رقم ( 3 ) : المقال الأول
هذا الحكم القضائى الفاسد يناقض السّنة الحقيقية للرسول عليه السلام .!!

 

المقال الأول :هذا الحكم القضائى الفاسد يناقض السّنة الحقيقية للرسول عليه السلام .!!

هذا الحكم القضائى الفاسد يناقض السّنة الحقيقية للرسول عليه السلام .!!

سبق أن قامت السلطات المصرية بتجريد المحامى موريس صادق من الجنسية المصرية ، وبالرغم من الخلاف الهائل بيننا وبينه إلا إننا نشرنا هنا مقالا يستنكر هذا ،  ثم أصدرنا بيانا باسم المركز العالمى للقرآن الكريم نستنكر فيه هذا الحكم القضائى باعدام المسيئين للنبى محمد عليه السلام ، لأن هذا الحكم يسىء الى الاسلام ويخالف شريعة الله جل وعلا ، ونطالب المفتى فى مصر بعدم التصديق عليه وإلّا  كان عدوا لله جل وعلا ورسوله ، ونطالب بعزل القضاة الذين أصدروه لأنهم شوّهوا سمعة مصر وسمعة القضاء المصرى . وأوضحنا أن هذا الحكم الظالم يؤكد تغلغل الوهابية الحنبلية السنية المتطرفة فى عقول المصريين ، وبالتالى فإن الانتصار على الاخوان والسلفيين سياسيا لا يكفى ، لأن الأخطر منهم هو تغلغل دينهم الوهابى المعادى للاسلام بين المصريين المسلمين ، ولا بد من إثبات كفر الوهابية بالاسلام ، وهذا ما يقوم به أهل القرآن وحدهم ، دون مساعدة من ضحايا الوهابية . وختمنا البيان بوعد بتوضيح مخالفة هذا الحكم القضائى للشريعة الاسلامية الحقة والتى تناقض الشريعة السنية الوهابية . وهذا هو الجزء الأول من التوضيح ، وعنوانه : هذا الحكم القضائى الفاسد يناقض السّنة الحقيقية للرسول عليه السلام.

 

 أولا : معنى السّنة :   هى سنّة الله جل وعلا أو شرع الله جل وعلا :

1 ـ (السّنة ) لها معنيان فى القرآن : المنهج او الطريقة في تعامل الله تعالى مع المشركين كقوله جل وعلا : (اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) ( فاطر ).كما ان معناها الذى يهمنا هنا الآن هو الشرع الالهى. وبالمعنيين فان السنة فى القرآن تأتى منسوبة لله ، اى سنة الله ، يقول تعالى فى تشريع خاص بالنبى عليه السلام :( مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (38)الأحزاب 38 )وفى الاية الكريمة يتضح ان (فرض الله )يعنى ( سنة الله ) يعنى (امرا الله) ، وكلها تعنى  (شريعة الله) ، أى إن السنة معناها هنا الشرع. وهذا يتفق مع المعنى اللغوى لكلمة السنة ،تقول (سنّ قانونا ) أى شرع قانونا، واذا تم سنّ القانون اصبح شريعة واجبة التنفيذ.وهذا ايضا يتفق مع المعنى الفقهى لمصطلح (السنة العملية) ، اذ تعنى السنة العملية العبادات من صلاة وزكاة وحج وصيام. وفى كل ذلك فان الله تعالى وحده هو صاحب التشريع الذى نزل فى القرآن الكريم، والنبى عليه السلام هو القدوة لنا فى تطبيق ذلك التشريع ،لذلك يقول تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (21)الأحزاب )، لم يقل (كان لكم فى رسول الله سُنّة حسنة )،لان السُّنة هى سنة الله وشرعه، اما النبى عليه السلام فهو القدوة الحسنةفى تطبيق سنة الله وشرع الله.

2 ـ الا إنهم يقولون ان السنة العملية هى العبادات التى اشرنا اليها ، اما السنة القولية للنبى فهى تلك الاحاديث التى اسندوها اليه بعد موته بقرون فيما يعرف بكتب الصحاح وغيرها . وهذا يخالف القرآن الكريم لأن السنة القولية للنبى عليه السلام هى ما ورد فى القرآن فى كلمة "قل "التى يتميز بها القرآن . وقد تكررت كلمة "قل "للنبى فى القرآن (332)مرة ..وكانت الموضوعات التى ترددت فيها كلمة "قل" تشمل كل ما يحتاجه المؤمن من امور الدين ،وبعضها يؤكد ما جاء فى القرآن ايضا بدون كلمة "قل". وكان النبى عليه السلام مأمورا بأن يقول ذلك القول المنصوص عليه فى القرآن كما هو دون زيادة او نقصان ،اذ لايملك ان يتقوّل على الله تعالى شيئا فى امور الدين: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ (44) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)الحاقة).ّ فالسنة القولية للنبى هى كلمة (قل) فى القرآن لأن السنة تعنى الشرع المفروض اتباعه .

3 ـ ويقولون أن تلك الاحاديث هى مصدر المعرفة بالصلاة والعبادات .وهذا خطأ فادح لأن تلك الاحاديث اقاويل ،والسنة هى طريقة تأدية للعبادة وكان معروفا تأدية العبادات ليس فقط قبل عصر البخارى، بل كانت معروفة قبل نزول القرآن ،اذ كانت هى الملامح الاساسية لملة ابراهيم التى امر الله تعالى النبى والمسلمين باتباعها حنفاء ، بل إن تلك الاحاديث التى رويت فيما بعد النبى بقرون لم تتعرض بالتفصيل لكيفية تأدية الصلاة، وأكثر من ذلك أنها تشوّه الصلاة وتشكّك فيها.

4 ـ  إن الله جلّ وعلا يؤكد فى آيتين ان القرأن الكريم هو وحده الحديث الوحيد الذى ينبغى ان نؤمن به:  (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ) الاعراف185 ،المرسلات50)، بل يجعل الله جلّ وعلا الايمان به وحده الها لاشريك له قرينا بالايمان بحديث فى القرآن وحده دون غيره، يقول تعالى ((تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) الجاثية )، ولنتدبر قوله جل وعلا (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ) ثم يتوعّد الله جل وعلا أصحاب الأحاديث الضالة المفتراة : (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) :الجاثية) . ، وفى الوصية الاخيرة من الوصايا العشر فى القرآن الكريم يقول تعالى عن القرآن إنّه الصراط المستقيم الذى يجب إتباعه وحده دون غيره من السّبل المعوجة مثل الأحاديث البخارية وغيرها ، يقول جلّ وعلا : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)الانعام ). فالقرآن اتى من الله تعالى طريقا مستقيما لنتبعه وحده ،ولا نتبع الطريق والسبل الاخرى حتى لا نقع فى الاختلاف  . وفى هذه الاية الكريمة تأكيد على أن القرآن هو المصدر الوحيد للاسلام، فالطريق المستقيم لايكون الا واحدا وحيدا، وحيث أن الخط المستقيم لا يتعدد فهو أقصر الطرق التى توصل بين نقطتين . اما الطرق الاخرى فتقوم على الاختلاف والظن والريب ،ومن المعلوم ان روايات الأحاديث وأسانيدها لها طرق وسبل متفرقة .ويؤكد علماء الحديث أنها كلها ظنية ،او كما يقول الله تعالى عن القرآن وغيره من الطرق والسبل : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) :الانعام)،وهذا خطاب للنبى عليه السلام نفسه أنه اذا اطاع أكثرية البشر أضلّوه عن القرآن حيث يتبعون الظن والاوهام.

وكان النبى عليه السلام يتبع القرآن وحده:(قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي (203) الاعراف)  (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) الاحقاف ). ويجب أن نقتدى به لأنّ نفس الأمر جاء لنا بأن نتبع القرآن وحده وليس غيره ، يقول لنا ربنا سبحانه وتعالى عن القرآن:(اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (3 :الاعراف )فهناك امر ونهى ،امر باتباع القرآن ونهى عن اتباع غيره، فهو وحده الذى لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،وحيث كان النبى  متبعا للقرآن وحده،وحيث كان خلقه القرآن، فإن السّنة الحقيقية التى كان يتبعها النبى هى القرآن و ليس غير القرآن .

5 ـ ولكنهم إخترعوا دينا أرضيا أسموه السّنة ، وزيفوا أحاديث نسبوها للنبى بعد موته عليه السلام بقرنين وأكثر ، وإحتوت هذه السّنة الكاذبة كل ما يسىء لله جل وعلا والاسلام ورسول الاسلام عليه السلام ، ومن هذا الدين الأرضى وشريعته الضالة نبتت طوائف ضالة كان آخرها الوهابية والتى قامت على أساسها دولة آل سعود ، وعبد العزيز آل سعود هو الذى زرع شجرة الاخوان المسلمين والسلفية فى مصر . وأنبتت هذه الشجرة الخبيثة جماعات الارهاب وأسّست تجارة هائلة تتلاعب بالدين لتصل به الحكم ، وقد إعتنقها ملايين المصريين حتى من خارج الاخوان والسلفيين ، ومنهم أولئك القضاة الذين تربوا خلال إعلام فاسد وتعليم فاسد ووعظ فاسد فآمنوا بأن الوهابية هى الاسلام . ومن هنا حكموا بشريعة الوهابية بقتل المسيئين للنبى عليه السلام ظنّا منهم أنهم يدافعون عن النبى وعن سنته . والحقيقة أنهم بذلك وضعوا أنفسهم فى صف العداء للاسلام وللرسول عليه السلام . فهذا الحكم القضائى الضال يخالف السّنة الحقيقية للنبى عليه السلام ..وهى القرآن الكريم . ونأتى للتوضيح .  

ثانيا : السُّنة الحقيقية فى التعامل مع من يسىء للنبى عليه السلام

1 ـ مهما بلغت إساءة موريس صادق وجماعته للنبى والاسلام فلا تصل الى إساءة كفار مكة له عليه السلام. ولو تخيلنا خاتم المرسلين يعيش بيننا الآن وشاهد هذا الفيلم المسىء فلن يرد عليه وعليهم إلّا بالصفح الجميل ـ فقد كانت هذه هى سنته عليه الصلاة والسلام، وذلك هو دينه ، فقد أرسله الله جل وعلا رحمة للعالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)الأنبياء)، وليس لقتل العالمين أو ارهاب العالمين كما يفعل أعداؤه من الوهابيين والاخوان والسلفيين . وإذا كان عليه السلام قد أرسله الله جل وعلا رحمة للعالمين فجاء الوهابيون والسلفيون والاخوان ينشرون الارهاب باسم الاسلام، فمن هو الذى يسىء الى الاسلام ؟ ومن هو العدو الأكبر للاسلام ؟ أهو موريس صادق وفرقته أم محمد مرسى وجماعته ؟

2 ـ كان عليه السلام إذا مرّ بهم يستهزئون به علنا قائلين : أهذا هو رسول الله ؟ أهذا الذى يتجرأ على آلهتنا ؟. وسجّل رب العزة إستهزاءهم برسوله الكريم :( وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ (36)الانبياء)( وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً (41)(الفرقان ). وهددهم بجهنم:( ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً(106)الكهف ) .

3 ـ ونفهم من تكرار الأوامر له عليه السلام بالصبر على أذاهم أنّ هذا الأذى كان فوق إحتماله ، وهو عليه السلام كان صفوة الله فى خلقه وأعظمهم خلقا وأكثرهم حلما وتسامحا . ولكن تطرفهم فى إيذائه كان فوق طاقته البشرية لذا توالت له الأوامر بالصبر ، ونقرأ منها : (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (10) ، أى أن يبتعد عنهم فى رفق ، أو أن يهجرهم باحسان هجرا جميلا . وهذا هو الصبر على الأذى المقترن بسموّ الخلق ،لأن مصير أولئك المعتدين جهنم ، يقول جلّ وعلا بعدها : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً (12) وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً (13(المزمل). وكان عليه السلام يحزن من إفتراءاتهم وتقوّلاتهم عليه وإتّهاماتهم له وكان يضيق من مكرهم به فيقول له ربّه جل وعلا : ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) النحل ) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) الانعام)، و يأمره جل وعلا بالرد عليهم بالمزيد من العبادة ليطرد من نفسه الضيق من الظلم الواقع به:( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) الحجر)،ويتكرّر الأمر له عليه السلام بالصبر لمواجهة تكرار الأذى له:( اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) ص)( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) طه )( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) ق ) بل يحذّره ربّه جل وعلا من أن يستخفّه الغضب فيتخلّى عن الصبر:( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (60)الروم ). أى أن سُنّة الرسول عليه السلام هى الصبر على الأذى المتطرّف المتكرّر ومقابلته بالعبادة وذكر الله جل وعلا وتفويض الأمر له جلّ وعلا . وليس الحكم بالاعدام ..!!

4 ـ وهذا ليس صبرا سلبيا مرتبطا بالعجز وبالحقد وتمنى الانتقام من الظالم ، بل هو صبر إيجابى يقوم على الصفح والسلام والغفران والاعراض الجميل عن المعتدى كما قال له جل وعلا فى سورة المزمل: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (10). فالهجر الجميل هنا هو نفسه( الصفح الجميل) فى قوله جلّ وعلا لخاتم المرسلين:( وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)( الحجر)، أى فالساعة آتية بالعذاب لأولئك المعتدين فلا عليك إلا أن تصفح عنهم صفحا جميلا مقترنا بالعفو بلا حقد ولا كراهية ، فيكفى ما سيلقونه من عذاب خالد يوم القيامة . وتكرّر هذا فى قوله جل وعلا :( وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89 ) ( الزخرف ). هنا صفح مرتبط بقول السلام عليهم (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)لأنه سيأتى يوم القيامة الذى سيعلمون فيه الحق.  

5 ـ وهذا تشريع لنا جميعا ، وليس خاصّا به عليه السلام ، لأن الله جل وعلا يأمرنا أن نرد على الخصم المعتدى بتحيته بالسلام عليه:( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (63) الفرقان) ،(وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ   (55)( القصص). وهذا تشريع لنا جميعا لأن الله جل وعلا يأمرنا ــ إن كنّا مؤمنين فعلا ولسنا منافقين أو سلفيين وهابيين كافرين ـ بالغفران لمن لا يؤمن بالله ولا يعمل لليوم الآخر:(قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)( الجاثية )، يأمرنا بالغفران وإنتظار الحكم علينا وعليهم يوم القيامة. الذى يناقض هذا أن يتقمّص بعضهم وظيفة ربّ العزة فيحكم على خصومه فى الدين بالاعدام .. ويزعم الاسلام .!! فمن هو الذى يسىء الى الاسلام ؟

6 ـ هذا هو السّمو الخلقى الرائع فى الردّ على المعتدى بالقول ـ وليس بالقتل ـ أما من يعتدى بالقتل فالتشريع الوضعى والشرع الالهى يجيز الدفاع عن النفس . ولكن نؤكد هنا على أن هذا السّمو الخلقى لا ينفصل عن الشريعة الاسلامية الحقة الى يكفر بها الوهابيون والإخوان والسلفيون . إن القاعدة الاسلامية هى الأمر بالعدل والاحسان:( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ(90)النحل).العدل فى الاعتداءهو القصاص ، فمن ضربك لك أن ترد عليه بمثلها أما العدل فهو أن تعفو عنه.يقول جل وعلا فى تفسير العدل والاحسان :( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) الشورى). السيئة بمثلها قصاصا هذا هو العدل . أما الاحسان فهو العفو والاصلاح إبتغاء الأجر من الله جل وعلا الذى لا يحب الظالمين . وقد كان عليه السلام مأمورا بالرّد على السيئة ليس بالحسنة بل بالتى هى أحسن ، إذ قال له ربّه جل وعلا:( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) المؤمنون). وهذه مرتبة عليا لا يصل اليها من المؤمنين إلّا ذو الحظّ العظيم من الايمان والتقوى ، لايصل اليها إلّا من تمسك فعلا بالسنّة الحقيقية لخاتم المرسلين فى سموّ الخلق ، يقول جل وعلا لنا ولكل مؤمن بالقرآن فعلا: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) ( فصلت ). أى أن نرد السيئة بالتى هى أحسن ، وبهذه الطريقة يشعر الخصم المعتدى بالحرج والعار من نفسه فيضطر الى أن يتصرّف ( كأنّه ولى حميم ).

خاتمة :

1 ـ  نختم هذا المقال وقد جاءت الأنباء بأن الرئيس الاخوانى محمد مرسى قد أعلن يوم 15 ديسمبر 2012 موعدا للإستفتاء على الدستور الوهابى الذى أصدرته لجنته التأسيسية ، والذى يجعل الشريعة الوهابية المناقضة للاسلام المصدر الرئيس للتشريع فى مصر.. ويتوقّع الجميع أن ينتهى الاستفتاء ـ مثل كل الاستفتاءات ـ بما يريده الحاكم المستبد . أى سيتم فرض الشريعة الوهابية على المصريين باسم الاسلام .!!.

2 ـ هل سيظلّ أهل القرآن وحدهم يواجهون الاخوان والسلفيين والسعوديين وسائر الوهابيين ؟

3 ـ أين حُمرة الخجل ؟