رقم ( 2 )
مقدمات للكتاب

كتاب ( المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة فى عصر السلطان قايتباى):دراسة فى كتاب ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) للمؤرخ القاضى ابن الصيرفى .

مقدمات للكتاب

المقدمة الأولى    

مقالات متعلقة :

أولا :

1 ـ من روعة التصوير القرآنى لشخصية المشرك الكافر بالقرآن الكريم الذى يرفض الاحتكام اليه أنه ينظر اليك حين تدعوه الى الهدى ولكن لا يبصر:( وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198)( الأعراف ) ، وتكلمه فلا يسمع كما لو كان ميتا فى قبر ، لا فائدة من الكلام معه ، لذا تكرّر قوله جلّ وعلا للنبى عليه السلام : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81)  النمل ) (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) ( الروم)، ( وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) فاطر)، أى يكون المؤمن حيّا بالهدى ويكون الكافر ميتا بقلبه لا فائدة من وعظه ، ولا يستوى هذا بذاك . فى أمور الدنيا يستعمل ذكاءه وحواسه، ولكن مع القرآن الكريم الواضح الميسّر للذكر تتكاثر الأكنّة على قلبه ، وهذا ما أعلنه مشركو مكة : (حم (1) تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) فصلت ). ولذلك فالكافرون المشركون الضالون أسوأ من الحيوانات : ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44) الفرقان )

2 ـ مشركو قريش أفضل حالا من مشركى الوهابية فى عصرنا ، على الأقل فمشركو مكة كانت لديهم فضيلة الصراحة بقولهم بأن أكنة على قلوبهم وبينهم وبين القرآن حجاب ، بل ومطالبتهم النبى محمد عليه السلام بالاتيان بقرآن آخر يتجاوب مع أهوائهم : (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ ) ويأتى الرد من رب العزّة جل وعلا بأنه النبى لا يملك هذا ، بل هو متبع للقرآن يخشى من عذاب يوم عظيم إن عصى القرآن ( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) ولقد لبث فيهم قبل الوحى زمنا عرفوه فيه بالصدق والأمانة فكيف يجعلونه كاذبا بعد نزول الوحى عليه ؟ : (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (16) ( يونس ). أما مشركو الوهابية فمع تكذيبهم القلبى للقرآن فقد تطرفوا فى الكفر درجة استخدام القرآن والاسلام  فى طموحهم السياسى ليركبوا به ظهور الناس،فالاخوان (المسلمون) يجعلون من شعاراتهم (القرآن دستورنا) ، وحين نطالبهم بالاحتكام الى القرآن ـ وهو فريضة الاهية ـ يتهموننا بإنكار السّنة ( الوهابية ) وبإزدراء الدين ( الأرضى السّنى الحنبلى الوهابى).بل هم يطلقون على حزبهم (الحرية والعدالة) وهم أبعد الناس عن مفهوم الحرية والعدالة .

ثانيا :

1 ـ وفى شعارهم ( تطبيق الشريعة ) لم يحددوا الشريعة المراد تطبيقها حتى لا يخيفوا الناس ، وحتى لا ينفضّ عنهم الناس . ونحن نعفيهم من هذا الحرج ونجيب بالنيابة عنهم . شريعتهم المراد تطبيقها ليست هى شريعة القرآن الكريم القائمة على العدل والاحسان والحرية المطلقة فى الدين والفكر والتى تتناقض مع شريعتهم السّنية القائمة على الإكراه فى الدين وحدّ الردة واستحلال قتل المسالمين ، لذا يقطعون الطريق علينا مقدما بتشويه سمعتنا واتهامنا لمجرد دعوتنا للإحتكام للقرآن الكريم . ولكن شريعة السنيين تحوى عدة مذاهب مختلفة . فأى مذهب يريدون ؟ طبعا يقصدون المذهب الحنبلى. ولكن هناك مدارس حنبلية مختلفة ، فأى مدرسة حنبلية يريدون ؟ طبعا يقصدون مدرسة ابن تيمية . ولكن ابن تيمية عاش مضطهدا ولم يحدث أن قام بتطبيق شريعته ، فكيف نجد التطبيق العملى لمدرسة ابن تيمية ؟ نجده فى المملكة السعودية . هنا نسأل : هل فى هذه المملكة عدل ؟ وهل فيها قانون ؟ وهل لو كان فيها قانون أهو يسرى على الجميع من أمير وأجير ؟ وهل فيها نظام قضائى حقيقى ؟ أم أنها غابة يحكم فيها قضاة الأسرة السعودية على الشعب المملوك لتلك الأسرة ، وأولئك القضاة هم مجرد خدم وعبيد لولى الأمر السعودى وكل أفراد عائلته بل وكل العبيد والمماليك فى البلاط السعودى .. هذه بالضبط هى الشريعة التى يريدون تطبيقها، ولكن لا يريدون الخوض فى تفصيلاتها .

2 ـ خطتهم هى نفس مخطط سيدهم ( عبد العزيز آل سعود ) مؤسس الدولة السعودية الراهنة ، ومؤسس التنظيمات السلفية فى مصر من دعوية كأنصار السّنة ، أو حركية سياسية كالاخوان المسلمين . خطة عبد العزيز كانت التوسع خطوة خطوة ، وانتظار ما يبدو متعذرا الى الوقت الذى يصبح فيه ممكنا مع العمل على تطويع ما يبدو مستحيلا بالصبر والدهاء ليكون ممكنا . وهذا ما يفعله الاخوان ؛ لا يكشفون أوراقهم مرة واحدة بل خطوة خطوة ، وفى كل خطوة يحرزون نصرا ، والليبراليون المصريون ينحصر عملهم فى ردّ الفعل وإنتظار الصدمات و..الصفعات .!!.

3 ـ الاخوان والسلفيون وكل الأطياف الوهابية قد نجحت خلال أربعين عاما فى إقناع الجماهير بأنّ الماضى كان  جنّة وارفة بسبب بركات تطبيق الشريعة ، وأن أجدادنا عاشوا أزهى عصور العدل والرخاء فى ظل تطبيق الشريعة . استخدم الوهابيون البتروليون بمهارة فائقة سلاح الدراما التراثية فى غسيل مخ الجماهير وإقناعها بالعدل ( الذى كان سائدا فى الماضى ) ويريدون إرجاعه بتطبيق الشريعة . ومنذ ربع قرن قمت بالرد على هذا الافتراء بمشروع ( تحويل التراث الى دراما ) لأظهر الحقائق المسكوت عنها من خلال دراما أمينة وجذابة ، وحتى الآن لم أجد من يشترى أعمالى ..واضطررت الى نشر بعضها فى قصص تاريخية وأبحاث تاريخية هنا .  

4ـ مصر الآن تدخل منعطفا خطيرا تحت قيادة الاخوان ورئيسهم د . محمد مرسى ، بسعيهم للسيطرة على كل شىء وكتابة الدستور على هواهم ، ويؤيدهم إقتناع الأغلبية الصامتة بأنّ تطبيق الشريعة ( السّنية الوهابية ) سيأتى بالعدل والخير . وللرد على هذا سننشر هذا البحث الجديد : (المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة فى عصر السلطان قايتباى ). وفى سبيله سنؤجل استكمال الأجزاء الباقية من بحث ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بين الاسلام والمسلمين )، واستكمال بحوث أخرى مثل ( وعظ السلاطين ) وكتاب ( الحج بين الاسلام والمسلمين ) و الجزء التالى من ( كتاب الصلاة ). والله جل وعلا هو المستعان .

ثالثا :

 1 ـ لقد عاش المسلمون أسوأ عصورهم تحت قهر الاستبداد والفساد والانحلال الخلقى منذ الدولة الأموية وخلافتها الى الدولة العثمانية وخليفتها . وفى كل تلك الدول كانت اللافتة المرفوعة هى الشرع والشريعة ، كانت الشريعة مجرد تعبير شفهى يتم تطبيقه بالظلم فى العصر الأموى ، ثم منذ العصر العباسى تمت صياغة أحكام الشريعة السّنية فى كتب الفقه السّنى النظرى بوجهات نظر مختلفة فى كل كتاب بل فى ربما فى كل صفحة. ولكن ظلّ للقاضى الحق فى أن يحكم برأيه ، أى يكون مشرّعا ينشىء القانون ، ثم فى نفس الجلسة يكون قاضيا يحكم برأيه ، ولا رقيب عليه فيما يقنّن وفيما يفتى وفيما يقضى . ولا يمكن أن يصل فى حكمه الى أسوار القصور الحاكمة بل يطبّق الشريعة السّنية على الرعية فقط  وليس على السلطان أو جوارى السلطان وخصيان السلطان وأزلام السلطان . وقد أوضحنا هذا فى كتاب عن ( نظام القضاء بين الاسلام والمسلمين ) نشرناه على حلقات هنا كالعادة فى نشر كتبنا . ولكن يتبقى أن نبحث تاريخيا أحوال الناس والمجتمع فى ظل تطبيق تلك الشريعة السّنية . يعنى أن نحدد زمانا ومكانا ثم نبحث أحوال الناس الاجتماعية فى ظل تطبيق الشريعة السّنية ، لنرى هل كانوا يعيشون فى عدل وأمن أم كانوا ضحايا الظلم والقهر والاستبداد والتعذيب ..

2 ـ من البداية سيتقافز الخصوم يتهموننا بأننا سنستخدم هذا البحث التاريخى فى تشويه تطبيق الشريعة ، بأن ننتقى سلطانا غشوما وننتقى من الروايات التاريخية ما يحقق هدفنا فى التشويه والتحريف . ولن نردّ بأن أمانة البحث التاريخى هى عقيدة بالنسبة لنا ، وأننا لا ندخل فى بحوثنا القرآنية والتاريخية برأى مسبق ، يكفى أننا نستخدم المصادر التراثية الأصلية وننقل عنها وهى موجودة ومتاحة ، ونتحدى من يردّ علينا فى هذا.

هذه ردود عامة . ولكن الردّ الحقيقى هو فى مجرد عنوان هذا البحث ( المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة فى عصر السلطان قايتباى ). والعنوان الجانبى هو ( دراسة فى كتاب : إنباء الهصر بأبناء العصر ) للمؤرخ القاضى ابن الصيرفى ).

3 لن ننتقى عصر سلطان فاجر ماجن كالخليفة الرشيد والأمين والواثق والمتوكل ..الخ ..أو خليفة أحمق كالمقتدرالعباسى والناصر العباسى ..، ولن ننتقى خليفة دمويا من بنى أمية وولاتهم (كالحجاج )، أو السلاطين الذين كانوا عارا على البشرية مثل سلاطين الأيوبيين من ذرية العادل الأيوبى ، ولن ننتقى جبابرة السلاطين المماليك ، وكلهم جبابرة ـ ما عدا السلطان قايتباى ، أخفهم ظلما ، بل كان موصوفا بأنه ( سلطان عظيم شجاع فارس معدود من الفرسان، دينِّ عفيف الفرج لا يلوط ولا يزني ولا يسكر وله ورد في الليل من صلاة وقيام .). لذا نختار عصر هذا السلطان المتديّن الذى كان يقوم الليل متعبدا ويقرأ الأوراد ، ولا يقع فى الانحلال الذى كان سائدا فى عصره من زنا وشذوذ جنسى و شرب خمر . فى عصر هذا السلطان ( قايتباى ) وصل سلطانه الى تخوم آسيا الصغرى لتشمل الشام وأجزاء من العراق مع الحجاز شرقا الى برقة غربا وشمال السودان جنوبا.

 4 ـ فى بدايته كان قايتباي مملوكا للخوجة محمود فأصبح لقبه ( المحمودي ) واشتراه الأشرف برسباى فأصبح لقبه ( قايتباى المحمودى الأشرفى ) . تقلّب فى المناصب الى أن أصبح أتابك الجيش او القائد العام عام 872 فى سلطنة الظاهر تمربغا . وعزل هذا السلطان وتولى مكانه فى نفس السنة 872 هجرية ، وظل يحكم مدة قياسية فى عصر الدولة المملوكية البرجية وهى 18 عاما الى أن مات عام 901 وتولى ابنه محمد بن قايتباى . اشتهر قايتباى بإقامة العمائر الدينية والحربية والتى لا تزال فخرا للعصر المملوكى بأسره ، ومنها قلعة قايتباى بمدينة الإسكندرية، وقد بدأ بناء هذه القلعة في سنة 882هـ وانتهى من بنائها سنة 884هـ. و من منشئاته : جامع تمراز، جامع أزبك بن تتش، قصر يشبك، مدرسة ومقبرة قايتباى، مدرسة قايتباى في المدينة، وكالة قايتباى بجوار الازهر، سبيل قايتباى، وكالة قايتباى باب النصر والسروجيه، قبة قايتباى،قصر  ومدرسة الروضة، جامع جانم، مدرسة أبوبكر بن مزهر، جامع قجماس، مدرسة أزبك اليوسفى ، ومسجد قايتباى بمدينة الفيوم  ومدرسه بقلعة  الكبش . والطريف أن مسجد قايتباى مطبوع على الجنيه المصرى ، كما أن صورته محفوظة فى أوربا .  

5 ـ أى إخترنا سلطانا عظيما مستقيما فى سلوكه الشخصى حازما مهابا فى الداخل والخارج ، ومهتما بالعدل الى درجة أنه كان يباشر القضاء بنفسه حين أحس بظلم وجور القضاة .  فكيف كان حال المجتمع المصرى فى ظل تطبيق هذا السلطان للشريعة السّنية ؟ فمن أين نستقى تايخ عصره ؟

رابعا :

1  ـ عاش فى عصر هذا السلطان مؤرخون مشاهير منهم أبو المحاسن بن تغرى بردى والسخاوى وابن اياس والصيرفى ( على بن داود) . ولقد أخترنا منهم ابن الصيرفى فى كتابه ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) للأسباب التالية : أن هذا المؤرخ عاش شاهدا على عصر قايتباى ، وعمل قاضيا يرى السلطان فى مطلع كل شهر، وكان وثيق الصلة بابن مزهر الأنصارى كاتب السّر للسلطان ، أى كاتم أسرار السلطان وسكرتيره الخاص والذى يقوم عنه بكتابة المراسلات للخارج والداخل. أى إن عمله كقاضى يجعله متفاعلا مع الشارع والناس ، مع صلته بالبلاط المملوكى . فهو مؤرخ ينقل أخبار عصره من مصادرها الأصلية ، خصوصا مجتمع الفقهاء والقضاة والمماليك بل والطبقات الشعبية التى  كان يحتكّ بها بطبيعة عمله . لم يكن ابن الصيرفى فقيها حاد الطبع متقوقعا مثل السخاوى ، ولم يكن من أصول ارستقراطية مملوكية مثل ابن اياس وابى المحاسن ، بل كان مصريا صميما يعبر عن طبقة الموظفين المصريين من خدم السلطة العسكرية المملوكية . ولأنه موظف غير متفرّغ للكتابة فلم يكن غزير الانتاج كغيره من الفقهاء والمؤرخين ، فأهم ما تركه ( نزهة النفوس والأبدان ) الذى ينقل فيه تاريخ السابقين ، ثم هذا الكتاب ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) الذى يسجل فيه تاريخ عصره من واقع المشاهدة والمعاين يوما بيوم . أى لن ندخل فى خضم روايات تاريخية مختلفة لمؤرخين مختلفين فى تسجيل أحوال المجتمع المصرى فى هذه الفترة ، بل نركّز على مؤرخ وحيد شاهد على العصر وثيق الصلة بموضوعنا عن تطبيق الشريعة فى عصره ، حيث كان بحكم عمله يقوم بتطبيق هذه الشريعة .

 2 ـ وقد قام د . حسن حبشى بتحقيق أهم أجزاء كتاب (إنباء الهصر بأبناء العصر ) ، فقد ضاعت بعض أجزائه ، وقد غطّي الجزء المحقق من كتاب (الهصر) سبع سنوات فقط من عصر السلطان قايتباى، هى التى نعتمد عليها . وهى فترة اتسمت بقلة المصادر التاريخية التى عاصرت أحداثها مما يجعل لكتاب الهصر أهمية خاصة وهو يؤرخ لهذه السنوات باليوم والشهر،ويورد كل التفصيلات من موقع المشاهدة والمعاينة والمعاصرة والتفاعل مع الأحداث والمشاركة فيها، فقد كان ابن الصيرفي مصرياً صميماً اختلط الناس وعايشهم ومارس التجارة وعاش في الأسواق ثم اندرج في سلك الفقهاء والقضاة وخالط أرباب الحكم والجاه ومن موقعه بين الحكام والمحكومين سجل ما رآه وما عايشه فجاء تاريخه وثيقة حية لفترة غامضة من تاريخ المجتمع المصري في العصر الوسيط.

3 ـ وقد نشرنا هذا البحث فى سلاسل مقالات ، والآن نقدمها كتابا متكاملا لمن أرد العظة والعبرة ...والمعرفة ..

4 ـ هذا ما نستطيع تقديمه لمصر فى محنتها .. لعلّ وعسى .!!

 

 

المقدمة الثانية

 

1 ـ ليسمح لى القارئ العزيز أن نقرأ معاً تاريخ أجدادنا المصريين منذ خمسمائة عام تقريباً وأن نصطحب في هذه الجولة الشيخ المؤرخ القاضى ابن الصيرفي، وهو ابن البلد الذى واتاه الخط فدخل في زمرة الحكام وصار يدخل على السلطان، وتأرجح بين ولائه لولى نعمته السلطان قايتباى وبين معاناته من الظلم الذى عانى منه الشعب ووصل إلى أرباب الوظائف وهو منهم. وليسمح لى القارئ ونحن نقرأ معاً هذه الجولة أن أتخفف قليلاً من الأسلوب العلمى المتخصص أو المتجهم وأن أخلع رداء الباحث لأرتدي بدلاً منه رداء السائح، وليغفر لى القارئ العزيز إذا ضحكت أو سخرت أو إذا غضبت أو صرخت، فأمام تاريخ أجدادنا لا أملك فضيلة الحياد فنحن مع معاناتهم وآهاتهم على ميعاد، وأنا واثق تمام الثقة أن القارئ سيشاركني نفس الشعور وسيقاسمني الغضب والسخرية والعتب.

2 ـ في الستينيات حين كنا نعيش الأحلام والمبادئ العظام دخلت إحدى دور السينما ومعى عمتى ، وكانت يرحمها الله ترى الشاشة لأول مرة بعد عمر تعدى الستين عاماً وجلست معى مبهورة تشاهد فيلماً عن رعاة البقر لا تفهم شيئاً من أحداثه، وإن كانت تتجاوب مع المناظر التى تراها بحسها الإنساني ووجدانها الذى يمتد سبعة آلاف عام من الحضارة.  ولا أنسي هذا الدرس الذى تعلمته منها، كنت أصيح بإعجاب طفولى حين طعن هندي أحمر جندياً أمريكياً أبيض، ورأيت في تلك الطعنة في ذلك المشهد السينمائى انتصاراً لكل شعوب العالم الثالث التى أرهقها الاستعمار الأبيض وفي مقدمته أمريكا الإمبريالية. وانتظرت أن تشاركنى عمتى نفس الشعور ولكنى فوجئت بها تتوقف عن متابعة الفيلم وتبكى لأول حادثة تراها على الشاشة، وتوقفت عن الصياح وسألتها عن سبب البكاء، ففوجئت بها تقول: هذا الشاب المقتول أليس له زوجة! أليس له أولاد؟ أليست له والدة تلطم خديها على شبابه؟ يا ترى ماذا سيفعل هؤلاء بعد موته بعيداً عن أهله؟.

وبدأ لى الأمر مضحكاً، ولكن دموعها صدت نفسي عن الانبهار بالفيلم، وأخذتني إلى التفكير فيما أثارته عمتى من ملاحظات عفوية. وفيما بعد أخذنى التفكير إلى قضية أعم وأرحب، فعلاً هذا الجندي الأبيض مظلوم، ومثله ذلك الهندي الأحمر الذى قتله. كل أولئك الجنود الذين ينفذون الأوامر بالقتال ويموتون في ساحة الوعي ماذا يكسبون؟ لا شيء. أن الذين يربحون هم أولئك السادة الذين يملكون القرار في مقاعدهم الوثيرة وفي حياتهم المترفة ،  ثم يأتى التاريخ ولا يتذكر ذلك الجندى المسكين القتيل ولا ما تركه خلفه من أرملة وأم ثكلى وأولاد أيتام، كل ذلك يضيع، ولا يبقي من ذلك الجندي القتيل إلا مجرد رقم في عدد القتلى في المعركة، وربما يكون العدد الحقيقي للقتلى أكبر من الأرقام المعلنة، ومعناه أن ذلك الجندي يموت بلا رقم! . ثم لا يأبه به التاريخ ولا حتى بالشعب الذى أنجبه لأن التاريخ يدور دائماً حول أولئك السادة من الحكام الذين يملكون القرار ويتصرفون في مصائر الشعوب بالنيابة عنهم، ويأمرون زهرة شباب الشعوب بالموت دفاعاً عن شعارات ضخمة فيموتون، وعندما ينتصرون فإن شرف الانتصار يكون من حق الحاكم وحده، وربما يتعطف ذلك الحاكم فيقيم نصباً من حجارة لأولئك الجنود المساكين الذين أضاعوا حياتهم سدى وتركوا خلفهم قصصاً مؤلمة لآلاف العائلات ما بين أرامل وأيتام.. وربما يأتى المؤرخ ليشيد بذلك الحاكم إعجاباً لأنه وضع أكاليلاً من الزهور الصفراء أمام عدسات المصورين أمام النصب التذكاري، ولا عزاء للمساكين من اليتامي والمحرومين. ويستأنف التاريخ نفاق الحاكم المستبد وتسجيل دقائق حياته الظاهرة، و يرفع الحاكم المستبد الذى هو خائن لشعبه إلى درجة القديسين ، ويدافع عن أعوانه من الظلمة والمرتشين.

3 ـ ومنذ أن تخصصت في التاريخ وأنا لا أنسى هذا الدرس من عمتي، ودائما أبحث بين سطوره عن الأبطال المجهولين وعوام الشعب الذى يصنعون التاريخ الحقيقي ، وأرى أن مهمة الباحث التاريخي ينبغى أن تكون كذلك لتوضيح ما خفي ولتسجيل تاريخ أجدادناً الحقيقى من فلاحين وأرباب حرف وزعر وحرافيش وعوام وجنود ، فهم المصريون الحقيقيون الذين عملوا وانتجوا والسياط فوق ظهورهم، وبذلك يمكن أن نجبر النقص في أعمال المؤرخين السابقين الذين داروا حول الحكام وأهملوا المحكومين إلا قليلاً، وهى سقطة هائلة لم ينج منها مؤرخو عصرنا الراهن.

4 ـ ثم أرانى مضطر لتقديم اعتذار لعمتى، فكم كنت أتمني أن أبدأ هذا الفصل بالحديث عن أجدادنا المحكومين، لولا أن مؤرخنا الصيرفي الذى نعتمد عليه في التاريخ وضع السلطان وحاشيته نصب عينيه ومن خلال ذلك نظر أحياناً إلى عوام الشعب، ولأنه المصدر التاريخي الذى نأخذ عنه فالمنهج العلمى يقتضى مسايرته.. ثم كان الشعب نفسه يدور حول السلطان ويدعو له بالنصر مهما فعل ولا يزال.

سامحيني يا عمتي....

أولا :

وبعد ..!! لنتأهّب لنعيش فى قراءة متخصصة نقدية لكتاب ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) للمؤرخ إبن الصيرفى لاستخلاص ما جاء فى هذا الكتاب عن أحوال المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر السلطان قايتباى . لقد كتب ابن الصيرفى تاريخ الهصر ليعطى أحداث عصره باليوم لكل عام وحول . لم يقصد أن يسجل الأحوال الاجتماعية ، بل مجرد تسجيل الأحداث اليومية المتنوعة والتى يراها هامة تستحق التسجيل . ووظيفتنا فى هذا البحث هو إستنطاق تاريخ الهصر لنتعرف منه على حال المصريين فى ظل تطبيق الشريعة السّنية من خلال عشرات الآلاف من الأحداث التى سردها ابن الصيرفى.

ومنهجنا هنا هو الالتزام بعنوان هذا البحث ، وهذا يعنى الآتى :

1 :  لن نتعرض لماهية الشريعة السّنية وأحكامها وكتب الفقه السّنى والأحاديث التى كانت مطبقة أو غير مطبقة فى هذا العصر ، فالفارق هائل بين أحكام الفقه النظرية والتطبيقات التى كان يحكم بها قضاة الشرع السّنى ، فالقاضى إذا كان مالكيا أو حنفيا أو شافعيا أو حنبليا لا يلتزم بمذهبه الفقهى إلا ظاهريا ، وكان فى الواقع يحكم بما يرتئيه وبما يراه ويحلو له إذ كان يلعب دور المشرّع الذى يخترع القانون ، ثم القاضى الذى يحكم به فى نفس الوقت ، وإذا عوتب قال مقالة القاضى المؤرخ ابن الصيرفى : ( هذا على مذهبى ) ، ولديه العذر ، إذ لم يكن هناك قانون موحد محدد بمواد وفقرات مرقّمة، بل مئات الألوف من الأحكام الفقهية المتضاربة فى المذهب الواحد،ومئات الآراء المختلفة فى القضية الواحدة. وهذه المتاهات ليست مجالنا هنا.

2 ـ لن نتعرض للنظام القضائى فى العصر المملوكى ، والذى كان سائدا فى عصر السلطان قايتباى ، ولقد عرضنا فى كتاب لنا منشور وسبق نشره فى سلاسل مقالات عن التعارض بين الاسلام والمسلمين فى نظام القضاء ، وجاءت فيه لفتة عن عصر قايتباى . التعرض للنظام  القضائى فى عصر قايتباى يخرج عن موضوع الكتاب الذى يقتصر على تسجيل أحوال المجتمع فى ظل هذا التطبيق للشريعة السّنية دون الدخول فى آلية النظام القضائى ورسومه. أى بعيدا عن كل الشعارات يهمنا الخلاصة والنتيجة ، وهى أحوال الناس ، وهل تمتعوا بالعدل أم عانوا من الظلم .

 3 : وفى تسجيلنا لأحوال المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة السّنية فى عصر قايتباى سنلتزم فقط بما أورده المؤرخ القاضى ابن الصيرفى فى تاريخ ( الهصر ) ، بمعنى : أننا لن نلجأ لمؤرخين آخرين ممن سجلوا أحداث نفس العصر مثل أبى المحاسن والسخاوى و إبن إياس ، إلّا عند الضرورة ، فيما يستلزم التوضيح لحادث أورده مؤرخنا إبن الصيرفى ، وبمعنى أننا لن نفرض أمانينا على مؤرخنا إبن الصيرفى وكتابه (الهصر)، فالعادة أن المؤرخ الحولى الذى يسجل أحداث عصره بالعام والحول ، لا يستطيع أن يسجل إلّا ما يصل اليه العلم به ، أى تظل هناك آلاف الأحداث التى لايسجلها . وبالتالى لن نستخلص كل أحوال المجتمع المصرى فى هذا الوقت، ولن نسائل ابن الصيرفى لماذ أهمل هذا أو لماذا ترك ذاك . نستخلص أحوال المجتمع المصرى من خلال ما ذكره فقط . ونسكت عما سكت هو عنه .

 ثانيا

وعليه فسنتعرض لأحوال المجتمع المصرى طبق ما جاء فى تاريخ ( الهصر ) فى بابين .

1 ـ يبحث الباب الأول  طوائف المجتمع المصري في ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر السلطان قايتباى    فى النواحى التالية :  لمحة عن مجتمع المماليك ، وكيف كان يجدد دماءه باستمرار باستقدام مماليك جدد ، ولم يعد هذا متقيدا باستقدام مماليك من الأطفال ثم تنشئتهم وتدريبهم كما كان يحدث من قبل بل أصبح يؤتى بالرقيق من الشباب والرجال ، وأحيانا يختارون الاسترقاق على أمل الوصول للحكم فى مصر ، وهو ما كان يعرف بالمماليك الجلبان ، ثم هناك ذرية وأبناء المماليك الأحرار المولودين فى مصر ، ممن كان يطلق عليهم ( أولاد الناس ) ومنهم ابن إياس وأبو المحاسن ، وأهم الوظائف المملوكية، وأثر التقلبات السياسية فى ظهور نوعيات : (المماليك البطالون)و(الأمير الطرخان ) والسلطان المملوكى السابق المعزول . وعن المماليك وتطبيق الشريعة فى المجتمع المصرى فى عصر قايتباى ، فى موضوعات : القسوة أسلوب التعامل في مجتمع المماليك ، المماليك يضربون كبار الموظفين المصريين ، أنين الشعب من قسوة المماليك ، المحتسب المملوكي وظلمه لأهل القاهرة . وعن السلطان قايتباى فى تطبيقه العملى للشريعة السنية بعيدا عن الشعارات والنصوص الفقهية ، وشخصية قايتباى بين التدين والظلم والجشع ، ومظالمه حين كان يصادر التركات ويأكل أموال اليتامي ويصادر أموال الأحياء . وتطبيق  شريعة السجن والتعذيب ، وسجن الضحية للحصول على أمواله ، وإستغلال التعذيب لاستخلاص الأموال ، وتنوع العقاب للضحية من العزل عن الوظيفة مع المصادرة والتعذيب ، وأثر التعذيب فى خوف الموظفين من مقابلة قايتباى المشهور بالورع والتقوى . ثم تفنن المماليك في التعذيب ، من التعذيب بالضرب ، وعقوبة كشف الرأس، وعقوبات الشّيّ بالنار والسلخ والتشهير ، وطريقة المماليك فى القتل بالتوسيط ، وعقوبة قطع الخصيتين . وأحوال السجون والمساجين في عصر قايتباى ، واستغلال المساجين فى التسول فى الشوارع وفرض ضريبة يومية عليهم وإلا فالعقوبة تنتظرهم ، مما يجعل بعض المساجين يفضل الانتحار أو الهرب خوف تكرار التعذيب .! ثم أحوال مجتمع أرباب الوظائف القائمين بتطبيق الشريعة فى عصر قايتباى ، وأنواع الوظائف وإغتصاب العسكر المماليك لبعض الوظائف المدنية ، وأهم الوظائف في العصر المملوكي مثل القضاء والوزارة وبقية الوظائف الديوانية ، وأحوال أرباب الوظائف مع التقلبات السياسية ومرتباتهم والأزمة الاقتصادية لأرباب الوظائف سنة 873هـ . ثم لمحة عن كبار أرباب الوظائف الديوانية فى عصر قايتباى ، مثل الوزير قاسم جغيته وموسى بن غريب الاستادار ، وكيف كان السلطان الورع يتنزه مع أرباب الوظائف الظلمة ومنهم ابن البقري . وظلم كبار الموظفين وسرقاتهم من الشعب وكيف إبتدع المصريون وسائل ساذجة لمقاومة الظلم المملوكى الذى يتخفى بالشريعة . ثم أحوال علماء الدين القائمين  بتطبيق الشريعة فى عصر قايتباى ، من حيث المستوى العلمى ، وطرق الوصول للمناصب ، بالمحسوبية والصلة بالمماليك وبالرشاوى وبشراء المناصب أووراثة المناصب بغض النظرعن الكفاءة ، وتحليل مستوى قضاة الشريعة فى عصر قايتباى بين الظلم والجهل ، حيث كانت وظيفة القاضى هى الظلم وليس العدل ، مما جعل قايتباى يحتقر شيوخ القضاء ، بل قام بعزلهم جميعا وتصدى للقضاء بين الناس بنفسه .!! ثم    أخوال عوام الشعب المصرى  فى ظل تطبيق الشريعة فى عصر قايتباى ، ونظرة المؤرخ ابن الصيرفي الظالمة لهم نفاقا للسلطان ، وموقف العوام من السلطة ، وحب العوام للسلطان قايتباى ، ورفض طوائف من العوام للظلم ، ووصول بعض العوام لمناصب عليا، وإستغلال العوام للإشاعات كتعبير سياسى.  وأحوال أهل الكتاب فى ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر قايتباى ، من حيث المناصب ، والتعصب ضد أهل الكتاب . ثم فكرة عن الأعراب فى ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر قايتباى ، و بداية الصراع بين الأعراب والمماليك ، وأهم القبائل الأعرابية الثائرة في عصر قايتباى . ثم معاناة أهل الريف فى ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر قايتباى ، وكيف كان الريف المصري مسرح الصراع بين المماليك والأعراب ، وأحوال أهل الريف البائسة وإحتقار المماليك للفلاح المصري ، وإرهابهم له ، وبعض إصلاحات قايتباى للريف ، وكيف كان قايتباى يتنزه في الريف فيزيد من معاناة أهله ، وبعض الأعراب الذين كانوا يسرقون الريف بمباركة المماليك ، وأرباب الوظائف ونهبهم الريف وظلمهم للفلاحين ، و قضاة الظلم في الريف ، ومقاومة الفلاحين للظلم ، ودخولهم السجن ، وكيف أدى الظلم الى هروب بعض الفلاحين من الريف الى القاهرة ، بل ووصل بعضهم الى المناصب. وينتهى بهذا الباب الأول .

2 ـ يدور الباب الثانى حول أحوال الشارع المصري في ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر السلطان قايتباى . مع أحوال السلطان وأخباره الشخصية ، من نزهات السلطان ولعبه بالكرة ، ومرضه، واللباس الرسمى للسلطان للشتاء والصيف ، وحضور السلطان حفلات الزفاف والميلاد، وأخبار أخرى للسلطان أوردها مؤرخنا ابن الصيرفى الذى كان يسجل كل صغيرة وكبيرة يعرفها عن مولاه السلطان . ثم المظاهر الاجتماعية للمصريين فى ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر قايتباى ، من المنتزهات ، وطقوس الجنازات والنعي ، والجنازات للأغنياء وللفقراء ( جنازة حافلة أو جنازة بالفقيرى) والعادات فيها من الإشادة بمحاسن الميت، والمبالغة في الحزن على المتوفى وماقد يحدث لأولاد المتوفي . والفضائح الخلقية فى ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر السلطان قايتباى من خلال أخبار العلاقات الاجتماعية بين المماليك والشعب كعلاقات المصاهرة ، وقصص الحب والغرام المشهورة وقتها التى إستحقت أن يسجلها ابن الصيرفى ، وعلاقة بعض المماليك ببعض العوام . ومنتزهات المصريين على نهر النيل وقتها فى ظل تطبيق الشريعة والأخبار المتعلقة بالنيل ، وعيد وفاء النيل وطقوس موكب وفاء النيل و أخبار زيادة النيل ونقصانه ، وتوارث عائلة أبى الرداد لوظيفة أمين النيل لعدة قرون ، والانحلال الخلقي عند زيادة النيل ، وإنشاء سدود على النيل ، وغرام المصريين بالبناء والسكني على النيل . ثم الكوارث التى حدثت للمصريين وقتها ، وكانت معتادة فى العصور الوسطى مثل وباء الطاعون و أخبار الغلاء والأسعار ، وقد يصاحب الغلاء الطاعون مع مصائب أخرى، ويعرض لأسباب متنوعة للغلاء، وأنواع الطعام وأسعارها سنة 873هـ ، وأثر  نقص النيل  فى ارتفاع الأسعار، واستمرار الغلاء بسبب حمق المحتسب يشبك ، مما جعل قايتباى يفرض التسعيرة ويصلح الحال.  ثم الاحتفالات الدينية فى ظل تطبيق الشريعة فى عصر قايتباى ، وأخبار المناسبات الدينية ، و تحديد المناسبات برؤية الهلال ، وقيام القضاة بتأخير أو تقديم رؤية الهلال نفاقا للسلطان ومظاهر الاحتفال بعيد الفطر وعيد الأضحى ، وكيف كانت التبرعات لا تصل إلى مستحقيها، ثم طقوس الاحتفال السلطانى بالمولد النبوي السلطانى، ودوران المحمل بكسوة الكعبة.ثم تقديس البخارى المصدر الأساس للشريعة فى عصر قايتباى،من خلال ( ميعاد البخاري )،وبداية الاحتفال بميعاد البخارى ، والمشاجرات بين العلماء في ميعاد البخارى ، ومراسيم ميعاد البخارى في عصر قايتباى . ثم لمحة عن   الغرائب والمعتقدات والفواجع التى كانت من ملامح المجتمع المصرى وقتها ، منها الاعتقاد فى التفاؤل والتشاؤم ، وغارات الفرنجة البحرية على الموانى المصرية.ثمصحيفة الأحوال الجنائية للمجتمع المصرى وقتها ، من تقرير بأخبار الجرائم عموما ، وبالأخص جرائم السرقة والسرقة مع القتل ،والقتل وحده، وجرائم قتل غامضة ، ومنها ما يمكن تسميته ب ( ريا وسكينة في العصر المملوكي). ثم أخبار المشايخ وصحيفتهم الجنائية ، تحت عناوين : انحرافات المشايخ وما ترتب عليها ، عقوبات تعرض لها الأشياخ ، صراعات المشايخ فيما بينهم. ثم (كائنة الشيخ البقاعي )، ذلك الحدث الذى هزّ الركود فى الربع الأخير من القرن التاسع الهجرى .. وفى النهاية خاتمة البحث . والله جل وعلا هو المستعان .

السطر الأخير

نهدى آلام المصريين فى هذا العصر للمخدوعين فى عصرنا بشعار تطبيق الشريعة ..السّنية ..

والله جلّ وعلا هو المستعان

أحمد صبحى منصور

سبرنج فيلد فيرجينيا ، الولايات المتحدة .

فى اكتوبر 2012 

كتاب ( المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة السّنية فى عصر السلطان قايتباى):
كتاب ( المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة السّنية فى عصر السلطان قايتباى):در اسة فى كتاب ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) للمؤرخ القاضى ابن الصيرفى .

قراءة متخصصة نقدية لكتاب ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) للمؤرخ إبن الصيرفى لاستخلاص ما جاء فى هذا الكتاب عن أحوال المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر السلطان قايتباى . لقد كتب ابن الصيرفى ( تاريخ الهصر) ليعطى أحداث عصره باليوم لكل عام وحول . لم يقصد أن يسجل الأحوال الاجتماعية ، بل مجرد تسجيل الأحداث اليومية المتنوعة والتى يراها هامة تستحق التسجيل . ووظيفتنا فى هذا البحث هو إستنطاق تاريخ الهصر لنتعرف منه على حال المصريين فى ظل تطبيق الشريعة السّنية من خلال
more