رقم ( 8 )
الفصل الثانى ... ثانيا :الحياة الدينية

أولا : معرفة المصريين القدماء بالله جل وعلا
1 ـ وقفنا عند قوله جل وعلا فى الحكاية عما حدث فى المجلس الملكى الذى اقيم للتحقق من الاتهامات الظالمة التى ادخلوا يوسف من أجلها السجن : (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ ع&oacuUacute;َنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ ، ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ، وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ". ( يوسف 51 ـ ) وفي الآيات الكريمة مدخل جيد للحياة الدينية في مصر القديمة.. فالواضح أن النسوة في مصر القديمة كن يعرفن اسم الله تعالي وينطقن به عند الدهشة والاستغراب والمفاجأة .. فالنسوة المترفات حين أخذهن جمال يوسف قلن فجأة . "حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ " وحين حقق الملك معهن قلن :" حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ".. إذن كانت عبارة " حاش ـ لله" انسابت علي لسانهم حتى في المفاجآت والأوقات الصعبة .
2 ـ وما سجله القرآن منذ ألف وأربعمائة عام اكتشفه علماء المصريات .
يقول أرمان في كتابه " ديانة مصر القديمة " ومما يبعث علي الدهشة أن المصريين كثيرا ما تحدثوا ـ علاوة علي آلهتهم المعنية ـ عن إله عام ويحدث ذلك في الأدب عندما يفكرون في تلك القوة التي تتحكم في مصائر الناس فمثلا يقولون . " ما يحدث هو أمر الله ، " صائد الطيور يسعى ويكافح ولكن الله لا يجعل النجاح من نصيبه " " ما تزرعه وما ينبت في الحقل هو عطية من عند الله "،" من أحبه الله وجبت عليه الطاعة"، " الله يعرف أهل السوء"،" إذا جاءتكم السعادة حق عليكم شكر الله،". ثم يقول "أرمان" :" وهناك فقرة وردت في كتاب قديم من كتب الحكمة تقول : إن الله خفي ولذلك وجب علي الناس تقديس صورته كبديل له "، ثم يعقب (أرمان) بقوله: " هؤلاء القوم الذين كان هذا هو شعورهم وحديثهم لم يكونوا بمنأى عن العقيدة الحقة ، ولو أنهم في الواقع تعلقوا أيضا بدينهم الموروث وبقوا عبادا أمناء لآلهتهم "
3 ـ والعبارات التي ذكرها ( أرمان) مازال المصريون يقولونها ويذكرون اسم الله تعالي ولكن باللغة العربية بدلا من الهيروغليفية .
ويبدو أن القرآن حكي بعض الألفاظ المصرية القديمة في قصة يوسف ومنها كلمة " هيت لك"،  ولازال أهل سيوه في لغتهم الخاصة المنحدرة من الفرعونية يقولون "هت" بكسر الهاء وتعني عندهم تعال ، وتتكرر علي ألسنتهم بعض الألفاظ والتعبيرات مثل " حاش لله" ، وتعني عندهم "لم يحدث " ومثل " حصحص " وتعني عندهم تأكد.
وتلك الألفاظ لم تأت في القرآن إلا في قصة يوسف ثم دخلت في اللغة العربية تبعا لذلك .
4 ـ وتنفرد قصة يوسف بين القصص القرآني بورودها متصلة الأحداث والمشاهد في سورة واحدة قائمة بذاتها لتكون كنزا لا ينفذ من الإعجاز التاريخي والقصصي والإنساني . ولتعطينا مؤشرا من ناحية أخري علي أن ذلك النبي الكريم قد أثري الحياة الإنسانية المصرية خلقيا ودينيا ولم يكن مجرد منقذ لهم وقتت المجاعة .
5 ـ ونحن نري أثر قصة يوسف وتجربته الإنسانية في قول الحكيم المصري القديم " آني" لابنه خنسو ـ حتب من الأسرة الثانية والعشرين ـ بعد يوسف بخمسة قرون تقريبا ، يقول:
" لا تترك قلبك ألعوبة في الميل نحو النساء فإن ذلك يذهب بقوة دينك وعلو شرفك وأدب نفسك ، فالمرآة بما أوتيت من الدهاء وتأثير الأنوثة من أقوي حبائل الشيطان " وفي نفس العصر يقول الحكيم المصري بتاح حتب :" إن مس الأعراض وخيانة الأمانة ومحاولة الإفساد مع من حزت ثقته وعول علي صداقتك جريمة كبري يتضاعف عليها العقاب عند الله جلت قدرته "
وهذه النصائح الأخلاقية يمكن نسبتها إلى أئمة المسلمين في الورع دون أن نحس بأي فارق في اللهجة والأسلوب..
لذلك لا نستغرب أن تقف امرأة العزيز تعلن توبتها وندمها أمام الملك والملأ والنسوة وتقول : "
الآن حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ،ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ،وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ " فذكرت اسم الله تعالي علي انه ربها الغفور الرحيم ، وهو موقف صادق للتوبة كفي شرفا لصاحبته أن يذكره رب العزة في القرآن..
ولكن هل خفتت معرفة المصريين القدماء بالله في عصر فرعون موسي الذي ادعي الألوهية واضطهد المؤمنين "؟
1 ـ القرآن ينفي ذلك .. إن عناد فرعون وقومه كان يخفي إيمانا بالله تعالي منعه التكبر والحرص علي الدنيا من الظهور ، يقول تعالي عنهم: "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا " (النمل 14 )
وعندما اختبرهم الله بالمحن كانوا يفزعون إلي موسي ليطلب من الله أن يكشفها عنهم معترفين بقدرته جل وعلا : "
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمْ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمْ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ " (الأعراف 134 ـ )
وموسي حين بدأ دعوته ذكرهم باسم الله الذي يوقرونه فقال لهم: "
أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آَتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ " وأستحلفهم بالله ألا يرجموه : وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ"( الدخان 18 ـ ) .
أي كانوا يعرفون أن الله هو ربه و ربهم .
2 ـ وعلى نفس النسق من التذكير بالله والتخويف منه كان مؤمن آل فرعون يعظ قومه بما يعرفون وممن يخافون ويخشون :"
وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ ْ وقد جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ " ،" يَا قَوْمِ لَكُمْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا ؟ " ،" وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ ، مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ " ويبدو إيمانه باليوم الآخر إيمانا صحيحا من قوله " وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ ، يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ" " "يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ، مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ "
لقد كان عامة المصريين القدماء يؤمنون بالآخرة إيمانا مبهما، ولكن القلة منهم كانوا يؤمنون بها حق الإيمان .
وذلك الرجل المؤمن من آل فرعون كان يعرف حقيقة الإيمان الخالص ويدرك أن الكفر في الحقيقة إنما هو الشرك بالله وتغطية الفطرة السليمة بعبادة الأولياء والأنداد فهو يقول لقومه: "وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ، تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ، لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ" وفي النهاية يقول لهم :" فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ " ( غافر 28 ـ )
لقد كان حوار ذلك الرجل المؤمن دليلا علي درجة من الرقي الديني والأخلاقي لا تتوفر إلا للصفوة من الصديقين ،وإذا كان ( أرمان) قد اندهش لأنه عثر علي بعض عبارات للمصريين القدماء يذكرون يها اسم الله في أحاديثهم وكتاباتهم كيف به إذا عثر علي تسجيل لأقوال ذلك الحكيم الفرعوني المؤمن الذي شرفه القرآن ؟.
لقد كان ذلك الرجل مؤمنا بالله الواحد الأحد وليس مثل الأغلبية الذين يؤمنون بالله ويؤمنون بغيره ، وقد حاولوا معه أن يؤمن أيضا بتلك الآلهة مع الله فرفض قائلا : "
تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ "..
أى في مقابل الأغلبية المشركة التي تؤمن بالله وبغير الله كانت هناك أقلية يمثلها ذلك الرجل المؤمن من آل فرعون .
3 ـ وكان منهم امرأة فرعون نفسه وقد جعلها الله مثلا لكل المؤمنين ذكورا وإناثا ، يقول تعالي:" َضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}" ( التحريم 11).
وهذه المرأة المؤمنة هي التي فاضت حنانا علي موسي وهو في التابوت وأنقذته ومازالت بزوجها حتى وافق علي إنقاذه ورعايته "
وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " ( القصص 9 )
4 ـ والمتوقع أن يكون وجود موسي رضيعا في البلاط الفرعوني قد جعل هناك صلة ما نتج عنها تسرب الإيمان إلي امرأة فرعون ثم إلي ذلك الرجل المؤمن من آل فرعون ، مما يرجح وجود تيار سري من الإيمان وخلايا من المؤمنين ، داخل وخارج القصر الفرعوني، ومنه ربما كان تحرك ذلك الرجل الذي جاء من أقصي المدينة يسعى لينقذ موسي ويحذره . ثم انضم للأقليات المؤمنة مجموعة السحرة الذين جاءوا ليهزموا موسي وهم يحلمون بالقرب من فرعون ولكنهم فوجئوا ببرهان عملي علي نبوءة موسي فلم يترددوا في السجود لله إعلانا بإيمانهم علي رءوس الأشهاد.
ورفضوا أحلامهم القديمة واستهانوا بتهديدات فرعون وما ينتظرهم من تقطيع أيديهم وأرجلهم وصبهم علي جذوع النخل . وأجابوا علي تهديداته بأفضل ما يقوله المؤمن عند المحنة أمام الظلمة . "
قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ "( الشعراء 50 ـ) " قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ، وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ" ( الأعراف 125 ـ ) ، " قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لكبير كم الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى ، قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ، إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا " ( طه 72 ـ )
5 ـ ومع ذلك فإن أغلبية المصريين القدماء ـ مع معرفتهم بالله ووجود مؤمنين موحدين بينهم ـ كانوا متمسكين بتقديس الآلهة وأصنامهم وقبورهم ، وكان غرامهم شديدا بإطلاق الأسماء علي تلك الآلهة ويترسب تقديس تلك الأسماء في الضمير الشعبي.
وقد كان يوسف عليه السلام رسولا للمصريين وقد بدأ دعوته في السجن ، وحين سأله رفيقاه إن يفسر لهما رؤياهما لم يبادر بالتفسير ، وإنما قدم نفسه وعقيدته لهما ثم أخذ يحاورهما في عبادة الأسماء ويدعوهما إلي عبادة الله الواحد الذي لا إله غيره .
نفهم ذلك من قوله تعالي:
" وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ ، قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ، وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ،
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ؟ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ "
( يوسف 36 ـ )
وواصل يوسف دعوته حين أصبح له نفوذ وسلطان ولكن المصريين تمسكا منهم بآلهتهم ضاقوا به وأعرضوا عنه ، وفيما بعد كان مؤمن آل فرعون يذكر قومه بإعراضهم عن يوسف حين دعاهم لإخلاص دينهم لله وحده. يقول مؤمن آل فرعون : {
وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً }"(غافر  34 )
أي أنهم حتى في رفضهم لدعوة يوسف كانوا يؤمنون بأنه رسول الله ، واستراحوا بموت يوسف قائلين: " لن يبعث الله من بعده رسولا " وذلك يذكرنا بمقالة أرمان عنهم إنهم مع معرفتهم بالله فإنهم ظلوا أمناء مخلصين لآلهتهم الموروثة.
6 ـ لقد كانوا يعرفون الله والملائكة ..!!
والنسوة في عصر يوسف قلن حين رأينه " حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ " (يوسف 31 ) وفرعون فيما بعد تندر علي موسي قائلا "فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ "( الزخرف 53 ). أي كان المصريون يعرفون الله والملائكة ، ولكنهم كانوا متمسكين بعبادة الآلهة الأخرى مع الله .. وتلك هي مشكلة البشر في كل زمان ومكان ، يقول جل وعلا فى نفس السورة : . {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ } ( يوسف 106)
ثانيا
تأثـــر بني إسرائيل بالديانة المصرية القديمة :
1 ـ قد يبدو ذلك العنوان غريبا لأن بني إسرائيل من ذرية أنبياء عظام هم إبراهيم واسحق ويعقوب والأسباط ويوسف ، ثم شهدوا من آيات الله ونعمائه في عصر موسي مالم يتيسر لأي شعب آخر .. ومع ذلك فإن تأثرهم بالعقائد المصرية كان أبعد أثرا إلي درجة أن القرآن أشار إلي ذلك في أكثر من موضع .. إلا أنه لم يكن من نواحي تأثرهم بالعقائد المصرية تقديس الفرعون ولعل ذلك سبب نقمة الفرعون عليهم ، وحتى بعد ذلك فقد كان لبني إسرائيل موقف محدد يرفض تقديس الأنبياء الذي تقع فيه أغلبية البشر ، وذلك شيء في حد ذاته محمود لولا أن بعضهم   وقع في المحظور فقتلوا الأنبياء وحرفوا الوحي.  
2 ـ ولقد بدأ حنين بني إسرائيل للمعابد المصرية وأصنامها بمجرد أن جاوز بهم موسي البحر ، يقول تعالي: {
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } " ( الأعراف 138 )
نسوا معجزات موسي ونعمة الله حين أنجاهم وانتقم لهم من فرعون وجنده ، وحين رأوا معبدا فرعونيا في سيناء طلبوا من موسي أن يقيم لهم معبدا مماثلا ..
3 ـ وتركهم موسي وذهب يتلقى الألواح من ربه وحين عاد وجدهم قد عبدوا عجل أبيس .. جمع السامري الذهب المصري الذي سلبوه وتوارثوه وصاغ منه عجلا فعكفوا عليه يعبدون بمثل ما
اعتادوا من قبل ، واعترض هارون فكادوا يقتلونه ، ورجع موسي فاشتد به الغضب فالقي الألواح التي كتب الله فيها التوراة وكاد يبطش بأخيه لولا أن اعتذر له . ودمر موسي العجل الذهبي وألقاه في البحر وطرد السامري ، ومع ذلك كان غضب الله عليهم شديدا..
يقول تعالي:"
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ ،وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ ، وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ؟ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ يا ابن أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِي الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ "( الأعراف 148 ـ )،
" فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمْ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي، قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ ، فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ، أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً .. وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمْ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ، قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ، قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ، أَلاَّ تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ، قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ،قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ ، قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ، قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً ، إِنَّمَا إِلَهُكُمْ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً " (طه 86 ـ )
ويوضح القرآن أن عبادة العجل الذهبي ـ الفرعوني الأصل ـ قد تمكنت من شغاف قلوب بني إسرائيل ضمن باقي المؤثرات المصرية التليدة التي لوثت عقيدتهم: "
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (البقرة93)"
ويقول تعالي : "
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30التوبة )"
أي أن اليهود حين قالوا أن عزيرا ابن الله قد رددوا مقالة الذين كفروا من قبل ، والواضح أنهم عاشوا قرونا في مصر القديمة وتأثروا بعقائدهم ، إذن عبارة ( الذين كفروا من قبل) مقصود بها أهل مصر القديمة .
3 ـ ولكن من  هو (عزير) هذا الذي ردد اليهود مقالة المصريين القدماء في اعتباره ابنا لله ـ تعالي عن ذلك علوا كبيرا.؟.
إنه الإله ( أوزيريس) الذي كان أشهر معبود مصري يقول عنه ( أرمان):
" أنه محور الديانة المصرية " وأن " علاقته بالحياة والموت جعلته يحتل مكان الصدارة بين الآلهة فأصبح من أهم الآلهة المصرية " " ومن أجل الحياة والموت اعتبر أوزيريس بعد ذلك إلها للموتى وسيدا لهم وهذه الصفة أبرز الصفات التي عرفت عنه ومن أجل ذلك أصبح في العصور التاريخية عند المصريين إلها للموتى "
إلا أن المصريين لم يكونوا ينطقون اسم ( اوزيريس) بل كانوا يقولون عنه ( عزير) بنفس ماهو مكتوب في القرآن . ولكن أسطورة إيزيس وأوزيريس ما لبثت أن انتشرت في أوربا عبر بلاد الإغريق ولأن اللغات الأوربية تخلو من حرف العين ، ولأن اللغة اليونانية تضيف حرف السين إلي آخر الأسماء فقد تحول ( عزير) إلي ( أوزيريس) وانتشر الاسم الجديد عندما بدأت عمليات الكشف عن الآثار المصرية وقيام علم المصريات . وبدأنا نحن المصريين ننطق ( أوزيريس) و ( إيزيس) وهو نفس الأصل المصري " عزير . عزي ".
ونعود إلي بني إسرائيل وقد حملوا معهم تقديس "عزير " أو "أوزيريس" علي أنه " ابن الله " تعالي الله عن ذلك .
وقد ذكرنا كيف كان المصريون القدماء يعرفون الله . إذن كان الأساس في تقديسهم لعزير أنه ابن الله ـ والذي يقوم عنه بقبض الأنفس عند الموت ثم حسابها في القبر.
* * *
وأضاف بنو إسرائيل ملامح لغتهم العبرية علي اسم عزير فأصبح " عزرائيل " وكلمة
" ئيل" تعني عندهم ( اله) ومنها ( إسرائيل ) أي عبد الله .
وانحدر إلينا " عزرائيل" في صورة مخففة تعني ملك الموت وهو الطبعة الحديثة من أوزيريس . أي أن بضاعتنا ردت إلينا فاسم عزرائيل لم يرد في القرآن ، وذلك يكفي.
هذه المقالة تمت قرائتها 1961 مرة
تعديل To English

التعليقات (2)
[43601]   تعليق بواسطة  محمود مرسى     - 2009-11-16
دعوة الموحدين على مر العصور. ربنا أفرغ علينا صبراً
حذف التعليق
تعديل التعليق

الشكر والتقدير للدكتور / أحمد منصور على هذا الثراء المعرفي بالقرآن والذي لا يبخل به علينا ومن هذا السخاء هذا البحث وهذا الكتاب الرائع "مصر في القرآن الكريم" فعندما آمن السحرة ووعوا قضية التوحيد كان أن ألهمهم الله هذا الدعاء فرددوه عندما اشتد بهم الكرب وهم معرضون للقتل والتعذيب والتنكيل والصلب ! فدعوا الله بهذا الدعاء بأنهم أول المؤمنين وقد تعرضوا للبطش من الفرعون المصري والملأ الموالي له يقول تعالى وصفا لحالهم وتكرارا لقولهم {"قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ "( الشعراء 50 ـ) " قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ، وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ" ( الأعراف 125 ـ )} نعم الدعاء في قمة المحنة أن يفرغ الله عليهم الصبر لأن الصبر هو الذي سوف يجعلهم يحتملون آلام التعذيب والصلب والقتل ، فالصبر هو المر أو كالمر في الطعم ولأن مسكنات الألم القوية جدا تكون ذات طعم مر ، إلا أنها تطيح بالألم وتثبت القلب عند مواجهته ، نعم المؤمن والموحد عندما يتعرض للقتل والقهر والسجن يتألم كثيرا جسديا ونفسيا وأخشى ما يخشاه أن يخضع لقاهريه وقاتليه وأن يترك عقيدته التي آمن بها فيخسر رضوان الله تعالى لذللك يدعوا هذا الدعاء بأن يفرغ الله على عليه هذا الصبر، والصبر هو المواد المسكنة للألم والمخدرة التي يفرزها الجسم والعقل بالذات في منطقة معينتة . هكذا فهم المؤمن والموحد طبيعة الألم وفهم كيف يتغلب عليه بالدعاء إلى الله خالق هذا المخ وهذا العقل بأن يجعله يفرز ما يخفف الألم كي يواجه الطغاة عند ملاقاتهم .

 

 

[43602]   تعليق بواسطة  محمود مرسى     - 2009-11-16
يتبع .
حذف التعليق
تعديل التعليق

  وما فعله مؤمنوا بنوا اسرائيل عندما تعرضوا لهذا اليوم العصيب مع هذا النبي وهذا الجيش الذي يضم هذا الملك طالوت وهذا القائد العسكري داوود الذي سوف يصبح بعد ذلك رسولا ونبيا ، كان المؤمنون الموحدون أقلية في العدد والعدة ، وشعروا بقرب النهاية وأنهم هالكون لا محالة وأن سيوف العدو وسهامه وحرلبه سوف تعمل في أجسادهم كل ما يوصف في المعارك غير المتكافئة وأن من يقع في الأسر منهم سوف يلاقي الأمرين ، إنه الألم بكل معانبه والخوف والهلع بكل معانيه ، فماذا يتبقى لهم غير اللجوء إلى الله والركون إليه والأخذ بالأسباب بأن يهبوا أنفسهم قربابنا وتقربا إلى الله تعالى ، وأن يدخلوا معركة غير متكافئة من الناحية الواقعية والنظريه !! معتمدين على الله وعلى قوة إيمانهم التي فرضت عليهم أن يطلبوا من إفراغ الصبر وقد حدث بالفعل ، وقاتلوا ببسالة وعندهم من التاريخ الإيماني ما يثبت لهم أنه {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله} فدعوا هذا الدعاء المطابق لدعاء السحرة عندما لاقوا  فرعون وتوعدهم بالموت والصلب ، فقال الملأ من بني اسرائيل : يقول تعالى { قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ، ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وأنصرنا على القوم الكافرين }

مصر فى القرآن الكريم
هذا الكتاب يحلل الآيات القرآنية التى تحدثت عن مصر من خلال قصة يوسف وموسى عليهما السلام ، ويعطى لمحة من المقارنة بالتاريخ المصرى المكتوب من خلال علم المصريات ، كاشفا عن احوال مصر السياسية و الاجتماعية من خلال بحث قصير ، وقد سبق نشره عن طريق مؤسسة اخبار اليوم فى مصر ، ثم أضاف المؤلف له بعض الملاحق
more

اخبار متعلقة