رقم ( 4 )
الخاتمة

الخاتمة

تأصيل ( كتب/كتاب ) فى القرآن الكريم:(الخاتمة):

 

أيها الانسان : لا ولن تستطيع الهروب من الله جل وعلا

مقالات متعلقة :

مقدمة : أيها الانسان : لا مهرب ولا مفر ولا محيص ...و اليه المصير

1ـ  دون إختيار منك أو علم لديك ، تدخل قطار الحياة فى موعد محدد ، وتقضى فيه عمرك المحدد لك سلفا ، وتتسلط عليك كاميرات الاهية تحفظ كل أعمالك ومشاعرك ، وتسعى أثناء حياتك فى هذا القطار تشاغب هذا وتصادق ذاك ، وتتنافس وتعادى وتسالم،ولقد أرسل لك صاحب القطار كتابا بالتعليمات ، قد تنفذه باخلاص ، وقد تتجاهله غافلا وقد تعارضه معاندا . وأنت فى غمرة حريتك وعنفوانك تظن أنك تستطيع ان تخرق الأرض وأن تبلغ الجبال طولا ، مع أنك فى حقيقة الأمر محدود الامكانات وواقع تحت سيطرة حتميات الميلاد والرزق والمصائب ثم تموت وتهبط من القطار ، وقد بقى منك سعيك لتواجه به مصيرك يوم لقاء الخالق جل وعلا .

2ـ خلال عمرك القصير فى قطار الحياة هذا لا تستطيع الهرب من ربك جلّ وعلا ، لا تستطيع أن تخرج عن نواميس الخلق ، لا تستطيع الخروج عن الحتميات المقدرة لك سلفا ، ولا تستطيع الافلات من يوم عرضك يوم القيامة للحساب على سعيك فى الدنيا . أى إن حريتك فى الايمان او الكفر وفى الطاعة أو المعصية هى إختبار قاس لك ، وأنت فى غمرة عنادك تفهم أن الحرية لك فى الاعتقاد وفى السعى لا يقابلها مسئولية أمام من أعطاك هذه الحرية ، هذا مع أنك فى قوانينك الوضعية تقرن الحرية بالمسئولية ، وتسنّ قوانين تعاقب المخطىء،ولكن تنسى المحكمة الكبرى يوم الحساب، بل تنسى الحقيقة الكبرى وهى أن الله جل وعلا خلق السماوات والأرض وما بينهما من نجوم ومجرات لهدف واحد هو أختبارك ايها الانسان:(وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) ( هود 7 ) ثم بعد أن تدخل كل نفس قطار الحياة وتدخل اختبارها سيدمر الله جل وعلا هذا العالم ، وسيبرز الخلق للقاء الله جل وعلا فى (اليوم الآخر) ليحاسبهم على ما فعلوه فى (يوم الدنيا).: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) ( ابراهيم  48).

3ـ سعيك خلال عمرك ليس هو كل عمرك. لنفرض أنك ستعيش 75 عاما ، تقضى ثلثها فى النوم ، وهناك فترة الطفولة وعدم التكليف أى حوالى 15 عاما ، أى أنت مسئول فقط عن سعيك خلال 35 عاما ،اى أقل من نصف عمرك . بل هناك فى سعيك ما هو مغفور لك مقدما، فلست مؤاخذا على النسيان و فى حالة الاكراه والخطأ غير المقصود . أنت مؤاخذ فقط على التعمد . وأنت لا تخلو من عمل صالح نافع ومن عمل سيء ، وسعيك خليط من هذا وذاك ، ولكن الفيصل فى قبول العمل الصالح هو فى العقيدة السليمة ،أى أن تؤمن بالله جل وعلا وحده ، وتعبده وحده ، وتخشاه وحده ، وتقدسه وحده ، وألا يكون لله جل وعلا فى عقيدتك شريك أو إبن أو زوجة أو مثيل أو نظير. هذا الاعتقاد غاية فى السهولة لمن يتعقله ويريد الهداية ويبحث عنها ، وهو غاية فى الصعوبة على من يسلم نفسه لشيوخ الأديان الأرضية ، محترفى المتاجرة بالدين والتدين السطحى المظهرى الذين يجعلون انفسهم بالكذب والافتراء ممثلين لرب العزة ومتحدثين باسمه وواسطة بينه جل وعلا وبين خلقه. لو تطهر سعيك من رجس الشرك وتبت من ذنوبك واستغفرت فستأتى يوم القيامة بقلب سليم ،وسيغفر الله جل وعلا ذنوبك ويضاعف حسناتك ويمحو بها سيئاتك فتدخل الجنة . وإن صممت على ما أنت فيه من شرك وعصيان ورفضت التوبة ، فسيحبط الله جل وعلا أعمالك الصالحة فلا يبقى لك إلا السيئات فستدخل بها النار ، وفى النار سترى أعمالك الصالحة الضائعة والعاصية فتزداد بها حسرتك:(كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)(البقرة 167).

4 ـ قد لا تكون مجرد معاند ،بل غافل مخدوع، ألهاك التكاثر بالمال والجاه فاكتفيت فى موضوع الدين بوكلاء عنك هم أرباب الدين الأرضى ، تدفع لهم ليكونوا واسطة لك لتتفرغ للتطاحن مع آخرين فى سبيل حطام الدنيا. ستكون مفاجأتك صاعقة عند الموت ، حين سترى ما لم تكن تتصوره،فتصرخ تطلب فرصة أخرى بلا فائدة:(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)(المؤمنون 99: 100)(وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )(المنافقون 10: 11)، ثم سترى أفظع مفاجأة لك وأنت فى جهنم ، فقد كنت فى الدنيا مخدوعا بزيف الشفاعات البشرية التى أقنعك بها شياطين الدين الأرضى، ولكنك وأنت فى النار سيبدو لك من الله رب العزة ما لم تكن تحتسب،وعندها ستتمنى لو تملك كل كنوز الدنيا لتتبرع بها وتفتدى نفسك من عذاب الجحيم :(وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)(الزمر 47 ). أنت محاص ومحصور بين كتاب الحتميات وكتاب الأعمال والكتاب الالهى فى التشريع. لا ولن تستطيع الهروب من  الله جل وعلا.فلا مهرب ولا مفر ولا محيص واليه المصير. وإليك بعض التفصيل:

أولا : لنتدبر بعض المصطلحات القرآنية الكاشفة 

1 ـ من صفات الله جل وعلا : (القيوم ).: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)(آل عمران 2 )،  وقد شرحتها آية الكرسى بأنه جل وعلا المتحكم فى كل شىء العالم بكل شىء ،والقائم على كل شىء:( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) ( البقرة 255 ). وبقيومته يرقب أعمالنا فى الدنيا : (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ)(الرعد 33)،وسيتجلى لنا الله جل وعلا بقيومته الكبرى يوم القيامة: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا)(طه 111).أى لا تستطيع الهرب من القيوم جل وعلا.

2 ـ هل ستستطيع الفرار ؟ . الجواب : (لا مفرّ). لن تفرّ من الموت :(أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ )(النساء 78 )(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ)(الجمعة 8)، ولن تستطيع الفرار من حتمية المصائب المقدرة سلفا (قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ )(قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا ) (الاحزاب 16: 17)،بل يموت عزيز لديك فلا تستطيع دفع الموت عنه:(فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) (الواقعة83 :87 ). ويوم القيامة أيضا لا مفرّ:( يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلاَّ لا وَزَرَ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ)(القيامة 10: 12). الجنّ بسرعاتهم التى لا نتصورها أعلنت عجزها عن الفرار والهرب:(وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا)(الجن 12 )، فكيف بك أيها الانسان محدود الامكانات .الحل هو أن تفرّ الى الله باختيارك ،أى بطاعتك:(فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ)(الذاريات 50 ).

3/ 1ـ الفارق بين الانسان والحيوان أن للانسان عقلا ، فهو يرى بعينيه ويبصر بعقله. الحيوان يرى فقط ويسير فى حياته معتمدا على غريزته. الكافر ـ الذى لا يتعقل ـ يعطل بإختياره ملكة العقل يلحق نفسه بالحيوان ؛ لا يهتدى ، ومهما وعظته فتراه فى غفلته حين تعظه ينظر اليك ولكن لا يبصر:(وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ)(الأعراف 198).

3/ 2 :فى غفلته يعصى الله جل وعلا معتقدا أن الله جل وعلا غائب، فيستخفى من الناس ولا يستخفى من الله وهو جل وعلا معه شاهد عليه:(يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)(النساء 108) ينسى أن الله جل وعلا هو الشهيد على كل شىء والعليم بكل شىء: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(المجادلة 7 ) وأنه جل وعلا لايغيب عنه مثقال ذرة فى السماوات والأرض:( وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (النمل  75 ) ويوم القيامة يوم لقاء الله جل وعلا سيقصّ عليهم بعلم ما كانوا يفعلون ، فهو جل وعلا ما كان غائبا :(فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ )( الاعراف 7 ).

3/ 3 : ينسى أن رب العزة ليس غافلا عما نعمل (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّاتَعْمَلُونَ)(وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)(البقرة 74 ، 85 ، 140،144 ،149)(وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُون)(ابراهيم 42)(وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ)(المؤمنون 17).

3 / 4 : ينسى أن علمه جل وعلا مرتبط بمراقبته لنا ،فهو جل وعلا الرقيب على كل شىء: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا)(الاحزاب 52)، لذا يأمرنا جل وعلا بالتقوى لأنه رقيب علينا يرى ما نفعل :(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)( النساء 1 )، وبينما تنحصر شهادة النبى على قومه بوقت معايشته لهم فإن الله جل وعلا يظل رقيبا على كل فرد وكل مجتمع ، وسيقولها عيسى عليه السلام متبرئا مما فعله قومه من بعد موته:(مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)(المائدة 117).

 4 ـ أن لله جل وعلا التحكم فى الدنيا. عن تحكمه فى الدنيا يقول رب العزة جل وعلا:(مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا)(هود 56)، ففى القدر المتاح للانسان الحرية فإن سعيه الحرّ مقيد بامكانه البشرية الجسدية فلن يخرق الأرض ولن يبلغ الجبال طولا ، ثم إنه مقهور بالحتميات الأربع ، ثم هو تحت المراقبة يتم حفظ عمله وسعيه ليكون مسئولا عنه يوم القيامة، وهو لا يستطيع الهرب من هذه المراقبة:(إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(ق17:  18) .وهذا معنى قوله جل وعلا:(نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ)(الانسان 27 : 28). فنحن أسرى للخالق جلّ وعلا ، ولا نستطيع الفرار من هذا الأسر، فقد شدّد الله تعالى أسرنا.فهل تستطيع ايها الانسان الفرار من هذا الأسر؟.  

5 ـ إن لله جل وعلا مطلق التحكم فى الآخرة ويؤكد رب العزة على أن اليه جل وعلا المصير. ومنها :

5 / 1ـ:مع البشر ، يخاطبهم رب العزة فيقول لهم فى إيجاز وإعجاز:(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)(المؤمنون 115). هى إجابة الاهية عن السؤال الذى يتردد فى طفولة العقل البشرى عن حكمة الخلق ، ثم يلهو عنه معظم البشر لينشغل به الفلاسفة ولا يزالون ، وتأتى الاجابة الالهية على هذا السؤال بسؤال إستنكارى ، فيستحيل أن يخلقنا الله جل وعلا عبثا ، ويستحيل هروبنا منه بل إليه المصير.  وجعلها ضمن صفات الله جل وعلا وأسمائه الحسنى ،كقوله جل وعلا:(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)( التغابن 3 : 4 )(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)(النور 42)، (تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (غافر 2 : 3)(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ)( ق 43)

ـ :مع المؤمنين بالتحذير فمصيرهم اليه : (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)(آل عمران 28 )، وفى الوعظ المؤمنين:(وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)(لقمان 14 )(وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ)(فاطر 18). فى دعاءالمؤمنين : ( غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)(البقرة 285 )، وفى خطابهم مع الآخرين المعاندين :( فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)(الشورى 15) (إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)(الممتحنة 4  )

ـ:تهديد المشركين :(وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (المائدة 18)،وفى تحذير الظالمين عموما:(وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ )(الحج 48 ).

ثانيا : تفصيلات أخرى فى تأكيد تحكم الله جل وعلا المطلق فى اليوم الآخر:

فى الدنيا تستطيع الفرار من الاعتقال ومن السجن ، ولكن فى الآخرة يستحيل ذلك، فلله جل وعلا مطلق التحكم فى اليوم الآخر ، فقد إنتهت حرية البشر التى كانت وحان وقت مساءلتهم عليها ، وتبدأ مصادرة الحرية بالموت ، وتستمر من البعث الى الحساب ، ثم يتمتع الفائزون أهل الجنة وحدهم بحريتهم بينما يظل الخاسرون فى قيودهم فى عذاب خالد فى الجحيم ،بلا تخفيف أو خروج . ونعطى بعض التفاصيل: 

1 ـ شمولية التحكم فى كل البشر فردا فردا من البعث الى الحساب:(وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ)( ق: ـ 22)، (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا)(مريم 93 : 95 ).فهل تستطيع الغياب من عذاب الجحيم؟ يقول جل وعلا :(وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ  يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ)(الانفطار ـ 16).

2 ـ المصطلح القرآنى ( محضرون ) ومشتقاته هو تعبير بليغ عن الاعتقال، جاء منه التعبير الراهن بالضبط والاحضار. ويستعمل مصطلح ( الاحضار) فى الآتى :

2/1 : إحضار كتاب العمل لكل نفس من خير أو شرّ:(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا)(آل عمران 30)، 2/2 : إحضار كل البشر من البعث الى الحساب:(وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ)(إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ) (يس: 32 ، 53) .

2/ 3 :الاحضار الخاسرين للعذاب بعد الحساب، يقول جل وعلا محذرا لهم مسبقا:(أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ)(القصص 61)،(وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ)(الروم 16)،(وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ)(سبأ 38).(فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ) (الصافات 127 : 128).وبعض الناجين من أصحاب الجنة يتذكر قرينه الذى كان فى الدنيا يزين له العصيان ، ولكنه لم يعص ، ويريد ذلك المتقى وهو فى الجنة أن يرى قرينه المضل فيراه فى الجحيم ، فيخاطبه يؤنّبه بأنه لولا رحمة ربه لكان من المحضرين مثله الى الجحيم، فى ذلك يقول جل وعلا عن أصحاب الجنة:(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ)(الصافات: ـ57).

2 / 4 :يتم حشرهم الى جهنم وتجميعهم حولها وهم جثاة على وجوههم ومعهم الشياطين. بهذا يقسم رب العزة بذاته:(فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا)(مريم 68). ويأتون أفواجا وأمما وصفوفا فى طريق حشرهم، وحتى لا يخرج أحدهم عن الصف يتم إلزامهم بالنظام ،أو بالمصطلح القرآنى ( يوزعون ) ، يقول جل وعلا :(وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ) (النمل 83 )، (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)(فصلت 19)،أى لا مفر ولا مهرب.

3 ـ وتعبيرا عن إنعدام الحرية يوم القيامة يستعمل رب العزة صيغة المبنى للمجهول ، وذلك بسبب حضور رب العزة بذاته يوم اللقاء حيث يكون له مطلق التحكم، يقول جل وعلا :(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) ولأنه جل وعلا قد جاء فكل شىء بأمره المباشر، ويأتى التعبير بالمبنى للمجهول للتأكيد على مطلق قيومية الرحمن ومطلق تحكمه بحيث لا يوجد إختيار للبشر جميعا حتى الآنبياء:( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) ( الزمر 67 : 73 ).هنا تأتى الأفعال بالمبنى للمجهول:(وَنُفِخَ ،وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ، وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا ، فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ، قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ ، وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا،وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ).

4 ـ وبينما يتمتع أصحاب الجنة بحريتهم فى الجنة يتنقلون بين أرجائها ويتسامرون فإن أصحاب الجحيم مرغمون على الخلود فى عذاب لا تخفيف فيه ولا خروج منه :( فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) ( الحج 19 ـ  )( وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ)(السجدة 20 ). وحتى لا يكون الموت خلاصا لهم فلا مجال للموت:(مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ )(ابراهيم 16 : 17 )، لا مجال للموت ولا مجال أيضا للحياة ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ) يظلون يصطرخون من شدة العذاب يرجون فرصة الخروج ليعملوا صالحا ، ولكن بلا فائدة :(وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ)(فاطر 36 : 37 ). بل لا سبيل لهم للافلات من جرعات العذاب التى تنهال على وجوههم وظهورهم ، كلما حاولوا تفادى العذاب الساقط على وجوههم يكون أسرع من محاولتهم ، ونفس الحال مع العذاب الساقط على ظهورهم:( لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَن ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَ)(الأنبياء39 :40).وهكذا يظلون يدفعون دون جدوى العذاب أبد الآبدين !!

أخيرا: الى الطغاة المستبدين والبغاة المتاجرين بالدين:هل يساوى حطام الدنيا لحظة عذاب يوم الدين؟!!.

تأصيل ( كتب / كتاب ) فى القرآن الكريم
مقدمة
اللفظ القرآنى ( كتب ) ومشتقاته يلعب دورا أساسيا فى حياتنا . فالله جل وعلا (كتب ) علينا الفرائض من صلاة وصيام وزكاة وحج ،وكتب على (نفسه ) إلتزاما ، وأنزل لنا ( كتبا ) أو ( كتابا ) سماويا ، كما إنه جل وعلا ( كتب ) علينا الحتميات أو القضاء والقدر الذى لا مفرّ منه ، ثم إنه جل وعلا له ملائكة ( تكتب ) اقوالنا وأعمالنا. ولا يخلو الأمر من قيام البشر ب ( كتابة ) رسالة أو خطابا أو تحريف فى الكتاب السماوى . جاءت تفصيلات هذا كله فى القرآن الكريم. وهذا المبحث نتوقف مع معنى (كتب وكتاب ) فى النسق القرآنى. وفى الفصل الأول نبحث ( كتب و كتاب ) بمعنى الالزام والفرض والشرع ، و( كتب بمعنى الكتاب السماوى ) مع ( كتب ) بمعنى الحتميات المقرة سلفا . وفى الفصل
more




مقالات من الارشيف
more