رقم ( 4 )
منطقة "نجد" أم المشاكل فى تاريخ المسلمين

الفصل الأول
منطقة "نجد" أم المشاكل فى تاريخ المسلمين
نجد " هى الخصم اللدود للحجاز ، وأعراب "نجد " هم الخصم العتيد لقريش وهى أشهر قبيلة عربية فى التاريخ. والصراع بين نجد والحجاز ، ( أو بين أعراب نجد وقبائلها التى تنتمى الى (ربيعة ) مع قريش التى تنتمى الى  ( مضر ) هو الأساس التاريخى للجزيرة العربية بعد ظهور الاسلام ، بل يمكن قراءة تاريخ المسلمين من خلاله، وقد فازت قريش والحجاز فى معظم مراحل هذا الصراع، فقريش هى التى أنشأت الدول الأموية و العباسية ، والفاطمية، وكل الخلفاء الراشدين وغير الراشدين ينتمون لقريش، وقريش والأشراف هم الذين حكموا الحجاز معظم العصور الوسطى ، بينما كان الثوار على خلفاء قريش هم قبائل نجد ، اما فى شكل قطاع طرق ينهبون قوافل الحجاج  (كراهية فى الحجاز والكعبة والأماكن المقدسة التى أرست مكانة قريش والحجاز ) واما فى شكل دول متحركة تقوم بالقتل وسفك الدماء تحت اطار دينى ، كما حدث فى حركة الزنج والقرامطة قديما ، ثم فى الحركة الوهابية ودولتها السعودية فى العصر الحديث.
الدولة السعودية هى التى حققت الانتصار الأخير على الحجاز ، وعلى الأشراف المنتمين للنبى محمد بالنسب ، وهم أعلى طائفة باقية من قريش حتى الآن.
نعطى الآن بعض التفاصيل ، لنرى تجذر العنف الذى ورثته الوهابية السعودية من وطنها نجد خلال تاريخها الطويل مع الارهاب ، وكيف قننت ومارست الوهابية هذا العنف ، ونشرته فى العالم .
منطقة "نجد" متطرفة فى مناخها شحيحة فى مواردها منعزلة فى صحرائها لا يرى أهلها إلا أنفسهم، ولا يرون فى الأغراب إلا مجرد ضحايا للسلب والنهب حين يمرون على صحراء نجد من العراق إلى الحجاز. فى صحراء نجد القاحلة والواسعة عاش الأعراب على قطع الطريق، وكانت تأتيهم الفرصة الكبرى حين تنشأ فيهم أو تنتشر بينهم دعوة دينية تبرر وتبيح لهم القتل والسلب للآخرين على أنه جهاد. ولذلك كان استحلال الأعراب النجديين لدماء المسلمين المسالمين وأموالهم وأعراضهم فى التاريخ الاسلامى مرتبطا بثورات نجد الدينية، تلك الثورات التى تخصصت فى التدمير وسفك الدماء. وما عدا الثورات ومشروعات الدول الدموية فإن تاريخ نجد العادى مجرد غارات داخلية فيما بينهم أو غارات سنوية عادية على قوافل الحجاج , أى مجرد غارات "علمانية" بدون شعارات دينية. ولكن تلك الغارات المعتادة استلزمت أن تسير قوافل الحجاج فى حماية جيش كامل، لحماية الحجاج من غارات أعراب نجد .
. ولقد تأثر ابن خلدون بتاريخهم الدموى فقرر فى مقدمته الشهيرة أن الأعراب هم أسرع الناس للخراب، وأنهم يحتاجون إلى دعوة دينية يستطيعون من خلالها استحلال الدماء والأموال والأعراض وإسباغ الشرعية على ثوراتهم واعتدائهم( مقدمة ابن خلدون: 125: 127.)
وهنا نعطى محطات سريعة نقرأ فيها التاريخ الإسلامى بايجاز "قراءة جغرافية" أو "قراءة نجدية ":
فى "نجد" بدأ التطرف مبكراً حين كانت المركز الأساسى لحركة الردة، ففى سهل حنيفة ظهر مسيلمة الكذاب وتحالفت معه سجاح التميمية، ولنتذكر أنه فى نفس سهل حنيفة ولد وعاش محمد بن عبد الوهاب صاحب الدعوة الوهابية فيما بعد. ولقد وصف القرآن الكريم معظم الأعراب بأنهم أشد كفراً ونفاقاً (التوبة: 97) وقد خضع الأعراب لقوة المسلمين وسالموها، مع أن الإسلام لم يدخل قلوبهم بعد (الحجرات: 14) فلما توفى النبى محمد عليه السلام وتولى أبو بكر تمردوا على الدولة فى حركة حربية هادرة مركزها "نجد" وهاجموا المدينة، فليس صحيحاً أن أبا بكر حارب المرتدين، وإنما الصحيح أن المرتدين هم الذين حاربوا أبا بكر والمسلمين. وبعد إخماد حركة الردة بصعوبة بالغة رأى أبو بكر أن يتخلص من بأس الأعراب النجديين بتصدير قوتهم الحربية إلى الخارج شمال نجد , فكانت حركة الفتوحات العربية إلى شمال نجد فى العراق أولاً، ثم الشام وإيران . وتكونت جيوش الفتوحات من أغلبية من الأعراب (المرتدين سابقاً) وقيادة من الأمويين القرشيين (المعاندين سابقاً) ذلك أن الأمويين رأوا أن مصلحتهم السياسية والاجتماعية تحتم عليهم الدخول فى الدين الجديد، وسارعوا بتقدم الصفوف الأولى فى الفتوحات بما لديهم من خبرة حربية ومعرفة بطرق التجارة وصلات وثيقة بالقبائل العربية فى الشام وعلى الطرق التجارية. وانتهت الفتوحات وقد أصبح الأمويون يحكمون الشام والعراق ومصر وشمال أفريقيا باسم الإسلام، وفى خلافة عثمان سيطروا عليه، ومن خلاله انتقموا من أعدائهم السابقين فى الإسلام، مثل عمار وابن مسعود، وكان من السهل أن يمر ذلك كله عادياً لولا أن الأمويين فى خلافة عثمان اصطدموا بأعراب نجد فكانت الفتنة الكبرى، تلك الفتنة التى لازلنا نسيرفى نفقها المظلم حتى الآن.

كانت قضية "السواد" هى بداية الفتنة الكبرى . والسواد هى الأرض الزراعية الواقعة بين نجد والعراق، وكان أعراب نجد يتطلعون إلى امتلاك "السواد" لأنها الأقرب إلى موطنهم وحيث كانوا يغيرون عليه قبل الإسلام ويحلمون بامتلاكه، ولكن الأمويين لم يسمحوا لهم بذلك واعتبروا "السواد" "بستان قريش"، فاشتعلت الثورة، وقتل ثوار نجد عثمان بعد أن حاصروه، ونصبوا "علياً" خليفة، واشتعلت الحروب الأهلية، وفيها كان أعراب نجد هم عماد جيش على، ثم ما لبثوا أن خرجوا عليه وقتلوه وأصبح اسمهم الخوارج.
وبهذا تحول الاعراب النجديون من مسلمين في عهد النبي - كيدا فى قريش ـ الي مرتدين عن الاسلام ـ بعد دخول قريش فيه ، ثم مسلمين للمرة الثانية بعد أن هزمتهم قريش ،ثم الي فاتحين فى عصر أبى بكر وعمر تحت امرة قريش، ثم الي ثوريين علي عثمان حين انحاز الى القرشيين الأمويين وفضّلهم فى الأموال على بقية المسلمين ،ثم الي خارجين علي عليّ بن أبى طالب . كل ذلك التقلب حدث فيما بين موت النبي (11هـ،سنة 632م )الي مقتل علي علي ايديهم (40هـ،661)أي خلال اقل من ثلاثين عاما .واصطبغت حركتهم بالعنف المرتبط بتفسير ديني، يسري هذا علي قبولهم المتحمس للاسلام في عهد النبي ،ثم خروجهم عليه في حركة الردة تحت زعامة مدعي النبوة ،ثم انغماسهم في الفتوحات علي انها جهاد يغنمون منه النصر والشهادة والغنائم في الدنيا و الاخرة ،ثم حين ثاروا علي عثمان رفعوا لواء العدل ،وحين رفع الامويين المصاحف علي اسنة الرماح في موقعة صفين خداعا ارغموا عليا علي الموافقة علي التحكيم لكتاب الله ،ثم حين ظهر ان التحكيم خدعة خرجوا علي علي لأنه وافق علي التحكيم واتهموه بالكفر ثم قتلوه.
 بعدها تفرق أعراب نجد تحت اسم الخوارج وأخذوا يرفعون لواء الحاكمية "لا حكم إلا لله" ويقتلون المسلمين المسالمين فى العراق وإيران، فالخوارج استباحوا قتل المسلمين ، يقول الملطى (377 هـ) عن الطائفة الأولى منهم، إنهم كانوا يخرجون بسيوفهم فى الأسواق حين يجتمع الناس على غفلة فينادون "لا حكم إلا لله"، ويقتلون الناس بلا تمييز(الملطى: التنبيه والرد: 47 تحقيق زاهد الكوثرى )
وهذا شبيه بما يفعله المتطرفون من تدمير المقاهى والشوارع لقتل الناس كيفما اتفق وحجتهم "الحاكمية" اى "لا حكم الا لله " نفس مقولة الحاكمية الأولى من الخوارج.
 وأرهقوا الدولة الأموية بثوراتهم مما ساعد فى سقوط الأمويين سريعاً أمام العباسيين، وخفت صوت الخوارج بعدهم.ولكن بعد أن أرسوا عمليا مبدأ الحاكمية. صحيح ان ثقافتهم البسيطة لم تسمح لهم بتقعيده وتنظيره ولكنهم طبقوه عمليا ودمويا على المسلمين غير المحاربين فى الأسواق والتجمعات السكنية بعد اصدار قرار نجدى باستحلال دماء كل المخالفين لهم فى المذهب والعقيدة. والاستحلال هو المبدأ النجدى الأصيل فى التعامل مع الاخر ، فهم يستحلون دمه وماله وعرضه حين يغيرون عليه فى غاراتهم العادية – العلمانية – بدون الحاجة لفتوى أو مسوغ دينى، أما حين تقوم فيهم دعوة دينية فانه يجرى تبريرنفس الاستحلال وانواعه بفتاوى وأحاديث منها " جعل رزقى تحت ظل رمحى"
وعاد عرب نجد للثورة مرة أخرى فى العصر العباسى بعد أن ملوا من الإغارة الروتينية على الحجاج، ووجدوا الغطاء الدينى فى دعوة المغامر على بن محمد فاتبعوه، مع أغلبية من الرقيق الزنوج فيما عرف بثورة الزنج التى خربت جنوب العراق طوال خمس عشر سنة (255-270) هـ الى أن تم اخمادها بصعوبة بالغة. وفى حركة الزنج قتل الثائرون ثلاثين ألفاً حين استولوا على مدينة الأبلة فى العراق سنة 256 هـ، وفى العام التالى دخل البصرة زعيم الزنج بعد أن أعطى أهلها الأمان، ولكنه نكث بعهده فقتل أهلها وسبى نساءها وأطفالها وأحرق مسجدها الجامع، وكان من بين سباياه نساء من الأشراف، وقد فرقهن على عسكره من الزنوج، وكانت السبايا العلويات تباع الشريفة منهن فى معسكره بدرهمين وثلاثة، وحين استجارت به إحداهن ليعتقها أو ينقذها من ظلم سيدها الزنجى قال لها: "هو مولاك وأولى بك من غيره".( تاريخ الطبرى: 9، 472، 481، والمسعودى: مروج الذهب 4 : 146 ).  
ثم ما لبث أعراب نجد أن اشتعلت ثورتهم هادرة تحت اسم القرامطة ودعوة يختلط فيها التشيع بغيره، وامتدت غاراتهم إلى العراق والشام والحدود المصرية، ولم تنج الكعبة من تدميرهم، وقد سبقوا المغول فى سياسة الأرض المحروقة، أو إبادة كل الأحياء فى المدن التى يستولون عليها، وقد شهد المؤرخ الطبرى جانباً من فظائعهم وسجلها فى الجزء العاشر والأخير من تاريخه فيما بين (286-302) هـ واستمرت فظائعهم بعد الطبرى بقرنين تقريباً حتى تغلب عليهم أعراب المنتفق. وكان القرامطة أكثر وحشية فى استباحة الدماء والأعراض، ومن موقع المعاصرة والمشاهدة روى الطبرى بعض أخبار زعيمهم ، منها أنه خصص غلاماً عنده لقتل الأسرى المسلمين، وأنه استأصل أهل حماة ومعرة النعمان وقتل فيهما النساء والأطفال، ثم سار بعلبك قتل عامة أهلها، وسار إلى سلمية وأعطاهم الأمان ففتحوا له الأبواب فقتل من بها من بنى هاشم ثم اختتم بقتل أهل البلد أجمعين بما فيهم صبيان الكتاتيب، ثم خرج عن المدينة وليس فيها عين تطرف، ونشر الخراب والدماء فى القرى المحيطة. أما ما فعله فى الكعبة وقتل الحجاج فيها وإلقاء الجثث فى زمزم، واقتلاع الحجر الأسود، فذلك ما استفاضت فيه الأخبار، وهذه الوحشية فى قتل الأبرياء كانت تقوم على منهج فكرى أشار إليه النويرى فى حديثه عن التربية الفكرية لشباب القرامطة، كما أشار إليها الطبرى فى قصة واقعية لشاب اقتنع بالدين القرامطى وهجر أمه وأسرته مقتنعاً بالدين الجديد معتقداً استحلال الدماء.  (أخبار القرامطة فى تاريخ الطبرى: 10، 71، 77، 86، 94، 99، 107، 115، 116، 121، 128، 130، 135، 148، وفى نهاية الأرب للنويرى 25، 195: 227 وما بعدها.)
4- وبعد القرامطة عاد أعراب نجد إلى ما اعتادوه من قطع الطريق على الحجاج والاقتتال فيما بينهم، إلى أن ظهر فيهم محمد بن عبد الوهاب بدعوته الدينية وتحالف مع ابن سعود، وكان أهم بند فى التحالف بينهما (الدم الدم، الهدم الهدم)، وأعطاه ابن عبد الوهاب تشريع الاستحلال بعد أن اتهم كل المسلمين الآخرين بالكفر وجعل ذلك الاتهام مبررا دينياً للغزو والتوسع، وبذلك قامت الدولة السعودية الأولى، ونشرت السلب والنهب وسفك الدماء فى الجزيرة العربية وحول الخليج وفى العراق والشام، إلى أن اضطرت الدولة العثمانية للاستعانة بواليها على مصر "محمد على باشا" فقضى على الدولة السعودية ودمر عاصمتها "الدرعية" سنة 1818 م.
ولا تختلف مذابح الخوارج والزنج والقرامطة – وقادتهم من أعراب نجد أساسا- عن المذابح التى قام بها النجديون الوهابيون السعوديون فى تأسيس الدولة السعودية الأولى ، والدولة السعودية الثالثة الحالية، وقد  وصلت تلك المذابح الى العراق والشام والبيت الحرام وسائر مدن الحجاز ، وكان أكثر الضحايا من النساء والأطفال والشيوخ.
ولا تختلف هذه المدرسة الفكرية التى كان يعدها القرامطة لغسيل مخ الشباب عن الاعداد الفكرى الذى كان فقهاء الوهابية يعدونه لشباب الأعراب النجديين فى العقد الثانى من القرن العشرين والذى يتحول به الشاب الاعرابى الى مقاتل عنيد يرى الجهاد فى استحلال قتل كل من ليس وهابيا، وعن طريق هذا الاعداد الثقافى تكون "الاخوان " جنود عبد العزيز آل سعود الأشداء الذين أسسوا الدولة السعودية الحالية، وكانت سمعتهم فى القتل والتدمير ترعب قرى الشام والعراق، كما لايختلف عن الاعداد الثقافى الذى تقوم به جماعات الاخوان وبقية التنظيمات العلنية والسرية فى تاريخنا المعاصر والذى يجعل الشاب المصرى المسالم يستسهل تفجير الشوارع والمبانى معتقداً أن ذلك جهاد فى سبيل الله. كما لا يختلف ذلك عن الوحشية الهائلة التى يتعامل بها المتطرفون فى الجزائر مع أبناء الشعب المسالم من نساء وأطفال، وما حركة طالبان عن ذلك ببعيدة، فهم الذين تشربوا الفكر السلفى.

الدولة الوهابية السعودية الأولى( 1745 الى 1818 )  

ونعطى بعض التفاصيل التاريخية بسرعة:
قامت الدولة السعودية الأولى بناء على التحالف بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود صاحب الدرعية ، وهى مدينة منسية فى صحراء نجد. تم هذا التحالف عام 1158 هجرية ( 1745 )، وبه أعطى ابن عبد الوهاب للأميرالسعودى مسوغا شرعيا لغزو البلاد الأخرى واحتلالها وقتل أهلها بعد اتهامهم بالكفر واكراههم على قبول الوهابية ـ على أنها الاسلام، زاعما ان هذا هو الجهاد الذى كان يفعله النبى محمد عليه السلام .
بهذا التحالف قامت الدولة السعودية الأولى فيما بين ( 1745 الى 1818 )، وقتلت مئات الألوف من السكان المسالمين فى الجزيرة العربية والعراق والشام .بدأ السعوديون باحتلال نجد كلها ثم ضم الأحساء وتوسعوا فى غاراتهم لتصل الى قطر والبحرين والكويت وعمان ، ثم ضموا الحجاز ، وحاربوا اليمن ، وتطلعوا لاحتلال العراق والشام، وأدى توسعهم هذا المرتبط بالمذابح والتدمير الى اضطرار الدولة العثمانية للاستعانة بواليها القوى فى مصر ( محمد على باشا) الذى أرسل حملتين الى الحجاز لاستعادته من السعوديين الوهابيين سنة 1811 واستمرت الحرب بينه وبينهم الى أن تم تدمير الدرعية العاصمة السعودية سنة 1818.

سالت دماء المسلمين المسالمين أنهارا فى تلك الغارات السعودية الوهابية التى ارتكبتها الدولة السعودية الأولى. ونكتفى بما قاله مؤرخ الدولة السعودية الأولى (عثمان بن بشر النجدى ) فى كتابه ( عنوان المجد فى تاريخ نجد ) عن مذبحة كربلاء فى أحداث سنة 1216 هجرية : ( وفيها سار سعود ( يقصد سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود )  بالجيوش المنصورة والخيل العتاق المشهورة من جميع حاضر نجد وباديها .. وقصد أرض كربلاء، وذلك فى ذى القعدة ، فحشد عليها المسلمون  وتسوروا جدرانها ودخلوها عنوة وقتلوا غالب أهلها فى الأسواق والبيوت، وهدموا القبة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين، وأخذوا ما فى القبة وما حولها واخذوا النصبة التى وضعوها على القبر وكانت مرصوفة بالزمرد والياقوت والجواهر وأخذوا جميع ما وجدوا فى البلد من أنواع الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة، وغير ذلك مما يعجز عنه الحصر  ..) وأدت وحشية السعوديين الوهابيين فى مذبحة كربلاء الى فزع أهل العراق وموت حاكم العراق سليمان باشا كمدا فى نفس السنة ( 1216 هجرية 1801)وتهديد شاه ايران بغزو العراق لحماية الأماكن الشيعية المقدسة فيه ، ولم يمنع ذلك من استمرار الغارات السعودية الوهابية فى العراق فتحول على ايديهم الى فوضى ودمار. والمؤرخ عثمان بن بشر النجدى رد على انتقاد المسلمين لما فعله الوهابيون بأهل كربلاء فقال مفتخرا :( وقولك اننا أخذنا كربلاء وذبحنا أهلها وأخذنا أهلها فالحمد لله رب العالمين، ولا نعتذر عن ذلك ونقول : وللكافرين أمثالها " ويقول فى موضع آخر : ( وأقمنا بها عشرة أيام وذبحنا ودمرنا ما بلغك علمه ) التعليل هنا واضح ؛ انه اعتبرالوهابيين هم وحدهم المسلمين ، وكان دائما يصفهم وحدهم بهذا الوصف بينما يجعل الآخرين ومنهم الشيعة كفارا ويستحل قتلهم جميعا وسلب أموالهم طبقا لما قرره الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى رسائله.
ويصف نفس المؤرخ موقعة أخرى كان الضحايا فيها من أعراب بنى خالد حيث فاجأهم نفس الأمير سعود بالهجوم وهم يسقون دوابهم على عين ماء فى منطقة الجهرة، وذلك عام 1207 هجرية، يقول ابن بشر فى نفس الكتاب : ( فنهض عليهم المسلمون فرسانا وركبانا فلم يثبتوا لهم ساعة واحدة ، فانهزم بنو خالد .. فتبعهم المسلمون فى ساقتهم يقتلون ويغنمون ، واستأصلوا تلك الجموع قتلا ونهبا .. )

الدولة السعودية الثانية(1821-1889)م

استراح العالم الاسلامى بالقضاء العسكرى على الدولة السعودية. ولكن مواجهة الدولة الايديولوجية لا يتم بمجرد القضاء عليها عسكريا اذ لا بد من مواجهتها فكريا من داخل الدين  نفسه ، وهذا ما لم يفعله محمد على باشا والدولة العثمانية ، بل هذا ما لم يفعله عبد الناصر فى معركته مع الاخوان المسلمين ، وهم الطبعة المصرية من الوهابية النجدية الاعرابية.
ترتب على هذا النقص فى المواجهة الفكرية للوهابية أن ازداد انتشار الوهابية واكتسبت فى غياب الدولة السعودية قوة أكثر خصوصا وان الوهابيين كانت حجتهم قوية ضد الصوفية والشيعة فى تقديسهم الأضرحة وتأليههم الموتى . لقد عاشت الدولة السعودية الأولى حوالى قرن من الزمان (1745-1818)م، ولذلك فإنه لم يكن منتظراً أن تنتهى الدعوة الوهابية بعد سقوط دولتها السعودية الأولى وتدمير عاصمتها الدرعية، وقتل حاكمها فى الأستانة. فقد استطاع زخم هذه الدعوة أن يعطى لأهل نجد تميزاً على غيرهم، إذ اعتبروا غيرهم من المسلمين كفاراً يعبدون الأضرحة والأوثان، لذا كان سهلاً أن تستطيع الدعوة الوهابية أن تقيم الدولة السعودية الثانية سريعاً ، ولكن تصارع الأمراء السعوديين جعل هذه الدولة الثانية محدودة الأثر وأسقطها فى النهاية.





















تأسيس الدولة السعودية الُثالثة الراهنة( 1902 ـ 1925 ) بجهود الاخوان النجديين:

باختصار شديد : تمكن الشاب عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود (المشهور تاريخيا بابن سعود) من اقامة الدولة السعودية الثالثة والتى لا تزال تعيش حتى عصرنا الراهن تنشر مذهبها الوهابى فى كل انحاء العالم على أنه الاسلام ، وتنشر معه الارهاب باسم الاسلام. واجه عبد العزيز صعوبات ضخمة فى استرجاع ملك آبائه بعد استيلائه على الرياض سنة 1902، فعمل على توطين  شباب البدو فى مستعمرات أو (هجر ) كان أهمها  الارطاوية ، الغطغط.  وفيها يقوم المعلمون الوهابيون بتلقينهم الوهابية على أنها الاسلام ، وكان سهلا عليهم اقناع البدو النجديين بالوهابية ، ليس فقط فى أن جذورها تركزت فى الصحراء النجدية وغيرها ، ولكن لأن الوهابية تعطى لأولئك البدو المحاربين فرصة الاستمرار فى حياتهم العادية القائمة على السلب والنهب والقتل وقطع الطريق ولكن بتشريع اسلامى ، يجعل القتل جهادا وسلب أموال الغير غنائم ، ثم يعدهم بالجنة اذا قتلوا فى الجهاد.
بالأخوان استطاع عبد العزيز ضم الاحساء ، و فتح حائل و شمر وهزيمة آل الرشيد ، الاستيلاء علي عسير ، الاستيلاء علي الحجاز ، مع استمرار الهجوم على  الكويت ، والعراق، وشرق الأردن.
ولكن بدأت معارضة الأخوان النجديين مبكرا لعبد العزيز، فالخلاف احتدم بينهما حول فتح حائل سنة 1915 ، ثم حول البطالة والعمل فعقد مؤتمر العلماء سنة 1919، مؤتمرالارطاوية 1924 لتصفية الخلافات ، الا أنها شبت ثانيا أثناء فتح الحجاز بسبب المذابح التى ارتكبها الاخوان فى الطائف .
بعد ضم الحجاز قام عبد العزيز بإرجاع الإخوان الي نجد بسبب رعب الحجازيين منهم. ودخل عبد العزيز فى محاولات أخيرة لرأب الصدع بينه وبينهم فعقدت عدة مؤتمرات :مؤتمر الارطاوية :في ديسمبر 1926,ومؤتمر الرياض :يناير 1927، ثم الجمعية العمومية أو المؤتمر العام في الرياض 5/11/1928 .
بعد فشل المؤتمرات تحتمت المواجهة العسكرية بين عبد العزيز و"اخوانه النجديين" فى معركة السبلة ، وكانت بداية النهاية للاخوان النجديين فيما بين 1928 الى 1929 .
انتهى دور الاخوان النجديين فى تدعيم  دولة ابن سعود ، دون أن يعرفوا أن زعيمهم الداهية قد خطط الى احالتهم للاستيداع مبكرا بعد أن فتح الحجاز بسيوفهم سنة 1925 ، اذ فكر فى تكوين اخوان جدد فى مصر هم الاخوان المسلمون ، لينشروا الفكر الوهابى وليكونوا أكثر دهاء من الآخوان البدو النجديين المشهورين بالجلافة والغلظة والصراحة.
جذور فكر الارهاب لدى الاخوان النجديين
نتوقف بالفصيل هنا مع تجذير فكر الارهاب لدى الاخوان النجديين وفق ما تعلموه على يد شيوخ الوهابية، ويمكن ايجاز هذه الاسس في العناصر آلاتية :كراهية الاخر ،تكفيره ،استحلال دمه وماله .
كراهية الاخر :
يتحدث القرآن عن كراهية المشركين المعتدين الذين اخرجوا المسلمين من ديارهم واموالهم وأذوهم وقاتلوهم بسبب انهم اختاروا دينا غير دين الاجداد (البقرة :217)(التوبة 15:8،24:23) (الانفال 30،40:38)(المجادلة 22:20)(الممتحنة 9:8)أي ان مقياس الكراهية هو الاعتداء والظلم، أي ان المشرك الذي لا يعتدي ولا يظلم فلا مجال لكراهيته او الاعتداء عليه، وبالتالي فان القتال هو لرد الاعتداء بمثله ،وليس للاعتداء علي المسالمين (البقرة 190،194)وعلي هذا الاساس سارت سيرة النبي الحقيقية فى القرآن الكريم اذا قرأناه بمصطلحاته قراءة موضوعية.
اما السيرة التي دونها العصر العباسي فهي تعكس تصورهم للنبي من واقع فكر الدولة الدينية. ووصل هذا التصور بالتطور والتواتر الي ابن عبد الوهاب عبر الفقه السنى المتعصب الذى أرساه ابن حنبل فى القرن الثالث الهجرى ، ثم ابن تيمية فى القرن الثامن الهجرى.ورث ابن عبد الوهاب هذا الفقه المتشدد وصبغه بالطبيعة النجدية فأصبحت الوهابية فى أسسها النظرية وتطبيقاتها العملية أفظع فكر أنتجته الجزيرة العربية وطبقته على غير الوهابيين من المسلمين وغير المسلمين.  
أفتي ابن عبد الوهاب بكراهية الاخر ليس فقط من المسيحيين واليهود وقد جعلهم "كفارا " مستحقين للقتل والقتال ،ولكن أيضا غير الوهابيين من المسلمين ،أي ممن اسماهم المشركين ،داخل الجزيرة العربية وخارجها، من الصوفية والشيعة ، وعلي هذا الاساس كان فهمه لآيات القرآن التي تتحدث عن المشركين ،فلم ير في المشركين الا مخالفيه في المذهب والعقيدة ،يقول ابن عبد الوهاب (ان الانسان لا يستقيم له اسلام ولو وحد الله وترك الشرك الا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغض )   ]الشيخ محمد بن عبد الوهاب :كتاب كشف الشبهات ،و13 رسالة اخري .القاهرة .الطبعة الرابعة /1399.نشر قصي محب الدين الخطيب .رسالة ستة مواضع منقولة من السيرة 28 ]
ويربط بين الكراهية والتكفير للاخرين فيقول (فالله الله يا اخواني تمسكوا باصل دينكم واوله واخره واسه ورأسه شهادة ان لا الاه الا الله واعرفوا معناها ،واحبوها واحبوا اهلها واحبوا اخوانكم ،ولو كانوا بعيدين ،واكفروا بالطواغيت وعادوهم وابغضوا من احبهم او جادل عنهم، او لم يكفرهم او قال :ما كلفني الله بهم ،فقد كذب هذا علي الله وافتري ،فقد كلفه الله تعالي بهم، وافترض عليه الكفر بهم والبراءة منهم،ولو كانوا اخوانهم واولادهم، فالله الله تمسكوا بذلك لعلكم تلقون ربكم لا تشركون به شيئا ،اللهم توفنا مسلمين ) [ رسالة تفسير كلمة التوحيد :35].
ويؤكد نفس المعني في الربط بين الكراهية والتكفير للاخر ،فيقول (فاذا قيل لك ايش دينك؟ فقل ديني الاسلام واصله وقواعده امران :الاول الامر بعبادة الله وحده لا شريك له والتحريض علي ذلك والموالاة فيه ،وتكفير من تركه ،والثاني الانذار عن الشرك في عبادة الله والتغليظ في ذلك والمعاداة فيه وتكفير من فعله ) [ رسالة تلقين اصول العقيدة للعامة :41]ويقول (ان من وحد الله وعبد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم ) [  رسالة ثلاث مسائل :42]
وقال عن معني "اكفروا  بالطاغوت"(ان تعتقد بطلان عبادة غير الله ،وتبغضها وتكفر اهلها وتعاديها )وقال عن معني الايمان (ان تعتقد ان الله هو الاله المعبود وحده دون سواه وتخلص جميع انواع العبادة كلها لله ،وتنفيها عن كل معبود سواه، وتحب أهل الإخلاص وتواليهم ،وتبغض اهل الشرك وتعاديهم ) [ رسالة معني الطاغوت :43].والموالاة في تشريع القرآن تأتي بمعنى التحالف الحربي عندما يعتدي المشركون علي المسلمين المسالمين وليس بالاعتداء علي المسالمين المختلفين في العقيدة ، ولكن أخذ ابن عبد الوهاب بالتراكم الفقهي فدعا الي كراهية الاخر المختلف معه في العقيدة والمذهب حتي ولو كان مسالما .
وقد نفذ الاخوان هذه التعليمات بدقة ،اذ كانوا لا يسلمون علي غير الوهابيين ولا يردون عليهم السلام …
التكفير للآخر :
حكم عبد الوهاب بكفر الشيعة كلها ،واعتبر بلادهم بلاد حرب ، وقال(وان كلهم يشهدون ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله ويصلون الجمعة والجماعة ،فلما اظهروا مخالفة الشريعة في اشياء دون ما نحن فيه اجمع العماء علي كفرهم وقتالهم وان بلادهم بلاد حرب، وغزاهم المسلمون حتي استنقذوا ما بايديهم من بلاد المسلمين ) [ رسالة كشف الشبهات :12].
وحكم بتكفير الجميع بمجرد كلمة ،مثل ابن تيمية ،يقول (ان الانسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه، وقد يقولها وهو جاهل فلا يعزر بالجهل وقد يقولها وهو يظن انها تقربة لله كما يظن المشركون ) واستدل علي ما قاله السابقون في بيان حكم المرتد والمسلم الذي يكفر بعد اسلامه ،ثم ذكر انواعا كثيرة يترتب عليها الكفر واستحلال الدم والمال ،منها اشياء يسيرة عند من يفعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه او كلمة يذكرها علي وجه المزاح  [- كشف الشبهات :5،12.] .
واتجه ابن عبد الوهاب الي اهل عصره ليحكم بكفرهم ويؤكد علي انهم اشد كفرا من الكفار السابقين يقول(ان شرك الجاهلين السابقين اخف من شرك اهل زماننا بأمرين ،احدهما:ان الاولين لا يشركون ولا يدعون الملائكة والاولياء والاوثان مع الله الا في الرخاء واما في الشدة فيخلصون له الدعاء ..الامر الثاني :ان الاولين يدعون مع الله اناسا مقربين عند الله اما انبياء واما اولياء واما ملائكة ،او يدعون احجارا او اشجارا مطيعة لله ليست عاصية ،واهل زماننا يدعون مع الله اناسا افسق الناس) [ كشف الشبهات :10، رسالة تفسير كلمة التوحيد 35، رسالة اربع قواعد للدين 39] .
واحتج علي علماء عصره الذين يسمون البدو مسلمين ويقولون بحرمة دمائهم واموالهم مع ان اولئك العلماء حسبما يقول عبد الوهاب يقرون بأن البدو تركوا الاسلام وانكروا البعث ويستهزئون ممن يؤمن بالبعث ، ويقول عبد الوهاب علي علماء عصره (ومع كل هذا يصرح هؤلاء الشياطين المردة الجهلة ان البدو اسلموا ولو جري منهم كل ذلك، لأنهم يقولون لا اله الا الله )ثم يقارن بينهم وبين المرتدين في خلافة ابي بكر ،ويجعل بدو عصره اكثر كفرا من المرتدين السابقين،ثم يقول عن العلماء (ثم يفتي هؤلاء المردة الجهال ان هؤلاء البدو مسلمون ولو صرحوا بذلك كله طالما قالوا لا اله الا الله ، سبحانك هذا بهتان عظيم) [رسالة اربعة قواعد من الدين تميز بين المؤمنين والمشركين :37،38].

استحلال دم الآخر وماله ونسائه :
ويرتبط التكفير باستحلال الدم والمال في فكر الشيخ ابن عبد الوهاب ، ويربط في اسلوبه بين كلمتي (الكفار )ووصف (الذين قاتلهم رسول الله ) ليجعل الكفر مرتبطا باستحلال الدم ،وليفسر غزوات النبي بأنها كانت للاكراه في الدين واجبار المشركين علي الدخول في الاسلام خلافا لحقائق الاسلام التي سبق بيانها..
ونعطي بعض امثلة لما تناثر بين سطور الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الربط بين الكفار واستحلال دمائهم:
(القاعدة الاولي )من اربعة قواعد تميز بين المؤمنين والمشركين يقول عنها ابن عبد الوهاب (ان تعلم ان الكفار الذين قاتلهم رسول الله كانوا مقرين بان الله هو الخالق الرازق المحيي المميت ..وما ادخلهم ذلك الي الاسلام )والقاعدة الثالثة (ان النبي –ص- ظهر علي اناس متفرقين في عبادتهم …وقاتلهم النبي –ص- وما فرق بينهم …) [ رسالة اربعة قواعد من الدين تميز بين المؤمنين والمشركين :37،38].
واستدل بقوله تعالي ( وقاتلوهم حتي لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله )وفهم معني الفتنة بالمفهوم التراثي السياسي الذي يعني الحروب والثورات ،مع ان معني فتنة في القرآن هي الاضطهاد في الدين فيما يخص علاقة الناس ببعضهم البعض ،كقوله تعالي عن المشركين الذين كانوا يضطهدون المؤمنين ويقاتلونهم ليجبروهم علي الرجوع الي عبادة الاسلاف (والفتنة اكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتي يردوكم عن دينكم ان استطاعوا:البقرة 217)وقوله تعالي عن تعذيب وحرق اصحاب الاخدود(ان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم .:البروج10) وكقول بعض المنافقين للنبي يطلب منه  ان يأذن له بالتخلف عن المسير للجهاد الدفاعي ولا يجبره عليه(ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ،الا في الفتنة سقطوا :التوبة 49)أي ائذن لي ولا ترغمني علي الخروج ،والفتنة في تعامل الله تعالي مع الناس هي الاختبار والامتحان ولذلك سقط المنافقون في امتحان الايمان فقال تعالي عنهم (الا في الفتنة سقطوا)وقال عن الابتلاء بالخير والشر (ونبلوكم بالخير والشر فتنة والينا ترجعون :الانبياء 35).
ونعود الي ابن عبد الوهاب وهو يفهم الآية فهما تراثيا عكس مفهومها القرآني، فالاية (وقاتلوهم …)تجعل المقصد الاصلي من القتال هو منع الاضطهاد في الدين حتي يكون الناس احرارا في اعتناق ما يشاءون بلا ضغط او ارغام، وبهذا يتحقق الابتلاء والاختبار الذي خلقنا الله تعالي من اجله ويكون الدين علاقة خاصة بين العبد وربه، وهو وحده الذي يحاسب الناس علي اختيارهم الحر يوم القيامة او يوم الدين ،وهذا معني (ويكون الدين كله لله )اما الفهم التراثي السائد فهو الامر بالقتال للمشركين المخالفين في المذهب او الدين حتي ولو كانوا مسالمين لمنع العصيان والثورة ، وفي الحقيقة يكون الدين حينئذ لاصحاب السلطان الذين يستخدمون الدين او المذهب لتأكيد سلطانهم وليس لله تعالي الذي خلق الناس احرارا في اعتقادهم ليكونوا مسئولين امامه يوم القيامة علي اختيارهم .
ونتابع الشيخ ابن عبد الوهاب وهو يعلق علي احد القضايا فيقول (فمن هذه المسألة التي وضحها الله في كتابه وهي ان المشركين الذين قاتلهم الرسول –ص- يدعون الله تعالي ويدعون غيره في الرخاء )ويقول( اذا تحققت ان الذين قاتلهم رسول الله اصح عقولا واخف شركا من هؤلاء ) [ رسالة كشف الشبهات :10،11.وانظر ايضا 3،4،6،10].ويقول في تفسير كلمة التوحيد (ان تعرف ان الكفار الذين قاتلهم رسول الله وقتلهم واباح اموالهم واستحل نساءهم كانوا مقرين لله سبحانه وتعالي بتوحيد الربوبية وهو انه لا يخلق ولا يرزق ولا يحيي ولا يميت ولا يدبر الامور الا الله )..ومع هذا فلم يدخلهم ذلك في الاسلام ولم يحرم دماءهم ولا اموالهم ولكن الذي كفرهم واحل دماءهم هو انهم لم يشهدوا بتوحيد الالوهية ..الي ان يقول ..(وتمام هذا ان نعرف ان المشركين الذين قاتلهم رسول الله كانوا يدعون الصالحين فكفروا بهذا ..وهذا هو الكفر الذي قاتلهم عليه رسول الله ) [ -رسالة تفسير كلمة التوحيد :34.].
واستدل ايضا بحرب الردة التي حدثت في خلاف ابي بكر وقد دارت اهم معاركها في نجد .وكان يقارن بين اولئك المرتدين والبدو في عصره وموطنه .ويجعل اهل عصره اشد كفرا من المرتدين ومشركي العرب الجاهليين  [- رسالة ستة مواضع منقولة من السيرة النبوية :31،32]وبالتالي يستحقون القتل والقتال .ويقول ان الرجل اذا صدق رسول الله في شئ وكذبه في شئ فهو كافر وكذلك كمن امن ببعض القرآن وكفر ببعضه ،ومن اقر بذلك كله وجحد البعض فقد كفر بالاجماع ،وحل دمه وماله، ومن صدق الرسول في كل شئ وانكر وجوب الصلاة فهو كافر حلال الدم بالاجماع .ومن رفع رجلا الي مرتبة النبي كفر وحل ماله ودمه ولم تنفعه الشهادتان ولا الصلاة  [رسالة كشف الشبهات:12:11].
وبالتطبيق العملي لهذه الفتاوي فان الحكم عام باستحلال قتل الجميع وسلب اموالهم وانتهاك اعراضهم –الجميع ما عدا اتباع محمد بن عبد الوهاب طالما لم يختلفوا فيما بينهم ،فاذا اختلفوا وعارض بعضهم بعضا فان تلك الفتاوي ستجد مجال عملها فيما بينهم .
علي ان هذه الفتاوي اتت اكلها في عصر الدولة السعودية الاولي وبها تحول الغزو الي جهاد اسلامي بناءعلي تكفير اصحاب البلاد المجاورة واستحلال دمائهم واموالهم واوطانهم، ثم اعاد عبد العزيز زخم الفكر الوهابي حين انشأ علي اساسه الاخوان في القري او الهجر، حيث كانوا ينقطعون للعبادة والتدريب الحربي وحفظ مؤلفات ابن عبد الوهاب والاستماع الي دروس المطوعة ،وهم فقهاء نصف اميين تلقوا العلم علي ايدي علماء لا يسمع عنهم احد خارج الجزيرة العربية، ولكن اولئك العلماء هم الذين كونوا الايدولوجية الفكرية للاخوان ،وجعلوا فتاوي محمد بن عبد الوهاب تتحول الي واقع بالنار والدم في العقدين الثاني والثالث للقرن العشرين .

مظاهر لانعكاس فكر ابن عبد الوهاب علي الخلافات بين الاخوان وابن سعود:
التحالف بين العلماء والاخوان :
ونسترجع بعض القضايا الاساسية التي تحولت الي مشاكل بينه وبين الاخوان ،وفيها نري فكر ابن عبد الوهاب حاضرا ينطق به الاخوان في مؤتمر العلماء الذي ناقش بأمر عبد العزيز خمسة قضايا او مشكلات، كلها تعبر عن العقلية السائدة ،ونسترجع تلك المشكلات الخمس:
هل يطلق الكفر علي البدو والمسلمين الثابتين علي دينهم القائمين بأوامر الله ونواهيه؟ والواضح هنا ان الاخوان يحكمون بكفر الوهابيين الاخرين الذين يؤيدون عبد العزيز ودولته ولكن لم يقوموا بالهجرة الي الهجر او المستوطنات الجديدة- ومعني هذا ان محنة التكفير امتدت لتشمل حتي الاخوة في المذهب وفي الخندق الدفاعي ذاته ،بسبب انهم لم يهاجروا مثل الاخوان الي القري الجديدة .ومن الطبيعي ان الاخوان احتاروا في فهم ادلة محمد بن عبد الوهاب الذي يستخدم ايات القرآن وفق نظريته في التكفير والاستحلال.وايات القرآن تتحدث عن مؤمنين يعانون الاضطهاد في بلد ظالم يقولون تحت وطأة العذاب (ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم اهلها :النساء 75) هنا تكون الهجرة واجبة علي المستطيع، والله تعالي يعفو عن العاجزين عن الهجرة (النساء 98)اما ان يهاجر بعض الناس دون ان يظلمهم احد ولكن لكي يتدربوا علي القتال والغزو وكراهية الاخرين والاستعداد لحربهم بعد تكفيرهم، فلا شأن لهم بالهجرة النبوية، وهجرة المسلمين الذين كانوا مضطهدين في مكة .لقد دعا ابن عبد الوهاب للهجرة وفهم منها المطوعة او فقهاء الهجر ان من لم يهاجر فهو كافر حتي لو كان من الوهابيين فاصبحت مشكلة .
واضيفت لها مشكلة اخري وهي خاصة بارتداء الزي المعتاد للاخوان ،وهو زي الامام محمد ابن عبد الوهاب وهو العمامة دون العقال المعتاد ،ولأنهم اعتبروا انفسهم وحدهم المسلمين فقد اصبح سهلا اتهام غيرهم ممن لا يرتدي العمامة الوهابية بأنه كافر حتي لو كان يعتقد مثل اعتقاد الاخوان .وبالتالي فاذا كان الوهابيون الاخرون خارج نطاق الاخوان متهمين بالكفر مرشحين للاعتداء عليهم وعدم اكل ذبائحهم.. فكيف بالاخرين ؟ ولخطورة هذا التساؤل في التأسيس لحرب اهلية بين الاخوان وبقية الوهابيين فان مؤتمر العلماء واجه القضية بكل حسم، خصوصا وان اولئك العلماء كان معظمهم من الحضر وممن لا يقيمون في الهجر، ولذلك افتي العلماء بما يقرب التكفير لمن يكفر الاخوة الوهابيين ،وجعلت للمعاداة والموالاة مرجعية موحدة هي الولاية السياسية والولاية الشرعية .أي ان عبد العزيز وعلماءه فقط هم الذين يحددو‍‍‍ن الكفار المرشحين للاعتداء عليهم في الدنيا والمرشحين ايضا عندهم للدخول في النار في الاخرة ‍‍‍‍..‍‍‍‍ طالما ان بأيديهم مقياس الشريعة الالهية ..وهنا وقف العلماء في صف ابن سعود ،وكان حججهم سياسية اكثر منها فقهية مع ان ظاهر المشاكل كان فقهيا اكثر منه سياسيا .
2-وبالتالي اسفر مؤتمر العلماء عن منع الاحتكاك بين الاخوان وبقية الوهابيين ،ولم يعد للاخوان استطالة علي الاخرين من الوهابيين .
وبعد عودتهم محبطين الي نجد بعد نجاحهم في ضم الحجاز الي املاك عبد العزيز هدد زعيمهم فيصل الدويش باستعمال السيف ضد عبد العزيز اذا سار في نفس طريق الشريف حسين ،وفي العام التالي 1927 وجهوا ثمانية انتقادات اخري موجهه له شخصيا .وايضا نجد فيها ملامح الفقه الوهابي الذي تعلموه في الهجر ونستعرض تلك الانتقادات :
نقموا عليه ارسال ولده سعود الي مصر وهي بلاد الشرك وارسال ولده فيصل الي لندن وهي بلاد الكفر. أي لابد من مقاطعة المشركين والكفار واظهار العداوة والبغضاء لهم طبقا لما نادي به عبد الوهاب، وبالتالي فلا يصح ان يأتي المحمل المصري من بلد الشرك –بلد المقوقس –الي الحرم وهو مسلح ومصحوب بالات اللهو والمجون (الانتقاد الثاني )وايضا لا يصح استيراد المخترعات الحديثة الاتية من بلاد الشرك مثل السيارات والتلغرافات والتليفونات لأنها من السحر المحرم (الانتقاد الثالث ).اما (الانتقاد الرابع )فهو طلب لتفسير منع التجارة مع الكويت ،(فان كانوا مسلمين تعاملنا معهم وان كانوا مشركين حاربناهم) أي اما واما ..وليس هناك حل وسط ان كانوا مسلمين تعاملنا معهم وان كانوا مشركين حاربناهم .اما ابيض واما اسود ،اما مسلم علي نفس عقيدتنا ومذهبنا وملبسنا فيكون مثلنا ،واما ان يكون غير ذلك فنقاتله .وهي المعادلة الطبيعية لفكر التكفير والاستحلال .وجاء(الانتقاد الخامس) يستنكر القوانين الوضعية الخاصة بالمكوس والضرائب التي لم يعرفها العصر العباسي وما بعده اذن فهي ليست من الشريعة، وكان( الانتقاد السادس ) يستنكر السكوت علي الشيعة (الكفرة )وعدم ادخالهم (بالقوة والاكراه )في دين الجماعة ،أي ان المذهب والتدين الوهابي هو دين الجماعة ،ويستنكر (الانتقاد السابع )السماح للبدو في العراق وشرق الاردن بالرعي في مراعي المسلمين (أي الوهابيين )مع ان هذه المراعي كلأ مباح علي جانبي الحدود ترعاه مواشي المسلمين الوهابيين وغير الوهابيين منذ قرون .وجاء التساؤل الاخير عن هدم القبور... والاتهامات هنا تخص عبد العزيز وحده وسياسته ولا شأن للعلماء بها مثل الاتهامات السابقة التي كانت تطول الوهابيين خارج نطاق الاخوان .ولذلك وجد العلماء فرصتهم لاستنطاق الشيخ ابن عبد الوهاب بعد وفاته ، خصوصا وقد كان من بين هؤلاء العلماء الخمسة عشر مجموعة لا بأس بها من آل الشيخ ، وبالتالي لابد لفكر الشيخ ان يكون حاضرا بحذافيره ،وهم ورثة ذلك العلم والقائمون علي حفظه وتستعرض فتاويهم ورودهم :-
فقد توقفوا عن الافتاء في موضوع التلغراف ،ولم يقولوا بأنه مباح او انه محرم لأنه ما قرءوا عنه حكما في فقه ابن حنبل وابن تيمية وابن عبد الوهاب ولأنهم ايضا لم يقفوا علي حقيقته ..وذلك اقرار صريح بالعجز عن الاجتهاد في ابسط المسائل .وافتوا لابن سعود بهدم القبور المقدسة موافقين لرأي الاخوان، ووافقوهم ايضا في وقف القوانين الحديثة ولا حكم الا للشرع المطهر (الحنبلي ) أي التطرف في تقديس اراء ابن حنبل بل التطرف في احتكار الاراء الاخري المخالفة ووافقوهم ايضا في منع الحجاج المصريين من الدخول بالسلاح ومنع المحمل ومنع اظهار الشرك وجميع المنكرات، وزايد العلماء علي الاخوان في هذه المسألة مما يعد موافقة من العلماء علي موقف الاخوان من حادث المحمل المصري قبلها، ويبدو الامر كما لو ان ثمة اتفاقا بين العلماء والاخوان علي اثارة هذه المشاكل فالاخوان، يتساءلون عن معني السكوت عن الشيعة في الاحساء والقطيف والتغاضي عن ادخالهم في دين الجماعة ،وتأتي اجابة العلماء غاية في التطرف كأنما كانت تنتظر وترجو مثل هذا التساؤل لتوضح للامام ابن سعود ما يجب عمله ،تقول الفتوي (واما الرافضة أي الشيعة-فافتينا الامام ان يلزمهم البيعة علي الاسلام –أي يجبرهم علي اعتناق الوهابية (ويمنعهم من اظهار شعائر دينهم الباطل )أي اكراه لهم علي ترك معتقدهم ،ووصف له بالبطلان وهم –أي الشيعة –يحتفظون للوهابية بنفس الوصف ولكن صاحب القوة هو الاعلي صوت ونفوذا .ثم تستطرد الفتوي لتزيد وتؤكد بصيغة الإلزام ليس للشيعة وحدهم بل للامام ابن سعود ايضا (وعلي الامام ان يلزم نائبه عن الاحساء ان يحضرهم عند الشيخ ابن بشر ويبايعوه علي دين الله ورسوله،وترك دعاء الصالحين من اهل البيت وغيرهم وعلي ترك سائر البدع ،من اجتماعهم علي مآتمهم  ( يوم عاشوراء ،ذكري استشهاد الحسين ) وغيرها مما يقيمون به شعائر مذهبهم الباطل .. ونلاحظ هنا الحرص علي ان تكون مكانة  ابن بشر الفقيه اعلي من مكانة امير الاحساء ،وهو عبد الله بن جلوي  ابن عم الملك واهم من اقام معه دعائم الدولة الوليدة، ومبعث هذا الحرص هو الايحاء بتكاسل ابن جلوي عن اكراه واضطهاد الشيعة في الاحساء. وقد كان ابن جلوي مشهورا بقسوته مع قبائل العجمان المتحفزة للثورة كما كان حازما مع الاخوان، ولم يكن يمكن احدا منهم علي ان يمارس نفوذا في الاحساء ، وبالتالي عاش الشيعة في امن تحت ولا يته عليهم ، ومن هنا تمتع ابن جلوي بكراهية العلماء والاخوان معا، واظهر موقفهم منه مدي الوحدة الفكرية والسياسية بينهم ،حيث يجتمعون معا حول فكر ابن عبد الوهاب الذي افتي بتكفير الشيعة وقاسي منهم الكثير في البصرة والعراق ثم قاسي الشيعة من الدولة السعودية الكثير والكثير في الجزيرة العربية وفي العراق .
وجاءت قصة المعارضة الاخوانية لتعيد فصلا من فصول الاضطهاد الديني في العصور الوسطي، ولا تكتفي فتاوي العلماء بما قالته عن الشيعة ،بل تضيف إليه برنامجا كاملا لمحو التشيع واحلال الوهابية محله ،تقول الفتوي (ويمنعون من زيارة المشاهد –أي القبور المقدسة –كذلك يلزمون بالاجتماع علي الصلوات الخمس هم وغيرهم في المساجد) أي منعهم من دخول مساجدهم ،والزامهم بدخول المساجد السنية الحنبلية الوهابية ،(ويرتب فيهم ائمة ومؤذنون ونواب من اهل السنة )أي وبالتالي منع شيوخهم من الصلاة معهم ،او الاجتماع بهم ،وتقول الفتوي بتعليمهم كتب ابن عبد الوهاب( ويلزمون بتعليم ثلاثة الاصول ،وكذلك ان كان لهم محال مبنية لاقامة البدع تهدم )أي هدم مساجدهم ومقدساتهم لأنها بدعة لدي التدين الوهابي، فماذا اذا مارسوا نفس البدع في المساجد السنية والوهابية ،وكأن الفتوي تتحفز للرد علي هذا السؤال فتقول مباشرة (ويمنعون من اقامة البدع في المساجد وغيرها ) أي حتي في البيوت حتي لو اضطروا لممارسة طقوسهم خفية. فما الحكم اذا رفض بعض الشيعة ذلك الاكراه في الدين ،تسرع الفتوي بالاجابة وتقول (ومن ابي قبول ذلك ينفي من بلاد المسلمين )أي ان الاحساء اصبحت بلادا للمسلمين أي الوهابيين والاخوان، واهل الاحساء وسكانها الاصليون اذا لم يقبلوا ان يكونوا وهابيين فليتركوا بلادهم التي لم تعد بلادهم .
وتنظر الفتوي بعين الرعاية ايضا الي شيعة القطيف ،ويوجب العلماء علي الامام عبد العزيز ان ينفذ نفس الاوامر والنواهي الصادرة بحق الاحساء علي شيعة القطيف ،تقول الفتوي المباركة (واما الرافضة "الشيعة" من اهل القطيف :فيلزم الامام –ايده الله –الشيخ ابن بشر ان يسافر اليهم ويلزمهم بما ذكرنا .) أي ان العلماء يلزمون عبد العزيز ،والشيخ ابن بشر يلزم شيعة القطيف .
أي ان اولئك العلماء هم اصحاب الولاية الحقيقية حتي علي السلطان القائم ، تماما كما يقول الشيعة في ولاية الفقيه علي الحاكم السياسي .
وتتعرض الفتاوي الي نقطة اخري لم ترد في اسئلة الاخوان ،وان كان لا مانع من التكليف بها وهي (البوادي والقري )التي دخلت في ولاية المسلمين :فأفتينا الامام ان يبعث لهم دعاة ومعلمين ،ويلزم (الامام)نوابه –أي الامراء –في كل ناحية بمساعدة المذكورين علي الزامهم بشرائع الاسلام ، ومنعهم من المحرمات )وهذه الناحية الجديدة التي افتي فيها العلماء دون ان يستفتيهم فيها احد تعطي للعلماء وظائف جديدة ،ونفوذا سياسيا في المناطق المفتوحة يزيد علي نفوذ الامراء فيها . وتقول الفتوي عن رافضة او شيعة العراق (واما رافضة العراق الذين انتشروا وخالطوا بادية المسلمين فافتينا الامام بكفهم عن الدخول في مراتع المسلمين أراضيهم) وعن المكوس قالوا (انها من المحرمات الظاهرة ،فان تركها فهو الواجب عليه ،وان امتنع فلا يجوز شق عصا طاعة المسلمين والخروج عن طاعته من اجلها ) (واما الجهاد فهو مخول الي نظر الامام .وعليه ان يراعي ما هو اصلح للاسلام و المسلمين علي حسب ما تقتضيه الشريعة الغراء ).
ويلاحظ ان الفتاوي تجاهلت احراج الملك عبد العزيز في الرد علي الانتقاد الموجه إليه بخصوص ارسال ابنه الي مصر وابنه الاخر الي لندن .كما تجاهلت الاجابة الصريحة علي الموقف من اهل الكويت ،اهم مسلمون تجوز التجارة معهم ام كفار يجب قتالهم ،واجابت الفتوي اجابة عامة عن تخويل الامام ابن سعود في موضوع الجهاد علي ان يعمل حسب الشريعة ،أي حسب رأي العلماء .
وبالتالي يضعون انفسهم في موقع السلطة بقدر ما يستطيعون .
ومع ذلك فان معظم الفتوي كانت في صالح الاخوان وخصومتهم مع الملك .ويقول مستشار الملك عبد العزيز حافظ وهبة (ازاء هذه الفتوى اضطر الملك الي عدم قبول المحمل ، كما اضطر الي هدم مسجد حمزة وتعطيل التلغراف اللاسلكي ،فعمل بذلك علي تلافي الفتنة او تأجيل وقتها ) [ - حافظ وهبة :الجزيرة العربية في القرن العشرين :293:291]
ويلاحظ ان هناك بين كلمات حافظ وهبة كلاما مسكوتا عنه حمل الملك علي ان يضطر علي فعل اشياء لا يرضي عنها حتي يتلافي الفتنة او يؤجل وقتها .وربما كان ذلك الاضطرار بناء علي نصيحة من مستشاره المؤرخ حافظ وهبة ،ولكن المؤكد –الذي سيظهر فيما بعد –ان الملك عبد العزيز لم ينس هذا الموقف للعلماء ، وربما ادرك انهم يلعبون معا من خلف ظهره، خصوصا وانه بعد المؤتمر هاجم فيصل الدويش زعيم الاخوان ( النجديين ) قلعة (بسية) فى العراق وقتل كل من فيها استنادا الي فتوي اولئك العلماء بمنع شيعة العراق من الدخول في مراعي المسلمين .
واستفحل تمرد فيصل الدويش حتي انه رفض استدعاء عبد العزيز له واشتدت دعاية الاخوان ضده ،ومحتمل جدا ان يكون قد شارك فيها المطوعة في الهجر ،لأن اتهاماتهم لعبد العزيز منذ ذلك الوقت كانت تقترب من تكفيره بحجة انه تحالف مع الانجليز علي حساب التزامه الاسلامي حسبما يعتقدون .
*وفي المؤتمر العام للرياض في 5/11/1928 كان واضحا ان عبد العزيز قد حاول ما امكن السيطرة علي علمائه ليقفوا الي جانبه بعدما تبين خطورة الموقف .ولكونهم في قبضته وقد اصبحت المسألة حياة او موت فان موقف العلماء اصبح اقرب الي مهادنة عبد العزيز،ولذلك كان كلامهم بمثابة تبرير او اعتذار لما سبق منهم من التلويح باتهامه بالكفر اذ اقسموا انهم لم يكتشفوا قط أي فتور في غيرة ابن سعود علي الدين ، وان كان قد اخطأ فلا بأس اذ لا يعطي هذا الخطأ المبرر لأحد ان يدير ظهره للملك ،وحتي لا يتهمهم احد بالخوف من عبد العزيز –ومن الواضح فعلا انهم كانوا خائفين – فانهم اكدوا علي انهم لا يتحدثون خوفا من عبد العزيز ولكن للنصح والارشاد .
وادرك ممثلو الاخوان تراجع العلماء في المؤتمر فاصروا علي احراجهم بطرح نفس الاسئلة التي يعرفون مسبقا رأي العلماء فيها وانه مخالف لرأي عبد العزيز وموافق لرأي الاخوان حيث يؤمن الفريقان (العلماء والاخوان )بنفس الفكر الذي كتبه الشيخ ابن عبد الوهاب دون تجديد .وهكذا طرحوا اسئلة للعلماء واقسموا علي اتباع ما يقوله العلماء : وهي حكم الاسلام في التلغراف ،الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتساهل عبد العزيز فيه ،موضوع القلاع ومنع الاخوان من الجهاد .والملاحظ ان كل تلك  القضايا قد تمت صياغتها باسلوب فقهي ديني لمزيد من احراج العلماء ،كقولهم" وقف الناس عن القيام بالجهاد ولماذا اوقف نشر كلمة الله ."
وهذه المسائل الاربعة هي تقريبا فحوى مؤتمر الارطاوية في ديسمبر 1926 ،والتي رد عليها العلماء في مؤتمر يناير 1927 بما يرضي الاخوان وبما يزايد علي عبد العزيز ومطالب الاخوان معه .
فعلي سبيل المثال الزم العلماء عبد العزيز باتخاذ موقف حاسم ضد الشيعة في الاحساء وفصلوا فيما يجب عليه ان يفعله بما يعطي لهم سلطة تفوق السلطة السياسية لابن جلوي حاكم الاحساء وربما تفوق سلطة عبد العزيز نفسه .وجاء الاخوان في المؤتمر العام التالي ليذكروا العلماء بنفس الموضوع تحت مصطلح ديني لا يجادل فيه احد وهو "حض القرآن الكريم عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" ومدي تساهل عبد العزيز في هذا الموضوع الذي كان يشكل احد اهم بنود التحالف بين محمد بن عبد الوهاب والامير محمد بن سعود .والامر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني لديهم تنفيذ الاجراءات التي الزم بها العلماء عبد العزيز في المؤتمر الماضي ،ولم يتم تنفيذ شيئ منها نظرا لان ابن جلوي يحمي الشيعة في الاحساء بقدر ما يمنع الاخوان من التسلط في ولايته .وطلب عبد العزيز رأي العلماء في الرد علي تلك المشكلات ، فجاءت فتواهم اكثر تقدمية في موضوع التلغراف ، فبعد ان كانوا قد توقفوا في حكمهم بدون تحريم او اباحة ، نجدهم في المؤتمر العام يكررون نفس موقفهم مع اضافة موجهة للاخوان تقول "طالما لا يستطيع المعارض ان يقدم دليلا شرعيا علي حرمتها فانهم لا يرون حرجا في استعمالها) أي القوا بالكرة في ملعب الاخوان .
ورد عبد العزيز بالنيابة عن العلماء في موضوع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بانه ارسل الدعاة واذا كان هناك تقصير من المسئولين فعليهم ابلاغه به ، وقال ان القلاع انشئت بسبب غارات فيصل الدويش وخوفا من الاخوان وبمعني اخر انها حصون دفاعية وليست للهجوم علي الاخوان بل خوفا من هجوم الاخوان .واصر الاخوان علي رأيهم في القلاع ، وصمموا علي استفتاء العلماء فيها، فجاءت فتوي العلماء مؤيدة للاخوان، فاضطر عبد العزيز للموافقة. وفي موضوع الجهاد اوغزو البلاد المجاورة اجتمع عبد العزيز بخمسين منهم اجتماعا خاصا لاقناعهم، ورغم الاقتناع الظاهري فان المؤتمر كان في الحقيقة تميهدا لتحول المعارضة السياسية الي تمرد عسكري حسمته معركة السبلة .
وفي هذا التحول اسهمت الهجر وفقهاؤها بدور كبير في الدعاية المضادة لابن سعود وحشد انصار للاخوان، واكد الدويش علي موضوع الغزو والجهاد ليزيد في احراج عبد العزيز ،وليتهمه بالكفر تأسيسا علي اتهامه بالتحالف مع الانجليز، او انه باع نفسه اليهم ،ويقول له (ولكنك الان تعاملنا بالسيف وتتغاضي عن النصاري ودينهم ..)
وبعد انتصار السبلة كشر عبد العزيز عن انيابه للعلماء وشيوخ القبائل معا،وهددهم بلهجة حاسمة بنفس مصير الاخوان اذا كرروا ما سبق .
والملاحظ ان مؤتمري الدوادمي والشعراء قد اختفي فيهما صوت العلماء ،ولم يعد احد يستفتيهم او يجعلهم حكما بينهم وبين الملك .بل اصبح الملك هو الذي يتحدث عن الشرع ويهدد خصومه بلهجة حاسمة .وبانتهاء التمرد الثاني انتهت معه سطوة العلماء مما اعطي لعبد العزيز حرية الاجتهاد السياسي بعيدا عن الانغلاق الفقهي الذي كان يمثله الفقهاء ،وينفذه بسيوفهم الاخوان ، وبذلك انهي عبد العزيز نظاما انشأه بنفسه ،نظام الاخوان وآلية تثقيف البدو بالدعوة الوهابية .
آلية تثقيف البدو ليكونوا اخوانا :
قامت هذه الآلية علي طريقتين ،بالنسبة لشيوخ القبائل ،كان يتم استدعاؤهم لاخبارهم بغلظة انهم كفار ويجب ان يعرفوا الاسلام، ثم  يؤمرون بالانتظام في مدرسة العلماء المحلية في الرياض بينما يتم  ارسال ستة من العلماء  في حراسة مشددة الي نفس القبيلة لتفقيه اهلها ،وعندما يصبح شيخ القبيلة متفقها في الوهابية يقيم له بيتا في الرياض ليكون بجانب عبد العزيز .
وقام بالتثقيف العلماء ثم المطوعة .
العلماء هم اساتذة المطوعة، ويشتركون في القتال يوم الجهاد، وهم فلاسفة في غير اوقات الجهاد ، ومثلهم في ذلك المطوعة ،ويدور المطوعة بين القبائل في الصحراء في لباس تقشف مع القدرة علي الاقناع وقوة الشكيمة ايضا .ولكن يعرف الحدود الفاصلة بين استعمال الحجة واللجوء الي القوة .وبالطبع كان اولئك المطوعة همزة الوصل بين عبد العزيز والرعية العاديين والمسئولين .
اما المحتوي الثقافي الذي تكونت علي اساسه عقلية البدو  ليكونوا اخوانا فكانت رسائل مبسطة كتبها الشيخ عبد الله ابن محمد بن عبد اللطيف وتم توزيعها علي القبائل ،وقام علي تدريسها العلماء والمطوعة لشيوخ القبائل وافرادها، واحتوت هذه النشرات علي التحذير الشديد من الشرك والامر بانذار البغاة وارباب البدع و الضلال ،والحرص علي ارشادهم وتنوير اذهانهم، فاذا اصروا علي الضلالة وجب تأديبهم، والامر بالتنكيل لكل من يوالي اعداء الدين علي اخوانه او يعمل بما يجر الضرر للمسلمين ..الخ .واعتمدت علي الترغيب والترهيب بصورة حسنة مبالغ فيها وادخلت في روع البدو تصويرا محببا لنعيم الجنة تتضاءل الي جانبه متع الدنيا، وهي بطبيعته نادرة لدي البدوي في بيئته القاحلة ، وكان الجهاد يعني ذروة الخلاص للبدوي في الدنيا والاخرة، اذ يعني الغنائم الحلال في الدنيا والنصر ،او الجنة ونعيمها في الاخرة .والجهاد هو قتال المختلف في المذهب والعقيدة لاهون الاسباب طالما هم يمتلكون ناصية التكفير ويستعملونه حسبما يشاءون . [ -المختار : المرجع السابق 2/147]
وبهذه الالية توحدت الايدولوجية بين العلماء والمطوعين للاخوان ،وعزز هذه الايدولوجية اشتراك اساتذة الاخوان (وهم العلماء )مع الاخوان في القتال ،لذلك انتهت سطوة العلماء بانتهاء سطوة الاخوان ، خصوصا وان اسلوبهم في الحرب كان انعكاسا لتلك الثقافة الوهابية .
الحرب تجسد البناء الايدويولوجي للاخوان :
تثقيف الاخوان في الهجر توزع بين الصلاة وقراءة السيرة النبوية في الجهاد ورسائل الفكر الوهابي ،وكانت الحرب هي التجسيد الحي لهذا التثقيف ،ففي المعركة يشعر الاخواني انه علي وشك اجتياز الحاجز بين الدنيا والاخرة . والحرب ليست فقط المنفذ الوحيد لدخول الجنة ،بل هى ايضا المخرج الوحيد للخروج من الحياة الرتيبة داخل الهجر ،وهي المحك العملي لما يتعلمونه في صلاتهم وتثقيفهم .
وصيحاتهم اثناء المعركة عكست هذه الايدولوجية ،ومنها (هبت هبوب الجنة ..وين انت يا باغيها ..انا خيال التوحيد ..اخو من اطاع الله ..بين رأسك يا عدو الله …اهل التوحيد اهل التوحيد …اهل العوجاء اهل العوجاء )(أي اهل الرياض ).وعند افتتاح الهجوم يصيحون :( اياك نعبد واياك نستعين ) [ وهبة :الجزيرة العربية في القرن العشرين :295].
وعقيدتهم في التشوق للجنة واعتبار الحرب هي القنطرة التي توصلهم للجنة تتجلي في صياحهم (هبت هبوب الجنة وين انت يا باغيها )وموالاة انفسهم او التعصب الذاتي وتكفير الاخر واستحلال دمه يظهر في قولهم (انا خيال التوحيد اخو من اطاع الله ..بين رأسك يا عدو الله ).
ومعني انهم يبدأون الهجوم (بأياك نعبد واياك نستعين )ان الجهاد اصبح قرين الصلاة لديهم ..اذ تداخلت فريضتا الصلاة والجهاد لديهم ، ففي كل هجرة توجد اسماء الرجال ،وهي تراجع قبل كل صلاة ،كما تراجع ايضا قبل كل غزوة ،والمتخلف عن الصلاة وعن القتال عقوبته الموت ،وحين يؤدون فرض الصلاة يتخذون الشكل العسكري اذ تظل البنادق مرافقة لهم حتي داخل المسجد ولكن تكمم افواهها وتظل مدلاة في اجنابهم او توضع امامهم في الصلاة ثم يقفون في صفوف متماسكة خلف الامام في الصلاة  [DICKSON   ,OP  . CIT  .PP.  156,126] وخلفه في القتال، وامامهم في الصلاة ،وهو قائدهم في الحرب .ونأخذ تطبيقا لذلك مما حدث في موقعة تربة اشهر معارك الاخوان والتي هزموا فيها اقوي جيش للشريف حسين .يقول عبد العزيز يصف المعركة(كان لدي الشريف حسين عشرة آلاف جندي متمركزين في المدينة وسبعة آلاف جندي في الحجاز اضافة الي عشرين مدفعا واربعين رشاشا ومؤن وذخيرة يحملها عشر آلاف جمل، بينما وصل عدد الاخوان الي حوالي الفين ، كان من بينهم خمسمائة اخ بدون سلاح اللهم الا السيوف والخناجر .كان الشريف حسين قد حفر خنادق يكفي عمق الواحد منها لتغطية قامة رجل من الرجال ،واقام تحصينات ،كما قام ايضا بوضع المدافع والرشاشات في كل موقع من المواقع .وقد بدأ الاخوان تقدمهم عند منتصف الليل، وبعد ان ادوا صلاة الفجر استعانوا (بلا اله الا الله )علي مدافع الشريف حسين وبدأوا الهجوم عليه في الصباح واستمرت المعركة طوال النهار بكامله والليلة الثانية الي الباقية ..)وعن نفس الموقعة يقول من الجانب الاخر من الهاشميين الشريف عون بن هاشم وقد شهد الموقعة وهو في الخامسة عشر من عمره وعاش بعدها يقول للريحاني (رأيت الدم في تربة يجري كالنهر بين النخيل ،فبقيت سنتين عندما اري الماء الجارية اظنها والله حمراء ،,رأيت القتلي في الحصن متراكمة… ومن اعجب ما رأيت، رأيت الاخوان اثناء المعركة يدخلون الجامع للصلاة ثم يعودون للقتال !!).
والارتباط بين القتال والصلاة لا يظهر فقط في افتتاح القتال بالفاتحة (اياك نعبد واياك نستعين )وليس فقط باطلاق الرصاص مفاجأة كالآذان للصلاة ،وانما يظهر هذا الارتباط ايضا بمواقيت القتال التي جعلوها اشبه بمواقيت الصلاة وتميزت بذلك عن غارات البدو العادية .
وقد جعلوا للقتال مواقيت اربعة ،الصباح او التصبيح في الصباح ،والغارة او اللقوة ،وهي في الضحي  ،والرباح أي التراويح بعد الظهر ،والهجاد او المجهاد في الليل مما بين غروب الشمس الي طلوع فجر اليوم التالي ،ومعركة تربة تنتمي للنوع الاخير  [ام القري : العدد  302 في 19 سبتمبر 1930 .].
وهذا الارتباط الديني والعقائدي بين القتال والصلاة ادي الي تحول القتال الي استحلال و مذابح ، وهذه المذابح شملت النساء والاطفال و ادت بدورها الي  شهرة سيئة للاخوان نشرت الفزع منهم ،مما ساعد علي سهولة استيلاء عبد العزيز علي بعض المدن كما حدث في ضم مكة والمدينة وجدة .
وكان الاخوان انفسهم ضحايا هذه المذابح ،اذ اشتهروا بالتهور وهذا منطقي طالما يعتقدون ان الجنة تنتظرهم بما فيها من نعيم وحور عين وليس بينهم وبينها الا الموت والقتل ،علي نحو ما يتردد في كتب التراث الذي تربوا عليه ،وساعد علي هذ الروح هتافاتهم الحماسية بالتقدم نحو الجنة ،كما ساعد علي ذلك ايضا هجومهم العشوائي بأسلحة بدائية امام اسلحة حديثة مثل المدافع والرشاشات والمركبات الحربية ،وحدث هذا عندما واجهتهم الاسلحة البريطانية في جنوب العراق وشرق الاردن  [-خلة :محمود كامل :التطور السياسي في المملكة الاردنية .  317،318]أي عندما خرجوا خارج نطاق الجزيرة العربية .
اما المذابح التي اقامها الاخوان لخصومهم فالحديث عنها يطول ،ورأينا جانبا منها في روايتين لابن سعود والشريف عون بن هاشم عن موقعة تربة .والواقع ان الاخوان كانوا يهجمون علي الهدف بشكل خليط همجي من الرجال والخيول والابل والمشاة يدمرون معسكر العدو ويقتلون كل من يجدونه من البشر دون رحمة ،فاذا كان الهدف مدينة او قرية اضيف الاطفال والنساء والشيوخ الي قائمة الضحايا .ففي هجومهم علي الكويت في معركة الجهرة قتلوا النساء سنة 1920 ،ونفس الحال في هجومهم علي ثريب في شرق الاردن سنة 1924 ،وقتلوا النساء والاطفال والشيوخ عندما افتتحوا الطائف في 7/9/1921 وسجل المراقبون الاجانب ان الاخوان لايحتفظون بالاسري وانما يذبحون كل من يقع في ايديهم، وكانت الدعوات للانضمام الي الوهابية او الاسلام تحمل التهديد لمن لا يستجيب بالاعدام .وتقول احداها (ان من ينضم الينا يأمن علي ممتلكاته واسرته )وقيل عنهم انهم ظلوا لعدة سنوات لا يخيفون الاطفال وحدهم وانما الكبار ايضا ..وقد قتلوا جميع الرجال والنساء والاطفال في المنطقة ما بين المويلة وشرق الاردن، وقد ادت هذه الوحشية الي انشاء البريطانيين قلعة بسية التي كانت سبب المعارضة السياسية والحربية بين الاخوان وعبد العزيز .وقد اعترف اثنان من الاخوان الاحياء الي جون حبيب ،وقد قالا انهما شاركا في الغارة التي توغل فيها الاخوان داخل العراق ،وقد استغرقت المسيرة عشرة ايام، وانهما فيما بينهما قتلا حوالي الف شخص ، وكان القتال يجري ليل نهار ،وانهما لم يناما سوي ثلاث ساعات فقط في اليوم ،وكان طعامهما من التمر والخبز والقهوة ،وحفنة من التمر.
وذيوع شهرة الأخوان بهذه الوحشية وقتل المدنيين بدون تمييز كان من عوامل الخلاف والتعارض بينهم وبين عبد العزيز الذي حاول ان ينبههم الي ذلك مرارا، ورأينا كيف كان فيصل الدويش ورفاقه يريدون ان يكرروا ما فعلوه في الطائف في المدينة وجدة ..وحين رفض عبد العزيز انسحب الدويش غاضبا ..ورأينا كيف اشترطت تلك المدن الا يدخلها الاخوان مما جعل عبد العزيز يرسلهم الي نجد، وكانت بداية مرحلة حاسمة للمعارضة الاخوانية .وعندما تمردوا وهاجموا اخوانهم الوهاببين من اتباع عبد العزيز، فأنهم قتلوا الشيوخ والنساء والاطفال كما ذكر حافظ وهبة القائل تحت عنوان( الاخوان ) (اذ ذكر الاخوان علي حدود العراق او شرق الاردن او الكويت استولي الرعب علي قلوب السكان ،وهب البدو يطوون الصحراء لائذين بالبلاد القريبة منهم يحتمون بجدرانها وابراجها، فهم رسل الذعر والرعب في بلاد العرب ) ثم انطلق في التاريخ لهم الي ان قال (وقد ظهرت قوة الاخوان الحربية في هزيمة اهل الكويت هزيمة منكرة في موقعة حمض سنة 1919،ثم في حصار شيخ الكويت في الجهرة 1920 ،وفي ابادة جيش الشريف عبد الله في موقعة تربة 1919 وفي هجومهم المتكرر علي العراق والكويت وشرق الاردن .)ثم يشير حافظ وهبة الي ان بعض هذه الغزوات والغارات كانت بدون اذن عبد العزيز فيقول (وبالرغم ان امامهم كان ينهاهم كثيرا عن هذه الغزوات وانه كان يأمرهم بالرفق وعدم القتل، وعلي الرغم من ان علماءهم كانوا يوصونهم بعدم قتل الاسير او المستجير فانهم لم يصغوا لاحد .وان من يقرأ رسائل العلماء في الانكار عليهم وعلي انصاف المتعلمين الذين سمموا افكارهم يري ان علماء نجد لم يقصروا في النصيحة ويعلم ان ما يأتيه بعض الاخوان مما تأباه طبائع العرب ولا تقره الشريعة الاسلامية ، ولا يصح ان تلقي بتعته علي علماء نجد او الملك عبد العزيز ) [ حافظ وهبة :جزيرة العرب في القرن العشرين : 297،285،288] .
وهذه الكلمات الديبلوماسية لمستشار الملك عبد العزيز تستحق بعض التعليق ، فالواضح انه يريد تبرئة الملك عبد العزيز وعلماء نجد من المسئولية .وقد اوضح الملك عبد العزيز موقفه فتمرد عليه الاخوان وكفروه .اما علماء نجد فقد كانوا الي جانب الاخوان حتي اظهر لهم الملك عبد العزيز انيابه فاضطروا الي الانحياز إليه ،اما المطوعة وفقهاء الاخوان ،فقد ظلوا مع الاخوان حينما تحدد الاختيار بين نجد او الاخوان او بين الوهابيين التقليديين الحضريين والاخوان البدو الصحراويين .
ويقول (ان ما يأتيه بعض الاخوان مما تأباه طبائع العرب ولا تقره الشريعة الاسلامية)  والصحيح ان الشريعة الاسلامية الالهية ترفض قتل المدنيين كما ترفض قتال من لم يعتد ولم يبدأ في القتال، ولكن طبائع العرب استحلت قتل الاطفال والنساء في العصور الوسطي ،واتت هذه الشرعيات من نفس المنطقة ،من نجد وما حول نجد، لقد عاش شيخ المؤرخين العرب محمد بن جرير الطبري وادرك بداية القرامطة ورأى علي الطبيعة تخريبهم للعراق والشام، ولعل ذلك ما جعله يخشي علي حياته ويوجز التاريخ في السنوات الاخيرة من تاريخه، ومع هذا يقول بايجاز سريع عن القرامطة (وفي هذه السنة-286- ظهر رجل من القرامطة يعرف بابي سعيد الجنابي من البحرين ،فاجتمع إليه جماعة من الأعراب والقرامطة، وكان خروجهم في ما ذكر في اول هذه السنة وكثر اصحابهم في جمادى الاخرة وقوي امره فقتل من حوله من اهل القري )أي قتل كل الاحياء في القري ..ثم يتحدث الطبري عن غزوات ابن زكروية القرمطي في الشام سنة 290هـ وكيف اطاعه اهل البوادي وغيرهم فاشتدت شوكته وصار الي دمشق وصالحه اهلها علي خراج يدفعونه اليهم فانصرف عنهم، ثم سار الي اطراف حمص فتغلب عليها وخطب له علي منابرها وتسمي بالمهدي، ثم سار الي حماة ومعرة النعمان وغيرهما ،فقتل اهلها وقتل النساء، ثم سار الي بعلبك فقتل عامة اهلها حتي لم يبق منهم فيما قيل الا اليسير ،ثم سار الي سلمية فحاربه اهلها ومنعوه من الدخول ،ثم وادعهم واعطاهم الامان ففتحوا له بابها فدخلها فبدأ بمن فيها من بني هاشم ،وكان بها منهم جماعة فقتلهم ثم ثني بأهل سلمية فقتلهم اجمعين، ثم قتل البهائم ثم قتل صبيان الكتاتيب ثم خرج منها وليس بها عين تطرف، وسار فيما حوالي ذلك من القري يقتل ويسبي ويحرق ويخيف السبيل)) [ الطبري :محمد بن جرير (224-310) تاريخ الطبري  10/71،100].
اذن اعتاد أولئك العرب ان يفعلوا ذلك تحت شرعية بشرية تحترف التدين وتستحل به دماء الابرياء حتي الاطفال والنساء وبدون هذه الشرعية الدينية احترف البدو –في العصور الوسطي –السلب والنهب بالطريق (العلماني )أي بدون مبرر ديني .وكان الاطفال والنساء والشيوخ من بين الضحايا ايضا ،خصوصا في قوافل الحج. مع ان الشرعية الالهية تؤكد علي حصانة الحجاج اثناء سيرهم الي الحرم بالاضافة الي حصانة الحرم في حد ذاته (المائدة 2).
والفارق بين غارات الاعراب العادية أو ( العلمانية ) وجهاد الاعراب تحت شرعية دينية بشرية ان غارات الاعراب العاديين كانت تستهدف السلب والنهب اساسا ولا تلجأ الي القتل المباشر الا مضطرة، فاذا تبين للاعراب ان القافلة تستعصي علي الاغارة اعرضوا عنها ، واذا اشترت منهم القافلة سلامتها بالاموال سارت في حماية الاعراب انفسهم .ويختلف الامر مع جهاد الاعراب انه يستهدف الابادة جنب الي جنب مع السلب والنهب والتدمير ..وقد اعطينا مثالا ساطعا رواه شيخ المؤرخين الطبري وكان شاهدا عليه يوضح طبيعة الجهاد القرمطي لابن زكروية الذي تسمي بالمهدي وهو لقب ديني وهو لا يختلف كثيرا عن جهاد الاخوان في عهد عبد العزيز الذي رصده حافظ وهبة وغيره من المؤرخين المعاصرين له .
وبقي ان نذكر شهادة اخري لغارات البدو (العلمانية) في القرن الخامس الهجري وقد ذكرها اشهر مؤرخي عصره عبد الرحمن بن الجوزي، وقد حدثت هذه الغارة سنة 545 هـ ،وعاش ابن الجوزى الي ان مات 597هـ ، وكان في الخامسة والثلاثين من عمره في ذلك الوقت، وذكر الحادثة في تاريخه المنتظم، وملخصها ان العرب بعثوا يطلبون الاتاوة فرفض الحجاج واستمروا في سيرهم (فخرج عليهم العرب بعد العصر ليوم السبت رابع عشر من محرم فقاتلوهم، فكثرت العرب،فاخذوا من الثياب والاموال والاجمال والاحمال ما لا يحصي، واخذوا من الدنانير الوفا كثيرة، فتحدث جماعة من التجار انه اخذ من هذا عشرة آلاف ومن هذا عشرون الفا ومن هذا ثلاثون الفا، واخذ من خاتون  اخت سعود ما قيمته الف دينار ، وتقطع الناس وهربوا علي اقدامهم يمشون في البرية ،فماتوا من الجوع والعطش والعري ، وقيل ان النساء طين اجسامهم بالطين لستر العورة)  [-المنتظم لابن الجوزي ،18/78] ومع شناعة الوصف فان الواضح ان اهتمام البدو بالسلب والنهب وليس بالقتل ،ولو كان اولئك البدو متدينين اصحاب عقيدة تستحل الدماء وتجعله جهادا لتكفلوا بقتل الجميع .
شهادة مؤرخ معاصر للاخوان :
يقول حافظ وهبة عن البدو وحالهم بعد ان تشربوا الايدولوجية الوهابية واصبحوا اخوانا (لقد عرفت البدو في حروبهم وفي حياتهم البدوية ،وعرفتهم بعد ما سكنوا الهجر ، وعرفت كثيرا من قاداتهم في جاهليتهم –أي قبل الدخول في الوهابية –واسلامهم –أي بعد دخولهم الوهابية –فرأيت ان الدين قد غيرهم تغييرا تاما .
كان البدوي لا هم له الا النهب والسلب وقطع الطريق ،ثم هو يعد هذا العمل من مفاخر البادية ،والويل للضعيف في البادية ،وكان لسان حالهم يقول : ( المال مال الله ،يوم لي ويوم لك ،نصبح فقراء ونمسي اغنياء ،ونصبح اغنياء ونمسي فقراء ) والقوافل التجارية كانت تحت رحمة البادية لا تمر من المنطقة الا باتاوة او مجيز، والبدوي لا يمكن ابدا ان يخاطر بحياته ،فاذا رأي ان النهب سيكون من ورائه خطر تركه ،وكذلك اذا رأي دفاعا قويا من خصمه تركه ،والبدوي لا يعرف قلبه الاخلاص تقريبا ، شيمته الرياء والنفاق،لا تنفع معه الا الشدة المشوبة بالعدل، لذا فلا يعول الامراء كثيرا علي عددهم ولا علي قوتهم ،وكثيرا ما كانوا وبالا علي صديقهم ،فاذا بدرت منه بوادر الهزيمة فانهم يكونون اول الناهبين له، ويحتجون بأنه مادام صديقهم منهوبا او مأخوذا كما يقولون فهم اولي به )ثم يقارن بأحوال البدو بعد ان اصبحوا اخوانا فيقول (اصبح الاخوان لا يهابون الموت بل يندفعون إليه اندفاعا طلبا للشهادة ولقاء الله ، واصبحت الام حين تودع ابنها تودعه بهذه الكلمات :جمعنا الله واياك في الجنة ،واصبحت كلمة التشجيع علي الحرب :هبت هبوب الجنة وين (اين )انت يا باغيها )وكلماتهم عند الهجوم (إياك نعبد واياك نستعين )ولقد شاهدت بعض مواقعهم الحربية ،فوجدتهم يقذفون بأنفسهم الي الموت قذفا، ويتقدمون الي اعدائهم صفا صفا ، ولا يفكر احدهم في شئ الا هزيمة العدو وقتله .والاخوان علي العموم لا تعرف قلوبهم الرحمة علي الاعداء ولا يفلت من تحت ايديهم احد ،فهم رسل الموت اينما حلوا) . [ -حافظ وهبة :المرجع السابق 285-286]
أي كان البدوي يحترف السلب والنهب وابتزاز القوافل طالما لا يخاطر بحياته،واذا تقابل مع من هو اقوى منه نافقه ووافقه الي ان يجد فيه ضعفا فينقلب عليه، ومع هذا الصنف المتقلب المنافق فالحل هو الشدة والعدل،او بالتعبير القرآني(واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ).
والتحول الذي طرأ علي اولئك البدو بالثقافة الوهابية هو ان الله تعالي اشتري منهم انفسهم واموالهم في مقابل الجنة والغنائم ، ومن هنا كانوا يقذفون بانفسهم الي الموت قذفا ،واصبحوا رسل الموت لاعدائهم ،لا تعرف قلوبهم الرحمة علي اعدائهم …والعدو هنا- وهذا هو الفارق الاساسي مع الشرعية الالهية- هو من ليس منهم .أي هو الاخر المسالم ،وكان هذا الاخر هو الانجليز والنصاري والمشركون من الشيعة والسنة من كان منهم مسالما او محاربا ،ثم اضيف للاخر الوهابيون من البادية ومن الحضر ،ممن لم يهاجر ويعيش في الهجر ويرتدي العمامة ، وعندما منع عبد العزيز ذلك في مؤتمر العلماء سنة 1919 اصبح عبد العزيز نفسه مرشحا ليكون الاخر في معارضتهم السياسية له ،ثم جعلوه خصما لهم تمردوا عليه ،وقتلوا النساء والاطفال والشيوخ من الوهابيين المسالمين في تمردهم الثاني ،وهذه احدي ملامح التحول الاخواني الذي بدأ علي البدو .فالبدوي العادي غاية ما كان يفعله ان يتخلي عن عبد العزيز ويهرب عنه حين يشتد القتال ، وقد يثور علي عبد العزيز اذا وجد الثورة في مصلحته ولكنه في كل الاحوال يحرص علي حياته ودمائه ،وفي سبيل حرصه علي حياته قد يحرص علي حياة خصمه اذا كان قويا يخشي منه او كان يريد سلب امواله فقط ، ولا مصلحة له في قتله ،ونسي البدو ذلك حين اصبحوا بالايدولوجية الوهابية اكثر حرصا علي قتل انفسهم وقتل الاخرين ،وبالتالي اصبحت معارضتهم لا تعرف الوسط ولا تعرف الحدود السياسية المصلحية ،والسياسة هي فن الـ ( COMPROMISING )التي لاينفي فيها طرف الطرف الاخر ،وهذا ما لايمكن حدوثه في حالة عبد العزيز والاخوان .أي كان عبد العزيز يستطيع ان يصل الي نوع من التراضي مع البدو ،لكن بعد ان حولهم الي اخوان ما كان يستطيع ذلك ،والدليل علي ذلك ان عبد العزيز جرب معهم التساهل والتسامح فما افلح ،فازدادوا طغيانا ،وجرب معهم الشدة ثم عفا عنهم ،فعاد الدويش للثورة وعادت عتيبة للثورة مرتين ..
وادرك عبد العزيز في النهاية انه لا سبيل امامه الا بنفيهم من حياته السياسية وتكوين اخوان جدد من نوع مختلف ، يستطيع المكر والتلاعب مع العدو ن وأهم من ذلك أن يكون بعيدا عن الجزيرة العربية ليأمن عبد العزيز شرّه. وبهذا كوّن عبد العزيز الاخوان المسلمين فى مصر ، وحرّم عليهم فى نفس الوقت العمل داخل دولته..
وندخل بذلك على أكبر خطيئة زرعها عبد العزيز فى مصر والعالم : الاخوان المسلمون،
اذ أنه بدلا من اصلاح الفكر الوهابى من داخل الاسلام فانه قام بتصدير الوهابية الى مصر ليحرق مصر والعالم ، وهذا ما نريد منعه.
 

جذور الارهاب فى العقيدة الوهابية
جذور الارهاب فى العقيدة الوهابية
ا لوهابية السعودية والاخوان المسلمون

د. أحمد صبحى منصور
يوني ة 2007
more

اخبار متعلقة