضيعا وطفلا .هذه هى النشأة الأولى التى نعيشها ونراها فى غيرنا ولا نراها فى أنفسنا . ترى صورتك طفلا رضيعا فتتساءل عن هذا الجسد الغض الرقيق الذى كنت فيه ، أين ذهب ؟ مات فى داخلك وتجددت خلاياك مرات عديدة حتى أصبحت فى هذا الجسد الذى تحتله نفسك الآن . يقول رب العزة يحاورنا فى آية خلقه لنا ، من مرحلة المنى وتكوين الجنين ، الى مرحلة تطور الطفولة فى الانسان وموت خلاياه وتجددها ، من النشأة الأولى وما بعدها ، يقول جل وعلا فى حوار بدون ( قل )  : (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ (62) ( الواقعة ).

وهذه النشأة فينا مرتبطة بخلق حواس السمع والابصار ، وما يتبعها من إدراك : ( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ ). والنسق القرآنى يجعل السمع سابقا للبصر ، والطفل يبدأ فى السمع ، أى يدرك بالسمع ، ثم بعدها يدرك بالبصر ، وفيما بعد يتحكم بالادراك با لأفئدة  فى حواسّه ، يُسيّرها حيث يشاء ، أى تُسيّرها ( نفسه ) . ولكنه قلّما يشكر ربه جل وعلا على نِعم النشأة والسمع والابصار والإدراك . لذا يقول جل وعلا لنا فى خطاب يستعمل ( قل ) : ( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (23) الملك )

 هنا تأتى ( قل ) سؤالا عمّن أنشأنا وخلق فينا السمع والبصر والإدراك ،وهو سؤال يحوى تهديدا ضمنيا ، لأن الذى وهب لنا السمع والبصر قادر على أن يحرمنا منها .( هل تتصور نفسك وقد فقدت قدرتك على البصر واصبحت أعمى ؟ أو أصبحت أصمِّ أو مجنونا لا تدرك ؟ ) . نحن لا تعرف قيمة هذه النعم إلا عندما نفقدها . ومن هنا يصيب رب العزة بعض الناس بالعمى والصمم والعرج وعاهات أخرى فتنة لهم ولنا ، والفتنة والابتلاء بالنعم والنقم والمنحة والمحنة ليبلونا ربنا جل وعلا هل سنشكر أم نكفر.

3 ـ يقول جل وعلا :  (  قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِي اللَّهُ وَمَنْ مَعِي أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) الملك ) . هنا تأتى ( قل ) تهديدا واضحا ، يبدأ بإفتراض أن الرحمن لو أهلك النبى ومن معه من المؤمنين ، فمن ينقذ الكافرين ويُجيرهم من عذاب أليم ؟  ومعروف أن النبى لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا بإذن الله ، فإذا كان هذا حاله فمن ينقذ الكافرين من عذاب أليم . وهذا التساؤل مُوجّه للمحمديين الذين يجعلون محمدا مالك يوم الدين . هنا يأمره ربه أن يقول : (  قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِي اللَّهُ وَمَنْ مَعِي أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) الملك ) .  ثم تهديد آخر ينتظر من يموت بكفره من المحمديين وغيرهم :( قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (29 ) الملك ).

4  ـ ويقول جل وعلا : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30) الملك ). هنا جاءت ( قل ) تهديدا واضحا فى أنه جل وعلا لو شاء لجعل الماء يغور فى باطن الأرض ، أى يجف سطح الأرض ، وعندها فلن يوجد من يأتى للبشر بماء معين. فهذا الماء مقره ومستودعه باطن الأرض ،أى اسكنه الله جل وعلا باطن الأرض ، ويستطيع أن يعيده الى منبته. وهذه حقيقة علمية أتى بها القرآن في أن باطن الأرض هو منبع ومخزن ومصدر الماء  ، ويعززها آيات أخرى عن ماء المطر، يقول جل وعلا  عن ماء المطر الذى لا نستطيع تخزينه مهما إستطعنا لأنه يتسرب عائدا الى منبته الأصلى  : ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22 ) الحجر ). ويقول جل وعلا عن الصخور وتفجر الماء منها : ( وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً )  (60) البقرة ) ،( وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) البقرة ) وعن إسكان الماء فى الأرض وتحكمه جل وعلا فيه :  ( وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) المؤمنون ) ( أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41) الكهف )

4 ـ ويقول جل وعلا ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) القصص )

قلنا إن من آيات الاعجاز فى القرآن العلمى إيراد الحقيقة العلمية باسلوب فريد ، يحافظ على جوهر الحقيقة العلمية ولا يجعلها تصدم العقول التى لم تصل بعدّ الى معرفة هذه الحقيقة العلمية . من ذلك كروية الأرض ، ودورانها حول نفسها ودورانها فى نفس الوقت حول الشمس ، وما ينتج عن ذلك من تعاقب الليل والنهار وتداخلهما و تعاقب الفصول الأربعة فى معظم الكرة الأرضية . التعبير المُعجز فى دوران الأرض حول نفسها وهى تدور الشمس ـ هو ( يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل ) .

وكما يتمتع معظم البشر بحواس السمع والبصر ، فإن  معظم البشر يتمتعون فى هذه الكرة الأرضية بليل يتبعه نهار ، ونهار يتبعه ليل . وفى المناطق القطبية الجنوبية والشمالية لا يحظى البشر بهذه النعمة . ومن هنا يأتى التهديد بأن الله جل وعلا هو القادر على أن يجعل النهار سرمدا الى يوم القيامة ، فمن غيره يأتى بليل يستريح فيه الناس ؟ أو أن يجعل الليل سرمدا الى يوم القيامة ، فمن غيره يأتى بضياء يتمتع به الناس ؟ ولهذا فإن من رحمته أن جعل الليل ليسكن ويستريح فيه الناس ، وجعل النهار ليسعى فيه الناس إبتغاء فضل الله جل وعلا . هنا تهديد جاء بكلمة ( قل )، والهدف منه أن يتعقل الناس وأن يسموعوا وأن يبصروا ( بعقولهم ) وأن يشكروا الرحمن جل وعلا (أَفَلا تَسْمَعُونَ (71) أَفَلا تُبْصِرُونَ (72) وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) ).!

5 ـ ويقول جل وعلا : ( قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ (45) الانبياء )

لقد أرسل الله جل وعلا رسوله الكريم بالقرآن الفرقان ليكون نذيرا للعالمين ، أى لتهديد العالمين بسوء العاقبة إن لم يهتدوا . هذه حقيقة جاءت بدون كلمة ( قل ) فى قوله جل وعلا : ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً (1)  الفرقان ). وجاءت هنا بكلمة ( قل ) : (قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ ) . لم يكن عليه السلام يُنذر الناس بكلامه الشخصى ، بل بالقرآن . وجاء فى سورة ( الأنعام ): ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ  ) (19) ) ( وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) ).  

ومع ذلك فقليلا من البشر من يتم شفاؤه من مرض الكفر . هم كالموتى فى القبور ، لا يسمعون . وقد كان عليه السلام يحزن لإعراض الكافرين ، فقال له ربه جل وعلا فى سورة فاطر : ( وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (23) وقال : ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8))

المفترض أن يسمعوا ، ولكنهم مصابون بالصمم. يقول جل وعلا باستعمال كلمة ( قل )  : ( قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ (45) الانبياء ). لقد أنعم الله جل وعلا عليهم بنعمة السمع والبصر  فى الأذن والعينين ، وهما  وسيلتا السمع والبصر المادى فى الجسد  . ولكن النفس هى التى تتحكم فى الجسد وفى حواسه المادية ، فإذا إختارت النفس الضلال فمهما يصل الى أسماعها من هدى فلا تسمعه ، ومهما ترى بعينيها من حقائق فهى لا تبصرها . وما أروع قوله جل وعلا عن أولئك المعاندين ـ المحمديين منهم وغير المحمديين ـ ( وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198) الاعراف). تتحدث مع المريض بالكفر ، فتراه يسمع ويبصر طالما تتحدث معه فى أى شىء على هواه ، فإذا دعوته الى الهدى فإن صوتك الذى يصل الى أذنيه بالهدى تمنعه أغلفة المرض الكفرى من الوصول ، وتراه ينظر اليك بعينيه ولكنه لا يبصر الحقيقة بقلبه . والقلب هو النفس وهو الفؤاد والعقل فى المصطلح القرآنى .  ومن تمكّن فى قلبه مرض الكفر لا يزداد إلا مرضا ، ولهذا فمهما أنذرته فالنتيجة صفر . جاء هذا فى سورة البقرة بدون كلمة ( قل ): ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) )

6 ـ  هؤلاء المرضى بداء الكفر مقتنعون بأنهم على الهدى . أقنعهم شيطانهم بهذا ، فيحسبون أنهم مهتدون، يقول جل وعلا عنهم بدون كلمة ( قل ) : ( إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)( الأعراف ). البداية بإختيار الفرد البشرى . إذا إختار الاعراض عن نور القرآن وهدى الرحمن ، أى أصيب بالعشى فلا يرى بقلبه النور القرآنى ـ عندئذ يتولاه شيطان يقترن به ( قرين من الشياطين ) يتخصص فى إضلاله ، يصده عن سبيل الحق ، ويجعله يحسب نفسه مهتديا ، ويظل على هذا حتى يموت ، ثم يوم القيامة يرى قرينه الشيطانى فيلعنه ، يقول جل وعلا ـ بدون إستعمال ( قل ): ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40) الزخرف ).

لذا تجد العجب الآن من المحمديين ،وهم يتخذون أولياء من البشر يستجيرون بهم ويطلبون منهم المدد ، مُعرضين عن الله جل وعلا وهو وحده الولى الحميد (وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) الشورى ). وهم ينسون أن الله جل وعلا أمر رسوله الكريم أن يعلن وأن يقول أنه لا يتخذ غير الله وليا ، لأن الله جل وعلا هو فاطر السماوات والأرض ، وهو الذى يُطعم غيره ولا يُطعمه غيره : (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (14)الأنعام ) المحمديون ممّن يعبد القبور ( المقدسة ) يكفرون بهذه الآية الكريمة ، حين يتخذون أولياء من البشر من عباد الله ، أولئك المحمديون ضلّ سعيهم فى الحياة الدنيا ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، وقد جاء التهديد لهم ولغيرهم باستعمال ( قل ) : يقول جل وعلا ( أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) الكهف )

7 ـ هذا المريض بالكفر القلبى قد يصل به الكفر القلبى الى الكفر السلوكى بالاعتداء ، ويبدأ الاعتداء بالتطاول ومحاولة البطش بمن يقرأ القرآن داعيا للهدى . أى يتطاول المريض على الطبيب رافضا الدواء . لذا لا بد من التهديد بالنار ، أملا فى أن يهتدى قبل الموت .  يقول جل وعلا  فى تهديد بالنار  لمن يموت كافرا : (  وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمْ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) الحج ). هنا جاءت كلمة ( قل )

أخيرا

كل هذا الشفاء بكلمة ( قل ) وبخطاب الاهى مباشر بدون ( قل ) لم يصل الى قلوب المحمديين ولم ينفع فى شفائها ، لأنها ممتلئة برجس الوحى الشيطانى مما يسمون ( أحاديث وسُنّة ) . هذا الرجس الشيطانى يجعل على قلوبهم حجابا ، يظل مستورا ، ولكن سرعان ما تظهر فاعليته وسيطرته حين يُتلى القرآن ، فالقرآن هو ( الفرقان ) الذى يفضح الباطل ، شأن سماعة الطبيب التى تكشف المرض الجسدى . بالقرآن يظهر الحجاب سدا منيعا يمنع الهداية ، ويجعل صاحبه يُعرض غن الشفاء القرآنى ويُولّى الأدبار . يقول جل وعلا : ( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً (46) الاسراء . ) لو وعظت واحدا من المحمديين بالقرآن ( وحده ) ليقدّس الله جل وعلا ( وحده ) ولّى كارها كافرا حانقا غاضبا . يمكنك أن تجرب هذا معهم بنفسك ، هذا إن لم تكن قد جربته معهم فعلا بنفسك .!

هذا هو أظلم الناس  بشهادة الرحمن جل وعلا : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57)( الكهف ).

ودائما : صدق الله العظيم .!

الفصل الخامس  : ( قل ) فى  حوار فى الألوهية بإيقاظ الفطرة داخل الكافرين  

 

مقدمة : تدبر قوله جل وعلا : ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) سبأ )

أولا : ( صاحبكم ) . ثانيا : الفطرة:ثالثا : مخاطبة الجانب الخيّر ( الفطرة ) داخل قلوب المشركين 

 

مقدمة

1 ـ  يأتى الحوار القرآنى مع مريض الكفر ب (قل ) وبدونها يحتكم الى الفطرة السليمة التى تكمن فى قلب كل إنسان ، ولكن مرض الكفر يُغطّى عليها. وقلنا إن ( الكفر ) من ( كفر ) أى (غطى ) وهذا هو معناه اللفظى ، ومعناه القلبى هو تغطية الفطرة السليمة التى يولد بها الفرد البشرى بالاعتقاد فى إله آخر مع الله جل وعلا

2 ـ  ونتوقف هنا بالتدبر فى قوله جل وعلا : ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) سبأ )

أولا : ( صاحبكم )

 1 ـ جاء وصف النبى عليه السلام بأنه ( صاحب الكفار والمشركين : صاحبكم ) فى ثلاثة مواضع .

2 ـ عاش عليه السلام قبل النبوة بين قومه مشهورا بالأمانة والخلق السامى والصدق ، كأن أكرمهم وأعظمهم خُلُقا وأرفعهم ذوقا . لذا إصطفاه رب العزة ، والله جل وعلا أعلم أين يضع رسالته .: ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) الانعام 124 ). أطلقوا عليه ( الصادق الأمين ) لأنهم صاحبوه وصحبهم فى الزمان والمكان فعرفوا فيه الصدق والأمانة . عندما جاءه الوحى القرآنى ودعاهم الى نبذ تقديس البشر والحجر تغير موقفهم منه ، وأتهموه بالسحر والكذب والجنون ، أى عكس ما أطلقوه عليه .

3 ـ صحبتهم له ومعرفتهم الوثيقة به عليه السلام كانت حُجّة عليهم ، لذا إستعمل رب العزة هذه الصحبة ضدهم ، فوصف رسوله عليه السلام لهم بأنه ( صاحبكم ) ، إى إن ( صاحبكم ) الذى صحبتموه وعرفتم صدقه وأمانته كيف بعد نزول القرآن تتهمونه بأنه ضل وغوى ، وهو ما ضلّ وما غوى ، وهو حين يقرأ القرآن الكريم فهو لا ينطق عن الهوى ، لأن هذا القرآن هو وحى يوحى اليه ، نزل اليه وتعلمه من جبريل شديد القوى حين رآى جبريل فى الأفق الأعلى ، ونزل اليه جبريل وتدلى ، فتم الوحى القرآن ، يقول جل وعلا فى حوار معهم بدون ( قل )  : ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12 النجم ).

4 ـ ويتكرر نفس المعنى فى وصفه عليه السلام بأنه للمشركين ( صاحبكم ) وأنه ليس مجنونا بسبب نزول القرآن عليه ، لأن جبريل الرسول الكريم هو الذى أرسله رب العزة بالوحى القرآنى فنزل به على ( صاحبكم ) حين رأى ( صاحبكم ) جبريل بالأفق المبين. يقول جل وعلا فى حوار مباشر بدون ( قل ) : ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24 التكوير )

5 ـ ويأتى فى هذا السياق إستعمال ( قل ) أمرا بالرجوع للفطرة التى غطّاها داء ( الكفر) ، حيث يأمر الله جل وعلا رسوله الكريم أن يقول لهم : ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) سبأ ) ، هنا الاحتكام للفطرة التى فطر الله جل وعلا الناس عليها. هذا يستلزم توضيحا لأن كلمة ( الفطرة ) لم تأت هنا .

ثانيا : الفطرة:.

1 ـ  هذه الفطرة فى داخلنا هى الدين القيم : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) ( الروم ) . هذه ( الفطرة ) من كلمة ( فطر ) أى خلق من لاشىء . والله جل وعلا هو الذى فطر السماوات والأرض ، أى خلقهما من لاشىء :( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) (1) ( فاطر ) فالله جل وعلا حين خلق الأنفس جميعا ، فقد فطرها على لااله إلا الله . أى جعل فيها ( الفطرة ) . وقبل أن تدخل النفس فى أجسادها ـ أخذ العهد علينا أنه جل وعلا هووحده الرب وحده ،وأشهد الأنفس على هذا ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ) 172 الأعراف ) .

2 ـ ويولد الانسان طفلا بهذه الفطرة ، ثم ينساها فى صراعه حول حُطام الدنيا ، حيث يغطيها الشيطان بظلمات وداء الكُفر ( والكفر هو التغطية كما قلنا ) وقد يصحو ويتذكر ، والأغلب أن يظل سادرا فى غيّه الى أن تحدث له مصيبة تهدده بالموت فتصحو الفطرة فى داخله ، فيستغيث برب العزة ، وفى كل الأحوال فإن الذى أمضى حياته مريضا بداء الكفر حتى الموت تستيقظ فيه الفطرة عند الاحتضار فتجأر نفسه ترجو من رب العزة أن تأخذ فرصة أخرى تُصلح فيها العمل : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون . وفرعون نفسه إستيقظت فيه الفطرة عند الغرق فصرخ باسلامه دون جدوى : (  وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (90) أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (91) يونس ) .ولهذا ينصح رب العزة المؤمنين بالانفاق فى سبيل الله قبل أن تأتى لحظة الأجل ، لحظة الاحتضار والندم ، يقول جل وعلا :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) المنافقون )

3 ـ ومهما بلغ تمكن وتوطن داء الكفر فإنه لا يلغى تماما الفطرة فى داخل الانسان . لهذا يقول جل وعلا عن هذه الفطرة (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ) أى لا تبديل لخلق الله . والتبديل هو تغيير بالكامل ، أى إحلال شىء محل شىء مناقض له . الشيطان يستحيل عليه تبديل الفطرة بأن يجعل الانسان يُنكر وجود الله جل وعلا . هو فقط ينجح فى ( كَفر ) أى تغطية الفطرة أو ( الكفر ) بأن يجعل الانسان يعتقد فى آلهة أخرى مع الله .لذا فالكفر والشرك بمعنى واحد ( التوبة 1 : 2 ) أى ينجح ليس فى التبديل ولكن فى ( تغيير ) الفطرة بوقوع الانسان فى الكفر والشرك . نؤكد أنه ( تغيير ) وليس تبديلا ، لذا قال الشيطان إنه سيغير خلق الله ( وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ )(119) النساء ) ولم يقل ( فليبدلن  خلق الله )

4 ـ ولهذا فإن الفطرة النقية فى الانسان الكافر هى الحاضر الغائب . هى ( الضمير )  فى الجانب الأخلاقى ، وهى ( لا إله إلا الله ) فى الجانب العقلى . إذا خلا الانسان بنفسه وراجعها فى صدق وأمانة وكيف ظلم فلانا ، وتصور وقوع هذا الظلم عليه ، وتصور نفسه مكان المظلوم ، عندها يلوم نفسه ، وتنطلق فيه ( النفس اللوامة ) أو الضمير الحى الذى يؤنب صاحبه . أو ( الفطرة الأخلاقية ) وقد قال جل وعلا عن النفس اللوامة ( وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)( القيامة ). النفس اللوامة أو( الضمير ) تمارس دورها تنهى عن السوء قبل الوقوع فيه ، أو تلوم صاحبها بعد الوقوع فيه . هذا هو الجانب الأخلاقى فى الفطرة . الجانب العقلى فى الفطرة هو الذى يأبى أن يقدس بشرا أو حجرا ، ويستقبح ويستنكر تقديس المخلوقات ، ويراها كفرا وشركا وتحقيرا لبنى آدم الذى كرّمه رب العزة ( الاسراء 70 ) وسخّر له ما فى السماوات ومافى الأرض جميعا منه ( الجاثية 13 ) ثم ينتهى به الحال الى أن يصنع من التراب والطين وبقية المواد التى يسير عليها بقدميه قبورا مقدسة يؤلهها .

5 ـ كيد الشيطان فى تغيير الفطرة  أو ( كَفرها وتغطيتها ) له مظاهر كثيرة:

 منها أنه بالوحى الشيطانى يقيم دينا أرضيا على أنقاض الدين الالهى يقلب فيه الحق باطلا والباطل حقا ، بحيث يصبح المتدين شديد التدين هو المتطرف المتعصب المتزمت سفاك الدماء، كما نشهد الآن من الوهابيين (الجهاديين) . وهنا يقترن الكفر القلبى بالكفر السلوكى فى الاكراه فى الدين والقتل والسلب والاسترقاق والسبى بزعم أن هذا هو الجهاد . وهذا هو الذى نجح فيه الوهابيون وهم يرفعون شعار الاسلام ، فأصبح الاسلام بهم متهما بالتطرف والتعصب والتزمت والارهاب، وأصبحوا هم ( إسلاميين ) فى ظلم هائل للاسلام ولرب العالمين .

 ومنها أنه يُلهى الانسان بعمل الخير مع الحرص على إصابته بمرض الكفر العقيدى. أى تغطية الجانب العقلى العقيدى فى الفطرة . لذا يأتى الحوار القرآنى يأمر بالتعقل والتبصر والتفكر والتفقه ، وينعى علينا الجهل والعمى العقلى ( العمه ) ( يعمهون )، ويهيب بنا ( متى تؤفكون ) أى الى متى يتم خداعكم . والشيطان فى كيده للبشر يترك الضمير ( او الجانب الأخلقى من الفطرة ) حيا مقابل التغطية الكاملة على الجانب العقلى الاعتقادى فى الفطرة ، فترى بعض المشركين قلبيا وإعتقاديا أصحاب خُلق رائع ، وفعّالين للخير ، فإذا دعوتهم للحق وحاولت كشف الغطاء ( الكفر ) أو حاولت علاج مرض الكفر الاعتقادى فيهم، أو حاولت إيقاظ الفطرة النقية فيما يخص ( لا إله إلا الله ) عاندوا واستكبروا إذا كان المرض الكفرى متمكنا منهم .

6 ـ وطالما توجد الفطرة داخل كل إنسان ، فلا يوجد إنسان شرير بدرجة مائة فى المائة . ومهما بلغ ضلاله وكفره وبغيه تظل فيه ناحية خير مدفونة تتمثل فى تلك الفطرة الكامنة التى غطّاها الكفر . يقول رب العزة (بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)( القيامة ). أى إن أى إنسان إذا صدق مع نفسه إستيقظ ضميره مهما إختلق من أعذار وتبريرات .

ثالثا : مخاطبة الجانب الخيّر ( الفطرة ) داخل قلوب المشركين 

1 ـ ومن هنا نفهم روعة التعبير القرآنى فى الأمر للرسول عليه السلام أن يقول لقومه : ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) سبأ ) ، هنا يأتى الحوار ب ( قل ) يخاطب الخير فى داخل المشركين .

2 ـ هؤلاء المشركون الكافرون يتهمون النبى عليه السلام بأنه مجنون . وهم أيضا يؤمنون بالله جل وعلا ، وقد إتّخذ رب العزة من إيمانهم بالله جل وعلا حجة عليهم ، فطولبوا بأن ( يقوموا لله ) أى إبتغاء مرضاة الله جل وعلا ، مثنى وفرادى ، اى كل واحد منهم منفردا ، أو مع صاحب له ، ثم يتفكروا بموضوعية وبصدق : هل محمد ( صاحبهم الذى صحبوه وعرفوا أمانته وصدقه ) قد اصبح مجنونا أم هو فعلا نذير لهم بين يدى عذاب شديد . هذا التفكر الموضوعى المجرد الذى يبغى وجه الله جل وعلا يهدف الى إيقاظ الفطرة السليمة فى قلوبهم والتى غطأها الشيطان أو ( كفرها ) بتقديس البشر والحجر .

3 ـ هى عظة واحدة ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ ) . ولكنها كفيلة بالشفاء ، بشرط أن يكون للإنسان رغبة فى الشفاء .

أخيرا : هذه الوصفة العلاجية نتوجّه بها للمحمديين . لعلّ وعسى .!!

  الفصل السادس  : ( قل ) فى الحوار وعظا بقرب قيام الساعة

مقدمة : ـ  

أولا : تأجيل عذاب المشركين الى قيام الساعة .

ثانيا : إقتراب العذاب ( إقتراب الساعة )   

ثالثا : قيام الساعة ـ أيها القارىء الآن  ـ أقرب اليك مما تظن .

أخيرا

 

مقدمة : ـ

توقفنا فى الفصل السابق فيما يخصّ الفطرة مع قوله جل وعلا : ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) سبأ ). الآن نتوقف مع روعة الإعجاز فى نفس الآية ، فى الجزء الأخير منها ، وهو قوله جل وعلا : ( إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ). والذى يعنى إنذارهم بعذاب شديد قريب جدا ، وأقرب مما يتصورون . وهذا العذاب المقصود هو قيام الساعة . ونعطى بعض التفاصيل

أولا : تأجيل عذاب المشركين الى قيام الساعة

1 ـ وكان مشركو العرب ـ بدافع العناد ـ يطلبون آية حسية ، كما كان حدث للسابقين ، وقد أوضح رب العزة إن زمن الآية الحسية قد إنتهى ، وجاء موعد الآية العقلية المستمرة الى قيام الساعة ، وهى القرآن الكريم  وفيه الكفاية :( وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) العنكبوت )، وكانت الأمم السابقة مجتمعات متفرقة منعزلة لم تقترب من النضج العلمى والعقلى للبشرية حين عرفت الاتصال فيما بينها وبناء حضارت . هذه الثقافة البدائية كان يناسبها آية حسية مؤقتة لنفس القوم ونفس الجيل تقريبا ، فكانت الآيات الحسية تأتى تخويفا لهم وإنذارا لهم بالهلاك ، ولم تفلح الآيات الحسية فى هداية الأقوام السابقين فتم إهلاكهم ، ويكفى أن قوم ثمود جىء لهم بآية حسية ، هى ناقة مخلوقة من الصخر كانت تكفيهم لبنا ، فعقروها ، يقول جل وعلا عن منع الآية الحسية : ( وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (59) الاسراء ).

2 ـ وكان مشركو العرب ـ بدافع العناد ـ يطلبون مع الآية الحسية العذاب بالاهلاك العام . ولأن الاسلام بالقرآن جاء إنذارا للبشر جميعا الى قيام الساعة فإن الاهلاك الجماعى لم يعد واردا للبشر جميعا ، مع إن أغلبهم مُضلّين : ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) ) ( الانعام ). وبالتالى تم تأجيل العذاب الى قيام الساعة لإعطاء البشر جميعا فرصة الشفاء من مرض الكفر . ليس هذا لكفار قريش فحسب ، بل هو لمن يسير على سُنّتهم الى قيام الساعة من المحمديين والمسيحيين والبوذيين وسائر من يقدس البشر والحجر .

3 ـ مشركو قريش كانوا يتعجلون العذاب والاهلاك فنزل فى الحوار معهم دون إستعمال ( قل ) بأن موعد عذابهم هو قيام الساعة ، وهو موعد الاهى لن يخلفه رب العزة ، لكنه الفرق بين الحساب الزمنى  بين الأمر الالهى الذى صدر فعلا ، وبين موعد تنفيذه بالزمن الأرضى البشرى . وقد قال جل وعلا : ( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ )(1 ) النحل ): أى إن الأمر الالهى صدر فعلا بالزمن الالهى والأوامر الالهية فلا تستعجلوه ، لأن يوما عند رب العزة هو كألف سنة فى حساب البشر، يقول جل وعلا عن إستعجالهم العذاب يردّ عليهم ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (47)(الحج) . ويؤكد رب العزة أنه لو آخذهم بما كسبوا لعجّل لهم العذاب ، ولكن حدّد لهم موعدا حتميا لا يمكنهم الفرار منه وهو قيام الساعة : ( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمْ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (58 الكهف ). ويقول جل وعلا عن إقتراب الساعة ، أو  العذاب  : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ 35إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَرَاهُ قَرِيباً (7)  المعارج ). الاجابة عن التساؤل لم تأت بكلمة (قل ) ، فلم يقل جل وعلا ( قل إنهم يرون بعيدا ونراه قريبا ) بل جاء الخطاب الالهى مباشرا معبّرا عن الذات الالهية:( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً ) . 

ثانيا : إقتراب العذاب ( إقتراب الساعة )

1 ـ تاريخ البشرية من هبوط آدم وزوجه لهذا الكوكب والى قيام الساعة ينقسم الى قسمين بالنسبة للرسالات السماوية : (1 ) البشرية قبل نزول القرآن ، وهو تاريخ يمتد الى عشرات الألوف من السنين وآلاف الأمم والشعوب والرسل والأنبياء ، وهذا غيب لا يعلمه إلا الله جل وعلا .  و( 2 ) البشر فى المرحلة القرآنية ، أو البشرية بعد نزول القرآن الى نهاية العالم . ونزل القرآن الكريم إنذارا للبشرية والعالمين ، ونحن نعيش فى هذه المرحلة ، ونرى الحوار القرآنى ينطبق على ما تفعله البشرية وما تقوله فى الكفر ، حتى من ( أمة محمد ) أو المحمديين الذين يزعمون أنهم يؤمنون بالقرآن الكريم .

2 ـ المرحلة القرآنية من الناحية الزمنية قصيرة جدا ،وليست بشىء مقارنة بالمرحلة السابقة لها . ولكن المرحلة القرآنية من نزول القرآن وحتى الآن والى قيام الساعة هى التى  ـ برغم قصرها الزمنى ـ  شهدت حتى الان تطورا هائلا حضاريا وعلميا وتكنولوجيا ، بما يعزز التواصل بين البشر وتخطى عوائق الزمان والمكان ، وتقارب الثقافات ، واللغة البشرية الموحدة القائمة على الأرقام والأعداد. والآية القرآنية أو الاعجاز القرآنى يواصل تحدى البشر فى كل عصر منذ نزوله والى قيام الساعة . فى مواجهة اللغة البشرية الموحدة ( الأرقام ) والتى تتأسس عليها الحضارة الراهنة يأتى الاعجاز العددى فى القرآن ـ وهو فى داخل القرآن منذ 14 قرنا ـ مواكبا لها ، كما إن الاعجاز العلمى فى القرآن ـ ما إكتشفناه وما لم نكتشفه بعد ـ يؤكد مواكبة القرآن للبشرية فى هذه المرحلة الأخيرة من حياتها ؛ أى المرحلة القرآنية أو مرحلة ( قبيل الساعة ). الإعجاز العلمى القرآنى يأتى مصاحبا للتطور البشرى منذ نزول القرآن والى قيام الساعة ، ومنها إعجازات علمية لم نكتشفها بعد ، وستكتشفها أجيال قادمة. ( الرحمن 33 ) ( النمل 40) .

3 ـ وقبل نزول القرآن الكريم ، وحين كلم الله تعالى موسى عليه السلام قال له جل وعلا ( إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ) ( طه 15 )، بعدها بحوالى ألف عام نزل القرآن الكريم ، وفي القرآن الكريم إشارة عن أشراط الساعة ،  يقول سبحانه و تعالى عن الساعة: (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ) (محمد18)،أى جاءت أشراط الساعة مع نزول القرآن الكريم من 14 قرنا

وقت نزول القرآن الكريم كان هناك قلق من قرب قيام الساعة يعبر عنه التكرار المستمر لسؤال النبى محمد عن موعد قيام الساعة ، ولم يمنع هذا التكرار من التأكيد المتكرر بأن النبى محمدا لا يعلم الغيب و ليس له أن يتحدث عن موعد قيام الساعة :(الأعراف 187 ) ( النازعات 42 ـ) . 

4 ـ و التعبير القرآنى عن اقتراب الساعة يستعمل صيغة الفعل الماضى ، وهو اسلوب بلاغى يؤكد على تحقق الوقوع ، كقوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) فانشقاق القمر سيحدث فقط عند قيام الساعة وتدمير الكون ، وهذا من ملامح أحداث الساعة وفقا لتفاصيلها القرآنية ، إذ يتم تدمير النظام الكونى كله القائم على التوزان بين الجاذبية وقوة الطرد المركزى ، ليكون من ملامحه انشقاق السماء وما فيها من قمر. ولكن التعبير عنه هنا جاء بالماضى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) لتحقق وقوعه فى المستقبل . وأشارت الآية التالية الى معجزة القرآن الكريم أو الآية الخاتمة للبشر والتى أعرض عنها المشركون ورموها بالسحر :(وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ )( القمر 1 : 2 ).أى إن آيات القرآن الكريم دليل على إقتراب الساعة. ونفس الحال فى مفتتح سورة النحل :(أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ) والتعبير هائل فى إعجازه، لأنه تحدث بالماضى عن قيام الساعة فقال (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ) أى صدرالقرار الالهى بقيام الساعة ، ولكن تنفيذه سيكون طبقا للزمن الأرضى الآتى فى المستقبل ، لذا قال جل وعلا للبشر:(فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ). الحديث هنا عن زمنين ، الزمن الالهى الذى صدر فيه الأمر بقيام الساعة ، والزمن الأرضى الذى سيشهد تحقيق هذا الأمر عندما يدور الزمن الأرضى دورته . وجاءت أيضا الاية التالية تتحدث عن نزول القرآن الكريم كإحدى علامات قرب قيام الساعة : ( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ) .ونفس الحال فى مفتتح سورة الأنبياء ، فالآية الأولى تتحدث ليس فقط عن اقتراب قيام الساعة بل يوم الحساب نفسه وغفلة الناس ـ منذ 14 قرنا عنه (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ) وتأتى أيضا الآية التالية تتحدث عن الرسالة الأخيرة والخاتمة من الله تعالى للبشر وهى القرآن الكريم قبل قيام الساعة وموقفهم منه:(مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ). المستفاد هنا شيئان : (ا)إن نزول القرآن الكريم منذ 14 قرنا هو أول علامات إقتراب الساعة . فكيف بنا الآن ؟ (ب ) إن إحتواء القرآن الكريم على أهوال قيام الساعة وأهوال العذاب يوم القيامة يأتى إنذارا  وتحذيرا مقدما لنا قبل وقوعها،وفى نفس الوقت هو التحذير الأخير للبشرية قبيل القيامة.. 
 5  ـ نزول القرآن الكريم منذ 14 قرنا هو أول علامات اقتراب الساعة ، و خلافا للخرافات السلفية فى أحاديث علامات الساعة فان فى القرآن الكريم إشارات لثلاث علامات أخرى للساعة ، وقد تكلمنا عنها     بالتفصيل عنها فى مقالات سبقت عن ( الفزع الأكبر ) ، ولكن نشير هنا إلى أننا نشهد فى عصرنا  الحالى الدخول  فى العلامة الثانية من علامات الساعة ، وهى أن الأرض أخذت زخرفها وإزّينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها : (حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) يونس ). الله جل وعلا هنا يتحدث عن القرية الكونية التى تنعدم فيها المسافات ويصبح البشر فى الأرض قرية واحدة ، والتعبير القرآنى المعجز يصف البشر فى هذه الأرض بأنهم ( اهلها ) الذين وصلوا بتقدمهم العلمى والتكنولوجى الى الاعتقاد بأنهم القادرون على التحكم فيها ( أهلها ) : (وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ). يبقى زمن يسير ، ويصل زخرف الأرض الذى نشاهده فى الغرب وأمريكا واليابان الى دول العالم الثالث ، لتأخذ الأرض كلها زخرفها ، وعندها يأتى تدمير العالم وقيام الساعة بغتة . هذا ما تحدث عنه رب العزة فى حوار مع البشر بدون ( قل ) ، فى الرسالة السماوية الخاتمة للبشرية قبيل قيام الساعة .  الآن فى عام 1435 ، بعد نزول القرآن الكريم ، فإذا كانت الساعة قد إقتربت منذ  أكثر من 14 قرنا ، فنحن الآن منها قاب قوسين أو أدنى . 

ثالثا : قيام الساعة ـ أيها القارىء الآن  ـ أقرب اليك مما تظن

1 ـ عن يوم القيامة يقول جل وعلا بدون إستعمال ( قل ) : ( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) النبأ ) وبعدها يقول جلّ وعلا ينذرهم بنفسه بيوم القيامة أو العذاب القريب بدون كلمة ( قل ) :( إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا (40) النبأ ).

وباستعمال ( قل ) أمر الله جل وعلا خاتم النبيين أن يقول : ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) سبأ )، أى إنه نذير لهم ( بين يدى عذاب شديد ) . أى قريب منهم  ، مع إنهم يرونه بعيدا ويراه رب العزة قريبا .

وتتفق الآيتان فى التعبير عن قرب  قيام الساعة : ( إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا )، ( إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ). ولكن يبدو نوع من الاختلاف بينهما فى أن آية سورة سبأ يتم فيها توجيه الحوار مع كفار قريش بالذات عن ( محمد صاحبهم ) : ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) سبأ )،بينما تأتى الآية الأخرى فى سورة ( النبأ ) فى حوار بدن ( قل ) موجها للجميع ، من كفار قريش الى قبيل قيام الساعة بدقائق . الخطاب لكفار قريش ولنا ولمن سيأتى بعدنا يؤكد للجميع قُرب إقتراب الساعة بنفس الأسلوب . أى إن قُرب قيام الساعة هو نفسه لى ولك ولأحفادى ولأحفادك وللسابقين والأجداد من عشرة قرون ولكفار قريش . فكيف هذا ؟  من المستحيل أن نفهم هذا أن نعرف مشكلة الزمن ، والتعامل القرآنى المعجز فيه ، وخصوصا فى البرزخ .

2 ـ الزمن هو الضلع الرابع للكتلة ، هو الذى يغلف المادة ، ومنها مادة الجسد البشرى . والانسان يتكون من ( نفس ) تنتمى لعالم البرزخ الذى لا زمن فيه ، ومن ( جسد ) يخضع للزمن ، وتظهر عليه آثار الزمن ، بينما لا تشيخ النفس لأنها لا تخضع للزمن ككائن برزخى .

خلق الله جل وعلا الأنفس البشرية كلها مرة واحدة ، وأودعها فى البرزخ . من البرزخ تأتى كل نفس ـ فى موعدها المحدد سلفا ـ وترتدى ثوبها الجسدى جنينا ثم طفلا وليدا ثم شابا ثم كهلا وشيخا الى أن تموت ، أيضا فى موعدها المحدد سلفا . يبدأ العدّ التنازلى ليحياتها الأرضية بمجرد الولادة ، الى أن تنهى حيانها بالموت ، حيث تترك جسدها فيعود الجسد ترابا ، وتعود النفس الى برزخها بعد أن أخذت دورها فى إختبار الحياة الدنيا . وهكذا تأتى كل نفس فى موعدها المحدد لتلبس جسدها ، ثم تتركه نهائيا بالموت فى موعد محدد أيضا . وبعد أن تدخل كل الأنفس أجسادها ، وينتهى إختبار هذه الحياة الدنيا تقوم الساعة . أى إنه فى البرزخ توجد أنفس الذين ماتوا من قبل وأخذوا دورهم فى إختبار الحياة ، وفى البرزخ أيضا أنفس الذين لم يأتوا بعد الى إختبار هذه الحياة. وفى الحالتين هى أنفس موتى لا تتعرف ببعضها ولا تعرف بعضها . فى البرزخ أنفس أجدادى حتى آدم ، وأنفس أحفادى الى قبيل قيام الساعة .

وعند قيام الساعة ينتهى الحمل والولادة ، وتضع كل ذات حمل حملها ،ويموت الجميع من آخر جيل فى الأرض يشهد قيام الساعة : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) 2 )( الحج  ) .

الأحياء الذين يسعون فى الأرض ليسوا بعيدين عن البرزخ ، إذا تعود أنفسهم الى البرزخ مؤقتا ، تستريح فيه من سجن الجسد ، بضع ساعات كل يوم ، وهو ما نسميه بالنوم ، والنوم صورة مصغرة من الموت ، أو هو (وفاة ) مؤقتة ، غير الوفاة التى تعنى الانفصال التام بين الجسد والنفس: ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) (42)( الزمر ).

عند الموت تدخل نفس الميت البرزخ وتظل فيه حتى يوم البعث ، لذا فإن الذى تمكن منه مرض الكفر حتى الاحتضار حين يرى ملائكة الموت يستغيث بربه جل وعلا يقول ( رب ) ويقول للملائكة يترجاهم ( أرجعون ) : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون ). لا رجوع من برزخ لمن مات . ولكن هناك رجوعا من البرزخ لمن ينام ، تظل نفسه مربوطة بحبل سرى بالجسد ، وتعود اليه فيستيقظ الجسد .

ولأن البرزخ مستوى لا وجود فيه للزمن فإن نفس النائم لا تحس بالزمن ، سواء قضت فى البرزخ وقت منامها ، يوما أو بعض يوم فعلا ، أو قضت فى البرزخ مائة سنة وا أكثر . النتيجة هى الاحساس عند الاستيقاظ انه نام يوما أو بعض يوم . حدث هذا مع ذلك الذى أماته ، أو أنامه ، الله مائة عام ثم بعثه أو أيقظه فظن أنه نام أو مات يوما أوبعض يوم : (  فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ ) 259 البقرة )، وحدث مع أهل الكهف الذين لبثوا فى كهفهم 309 عاما : ( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25) الكهف ) وحين إستيقظوا ظنوا أنهم ماتوا أو ناموا يوما أو بعض يوم : ( وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) (19)الكهف) .

نفس الحال عند قيام الساعة . سيُحِسُّ كل البشر الموتى عند البعث أنهم ماتوا أو ناموا ثم إستيقظوا بعد يوم أو بعض يوم ، أو بعد ساعة ( أى أقل من يوم فى المصطلح القرآنى ). تمرُّ عليهم فترة البرزخ كأنها ساعة : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) الروم ). وحتى وهم فى الحشر يتذكرون الدنيا وتعارفهم فيها ببعضهم كأنما حدث هذا بالأمس القريب : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ )(45) يونس ).ويقول جل وعلا عن الكفار عند الساعة والبعث ( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) النازعات ).ويقول جل وعلا عمّن يستعجل القيامة والعذاب : ( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ  ) (35) الاحقاف ) أى جزءا من النهار .

المحصّلة النهائية أن البشر الموتى كلهم سيتساوون فى الاحساس عند البعث بأنهم أمضوا يوما أو بعض يوم فقط بعد موتهم . لا فارق بينى وبينك وبين آدم وحواء وآخر جيل يموت قبيل قيام الساعة .

3 ـ ماذا يعنى هذا بأمثلة عملية ؟ يعنى بالنسبة لى : أننى الآن قد جاوزت الخامسة والستين ب 24 يوما . ولنفرض أن الله جل وعلا قد حدد موعد موتى بعد عامين . إذن بينى وبين الساعة : عامان + يوما أوبعض يوم . يعنى سأموت وسأستيقظ عند البعث وأحسّ أننى مُتُّ أمس فقط  ، او من يوم أو بعض يوم . وإذا كنتّ أومن فعلا بالله وجل وعلا وباليوم الآخر فلا بد أن أُعايش هذا الاحساس بأن بينى وبين يوم القيامة هو ما تبقى لى من عُمر + يوما أو بعض يوم .

هذا يعنى بالنسبة لأبى جهل وأبى لهب الآتى : حين نزل قوله جل وعلا : ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) سبأ ). فالنذير بين يدى عذاب شديد يعنى أنهم سيرون هذا العذاب بعد عدة سنوات من حياتهم + يوما أو بعض يوم . لنفترض أن الآية الكريمة نزلت قبل الهجرة بعامين ، وحدثت موقعة بدر بعد الهجرة بعامين ، أى إن أبا جهل المقتول فى بدر وأبا لهب الذى مات كمدا بعد هزيمة بدر ، قد عاشا أربع سنوات بعد نزول الآية الكريمة ، وعندما يستقظون عن البعث سيخيل اليهم أنهم ماتوا بالأمس فقط ، يعنى ينطبق عليهم قوله جل وعلا عن قيام الساعة :( إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا ) 40) النبأ ).  وهذا العذاب القريب ينطبق على كل كافر أتى أو سيأتى فيما بعد .

كل مولود يأتى الى هذه الدنيا ، وقد تحدد أجله أو الزمن الذى سيعيشه ، وكل يوم ينقص من عمره يتم تسجيله ، أى يبدأ العد التنازلى لحياته بمجرد ولادته ( وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) فاطر)، ثم يموت فتدخل نفسه فى البرزخ بلا إحساس بالزمن ، فإذا جاء يوم البعث للجميع أحسّ كل منهم بأنه مات من يوم او بعض يوم . يعنى لنفرض أن مولودا وُلد اليوم ، ومقدر له أن يعيش سبعين عاما ، فإن بينه وبين يوم القيامة هو سبعون عاما + يوما أو بعض يوم .

أخيرا

1 ـ نحن فى هذه الحياة نركب قاطرة الزمن التى تجرى بنا فى إتجاه واحد لا يتوقف إلا بقيام الساعة . كل منا يركب هذه القاطرة فى وقت محدد ، ويغادرها بالموت فى ساعة محددة . مستحيل أن يتوقف القطار ، مستحيل أن يتوقف الزمن أو أن يتمهّل . أنا أكتب هذا المقال فى الساعة 21 : 5 دقيقة مساء الاثنين فى 24 مارس 2014 . لا أستطيع تحديد الثانية التى أكتب فيها هذا الحرف ، بمجرد الانتباه لها تكون قد مضت لأن الزمن متحرك لا أستطيع إيقافه ، أى بسرعة 60 ثانية فى الدقيقة تتحول الثانية من حاضر الى ماض إنتهى . ( هل تستطيع أن تستحضر يوم امس ؟.) .  بالنسبة لنا يتحول المستقبل الذى هو أمامنا  وبين أيدينا الى حاضر ثم الى ماض . بالنسبة لرب العزة فهو خالق الزمن ، وبالنسبة له جل وعلا فهو يعلم المستقبل والماضى والحاضر ، أو بالتعبير القرآنى الرائع : ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ )(255) البقرة )، يعلم المستقبل الذى بين ايدينا كعلمه بالماضى الذى تركناه خلفنا .

2 ـ الغافل من البشر يعيش الحاضر فقط ، يتصارع فى تحصيل مال سيتركه بالموت ، وفى الوصول الى جاه سيغادره بالوفاة ، وهو لا يعلم أن بينه وبين يوم القيامة هو ما تبقى له من عمر + يوما أو بعض يوم ، يركب قطار الحياة ويرى الناس تموت حوله ويتصرف كأنه وحده الذى سيظل فى القطار دون مغادرة . هو غافل عن موعد القيامة الذى يقترب منه والذى يحمله اليه قطار الحياة الذى هو أيضا قطار الموت . والله جل وعلا فى عليائه يرى حاضرنا ومستقبلنا وماضينا ، وينذرنا ويجعل لنا الشفاء فى كتابه الكريم ، ونحن عنه غافلون .

إقتربت الساعة ونحن عنها غافلون . ألهانا عنها التكاثر بالأموال والأولاد والصراع حول هذا وذاك الى أن ننتبه عند الموت بعد فوات الأوان : (أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ (2) كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوْنَهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ (8) التكاثر ) .

لذا يقول جل وعلا يحذّر المؤمنين :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) المنافقون )

ودائما : صدق الله العظيم

الفصل السابع : ( قل ) فى الحوار فى الألوهية تحديا للمشركين طلبا للدليل العملى والعقلى  

مقدمة

اولا : أرونى الدليل العملى

ثانيا :   الاحتكام للدليل العقلى بكلمة ( قل ) وبدونها :

 

مقدمة

الطبيب الذى يعالج جسد المريض قد يلجأ  فى حواره مع المريض الى الاحتكام للعقل والمنطق ، وهكذا يأتى الحوار القرآنى مع مريض الكفر يتحدى بطلب الدليل العملى والعقلى ، باستعمال ( قل ) وبدونها .

أولا : أرونى الدليل العملى  

1 ـ ذهب أحد الدعاة المحمديين الى كنيسة ، ووجد أتباعها يتبركون بتمثال للعذراء ، فسأل القسيس عمّن صنع هذا التمثال ؟ هل صانعه  من البشر أم أن هذا التمثال نزل من السماء ؟ ، وهل يمكن تكسيره أم يستعصى على التكسير . وهل إذا قام هو بتكسير هذا التمثال فهل ستسقط عليه صاعقة من السماء أو يحلُّ به عذاب أليم . لم يستطع القسيس الرد عليه .  قال للقسيس : هل يصح عقلا وبالمنطق أن تصنع إلاها من المواد الأرضية ثم تقدسه وتعبده وتطلب منه العون والمدد ؟ سكت القسيس عاجزا عن الرد . قال الداعية المحمدى للقسيس : وإذا كان هذا التمثال عاجزا عن حماية نفسه فكيف تكون له القوة والقدرة على حماية الآخرين ،؟ وهل يمكن أن يكون هذا التمثال شريكا لله جل وعلا فى مُلكه وفى هيمنته على الكون؟ . وكيف تعتبر هذه المواد الأرضية المصنوع منها تمثال العذراء مقدسة وهى لا تختلف عن بقية المواد الأرضية التى ندوسها بأقدامنا ؟. سكت القسيس ثم قال : : نحن لا نقدس المواد المصنوع منها تمثال العذراء ، ولا نقدس التمثال لذاته ، بل نقدس العذراء ، والتمثال رمز للعذراء . قال الداعية المحمدى : يعنى أن اساس التقديس هو للعذراء مريم ؟ قال القسيس : نعم . قال الداعية المحمدى : فأين هى العذراء مريم الآن ؟ لو سمحت ( أرنى العذراء مريم ) لأطلب منها المدد وأتبرك بها شخصيا بدلا من هذا التمثال الأبكم . سكت القسيس، فلن يستطيع إحضار السيدة مريم ، ولو جاءت لتبرأت منه  .

2 ـ فى اليوم التالى قابل القسيس الداعية المحمدى ، وطلب منه أن يتعرف على دين هذا المحمدى لعله يترك المسيحية ويتبع المحمدية . صحبه الداعية المحمدى الى القبر المنسوب للنبى محمد فى المدينة ( المنورة ) حيث يتهافت الآلاف على الحج ( او زيارة ) وتقديس أعظم قبر مقدس عند المحمديين . سأل القسيس الداعية المحمدى : هذا القبر المقدس مِمّ يتكون ؟ سكت الداعية المحمدى ، ثم قال مُضطرا : هو بناء مثل الأبنية هنا وهناك . قال القسيس : يعنى بناء من طوب وحجر وأسمنت و زجاج ورمل الى آخره . سكت الداعية المحمدى وهزّ رأسه موافقا . قال له القسيس : يعنى لا فارق بينه وبين المواد المصنوع منها تمثال العذراء . سكت الداعية المحمدى . قال القسيس : هل مواد البناء المصنوع منها قبر محمد تختلف عن المواد الأخرى التى تُبنى بها الكنائس والقصور والبيوت ودورات المياه والمراحيض العمومية والكازينوهات والمراقص وحظائر المواشى والمدارس والمستشفيات ؟ قال الداعية المحمدى : إنها نفس المواد ، ولكننا لا نقدس هذه المواد . قال القسيس: بل أراكم تقدسونها ، فأيديكم تتمسح بالأعتاب والقماش والزجاج والحوائط والخشب ، وكلها مواد بناء ندوسها بأقدامنا ، فما الذى جعل هذه المواد فى قبر النبى مختلفة عن غيرها ؟  قال الداعية المحمدى : نحن لا نقدس هذه المواد فى حد ذاتها ، ولكن لأنها مُقامة على قبر النبى . قال القسيس : هل تعنى أن النبى محمدا مدفون هنا فى هذا القبر تحت الأرض ؟ قال المحمدى : نعم . قال القسيس : إذن تحول جسده الى تراب ، لأنه ميت كما جاء فى كتابكم القرآن ( إنك ميت ) . قال الداعية المحمدى : إن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء . قال القسيس : وكيف تعرف الأرض أجساد الأنبياء وأجساد غير الأنبياء ؟ هل لدى الأرض سجل بأسماء الأنبياء وغير الأنبياء ؟ الذى أعرفه من كتابكم أن كل نفس ذائقة الموت ، وأن من الأرض خُلٍقت أجساد البشر والى الأرض تعود ، هذا للجميع لا فارق بين نبى كريم أو مجرم لئيم . قال المحمدى : نحن نؤمن أن النبى حىّ فى قبره . قال القسيس : تعنى أنه الآن حىّ تحت هذا القبر ؟ قال المحمدى : نعم ، ولذا نزوره وندعوه ونستغيث به ، وهو حىّ تحت هذا القبر يسمعنا . قال القسيس : هذا يعنى أن محمدا مسجون فى هذه الحفرة من وقت دفنه فيها وحتى الآن .! ألستم تحكمون عليه بالسجن الأبدى عقابا ؟ ثم ما معنى أنكم تحكمون عليه بأن يظل سجينا تحت الأرض أى تحت أقدامكم ؟  اليس هذا تحقيرا لشأنه ؟ قال المحمدى : بالعكس ، هو فى قبره مشغول بعمل يخصنا ، لأنه تُعرض عليه أعمالنا ، فيراجعها ويستغفر الله لنا . قال القسيس : هل تعنى أنه من وقت وفاته وحتى الآن والى قيام الساعة يتم عرض أعمال آلاف الملايين عليه فيراجعها قبل ان تصعد الى الله ؟ قال المحمدى : نعم . قال القسيس : وهل تكفى اربعة وعشرن ساعة فى اليوم لهذا العمل ؟ وهل هناك مساعدون له ؟ ومن هم ؟ وهل يؤخذ بتوصيته أم لا ؟ أجبنى .. سكت المحمدى .  قال القسيس : كما قلت لى عن العذراء  ( أرنى العذراء مريم نفسها ) فأنا أقول لك هنا ( أرنى النبى محمدا الذى تتحدث عنه ) . إذا كان حيا كما تزعم : قم بالنداء عليه ليصعد الينا ، ويتحدث عن نفسه . .

3 ـ يقول جل وعلا ( قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) سبأ ) هنا سؤال مُفحم يطلب دليلا عمليا . جاء بكلمة ( قل ) حوارا مع كل المشركين الذين يقدسون بشرا مات ، ولم يعد له وجود فى هذه الدنيا . تحول جسده الى تراب ، وعادت نفسه الى البرزخ . ولم يعد ممكنا رؤيته .

4 ـ إذن هى عبادة صريحة لما تبقى من جسد ذلك المخلوق البشرى الميت . هى عبادة للتراب والعظام التى إختلطت بالتربة شأن أى جسد بشرى . وبالتالى فهذه الرُّفات البشرية الميتة كانت تنتمى لعباد مثلنا ، ولكننا أحياء ، وهم تراب ميت . وهنا يأتى التحدى : هل يتحكم الأموات فى الأحياء ؟ هل لهذه الرُّفات الميت قدرة على الإستجابة لمن يدعوهم ؟ هل لهم أيد يبطشون بها ؟ هل لهم أرجل يمشون بها ؟ هل لهم أعين يبصرون بها ؟ هل لهم آذان يسمعون بها ؟ الجواب : لا . النتيجة : إذن طالما تزعمون أن هذه الأولياء  تملك الضر والنفع فادعوهم ليكيدونى إذا إستطاعوا . فإن وليّى الله جل وعلا ، وهو جل وعلا الذى يتولى ويدافع عن المتقين الصالحين . بهذا أمر الله جل وعلا رسوله أن يقول . يقول جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (197) الاعراف ).

جاء هذا مصحوبا بكلمة (قل ). وجاء نفس المعنى بدون (قل ) فى حوار مباشر من رب العزة يقول فيه جل وعلا للمشركين المرضى بالكفر : ( ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) فاطر )

5 ـ الشائع أيضا تقديس البشر الأحياء من الأحبار والرهبان والأولياء وسدنة الأضرحة المقدسة والأئمة والشيوخ . وهؤلاء أيضا تنطبق عليهم قاعدة التحدى (قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ ).

هذا شيخ مشهور بالولاية والكرامات ، أو هذا ( بابا ) يحج اليه الملايين يلتمسون المدد والبركات . يعتقدون فى هذا الشيخ وذلك البابا القداسة والألوهية والتميّز عن البشر . هنا يأتى التحدى : هل يملك هذا البشر المقدس دفع الأذى عن نفسه ؟ هل لا تصيبه الأمراض ؟ هل يقبل الدخول فى التحدى علنا أمام أعين الناس ويرينا تحكمه فى الملكوت ، أو حتى بعض معجزاته وكراماته ؟ فضلا عن ذلك . لنفترض أننا أحطناه بكاميرات تسجل عليه أقواله وأفعاله 24 ساعة يوميا ، فهل تختلف حياته البشرية عن اى بشر آخر . سيظهر فى تسجيلات الكاميرات أنه يأكل و يذهب لدورة المياه ،ويصيبه الامساك والاسهال ،  ويضحك ويبكى ويتألم ويضحك ، ويمارس الجنس ، وربما يرتكب المعاصى والفساد ( بلاش ربما ، الأغلب أنه .. ).!..إذن فما الذى يجعله ( بسلامته ) مقدسا ومُميزا ومعبودا لآلاف البشر من الحيوانات الناطقة التى تسير على قدمين ؟

6 ـ ( أَرُونِي ) هذه هى فصل الخطاب فى الرد العملى على كل المشركين من محمديين ومسيحيين وبوذيين. إذهب الى أى قبر  مقدس  ( الحسين ، السيدة زينب ، العذراء ، على ، السيد البدوى ، الشافعى ..الخ ) وقل لهم ( أرونى ) . ولن ترى منهم سوى الحُمق والسفالة . ترى أجسادا ضخمة وألفاظا فخمة ولكن بلا عقل . ينطبق عليهم قوله جل وعلا:( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) المنافقون )

7 ـ  ( أَرُونِي  ) جاءت مصحوبة بكلمة (قل ) فى سؤال عن تلك الآلهة المزعومة : ( قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) سبأ ) وفى سؤالين عمّا خلقته تلك الآلهة المزعومة :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ )(4 الاحقاف ) ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ ) ( فاطر 40 ).

كما جاءت أيضا بدون (قل ) : ( هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ  )  لقمان 11 )

ثانيا :   الاحتكام للدليل العقلى بكلمة ( قل ) وبدونها :

1 ـ يقول جل وعلا ( أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ )  24) الانبياء )  هنا كلمة ( قل ) فى طلب البرهان . ومثلها قوله جل وعلا فى الإتيان بدليل خقلى منطقى : ( قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً (43) الاسراء )

2 ـ ويتكرر نفس الدليل العقلى المنطقى بدون إستعمال (قل ) :يقول جل وعلا ( بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) (92) المؤمنون ). الحوار هنا فى أنه لا إله إلا الله ، وليس عن إثبات وجود الله ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا .

أخيرا

قلنا فى بحث التأويل الذى سبق نشره فى مصر فى أوائل التسعينيات : ( فالمعتزلة أجهدوا أنفسهم للاستدلال على وجود الله عز وجل وسط مجتمع يؤمن بالله سواء كان الناس مسلمين أو أهل كتاب ، هذا مع أن القرآن الكريم لم يحاول مطلقا اثبات وجود الله تعالى ، بل جاء بأدلة عقلية تثبت انه لا إله إلا الله ، واقرأ مثلا قوله تعالى (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا : الانبياء 22) وقوله تعالى (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: المؤمنون 91 ) . ولأنهم جعلوا الفكر اليوناني مرجعية عقلية معتمدة لديهم فقد اخذوا عنه أيضا وصف الله تعالى بأنه( قديم ) وهو وصف لا يتفق وتنزيه الله تعالى ، لان وصف القديم يعنى وجود من هو أقدم منه ، وطالما كانوا يحتكمون للعقل فان الله تعالى هو الأحق بالحديث عن ذاته وصفاته . وقد وصف تعالى ذاته في القرآن بأنه ( الأول ) وهذا الوصف هو الأولى عقلا لأن الأول لا يسبقه غيره في الوجود، لذا كان الأولى بالمعتزلة أن يتبعوا القرآن لا اليونان في الحديث عن صفات الله تعالى. )

  الفصل الثامن  :  فى حوار حول الولاية والأولياء  ( قل )

مقدمة :

أولا : الله جل وعلا هو الولى وحده

ثانيا : إتخاذ الشيطان وليا:

 ثالثا : إتخاذ البشر أولياء من دون الله جل وعلا

 رابعا : ارتباط الموالاة بالنصرة

مقدمة : تقرأ ما جاء فى القرآن الكريم عن ملمح أساس من ملامح وأعراض مرض الكفر ، وهو تقديس الأولياء وقبورهم ، فتشعر كأن القرآن نزل اليوم يخاطب المحمديين . فى هذا الخطاب جاءت كلمة ( قل ) احيانا وغابت كثيرا لتفسح المجال للخطاب الالهى المباشر لكفار قريش وللمحمديين وغيرهم من أولياء وأتباع الشيطان . ونبدأ القصة من أولها :

أولا : الله جل وعلا هو الولى وحده

1 ـ ( الولى ) صفة من صفات الله جل وعلا ، فالله جل وعلا هو ( الولى الحميد ) ، يقول جل وعلا :( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ) ( الشورى 28 ).

2 ـ المقصود بالولى هنا أى المقصود بالعبادة وطلب المدد والعون ، أى الذى يجب أن يستجير به الناس ، وأن يطلبوا منه النُّصرة ، فليس للمؤمن من ولى إلا الله جل وعلا وحده ، يقول جل وعلا :( وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا) ( النساء 45 ). ومن يتخذ له وليا غير الله فلن يجد وليا مرشدا ، وهذا هو مصير الضالين، يقول جل وعلا :( وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا )( مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا )( الكهف: 17 ، 26 )

ثانيا : إتخاذ الشيطان وليا:

1 ـ المؤمن يكتفى بالله جل وعلا وليا ونصيرا ، يقول جل وعلا : ( وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا )( النساء 45 ). المريض بالكفر يتخذ له أولياء ( مع الله )، أو يتخذ له أولياء ( من دون الله ). ومهما تعدد أولئك الأولياء ومهما إختافت أسماؤهم وأزمانهم فإن ( المُخرٍج ) والمؤسس و( المنتج ) لهذه الخرافات هو الشيطان . أى فى النهاية وفى الأصل هو تأليه للشيطان وعبادة للشيطان موالاة للشيطان ، لأن الشيطان هو الذى يقنع ضحاياه من المرضى بالكفر بأن يقدسوا أحجار المقابر وأن يعبدوا تراب ورفات الموتى وعظامهم وما تخلف من أجسادهم من مواد يستقذرها ويستبشع رؤيتها الأحياء . تلك ( الأنصاب ) ـ أو القبور المنصوبة على تلك البقايا البشرية الميتة ـ هى فى الحقيقة من ( عمل الشيطان ) ، يقول جل وعلا عنها:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ) ( المائدة 90 ). طبعا الشيطان لم يشمّر عن ساعديه ، ولم يقم ببناء تلك الأنصاب وزخرفتها وإضاءتها بالشموع . نحن لا نرى الشيطان أصلا . الشيطان هو الذى أقنع أولياءه من البشر ، أو ضحاياه من بنى آدم وجعلهم يعبدون ما ينحتون .

الشيطان لم يظهر فى برنامج تليفزيونى يدعو فيه الى تقديس البشر والحجر ، ولم يقف خطيبا فى مسجد يفترى الأكاذيب ينسبها زورا وبهتانا لله جل وعلا ورسوله . الذى يفعل ذلك هم أولياء الشيطان الذى يوحى اليهم الشيطان بزخرف القول خداعا وغرورا ، وينخدع بهذه الأكاذيب العوام وتصغى اليه أفئدتهم فينطلقون فى ارتكاب العصيان مؤمنين بشفاعات البشر ودخول الجنة والنجاة من النار مهما أجرموا . يقول جل وعلا عن هذا الصنف من أولياء الشيطان : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً )( الانعام 112 ـ  ).

2 ـ بإيجاز : الشيطان هو المصدر الأساس فى مرض الكفر القلبى ( العملى : عبادة القبور ، والعملى : تقديس الأسفار والكتب والتراث ) وهو أيضا المصدر الأساس أيضا فى الكفر السلوكى بالقتل والاكراه فى الدين .  أى إن ابن آدم أمامه أن يختار بين أمرين لا ثالث لهما : إما أن يكتفى بالله جل وعلا وليا ، وإما أن يتخذ له وليا مع الله جل وعلا أو يختار له وليا من دون الله ، وحينئذ فإن الشيطان هو وليه . أى تعود المسألة  فى الاصل الى الاختيار بين أمرين،إما : الله جل وعلا الولى وحده ، وإما الشيطان أو الطاغوت: (  اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  ) ( البقرة 257 ).

3 ـ وتبدأ جذور الموضوع مع خلق آدم ، ورفض ابليس السجود لآدم ، وتوعّد ابليس ( الشيطان ) أن يُضلّ بنى آدم ، وقد خدع آدم ، وهو يمارس مهمته فى إضلال بنى آدم وسيظل يمارس مهمته الى نهاية العالم . وبعد أن قصّ جل وعلا قصة آدم وهبوطه الى الأرض قال جل وعلا يحذرنا من الشيطان : ( يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ )( الاعراف 27 : 28 ). فالشياطين أولياء الذين لا يؤمنون . ويقول جل وعلا يعيب على من يتخذ الشيياطين ( ذرية ابليس ) أولياء من دون الله جل وعلا : (  وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا ) ( الكهف 50 )، وذكر رب العزة جل وعلا عزم ابليس إضلال بنى آدم ، ويؤكد رب العزة أن من يتخذ الشيطان وليا من دون الله يكون خاسرا خسرانا مبينا : (  وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا  ) ( النساء 119 ). ويقول جل وعلا عن أولئك الضالين : ( فرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ) ( الاعراف 30 ). ومن تمكن الشيطان فى خداعهم أنه يجعلهم يحسبون أنهم مهتدون وهم غارقون فى حمأة الضلال .

4 ـ وليس كلامنا هذا نظريا بعيدا عن الواقع ، بل هو واقع المحمديين الذين يحسبون أنفسهم مهتدين مع إنهم أولياء الشياطين . ونضرب أمثلة واقعية : فالذى يتعلق بأستار قبر الحسين أو السيدة زينب وما شابه ذلك هو يعبد الشيطان ، وهو ولى الشيطان . والذى يحِنُّ قلبه للتمسح بقبر محمد هو ولى للشيطان وهو يعبد الشيطان . والذى يعتنق الجهاد السلفى أويدعو اليه أويؤمن به أويمارسه هو ولى للشيطان . والذى يرتعش قلبه إذا سمع أو قرأ نقدا للبخارى أو الشافعى اوابن تيمية أو لما يعرف بآل البيت أو الخلفاء الراشدين أو الصحابة..هو ولى للشيطان . الشيطان يوقع الخوف فى قلوبهم ويجعل لتلك الأسماء مهابة . الشيطان يُخوّف أولياءه ، يقول جل وعلا : ( إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) آل عمران ) . العادة أن المحمديين  المعتدلين ، وكل من فى قلبه مرض يحسب نفسه من المهتدين. فإذا أردت أن تختبر نفسك وتعرف وضعك ؛ هل أنت من اولياء الشيطان أم تكتفى بالله جل وعلا وليا ، إسأل نفسك : حين ترتكب معصية دون خوف من الله جل وعلا ، هل هو نفس حالك إذا سمعت نقدا للبخارى أو آل البيت أو الراشدين والصحابة ؟

ثالثا : إتخاذ البشر أولياء من دون الله جل وعلا

1 ـ حينما تشاهد عملا دراميا فإنك لا تشاهد الفاعل الحقيقى له ، وهو ( المخرج ). أنت فقط تشاهد الممثلين والديكورات ، وتنشغل بالمظاهر التى يحركها ( المخرج ) بينما لا ترى ( المخرج ) نفسه . نفس الحال فى مظاهر الحياة الدينية للكفار المرضى ، والتى تدور حول القبور المقدسة و( الأسفار ) أو الكتب المقدسة . ترى البشر الذين يتخذون أولياء من دون الله ، ولا ترى الشيطان الذى أقنعهم بهذا ، والذى أوقعهم فى هذا.

2 ـ وتعبير ( إتخاذ ولى ) رائع . إذ يعنى أن البشر بدافع ذاتى هم الذين ( إتخذوا ) فلانا وليا . ( إتخذوه ) بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير . ( إتخذوه ) فى غيبوبة عقليه تعبر عن مرض كفرى قلبى يُعمى العقل والبصر والبصيرة . يكفى أن معظم من يتخذهم البشر أولياء مقدسين لا صلة لهم بأولئك البشر ، فالذين يقدسون عليا بن ابى طالب لم يروا عليا ابن أبى طالب ، والذين يقدسون ابن تيمية والبخارى ومسلم والشافعى وابن حنبل ..الخ لم يروهم ، وأولئك الفقهاء والأئمة لا علم لهم بمن جاء بعجدهم يعبدهم ويقدسهم ويطلق عليهم الأسماء فتصبح تلك الأسماء مقدسة ومهابة ومرعبة . هم ( أتخذوا ) أسماء وعبدوا هذا الأسماء التى ما أنزل الله جل وعلا بها من سلطان . لو وقفت فى السعودية وظللت تلعن ابن برزدويه فلن يلتفتا اليك أحد لأن غسن ابن برزدويه ليس مقدسا. أما إذا تعرضت بالنقد للبخارى فمصيرك القتل بتهمة الردة ، لأن البخارى هو ربهم الأعلى ، مع ان البخارى هو نفسه ابن برزدويه . أى أن المحمديين وغيرهم من المرضى بالكفر يعبدون أسماء ( ينحتونها ثم يقدسونها ) . فعل ذلك قوم عاد فقال لهم النبى ( هود ) عليه السلام : ( قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ )  (71) ( الأعراف )، وفعلها ولا يزال يفعلها المصريون ، فقال لهم يوسف عليه السلام (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ )(40) يوسف )، وفعلها العرب وقت نزول القرآن فقال لهم رب العزة : ( إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ  ) (23) ( النجم ).

3 ـ وفى الحوار حول ( إتخاذهم أولياء ) جاءت كلمة  ( قل ) تأمر خاتم المرسلين أن يقول لمن يتخذ وليا غير الله جل وعلا : ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(14) الانعام )، وتتحداهم تؤكد لهم أن تلك الأولياء الموتى لا تنفع ولا تضر :(  إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) ( الآعراف 194 : 196 )، وانها لا تخلق شيئا : ( قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) ( الرعد 16 )، وأن من يتخذ البشر أولياء من دون الله فقد ضل سعيه فى الدنيا:( أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلا قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا)(الكهف 102 ـ  ).

4 ـ وجاء الحوار مباشرا بدون ( قل ) : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ )( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )  الشورى 6 ،  9)(  مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) ( العنكبوت 41 )(أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) ( الزمر  3 ). وقد سبق التوقف ـ كثيرا ـ مه هذه الآيات الكريمة .

رابعا : ارتباط الموالاة بالنصرة :

1 ـ الولاية تعنى التقديس والعبادة كما تعنى النُّصرة والمناصرة . والتقديس والنصرة مرتبطان. ويأتيان معا فى القرآن الكريم:( وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ )(التوبة 116 ،العنكبوت 22 ،الشورى 31 )(  وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا ) ( النساء 45 ).

2 ـ ونضرب مثلا من عصرنا البائس : فالذى يتخذ البخارى وليا يدافع عنه وينصره ويقدس إسمه ، وهو يقف بقوة ضد من ينتقد البخارى . أما الذى يكتفى بالله جل وعلا وليا فهو يقف بحزم ضد إفتراءات البخارى وأكاذيبه التى يجعلها وحيا ومنسوبا لله جل وعلا ورسوله الكريم . هنا خصومة وحرب ، هنا قضية فيها ظالم هو البخارى الذى يفترى الأكاذيب ، يظلم الله جل وعلا ورسوله ، ولا بد لمن ( يوالى ) الله جل وعلا أن ينصر الله جل وعلا ، ويبرىء الاسلام من هذا الافتراء .

3 ـ ونضرب مثلا آخر من عصرنا البائس : هؤلاء الارهابيون السنيون وجهادهم السلفى السنى القائم على شريعتهم وعلى حديث ( أمرت أن أقاتل الناس .. ) وهم يحملون إسم الاسلام شعارا . وبهم تشوّه دين الاسلام ، وتشوهت صورة الرحمن الذى ارسل رسوله بالقرآن الكريم رحمة للعالمين ، فأصبح بهم الاسلام إرهابا للعالمين . الذى يكتفى بالله جل وعلا وليا ( يناصر ) رب العزة ، ويوضح حقائق الاسلام ، ولا تأخذه فى مناصرة وموالاة رب العزة لومة لائم ، لأن حق رب العزة هو الأقدس ، فما بالك إذا كان المعتدى من أولياء الشيطان ؟  بهذا تكون الموالاة والمناصرة تفاعلا بين الله جل وعلا ( الولى ) ومن يوالى الله جل وعلا من المؤمنين المتقين . وفى الجهة المضادة تكون الموالاة بين الشيطان وأوليائه . والموالاة تعنى مواجهة بالكلام وبالحرب . وفى كل الأحوال فإن الله جل وعلا ـ وهو نعم المولى ونعم النصير ـ ينصر أولياءه فى الدنيا والآخرة . هذا يستحق بعض التفصيل :

3 / 1 : الموالاة والمناصرة قتالا فى الدنيا :  يقول جل وعلا فى خطاب مباشر للمؤمنين بدون كلمة ( قل ) :(  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ  ) (  محمد 7  ). هم ينصرون الله جل وعلا والله جل وعلا ينصر من يناصره : (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز ) ( الحج 41 ). والله جل وعلا يدافع عن الذين آمنوا (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ) الحج 38 )  وفى التحريض على القتاة مناصرة لله جل وعلا ضد أولياء الشيطان والعدوان يقول جل وعلا :  (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ) ويكون القتال بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان : ( الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ) ( النساء  75 : 76 ).

3 / 2 : هناك مؤمنون أمضوا حياتهم تقوى وجهادا ، ثم جاءت لحظة الاحتضار بما فيها من هول . عندها تظهر الموالاة والمناصرة بين الله جل وعلا والمتقين فى الدنيا والآخرة فى لحظة فارقة . يقول جل وعلا عنهم : ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ  ) ( يونس 62 : 64 ) عند الموت يتحدد مصير ابن آدم : هل هو ولى الرحمن أم ولى الشيطان . كلهذا تبعا لايمانه وعمله وجهاده . يقول جل وعلا : (  إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ  ) ( فصلت 30 : 32 )

3 / 3  : وتكون الموالاة والنصرة فى الآخرة هى الأعظم . فالذى يقضى حياته مجاهدا فى سبيل الله يأتى يوم القيامة شاهدا على قومه الضالين ، ويقال عنهم : ( أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ )( هود 20 )، ويقول جل وعلا عن مناصرته للأشهاد والمؤمنين والرسل : (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) غافر ). فى هذا اليوم لا تنفع الظالمين معذرتهم ، فقد حاقت بهم اللعنة وتعين عليهم الخلود فى السعير ، ولم يجدوا من ينصرهم أمام العلى الجبار ، بل يتخلى الملأ وكبار الكفرة عن أتباعهم فلا يجد الأتباع سوى أن يلعنوا سادتهم وكبراءهم : (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ) ( الاحزاب 64 : 68 ). وفى حال رؤيتهم للنار ينظرون اليها من طرف خفى ويشعرون أنهم خسروا أعظم خسارة ، إذا أتخذوا الشيطان وليا من دون الله فلم يجدوا من دون الله جل وعلا وليا ولا نصيرا : ( وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَاء يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ ) ( الشورى 45 : 46 ) . أما الشيطان فسيعلن تبرأه منهم وهو معهم فى النار : (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ابراهيم )

أخيرا

يحتج المحمديون بأنهم أكثرية ، وهم فعلا يزيدون عن بليون ونصف البليون . والأكثرية ليست دليلا على إعتناق الحق ـ لأن أكثرية البشر يوالون الشيطان . وقد ردّ رب العزة عليهم مقدما فقال : (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) القمر )

ودائما : صدق الله العظيم 

كتاب ( قل ) فى القرآن الكريم

( أقوال الرسول فى القرآن فقط ، وليس له أقوال فى الاسلام خارج القرآن )
هذا الكتاب يوجز معالم الاسلام فى القرآن الكريم ،ويثبت أن أقوال الرسول فى القرآن فقط ، وليس له أقوال فى الاسلام خارج القرآن الكريم . أى يجعل حدا فاصلا بين دين الاسلام الذى لا مصدر له سوى القرآن ، واديان المحمديين الأرضية وتراثهم البشرى .
more