رقم ( 5 )
الباب الرابع : الحنابلة وصناعة دين أرضى بالأحاديث والمنامات

 

الباب الرابع : الحنابلة وصناعة دين أرضى بالأحاديث والمنامات

 

الفصل الأول : الحنابلة وإفتراء الأحاديث فى الدفاع عن المتوكل :

أولا : أهمية إفتراء الحديث للحنابلة

مقالات متعلقة :

1 ـ إحتاجت الحنبلية الى نشر دعوتها بإفتراء الأحاديث بكل أنواعها ، أحاديث نبوية منسوبة للنبى، و أحاديث قدسية منسوبة لله جل وعلا ، وأحاديث منامات يزعمون فيها رؤية النبى أو رؤية الله جل وعلا والحديث معه. واستخدوا هذا الأفك الدينى فى مدح الخليفة المتوكل والدفاع عنه ، وفى مدح قادتهم ، وفى الهجوم على خصومهم المعتزلة الذين تعرضوا للقضاء عليهم بفعل المتوكل . وبهذا أسس المتوكل والحنابلة دينا سُنيّا متطرفا متشددا متزمتا منحل الأخلاق متعديا ظالما. ولهذا فإن ما ارتكبه المتوكل من إضطهاد أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) والمعتزلة والشيعة لا يزال ساريا حتى الآن ، إذ قامت السعودية بوهابيتها بإحياء الدين الحنبلى ونشره بين المسلمين على انه الاسلام ، وحيثما يسيطرالوهابيون الحنابلة تجد معاناة الأقليات الدينية والمذهبية .

2 ـ نشر الحنابلة لدينهم الأرضى معززا بسلطة الخليفة المتوكل أدى الى دخول المزيد والمزيد من أهل الكتاب الى ( السُّنة الحنبلية ) لينجو بأنفسهم من الاضطهاد ، ومثلا ، فى سنة 204 ألزموا ( أهل الذمة بتعليم أولادهم السريانية والعبرانية ومنعوا من العربية ونادى المنادي بذلك ، فأسلم منهم خلق كثير ‏.‏). ومتى دخل أحدهم الاسلام فلا مجال للرجوع لأنّ ( حد ّ الردّة ) يقف له كالكلب العقور . وبالتالى يموت على الدين الجديد الذى إعتنقه ، ويرث أولاده وأحفاده الدين الجديد . ومن هنا تعاظم دخول السكان فى ( الاسلام ) بزعمهم ، وأدى هذا الى المزيد من التهميش والاضطهاد لأهل الكتاب . لأن هذا الاضطهاد أصبح بالأحاديث المفتراة شريعة دينية . وكان سهلا إستخدم  قادة الحنابلة الحديث فى نشر دينهم بين العوام  الذين لا يستعملون عقولهم ، فإذا قيل ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ..) أسرعوا بالتصديق والإذعان . ولا يزال هذا ساريا حتى الآن .

3 ـ وباستخدام صناعة الحديث تم الانتصار للحنابلة على المعتزلة ، ليس فقط لأن العوام إنحازوا لأهل الحديث لأنهم وجدوا فى الحديث إستجابة لأهوائهم ولأنه يتيح لهم ان يكونوا ( علماء وفقهاء ) بمجرد السماع والحفظ وإصطناع الكذب ، ولكن أيضا لأن المعتزلة بمنهجهم العقلى الجدلى كانوا ينسبون آراءهم الى أنفسهم ـ إن خطأ وإن صوابا ـ ويعتمدون على قوة الحجة والاستدلال النظرى الذى يستوجب أن يكون الخصم على نفس الدرجة من الذكاء والمعرفة والثقافة ومتبعا نفس المنهج العقلى الاستدلالى . وبعلوّ نفوذ العوام الجهلة كان الأبغض لهم هذا المنهج ، وكان الأسهل لهم هو إتباع أئمتهم الذين كانوا يصيغون الرأى فى صورة حديث ، فإذا قال المعتزلة رأيهم بالاستدلال بالقرآن واجههم الحنبلى بحديث يقول ( قال صلى الله عليه وسلم كذا ) جاعلا رأيه دينا  لابد من الانصياع اليه بلا مناقشة ، فإمّا أن تنصاع وتؤمن ، وإمّا أن تناقش وتعارض فتكون كافرا حلال الدم .

4 ـ ولقد كان الجاحظ المتوفى عام  255 من أعلام المعتزلة ومن نجوم عصره بذكائه وتصنيفاته ، والتى لا تزال مبهرة للمثقفين حتى الآن . عاصر الجاحظ أحد جامعى القمامة وأحد منتجيها ، ولم يكن معروفا فى وقته ، ولكن سيطرة العوام وجهل العوام ما لبث أن رفع جامع القمامة هذا بعد موته الى درجة التأليه ، وجعل القمامة التى جمعها وأنتجها فوق مستوى القرآن الكريم . جامع القمامة هذا هو ( إبن برزويه ) المجوسى الأصل المشهور بالبخارى والمتوفى بعد عام واحد من وفاة الجاحظ ، عام 256 . والسبب أن البخارى كان أكثر من سجّل أساطير الشفاعة ونسبها للنبى فأصبحت دينا ، وهذه الأساطير تسوّغ العصيان وتبشّر العُصاة بالجنة مهما إرتكبوا من آثام بشفاعة ( محمد ) طالما كانوا من ( أمة محمد ) . هذا يتواءم مع أهواء العوام ومع جهل العوام ، ومع عقليتهم التى تتركّز فى نصفهم الأسفل تاركة النصف الأعلى خاويا خاليا . ومن هنا مات الفكر المعتزلى وظل الكذب الحنبلى لأنه أصبح دينا ( أرضيا ) انتشر بين العوام وهم الأغلبية الساحقة من الناس . كانوا عدة ملايين فى عصر المتوكل ، وهم الان مئات الملايين فى عصرنا ، يعيدون إنتاج الماضى العقيم فى عصر الثورة العلمية وحقوق الانسان والديمقراطية . وخلال أربعين عاما من سيطرة الوهابية الحنبلية على مصر أنتجت لنا عشرات الملايين من المهاويس المتاعيس . ودائما ، وعندما يسيطر الدين الأرضى على مجتمع بشرى فإنه يتقدم به الى الخلف .

ثانيا : السّنة دين أرضى يملكه أصحابه ويصنعه أصحابه

1 ـ وإستخدام الحنابلة صناعة الحديث جعلهم مالكى هذا الدين ومالكى التوسّع فيه حيث شاءوا ، فإذا كان الاسلام قد إكتمل بالقرآن ، فإن دينهم الأرضى لم ولن يكتمل لأن أبواب الكذب والاختلاق مفتوحة الأبواب لكل من يستطيع أن يؤلف إسنادا يزعم فيه أن سمع فلانا عن فلان فلان أن رسول الله قال ( كذا )..ويفترى ما يشاء من ( كذا ). وبهذا إستمرّ توسع الدين السّنى وتضخّمت أحاديثه ، عبر صناعة الاسناد .

2 ـ قلنا إن أهل الحديث فريقان ، إئمة تخصصوا فى إفتراء الحديث ، يصنعون له الإسناد والعنعنة ويصنعون متن الحديث ، يقولون ما يشاءون وينسبونه للرسول أو لله جل وعلا . ثم عوام أهل الحديث الذين يسمعون الحديث من أولئك الأئمة ويكتبونه وينشرونه بمتنه وإسناده . وقلنا إن احمد بن حنبل فى حقيقته كان من ( عوام أهل الحديث ) ولكن الظروف إرتفعت به لتجعله ـ رغم أنفه ـ من قادة الحديث بل وصاحب مذهب فقهى . وإنتسبت اليه الحنبلية أو الحنابلة المتشددون فنسبوا له ما لم يقله فى الحديث والفقه والمنامات والكرامات .

3 ـ والشىء المثير للإنتباه أن قادة أهل الحديث فى العصر العباسى الثانى كانوا كلهم ـ إن لم تكن الأغلبية الساحقة منهم ـ من أهل فارس . دخلوا فى السّنة باسم الاسلام مع كفرهم بحقيقة الاسلام ، إذ دخلوه بأديانهم الأرضية ، وبعثوا هذه الأديان الأرضية من مرقدها فى صورة أحاديث ومنامات ، يقفزون بها الى درجة التخاطب مع الله جل وعلا والوحى . أى دخلوا فى الاسلام وخرجوا منه فى نفس الوقت، ينطبق عليهم قوله جل وعلا: ( وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ ) (61)( المائدة ).

والشىء المثير للعجب هو ذلك الفارق الشاسع بين أولئك الفرس فى العصر العباسى الثانى وعصر النبى فى المدينة . فجوة زمنية وثقافية وحضارية وجغرافية مكانية . ومع ذلك أمكن تجاوز هذه الفجوة وعبورها بأصطناع ( الاسناد ) الذى صدّقه العوام ـ ولا يزالون .

ويزول العجب عندما نعلم أن السبب هو المال والنفوذ ، أو السلطة والثروة . فأبناء الفرس الذين دخلوا فى دين السّنة أفواجا كانوا يحتاجون للثروة والسلطة والجاه بقدر ما كانت الدولة العباسية تحتاجهم كهنوتا دينيا لها فى دولتها الدينية . ففتحت لهم أبواب الرزق والمناصب ، وكانوا الأصلح لها ليس فقط لأنهم الأحوج لذلك بعد إضطهاد أجدادهم فى الدولة الأموية ، ولكن أيضا لأنهم بثقافتهم الحضارية أكثر تأهيلا ، لذا نبغ ابناء الحرفيين الفرس وابناء المدن الفارسية ، وقادوا العلم الحقيقى فى الطب والهندسة والفلسفة كما قادوا (العلم الكاذب ) فى الأحاديث بإصطناع الاسناد ونسبة أقوالهم للنبى عليه السلام .

4 ـ ولقد كان إبن المدينى الفارسى الأصل ( 161 : 234 ) اشهر شيوخ أحمد بن حنبل ، وقد جاءت ترجمته الكاملة فى ( المنتظم ) لابن الجوزى ( ج 11 / 214 : 219  ) . ومنها نعرف أن ابن المدينى هو شيخ أهل الحديث فى عصره ، سمع منه وروى عنه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ، والبخارى ، وكانا ( ابن حنبل والبخارى ) يقدسان شيخهما ابن المدينى . وكان أحمد بن حنبل ( لا يسميه وإنما يكنيه تبجيلًا له ) أى لم يكن ينطق إسمه تبجيلا له . وقال البخاري‏:‏ ( ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني )‏.‏ ويقول :" رأيت علي بن المديني مستلقيًا وأحمد بن حنبل عن يمينه ويحيى بن معين عن يساره وهو يملي عليهما ‏.‏ ".وقالوا ( كان الناس يكتبون قيامه وقعوده ولباسه وكل شيء يقول ويفعل أو نحو هذا ‏.‏ ) . وكان ابن المدينى عميلا للدولة العباسية يفترى لها الأحاديث بأجر . ولذلك وافقهم فى موضوع خلق القرآن بينما عارضهم تلميذه ابن حنبل ، فارتفع ابن حنبل وهوى ابن المدينى الى قاع النسيان . يقول ابن الجوزى عنه : (  والذي منع ابن المديني من التمام ( اى تمام المكانة بين أهل الحديث ) إجابته في خلق القرآن ،  وميله إلى ابن أبي دؤاد لأجل حطام الدنيا ، فلم يكفه أن أجاب ، فكان يعتذر للتقية ، وصار يتردد إلى ابن أبي دؤاد ، ويظهر له الموافقة ‏.‏ ). أى أجاب الدولة العباسية فى رأيها ، وظل يتردد على القاضى المعتزلى ابن أبى داود حرصا على عطاياه المالية ( أو حُطام الدنيا ) مبررا موقفه لأهل الحديث بأنها التّقية .

5 ـ وفى محنة ابن حنبل والتحقيق معه فى موضوع خلق القرآن أمام الخليفة المعتصم برز على السطح موضوع رؤية الله جل وعلا . وأهل الحديث يجيزونها بل وتمتلىء مناماتهم برؤية الله جل وعلا إفكا وظلما وعُدوانا ، بينما ينفى ذلك المعتزلة ، ولهم أدلتهم من القرآن الكريم . وردا على المعتزلة فى إنكار رؤية الله جل وعلا صنع أهل الحديث أحاديث تجيز الرؤية . ويروى ابن الجوزى فى المنتظم ، أنه فى محاكمة ابن حنبل  إتهم القاضى ابن أبى داود ( ابن حنبل ) فقال للمعتصم : (‏" يا أمير المؤمنين هذا يزعم - يعني أحمد ابن حنبل - أن الله تعالى يرى في الآخرة ،والعين لا تقع إلا على محدود والله لا يُحدّ "‏.‏ فقال المعتصم‏ لابن حنبل :‏ ما عندك في هذا؟ فقال‏ ابن حنبل :‏ يا أمير المؤمنين عندي ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ قال‏:‏ وما قال عليه السلام ؟ قال‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر غندر حدثنا شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي قال‏:‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة أربع عشرة من الشهر فنظر إلى البدر فقال‏:‏ ‏"‏ أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا البدر لا تضامون في رؤيته ‏"‏ ‏). ولم يكن المعتصم مثقفا كأخيه المأمون من قبله ، لذا إرتبك حين سمع الحديث، ( فقال لأحمد بن أبي دؤاد‏:‏ ما عندك في هذا .؟ قال‏:‏ أنظر في إسناد هذا الحديث ‏.‏ ) يعنى أن ينظر ابن أبى داود فى إسناد الحديث بمنهج (الجرح والتعديل ) . وبعث ابن أبى داود فاستدعى ابن المدينى ورشاه بعشرة آلاف درهم وغيرها حتى إستجاب له ابن المدينى وقدح فى إسناد الحديث . وتمضى الرواية فتقول : ( وكان هذا في أول يوم. ثم انصرف . فوجه ابن أبي دؤاد إلى علي بن المديني ، وهو مملق لا يقدر على درهم ، فأحضره ، فما كلمه بشيء حتى وصله بعشرة آلاف درهم .وقال له‏:‏ "هذه وصلك بها أمير المؤمنين ". وأمر أن يدفع إليه جميع ما استحق من أرزاقه . وكان له رزق سنتين . ) نتوقف هنا لنشير الى أن قادة أهل الحديث ـ ومنهم ابن المدينى ـ كان لهم عطاء أو مرتب من الدولة باعتبارهم كهنوتها الذين يؤلفون لها الأحاديث . ولكن عندما خالف بعضهم رأى المامون والمعتصم فى خلق القرآن حرمتهم الدولة من هذا المرتب أو العطاء ، فانقطع عطاء ابن المدينى مدة عامين فصار فقيرا مملقا . وانتهز الفرصة القاضى ابن أبى داود وساوم ابن المدينى على أن يرد اليه عطاءه ومرتباته بأثر رجعى ويعطيه الكثير من الأموال مقابل أن ينفى حديث الذى إستشهد به ابن حنبل . وقبل أن يتكلم معه أعطاه عشرة آلاف درهم ، ودفع مستحقاته الموقوفة مدة سنتين ، مقابل كلمة من ابن المدينى يسقط بها هذا الحديث لأن ابن المدينى أحد ( صُنّاع الحديث أو أحد صُنّاع الدين السّنى ) . نعود لرواية ابن الجوزى وهو يحكى ما دار بين ابن أبى داود وابن المدينى ( فوجه ابن أبي دؤاد إلى علي بن المديني ، وهو مملق لا يقدر على درهم ، فأحضره ، فما كلمه بشيء حتى وصله بعشرة آلاف درهم .وقال له‏:‏ "هذه وصلك بها أمير المؤمنين ". وأمر أن يدفع إليه جميع ما استحق من أرزاقه . وكان له رزق سنتين . ثم قال‏:‏ " يا أبا الحسن حديث جرير بن عبد الله في الرؤية ما هو؟ "  قال‏:‏ صحيح . قال‏:‏ " فهل عندك فيه شيء" قال‏:‏ " يعفيني القاضي من هذا " ‏.‏ فقال‏:‏ " يا أبا الحسن هو حاجة الدهر".  ثم أمر له بثياب وطيب ومركب بسرجه ولجامه ، ولم يزل به حتى قال له‏:‏ " في هذا الإسناد من لا يعتمد عليه ولا على ما يرويه ، وهو قيس بن أبي حازم . إنما كان أعرابيًا بوالًا على قدميه ‏.‏" فقام ابن أبي دؤاد إلى ابن المديني فاعتنقه . فلما كان من الغد وحضروا ، قال ابن أبي دؤاد‏:‏ "يا أمير المؤمنين هذا يحتج في الرؤية بحديث جرير، وإنما رواه عنه قيس بن أبي حازم ، وهو أعرابي بوّال على عقبيه ‏.‏ ). وبهذا أسقط ابن أبى داود الحديث بشهادة ابن المدينى الذى يزعم أن قيس بن حازم كان إعرابيا يبول على قدميه ، فكيف عرف هذا وقد مات قيس هذا فى العصر الأموى عام 84 ، بينما ولد ابن المدينى عام 161 . ولم يرد فى ترجمة قيس هذا أنه كان يبول على قدميه ، فهل رآه ابن المدينى يبول على قدميه ؟ وما هى الصلة بين بوله على قدميه وصدقه أو كذبه ؟ . الطريف أن ابن الجوزى حاول الدفاع عن ابن المدينى فروى رواية بلا إسناد : (  وقد روى جماعة عن علي بن المديني أنه قال‏:‏ إنما أجبت تقية ،وخفت السيف ، وقد حبست في بيت مظلم ثمانية أشهر، وفي رجلي قيد فيه ثمانية أمنان، حتى خفت على بصري‏.‏ ). لو حدث هذا فعلا لكان قد إنتشر وتم تسجيله .

6 ـ المستفاد من هذا أننا أمام دين يملكه أصحابه ، يختلفون فيه ، ويرتزقونه به ، يصنعون له الإسناد كذبا وزورا ، ويختلقون له الموضوعات . حسب أغراضهم ، ومنها تزكية أنفسهم وقادتهم ، وتشويه وتكفير خصومهم ، بإختراع المنامات . 

ثالثا :  صناعة منامات فى الدفاع عن المتوكل

1 ـ كان المتوكل أسوا خلفاء بنى العباس ـ وربما يكون الأسوأ فيهم ، ومع ذلك فقد رفعته الدعاية السّنية الحنبلية الى منزلة أبى بكر وعمر بن عبد العزيز . فقال بعضهم : ( الخلفاء ثلاثة أبو بكر الصديق ، قاتل أهل الردة حتى استجابوا . وعمر بن عبد العزيز رد مظالم بني أمية . والمتوكل محا البدع وأظهر السنة‏.‏ ). ( محا البدعة ) يعنى قضى على المعتزلة وإستأصلهم كما فعل أبو بكر مع حركة الردة .!!

2 ـ وروى علي الجهم قال‏:‏( وجه إلي أمير المؤمنين المتوكل ، فأتيته فقال لي‏:‏ " يا علي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقمت إليه فقال لي‏:‏ تقوم إلي وأنت خليفة. " فقلت له‏:‏ أبشر يا أمير المؤمنين أما قيامك إليه فقيامك بالسنة، وقد عدك من الخلفاء ، فسُرّ بذلك ‏.‏ ). الكذب واضح فى صياغة هذه الرواية ، ولكن المُراد منها إعتراف النبى فى المنام بالمتوكل خليفة .

3 ـ وكان المتوكل ( يقوم الليل ) شاربا للخمر متهتكا مع جوارية ( ثلاثة آلاف جارية ) وقد قتلوه وهو يمارس معصية الشراب. ومع هذا تجرّد الحنابلة للدفاع عنه بأكاذيب من نوعية أن ماء زمزم قد غارت حزنا على قتل المتوكل ليلة قتل المتوكل : ( .. أخبرني بعض الزمازمة الذين يحفظون زمزم قال‏:‏ غارت زمزم ليلة من الليالي .فأرخناها ، فجاءنا الخبر أنها الليلة التي قتل فيها المتوكل ‏.‏ ). يعنى أن زمزم جاءها الخبر بمقتل المتوكل فعرفته قبل أن يعرفه أهل مكة ، فحزنت ورفضت نبع الماء ، فتحيّر الشخص المجهول القائم على حراستها ، وكتب تاريخ الليلة التى غار فيها ماء زمزم ، ثم إتضح ـ يا عينى ـ أنها الليلة التى قتلوا فيها المتوكل وهو قائم يشرب فى المحراب .!

4 ـ وتأتى هذه الرواية الطريفة بعد مقتل المتوكل ، فأحدهم رآه فى المنام جالسا فى النور فتساءل مندهشا : اانت المتوكل ؟ قال: نعم أنا المتوكل. نقرأ الرواية بسندها : ( أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب الحافظ قال‏:‏ أخبرنا الأزهري قال‏:‏ أخبرنا عبيد الله بن محمد العكبري حدثنا أبو الفضل محمد بن أحمد النيسابوري قال‏:‏ حدثنا سعيد بن عثمان الحناط قال‏:‏ حدثنا علي بن إسماعيل قال‏:‏ رأيت جعفر المتوكل في النوم وهو في النور جالس، قلت‏:‏ المتوكل ؟ فقال‏:‏ المتوكل .! قلت‏:‏ ما فعل الله بك ؟ قال‏:‏ غفر لي ‏.‏ قلت‏:‏ بماذا ؟ قال‏:‏ بقليل من السنة أحييتها ‏.‏ ). أى غفر الله جل وعلا للمتوكل كل الكبائر التى ارتكبها من قتل وسلب للأموال وتعذيب لأنه ( أحيا قليلا من السّنة ) وبالتالى فهى دعوة موجهة الى الخلفاء الآخرين لإحياء المتبقى من السّنة ليحصلوا على الغفران مهما إرتكبوا من جرائم وآثام . وبين السطور نفهم نفسية واضعى هذا المنام ، وهى أن السّنة ماتت ثم أحيا المتوكل ( بعضها ) ولا تزال تنتظر المزيد من الإحياء والإنعاش على أيدى الخلفاء اللاحقين ، وهذا يعنى ان السّنة دين قابل للتوسع والامتداد وسيظل دائما بلا إكتمال وبلا تمام لأنه ( دين ملّاكى ) يملكه أصحابه . والمطلوب من الخلفاء تأييد قادة هذا الدين الملّاكى كى يستمر ويتوغّل وينتشر فى الفضاء .. شأن أى وباء .!

5 ـ وعلى نفس النمط تأتى هذه الرؤيا الدرامية الحزينة : ( قال أبو عبد الله‏:‏ ثم رأيت المتوكل بعدها بأشهر كأنه بين يدي الله تعالى فقلت له‏:‏ ما فعل بك ربك ؟ قال‏:‏ غفر لي ‏.‏ قلت‏:‏ بماذا ؟ قال‏:‏ بقليل من السنة تمسكت بها ‏.‏ قلت‏:‏ فما تصنع ها هنا ؟ قال‏:‏ أنتظر ابني محمدًا أخاصمه إلى الله الحليم العظيم الكريم ‏.‏) . يعنى ينتظر قتل ابنه الذى قتله ، وهو محمد الذى تلقب بالمنتصر . وواضح أن وضع هذا الحديث تم بعد قتل المنتصر ، الذى مات بالسّم سريعا بعد قتله لأبيه . أى إن المتوكل لم ينتظر طويلا ( بين يدى الله تعالى ) بزعمهم .!

6 ـ ولأن الشعر كان فائق التأثير فإن بعض المنامات صيغ فيها شعر يرثى المتوكل ومقتله الذى ( ضجّ له أهل السماوات وبكاه جميع الانس والجان) حسب زعمهم . تقول الرواية : (‏ أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال‏:‏ أخبرنا محمد بن يوسف بن حمدان الهمذاني قال‏:‏ حدثنا أبو علي الحسن بن يزيد الدقاق قال‏:‏ حدثنا عبد العزيز بن محمد الحارثي حدثنا عمر بن عبد الله الأسدي قال‏:‏ سمعت أبا عبد الله أحمد بن العلاء قال‏:‏ قال لي عمرو بن شيبان الحلبي‏:‏ رأيت في الليلة التي قتل فيها المتوكل في النوم حين أخذت مضجعي ، كأن آتيًا أتاني ، فقال لي‏:‏

يا نائم الليل في أقطار جثماني    أفض دموعك يا عمرو بن شيبان

أما ترى الفتية الأرجاس ما فعلت       بالهاشمي وبالفتح بن خاقان

وافى إلى الله مظلومًا فضج له       أهل السموات من مثنى ووحدان

وسوف تأتيكم أخرى مسومة              توقعوها لها شأن من الشان

فابكوا على جعفر وابكوا خليفتكم         فقد بكاه جميع الإنس والجان

قال‏:‏ فأصبحت وإذا الناس يقولون إن جعفرًا قد قتل في هذه الليلة ‏.‏ )

( المنتظم 11 / 358 : 359 )

 

الفصل الثانى : الحنابلة وصناعة منامات فى مدح أنفسهم وقادتهم :  

مقدمة:

1 ـ السنيون الحنابلة إخترعوا لهم إلاها إستخدموه فى  صراعاتهم السياسية ، وزعموا أن يكلمهم فى المنام ويغفر لهم ويدخلهم الجنة بمجرد موتهم وبلا إنتظار لمجىء اليوم الآخر ويوم الحساب وخلق الجنة والنار . وإخترعوا أيضا نبيا من وحى خيالاتهم يرونه فى المنام يضعون على لسانه ما يريدون . وفى كل الأحوال فقد إخترعوا دينا أرضيا يملكونه ويملكون الاله الذى إبتدعوه والرسول النبى الذى إخترعوه . ومن يؤمن بإله كهذا وبرسول كهذا فقد كفر بالله جل وعلا ورسوله . ومن يؤمن أن ( الله جل وعلا ) هو هذا الاله الذى يتحدثون عنه فهو عدو لله جل وعلا . العدو لله جل وعلا ورسوله هو من يؤمن بأن خاتم النبيين هو فعلا ذلك الرسول الذى يأتى فى أكاذيب ومنامات أولئك الحنابلة السنيين . هم أولياء الشيطان الذين كذبوا على الله جل وعلا وسيأتون يوم القيامة وجوههم مسودة: ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)(الزمر) لأنهم ما قدروا الله جل وعلا حق قدره : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) الزمر) ،هم الذين إستهانوا برب العزة فإفترواعليه كذبا فاجرا، وسيأتون يوم القيامة بظلمهم وفُجرهم وقد بدت لهم سيئات أعمالهم وبدا لهم من الله جل وعلا ما لم يكونوا يحتسبون ، عندها سيتمنون لو أنّ لهم ما فى الأرض ليفتدوا به من العذاب الأليم :( وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (48)( الزمر ).

2 ـ الوهابية فرع من الحنبلية ، ومن الوهابية أتت السلفية والاخوان وما ظهر من تنظيماتهم وما بطن . إنّ وحنابلة اليوم يكررون الإفك الذى كان يمارسه حنابلة العصر العباسى . وقد توالى فى مناماتهم وأحاديثهم نفس الجُرأة على الله جل وعلا ورسوله ، وإختراع إله يستخدمونه فى صراعهم مع العسكر فى مصر ، وإختراع رسول يجعلونه أقل منزلة من رئيسهم مرسى العياط ، بل ويخترعون لهم ( جبريلهم الخاص ) الذى يتنزل لهم بما تهوى نفوسهم . هناك فيديو على الفيس بوك لمرشد الاخوان الطبيب البيطرى محمد بديع يزعم فيه أن عزل  مرسي أشد عند الله من هدم الكعبة ، وفى قول آخر له : :" كيف يجرؤ الجيش على تعذيب مهدى عاكف رضي الله عنه وهو من الشيبة.. والله يستحى من ذلك " . وفى إعتصام رابعة قال الداعية السلفي فوزي السعيد إن من يشكك في عودة الرئيس محمد مرسي لمنصبه يشكك في الله، واصفًا مرسي بأنه "هدية من الله ".  أما الشيخ أحمد عبدالهادي وهو من وعاظ جماعة الإخوان المسلمين، فقد أكّد لمعتصمى رابعة أن مرسي مؤيد برؤيا لأحد الصالحين ، قائلا  إن  بعض الصالحين في المدينة المنورة أبلغه برؤيا أن جبريل عليه السلام دخل في مسجد رابعة العدوية ليثبت المصلين، وأنه أيضا رأى مجلساً فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، والرئيس مرسي والحضور، فحان وقت الصلاة، فقدّم الناس الرسول ولكن الرسول قدّم مرسي إماما فى الصلاة .

3 ـ إنّ الشيطان لم ولن يقدم إستقالته .!!

4 ـ نعود الى تاريخ ( المنتظم ) لابن الجوزى المؤرخ الحنبلى ، وهو يورد بالإسناد والعنعنة خرافات وأكاذيب منامات تفترى على الله جل وعلا ورسوله كذبا ، ليرفع بها مقام شيوخ الحنابلة . هم ـ بالصدفة المحضة ـ من ذرية المجوس ، ولكن قفزوا فجأة الى الجنة بلا بعث ولا حشر ولا حساب . وطبقا للمنامات الحنبلية فهم الآن فى الجنة ، ومن لا يؤمن بهذا فقد كفر بالدين السُّنى الحنبلى .

 أولا : نماذج من الإفتراء بالمنامات فى أغراض متنوعة

 1 ـ إبراهيم بن طهمان أبو سعيد الخراساني ‏.‏ ت 163. ( ولد بهراة ونشأ بنيسابور.وورد بغداد وحدث بها .)، ( وكان لإبراهيم بن طهمان جراية من بيت المال فاخرة ) أى هو فارسى تخصص فى أكاذيب الحديث وجاء من بلده ( هراة ) فتم تعيينه فى بغداد ضمن الكهنوت الدينى العباسى بأجر ضخم ، أو جراية سخية من بيت المال . وكان جاهلا فى الفقه ، فقد ( سئل  يومًا مسألة في مجلس الخليفة فقال‏:‏ لا أدري ‏.‏ فقالوا له‏:‏ تأخذ في كل شهر كذا  ولا تحسن مسألة ؟ قال‏:‏ "إنما آخذه على ما أحسن ،ولو أخذت على ما لا أحسن لفني بيت المال ولا يفنى ما لا أحسن "‏.‏ فأعجب أمير المؤمنين جوابه وأمر له بجائزة فاخرة وزاد في جرايته ‏.‏ ). ونسبوا لابن حنبل قوله (  حدثني رجل من أصحاب ابن المبارك قال‏:‏ رأيت ابن المبارك في المنام ومعه شيخ مهيب فقلت‏:‏ من هذا معك قال‏:‏ أما تعرف هذا سفيان الثوري ‏.‏ قلت‏:‏ من أين أقبلتم قال‏:‏ نحن نزور كل يوم إبراهيم بن طهمان ‏.‏ قلت‏:‏ وأين تزورونه قال‏:‏ في دار الصديقين دار يحيى بن زكريا )‏.‏ ( المنتظم 8 / 266 : 267 ) . يعنى ان الأخ المحترم ابراهيم بن طهمان يعيش فى الجنة فى دار الصديقين فى بيت النبى يحيى بن زكريا . يعنى ( Room mate).!

2 ـ جرير بن عثمان ( أبو عون الرحبي الحمصي ‏.‏) ت 163 . ( اتهموه بأنه كان يتنقّص علي بن أبي طالب عليه السلام ‏.‏ ) ، لذا إخترعوا هذا المنام يزعم فيه يزيد بن هارون أنه رأى الله جل وعلا فى المنام ينهى عن كتابة الأحاديث التى يرويها جرير بن عثمان لأنه يسب عليا بن أبى طالب. يقول ابن الجوزى : ( أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله بن أبان الهيتي قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن عبد الله بن روح الجواليقي قال‏:‏ حدثني هارون بن رضى مولى محمد بن عبد الرحمن إسحاق القاضي قال‏:‏ حدثنا أحمد بن سنان قال‏:‏ سمعت يزيد بن هارون يقول‏:‏ رأيت رب العزة تعالى في المنام فقال لي‏:‏ يا أبا يزيد لا تكتب عن جرير بن عثمان. فقلت‏:‏ "يا رب ما علمت منه إلا خيرًا" . " فقال لي‏:‏ " يا أبا يزيد لا تكتب عنه فإنه يسب عليًا ‏.‏ " ).!. ورى منام آخر فى مجلس ابن حنبل . يكرر نفس الموضوع ، ولكن الجديد هنا أن من رأى المنام ليس يزيد بن هارون ، بل رجل مجهول بلا إسم ، وأنه رأى يزيد بن هارون بعد موته ، فسأله السؤال المعتاد : ما فعل الله بك ، والجواب المعروف هو الرحمة والمغفرة مع عتاب ..نقرأ هذه الاسطورة التى يحكيها كالعادة القصّاص القزاز ، وينقلها ابن الجوزى بالاسناد عنه : ( أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد الأزرق قال‏:‏ حدثنا محمد بن الحسين النقاش قال‏:‏ مسيح بن حاتم قال‏:‏ حدثنا سعيد بن شادي الواسطي قال‏:‏ كنت في مجلس أحمد بن حنبل فقال له رجل‏:‏ يا أبا عبد الله رأيت يزيد بن هارون في المنام فقلت له‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ غفر لي ورحمني وعاتبني فقلت‏:‏ غفر لك ورحمك وعاتبك فقال‏:‏ نعم قال لي‏:‏ يا يزيد بن هارون كتبت عن جرير بن عثمان قلت‏:‏ يا رب العزة ما علمت إلا خيرًا قال‏:‏ إنه كان يبغض أبا الحسن علي بن أبي طالب ‏.‏ ). ويزعم ابن الجوزى الدقة فيقول معلقا ( قال المؤلف‏:‏ وقد روينا من طريق آخر قال‏:‏ والله ما سببته قط وإني أترحم عليه ‏.‏ )( المنتظم 8 / 266 : 267 ).

3 ـ عبد الله بن الفرج أبو محمد القنطري ت 201 . يروى ابن الجوزى : (  أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا العتيقي قال‏:‏ حدثنا محمد بن العباس قال‏:‏ حدثنا العباس بن العباس الجوهري قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن عمرو قال‏:‏ حدثنا محمد بن بيان المكي قال‏:‏ حدثني صاعد قال‏:‏ لما مات عبد الله بن الفرج حضرت جنازته ، فلمّا واريته رأيته في الليل في النوم جالسًا على شفير قبره، ومعه صحيفة ينظر فيها فقلت له‏:‏ "ما فعل الله بك ؟ "قال‏:‏"غفر لى ولكل من شيع جنازتى ". قلت : "انا كنت معهم ؟ "قال : "هو ذا إسمك فى الصحيفة .".) ( المنتظم 10 / 102 : 103 ) .

4 ـ الإمام الشافعى ت 204. ( أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا إسماعيل ابن علي الأستراباذي قال‏:‏ سمعت طاهر بن محمد البكري يقول‏:‏ حدثنا الحسن بن حبيب الدمشقي قال‏:‏ سمعت الربيع بن سليمان يقول‏:‏ رأيت الشافعي بعد وفاته في المنام فقلت‏:‏ يا أبا عبد الله ما صنع الله بك ؟ قال‏:‏ أجلسني على كرسي من ذهب ونثر علي اللؤلؤ الرطب ‏.‏ ) معقول ؟ ولكن ما هو هذا اللؤلؤ الرطب ؟ وما درجة إختلافه عن اللؤلؤ اليابس ؟ وما هو سعره فى البورصة ؟..وفى منام آخر ( أخبرنا أبو ظفر بإسناد له عن أبي بيان الأصفهاني يقول‏:‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت‏:‏ يا رسول الله محمد بن إدريس الشافعي ابن عمك ،هل نفعته بشيء أو خصصته بشيء ؟ قال‏:‏ نعم سألت الله تعالى أن لا يحاسبه فقلت‏:‏ بماذا يا رسول الله؟ قال‏:‏ إنه كان يصلي عليِّ صلاة لم يصل بمثل تلك الصلاة أحد فقلت‏:‏ وما تلك الصلاة ‏؟.‏ قال‏:‏ كان يصلي علي اللهم صل على محمد كلما ذكره الذاكرون وصل على محمد كلما غفل عنه الغافلون ‏.‏ )( المنتظم 10 / 138 : 139 ). يعنى أن الشافعى لن يتعرض للحساب ، والسبب هو تلك الصيغة فى الصلاة على النبى . وهى دعوة لكل من يريد النجاة من الحساب أن يقول هذه الكلمات .

5 ـ ( أحمد بن حرب بن عبد الله بن سهل بن فيروز ‏:‏ المروزي ت 234 ). بعد سلسلة من الاسناد والعنعنة يقول  زكريا بن أبي دلويه يقول‏:‏ ( رأيت أحمد بن حرب بعد وفاته بشهر في المنام فقلت‏:‏ ما فعل بك ربك قال‏:‏ غفر لي وفوق المغفرة ‏.‏ قلت :‏ وما فوق المغفرة قال‏:‏ أكرمني بأن يستجيب دعوات المسلمين إذا توسلوا بقبري. ) ( 11 / 211 ). هنا حصل الأخ الفارسى ابن فيروز المروزى (من مرو) على الغفران، وبأن يكون قبره مُستجاب الدعاء لمن يتوسّل به.!   

6 ـ وكان سليمان بن داود  المعروف بالشاذكوني ( ت 234 ) مشهورا بالكذب فى الحديث . يقول ابن الجوزى عنه (قد طعن في الشاذكوني رحمه الله جماعة من العلماء ونسبوه إلى الكذب وقلة الدين فذهبت بتخليطه بركات علمه ‏.‏ وقال يحيى‏:‏ كان الشاذكوني يكذب ويضع الحديث وقد جربت عليه الكذب ‏.‏وقال البخاري‏:‏ هو عندي أضعف من كل ضعيف وقال النسائي‏:‏ ليس بثقة ‏.‏ ) . لاحظ أن ابن الجوزى يترحّم عليه لأن الكذب فضيلة فى دين مؤسس على الكذب، يقول : ( قد طعن في الشاذكوني رحمه الله جماعة من العلماء ونسبوه إلى الكذب وقلة الدين  ). ويبدو أنه بسبب براعته فى الكذب فقد صنعوا له منامات بعد موته بأن الله جل وعلا غفر له : ( أنبأنا إسماعيل بن أحمد قال‏:‏ سمعت أبا القاسم يوسف بن الحسن الزنجاني يقول‏:‏ سمعت أبا نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ يقول‏:‏ سمعت أبا الحسين بن قانع يقول‏:‏ سمعت إسماعيل بن طاهر البلخي يقول‏:‏ رأيت سليمان الشاذكوني في النوم فقلت‏:‏ ما فعل الله بك يا أبا أيوب فقال‏:‏ غفر الله لي ‏.‏ قلت‏:‏ بماذا قال‏:‏ كنت في طريق أصبهان أمر إليها فأخذتني مطرة وكانت معي كتب ولم أكن تحت سقف ولا شيء فانكببت على كتبي حتى أصبحت وهدأ المطر . فغفر لي الله بذلك ‏.‏ ) ( المنتظم 11 / 213 : 214 )

7 ـ  وجمع ( سريج بن يونس الفارسى المروزي ( ت 235 ) بين الملامح الصوفية والحنبلية ، هو استاذ مسلم بن الحجاج والبغوي وأبى زرعة وغيرهم .ويرون عنه كرامات، ويفترى هو فيقول ( رأيت فيما يرى النائم أن الناس وقوفبين يدي الله تعالى ، وأنا في أول صف . ونحن ننظر إلى رب العزة تعالى . فقال‏:‏ " أي شيء تريدون أن أصنع بكم "؟فسكت الناس ،فقلت أنا في نفسي‏:‏ ويحهم قد أعطاهم كل ذا من نفسه وهم سكوت ‏.‏ فقنعت رأسي بملحفتي وأبرزت عينًا وجعلت أمشي وجزت الصف الأول بخطى فقال لي‏:‏ أي شيء تريد؟ فقلت‏:‏ رحمة سر بسر. إن أردت أن تعذبنا فلم خلقتنا ؟ قال‏:‏ قد خلقتكم ولا أعذبكم أبدًا . ثم غاب في السماء ‏.‏ ) ( المنتظم   11 / 228 : 229 ). هنا إفتراء آثم على رب العزة ، وطعن فيه جل وعلا ، وهدم للدين الحق واليوم الآخر ، ولكن يتناقله الحنابلة بالفخر ويعدونه منقبة لهذا الكذّاب الأشرّ.  

8 ـ الحسن بن عيسى بن ماسرجس أبو علي النيسابوري ت عام 240  .( كان نصرانيًا فأسلم على يد ابن المبارك ‏.‏ ولما أسلم الحسن سمع من ابن المبارك ورحل في طلب العلم وقدم بغداد حاجًا، فحدث بها فسمع منه أحمد بن حنبل والبخاري ومسلم وابن أبي الدنيا . وعد في مجلسه بباب الطاق اثنتا عشرة ألف محبرة‏.) أى كان عدد تلامذته الذين يكتبون أكاذيبه فى الحديث 12 ألفا،منهم ابن حنبل والبخارى ومسلم . هذا النصرانى السابق صنعوا له مناما جعلوا الاههم الذى صنعوه يغفر ليس له فقط بل لكل من حضر جنازته ولكل من (غاب عنها بعذر) ولكن صلّى وترحم عليه : ( سمعت أبا يحيى البزاز يقول‏:‏ كنت فيمن حج مع الحسن بن عيسى وقت وفاته بالثعلبية ودفن بها ، فاشتغلت بحفظ محملي وآلاتي عن حضور جنازته والصلاة عليه لغيبة عديلي عني ، فحرمت الصلاة عليه ،فأريته بعد ذلك في منامي ، فقلت له‏:‏ يا أبا علي ما فعل بك ربك ؟ قال‏:‏ غفر لي ربي قلت‏:‏ غفر لك ربك كالمستخبر ‏.‏ قال‏:‏ نعم غفر لي ربي ولكل من صلى علي ‏.‏ قلت‏:‏ فإني فاتتني الصلاة عليك لغيبة العديل عن الرحل ‏.‏ فقال‏:‏ لا تجزع فقد غفر لي ولمن صلى علي ولكل من ترحم علي ‏.‏) ( المنتظم 11  / 276 : 278 )

9 ـ قتيبة بن سعيد فارسى من بلخ  ( 150 :  240 ) كان شيخا للبخارى وغيره ( روى عنه الأئمة‏:‏ أحمد ويحيى وأبو خيثمة وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو زرعة والبخاري ومسلم بن الحجاج ) . وصنعوا له مناما جعله من العلماء : ( قال أبوه‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام بيده صحيفة فقلت‏:‏ يا رسول الله ما هذه الصحيفة ؟ قال‏:‏ فيها أسماء العلماء قلت‏:‏ ناولني أنظر فيها اسم ابني . فنظرت فإذا فيها اسمه‏.‏ ). ‏ ( المنتظم  11 / 279 ـ )

10 ـ محمد بن رافع بن أبي زيد القشيري النيسابوري شيخ عصره بخراسان ت 245  ‏.‏ ( قال الحاكم‏:‏ وقد دخلت عليه داره ،وتبركت بالصلاة في بيته ،واستندت إلى الصنوبرة التي كان يستند إليها ‏.‏ ) أى إن الحاكم المحدّث المشهور صاحب المستدرك كان يتبرك بمخلفات هذا الرجل . أكثر من ذلك : ( ورؤي في المنام فقيل له‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ بشرني بالروح والراحة )( المنتظم  11 / ـ 338 ).

11 ـ ابوزرعة ( 200 : ت 264 ) فارسى من الرى .  كان رفيقا لابن حنبل فى جمع الحديث ، ورفيقا له فى المبالغة فى الكذب ، فإذا كان ابن حنبل يزعم أنه كان يحفظ ألف ألف حديث فإن أبا زرعة تفنن فى المبالغة فى الكذب فى مقدرته على الحفظ : ( سمعت أبا زرعة يقول‏:‏ إن في بيتي ما كتبته منذ خمسين سنة ولم أطالعه منذ كتبته، وإني أعلم في أي كتاب هو وفي أي ورقة هو وفي أي صفحة هو وفي أي سطر هو. وما سمعت أذني شيئًا من العلم إلا وعاه قلبي ، وإني أمشي في سوق بغداد فأسمع من الغرف صوت المغنيات فأضع إصبعي في أذني مخافة أن يعيه قلبي ‏.‏ ) . وصدّق الناس مبالغاته لأن دينهم مؤسّس أصلا على الكذب . لذا رووا عن رجل مجهول من العراق : ( قال رجل من أهل العراق‏:‏ سمعت أحمد بن حنبل يقول‏:‏ صح من الحديث سبع مائة ألف حديث وكسر. وهذا الفتى - يعني أبا زرعة - قد حفظ ستمائة ألف ) . وقال ابن الجوزى :‏( وقال أبو بكر بن أبي شبة‏:‏ ما رأيت أحفظ من أبي زرعة ‏.‏ وقال ابن راهويه‏:‏ كل حديث لا يعرفه أبو زرعة فليس له أصل ‏.‏ ). ( سئل أبو زرعة الرازي عن رجل حلف بالطلاق أن أبا زرعة يحفظ مائتي ألف حديث هل حنث ؟ قال‏:‏ أحفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الإنسان ‏{‏قل هو الله أحد‏}‏ وفي الذاكرة ثلثمائة ألف حديث ‏.‏ ). بعد مباراة الكذب هذه نأتى الى كذب هذا المنام الذى يزعم : ( رأيت أبا زرعة في المنام فقلت‏:‏ يا أبا زرعة ما فعل الله بك ؟ قال‏:‏ لقيت ربي تعالى فقال لي‏:‏ يا أبا زرعة إني أوتى بالطفل فآمر به إلى الجنة ، فكيف من حفظ السنن على عبادي؟! تبوأ من الجنة حيث شئت) ( المنتظم   12 /  ـ 195 ).

12 ـ يحيى ( حيكان ) إمام نيسابور  ‏.‏ ت 267 . هنا منام يرويه أئمة الحديث ، ففى إسناده البيهقى والحاكم : ( أنبأنا زاهر بن طاهر قال‏:‏ أنبأنا أبو عثمان الصابوني وأبو بكر البيهقي قالا‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم قال‏:‏ سمعت الحسن بن يعقوب المعدل يقول‏:‏ سمعت أبا عمرو أحمد بن المبارك المستملي يقول‏:‏ رأيت يحيى بن محمد في المنام فقلت‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ غفر لي‏.‏ قلت‏:‏ فما فعل الخجستاني ؟ قال : هو فى تابوت من النار والمفتاح فى يدى .).( المنتظم  12 / 216 ) الخجستاني هو قاتل والد يحيى بسبب خصومة سياسية . وقد عوقب فى هذا المنام بحبسه فى تابوت من النار ، ومفتاح التابوت فى يد يحيى ( حيكان ) .

13 ـ الفتح بن شخرف ت 273 من كش الفارسية  . يروى ابن الجوزى ( قال أحمد بن حنبل‏:‏ ما أخرجت خراسان مثل فتح بن شخرف )‏.‏ ثم يخترعون مناما يخاطب فيه الاههم هذا الفتح بن شخرف : ( أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي أخبرنا أبو الفضل الزهري قال‏:‏ سمعت أبا الطيب المعلم يقول‏:‏ ( رأيت رب العزة تعالى في النوم فقال لي‏:‏ يا فتح‏!‏ احذر لا آخذك على غرة ‏.‏ قال‏:‏ فتهت في الجبال سبع سنين ‏.‏ )( المنتظم  12 / 256 ). لم يقولوا لنا متى بدأ ومتى إنتهى هذا التوهان . لأن توهانهم لم ينته .!

14 ـ أبو العباس البرتي القاضي ت 280 .( وحكى العلاء بن صاعد قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ، ودخل عليه أبو العباس ، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصافحه، وقّبّل بين عينيه ، وقال‏:‏ مرحبًا بالذي يعمل بسنتي وأثري ‏.‏) ( المنتظم   12 / 337 ).

15 ـ منصور بن عمار ( ت 225  )‏:‏ ( سمعت أبا بكر الصيدلاني يقول‏:‏ سمعت سليم بن منصور بن عمار يقول‏:‏ رأيت أبي منصورًا في المنام فقلت‏:‏ ما فعل بك ربك فقال‏:‏ إن الرب قربني وأدناني وقال لي‏:‏ يا شيخ السوء تدري لم غفرت لك؟ قال‏:‏ فقلت‏:‏ لا يا إلهي قال‏:‏ إنك جلست للناس مجلسًا فبكيتهم فبكى فيهم عبد من عبادي لم يبك من خشيتي قط ‏.‏فغفرت له ووهبت أهل المجلس كلهم له ووهبتك فيمن وهبت له ‏.‏) . ومنام آخر يقول ( أخبرنا محمد بن أبي القاسم أنبأنا رزق الله بن عبد الوهاب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال‏:‏ سمعت أبا بكر الرازي يقول‏:‏ سمعت أبا العباس القاضي يقول‏:‏ سمعت أبا الحسين يقول‏:‏ رأيت منصور بن عمار في المنام فقلت له ما فعل الله بك قال‏:‏ وقفت بين يديه فقال لي‏:‏ أنت الذي كنت تزهد الناس في الدنيا وترغب عنها ؟ قلت‏:‏ قد كان ذلك ، ولكن ما اتخذت مجلسًا إلا وبدأت بالثناء عليك .) ( المنتظم  11 /  109 ).

16 ـ يحيى بن يحيى ت 226  ‏.‏يروى البيهقى والحاكم هذا المنام الفاجر : ( أنبأنا أبو بكر البيهقي أنبأنا الحاكم أبو عبد الله النيسابوري قال‏:‏ سمعت أبا الحسن محمد بن الحسن السراج الزاهد - وكان شديد العبادة - قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ، كأنه قد أقبل إلى أن وقف على قبر يحيى ابن يحيى،  وتقدم وصف خلفه جماعة من أصحابه ، فصلى عليه . ثم التفت إلى أصحابه فقال‏:‏ هذا القبر لأمان لأهل هذه المدينة ‏.‏)(المنتظم 11 / 115).هنا دعوة لتقديس قبر يحيى بن يحيى ، وينسبون هذا للنبى .

17 ـ  يحيى بن معين المروزي من مرو (‏ ت 233 ). كان شيخا لأحمد بن حنبل وأبى  خيثمة ومحمد بن سعد والبخاري وغيرهم. قالوا إنه توفي بالمدينة وهو ذاهب إلى الحج . وزعموا( أنه خرج من المدينة فرأى في المنام قائلًا يقول‏:‏ أترغب عن جواري؟ فرجع فأقام ثلاثًا ومات . ) وصنعوا له مناما كالعادة : (

  أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ سمعت الأزهري قال‏:‏ سمعت محمد بن الحسن الصيرفي قال‏:‏ حدثنا أبو أحمد بن المهتدي بالله قال‏:‏ حدثني الحسين بن الخصيب قال‏:‏ حدثني حبيش بن مبشر ‏.‏ قال‏:‏ رأيت يحيى بن معين في النوم فقلت‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ أدخلني عليه في داره وزوجني ثلاثمائة حورية ثم قال للملائكة‏:‏ انظروا إلى عبدي كيف تطرّى وحسُن.‏).(المنتظم 11 / 205) . يعنى أن الأخ يحيى أفندى ابن معين أدخله الاههم فى داره ، وزوجه بثلثمائة حورية من حوارى الجنة ، وباهى به الملائكة لأن الأخ المحترم يحيى بن معين عندما ذاق الحور العين (تطرّى وحسُن  )، أى كان قبلها معفّن وزبالة .!

18 ـ بشر المعروف بالحافي مروزي ولد بمرو وسكن بغداد . توفى عام 227  . هنا منام درامى مصطنع مفتعل يرويه القزاز القصّاص الراوى : ( أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرني عبد الله بن يحيى السكري أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الصواف حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدثني أبو حفص عمر ابن أخت بشر الحافي قال‏:‏ حدثتني أمي قالت‏:‏ جاء رجل إلى الباب فدقه فأجابه بشر‏:‏ من هذا قال‏:‏ أريد بشرًا فخرج إليه فقال له‏:‏ حاجتك ‏.‏ قال‏:‏ عافاك الله أنت بشر ؟ قال‏:‏ نعم . حاجتك ؟ قال‏:‏ إني رأيت رب العزة تعالى في المنام وهو يقول‏:‏ اذهب إلى بشر فقل له‏:‏ يا بشر لو سجدت على الجمر ما أديت شكري فيما قد بثثت لك - أو نشرت لك - في الناس ‏.‏ فقال له‏:‏ أنت رأيت ذلك ؟ قال‏:‏ نعم رأيته مرتين ليلتين متواليتين . فقال‏:‏ لا تخبر به أحدًا . ثم دخل وولى وجهه إلى القبلة وجعل يبكي ويضطرب ، وجعل يقول‏:‏ اللهم إن كنت شهرتني في الدنيا ونوهت باسمي ورفعتني فوق قدري على أن تفضحني في القيامة فعجل الآن عقوبتي خذ مني بمقدار ما يقوى عليه بدني‏.‏ )

ويزايد ابن الجوزى فى الكذب فيقول : (قال المصنف‏:‏ وقد جمعت كتابًا فيه فضائل بشر الحافي وأخباره ، فلهذا اقتصرت على ما ذكرت ها هنا، كراهية للإعادة والتطويل ‏.‏) ( المنتظم  11 / 124).

19 ـ وبعد ان كتب ابن الجوزى فى المنتظم صفحات عن ابن حنبل ت 241، قال أيضا إنه كتب كتابا فى مناقب ابن حنبل : ( قال المصنف‏:‏ فضائل أحمد رضي الله عنه كثيرة وإنما اقتصرنا ها هنا على هذه النبذة لأني قد جمعت فضائله في كتاب كبير جعلته مائة باب ، ثم مثل هذا التاريخ لا يحتمل أكثر مما ذكرت. والله الموفق ‏.‏)  ( المنتظم  11 / 289 )

 أخيرا :

1 ـ يقول جل وعلا :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) الأنعام )

2 ـ ودائما : صدق الله العظيم

 

الفصل الثالث : الحنابلة وصناعة الأكاذيب فى تشويه أعدائهم  :

مقدمة

كما تخصص الحنابلة فى صناعة منامات فى تزكية أنفسهم فقد إستعملوا نفس الصناعة فى تشويه وتكفير وتحقير خصومهم . وكان المعتزلة أكثر ضحاياهم بسبب موضوع خلق القرآن . وصيغت حملة التشويه بمنامات وروايات ، تم نشرها عبر القُصّاص والدعاة و أرباب الحديث .وهذا الاغتيال المعنوى للمعتزلة كان مقدمة للإستئصال الذى تعرضوا له . أى أننا هنا أمام جريمة تحريض على القتل الجماعى ، تم تنفيذها فى ظل سكوت وتعتيم ، نفهم منها كيف انتهى المعتزلة وفكرهم فى العصر العباسى الثانى ليتحكم فيه جهلة الحنابلة. وحتى الآن لا يزال شيوخ الحديث فى العصر العباسى أئمة حتى الآن بينما توارى المعتزلة ومنهجهم العقلى والنقدى بين سطور التاريخ . ونعطى بعض التفاصيل عن هذا الاغتيال المعنوى الذى تعرض له بعض زعماء المعتزلة .

أولا : بشر المريسى :

1 ـ أكثر من ركزوا على تشويهه هو بشر المريسى ت 218 ، لسببين رئيسين : أن بشر المريسى كان من أهل الفقه والحديث ثم ( أرتد ) أو تركهم ليصبح من كبار المعتزلة فى عهده ، والثانى أنه هو الذى بدأ بموضوع ( خلق القرآن ) فى خلافة الرشيد ، وكان أكثر من ألّف فيه ، ثم إعتنق المأمون رأيه ، وقرّبه منه ، فكانت محنة أهل الحديث والفقهاء فإعتبروه المحرّض على محنتهم.

2 ـ ونبدأ بالشخصية التاريخية لبشر المريسى. فقد  بدأ بشر حياته فقيها ومن أهل الحديث ، ولكنه أخذ الفقه عن أبى يوسف صاحب أبى حنيفة ، المشهور بالرأى ، شأن المذهب الحنفى فى بدايته . وبالتالى تأثر بهذا الاتجاه العقلى حتى إنه بعد أن روى الحديث عن حماد بن سلمة وسفيان بن عيينة ترك الفقه والحديث بالكامل وصار معتزليا .  قال ابن النديم عنه : ( كان ديّنا ورعا متكلما )، أى موصوف بالتديّن والورع ، بل بالغ فى ورعه وتحرّزه من الشبهات حتى يُحكون عنه مبالغات : ( بلغ من ورعه أنه كان لا يطأ أهله ليلا مخافة الشبهة، و لا يتزوج إلا من هي أصغر منه بعشر سنين مخافة أن تكون رضيعته (أي إشتركت معه في الرضاعة).

3 ـ بشر المريسى هو الذى بدأ القول بخلق القرآن منذ أيام الرشيد ،و ظل يدعو إلى ذلك نحواً من أربعين سنة، و يؤلف في ذلك الكتب إلى خلافة المأمون الذى إقتنع بخلق القرآن فأصبح بشر المريسى من المقربين لدى المأمون . ولقد كتب المريسى الكثير من المؤلفات ، ذكر منها ابن النديم فى الفهرست :  كتاب فى التوحيد ، وكتاب الارجاء ، والرد على الخوارج وكتاب الاستطاعة ، والرد على الرافضة فى الإمامة ، وكتاب كفر المشبهة ، وكتاب المعرفة ، وكتاب الوعيد . وضاعت هذه الكتب بسبب سيطرة الحنابلة ، وبقى منها ما حفظته كتب الأدب والعقائد .

4 ـ ولذا تطرف أهل الحديث فى كراهية بشر المريسى ، وقاموا بنشر الأكاذيب عنه ، ومنها كتاب الدارمى ( الرد على بشر المريسى ). أو (   نقض عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله في التوحيد ). والدارمى الذى نقصده  هو عثمان بن سعيد السجستانى المشهور بالتعصب للحنبلية ، وصاحب  ( المسند الكبير ) ( مسند الدرامى) . وقد توفى عام 280 .  ولا نقصد الدارمى الآخر ( الدارمي السمرقندي) المتوفى عام 255  صاحب التفسير و الجامع الصحيح . ونتوقف مع بعض ما قاله ابن الجوزى عن بشر المريسى فى المنتظم ( ج  11ص 31 ـ وفيات 218 ) وهو ينقل عن( تاريخ بغداد  7 / 56 : 67 ) للخطيب البغدادى . قالوا عنه أنه ( سمع الفقه من أبي يوسف القاضي إلا أنه اشتغل بالكلام وجرد القول بخلق القرآن ، وقد روى من الحديث شيئًا يسيرًا عن حماد بن سلمة وسفيان بن عيينة ) . ثم تتوالى أكاذيبهم عنه ، فقالوا :

5 ـ ( كان شيخًا فقيرًا فقيهًا ، دميم النظر، وسخ الثياب ، يشبه اليهود ) (  أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال‏:‏أخبرنا الحسن بن محمد الخلال حدثنا يوسف بن عمر القواس حدثنا أحمد بن عيسى بن السكين قال‏:‏ سمعت أبا يعقوب إسحاق بن إبراهيم يقول‏:‏ مررت في الطريق فإذا بشر المريسي والناس عليه مجتمعون فمر يهودي فأنا سمعته يقول‏:‏ لا يفسد عليكم كتابكم كما أفسد أبوه علينا التوراة يعني‏:‏ أن أباه يهوديًا ‏.‏ ) ‏. كالعادة فهم يتهمون خصومهم بأنهم يهود الأصل . بينما يتسترون على أنفسهم وقادتهم ، وهم من أصول مجوسية ، أو من ذرية أهل الكتاب من اليهود والنصارى . ولا عيب فى أن تكون من أى ذرية ، ولا شأن لأحد بمن كان أبوه . المهم هو ماذا يفعله هو .) .

6 ـ ( أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب أخبرنا محمد بن نعيم الضبي قال‏:‏ سمعت أبا جعفر محمد بن صالح يقول‏:‏ سمعت أبا سليمان داود بن الحسين يقول‏:‏ سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول‏:‏ دخل حميد الطوسي على أمير المؤمنين وعنده بشر المريسي فقال حميد‏:‏ يا أمير المؤمنين .هذا سيد الفقهاء .! هذا قد رفع عذاب القبر ومسألة منكر ونكير والميزان والصراط . انظر : هل يقدر أن يرفع الموت ؟ ثم نظر إلى بشر وقال‏:‏ لو رفعت الموت كنت سيد الفقهاء حقًا ). أى إنهم يتندرون عليه . والكذب واضح هنا . فلم يقولوا من هو أمير المؤمنين هذا . والمفهوم أنه المأمون . ولايمكن أن يكون هو المأمون ، فهو خصمهم ، وقد كان المأمون صديقا لبشر ، ويستحيل أن يتجرأ أحدهم فيقول هذا فى حضرة المأمون . ثم إن بشر المريسى ترك الفقهاء وأهل الحديث واصبح من قادة المعتزلة الذين ينكرون أساطير الفقهاء ، فكيف يقال له (هذا سيد الفقهاء )، ( كنت سيد الفقهاء حقًا ) .؟

7 ـ ( أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرني الحسن بن محمد الخلال قال‏:‏ حدثنا محمد بن العباس الخزاز قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن علي بن الحسين الأسدي حدثنا الفضل بن يوسف بن يعقوب بن القضباني حدثنا محمد بن يوسف العباسي قال‏:‏ وحدثني محمد بن علي بن ظبيان القاضي قال‏:‏ قال لي بشر المريسي‏:‏ القول في القرآن قول من خالفني أنه غير مخلوق ‏.‏قلت‏:‏ فارجع عنه قال‏:‏ أرجع عنه وقد قلته منذ أربعين سنة ووضعت فيه الكتب واحتججت فيه بالحجج ‏.‏ ) لأنه كان من قبل فقيها  ومن أهل الحديث فقد إفتروا إنه كان من قبل لا يؤمن بخلق القرآن . ولكنه إختار القول بخلق القرآن وكتب فيه المؤلفات ولا يريد أن يرجع عما كتبه . هنا يكذبون على خصمهم ويفترون عليه ما لم يقل . وهذا يذكرنى بمناظرة تليفزيونية بينى وبين شيخ كذّاب كان زميلا فى نفس الكلية التى كنت أعمل فيها . وقد بلغت جُرأته فى الكذب أنه كان فى المناظرة يتكلم عنى بالكذب فى حضورى زاعما أننى ذهبت الى أمريكا شهر كذا فى عام كذا لأفعل كذا . فقلت له : إنك كذّاب أشر. تكذب علىّ فى وجهى فكيف بكذبك على فى غيابى . وهددته بمقاضاته وأن معى جواز سفرى الذى يثبت أننى لم أغادر مصر منذ عام 1988 حتى وقتها . هذا يذكرنى أيضا بمزاعمهم أن امريكا إبتنت لى قصرا فى قريتى . وكان الذى يردد هذه الأكذوبة مصدقا لها هو ابن عمى الشقيق الذى يعمل استاذا فى نفس الكلية وبيته مجاور لبيتى . يردد أكاذيبهم مصدقا لها وهو يجلس معى فى بيتى المتواضع فى نفس القرية . وكلما قلت له : لماذا لا ترد عليهم؟ كان يقول : ( ولكنهم يقولون .! ) هى عقلية السماع التى تربى عليها العوام ووعّاظ العوام والتى تصدق الأكاذيب بمجرد أن يقولها شيخ من الشبوخ .

8 ـ هنا رواية عن مجهول جعلوه ثقة .ولو كان ثقة حقا لذكروا إسمه ، ولكنهم صنعوها ليقولوا فها رأيهم ‏أو حقدهم على بشر المريسى :( حدثنا الثقة من أصحابنا قال‏:‏ لما مات بشر المريسي لم يشهد جنازته من أهل العلم السنة أحد إلا عبيد الشونيزي . فلما رجع من جنازة المريسي لاموه فقال‏:‏ أنظروني حتى أخبركم ‏:‏ ما شهدت جنازة رجوت فيها من الأجر ما رجوت في هذه . قمت في الصف فقلت‏:‏ اللهم إن عبدك هذا كان لا يؤمن برؤيتك في الآخرة اللهم فاحجبه عن النظر إلى وجهك يوم ينظر إليك المؤمنون .! اللهم عبدك هذا كان لا يؤمن بعذاب القبر اللهم فعذبه اليوم في قبره عذابًا لم تعذبه أحدًا من العالمين ‏!.‏اللهم عبدك هذا كان ينكر الميزان اللهم فخفف ميزانه يوم القيامة .! اللهم عبدك هذا كان ينكر الشفاعة اللهم ولا تشفع فيه أحدًا من خلقك يوم القيامة . قال‏:‏ فسكتوا عنه وضحكوا . ). نقموا عليه أنه لا يؤمن بأساطيرهم مثل رؤية الله جل وعلا وعذاب القبر وشفاعة النبى التى تؤثر فى الميزان ، فقرووا حرمانه من الاستفادة من هذه الأساطير.

9 ـ ( الحسن بن عمرو المروزي قال‏:‏ سمعت بشر بن الحارث يقول‏:‏ جاء موت هذا الذي يقال له المريسي وأنا في السوق فلولا أنه كان موضع شهرة لكان موضع شكر وسجود . والحمد لله الذي أماته هكذا ‏.) . مات بشر موتة عادية شأن معظم البشر، ولكنهم يتشفّون فى موته . فكيف إذا مات مقتولا مصلوبا مثل زعيمهم أحمد بن نصر الخزاعى ؟ لقد سبكوا أساطير الكرامات والمنامات عن جثة ابن نصر وعندما مات بشر المريسى موتة عادية تشفوا فيه .

10 ـ ( أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن علي الطناجيري حدثنا محمد بن علي بن سويد حدثنا عثمان بن إسماعيل السكري قال‏:‏ سمعت أبي يقول‏:‏ سمعت أحمد بن الدورقي يقول‏:‏ مات رجل من جيراننا شاب فرأيته في النوم وقد شاب فقلت له‏:‏ ما قصتك قال‏:‏ دفن بشر في مقبرتنا فزفرت جهنم زفرة شاب منها كل من في المقبرة )  ‏.‏والطريف أن نفس المنام روى فى ترجمة  زبيدة ت 216 ( ام الخليفة الأمين ) ، يقول ابن الجوزى : (أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدثني الحسين بن محمد الخلال قال‏:‏ وجدت بخط أبي الفتح القواس حدثنا صدقة ابن هبيرة الموصلي قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله الواسطي قال‏:‏ قال عبد الله بن المبارك الزمن‏:‏ رأيت زبيدة في المنام فقلت‏:‏ ما فعل الله بك فقالت‏:‏ غفر لي بأول معول ضرب في طريق مكة قلت‏:‏ فما هذه الصفرة في وجهك قالت‏:‏ دفن بين ظهرانينا رجل يقال له بشر المريسي زفرت جهنم عليه زفرة اقشعر لها جسدي فهذه الصفرة من تلك الزفرة ‏).‏ ( المنتظم 10 / 278  ). المفهوم ان بنى العباس كانت لهم مقابر خاصة ـ وفيها تم دفن ام الرشيد الخيزران . وكان لأهل بغداد مقابرهم العامة. فهل دفنوا بشر المريسى مرتين فى مقبرتين مختلفتين ؟  أم دفنوه على مرتين ؟. ونفهم من القرآن الكريم أن جهنم لم تُخلق بعده ، سيتم خلقها يوم القيامة ليكون وقودها الناس والحجارة . فما هى هذه الجهنم التى خلقوها فى هذه الدنيا خصيصا ليعاقبوا بها أعداءهم ؟ إنه دينهم الملاكى الذى صنعوه يملكونه ، وصنعوا الاههم الخاص ونبيهم الخاص وجنتهم ونارهم ، ويستغلون كل هذه المصنوعات لمصلحتهم .

ثانيا : أبو الهذيل العلاف

1 ـ وكان أبو الهذيل العلاف المتوفى عام 235 شيخ المعتزلة فى عصره ، وأحد أذكياء العالم فى وقته كما يظهر من كتبه ومناظراته. يقول عنه ابن النديم فى الفهرست :( كان شيخ البصريّين في الاعتزال و من أكبر علمائهم وهو صاحب المقالات في مذهبهم و مجالس و مناظرات. نقل ابن المرتضى عن صاحب المصابيح أنّه كان نسيج وحده وعالم دهره ولم يتقدّمه أحد من الموافقين ولا من المخالفين.) وقالوا عنه: ( ومناظراته مع المجوس والثنويّة و غيرهم طويلة ممدودة وكان يقطع الخصم بأقلّ كلام. يقال إنّه أسلم على يده زيادة على 3000 رجل) .(  أتى إليه رجل فقال: «اُشكل عليّ أشياء من القرآن فقصدت هذا البلد فلم أجد عند أحد ممّن سألته شفاء لما أردته، فلمّا خرجت في هذا الوقت قال لي قائل: إنّ بغيتك عند هذا الرّجل فاتّق الله وأفدني، فقال أبو الهذيل : ماذا أشكل عليك؟ قال: آيات من القرآن توهمني أنّها متناقضة و آيات توهمني أنّها ملحونة. قال: فماذا أحبّ إليك، اُجيبك بالجملة أو تسألني عن آية آية؟ قال: بل تجيبني بالجملة، فقال أبو الهذيل: هل تعلم أنّ محمّداً كان من أوساط العرب و غير مطعون عليه في لغته، وأنّه كان عند قومه من أعقل العرب فلم يكن مطعوناً عليه؟ فقال: اللّهمّ نعم، قال أبو الهذيل: فهل تعلم أنّ العرب كانوا أهل جدل؟ قال: اللّهمّ نعم، قال: فهل اجتهدوا عليه بالمناقضة واللّحن؟ قال: اللّهمّ لا، قال أبو الهذيل: فتدع قولهم على علمهم باللّغة وتأخذ بقول رجل من الأوساط؟ »

2 ـ وبينما إحتفل ابن الجوزى بالجهلة والكذابين من أهل الحديث ومزاعمهم برؤية الله جل وعلا فإنه يتحامل على أبى الهذيل العلاف ، يقول فى ترجمته : ( أبو الهذيل العلاف .. وكان شيخ المعتزلة ومصنف الكتب في مذاهبهم ‏.‏..وكان فاسقًا في باب الدين. وقد روى أحاديث عن سليمان بن قرم وغياث بن إبراهيم وهما كذابان مثله .).( المنتظم 11 / 234 )

ثالثا : احمد بن أبى داود ت 240  ( المنتظم 11 / 275  )

يضطر ابن الجوزى الى ذكر محاسن ابن أبى داود ، من العلم والسخاء ، ثم يطعن فيه بسبب موضوع ( خلق القرآن . يقول عنه : ( أحمد بن أبي دؤاد ..ولي أحمد قضاء القضاة للمعتصم ثم للواثق . وكان موصوفًا بالسخاء . ( ثم يهاجمه سريعا فيقول : ( غير أنه على مذهب الجهمية ( المعتزلة )  وحمل السلطان على امتحان الناس بخلق القرآن ، لولا ما فعل من ذلك لاجتمعت الألسن على مدحه ، فإنه كان قد ضم إلى علمه الكرم الواسع . )  ويحكى عن نُبل أحمد بن أبى داود أن خصما له من ذرية عمر بن الخطاب كان ( لا يلقى ابن أبي دؤاد وحده ولا في محفل إلا لعنه ودعا عليه وابن أبي دؤاد لا يرد عليه شيئًا ) فاحتاج هذا الرجل الى الخليفة المعتصم ، وأراد أن تصل شكواه مباشرة للخليفة بعيدا عن أبن أبى داود خوفا من إنتقام ابن أبى داود منه ، فاتصل بابن الزيات ووسطه لتوصيل شكواه للمعتصم على أن يعطيها فى غيبة ابن أبى داود . فلما أعطى ابن الزيات الشكوى للمعتصم أعطاها المعتصم لابن أبى داود ليرى رأيه فيها . فأوصى ابن أبى داود بقضاء مصلحته إكراما لجده عمر بن الخطاب .   وبعدها يأتى ابن الجوزى بتكفير إبن أبى داود على لسان ابن حنبل : ( أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن عثمان الشيرازي قال‏:‏ أخبرنا أبو علي أحمد بن عبد الله قال‏:‏ حدثنا محمد بن الحسن بن الحسين القاضي قال‏:‏ حدثني الحسن بن منصور قال‏:‏ حدثنا الحسن بن ثواب قال‏:‏ سألت أحمد بن حنبل عمن يقول القرآن المجيد مخلوق قال‏:‏ كافر ‏.‏ قلت‏:‏ فابن أبي دؤاد قال‏:‏ كافر بالله العظيم ‏.‏ ). وعندما اصيب ابن أبى داود بالفالج ( الشلل النصفى ) تشفّى فيه الحنابلة حسب هذه الرواية : ( سمعت عبد العزيز بن علي المكي يقول‏:‏ دخلت على ابن أبي دؤاد وهو مفلوج فقلت‏:‏ إني لم آتك عائدًا وإنما جئتك لأحمد الله على أنه سجنك في جلدك ‏.‏ ). وبعد موته سبكوا هذا المنام : ( أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن بشران المعدل قال‏:‏ حدثنا عثمان بن أحمد قال‏:‏ حدثنا إسحاق بن إبراهيم الختلي قال‏:‏ حدثنا أبو يوسف يعقوب بن موسى بن الفيرزان ابن أخي معروف الكرخي قال‏:‏ رأيت في المنام كأني وأخًا لي نمر على نهر عيسى على الشط فبينما نحن نمشي إذ امرأة تقول‏:‏ ما تدري ما حدث الليلة أهلك الله ابن أبي دؤاد فقلت لها‏:‏ وما كان سبب هلاكه قالت‏:‏ أغضب الله فغضب الله عليه من فوق سبع سموات ‏.‏ ).

أخيرا

1 ـ حنابلة اليوم ساروا على سُنّة أسلافهم فى العصر العباسى فى تشويه سيرة خصومهم وإغتيالهم معنويا بالاشاعات والتكفير تمهيدا لاغتيال الخصوم جسديا . فعلوا هذا مع الراحل فرج فودة حين تصدى لهم بالعقل والمنطق وحين جادلهم بالفقه السّنى نفسه وهزمهم ، فأدمنوا التشنيع عليه وتكفيره الى أن قتلوه . فعلوا نفس الشىء تقريبا مع تجيب محفوظ حين أثاروا حملة صحفية مشبوهة على رواية ( أولاد حارتنا ) فى مجلة ( عقيدتى ) الرسمية التى كانت تصدر عن جريدة الجمهورية ، وطالبوه بالتوبة . وقد أحسست بالخطر المحدق بحياة نجيب محفوظ وقت إشتداد هذه الحملة ، فكتبت فى جريدة القاهرة أحذّر من مغبة هذه الحملة وخطرها على حياة نجيب محفوظ .و فعلا بعد هذه الحملة ببضعة أشهر تعرض نجيب محفوظ لمحاولة إغتيال شهيرة .

2 ـ وحنابلة عصرنا يلاحقوننى بالتشهير والتكفير والاتهامات الكاذبة من عام 1984 . قبلها كنت سنيا معتدلا ومحاربا شرسا ضد التصوف ، ويعتبروننى ( جوهرة الأزهر ). بعد أن بدأت فى نقد البخارى إنطلقت حملات التكفير والاتهامات المتنوعة . منها الاتهام بأننى أقول أن محمدا ليس خاتم النبيين ، فلما رءوا كل كتاباتى تصفه عليه السلام بأنه خاتم النبيين تركوا هذا الاتهام . اتهمونى بأننى لست أزهريا صميما وأننى حاصل على الثانوية العامة ثم التحقت بجامعة الأزهر ، فلما عرفوا أننى التحقت بالاعدادى الأزهرى طفلا عام 1960 وأننى كنت الثانى على الجمهورية فى الاعدادية الأزهرية ثم الرابع على الجمهورية فى الثانوى الأزهرى ، ثم الأول على قسم التاريخ خلال أربع سنوات حتى عُينت معيدا، تركوا هذا الاتهام . تمسكوا بأننى أحصل على تمويل أجنبى ، وشنُّوا حملة بهذا الاتهام حين كنت على شفا الجوع فى التسعينيات ، وتصادف أننى كنت وقتها أكتب فى جريدة ( الأخبار ) مدافعا عن فوائد البنوك مهاجما شركات تنظيم الأموال ، وكنت أكتب موقعا ( أحمد صبحى منصور الذى ليس له حساب فى أى بنك ). كنت فقيرا الى درجة أننى لا أستطيع فتح حساب فى بنك بينما الشيوخ الذين يهاجمون البنوك فلهم حسابات بالملايين فى البنوك . وحين تأكدوا من فقرى المدقع كتب أحدهم وهو الشيخ عبد الجليل شلبى فى عموده اليومى فى الجمهورية يقول عنى ( ولقد علمنا أن حساباته فى البنوك لم يتسلمها بعد ، والله أعلم ).!.

3 ـ ولا زالت أكاذيبهم وفتاويهم بالقتل تلاحقنى. أنا مستمر فى النجاح وهم مستمرون فى النباح . ومنذ ربع قرن كتبت معلقا على نباحهم متمنيا منه المزيد : ( إن كاتبا مثلى قليل الحيلة يحتاج الى أن تنبحه الكلاب ليلتفت الناس الى ما أكتب ) . وتحقق ما أريد . لو أنفقت الملايين ما إستطعت أن أنشر فكر أهل القرآن بقدر نجاح حمقهم فى نشر الفكر القرآنى .

4 ـ وهذا يؤكد أن حنابلة اليوم اشد غباءا من حنابلة العصر العباسى . حنابلة العصر العباسى قضوا على المعتزلة ، ولكن حنابلة اليوم وهم يملكون أكبر ثروة فى التاريخ من مئات البلايين من البترودولارات فهم أعجز من مواجهة ( اهل القرآن ) وموقعهم على الانترنت . ومع كل ما ينفقون من صدّ عن سبيل الله فمصيرهم الحسرة .

5 ـ يقول جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) الانفال )

ودائما : صدق الله العظيم .!!

 

الفصل الرابع : الحنابلة يجعلون ضرب ابن حنبل ضمن تراث الدين السُّنى 

  مقدمة

1 ـ نحن مع حرية الدين والفكر والرأى بلا حد أقصى وفقا لما جاء فى القرآن الكريم . ونشجب عقوبة ابن حنبل وغيره من ضحايا مصادرة الفكر والرأى . ولكننا فى نفس الوقت ضد الكيل بمكيالين . فالحنابلة الذين ملأوا الدنيا لطما وحزنا على هذه العقوبة البسيطة لابن حنبل وهى عقوبة بسيطة بمقياس عصره بينما هم الذين أبادوا المعتزلة ، وهم الذين طبقوا ( حد الردة ) وهم الذين اشاعوا قتل خصومهم بتهم من أمثال ترك الصلاة و الخروج عن الجماعة والزنا للمحصن و الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر طبقا لحديثهم الكاذب ( من رأى منكم منكرا فليغيره ) والذى سنعرض له فى مقال قادم . ونحن نستنكر اكثر إستخدام هذه العقوبة البسيطة فى تأليه ابن حنبل ورفعه فوق مستوى الأنبياء .

2 ـ دعاية الحنابلة فى تضخيم عقوبة ابن حنبل لا تفسير لها إلا فى ضوء إعتقادهم فى تأليهه . وسيتضح هذا جيدا فى المقالات التالية عن الملامح الواضحة فى تأليه الحنابلة لابن حنبل . لكن نبدأ بموضوع ضربه بالسياط فى محنة (خلق القرآن ) وننظر لها فى ثقافة عصرها وفى ثقافة عصور الاستبداد حتى عصرنا البائس حيث التعذيب هو سيد الموقف . والضحايا لا يستحقون من المؤرخين سوى المرور السريع فى بضع سطور ، فالمفهوم أنهم بشر , ولكن إختلف الحال مع عقوبة ابن حنبل البسيطة وما قيل فيها من منامات مزورة عن كلام منسوب لله جل وعلا ورسوله الكريم ، بما يقطع أنهم يؤلهون ابن حنبل فى دينهم ( الملاكى ) الذى صنعوا فيه الاها يستخدمونه فى تأليه الاههم الأول ابن حنبل ، وصنعوا نبيا من خيالاتهم يعمل أجيرا فى تقديس ابن حنبل ، وملائكة مشغولة بابن حنبل . أى إن الاههم الأكبر ليس الله بل هو ابن حنبل . هذا هو التحليل الذى يخرج به الباحث فى مناماتهم واقاويلهم . هى بالطبع كاذبة من حيث نسبتها لله جل وعلا ورسوله . ولكنها صادقة فى التعبيرعن عقائدهم ومكنون قلوبهم .

أولا : بين عقوبة ابن حنبل والعقوبات السائدة فى العصر العباسى

1 ـ صنعت الدعاية الحنبلية من ضرب إبن حنبل مأساة كبرى ، يقول ابن الجوزى : ( وفي رمضان من هذه السنة امتحن المعتصم أحمد بن حنبل فضربه بين يديه بعد أن حبسه مدة .  ). فكم عدد الأسواط التى عوقب بها ابن حنبل ؟ ، يقول ابن الجوزى (  وفي رواية أخرى‏:‏ أنه ضرب ثمانية عشر سوطًا وفي رواية‏:‏ ثمانين سوطًا ) ( المنتظم 11 / 44 عام 219 ). ويذكر ابن الجوزى فى مناقب ابن حنبل أن الطبيب الذى عالج جروح ابن حنبل بعد إطلاق سراحه أفتى بأنه رأى من ضُرب ألف سوط ، ولكنه ما رأى مثل هذه الجروح . وهذه الرواية من صُنع عبد الله بن أحمد بن حنبل ، وهو يقول أيضا إن أباه ظل يعانى من آثار ضربه الى أن مات ، أى من عام 219 الى عام 241 . هذه مبالغات يسيرة يمكن التغاضى عنها طالما لا تكذب على الله جل وعلا ورسوله .

2 ـ ولكن أين 18 سوطا أو 80 سوطا بالمقارنة بالعقوبات المتبعة فى العصر العباسى فى شأن أصحاب الفكر والرأى والخصوم المسالمين ؟ نعطى أمثلة سريعة : في سنة‏133 ‏ قتل داود بن علي العباسى كل الأمويين الذين كانوا يعيشون بمكة والمدينة بعيدا عن الفتن .  وفى فتنة محمد النفس الزكية عام 145 ضرب المنصور حفيد عثمان بن عفان ( محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان ) ألف سوط ( المسعودى 2 / 226 ). ولم يكن ضالعا فى الفتنة . وغضب أبو جعفر المنصور على الكاتب عبد الله بن المقفع فأمر الوالى بقتله عام 144 . وكان هذا الوالى خصما لابن المقفع ، فقتله شرّ قتلة :( فأمر بتنُّور فسجر حتى إذا حمي ، أمر أن تقطّع أعضاؤه فكلما قطعوا عضوًا قال‏:‏ ألقوه في النار‏.‏ فيلقونه وهو ينظر إليه ، حتى أتى على جميع جسده، ثم أطبق التنور ... واختفى أثره  ) المنتظم 8 / 57 : 58 ). وفى ‏سنة 141 خطب المنصور فى مدينة الرقة بسوريا ، وكان فيها طاعون ثم إنقشع ، فقال المنصور فى خطبته : (‏:‏ احمدوا الله يا أهل الشام فقد رفع عنكم بولايتنا الطاعون)‏.‏ فقال منصور‏ بن جعونة :‏( الله أكرم من أن يجمعك علينا والطاعون‏.‏ ) فقتله المنصور بسبب هذه الكلمة . ( المنتظم 8 / 29 ) . والمأمون المشهور بالحلم والعفو  قتل الوزير الفضل بن سهل بالسم عام 202 ، وعين عليا بن موسى الرضا وليا للعهد ثم قتله عام 203 ، وقتل ابن عائشة أحد أمراء البيت العباسى وصلبه عام 209 . وقتل عشرة ممن إعتنقوا المانوية ( تاريخ المسعودى 2 /  329 : 332 / 333 ) .  وأحرق المعتصم غناما المرتد ( الطبرى 9 / 103 ) وضرب المتوكل عام 241 عيسى بن ابى جعفر الف سوط .( الطبرى 9 / 201 ).هذا الإضافة الى القتلى ضحايا الاتهام بالزندقة فى عهد الخليفة المهدى ، ومنهم الشاعر الكهل ابن عبد القدوس والشاعر الضرير بشار بن برد وقد مات تحت ضرب السياط عام 167 وقد جاوز التسعين من عمره ..

2 ـ هى مجرد أمثلة مؤلمة ودامية، ولكن لم يتوقف ابن الجوزى عند هذه المحن إلا فى معرض تبجيل ابن حنبل ، وأنه أوذى كما أوذى العلماء من قبل . يقول فى مناقب أحمد بن حنبل ( 342 : 343 ): ( وما زال الناي يُبتلون فى الله تعالى ويصبرون ، وقد كانت الأنبياء تُقتل ، وأهل الخير فى الأمم السابقة يُقتلون ويُحرقون ويُنشر أحدهم بالمنشار وهو ثابت على دينه . ولولا كراهية التطويل لذكرت من ذلك بأسانيده ما يطول ، غير أننى أوثر الاختصار ) . هذا كلام جميل . ولكن هل قام أحد بتضخيم ما حدث لأولئك الناس كما فعل ابن الجوزى والحنابلة فى عقوبة ابن حنبل ؟ . ولكن الحنابلة قاموا بتضخيم العقوبة البسيطة لابن حنبل بجعلها جزءا من دينهم الأرضى (الملاكى ) من خلال المنامات والآراء التى ذكرها ابن الجوزى ، خصوصا فى مناقب ابن حنبل .  ثم ، إنّ إبن حنبل لم يكن يدافع عن الاسلام ضد الدولة العباسية ، بل كان يدافع عن دينه السُّنى المؤسس على أحاديث باطلة كان هو من رواتها . وكان يرى إن الاسلام وحده لا يكفى ، بل لا بد من الاسلام والسّنة معا . هى عقيدته وهو حرُّ فى إختياره العقيدى، وليس من العدل معاقبته بسبب رأيه كما أنه ليس من العدل إعتباره مدافعا بموقفه هذا عن االحق مثل أنبياء الله جل وعلا . 

ثانيا : كرامات فى ضرب ابن حنبل

1 ـ يقول ابن الجوزى تحت عنوان ( قصة ضرب الإمام أحمد رضي الله عنه : أخبرنا محمد بن أبي منصور قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسن بن أحمد الفقيه أنبأنا عبيد الله بن أحمد أخبرنا أبو بكر أحمد بن عبيد الله الكاتب حدثنا أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان القسري قال‏:‏ حدثني داود بن عرفة قال‏:‏ حدثنا ميمون بن الأصبع قال‏:‏ كنت ببغداد فسمعت ضجة فقلت‏:‏ ما هذا قالوا‏:‏ أحمد بن حنبل يمتحن فدخلت فلما ضرب سوطًا قال‏:‏ بسم الله فلما ضرب الثاني قال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله فلما ضرب الثالث قال‏:‏ القرآن كلام الله غير مخلوق فلما ضرب الرابع قال‏:‏ لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ، فضرب تسعًا وعشرين سوطًا . وكانت تكة أحمد حاشية ثوب فانقطعت فنزل السراويل إلى عانته فرمى أحمد بطرفه إلى السماء وحرك شفتيه فما كان بأسرع من أن بقي السراويل كأن لم تزل . فدخلت إليه بعد سبعة أيام فقلت‏:‏ يا أبا عبد الله رأيتك تحرك شفتيك فأي شيء قلت قال‏:‏ قلت‏:‏ اللهم إني أسألك باسمك الذي ملأت به العرش إن كنت تعرف أننى على الصواب فلا تهتك لى سرا . وفي رواية أخرى‏:‏ أنه ضرب ثمانية عشر سوطًا وفي رواية‏:‏ ثمانين سوطًا .‏ ) ( المنتظم 11 / 43 : 44 ) . هذه الاسطورة كررها ابن الجوزى ثلاث مرات فى مناقب أحمد بن حنبل ( ص 331 : 332 ). وهى كرامة ( رفع السراويل ) ، أى بدعاء ابن حنبل لم يسقط سرواله ولم تنكشف عورته عند الضرب . لكن إذا كان مستجاب الدعوة بهذا الشكل ويعرف الدعاء المستجاب فلماذا لم يستخدمه فى تحصين نفسه من الضرب أصلا ؟ لماذا لم يستخدم كراماته فى (شلّ يد من يضربه ) أو فى ( قفل فم ) المعتصم الذى كان يأمر بالضرب ؟..أو تسليط كراماته عليهم ليجعل بغداد تضحك عليهم ..مثلا يجعلهم يسيرون عُراة فى بغداد يتفرج عليهم الناس مع منادى من السماء يقول : هذه عقوبة من يتجرأ على ضرب ابن حنبل ..يعنى مثلا ..!

2 ـ ونحن نركز على ابن الجوزى ، لأنه عاصر المرحلة الأخيرة فى نفوذ المعتزلة ، قبل أن يتسيد التصوف ( السّنى ) محل الحنبلية المتشددة . ولقد واجه إبن الجوزى إنحلال نفوذ الحنابلة بالتضخيم من مناقب ابن حنبل ، فتعرض له بالتفصيل فى ( المنتظم )، وبعد أن كتب ترجمة ابن حنبل فى المنتظم قال:( فضائل أحمد رضي الله عنه كثيرة وإنما اقتصرنا ها هنا على هذه النبذة لأني قد جمعت فضائله في كتاب كبير جعلته مائة باب، ثم مثل هذا التاريخ لا يحتمل أكثر مما ذكرت والله الموفق .‏). وفى كتاب ( مناقب احمد بن حنبل ) جمع ابن الجوزى ما قيل فى مناقب ابن حنبل من تاريخ موته عام 241 الى عصر ابن الجوزى ت 597 . ومنها ما كتبه البيهقى ت 458، والحافظ الحنبلى الخطيب البغدادى فى موسوعته ( تاريخ بغداد ) والمتوفى عام 463. ويقول الخطيب البغدادى أيضا فى نهاية الترجمة لابن حنبل : ( قد ذكرنا مناقب أبى عبد الله أحمد بن حنبل مستقصاة فى كتاب أفردناه لها ، فلذلك إقتصرنا فى هذا الكتاب على ما أوردناه منها ). وجاءت ترجمة ابن حنبل فى تاريخ بغداد ج 4 / 412 : 423 رقم الترجمة 2317 . ومع إعتماد ابن الجوزى على تاريخ بغداد للخطيب فقد إختلف مع الخطيب البغدادى فى تحديد العام الذى تعرض فيه ابن حنبل للضرب. يجعله الخطيب عام 220 ويجعله ابن الجوزى عام 219 .

3 ـ والاسطورة السابقة عن ( رفع السراويل ) لم يذكرها الخطيب البغدادى مما يدل على إختراعها بعد عصر الخطيب البغدادى .وربما صنعها ابن الجوزى نفسه . وفيما يخصّ ضرب ابن حنبل يضع الخطيب البغدادى إسنادا لرواية تقول : ( كان أحمد بن حنبل بالذى قال النبى صلى الله عليه وسلم : " كائن فى أُمّتى ما كان فى بنى اسرائيل ، حتى إن المنشار ليوضع على فرق رأسه ما يصرفه ذلك عن دينه ". ولولا أحمد بن حنبل قام بهذا الشأن لكان عارا علينا الى يوم القيامة ، إن قوما سبقوا فلم يخرج منهم أحد )وجاء برواية أخرى تقول : ( لو كان احمد بن حنبل فى بنى إسرائيل كان آية . )  ( تاريخ بغداد 4 / 418 ). وصنع الخطيب البغدادى رواية أخرى بإسناد لها يزعم فيها أحدهم : ( رأيت كأن الناس قد جُمعوا الى مكة ، وكأن الحجر الأسود إنصدع فخرج منه لواء ، فقلت : ما هذا ؟ فقيل لى : أحمد بن حنبل بايع لله عزّ وجلّ ) ( تاريخ بغداد 4 / 418 ).وقد نقل ابن الجوزى هذه الاسطورة مع تغيير فى الاسناد فى كتب المناقب، مع زيادة يقول فيها ( وقيل إنه كان فى اليوم الذى ضُرب فيه .) ( ص 459 ). وهناك رواية ذكرها بإسنادها الخطيب البغدادى يزعم فيها أن شخصا غريبا دخل على ( أحمد بن حنبل ) وأصحابه وسأل عن ابن حنبل ، وقال : " جئت من البحر من مسيرة اربعمائة فرسخ ، أتاتى آت فى منامى فقال : إئت أحمد بن حنبل وسل عنه، فانك تُدلّ عليه ، وقل له : ان الله عنك راض ، وملائكة سماواته عنك راضون ، وملائكة ارضه عنك راضون ..) ( تاريخ بغداد 4 / 421 ) . أما كان من السهل أن يرى أحدهم هذا المنام وهو فى بغداد بدلا من تكليف هذا الرجل عناء ركوب البحر من 400 فرسخ ؟، يعنى أنه أتى من استراليا مثلا مثلا ليفترى هذه الأكذوبة . وقد إحتفل ابن الجوزى بهذه الاسطورة فكررها فى المناقب ست مرات ، وبصيغ مختلفة وإسناد مختلف . ( ص 459 ــ ). ويهمنا أنه فى إحدى صياغاته يفترى أن رب العزة يقول له : ( إن الله عز وجل قد باهى بضربك الملائكة )( 479 : 480 ).!  وهناك أسطورة نقلها ابن الجوزى عن الخطيب البغدادى وكررها ثلاث مرات ( المناقب 442 : 443 ) والتى يزعم فيها أحدهم أنه رأى أحمد بن حنبل فى المنام بعد موته فقال له السؤال المعتاد : ماذا فعل الله بك ؟ فقال : ( غفر لى ، ثم قال : يا أحمد ضُربت فى ؟ قلت : نعم يارب . قال : يا أحمد هذا وجهى قد أبحتك النظر اليه . ) (تاريخ بغداد 4 / 421 ) . الواضح من صياغة هذه الأكذوبة هو الترويج لاعتقاد الحنابلة فى رؤية الله ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا .

4 ـ ونمضى مع ابن الجوزى فى أساطيره عن ضرب ابن حنبل ، والتى لم يذكرها الخطيب فى تاريخ بغداد ، منها أن بعضهم يزعم أنه كان يطوف بالبيت فسمع هاتفا من خلفه يقول ( ضرب أحمد بن حنبل اليوم ) . طبعا هذا قبل ظهور السى إن إن . وقد سجل صاحينا التاريخ ، وتأكد من أن الهاتف لم يكذب عليه ( مناقب 335 ). بل وقد اعلنت جهنم غضبها فزفرت زفرة أصابت إمرأة بالشيب فى ( صدغها ) . يقول ابن الجوزى : (  حدثنى بعض من أثق به أن إمرأة رأوها فى النوم وقد شاب صدغها ، فقيل لها : ما هذا الشيب ؟ فقالت : لما ضرب أحمد بن حنبل زفرت جهنم زفرة لم يبق منا أحد الا شاب .! )(مناقب 471 ) . الراوى مجهول مع أنه موصوف بالثقة . والمرأة مجهولة ، ولا نعرف إن كانت حية أو ميتة ، وإن كانت ميتة فهل هى فى الجنة أم فى النار ، واذا كانت فى النار فهل نثق بكلامها ؟ ثم هى إمرأة لها لحية وقد شابت لحيتها ..حاجة تكسف .!

5 ـ وفى الباب رقم 96 وتحت عنوان ( فى ذكر عقوبة من آذاه )( مناقب 484 ـ  ).يفترى ابن الجوزى روايات عن خلفاء وغيرهم ، يذكر ما حدث لخصوم ابن حنبل  من موت ومرض ونكبات . وهى تحدث للجميع من الخلفاء والحنابلة وكل البشر . ولكنه يعتبرها كرامة لابن حنبل ، وإنتقاما الاهيا من خصومه . ولا ينسى أن يصيغ أساطير عن بعضهم ، يزعم أنه تعرض لابن حنبل بكلمة فعوقب بمرض فى لسانه ، وتكرّم هاتف فى المنام جاء صاحبنا ونبهه أن هذا المرض بسبب تعرضه لابن حنبل فتاب وتم شفاؤه . وهناك رجل فرح بما حدث من ضرب لابن حنبل فدخل المسجد ليصلى لله جل وعلا شكرا فانخسفت به الأرض الى صدره فاستغاث بالناس فأغاثوه . وهناك شخص آخر سىء الحظ قليل البخت فرح بما حدث من ضرب لابن حنبل فخسفت به الأرض ولم يجد من ينقذه .؟!. وآخر رمى قبر إبن حنبل بطوبة فعوقب بأن ( جفّت يده ) ، أما الرجل المأمور بضرب ابن حنبل فقد عاقبوه فى أساطيرهم، فقالوا ( مكث خمسة واربعين يوما ينبح كما تنبح الكلاب ) ( مناقب 484 ، 492 : 493 ).

ختاما

لقد ذكر رب العزة جل وعلا قتل بعض الأنبياء وقتل بعض الذين يأمرون بالقسط من الناس : ( البقرة 61 ، آل عمران 21 ، 112 المائدة 70 ). ولم يرد فى كتابه الكريم هذا التهويل ، مع أننا بصدد أنبياء تم قتلهم ظلما وعدوانا لأنهم يبشرون بكلمة الحق . أما الحنابلة فى دينهم الملاكى فقد إختلقوا لهم الاها يعمل فى خدمة الاههم ابن حنبل لمجرد أنه ضرب بأقل قدر معروف من السياط . إن رفع ابن حنبل فوق مستوى الأنبياء القتلى أبلغ دليل على تأليههم له .

الفصل الخامس : الحنابلة وصناعة التأليه لابن حنبل :

  أولا :  ـ صناعة نسب عربى له : 

1 ـ يصفه الخطيب البغدادى بأنه مروزى الأصل .وقالوا‏:‏ وقدم به أبوه من مرو الى بغداد ، وأمه حامل به ، فوضعته أمه في ببغداد عام 164 . ‏وتوفي أبوه وهو ابن ثلاث سنين، فكفلته أمه‏.‏ ثم صنع له إبنه صالح نسبا عربيا رفعه الى بكر بن وائل الى ربيعة الى نزار ثم الى الى اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام. ( وروى عن صالح بن الإمام أحمد قال‏:‏ رأى أبي هذا النسب في كتاب ليفقال‏:‏ وما تصنع به ‏؟‏ ولم ينكر النسب‏.‏ ) .ولأنه من مرو الفارسية أو ( مروزى الأصل ) فقد صنعوا حديثا يمدح مدينة مرو . ذكره ابن الجوزى فى مناقب ابن حنبل ، يقول بعد إسناده (  سيكون بعدى بعوث كثيرة ، فكونوا فى بعث خراسان ، ثم انزلوا مدينة مرو ، فإنه بناها ذو القرنين ، ودعا لها بالبركة ، ولا يضر أهلها بسوء. )( مناقب احمد بن حنبل  15 ــ ) ( تاريخ بغداد 4 / 412 ، 414 ).

2 ـ  لم يكن مستحبا تأليه شخص أعجمى فارسى قدم ابوه فقيرا من مرو ، لذا كان لابد من صناعة نسب عربى لابن حنبل بعد موت ابن حنبل ، ثم صناعة حديث فى مناقب بلده الأصلى ( مرو ). وكان متعذرا صناعة نسب قرشى له بسبب محافظة القرشيين على انسابهم حتى ذلك الوقت ، وكان مستحيلا نسبته لبنى هاشم وهم أكثر حفاظا على أنسابهم ، ومثلهم بنو العباس ، وفى أيامالمأمونأحصيتأولادالعباسفبلغواثلاثةوثلاثينألفاًمابينذكروأنثىوذلكفيسنة مائتين.( المنتظم 10 / 86 ). إى كان المتاح صناعة نسب له فى ربيعة ثم ـ على خلاف العادة ـ  رفع نسبه الى اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام . ولذا نعتبر صناعة نسب عربى لابن حنبل ضروريا فى صناعتهم له الاها للحنابلة .

ثانيا ـ صناعة أحمد بن حنبل إلاها صوفيا

1 ـ كان دين التصوف فى بدايته فى القرن الثالث الهجرى يعانى من إنكار قوى عليه من الحنابلة بالذات . ولكنه ظل ينتشر ببطء وبثبات بين العوام مع تراجع بنفس القدر لنفوذ الحنبلية السنية المتشددة ، ثم فى العصر المملوكى تم الصلح النهائى بين السّنة والتصوف بإختراع مزيج من التصوف المنافق المعتدل و السُّنة المعتدلة تحت مسمى ( التصوف السُّنى ) وقد بدأ الغزالى ت 505  بهذا فى معظم أجزاء كتابه ( الاحياء ) بينما عبّر عن التصوف المتطرف بين سطور الاحياء وأفرد له كتابه ( مشكاة الأنوار ) .

وجاء ابن الجوزى بعد عصر الغزالى ليشهد إنحسار الحنبلية ، فكتب مناقب ابن حنبل ليؤلهه بالطريقة الصوفية التى كانت تحظى بإعتقاد العوام فى عصره . لذا لا نرى فارقا بين تأليه الحنابلة فى القرن السادس لابن حنبل حسبما جاء فى المناقب التى كتبها ابن الجوزى وبين الملامح المعتادة للصوفية فى كتابة مناقب أوليائهم وآلهتهم .

2 ـ فى كل الأحوال فالجمهور المستهدف هو العوام الذين يتحدث باسمهم الحنابلة ، ويطلقون على أنفسهم ( اهل السنة والجماعة ) . فالجماعة هنا هم الأغلبية الساحقة من الناس ، والتى هى طبقا للسياق القرآنى لا تعقل ولا تبصر ولا تفقه ولا تؤمن بالله جل وعلا إلا وهى تشرك معه غيره ، ولو اطاعهم خاتم النبيين لأضلوه عن سبيل الله ، ولكنها عند السنيين ( الأمة والجماعة) والمصدرية والمرجعية الذين يتكلمون بإسمهم . هذه العوام تدمن فى كل عصر تجسيد اله أو رمز للإله تلمسه وتتبرك بقبره المقدس عندها وتقدم له النذور والقرابين ، وتتوسل به وتتشفع وتعتقد فى تصريفه فى ملك الله جل وعلا بالكرامات والمعجزات والخوارق ، ووحيه وكلام رب العزة معه . هذه هى عقلية العوام ، وهذه هى متطلباتهم فى أى اله أرضى يقصدونه بالزيارة والحج والتوسل والتبرك والتشفع .

3 ـ وركّز الحنابلة فى بدء أمرهم على صناعة الأحاديث وسماعها وتلقينها وتدوينها ، ولكن مالبث أن إنتشر التصوف ومعه دعوى ( العلم اللدنى الالهى ) بزعم أن بإمكان اى انسان مهما بلغ جهله ان يحصل على هذا الوحى بلا كتابة لحديث او اى نوع من العلم ، بل بالرياضات الروحية فتُشرق فى داخله أنوار العلم الالهى اللدنى ويخاطبه الله ( تعالى عن ذلك علوا كبيرا ) فيقول ( حدثنى قلبى عن ربى ) بلا حاجة لصناعة إسناد أو كتابة حديث أو رحلة فى طلب الحديث وبلا ( تعب القلب ) . وقرن الصوفية فى عصر ابن الجوزى دعواهم العلم اللدنى  بكسر الألواح التى يسجل الناس فيها ( الأحاديث والسنن ) ليفتحوا المجال على مصراعيه للعوام للدخول فى دين التصوف ، كما أقاموا حفلات الرقص والغناء الشعبية وجعلوه شريعة دينية باسم ( السماع ) فلم يعد السماع هو للأحاديث بل السماع للغناء والاستمتاع بالرقص ،وأحلوا الزنا والشذوذ وجعلوهما شريعة دينية تحت مسمى المؤاخاة والشاهد . ولقد هاجمهم ابن الجوزى بضراوة فى كتابه ( تلبيس ابليس )، ولكن  إضطر الحنابلة بسبب الانتشار المريع والسريع للتصوف ــ على حساب الحنبلية ـ الى تأليه ابن حنبل بنفس النمط الصوفى .

4 ـ ولم تكن ملامح هذا التأليه لابن حنبل واضحة فبل ذلك فى القرن الخامس الهجرى حسبما يظهر فى كتابة الخطيب البغدادى عن ابن حنبل . غاية ما كتبه الخطيب البغدادى فى مناقب ابن حنبل أن جعله أفضل من أبى بكر الصديق (ما قام أحد بأمر الاسلام بعد رسول الله ( ص ) مثلما قام أحمد بن حنبل " ..ولا أبو بكر الصديق.! ) وجعله رمزا للاسلام :( من سمعتموه يذكر احمد بن حنبل بسوء فاتهموه على الاسلام  ) ودعا لزيارة قبره ( كنت أزور قبر أحمد بن حنبل فتركته مدة ، فرأيت فى المنام قائلا يقول لى : لم تركت زيارة قبر إمام الٍّسُنّة ؟ ) ( تاريخ بغداد 4 / 418 ، 420 ، 423).

أما ابن الجوزى فقد صنع تأليها كاملا لابن حنبل فى كتاب مناقبه خصوصا فى: ( باب 91 المنامات التى رآها احمد ، باب 92 المنامات التى رؤي فيها احمد ، باب 93 المنامات التى رؤيت له ، باب 94 فضيلة مجاورة قبره ، باب 95 مجاورته.). ونستعرض بعضها هنا:

ثالثا : منامات ابن حنبل

1 ـ يروون له منامات يتكلم فيها مع رب العزة  كعادة الصوفية فى سبك المنامات . ولكن صاغ ابن الجوزى  وغيره المنامات ليس كهدف فى حد ذاته ولكن لكى يحمّلوها بمضامين دينهم الحنبلى لتحظى بالتصديق  بين العوام بدون الحاجة الى إستدلال عقلى من القرآن ، فيكفى العوام أن الله جل وعلا قال هذا فى المنام لأحمد بن حنبل ، أو أن النبى قال هذا فى المنام لابن حنبل . وطالما يصدّق العوام بهذه المنامات فقد أغنتهم عن الاستدلال العقلى والحجج والبراهين ، والتى هى فى نفس الوقت أكبر من عقول العوام وأبعد عن إهتماماتهم . من هذه مناماتهم التى يروجون فيها لاعتقادهم برؤية الله جل وعلا وبكفر من يقول بأن القرآن مخلوق ومنها منامات تزكى ابن حنبل وترفع مكانته وتهاجم وتلعن أعداءه .

2 ـ وهناك منامات تجمع بين هذا كله ، فيها تزكية ابن حنبل ومدحه وتقديسه ونشر الاعقادات الحنبلية أيضا . والعادة ان يقوم ابن الجوزى بتكرار هذه النوعية من المنامات بأسانيد مختلفة وأساليب وصيغ مختلفة لتتركّز فى أفئدة القارىء . ومنها هذا المنام الذى يزعم صاحبه أنه ( لما مات أحمدبن حنبل اغتممت غماً شديداً فرأيته في المنام وهو يتبختر في مشيته فقلت له‏:‏ ياأبا عبد الله ‏!‏ أي مشية هذه ‏؟‏فقال‏:‏ مشية الخدام في دار السلام‏.‏فقلت‏:‏ ما فعل الله بك ‏؟‏فقال‏:‏ أغفر لي وتوجني وألبسني نعلين من ذهب، وقال لي‏:‏ يا أحمد‏!‏ هذا بقولك القرآن كلامي،..) يعنى ان الاههم المصنوع ألبس ابن حنبل نعلين من ذهب . هذا الافتراء على رب العزة يهدف رفع مكانة ابن حنبل فوق رب العزة والترويج لمذهبهم فى رفض القول بخلق القرآن .  وفى روايات أخرى لنفس المنام يزعمون أن الله جل وعلا قال لابن حنبل ( أبحتك النظر الى وجهى )أو قوله: ( وأباحنى النظر الى وجهه ) وهذا فى الاستدلال على مذهبهم فى رؤية الله جل وعلا . وهنا يصنعون الاها خاصا بهم يستخدمونه فى الدعاية لمذهبهم وفى رفع مكانة ابن حنبل .

وفى رواية لمنام طويل يزعم صاحبه أن الله جل وعلا يحاسبه ويسأله : ماتقول فى القرآن ، فيقول : كلامك يارب العالمين فيقول من أخبرك فيقول أحمد بن حنبل ، فيُدعى ابن حنبل ويسأله الله فيقول انه روى ذلك عن فلان الراوى، فيدعى فلان الراوى الى ان يصل الأمر الى النبى ،فيقول انه عرفه من جبريل .ثم يقول جبريل صدق وصدقوا . والمنام يقول ما لا خلاف عليه بين المعتزلة والحنابلة وهو ان القرآن كلام الله، ويتجاهل أصل الخلاف : هل هو صفة من صفات الله جل وعلا أم أنه القرآن الذى جعله الله جل وعلا ذكرا محدثا وقرآنا عربيا منطوقا بلسان العرب .

3 ـ وهناك منامات تهاجم خصوم ابن حنبل وترفع مكانة ابن حنبل ، يزعم أحدهم ( أنه رأى كأنأحمد بن حنبل في حلقة بالمسجد الجامع، وأحمد بن أبي داؤد في حلقة أخرى، وكأن رسولالله صلى الله عليه وسلم واقف بين الحلقتين وهو يتلو هذه الآية‏:‏ (  فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ) (89)‏ ويشير إلى حلقة ابن أبي داؤد ( فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ )  ويشير إلى أحمد بن حنبل وأصحابه‏.‏) . وتمام الآية الكريمة تشير الى الأنبياء السابقين ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) الانعام ) فأخرجها الحنابلة عن السياق ليرفعوا مكانة ابن حنبل وليتهموا المعتزلة بالكفر ـ وليضعوا هذا على لسان النبى ، يستخدمونه كالعادة فى الدعوة لمذهبهم وفى الدفاع عن ابن حنبل ، أى يرفعون ابن حنبل فوق مقام النبى عليه السلام . وهذا تأليه لابن حنبل .

ومنام عن يوم القيامة وابن حنبل يتقدم الناس ( وهو بالحُسن ما الله به عليم ).ومنام عن احمد بن حنبل ومكتوب على (قفاه ) : (فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) والآية الكريمة تخاطب خاتم النبيين فى سياق الحديث عن الكفار من أهل الكتاب : ( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) البقرة ). ومنام آخر يجعلون فيه النبى يلعن خصوم ابن حنبل ، ويرسل التحية لابن حنبل . وفى منام لأحدهم يزعم فيه أن النبى أتى لباب بيته فأخذ بعضادتى الباب وأذّن وأقام الصلاة وقال : (  نجا الناجون وهلك الهالكون . فقلت : يارسول الله ، من الناجون ؟ قال : احمد بن حنبل وأصحابه.! )

وفى منام آخر طويل يجعلون النبى يلعن ( القدرية ) وهم القائلون بحرية الانسان ومسئوليته عن عمله وأن الله جل وعلا لا يريد الظلم ، وأن الظلم ليس قدرا الاهيا وليس فعلا الاهيا حتميا بل هو فعل بشرى يرتكبه الظالمون ويجب مقاومته . المنام يحاول تأكيد حديث مصنوع فى لعن القدرية الذين وقفوا ضد الاستبداد والكهنوت وتعرضوا لاضطهاد الآمويين والعباسيين . وقد أطلقوا عليهم وصف ( القدرية ) لقولهم ( لا قدر ، وإنما الأمر أنف ) أى ليس الظلم قدرا الاهيا لا فكاك منه ولكنه يجرى بالقهر برغم أنوف الناس ، فإذا هب الناس لمقاومته زال . . يقول صاحب المنام ( ..قلت : يا رسول الله حديث أبى الزبير عن عبد الله بن عمرو إنك قلت : يكون فى أُمّتى قذف ومسخ . قال : نعم ، وذلك فى القدرية . قلت : يا رسول الله لمن تقلد هذا الدين؟ قال : لهذا الرجل .. فإذا رجل مستلق على قفاه ، وقد مُدّ عليه ثوب أبيض ، فكشفت عن وجهه فإذا رجل جيد الجثة عظيم اللحية أحمر الخدين . فلم أعرفه . فقلت : يا رسول الله من هذا الرجل ؟ قال : أما تعرفه ؟ قلت : لا . قال : هذا أبو عبد الله أحمد بن حنبل ) .! هنا لعن للقدرية المفكرين المسلمين الأحرار وتقليد لابن حنبل بقيادة الدين ( الحنبلى الملاكى ).

4 ـ أما المنامات التى تزكّى ابن حنبل وتقدّسه فهى كثيرة ..وحقيرة .!..ولكثرتها ولحقارتها فإننا نكتفى بالاشارة لبعضها كى لا يضيق الصدر . على سبيل المثال منام عن نزول ملك من السماء ومعه سبعة تيحان ، فأول من توّجه من الدنيا احمد بن حنبل . ويستخدمون النبى فى منام يزعمون أنه قال لابن حنبل ( إذهب فأنت أمير القوم .!) وأنه قال للناس:( إتبعوه فهذا أميركم ، فاسمعوا له وأطيعوا ). أى بدلا من طاعة الله جل وعلا ورسوله الكريم فقد جعلوا الرسول نفسه يدعوهم لطاعة ابن حنبل .! . وفى منام آخر يزعم أحدهم أنه رأى النبى يمشى فى طريق وهو آخذ بيد أحمد بن حنبل وهما يمشيان بتؤدة ورفق ، وأنه حاول اللحاق بهما فلم يستطع . ثم راى فى الليلة التالية مناما مكملا ( أى منام كفيلم سينمائى عرض مستمر ) وفيه الناس مجتمعون لصلاة جامعة والمنادى ينادى على ابن حنبل ليؤم الناس فى الصلاة ، ويأتى ابن حنبل فيصلى بهم . وتكرر هذا المنام مرة أخرى بصيغة محتلفة . وفى منام رؤى بعضهم بعد وفاته فى منام فقال  إنه إنتفع بالسّنة ، وسئل عن ابن حنبل فقال : ( حالت بيننا وبينه الحُجُب .! ) ، إرتقى الى مكانة الالوهية فوق البشر بحيث حالت الحُجُب بينه وبين البشر .

ويهبط الحنابلة الى أحطّ درجات الكفر حين يزعمون أن الله جل وعلا يقول فى منام لأحدهم ( هذا أحمد بن حنبل يرد الأمة عن الضلالة...إتّبعه وإلا هلكت ) ومنام آخر للحسن الصواف يزعم : ( رأيت رب العزة فى المنام فقال لى : يا حسن من خالف ابن حنبل عُذّب ). وبالتالى فهناك سبعة منامات متفرقة جاءت بصيغ مختلفة وأسانيد مختلفة تزعم أن النبى أوصى بالاقتداء بابن حنبل والأخذ بقوله .  ومنام آخر يزعم أن الناس ستتبع فى النهاية مذهب ابن حنبل .(مناقب 434 ، 436 ـ ، 442 ـ ، 453 ، 464 ، 466 ، 467 ، 468 ، 474 ، 476  ، 445 : 451 ــ ، 465 ــ ، 470 ــ ، 493 ، 496 )

ومن الطريف أن الصوفية كانوا يحكون منامات يزعمون فيها لقاء ابليس والحديث معه ، وقد حكى ابن الجوزى فى ( المنتظم ) رواية مماثلة يرويها عن عبد الله بن أحمد بن حنبل : ( سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ لما حضرت أبي الوفاة جلست عندهوبيدي الخرقة لأشد بها لحيته فجعل يغرق ثم يفيق ثم يفتح عينيه ويقرأ بيده هكذا لابعد لا بعد ففعل هذا مرة وثانية فلما كان في الثالثة قلت له‏:‏ يا أبه‏!‏ أي شيءهذا قد لهجت به في هذا الوقت تغرق حتى نقول‏:‏ قد قضيت ثم تعود فتقول‏:‏ لا بعدفقال لي‏:‏ يا بني‏!‏ ما تدري ؟ قلت‏:‏ لا قال‏:‏ إبليس لعنه الله قائم حذائي عاض علىأنامله يقول‏:‏ يا أحمد فتني‏!‏ فأقول له‏:‏ لا بعد حتى أموت ‏.‏ ) ( المنتظم وفيات 241 ، ج 11 .)

رابعا : آلهة الصوفية مع ابن حنبل

1 ـ قام ابن الجوزى بالمزايدة على الصوفية ، فإذا كانوا يدعون الناس للتبرّك بأوليائهم فإن ابن الجوزى يزعم أن هؤلاء الأولياء المقدسين أنفسهم يذهبون لرؤية أحمد بن حنبل والتبرك به . لذا أفرد أبوابا فى كتاب المناقب لهذا الموضوع : ( باب 17 ثناء الغرباء والأولياء عليه ، باب 18 تبرك الأولياء به وزيارتهم له ( المناقب  143 : 149)

2 ـ وفى عصر ابن الجوزى لم تكن المملكة الوهمية للآلهة الصوفية قد إكتملت . فقد تم إكتمالها فى كتابات المتصوفة فى العصر المملوكى بعد ابن الجوزى بثلاثة قرون . وضمت آلهة بزعمهم تتحكم فى العالم على راسهم قطب الأقطاب أوالقطب الغوث من بين الأقطاب الأربعة والأبدال والأوتاد وأصحاب النوبة والقائمين بالحملات الذين يحملون اوجاع الناس . بالاضافة الى كائنات نصف الاهية خالدة لا تموت يزعمون لقاءها ورؤيتها ثم تختفى مثل الخضر والياس . دارت حول هذه المملكة الوهمية و( جبل قاف ) و( إسم الله الأعظم ) معظم كرامات وخرافات التصوف فى مرحلة إكتماله وسيطرته فى العصر المملوكى ، خصوصا فى كتابات عبد الوهاب الشعرانى الصوفى المصرى الذى عاصر نهاية العصر المملوكى وعقودا من العصر العثمانى . فى عصر ابن الجوزى فى القرن السادس الهجرى لم تكن قد إكتملت تلك المملكة الصوفية ، وقد إقتصرت على القول بالأبدال والأوتاد والخضر والياس . وقد تردد ذكرهم فى كتابات الغزالى فى الاحياء ، كما ذكر البخارى الخضر فى أحاديثه . وهو لا علاقة له مطلقا بالنبى العبد الصالح المذكور فى قصة موسى فى سورة الكهف .

3 ـ  وفى موضوعنا عن تقديس وتأليه ابن حنبل على الطريقة الصوفية التى انتشرت بين العوام فى عصر ابن الجوزى نرى ابن الجوزى يجعل الخضر عنصرا فى تلك المنامات التى يعيد صياغتها فى تزكية ابن حنبل والهجوم على خصومه . ومنه منام تكرر خمس مرات، ويزعم الراوى فى واحد منها ان صاحبه من ( الأبدال ) وأنه رأى الخضر فسأله عن ابن حنبل فقال ( إنه صدّيق ). أما الياس فقد زعم بعضهم أنه قابله وقد غرقت سفينته بين بحرى الهند والصين فقام الياس بانقاذه من الغرق مقابل أن يبلغ سلامه الى أحمد بن حنبل وكان مع الياس الملك الموكل بجزائر البحر . وهى بالقطع خرافة تستوى العوام ، وتجعلهم يهيمون حُبا فى ابن حنبل . ( الياس ( مناقب 143 ) الخضر( باب 16 ثناء الخضر عليه )،  ( مناقب 144 ـ  473 ـ ، 478 ـ ) .

خامسا : كرامات ابن حنبل الصوفية

منها أنه أصدر قرارا للنمل من دخول بيته فإمتنع النمل من دخول بيته !. وسال الدم من منخرى حفيده فأصدر قرارا آخر فانقطع الدم من منخار حفيده .! ووضعوا القلم الذى كان يكتب به فى نخلة عقيم فحملت النخلة .! ( ونشكرهم أنهم توقفوا عند استعمال قلمه على النخل فقط .! كانت بقت مصيبة .!) . واستغاثت به عجوز مقعدة مشلولة فقامت تمشى .وإشتكى آخر وكان يئن من الألم فشفاه ابن حنبل . ولم يبق إلّا أن يفتتح عيادة طبية . وأخمد حريقا هائلا  شبّ فى دار صالح بن احمد بن حنبل فأتى عليها كلها  سوى ثوب كان لابن حنبل كان ابنه يتبرك بالصلاة فيه . وأخمد حريقا أتى على دار قاضى القضاة إلا كتابا كان فيه شىء بخط ابن حنبل ، يعنى كان يعمل أيضا فى المطافىء فى أوقات الفراغ ويجعل الحريق يأتى على كل شىء ما عدا ما يخصّه.  ويزعم ابن الجوزى أنه غرقت بغداد كلها فى عام 554 فغرقت داره وكتبه ما عدا مجلد فيه ورقتان بخط ابن حنبل .!. ( مناقب 295 ، 296 ، 297 ، 434 ).

سادسا : بعد ابن الجوزى :

نقل المؤرخ الحنبلى ابن كثير بعض هذه الخرافات عن ابن الجوزى والبيهقى فى ( البداية والنهاية ) فى ترجمته لابن حنبل . وننقل منه بعضها :تحت عنوان : ( ذكر ما رئي له من المنامات ):يقول ابن كثير : ( وقد صح في الحديث لم يبق من النبوة إلا المبشرات‏.‏وفي رواية‏:‏ إلا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له‏.‏) أى يؤمن إبن كثير بهذه المنامات الخرافية ، ويجعل الايمان بها قرينا للإيمان بالنبوة طبقا لهذا الحديث الفاجر الذى صنعه الحنابلة . ويروى ابن كثير ما صاغه الحنابلة فى تأليه ابن حنبل من منامات . يقول : ( وروى البيهقي، عن الحاكم، سمعت علي بن حمشاد، سمعت جعفر بن محمد بنالحسين، سمعت سلمة بن شبيب، يقول‏:‏ كنا عند أحمد بن حنبل وجاءه شيخ ومعه عكازةفسلم وجلس فقال‏:‏ من منكم أحمد بن حنبل ‏؟‏فقال أحمد‏:‏ أنا ما حاجتك ‏؟‏ فقال‏:‏ ضربت إليك من أربعمائة فرسخ أريت الخضر في المنام فقاللي‏:‏ سر إلى أحمد بن حنبل وسل عنه وقل له‏:‏ إنَّ ساكن العرش والملائكة راضون بماصبرت نفسك لله عز وجل‏.‏) ( وعن أبي عبد الله محمد بن خزيمة الإسكندراني، قال‏:‏ لما مات أحمدبن حنبل اغتممت غماً شديداً فرأيته في المنام وهو يتبختر في مشيته فقلت له‏:‏ ياأبا عبد الله ‏!‏ أي مشية هذه ‏؟‏فقال‏:‏ مشية الخدام في دار السلام‏.‏فقلت‏:‏ ما فعل الله بك ‏؟‏فقال‏:‏ أغفر لي وتوجني وألبسني نعلين من ذهب، وقال لي‏:‏ يا أحمد‏!‏ هذا بقولك القرآن كلامي، ثم قال لي‏:‏ يا أحمد ‏!‏ ادعني بتلك الدعوات التيبلغتك عن سفيان الثوري، وكنت تدعو بهن في دار الدنيا، فقلت‏:‏ يا رب كل شيء بقدرتكعلى كل شيء اغفر لي كل شيء، حتى لا تسألني عن شيء‏.‏فقال لي‏:‏ يا أحمد ‏!‏ هذه الجنة قم فادخلها‏.‏فدخلت فإذا أنا بسفيان الثوري وله جناحان أخضران يطير بهما من نخلةإلى نخلة، ومن شجرة إلى شجرة وهو يقول‏:‏ ‏{‏الْحَمْدُ لِلَّهِالَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِحَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 74‏]‏‏.‏قال فقلت له‏:‏ ما فعل بشر الحافي ‏؟‏فقال‏:‏ بخ بخ، ومن مثل بشر‏؟‏ تركته بين يدي الجليل وبين يديهمائدة من الطعام والجليل مقبل عليه وهو يقول‏:‏ كل يا من لم يأكل، واشرب يا من لميشرب، وانعم يا من لم ينعم‏.‏ أو كما قال‏.‏) ( وقال أبو محمد بن أبي حاتم‏:‏ عن محمد بن مسلم بن وارة، قال‏:‏ لمامات أبو زرعة رأيته في المنام فقلت له‏:‏ ما فعل الله بك ‏؟‏فقال‏:‏ قال الجبار‏:‏ ألحقوه بأبي عبد الله، وأبي عبد الله، وأبيعبد الله، مالك والشافعي وأحمد بن حنبل‏.‏) ( وقال أحمد بن خرّزاد الأنطاكي‏:‏ رأيت في المنام كأن القيامة قدقامت، وقد برز الرب جل جلاله، لفصل القضاء، وكأن منادياً ينادي من تحت العرش‏:‏أدخلوا أبا عبد الله، وأبا عبد الله، وأبا عبد الله الجنة‏.‏قال‏:‏ فقلت لملك إلى جنبي‏:‏ من هؤلاء ‏؟‏فقال‏:‏ مالك، والثوري، والشافعي، وأحمد بن حنبل‏.‏) ( وروى أبو بكر بن أبي خيثمة، عن يحيى بن أيوب المقدسي قال‏:‏ رأيترسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم وهو نائم وعليه ثوب مغطى به وأحمد بن حنبلويحيى بن معين يذبان عنه‏.‏) ( وقد تقدم في ترجمة أحمد بن أبي دؤاد، عن يحيى الجلاء أنه رأى كأنأحمد بن حنبل في حلقة بالمسجد الجامع، وأحمد بن أبي داؤد في حلقة أخرى، وكأن رسولالله صلى الله عليه وسلم واقف بين الحلقتين وهو يتلو هذه الآية‏:‏ ‏{‏فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَاهَؤُلَاءِ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 89‏]‏ ويشير إلى حلقة ابن أبي داؤد ‏{‏فَقَدْ وَكَّلْنَابِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 89‏]‏ويشير إلى أحمد بن حنبل وأصحابه‏.‏).

السطر الأخير

أتمنى لو أنتجت أعمالا درامية عن الحنابلة والوهابية ..ولكن ما باليد حيلة .. 

آه يا زمن ..!!