رقم ( 1 )
مقدمة

مقدمة:
فى أواخر القرن الماضى قررت تأليف كتاب كامل عن المعارضة السنية السعودية فى القرن العشرين. يبحثها اصوليا وتاريخيا : يبدأ بالمعارضة التى قام بها الأخوان ــ أولئك الذين اسهموا مع عبد العزيز فى اقامة الدولة السعودية الثالثة ثم ثاروا عليه فأخمد ثورتهم ، ثم حركة المعارضة السلمية لناصر السعيد فى عهد الملك سعود ، وحركة جهيمان العتيبى فى عهد الملك خالد . وأخيرا الحركة المعاصرة التى قامت بها اللجنة الشرعية وانتقلت الى لندن بزعامة المسعرى والفقيه قبل انفصالهما. وهى الحركة التى انجبت اسامة بن لادن. 
أنهيت هذا الكتاب مع نهاية سنة 2000 . ولا يزال مخطوطا .
خرجت منه بنتائج شتى منها ما قد يفيد الدولة السعودية اذا أرادت انقاذ نفسها بالاصلاح قبل فوات الأوان ، ومنها ما يفيد فى مواجهة التطرف فكريا و سلميا. 
على أن الجائزة الكبرى التى سعدت بها هى تعرفى من خلال البحث على شخصية ناصر السعيد ابن مدينة حائل وابن اقليم شمر فى نجد ، ولهذا أبادر بنشر ما كتبته عنه الآن بعد هذه المقدمة.
قلما تعجبنى احدى الشخصيات التاريخية التى أبحثها متوغلا فى فحص ظروفها الانسانية والمكانية والزمانية. وعموما فالباحث التاريخى العادى لا بد له من التوازن باظهار الجوانب السيئة والخيّرة فى الشخصيات التى يبحثها. الا أن المؤرخ المنشغل بالاصلاح هو كالطبيب الذى يعالج المرضى فقط دون الأصحاء . لذا تراه عادة ما ينكب على بحث " السيئات" أو المثالب لأن هذا مجال عمله ، فالمثالب والعيوب فقط هى التى تتطلب الاصلاح وليست النواحى الصالحة المضيئة. والعادة أن يوجد هذا الباحث المنشغل بالاصلاح فى عصر يتحول فيه التأريخ للسابقين الى مدح وتمجيد وتركيز على المناقب فقط ، لذا يكون وجوده ضروريا ليتخصص فى بحث الجانب المظلم والمجهول كى نتعلم الحقائق المجهولة والمسكوت عنها ونستفيد منها فى حاضرنا، واكثر من ذلك كى نقيم ميزان العدل فى التأريخ بحيث تتضح للناس المناقب والمساوىء معا تأكيدا على بشرية الزعماء والأبطال. 
المؤلم ان أغلب الشخصيات التاريخية المشهورة بل والمقدسة - لدى مثقفي العوام وبعض الكتاب من أنصاف المتعلمين ـ ليسوا فى الحقيقة التاريخية الا معتوهين أوأفاقين نصابين اومنحلين خلقيا وشاذين جنسيا أو لئاما وأنذالا بكل المقاييس. وفى نفس الوقت تجد شخصيات نبيلة محترمة لم تأخذ حقها من الشهرة أو من التكريم . ظلمهم المجتمع فى حياتهم ثم سكت التاريخ عن انصافهم بعد مماتهم فلم يعطهم الا الفتات فى أفضل الحالات، وفى أغلبها ردد عنهم الشائعات التى تستهلك جهدا ووقتا من الباحثين المنصفين ليزيلوا ركامها وينصفوا المظلوم النبيل البرىء منها. هذا لأن التاريخ عندنا لا يزال عاهرة ترقص فى مواكب السلطان تدعو له بالنصر . ولهذا لا يستجاب لها الدعاء !!. 
كان كتابى عن المعارضة السعودية يؤرخ ويحلل لاساطين الوهابية السعودية فى الدولة وفى الدعوة، فى الحكم وفى المعارضة معا فى اتفاقهم واصطراعهم . كان يجيب على سؤال طرحته على نفسى وخصصت الكتاب للاجابة عليه. السؤال يقول: لماذا يختلف المعارضون الوهابيون مع دولتهم السعودية الوهابية وهم معا ينتمون لنفس المذهب السنى والفرقة الحنبلية والاتجاه التيمى ـ نسبة لابن تيمية ـ والدعوة الوهابية ؟
أجاب البحث على السؤال فى دراسة تاريخية اصولية تحليلية تقع فى 471 صفحة بدون الملاحق. أكد فيها أن تاريخ السعودية المعاصرفى أغلبه ليس الا تكرارا لتاريخ "نجد " الدموى والمتزمت زمت فى العصور الوسطى الظلامية الذى اعتدت تحليل ومناقشة أحداثه وتفاهاته وصغاره برغم هالات الزعامات المزيفة والأسماء الكبرى المقدسة أو التى فى طريقها الى مصانع التقديس والتزييف. 
ذلك ما برعنا فيه نحن العرب المسلمين وتفوقنا فيه على العالمين حتى عبدنا ما زيفناه وصدقنا ما افتريناه ، وكررنا ما كان قوم ابراهيم يفعلونه حين كانوا يصنعون الصنم ثم يعبدونه ويذيعون الافك ثم يصدقونه ، فقال لهم ابراهيم عليه السلام :": أئفكا آلهة دون الله تريدون " وقال لهم :" أتعبدون ما تنحتون ؟ " الصافات 86 ،95"وقال لهم: " انما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون افكا ".العنكبوت 17".

أراحنى واسعدنى فى بحثى للمعارضة السعودية أن وجدت بين كل أولئك البشر رجلا رشيدا ، ذكرنى بحسرة النبى لوط عليه السلام حين قال لقومه المصابين بالشذوذ الجنسى ": أليس منكم رجل رشيد "؟" هود 78 ". لم يجد لوط عليه السلام رجلا رشيدا فى قومه ولكننى وجدت ـ بعد عناء ـ رجلا رشيدا وعظيما فى نفس الوقت . انه ابن حائل وابن شمر المناضل المسالم : ناصر السعيد. 

أحببت هذه الشخصية وتعاطفت معها فى نضالها السلمى أمام خصوم لا يعرفون ولا يحترمون الا منطق القوة . القوة عندهم هى الحق. لذلك يصلون للقوة بتزييف الحق والوعى ، وما يحصلون عليه بالقوة الغاشمة يصير حقا لهم بقوة السيف . انه منطق الجاهلية الصحراوية الذى جاء خاتم النبيين محمد عليه السلام ليقضى عليه فكان أن عاد نفس المنطق الصحراوى سريعا مسلحا بأكاذيب دينية شتى ليحارب الاسلام مستخدما اسم الاسلام، ولتتحول فيه شخصية النبى محمد الذى أرسله الله تعالى رحمة للعالمين ، ليصبح فى أكاذيبهم مبعوثا بالسيف لقتل الآخرين ، وجاءت الوهابية فى عصرنا تعيد هذا التاريخ منتحلة اسم الاسلام العظيم تنشر تحت لوائه التعصب والتطرف والارهاب. 
فى المواجهة وقف ناصر السعيد مسلحا بفطرة اسلامية نقية وبايمان بقيمة العدل الاسلامية التى لا تزال مغيبة ومشوهة بمتون الفقه التراثى . مع العدل انحاز الى الاصلاح السلمى دون غيره، فوقف داعية لاصلاح الدولة السعودية من الداخل بأن يقوم الحكام انفسهم باصلاح انفسهم بدلا من قيام ثورة قد لا تبقى ولا تذر. وكانت النتيجة أن تسجنه وتطارده ثم تغتاله الأسرة التى حاول اصلاحها سلميا من الداخل .
جاء ناصر السعيد ـ رحمه الله تعالى ـ بين حركتين للمعارضة السنية الوهابية ضد الدولة السعودية الوهابية ـ الاخوان من قبله وجهيمان العتيبى من بعده ـ كلتاهما سفكت الدماء وانتهكت الحرمات . ثم نحظى الآن والعالم كله معنا بالمعارضة السعوديةالوهابية الراهنة تهدد العالم كله مع مطلع هذا القرن الحادى والعشرين ، لتؤكد ان البلاء فى داخل العقيدة الوهابية ذاتها ولا بد من نفيها الى التاريخ المظلم الذى جاءت منه واصلاح الدولة السعودية من الداخل بالاسلام الذى هو صالح لكل زمان ومكان- هذا اذا اردنا اصلاحا سلميا.

هذا ما كان ابن حائل العظيم ـ ناصر السعيد ـ يدعو اليه ويعانى من أجله فلم يلتفت اليه الأغبياء الذين لا يزالون فى غيهم يعمهون ، وسيظلون هكذا الى ان تفرض عليهم سيدتهم أمريكا الاصلاح، أو الى أن تزول دولتهم وتعود الى متحف التاريخ مثل شقيقتيها السابقتين الدولة السعودية الأولى والثانية .
كنت أحترق وانا أكتب هذا الفصل من الكتاب عن ناصر السعيد . كنت اكتم اعجابى به . اذ أن المنهج العلمى التاريخى يفرض على قلمى الألتزام التام بالحياد تاركا للقارىء أن يكون رأيه بنفسه . كان الضحية المسالم يتوجع أمامى بين السطورفى مواجهة الطغيان المسلح، الا أن المنهج العلمى البارد يتطلب الحياد حتى فى الصراع غيرالمتكافىء بين الطرفين .
ألان بعد الكتابة المحايدة استطيع أن اعلن رأييى الشخصى كما اشاء فى هذه المقدمة . أقولها عن دراسة وعلم وتخصص فى تاريخ المسلمين من بدايته الى الآن : ان ناصر السعيد أعظم شخصية انجبتها الجزيرة العربية طيلة تاريخها منذ العصر الأموى حتى الآن .وانه – كمصلح مسالم - أعظم من أنجبته منطقة "نجد " الدموية طيلة تاريخها ، وانه يحق لابناء حائل وشمر أن يفخروابه ، وأن من واجبه عليهم أن يعطوه حقه من التكريم وأن يخلدوا اسمه ما استطاعوا الى ذلك سبيلا. ان تعذر عليهم اطلاق اسمه على الشوارع والميادين والمدارس والمتاجر ففى الفضاء الفسيح متسع لهم حيث لا سيطرة لآل سعود . يمكنكم أن تعطوه بعض حقه على الآنترنت ، فى مواقع تنشر مؤلفاته وتسجل كل تراثه وتاريخه الشخصى، وابحاث تناقش آراءه وتصل بها الى كل المراكز العلمية والبحثية تعرفها به وبجهاده وباسبقيته فى الدعوة للاصلاح السلمى وامكانية الاستفادة برؤاه الاصلاحية حتى الآن حين أصبح اصلاح الشرق الأوسط مهمة دولية وانسانية.
ان هناك وجهتا نظر فى تحديد العظمة.
يرى البعض العظمة فى النجاح السياسى وفق معايير السياسة القائمة على المنفعة وتأسيس السلطان أوالوصول للسلطة والانتصار على الخصوم. ينطبق هذا على سائر منشئى الدول فى التاريخ ، والمحاربين " العظماء" من تحتمس الثالث ورمسيس الثانى وقمبيز ويوليوس قيصروهرقل وأبى بكر وعمر ومعاوية وعبد الملك بن مروان وعبد الرحمن الداخل "صقر قريش"وابن طولون والاخشيد والمعز لدين الله الفاطمى وقطز وبيبرس وجنكيزخان وهولاكو وخوارزم شاه وطغرل بك و الشاه اسماعيل الصفوى وأتيلا وتيمورلنك ومحمد الفاتح العثمانى والسلطان سليم الأول ومحمد على باشا ونابليون وبسمارك وهتلر وموسولينى وتشرشل ولينين وستالين وعبد الناصر..و عبد العزيز آل سعود. 
لكنها عظمة قامت على دماء ملايين الضحايا الأبرياء وصرخات ملايين الأطفال والأرامل . عظمة قامت على القتل والسلب والنهب والتدميرفى سبيل شخص واحد أو قبيلة واحدة.. ظلم ما بعده ظلم ، وليست هناك عظمة فى الظلم ولا ينبغى ان تكون.!! 
ويرى البعض الاخر – وأنا منهم – أن العظمة الحقيقية هى العظمة الانسانية الأخلاقية التى تقف مع الحق والخير والسلام . رواد العظمة بهذا المفهوم هم الأنبياء صفوة البشر ، ثم أمثلة مضيئة بعطائها فى كل زمان ومكان، من عمر بن عبد العزيز الى الحسن البصرى و سعيد بن جبير وأبى حنيفة فى العصور الوسطى الى غاندى ومارتن لوثر كنج ومانديلا وناصر السعيد فى عصرنا الراهن .
ما كتبه ناصر السعيد فى اصلاح الدولة السعودية هو أساس الاصلاح لهذه الدولة، وقد ماطلت فى تنفيذه فتسببت فى مقتل مئات الألوف من البشر. تلامذة ناصر السعيد اليوم هم: متروك الفالح والدمامينى والحامد وغيرهم . هم زعماء الاصلاح الحقيقيون اليوم فى السعودية والذين حكم النظام السعودى بسجنهم لمناداتهم بالملكية الدستورية ثم قام الملك عبد الله بن عبد العزيز باطلاق سراحهم أخيرا ليعطى بارقة أمل فى توجه اصلاحى نرجو له أن يستمر. 
أمام الملك عبد الله السعودى فرصة تاريخية الآن ليكفر عن خطايا أسرته وليمد فى عمر الدولة السعودية الثالثة الحالية. عليه فقط أن ينفذ المشروع الاصلاحى الذى نادى به ناصر السعيد منذ نصف قرن وعانى من أجله طيلة حياته.
معنى ذلك ان ناصر السعيد لم يمت، ولن يموت مابقى فى الناس من يقرأ ويكتب ويعى ويفهم . الذين يموتون وهم احياء هم اولئك الذين يموت ناصر السعيد وأمثاله من اجلهم ثم لا يتحركون ولا يهتزون . 
تحركوا ايها الناس .. اجعلوا العالم المتحضر يعرف انكم أحياء ترغبون فى الحرية مثل الشعوب الآفريقية " الشقيقة"...

وبعد ـ فهذا هو الفصل الخاص بحركة ناصر السعيد . اقتطعته من كتابى المخطوط وأنشره كما هو تحية من مؤرخ ـ متخصص فى السيئات ـ الى ابن شمر العظيم وفخر الجزيرة العربية المناضل المفكر المسالم "ناصر السعيد ".

 

ناصر السعيد ( 1923 : 1977 ) أعظم رجل أنجبته الجزيرة العربية خلال ألف عام
بحث يحلل شخصية المعارض العربى للدولة السعودية ناصر السعيد ، كما يحلل إنتاجه الفكرى الاصلاحى والسياسى
more