رقم ( 2 )
مقدمتان للكتاب

مقدمتان للكتاب                              

 المقدمة الأولى

يا أيها المحمديون .لا أعبد ما تعبدون  . ولا أنتم عابدون ما أعبد

أولا : من هم المحمديون ؟

مقالات متعلقة :

1 ـ هم الذين يؤمنون بأن محمدا هو أفضل الأنبياء واشرف المرسلين و( سيّد الخلق ) اجمعين . هم الذين يؤمنون بشفاعته يوم الدين ، ويقول أئمتهم أنّ من أجله خلق الله العالم ، وأنه قبس من نور الله ، وأنه أول خلق الله ، وأنه نور عرش الله . هم الذين لا يؤمنون ب ( لا اله إلا الله ) وحدها . لابد أن يكون محمد شريكا لله جل وعلا فى شهادة الاسلام ( فيقولون : لا اله إلا الله محمد رسول الله ). هم الذين يسمون أنفسهم ( امة محمد ) مقابل ( أمة المسيح ) .

2 ـ هم الذين يجعلون محمدا شريكا لله جل وعلا فى الأذان فى الصلاة ، وفى التشهد فى الصلاة ( التحيات ) بل يؤدون ( صلاة السُّنّة ) من اجل عيون ( محمد )، هم الذين يجعلون الحج لا يكتمل إلا بزيارة القبر المنسوب اليه ، وبتأدية طقوس للحج لهذا القبر ، معتقدين أن محمدا داخل هذا القبر يسمع ويُجيب المُضطر إذا دعاه ، وان أعمال البشر يتم عرضها عليه فى قبره فيستغفر للمحمديين أو ( أُمّة محمد ) . هم الذين ينكرون موت ( محمد ) ، بل يعتقدون حياته الأزلية حيث يعيش فى قبره يتحكّم فى الكون .

3 ـ هم الذين عندما يُذكر إسم محمد يجهرون بالصلاة عليه يجعلون الصلاة عليه عبادة له ، خلافا للاسلام الذى يجعل الصلاة على النبى هى التمسك بالقرآن الكريم الذى كان النبى فى حياته يتمسّك به .

4 ـ هم الذين يرفعون محمدا فوق مقام رب العزّة . عندما يُذكر إسم الله لا يقولون التسبيح والتحميد الواجب عند ذكر إسم الله ولا يخشعون. هم الذين لا ينطبق عليهم قوله جل وعلا (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2 ) ( الأنفال ). ولكن إذا ذُكر أمامهم إسم محمد هللوا بالصلاة عليه ، وإذا ذُكر امام إسم الله جل وعلا وحده فى معرض التقديس والتسبيح والتمجيد دون ذكر محمد إشمأزت قلوبهم : (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)( الزمر ) ، وإذا ألقيت أمامهم عِظة دينية قرآنية بالقرآن وحده فى تعظيم الله وحده دون تعظيم لمحمد ودون ذكر لأحاديثهم ولُّوا نفورا :( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً (46) الاسراء ) هذا لأنهم يقدسون إسم ( محمد ) أكثر من تقديسهم لاسم رب العزة جل وعلا . بل يخصصون إسم الله جل وعلا للأيمان الكاذبة والحلف الكاذب شأن منافقى المدينة الذين قال جل وعلا عنهم أنهم يهلكون أنفسهم بسبب جُرأتهم على القسم باسم الله جل وعلا كذبا : ( وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) ( التوبة ) . هم الذين إذا أرادوا الكذب فى الوعد قالوا ( إن شاء الله ) وهم يعلمون أنهم لن يفعلوا ما يعدون به ، أى يعلّقون نكث الوعد على مشيئة الله جل وعلا ظلما لله جلّ وعلا وعُدوانا على مقامه القُدسىّ . بل يشيع فيهم الجهر بسبّ الدين ( دين الله جل وعلا ) بحيث لم يعد ذلك مُنكرا ، ولكن هذا الذى يسبُّ دين الله إذا قيل له إسم ( محمد ) سارع بالصلاة عليه تقديسا لاسم محمد .

5 ـ التالى فإن المحمديين لا يؤمنون بالله جل وعلا حسبما وصف جل وعلا ذاته فى القرآن الكريم . هم   لايؤمنون بالله  الولىّ الذى لا شريك له فى مُلكه وحُكمه ( مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26) ( الكهف ) ، والذى هو وحده خالق السماوت والأرض ، وهو وحده الولى الشفيع : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4)  السجدة  )، والذى هو وحده مالك يوم  ـ الدين ، والذى سيحاسب محمدا وغيره بنفس المساواة مع بقية البشر: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) هود ) والذى ما من دابة إلّا هو آخذ بناصيتها : (مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) هود   )، والذى هو قريب من عباده يجيب دعوة الداعى بلا واسطة : (  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)) ( البقرة)، بل هو أقرب اليهم من حبل الوريد (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) ق  ) .

6 ـ المحمديون يكفرون بالله جل وعلا الموصوف بهذه الصفات ، وقد خلقوا لهم الاها ليتحكّم فيه إلاههم القوى الذى صنعوه تحت إسم ( محمد ) ، فمحمد عندهم هو الولى وهو الشفيع وهو الغافر للمحمديين ، وهو الذى يجيب المضطر إذا دعاه . أما الاله الذى جعلوه الى جانب محمد فهو مجرد ( كومبارس ) تابع لمحمد فى الايمان والاعتقاد وفى العبادة . ـ نحن نكفر بهذا الاله الذى صنعه المحمديون ، ونكفر بالاله القوى الذى صنعه المحمديون وسموه محمدا ، ونسبوا أنفسهم له .

 نحن نكفر بإله المحمديين

1 ـ   نحن نكفر بتأليه محمد . لأننا نؤمن بما نزل على ( محمد ) وهو القرآن الكريم ، ولا تؤمن بشخص محمد .نؤمن بالرسول أى الرسالة وليس بمن كانت مهمته تبليغ الرسالة .ولهذا نؤمن بكل الرسل ولا نفرّق بين أحد منهم ، ونقول سمعنا وأطعنا وليس سمعنا وعصينا : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) البقرة ). نؤمن أن محمدا هو رسول قد خلت من قبله الرسل ، وقد مات مثلما مات من سبقه من الرسل (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) آل عمران  )

2 ـ نقول لهم :( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) الكافرون ).

3ولأنهم يحملون إسم الاسلام زورا وبهتنانا فسنواصل عملنا فى تبرئة الاسلام منهم ومن عقائدهم وشرائعهم وأديانهم الأرضية وتاريخهم الملىء بالارهاب والاعتداء والظلم . ولتأكيد التناقض بينهم وبين الاسلام نعطى مقارنة بينهم وبين المسيحيين : 

المحمديون كالمسيحيين  

1 ـ نحن نرى أن (المحمديين) يسيرون على سُنّة ( المسيحيين ). ويتنافس كل فريق فى التغصب للإله الذى ينتمى اليه بالاسم .

2 ـ المسيحيون يحتفلون بميلاد المسيح فى ( عيد الميلاد المجيد  ) والمحمديون يحتفلون بميلاد محمد فى ( المولد النبوى الشريف ).

3 ـ المسحيون يسمون أولادهم ( عبد المسيح ) ويسمى المحمديون اولادهم ( عبد النبى ) و ( عبد الرسول ) بل فى تقديسهم لأئمتهم يسمى المحمديون الشيعة ( عبد على ) و ( عبد الحسين ) ويسمى المحمديون الصوفية ( عبد الصالحين ) .

4 ـ المسيحيون الذين يعتبرون أنفسهم ( أمة المسيح ) يعتقدون فى الاههم الميح بأنه ( المُخلّص ) والمحمديون المنتمون الى ( أمة محمد ) يعتقدون أن الاههم محمد هو الشفيع مالك يوم الدين .

5 ـ المسيحيون يعتقدون أن المسيح جُزء من الله كالابن جزء من أبيه ، بينما يعتقد المحمديون نفس الاعتقاد فى ( محمد ) مع بعض التحوير اللفظى ، فلا يستطيعون التصريح بأن محمدا ابن لله فيقولون أنه قبس من نور الله ، أى جزء منه .

  6  ـ المسيحيون يعتقدون أنهم ابناء الله وأحباؤه من خلال إعتقادهم أن ( الروح ) جزء الاهى داخل الانسان ،  بينما يؤكد رب العزة أن الروح هو جبريل . وقد قال رب العزة يرد على زعمهم بأنهم ابناء الله وأحباؤه : (وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ 5 ـ الْمَصِيرُ (18) المائدة ) ، وجاء  ت المحمديون على أثرهم يهرعون ، يقول الصوفية والشيعة أن النور المحمدى يتنقل بعد محمد فى الأولياء والأئمة . اى تتناسخ الالوهية بعد ( محمد ) وتتنقّل فى آلهتهم وأئمتهم .

7 ـ المسيحيون يقدسون أئمتهم (  اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) التوبة ) وكذلك يفعل المحمديون .

8 ـ إنقسم المسيحيون الى ملل وطوائف ، وداخل كل فرقة طوائف ومذاهب شتى ، وكذلك إنقسم المحمديون الى شيعة وسُنّة وصوفيه ، ودخل كل فرقة طوائف ومذاهب شتى .

9 ـ التشابه قائم بين المسيحيين والمحمديين ، وكذلك التعصب بينهما . وهذا هو شأن المشركين . هم دائما فى شقاق . ويحل بينهم الشقاق بمجرد أن يقوموا بالتفريق بين الرسل وتمييز رسول على بقية الرسل ، فعل ذلك المسيحيون مع المسيح ، وفعل ذلك المحمديون مع محمد . وقالها رب العزة مُحذّرا من البداية : ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) البقرة ).

المحمديون أشد ضلالا من المسيحيين

ومع التشابه بين المسحيين والمحمديين إلّا أنّنا نرى أن المحمديين أشدّ ضلالا من المسحيين . فقد أوضح رب العزة حقائق الاسلام وركّز على الحوار مع أهل الكتاب ودعوتهم الى أنه لا اله إلّا الله . وتكرّر هذا وتأكّد بما لا يدع مجالا لأى عُذر . وعجز المحمديون  عن تحريف القرآن الكريم فإخترعوا أحاديث نسبوها للنبى عليه السلام ، ومن أجلها حكموا بنسخ أو إلغاء آيات القرآن الكريم ، وقاموا بتغيير مفاهيم القرآن بالتأويل وما أسموه بالتفسير .

أخيرا : ليست لرسول الله عليه السلام أقوال خارج القرآن

1 ـ  نؤمن بأن الرسول بعد موت خاتم رسل الله هو القرآن الكريم المحفوظ من لدن الله جل وعلا حُجّة علينا الى قيام الساعة . نحن لا نؤمن بالأحاديث التى زيفوها ونشروها ونسبوها للنبى محمد بعد موته بقرنين وأكثر . نكفر بهذه الأحاديث لأننا لا نؤمن إلا بحديث واحد هو حديث الله فى القرآن الكريم .( أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) الأعراف) (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50) المرسلات )  (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) ( الجاثية ). 

2 ـ نؤمن أن كل الأقوال التى كان يحتاجها الرسول فى الاسلام جاءت فى القرآن الكريم خلال تكرار كلمة ( قل ) ، وليس له أن يتقوّل على الله جل وعلا شيئا ، وقد أطاع عليه السلام أمر ربه فقام بتبليغ الرسالة أو القرآن كاملا ، ومات وقد بلّغ الرسالة وأدى الأمانة . ولوتقوّل على الله شيئا لأخذه الله جل وعلا باليمين وقطع منه الوتين ، وعندها فلا يمكن أن يحميه أحد من غضب رب العالمين . (  وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ (44) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)( الحاقة ).

هذه هى المقدمة الأولى لكتاب (أقوال الرسول فى القرآن فقط )

 

 

المقدمة الثانية

أقوال الرسول فى القرآن فقط ، وليس له أقوال فى الاسلام خارج القرآن

أولا :

1 ـ كلمة "قل" من أهم الكلمات القرآنية .  وقد وردت في القرآن 332 مرة ، وهى تعنى أن هناك أقوالاً محددة أمر الله تعالى رسوله أن يقولها للناس ، وتميز القرآن الكريم بكثرة ورود كلمة "قل" على نحو يختلف به القرآن عن التوراة والإنجيل اللذين بين أيدينا.
وقد بشرت التوراة التي بين أيدينا بخاتم النبيين الذى يأتي من بنى إسماعيل "يقيم الرب إلاهـك نبياً من وسطك من إخوتك مثلى له تسمعون.. أقيم لهم نبياً من وسط أخوتهم مثلك واجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به: سفر التثنية 18/5، 18". والشاهد هنا أن الكتب السماوية السابقة نبأت بخاتم النبيين الذى ينزل عليه الوحى يقول له قل كذا ، ويصبح هذا جزءاً من الوحى المكتوب ، أو بتعبير التوراة "واجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به".
وباستقراء المواضع القرآنية التي جاءت فيها كلمة "قل" نضع الملاحظة السريعة الآتية:
1 :  أكثر ورود كلمة "قل" كان في الحوار مع شتى الأنماط البشرية والدينية.
هناك حوار مع المشركين مثل ( قُلْ : سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ  ) (الروم 42). وهناك حوار مع أهل الكتاب ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ )(آل عمران 64)
وهناك حوار مع المنافقين ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ: لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ ) (النور 53). وهناك حوار مع المؤمنين ( قُلْ: تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ.) الأنعام 151). وهناك حوار مع كل البشر ( قُلْ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً )الأعراف 158)
2 ـ وهناك "قل" في الإجابة عن أسئلة المؤمنين للرسول (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ: الْعَفْو )(البقرة 219)
3 ـ وهناك "قل" في تشريع الدعاء والعقائد والعبادات  ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
ï´¾) (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفا ) (الأنعام 161)
4 ـ   وهناك تكرار لكلمة "قل" في الآية الواحدة  ( قُلْ: أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ: إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ...) (الأنعام 14)
5 ـ  وتأتى "قل" لتؤكد معنى قرآنياً ورد في آيات أخرى لم تأت فيها كلمة "قل" فالله تعالى يقول ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُآ  إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير ) (لقمان 33: 34)
ومضمون الآيتين السابقتين تكرار في آيتين جاءت فيهما كلمة قل : ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ: إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ: إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَآ  قُلْ: لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (الأعراف 187: 188)
6 ـ وبالتوقف مع كل آية وردت فيها كلمة "قل" نتأكد أن القرآن كان يتابع النبي بإجابات مستفيضة ومتكررة عن كل شيء يحتاجه بحيث لم يكن لديه مجال أو متسع أو تصريح لأن يتكلم في دين الله من عنده ، خصوصاً وأن الله تعالى منع أن يتحدث النبي في الدين من عنده أو أن يتقول شيئاً ينسبه لله، وهذا يعنى أن أقوال الرسول وأحاديثه هي في داخل القرآن،  خصوصاً ما كان فيها الأمر الإلهي"قل" ، وفيها كل ما يحتاجه النبي والمسلمون.
7 ـ وكان الرسول ينذر بالقرآن ( وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ ) (الأنعام 51)
وكان يذكرهم بالقرآن ( وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ ) (الأنعام 70) ( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ )  (ق 45) وكان يبشرهم بالقرآن ( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّا ) (مريم 97) وكان يجاهدهم بالقرآن ( فَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً )  (الفرقان 52).

ثانيا :

1 ـ  والذى لا شك فيه أن النبي عليه السلام بعقليته كان أصلح الناس للاجتهاد ، وكان منتظراً أن يبادر بالإجابة على من يسأله ويستفتيه في أمور الدين ، ولكن الواقع القرآني يؤكد أن النبي كان إذا سُئـِلَ في شيء كان ينتظر نزول الوحى ليأتي بالإجابة ، وينزل قوله تعالى ( يسألونك عن ) كذا ( قل ) ..
وكلمتا  ( يسألونك ) و ( يستـفـتونك ) مع  كلمة {قل} من كلمات الله في القرآن الكريم ، ومنها نتأكد أن النبي كان مطلوباً منه فقط أن يبلغ الرسالة كما هي .  لقد كانوا يستفتون النبي ولكن النبي كان ينتظر نزول الوحى ، وتنزل الفتوى من رب العزة: ( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ ) (النساء 127) . لم يقل له ويستفتونك قل إني أفتيكم ، وإنما قال : ( قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ ) . وفى المواريث استفتوا النبي في الكلالة،  فانتظر الفتوى من الله تعالى فنزل قوله تعالى : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) (النساء 176) لم يقل أنا أفتيكم.
2 ـ ومن مراجعة كلمة "يسألونك" في القرآن نتعرف على الحقائق الآتية:
* كانوا يسألون النبي عن أشياء جديدة في التشريع ، وكان النبي ينتظر معهم الحكم التشريعي الجديد الذى ينزل به القرآن ، مثال ذلك سؤالهم عن الأنفال أو الغنائم : ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ....) (الأنفال 1)
* وكانوا يسألون النبي عن إيضاحات جديدة في أمور تحدث عنها القرآن من قبل ، وكان بإمكان النبي أن يجيب عنها بالاستنتاج والقياس ، ولكنه عليه السلام لم يفعل ، فقد نزل قوله تعالى في مكة : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ
ï´¾ (الأعراف 33). فالإثم كان محرماً في مكة ، ثم سُئـِلَ النبي في المدينة عن حكم الخمر ومعلوم أنها من الآثام ، ولم يجتهد النبي في التوضيح والقياس والاستنتاج ، وهو بلا شك أقدر الناس عليه ، ولكنه انتظر حتى جاءت الإجابة من الله تعالى (´يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ) البقرة 219). وطالما أن في الخمر إثماً كبيراً فإن تحريمها قد نزل إجمالاً في مكة ثم جاء تفصيلاً في المدينة.

* بل كانوا يسألون النبي عن أمور تكرر حديث القرآن عنها، ومع ذلك فالنبي كان لا يتلو عليهم الإجابة من الآيات التي نزلت من قبل ،وإنما كان ينتظر نزول الوحى فينزل بإجابات تؤكد ما سبق بيانه ، فقد نزلت آيات مكية تحض على رعاية اليتيم ، ومنها ( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ) (الضحى 9) ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِآ  فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ) (الماعون 1: 2) ( كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) (الفجر 17) ( أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ آ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَة )(البلد: 14 ، 15) (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) (الأنعام 152، الإسراء 34). ثم نزلت آيات في المدينة تؤكد على رعاية اليتيم منها : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) (الإنسان 8) ، ( وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ.) (البقرة 177). ومع ذلك سألوا النبي عن اليتامى ، وانتظر النبي الإجابة ، ولم يقرأ عليهم الآيات الكثيرة عن رعاية اليتيم وحقوقه ، ونزل قوله تعالى يجيب السؤال : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ) (البقرة 220) وهذه الإجابة تؤكد ما سبق بيانه من رعاية اليتيم . وسُئـِلَ النبي مرة أخرى عن يتامى النساء ونزل الوحى يؤكد ما سبق بيانه من وجوب رعايتهن ورعاية اليتيم : ( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ ) (النساء 127) والإجابة هنا تشير إلى ما نزل في الكتاب وكانوا يتلونه ويقرأونه من رعاية اليتامى والمستضعفين من الولدان.
3 ـ وأكثر من ذلك فهناك حقيقة قرآنية مؤكدة وكررها القرآن ، وهى أن النبي لا يعلم الغيب ولا يعلم موعد قيام الساعة ولا ما سيحدث له أو للناس ، واقرأ في ذلك قوله تعالى
ïقُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ) (الأنعام 50) ( قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ..) (الجن 25: 27) ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ ) (الأنبياء 109) . وهل هناك أوضح من قوله تعالى  : ( قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ.) (الأحقاف 9). ومع ذلك فهناك آيات أخرى كثيرة تؤكد أن علم الساعة عند الله وحده : ( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ) (لقمان 34) ( إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ) (فصلت 47) ( وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )(الزخرف 85)
كلها آيات تؤكد أن النبي لا يعلم الغيب وأن علم الساعة لله وحده .وكانت تكفى آية واحدة ، ولكنهم سألوا النبي مرة ومرات عن الساعة ، ومع ذلك لم يبادر بالإجابة بأن يقرأ عليهم الآيات السابقة ، وإنما انتظر الوحى ، وكان الوحى ينزل دائماً بنفس الإجابة وهى أن علم الساعة لله وحده وأن النبي لا يعلم الغيب.
سألوا النبي عن الساعة فلم يبادر بالإجابة وهو بلا شك يعلم أن القرآن لا يمكن أن يأتي بإجابة تناقض ما سبق ، وأن الإجابة ستكون نفس المعنى الذى تكرر وتأكد من قبل،.. انتظر النبي الإجابة ونزل قوله تعالى (  يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ  قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ   (الأعراف 187: 188) وهذا توضيح فيه أكثر من الكفاية. ولكنهم سألوه أيضاً عن الساعة. ونرى النبي عليه السلام أيضاً ينتظر الإجابة.! فنزل قوله تعالى يجيب : ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَاآ  فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَاآ  إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَاآ  إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ) (النازعات 42: 45) . والآيات الأخيرة مُلئت بأسلوب الاستفهام الإنكاري : ( فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا ). وجاء أسلوب القصر يقصر علم الساعة على رب العزة : ( إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا ) ويقصر وظيفة النبي على الإنذار : ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ) . كان ذلك في مكة.  ثم في المدينة سألوا النبي عن الساعة، وانتظر النبي أيضا نفس الجواب من رب العزة : ( يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنْ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ) (الأحزاب 63).
كان بإمكان النبي أن يجيب، ولديه الكفاية من الآيات، ولكنه كان ينتظر الإجابة، وينزل الوحى بالإجابة المعروفة سلفاً، ثم يسألون النبي نفس السؤال وينتظر النبي إلى أن تأتى الإجابة.. وتأتى نفس الإجابة ثم يسأله آخرون نفس السؤال ، وأيضاً ينتظر الإجابة التي يعرفها إلى أن ينزل الوحى.. وهكذا.. ولو كان من حقه الاجتهاد لأجاب منذ السؤال الأول.
على أن هذه التأكيدات القرآنية لم تأت عبثاً- وتعالى الله عن العبث- فمع كل التأكيدات التي كانت تكرر وتكرر وتؤكد أن النبي لا يعلم الغيب ولا يعلم شيئاً عن الساعة وموعدها وأحداثها - مع ذلك فإن الناس أسندوا للنبي بعد موته عشرات الأحاديث عن علامات الساعة وأحداثها والشفاعات وأحوال أهل الجنة وأهل النار.وهذه الأحاديث التي ملأت الكتب (الصحاح) تؤكد اعجاز القرآن ، لأننا نفهم الآن لماذا كرر القرآن تلك التأكيدات سلفا ومسبقا ليرد عليها سلفا ومسبقا.

هذه الأحاديث الضالة تضعنا في موقف اختبار أمام الله تعالى فإما أن نصدق القرآن ونكذبها، وإما أن نصدقها ونكذب الله وقرآنه.. ولا مجال للتوسط.. ونسأل الله السلامة والهداية..

4 ـ ونعود إلى قضية التشريع..
*** فقد كانوا يسألون النبي عن أشياء لا نشك لحظة في أنه عليه السلام كان يعرف الإجابة عنها من خارج القرآن ، ومع ذلك فلم يبادر النبي بالإجابة من عنده أو من معلوماته وإنما انتظر الوحى القرآني ، فقد سألوا النبي عن الأهلة - جمع هلال - ومعروف أن الأهلة هي لمعرفة المواقيت ، وهذا ما كان مشهوراً العلم به في الجزيرة العربية حيث اعتاد العرب في شهورهم العربية على الاعتماد على التوقيت القمري ، وبه كانوا يؤدون فريضة الحج قبل القرآن وفى عصر النبي عليه السلام. وهكذا فعندما سألوا النبي عن الأهلة كان ممكناً أن يجيبهم من عنده ولكنه انتظر حتى نزل قوله تعالى  : ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ...) (البقرة 189). وسألوا النبي عن مباشرة النساء في المحيض ، ونحن نعتقد أن النبي بذوقه الرفيع وحسه المرهف - عليه السلام - كان يعلم أن المحيض أذى وأنه ينبغي اجتناب النساء في المحيض ، ومع ذلك فلم يصرح النبي برأيه وانتظر الوحى ، حتى نزل قوله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) (البقرة 222)
* وحدث أن جاءت امرأة تسأل النبي عن حكم الظهار بعد أن ظاهر منها زوجها أي أقسم باجتنابها جنسيا أو بحرمتها مثل تحريم أمه عليه ، ولم تكن لدى النبي إجابة ، فانتظر كعادته الوحى ، ولكن المرأة لم تنتظر وأخذت تجادل النبي - وهذا منتظر ممن كانت في مثل حالتها - ولما لم تجد لدى النبي شيئاً رفعت يديها للسماء تشكو لله تعالى حالها ، ونزل القرآن يوضح ذلك الموقف ويفتى في الموضوع : ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) (المجادلة 1)
إن صاحب الشرع هو رب العزة تعالى ، أما الرسول فهو الذى يبلغ ذلك الوحى كما هو.. ولو كان للنبي حق الشرح والاجتهاد ، لأصبح للدين مصدران ، وكان لابد حينئذ أن يحظى ذلك المصدر الثاني بحفظ الله شأنه شأن المصدر الأول ، ولكن ذلك لم يحدث لأنه ومنذ البداية فإن التبليغ هو مسئولية الرسول ، وليس الاجتهاد من مسئولياته..

أخيرا

1 ـ قلنا ما سبق فى كتاب ( القرآن وكفى مصدرا للتشريع ) ، وهو منشور هنا . نقلنا منه ما يخصّ الكلمة القرآنية ( قُل ).

2 ـ ولكن كلمة ( قُل ) ومشتقاتها فى القرآن الكريم تستلزم بحثا مستقلا . نرجو من الله جل وعلا أن يهدينا فيه الى الصواب .

3 ـ أهلا بكم فى هذا البحث عن كلمة ( قُل ) فى القرآن الكريم ، والتى تؤكد مقدما ومُجدّدا أنه ليست للرسول عليه السلام أقوال خارج القرآن الكريم . أى إنّ الاسلام هو القرآن وفقط .

والله جل وعلا هو المستعان .

أحمد صبحى منصور

فبراير 2014

كتاب ( قل ) فى القرآن الكريم

( أقوال الرسول فى القرآن فقط ، وليس له أقوال فى الاسلام خارج القرآن )
هذا الكتاب يوجز معالم الاسلام فى القرآن الكريم ،ويثبت أن أقوال الرسول فى القرآن فقط ، وليس له أقوال فى الاسلام خارج القرآن الكريم . أى يجعل حدا فاصلا بين دين الاسلام الذى لا مصدر له سوى القرآن ، واديان المحمديين الأرضية وتراثهم البشرى .
more




مقالات من الارشيف
more