رقم ( 5 )
( الباب الثانى ) ( الخلفاء الفاسقون وصلاتهم الشيطانية ) ج ٢

 

 

الفصل العاشر : معالم الصلاة الشيطانية للخلفاء الفاسقين 

 

أولا : إمام الصلاة ( الشيطانية ) هو الحاكم الباغى

1 ـ فى تبرير إستحقاق أبى بكر بالخلافة زعموا أن النبى محمدا فى مرضه الأخير أمر أبا بكر أن يصلى بالناس . روى ابن سعد أن عمر فى فى التشاور على خلافة النبى فى سقيفة بنى ساعدة قال للإنصار : (يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله أمر أبا بكر أن يصلي بالناس قالوا بلى قال فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر قالوا نعوذ الله أن نتقدم أبا بكر  ). وفى مرض أبى بكر الأخير كان (لا يخرج إلى صلاة وكان يأمر عمر بن الخطاب يصلي بالناس ).

مقالات متعلقة :

2 ـ وحرص أبو بكر على إمامة الصلاة حتى حين كان يسكن خارج المدينة. تقول الرواية : (  يغدو على رجليه إلى المدينة وربما ركب على فرس له وعليه إزار ورداء ممشق فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح فكان إذا حضر صلى بالناس وإذا لم يحضر صلى عمر بن الخطاب وكان يقيم يوم الجمعة في صدر النهار بالسنح يصبغ رأسه ولحيته ثم يروح لقدر الجمعة فيجمع بالناس ). أى كان يحافظ على (تأدية ) صلاته الشيطانية بنفس محافظته على إرسال جيوشه للقتل والبغى والسلب والنهب والاغتصاب.  أى هى ( صلاة شيطانية ) تأمر بالفحشاء والمنكر.

3 ـ ونفس الحال مع عمر وعثمان وعلى فى إمامة الصلاة تأكيدا على أن إمامة الصلاة ( الشيطانية ) هى عمود دينهم الشيطانى القائم على البغى والظلم والعدوان والسلب والنهب والقتل والإغتصاب . 

4 ـ وكانت الصلاة ( الشيطانية ) خلف الحاكم تعنى الاعتراف به حاكما .

4 / 1 : معاوية فى خلافته جعل مروان بن الحكم والى الصلاة ( الشيطانية ) على المدينة عدة مرات فكان هو الذى يصلى بالناس . وطبّق مروان سياسة معاوية فى لعن (على بن أبى طالب ) فى صلاة الجمعة. ومع ذلك كان الحسن والحسي">ثانيا : إمامة الصلاة ( الشيطانية ) للوالى الحاكم فى الولايات

1 ـ كانت العادة أن الذى ينجح فى الغزو تكون مكافأته أن يكون الوالى للصلاة ( الشيطانية ) فى الاقليم الذى فتحه ، ولهذا عيّن عمر بن الخطاب ( سعد بن أبى وقاص ) واليا للصلاة ( الشيطانية )على ما إفتتحه بعد نصره فى موقعة القادسية . وعيّن عمرو بن العاص واليا للصلاة ( الشيطانية ) على مصر بعد أن إفتتحها . والى الصلاة هو الوالى الحاكم ، ويعاونه والى الخراج الذى يجمع الخراج والجزية . وقد يكون هناك قائد للجيش المحلى فى الولاية ، ولكن يظل الأمير الأول أو الوالى الأول هو ( والى الصلاة الشيطانية ) اى الحاكم الفعلى للولاية. وهو كالعادة يمارس الظلم تحت عنوان الصلاة ( الشيطانية )

.2 ـ مثلا : تقول الرواية

2 / 1 :: ( وكان عامل عثمان على الكوفة أبو موسى على الصلاة، وعلى خراج السواد جابر بن فلان المزني..وسماك الأنصاري، وعلى حربها القعقاع بن عمرو، . ) الوالى الأول للخليفة عثمان على الكوفة هو أبو موسى الأشعرى . وهناك والى الخراج أقل شأنا ، ثم قائد الجيش .

2 / 2  ـ وأصبح الحجاج والى ( الصلاة ) فى العراق ، أى حاكم العراق فى خلافة عبد الملك وابنه الوليد . وكان العراق يشمل العراق ومابعده شرقا. وكان للحجاج أن يعين ولاة فى الأقاليم التابعة للعراق . فكان المقدم فيهم والى الصلاة .  تقول الرواية : ( وكان الأمير على العراق والمشرق كله الحجاج ، وعلى الصلاة بالكوفة المغيرة بن عبد الله وعلى البصرة أيوب بن الحكم وعلى خراسان قتيبة بن مسلم‏. ) كل منهم كان واليا للصلاة ( الشيطانية ).!
ثالثا : إمامة الصلاة فى الفتن والحروب الأهلية

1 ـ  محمد بن أبي حذيفة عاش فى مصر واصبح خصما لعثمان بعد أن تبين فساد عثمان، وهو الذى بعث من مصر المحتجين على عثمان وكانوا ممن قتلوه يوم الدار. ، تقول الرواية : ( سرب المصريين إلى عثمان بن عفان ، وإنهم لما ساروا إلى عثمان فحصروه وثب هو بمصر على عبدالله بن سعد بن أبي سرح ) ، وهو والى الصلاة والحكم من طرف عثمان .  تقول الرواية عنه : ( وهو عامل عثمان يومئذ على مصر فطرده منها وصلى بالناس . ) ( صلى بالناس ) أى حكم الناس.

2 ـ حين خرجت عائشة والزبير وطلحة لحرب ( على ) فى الكوفة لحقهم مروان بن الحكم . تقول الرواية: ( وأذن مروان حين فصل من مكة ، ثم جاء حتى وقف عليهما فقال : أيكما أسلم بالإمرة وأؤذن بالصلاة ؟ فقال عبد الله بن الزبير على أبي عبد الله وقال محمد بن طلحة على أبي محمد ، فأرسلت عائشة رضي الله عنها إلى مروان فقالت : " مالك أتريد أن تفرق أمرنا ليُصلّ ابن أختي " ، فكان يصلي بهم عبدالله بن الزبير حتى قدم البصرة . ). أى إن مروان أراد الايقاع بينهما مبكرا ، فسأل من هو الأمير ؟ هل هو الزبير أو طلحة ؟ فالأمير هو الذى سيؤم الناس فى الصلاة ، وفهمت عائشة قصده ، فجعلت عبد الله بن الزبير هو الذى يؤم الصلاة

3 : حين خرج الخريت بن راشد على ( على بن أبى طالب ) أعلنه بأنه لن يصلى خلفه. تقول عنه رواية الطبرى :  (.. فجاء إلى علي في ثلاثين راكبا من أصحابه .. فقال له : والله يا علي لا أطيع أمرك ولا أصلي خلفك . ).

4 ـ البصرة فى خلافها مع على ودخولها مع أهل الجمل جعلوا ( كعب بن سوار ) واليا عليهم ، تقول رواية الطبرى : ( قد كانوا اجتمعوا عليه ورضوا به لصلاتهم )

6 ـ إنعكس الصراع بين (على ) و ( معاوية ) على من يصلى بالناس فى موسم الحج عام 39 ، لأن من يصلى الناس خلفه يكونون معترفين بشرعيته فى الحكم . تقول الرواية : (   يقال إن عليا وجه ابن عباس ليشهد الموسم ويصلي بالناس في سنة تسع وثلاثين وبعث معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي ) وحتى لا يتحول الخلاف الى إقتتال فى الحرم تم الاتفاق على أن يصلى بالناس شخص محايد ، هو : شيبة بن عثمان . تقول الرواية : (اصطلحا على شيبة بن عثمان فصلى بالناس سنة تسع وثلاثين )

7 ـ فى الفتنة الكبرى الثانية : ( 61 : 73 )

7 / 1 : بعد استتاب الأمر لمعاوية خطط لتوريث ابنه يزيد الخلافة ، فتولاها يزيد فى شهر رجب عام 60 بقوة السلاح ، فنشبت الفتنة الكبرى الثانية .بدأت بثورة الحسين وقتل الحسين ومعظم اهله فى كربلاء عام 61 هجرية ، مما أدى الى ثورة المدينة فأرسل يزيد حملة عسكرية يقودها مسلم بن عقبة ، استطاعت هزيمة أهل المدينة واستحلالها وقتل معظم اهلها وهتك أعراض نسائها فى موقعة الحرة فى شهر حرام هو ذو الحجة عام 63 .
وكان عبد الله بن الزبير قد استغل مذبحة كربلاء فأعلن نفسه خليفة فى مكة وبايعه أهل مكة والحجاز، ومات مسلم بن عقبة أثناء توجه الجيش الأموى للقضاء على تمرد ابن الزبير فى مكة ، فتولى القيادة الحصين بن نمير ، وحوصرت مكة والكعبة عام 64 ، وأثناء الحصار احترق البيت الحرام يوم السبت 3 ربيع الأول عام 64 ، وجاءت الأنباء بعدها بموت يزيد بن معاوية فى 14 ربيع الأول . وانفض حصار مكة ورجع الجيش الأموى خائبا ، واعتزل الخليفة الجديد معاوية بن يزيد بن معاوية الحكم بعد حوالى شهر من ولايته متبرئا مما فعله أهله الأمويون فقتله أهله بالسم فمات وهو ابن 13 عاما .إستفاد من هذه الفوضى عبد الله بن الزبير، فأعلن نفسه خليفة . وكان الوالى على الصلاة فى مكة هو الحارث بن خالد المخزومى ، منع عبد الله بن الزبير والى الخليفة الأموى على مكة من الصلاة بالناس ، تقول الرواية (.. وكان الحارث بن خالد المخزومي على الصلاة فمنعه ابن الزبير).

 7 / 2 :   بايع أهل الكوفة عبد الله بن الزبير فبعث لهم  ( عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري على الصلاة، وإبراهيم بنمحمد بن طلحة على الخراج . ) . وفى البصرة كان يصلى بهم أى يحكمهم عبد الله بن الحارث (فإنه أقام يصلي بهم حتى قدم عليهم عمر بن عبيد الله بن معمر أميراً من قبل ابن الزبير.) ( وقيل: بل كتب ابن الزبير إلى عمر بعهده على البصرة، فأتاه الكتاب وهو متوجه إلى العمرة،فكتب عمر إلى أخيه عبيد الله يأمره أن يصلي بالناس، فصلى بهم حتى قدم عمر، ) وهناك رواية أخرى : ( .. فكتب أهل البصرة إلى ابن الزبير، فكتب ابن الزبير إلى أنس بن مالك يأمره أن يصلي بالناس، فصلى بهم أربعين يوماً،)
7 / 3 : فى كل ماسبق كان الجميع يحافظون على تأدية صلاتهم الشيطانية وهم يسفكون دماء بعضهم البعض. 

ثالثا : المدح بالصلاة . نكتفى بعثمان بن عفان مثلا .

1 ـ تميز عثمان على أبى بكر وعمر بالفساد الداخلى. إرتكب الفتوحات مثلهم ولكن إعتبر الأموال ملكية خاصة له يوزعها كيف شاء مخالفا طريقة عمر فى إرضاء الجميع بالعدل فى توزيع الأموال السُّحت عليهم .

2 ـ إقترن فساد عثمان بشهرته بقيام الليل يصلى ويقرأ القرآن ، حتى بالغت الروايات التى ذكرها ابن سعد فى هذا . نكتفى منها بقوله : (أن عثمان كان يحيي الليل فيختم القرآن في ركعة .) (  ..قال  .. فنظرت فإذا عثمان بن عفان فتنحيت فتقدم فقرأ القرآن في ركعة ثم انصرف ) ، (  قالت امرأة عثمان حين قتل عثمان لقد قتلتموه وإنه ليحيي الليل كله بالقرآن في ركعة . ) ( عثمان بن عفان صلى بالناس ثم قام خلف المقام فجمع كتاب الله في ركعة . ) 2 ـ وعن فساده المالى روى ابن سعد ما تركه من ثروة ، قال : ( كان لعثمان بن عفان عند خازنه يوم قتل ثلاثون ألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم وخمسون ومائة ألف دينار فانتهبت وذهبت وترك ألف بعير بالربذة وترك صدقات كان تصدق بها ببراديس وخيبر ووادي القرى قيمة مائتي ألف دينار )

رابعا : الثورة على من لا يحافظ على تأدية الصلاة

لأن صلاتهم الشيطانية كانت عمود دينهم الشيطانى فلم يرضوا بمن لا يحترمها أو يؤديها . ونعطى أمثلة سريعة :

1 ـ عمر بن الخطاب عزل المغيرة بن أبى شعبة والى الصلاة على البصرة بسبب إتهامه بالزنا . تحت عنوان : ( ذكر عزل المغيرة عن البصرة وولاية أبي موسى:في هذه السنة عزل عمر المغيرة بن شعبة عن البصرة واستعمل عليها أبا موسى وأمره أن يشخص إليه المغيرة بن شعبة في ربيع الأول) وكان السبب أنهم ضبطوه يزنى بإمرأة . ضبطه خصم له هو أبو بكرة وأشهد عليه قوما . تقول الرواية : ( فلما خرج المغيرة إلى الصلاة منعه أبو بكرة وكتب إلى عمر بذلك، فبعث عمر أبا موسى أميراً على البصرة . )

2 ـ الوليد بن عقبة بن أبى معيط عينه عثمان واليا للصلاة ، فكان يسكر ويصلى وهو سكران ، تقول الرواية : ( الوليد سكر وصلى الصبح بأهل الكوفة أربعاً ثم التفت إليهم وقال: أزيدكم؟ فقال له ابن مسعود: ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم، وشهدوا عليه عند عثمان، فأمر علياً بجلده، فأمر علي عبد الله بن جعفر فجلده،  ..فلما علم عثمان من الوليد شرب الخمر عزله وولى سعيد بن العاص بن أمية. )

2 ـ حاول يزيد بن معاوية إسترضاء زعماء الأنصار فأكرمهم ولكنهم رجعوا الى المدينة حيث أعلنوا شتم يزيد وخلع بيعته ، وقالوا : ( إنا قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر ويعزف بالطنابير ويضرب عنده القيان ويلعب بالكلاب ويسامر الفتيان وإنا نشهدكم أنا قد خلعناه )، فاجابهم الناس يقولون عن يزيد ( خلعناه كما نخلع  نعالنا ) . وبايعوا عبدالله بن حنظلة الانصارى أميرا عليهم . وكان المنذر بن الزبير  ممن يحرض على يزيد  ، وكان من قوله : ( إن يزيد والله لقد أجازني بمائة الف درهم وإنه لا يمنعني ما صنع إلي أن أخبركم خبره وأصدقكم عنه ، والله إنه ليشرب الخمر وإنه ليسكر حتى يدع الصلاة . ) .   

3 ـ فى فتنة ابن الزبير وظهور المختار بن عبيدة ( ولما اجتمعأهل اليمن بجبانة السبيع حضرت الصلاة، فكره كل رأس من أهل اليمن أن يتقدمه صاحبه، فقال لهم عبد الرحمن بن مخنف: هذا أول الاختلاف، قدموا الرضى فيكم سيد القراء رفاعة بن شداد البجلي، ففعلوا، فلم يزل يصلي بهم حتى كانت الوقعة.)
4 ـ فى ثورة ابن الأشعث على الحجاج والى العراق كانت حجة الثوار أنه طاغية : (  سفك الدم الحرام واخذالمال الحرام وترك الصلاة )  .

 

 

الفصل الحادى عشر : الصلاة الشيطانية للخوارج 

( 1 ): التطرف فى الصلاة وفى القتل

مقدمة : هيا بنا نرتدى الأحذية وندخل بها سراديب مخ الخوارج نحلل ذهنيتهم المريضة :

أولا : التطرف فى العبادة من الصلاة وقراءة القرآن

نعطى أمثلة :
1 ـ  فى ولاية عبيد الله بن زياد ( والى الصلاة فى العراق وما ورائه شرقا ) :

1 /  1 :، يذكر الطبرى لمحة عن أبى بلال مرداس بن أدية زعيم الخوارج يقول : ( ... فكان عابداً مجتهداً عظيم القدر في الخوارج، وشهد صفين مع علي فأنكر التحكيم، وشهد النهروان مع الخوارج، وكانت الخوارج كلها تتولاه، ورأى على ابن عامر قباء أنكره فقال: هذا لباس الفساق! فقال أبو بكرة: لا تقل هذا للسلطان فإن من أبغض السلطان أبغضه الله. وكان لا يدين بالاستعراض ( الإستعراض أى قتل الجميع كما يفعل الخوارج ) ، ويحرم خروج النساء، ويقول: لا نقاتل إلا من قاتلنا ولا نجبي إلا من حمينا.) أى لا يبدأ بالقتال ، ولا يأخذ خراجا إلا ممن يقوم بحمايتهم.

1 / 2 : وإعتقل عبيد الله بن زياد ( أبا بلال مرداس بن أدية ) فى موجة إعتقالات للخوارج ومن أنصارهم وكل المشكوك فى ولائهم . ورأى السجان عبادة مرداس وقيامه الليل فكان يأذن له كل ليلة ليبيت فى منزله ثم يعود صباحا. وأمر ابن زياد بقتل بعض السجناء ممن الخوارج ، وكان مرداس فى بيته فعرف فأسرع بالمجىء الى السجن حتى لا يؤاخذ السجان . وجىء بمرداس للقتل ، فشفع فيه السجان لدى ابن زياد وكان صهره ، فأفرج ابن زياد عن مرداس.  يقول الطبرى : ( ثم إن ابن زياد ألحّ في طلب الخوراج ، فملأ منهم السجن وأخذ الناس بسببهم ، وحبس أبا بلال ،  قبل أن يقتل أخاه عروة، فرأى السجان عبادته فأذن له كل ليلة في إتيان أهله، فكان يأتيهم ليلاً ويعود مع الصبح، وكان صديق مرداس إليه فأعلمه الخبر، وبات السجان بليلة سوء خوفاً أن يعلم مرداس فلا يرجع، فلما كان الوقت الذي كان يعود فيه إذا به قد أتى، فقال له السجان: أما بلغك ما عزم عليك الأمير؟ قال: بلى. قال: ثم جئت؟ قال: نعم، لم يكن جزاؤك مني مع إحسانك إلي أن تعاقب. وأصبح عبيد الله فقتل الخوارج، فلما أحضر مرداس قام السجان، وكان ظئراً لعبيد الله، فشفع فيه وقص عليه قصته، فوهبه له وخلى سبيله.).
1 / 3 : وقتل ابن زياد أخ مرداس ، وهو عروة بن أدية ، وقتل إبنته . يقول الطبرى فى أحداث عام 61 : ( في هذه السنة اشتد عبيد الله بن زياد على الخوارج فقتل منهم جماعةً كثيرة، منهم: عروة بن أدية أخو أبي بلال مرداس بن أدية..) ويذكر الطبرى السبب : ( وكان سبب قتله أن ابن زياد كان قد خرج في رهان له، فلما جلس ينتظر الخيل اجتمع إليه الناس وفيهم عروة، فأقبل على ابن زياد يعظه، وكان مما قال له( أتبنون بكل ريعٍ آيةً تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارينالشعراء: 128- 130.) ،  فلما قال ذلك ظن ابن زياد أنه لم يقل ذلك إلا ومعه جماعة، فقام وركب وترك رهانه. فقيل لعروة: ليقتلنك! فاختفى، فطلبه ابن زياد فهرب وأتى الكوفة، فأخذ وقدم به على ابن زياد، فقطع يديه ورجليه وقتله، وقتل ابنته.). هنا رجل يعظ بالقرآن فيكون مصيره تقطيع أطرافه وقتله وقتل إبنته.

1 / 4 : كان مرداس معتدلا بالنسبة لبقية الخوارج ، ويقول بالتقية حتى لا يصطدم بالسلطة الأموية . لكن موقفه تغير عندما قتل عبيد الله بن زياد إمرأة من الخوارج إسمها البثجاء كانت عابدة مجتهدة فى العبادة ولكن تنتقد ابن زياد ، نصحها مرداس بالتقية خوفا عليها فلم تطاوعه ، فقطع ابن زياد أطرافها وعلقها فى السوق لتموت صبرا . ومرّ بها مرداس فتغير موقفه ، وثار خارجا على ابن زياد. يقول الطبرى : ( وكانت البثجاء، امرأة من بني يربوع، تحرض على ابن زياد وتذكر تجبره وسوء سيرته، وكانت من المجتهدات، فذكرها ابن زياد، فقال لها أبو بلال: " إن التقية لا بأس بها فتغيبي فإن هذا الجبار قد ذكرك " . قالت: " أخشى أن يلقى أحدٌ بسبي مكروهاً.". فأخذها ابن زياد فقطع يديها ورجليها، فمر بها أبو بلال في السوق فعض على لحيته وقال: " أهذه أطيب نفساً بالموت منك يا مرداس؟ ما ميتةٌ أموتها أحب إلي من ميتة البثجاء! " .! . ومر أبو بلال ببعير قد طلي بقطران فغشي عليه ثم أفاق فتلا:( سرابيلهم من قطرانٍ وتغشى وجوههم النارإبراهيم: 50.).

1 / 5 : لهذا ثار الخارجى ( مرداس أبو بلال ) وغادر العراق الى الأهواز ومعه أربعون رجلا فقط . بعث إليهم ابن زياد جيشا بألفى رجل ، فهزمهم الأربعون خارجيا فى موقعة ( آسك ) ،  كانت فضيحة . قال فيها شاعر يمدح الخوارج :

  أألفا مؤمن منكم زعمتم      ويقتلهم بآسك أربعونا

كذبتم ليس ذاك كما زعمتم ولكن الخوارج مؤمنونا

هي الفئة القليلة قد علمتم على الفئة الكثيرة ينصرونا

1 / 6 : كان لا بد لعبيد الله بن زياد أن يثأر . فأرسل لهم جيشا آخر بثلاثة ألاف ، وإشتد القتال ، تقول الرواية عن أبى بلال : ( ..وحمل عليهم أبو بلالفيمن معه فثبتوا ، واشتد القتال حتى دخل وقت العصر ، فقال أبو بلال : " هذا يوم جمعة ، وهو يوم عظيم وهذا وقت العصر فدعونا حتى نصلي‏.‏ ) وإستجاب له القائد الأموى ابن الأخضر . تقول الرواية ( ..فأجابهم ابن الأخضر وتحاجزوا ، فعجل ابن الأخضر الصلاة ، وقيل قطعها،  والخوارج يصلون ، فشد عليهم هو وأصحابه وهم ما بين قائم وراكع وساجد لم يتغير منهم أحد من حاله فقتلوا من آخرهم وأخذ رأس أبي بلال‏.‏ ). لم يتركوا الصلاة ، كان الجيش الأموى  يقتلهم  وهم فى الصلاة يقولون ( وعجلت اليك ربى لترضى ). ! هنا الوجه المتطرف فى الصلاة لدى الخوارج .

2 ـ عيّن الخليفة الأموى هشام بن عبد الملك ( خالد القسرى ) والى الصلاة على العراق وشرقها.  أرسل خالد جيشا قاتل الخوارج فى الموصل ، إنهزم الخوارج وقُتل معظمهم .  قال شاعر يرثى قتلى الخوارج :

( فتية تعرف التخشع فيهم ** كلهم أحكم القرآن إماما

 قد برى لحمه التهجد حتى ** عاد جلداً مصفراً وعظاماً )

هذا هو المظهر الخارجى للخوارج بسبب الإفراط فى الصلاة والتهجد وقراءة القرآن .

 ثانيا : الملمح الثانى : التطرف فى القتل للجميع حتى النساء والأطفال

1 ـ حين خرجوا على ( على بن أبى طالب ) وأقاموا فى حروراء عينوا أميرا على الصلاة ، تقول الرواية :(   وأتوا حروراء، فنزل بها منهم اثنا عشر ألفاً، ونادى مناديهم: إن أمير القتال شبث بن ربعي التميمي، وأمير الصلاة عبد الله بن الكوا اليشكري ..) .

2 ـ وأول جريمة لهم كانت قتل رجل مسالم وبقر بطن زوجته ، تقول الرواية : ( لما أقبلت الخارجة من البصرة حتى دنت من النهروان رأى عصابةٌ منهم رجلاً يسوق بامرأة على حمار، فدعوه فانتهروه فأفزعوه وقالوا له: من أنت؟ قال: أنا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: أفزعناك؟ قال: نعم. قالوا: لا روع عليك.. ) وناقشوه فى التحكيم وفى (على )  ولمّا لم يعجبهم رأيه قتلوه وقتلوا زوجته  : (  فقالوا: إنك تتبع الهوى وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها، والله لنقتلنك قتلةً ما قتلناها أحداً.فأخذوه وكتفوه ثم أقبلوا به وبامرأته، وهي حبلى متم ... فأضجعوه فذبحوه، فسال دمه في الماء، وأقبلوا إلى المرأة فقالت: أنا امرأة ألا تتقون الله! فبقروا بطنها، وقتلوا ثلاث نسوة من طيء، وقتلوا أم سنان الصيداوية ). الخوارج يستبيحون قتل الأجنة فى البطون. !

3 ـ كان شبيب بن بجرة مع ابن ملجم حين قتل علياً، تقول الرواية : ( فلما دخل معاوية الكوفة أتاه شبيب كالمتقرب إليه فقال: " أنا وابن ملجم قتلنا علياً،" ، فوثب معاوية من مجلسه مذعوراً حتى دخل منزله . وبعث إلى أشجع وقال: " لئن رأيت شبيباً أو بلغني أنه ببابي لأهلكنكم، أخرجوه عن بلدكم.!" . وكان شبيب إذا جن عليه الليل خرج فلم يلق أحداً إلا قتله. ). يقتل الناس ليلا قتلا عشوائيا .

4 ـ أثناء خلافته عيّن عبد الله بن الزبير أخاه مصعب واليا للصلاة على العراق وما يتبعه شرقا ، وتعين على مصعب مواجهة الخوارج. فى حوادث عام 68 وتحت عنوان : ( حروب الخوارج بفارس والعراق) يذكر ابن الأثير تفصيلات هذه الحروب نقلا عن الطبرى . ومنها نقتطف أهم ملمح من ذهنية الخوارج ودينهم ، وهو الإسراف فى القتل . تقول الرواية عنهم : ( فشنوا الغارة على أهل المدائن ..ووضعوا السيف فى الناس يقتلون الرجال والنساء والولدان ويشقون أجواف الحبالى .). أى يقتلون الأجنّة فى الاحام.!  وهم فى طريقهم عثروا على رجل اسمه سماك بن يزيد ، معه بنت له ، فأخذوها ليقتلوها وأبيها ، فقالت تستعطفهم : (" يا أهل الاسلام .! إن أبى مصاب فلا تقتلوه ، وأما أنا فجارية ، والله ما أتيت فاحشة قط ، ولا آذيت جارة لى ، ولا تطلعت ولا تشرفت قط " ) (أى لم تتجسس على جيرانها ) . تستمر الرواية : ( فلما أرادوا قتلها سقطت ميتة ) أى ماتت من الرعب ، ولم يرحموا جثتها. تقول الرواية : ( فقطعوها بسيوفهم ).! . اما أبوها المريض فإصطحبوه معهم ثم قتلوه وصلبوه. لو قرأ هتلر هذا لإبيضّت عيناه من الحُزن.!!

5 ـ فى عام 69  ، تقول الرواية : ( وفيها حكم رجل من الخوارج بمنى وسل سيفه، وكانوا جماعة، فأمسك الله أيديهمفقتل ذلك الرجل عند الجمرة.) : (حكّم ) أى صاح ( لا حكم إلا لله ) وهى الصيحة التى يستبيحون بها القتل حتى للأبرياء . وهذا الرجل يقتل الناس حتى فى الحرم.

6 ـ إستمر هذا حتى العصر العباسى ، ورصده الملطى المتوفى عام 377 . فى كتابه ( التنبيه والرد ) يقول الملطى عن الخوارج : ( فأما الفرقة الأولى من الخوارج فهم المحكمة الأولى ( اصحاب شعار : لا حكم إلا لله ) ، الذين كانوا يخرجون بسيوفهم فى الأسواق حين يجتمع الناس ، فينادون : لا حكم إلا لله ، ويضعون سيوفهم فيمن يلحقون من الناس ، فلا يزالون يقتلون حتى يقتلوا. وكان الواحد منهم إذا خرج للتحكيم لا يرجع حتى يُقتل .ولم يبق منهم أحد على وجه الأرض بحمد الله .) . ويقول عن بعض طوائفهم : ( الإباضية  : .. خرجوا من سواد الكوفة فقتلوا الناس وسبوا الذرية وقتلوا الأطفال وكفّروا الأمة وأفسدوا فى العباد والبلاد ، فمنهم اليوم بقايا بسواد الكوفة ) . ( السواد يعنى الأرض الزراعية التى تجاور الصحراء فى العراق. ) ـ ويقول عن الحرورية : ( يقولون بتكفير الأمة .. ويسبون ويستحلون الأموال والفروج ..وهم بناحية سجستان وهراة وخراسان ، وهم عالم كثير ..وهم اصحاب خيل وشجاعة .. ) ( الصليدية ..يقتلون ويستحلون الموال على الأحوال كلها ، وهم أشر الخوارج وأقذرهم وأكثرهم فسادا ، ولهم عدد بناحية سجستان ونواحيها .. ). 

الملمح الثالث : الجمع بين التطرف فى العبادة والتطرف فى القتل

1 ـ حين كان خالد القسرى والى العراق للخليفة هشام بن عبد الملك ثار الخارجى  ( وزير السختياني ) بالحيرة في نفر قليل : (  فجعل لا يمر بقرية إلا أحرقها، ولا يلقى أحداً إلا قتله، وغلب على ما هنالك وعلى بيت المال، فوجه إليه خالد جنداً فقاتلوا عامة أصحابه وأثخن بالجراح، وأتي به خالد، ) أخذ هذا الخارجى يحرق القرى ويقتل من يراه وهو مع ذلك عابد مجتهد فى العبادة.! هو يعظ خالد القسرى المشهور بغلظته وقسوته فيجعل قلب خالد يلين.! أثار إعجاب خالد فإكتفى بحبسه ولم يقتله ، وإتخذه نديما يسمر معه ، وأرسل خصوم خالد الى الخليفة أنه آوى اليه ( حروريا ) أى خارجيا يسامره ، تقول الرواية : (  وأقبل على خالد فوعظه، فأعجب خالداً ما سمع منه فلم يقتله وحبسه عنده، وكان يؤتى به في الليل فيحادثه. فسعي بخالد إلى هشام وقيل: أخذ حرورياً قد قتل وحرق وأباح لأموال فجعله سميراً، فغضب هشام وكتب إليه يأمره بقتله، وكان خالد يقول: إني أنفس به عن الموت، فأخر قتله، فكتب إليه هشام ثانياً يذمه ويأمره بقتله ، فقتله خالد حرقا ونفرا معه . وهو فى الحرق كان يتلو قوله جل وعلا : (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴿٨١﴾ التوبة ).

 

 ( 2 ): بين دين الخوارج ودين قريش

مقدمة :

1 ـ المعروفون بالخوارج أسلموا من قبل فى عهد النبى محمد عليه السلام بالاسلام السلوكى بمعنى السلام وأوقفوا غاراتهم على بعضهم ، وتحرروا من سلطان قريش التى كانت تتخذ من اصنامهم فى البيت الحرام رهينة كى يخضعوا لها ويمتنعوا عن مهاجمة قوافل قريش فى رحلتى الشتاء والصيف. . ثم إستعادت قريش نفوذها بخلافة أبى بكر ( رأس الذين مردوا على النفاق ) فثار الأعراب رفضا لأخذ ابى بكر منهم الصدقات فأصبح إسمهم المرتدين ، وبعد هزيمتهم صاروا جنود الغزو معتنقين دين قريش وخلفائها الفاسقين فتحولت غاراتهم القبلية فى الجزيرة العربية الى حرب عالمية تنتحل إسم الاسلام زورا وبهتانا. عاملهم (عمر ) بالعدل فى توزيع الغنائم ، ثم ثاروا على ( عثمان ) بسبب فساده وقتلوه فأصبح إسمهم الثوار، ثم إنضموا الى (على ) وأصبحوا من شيعته ، ثم خرجوا عليه وكفروا بقريش كلها ، وحاربوه وقتلوه وإلتصق بهم اسم الخوارج. كل هذا فى جيل واحد.

2 ـ كان الخوارج من القوى الفعّالة فى الفتنة الكبرى ، لم يؤثروا فى حسم إلصراع على السلطة بين أجنحة قريش المتصارعة ( أمويون ـ هاشميون ـ زبيريون ) ، ولكنهم ـ فى الأغلب ـ حاربوا الجميع ، من مقتل الحسين الى مقتل ابن الزبير ، ثم إستمروا فى حرب الأمويين ، واستمروا فى العصر العباسى الأول . 

3 ـ  حملوا لقب ( الخوارج ) بمعنى الخارجين على الحكم القُرشى والدين القرشى الذى أرساه عمليا الخلفاء الفاسقون بغزوهم وإحتلالهم وبغيهم وعدوانهم. إستمر الخوارج يحملون هذا اللقب وهذا الدين مع إستمرار حكم قريش فى عصر الأمويين والعباسيين. إذ لم يتغير الأمر بالنسبة لهم ، الخلفاء جميعا قرشيون ، لا فارق بين الأربعة الأوائل أو الأمويين أو العباسيين ، ولا فارق ايضا بينهم فى التسلط والاستبداد والإستثار بالسلطة وإعتبار القبائل الأخرى مجرد أعوان يقاتلون فى سبيل مجد قرسش وتوسعها . بإستمرار الإستبداد القرشى فى العصر الأموى ثم العباسى إنضم كثير من الناقمين والطموحين للخوارج وإعتنقوا دينهم ، وإنتشر دينهم ما بين أواسط آسيا الى شمال أفريقيا ، بل إن بعض من خدم الأمويين ( خرج ) على الأمويين معتنقا دين (الخوارج ) عندما صارت له قوة ، مثل  إبن الأشعث الذى كان قائدا لجيش أموى فوقع تحت سيطرة الخوارج فإستخدم جيشه فى حرب الأمويين ، وتصارع مع الحجاج بن يوسف . 

4 ـ رفض الخوارج ( أن تحكم قريش ) وكما إنتحل الخلفاء الفاسقون إسم الاسلام فى غزوهم وإحتلالهم وبغيهم وعدوانهم فإن الخوارج إنتحلوا ( لا حكم إلا لله ) أو حاكمية الله جل وعلا عنوانا لدينهم الجديد حقدا على إنفراد قريش بالحكم ، وجعلوا ( لا حكم إلا لله ) شهادة دينهم وصيحتهم فى جهادهم فى الخروج على الحاكم وفى قتلهم العشوائى للناس.

5 ـ تميز الخوارج بتطرفهم فى العبادة ( الصلاة وقراءة القرآن ) وتطرفهم فى القتل وإستحلال الدماء. ولنا أن نتخيل ــ وهم بوحشيتهم تلك ــ كيف كانوا يتفانون فى قتل جنود البلاد الذين كانوا يدافعون عن أوطانهم . زاد تفانيهم فى القتل والقتال حين تحولوا الى خوارج ، وزادها تطرفهم فى العبادة وإعتقادهم إمتلاك الحق ، أى كانوا مخلصين فى سفك الدماء بنفس إخلاصهم فى تأدية صلاتهم الشيطانية التى تأمرهم بالفحشاء والمنكر.

6 ــ بدينهم المتطرف هذا إختلفوا عن دين الخلفاء الفاسقين ، سواء فى العبادة أو فى إستحلال الدماء . تطرفوا ــ وبكل خشوع شيطانى ــ فى العبادة وقيام الليل ، وتطرفوا ــ وبكل شجاعة ــ فى إستحلال الدماء لكل ( المسلمين ) حتى الأطفال والنساء والذرية وحتى كانوا يبقرون بطون الحوامل ليقتلوا الأجنّة. وكأى دين أرضى إنقسم الخوارج طوائف وشيعا تسمّت بأسماء قوادها أو ببعض سماتها ، وكلها تتفق فى أنه ( لا حكم لله ) إعلانا للثورة على السلطان وقتل الناس جميعا ، ثم يختلفون فى بعض الفرعيات

لم يقع الخلفاء الفاسقون فى التطرف فى العبادة أو التطرف فى القتل. كان همُّهم الأكبر وإلاههم الأكبر هو المال. إذا حصلوا عليه بالجزية وبالصلح بدون حرب فلا داعى للحرب. وإذا حاربوا قتلوا الجنود وإسترقوا ذريتهم وتركوا الباقين يعملون عندهم سواء كانوا فلاحين أو عاملين فى جمع المال . أما الخوارج فقد دفعهم حقدهم على قريش أن قتلوا كل من يقع فى أيديهم ، ولم يكن إهتمامهم بالمال بقدر إهتمامهم بسفك الدماء .

7 ـ ولقد قضى ( على بن أبى طالب ) على معظم الخوارج ، ولكن إستمر الخوارج بعده ، بل قتلوه . ولم يفلح أيضا الخلفاء اللاحقون  فى القضاء على الخوارج . إنتشر دين الخوارج لسببين :

7 / 1 : الأصل فى ثورة الخوارج هو إستئثار الخليفة القرشى بالحكم ، وقد إستمر هذا بعد قتل ( على ) ومعززا بالفساد وقوة السلاح ، وبلا أمل فى الاصلاح .

7 / 2 : جاذبية الفكرة وعدم مواجهتها من داخل الاسلام لأن الاسلام أصلا ضد خلفاء قريش كما هو ضد دين الخوارج. بالتالى كانوا يقضون على الأشخاص مع بقاء الإستبداد والفساد دون إصلاح ، ومع عدم مواجهة الفكرة نفسها ، لذا إستمرت الفكرة وأنجبت آلافا مؤلفة فيما بعد قتلوا آلافا مؤلفة من الأبرياء الذين لا ذنب لهم .

7 / 3 : وهذا يؤكد  ــ لمن يهمه الأمر ــ أن مواجهة داعش وغيرها من بنات الوهابية ليس بالعسكر ، ولكن بعلاج المرض الذى أنتج داعش ، وأنتج من قبله الخوارج . وهو الاستبداد والفساد وتحكم الملأ والنخبة بالحديد والنار، لذا تشتعل ثورات الناقمين تحت أى شعار ، وأصعبها الشعار الدينى كما فعل الخوارج والدواعش .  وسيظل الفشل نصيب كل من يتصدى لحرب ما يسمى بالارهاب بقوة الجيش واسلحة الأمن ، مع الابقاء على الفساد والظلم الذى تنبت فيه وتترعرع الحركات الارهابية من الخوارج الى حركة الزنج الى القرامطة الى الوهابية وبناتها . وسيظل الشرق الأتعس يعايش حركات الارهاب طالما يرتع فيه الاستبداد مصاحبا الفساد ، وطالما يرفض الاصلاح والعدل. 

وعن الخوارج نعطى بعض التفصيلات :

أولا : دينهم ( لا حكم إلا لله )

1 ـ تولد هذا الدين فجأة بإعتراض ( القُرّاء ) أو الأعراب المتشددين فى العبادة والمتفانين فى الحرب مع على ضد معاوية فى معركة (صفين ) . تقول الروايات :

1 / 1 : ( وخرج الأشعث بالكتاب ( أى كتاب التحكيم ) يقرؤه على الناس حتى مر على طائفة من بني تميم فيهم عروة بن أدية أخو أبي بلال فقرأه عليهم، فقال عروة: تحكّمون في أمر الله الرجال؟ لا حكم إلا لله! ثم شد بسيفه فضرب به عجز دابة الأشعث ضربةً خفيفة واندفعت الدابة.. )   .

1 / 2 : ( لما أراد (علي  ) أن يبعث أبا موسى للحكومة  ( التحكيم ) أتاه رجلان من الخوارج: زرعة ابن البرج الطائي وحرقوص بن زهير السعدي فقالا له: لا حكم إلا لله! فقال علي: لا حكم إلا لله. وقال حرقوص بن زهير: تب من خطيئتك وارجع عن قضيتك واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا. فقال علي: قد أردتكم على ذلك فعصيتموني ).

2 ـ ولاحقوا (على بن أبى طالب ) بهذا الشعار الذى صار دينا للخوارج . واصبح تعبيرا وقتها أن يقال ( حكّم ) أى صرخ بشعار ( لا حكم إلا لله ) ، واصبح لقب الخوارج : ( المُحكّمة ) . تقول الرواية عن (على ) وهو يخطب ( فى المسجد ):

2 / 1  ( وخطب (علي ) ذات يوم، فحكّمت المُحكّمة في جوانب المسجد، فقال ( علي ) : " الله أكبر، كلمة حق أريد بها باطل" ! . )

2 / 2 : (  ثم خطب (علي ) يوماً آخر فقام رجل فقال: " لا حكم إلا لله! " ، ثم توالى عدة رجال يحكّمون. فقال علي: " الله أكبر، كلمة حق أريد بها باطل "! )

3 ـ والخارجى عبد الرحمن بن ملجم هتف بهذا الشعار وهو يضرب عليا بالسيف ، تقول الرواية :  ( فلما كان ليلة الجمعة، وهي الليلة التي واعد ابن ملجم أصحابه على قتل علي ومعاوية وعمرو، أخذ سيفه ومعه شبيب ووردان وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي للصلاة، فلما خرج علي نادى: أيها الناس الصلاة الصلاة. فضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب، وضربه ابن ملجم على قرنه بالسيف، وقال: الحكم لله لا لك يا علي ولا لأصحابك! )

4 ـ وتواتر هذا التعبير فى تاريخ الخوارج بعد مقتل (على ) ، فيأتى التعبير عن ثورة فلان من الخوارج بأنه ( حكّم ) . ومثلا فى عام 64 تقول الرواية : ( ذكر خروج سهم والخطيم:وفيها خرج الخطيم، وهو يزيد بن مالك الباهلي، وسهم بن غالب الهجيمي، فحكّما؛ فأما سهم فإنه خرج إلى الأهواز فحكّم بها، ثم رجع فاختفى وطلب الأمان فلم يؤمنه زياد وطلبه حتى أخذه وقتله وصلبه على بابه.)
ثانيا : وصف دينهم بالمروق ( أى مرقوا من دين قريش )

  1 ـ بدأ هذا فى روايتين عن (على بن ابى طالب ) :

1 / 1 : (.. قد روى جماعة أن علياً كان يحدث أصحابه قبل ظهور الخوارج أن قوماً يخرجون يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، علامتهم رجل مخدج اليد، سمعوا ذلك منه مراراً، فلما خرج أهل النهروان سار بهم إليهم ( علي ) وكان منه معهم ما كان، فلما فرغ أمر أصحابه أن يلتمسوا المخدج، فالتمسوه، فقال بعضهم: ما نجده، حتى قال بعضهم: ما هو فيهم، وهو يقول: " والله إنه لفيهم، والله ما كذبت ولا كذبت! " ثم إنه جاءه رجل فبشره فقال: يا أمير المؤمنين قد وجدناه.) (  وقيل: بل خرج (علي ) في طلبه قبل أن يبشره الرجل ، ومعه سليم بن ثمامة الحنفي والريان بن صبرة ، فوجده في حفرة على شاطىء النهر في خمسين قتيلاًن ، فلما استخرجه نظر إلى عضده فإذا لحم مجتمع كثدي المرأة وحلمة عليها شعرات سود فإذا مُدّت امتدت حتى تحاذي يده الطولى ثم تترك فتعود إلى منكبيه. فلما رآه قال: " الله أكبر ما كذبت ولا كذبت، لولا أن تنكلوا عن العمل لأخبرتكم بما قص الله على لسان نبيه، صلى الله عليه وسلم، لمن قاتلهم مستبصراً في قتالهم عارفاً للحق الذي نحن عليه.. ) . غنى عن الذكر أن النبى محمدا عليه السلام لم يكن يعلم غيب المستقبل وإذا قاله (على ) ونسبه للنبى عليه السلام فقد إفترى برهانا وإثما عظيما يضاف الى سجل أعماله فى القتل فى سبيل السُّلطة والمال.

1 / 2 : ( وقال (على ) : " إذا حدثتكم فيما بينى وبينكم فإن الحرب خدعة ، وإذا حدثتكم عن رسول الله ، فوالله لأن أخرّ من السماء أحبُّ إلى من الكذب عليه ، وإنى سمعته يقول : يخرج قوم فى آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فأينما لقيتهم فاقتلهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة ) . يذكر ما سيحدث ( آخر الزمان ) مع أن وقت ظهور الخوارج لم يكن آخر الزمان. هذا إفتراء ، . ولكن يهمنا هنا أن تشريع الدين القرشى يأتى بقتلهم وقتالهم والمثوبة على ذلك ، والمعنى أن الدين القُرشى يواجه دين الخوارج بالاتهام بالمروق ( عن دين الخلفاء الفاسقين ) .

2 ـ ومع إستمرار الخروج فى العصرين الأموى والعباسى راجت صيغ أخرى من أحاديث تتهم الخوارج بالمروق عن الدين القرشى. فقد صاغوا حديثا منسوبا للنبى محمد عن الشاعر الأموى المشهور ( الفرزدق ) يرويه عن أبى سعيد الخدرى يزعم : ( قلت لأبى سعيد الخدرى : قبلنا قوم يصلون صلاة لا يصليها احد ويقرءون قراءة لا يقرؤها أحد " ، وكان متكئا فاستوى جالسا ، وقال : " سمعت رسول الله يقول : " إن قبل المشرق قوما يقرءون قراءة لا تُجاوز حلوقهم ) . لم يذكروا ظهور الخوارج غربا فى شمال أفريقيا .

3( ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﻳﺨﺮﺝ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻗﻮﻡ ﻳﻘﺮﺅﻭﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﺎﺗﺤﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺧﺎﺗﻤﺘﻪ  ﻻ ﻳﺠﺎﻭﺯ ﺣﻨﺎﺟﺮﻫﻢ ﻳﻤﺮﻗﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻛﻤﺎ ﻳﻤﺮﻕ ﺍﻟﺴﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻣﻴﺔ ) ( يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم ، يقرآون القرآن ولا يجاوز حناجرهم. يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية تنظر فى القدح فلا ترى شيئا وتنظر فى الريش فلا ترى شيئا .. ) يهمنا هنا تكرار وصف الخوارج بالتطرف فى العبادة من صلاة وصوم وقراءة للقرآن .

 ( 3 ): لماذا إختار الخوارج الحاكمية دينا ؟

1 ـ رأينا أنه التعصب القبلى ( نسبة للقبيلة ) . وفى الطريق بحث قادم بعون الرحمن جل وعلا عن أثر العصبية القبلية فى الدولة الأموية. ولكن نكتفى هنا بلمحة تخص موضوعنا عن أثر التعصب القبلى فى إختيار الخوارج الحاكمية دينا رفضا لدين قريش .

2 ـ ينقسم العرب الى قسمين كبيرين : عرب اليمن القحطانيون ، والعرب المستعربة من نسل إسماعيل بن ابراهيم ، والمعرون من أقدم أجدادهم هو نزار بن معد بن عدنان .  وقد أنجب نزار ثلاثة أولاد هم ( مُضر ) و ( ربيعة ) و ( إياد ) . من مضر تناسلت قبائل كثيرة منها كنانة ومنه فرع قريش . قبائل ربيعة هى أكثرية عرب الشرق وفى نجد بينما تركز معظم قبائل ( مُضر ) فى الحجاز والغرب.

أما عرب اليمن ( قحطان ) فتوزعوا ، ومنهم قبيلة كلب فى جنوب الشام . وتوثقت علاقة قريش بقبيلة كلب التى كانت تسيطر على الطرق التجارية وتحمى رحلتى الشتاء والصيف الى الشام ، وكان الأمويون هم قادة القوافل لذا تأسست علاقتهم بكلب وأصهر معاوية الى زعيم قبية كلب وتزوج ابنته ميسون بنت بحدل فأنجب منها إبنه يزيد.

ولم تكن العلاقة جيدة بين قريش المُضرية وقبائل ربيعة ، وقبيلتا بكر وتغلب من نسل ربيعة بن نزار . ومن بكر بن وائل كان معظم الخوارج .

3 ـ دخل العرب فى الاسلام السلوكى وتناسوا العصبية القبلية وإستبدلوها بالأخوة فى الاسلام الذى يكون فيه الأكرم عند الله جل وعلا هو الأتقى ، وسيكون هذا معروفا يوم القيامة طبقا لقوله جل وعلا : (  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴿١٣﴾ الحجرات ). أى جعلنا رب العزة شعوبا وقبائل مختلفة فى اللسان والألوان لكى نتعارف سلميا لا لنتقاتل حربيا. الشورى الاسلامية عرضنا لها هنا فى بحث منشور ، وبها تخلص العرب من سيطرة الملأ ، سواء كان من قريش أو من المدينة وهذا بتحجيم سيطرة المنافقين الأكثر ثراءا ونفوذا، ثم هناك الحرية المطلقة فى الدين طالما إلتزم الفرد بالسلام وعدم الإكراه فى الدين وعدم إستغلال الدين فى إكراه الناس على تقديم الصدقات . بالمساواة وبالشورى والسلام والحرية الدينية إستراح العرب من حروبهم مؤقتا بأن دخلوا فى الاسلام السلوكى أفواجا . تغيّر هذا بما فعله رائد الخلفاء الفاسقين ( ابو بكر )، إذ عادت العصبية القبلية قوية وظهرت فى حركة الردة ،  وكانت أعتى حركات الردة هى التى تزعمها مسيلمة الكذاب ، وحظى على تأييد قبائل ربيعة مع علمهم بأنه كذاب ، لكن إشتهر قولهم (كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر. ) . النبى محمد عليه السلام ينتمى الى قبائل ( مضر ) ، وقد مات وتولى بعده قرشى مضرى يريد أن يعلو عليهم ، لذا فالمتنبىء الكذاب أفضل عندهم من النبى المضرى القرشى الصادق الذى مات.

4 ـ وأشرنا الى دخول القبائل العربية أفواجا تحت قيادة قريش فى الفتوحات الإجرامية ، وكان منهم قادة المرتدين سابقا. بعد توقف الفتوحات فى عهد عثمان بدأ التذمر من فساد عثمان وإستئثاره بالأموال ، وإنفجر الخلاف بقضية ( السواد ) وهو الأرض الزراعية المتاخمة للصحراء النجدية ، والتى كانت قبائل ربيعة تعتبرها ملكا خاصا لها. إعتبرت قريش هذا السواد ملكية لها ، وأسموه ( بستان قريش ) ، بهذا تحولت نقمة الأعراب الى ثورة على عثمان إنتهت بقتله ، وتعيين (على ) خليفة.

ليزايدوا على (على ) تفانى أولئك الأعراب فى القتال وتفانوا فى العبادة ، وأيضا زايدوا عليه فى الحكم ، يفرضون رأيهم عليه ويعصونه ، لذا كان (على ) يناديهم ( يا أهل العراق ، يا اهل الشقاق والنفاق ) . أرغموه على الرضى بالتحكيم ، ثم أرادوا إرغامه على رفض التحكيم بحجة أن لا حكم إلا لله ، ثم خرجوا عليه بهذا الدين الجديد الذى يعنى كراهية حكم قريش. وأساس هذا هو عصبيتهم القبلية ضد قريش .

5 ـ على أن العصبية القبلية كان لها تأثير خطير آخر بجانب إنتاج الخوارج ودينهم (  لا حكم إلا لله ) . ونستشهد بعام 46 ، وهو أخطر الأعوام ، والذى حدث فيه موت يزيد بن معاوية وتولى معاوية ثم إعتزاله وموته ، وإنضمام الضحاك بن قيس زعيم القبائل القيسية المضرية لابن الزبير ،ومن ثم إستفحال دعوة عبد الله بن الزبير ، وإجتماع الأمويين فى مؤتمر الجابية وإختيارهم مروان بن الحكم خليفة ، ووقوف القبائل اليمنية ( خصوصا قبائل كلب ) الى جانب الأمويين ، وحدثت موقعة مرج راهط ، والتى كانت صراعا قبليا ( من القبيلة ) بين قبائل قيس المُضرية العدنانية وقبائل كلب اليمنية القحطانية . وإنهزمت قيس وقُتل زعيمها الضحاك ، وتأجّجت العداوة بين قيس المضرية العدنانية وكلب اليمنية القحطانية .  والجد الأعلى لقيس هو ( مُضر ) : هو  ( قيس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ) ، ومن قبائل قيس : هوازن وغطفان وسليم وفهم وباهلة ومازن وغنى .

ومن قادة ( مُضر ) وقتها كان عبد الله بن خازم السلمى أحد قادة الفتوحات البغى فى فارس ، وكان والى فارس فى عهد معاوية . وتولى فارس فى عام 64 ،  السبب أن ابن زياد عيّن على خراسان ( المهلب بن أبى صفرة )، وهو من الأزد ، والأزد من قبائل اليمن القحطانية ، وفى مناطق أخرى من خراسان (مروالروذ والفارياب والطالقان والجوزجان  ) كان هناك وال آخر من ( ربيعة ) ينتمى لقبيلة بكر بن وائل هو (سليمان بن مرثد) ، وبالتالى لا وجود لوال من ( مّضر ) . إتخذها عبد الله بن خازم فرصة إذ قال لوالى العراق : ( أما وجدت في المصر من تستعمله حتى فرقت خراسان بين بكر بن وائل واليمن ؟ اكتب لي عهدًا على خراسان‏.‏ ) تقول الرواية : ( فكتب له وأعطاه مائة ألف درهم‏.‏ ). وجرت حروب بين القبائل فى خراسان ، بين قبائل اليمن وقبائل ( مُضر ) ، وبين قبائل مضر وقبائل ( ربيعة ) . وقال عبد الله بن خازم مقالته المشهورة عن حقد قبائل ربيعة على بنى عمومتهم ( مُضر ) :  ( إن ربيعة لم تزل غضابًا على ربها منذ بعث نبيه من مضر‏. ).! .

6 ـ  وفى مقالته تلك يفضح نفسية الخوارج لأن معظم الخوارج من قبائل ربيعة ، وأشهر قادة الخوارج من قبائل ربيعة خصوصا قبائل بكر بن وائل . ومنهم ( نافع بن الأزرق، ونجدة بن عامر، وعبد الله بن وهب الراسبي، وحرقوص بن زهير، وشبيب بن يزيد. ).  وهم جميعا يشتركون فى الحقد على قريش المُضرية.

7 ـ إنتشرت قبائل ربيعة فى العراق وخراسان ، ومنهم خوارج كانت لهم وقائع حربية ضد الدولة الأموية ، وتزايد هذا فى أواخر العهد الأموى فى خلافة مروان بن محمد ، الذى واجه الخوارج وغيرهم ، بل ثار عليه بعض أهله ومنهم ( سليمان بن هشام بن عبد الملك ) الذى إجتمع له أكثر من سبعين ألفا ، ولكن هزمه الخليفة مروان وقتل منهم أكثر من ثلاثين ألفا ، وأمر بقتل الأسرى إلا من كان مملوكا ، فزعم كثيرون أنهم عبيد للنجاة بحياتهم ـ فأمر مروان ببيعهم عبيدا . وهرب سليمان من المعركة ، وحاول حرب مروان مرة أخرى فإنهزم أيضا ، وواصل الفرار .

وقتها سيطر الضحاك الخارجى على الكوفة ، وتحارب مع الوالى الأموى عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ، والذى كان فى حرب أيضا مع ابن عمه الخليفة مروان بن محمد ، ورأى عبد الله بن عمر بن عبد العزيز أن يوقف الحرب مع الضحاك الخارجى وأن يتحالف معه ضد ابن عمه الخليفة مروان بن محمد. ولكن التحالف مع الضحاك الخارجى يستلزم الخضوع له وأن يدخل فى طاعته. وقتها جاء سليمان بن هشام بن عبد الملك هاربا منهزما من مروان بن محمد ، ولحق بابن عمه عبدالله بن عمر بن عبد العزيز ، وذهبا الى الضحاك الخارجى وبايعاه بالخلافة. تقول الرواية : ( حتى صار إلى عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بالعراق فخرج معه إلى الضحاك فبايعه وحرض على مروان؛ فقال بعض شعرائهم:
ألم تر الله أظهر دينه ** وصلّت قريش خلف بكر بن وائل ).

الشاهد هنا أن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن هشام بن عبد الملك بايعا زعيم الخوارج فى العراق بالخلافة نكاية فى الخليفة ابن عمهم ( مروان بن محمد ) وحرّضاه على قتال مروان. لذا قال الشاعر ( ألم تر الله أظهر دينه ** وصلت قريش خلف بكر بن وائل ) . هذا الشاعر يعبر عن ثقافة الخوارج . أى ( قريش ) يمثلها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن هشام بن عبد الملك ( تصلى ) أى تخضع ل ( بكر بن وائل ) ، أى الخوارج لأن معظم الخوارج من قبائل بكر بن وائل بن ربيعة . وقبائل ربيعة كما قال عبد الله بن خازم السلمى : ( إن ربيعة لم تزل غضابًا على ربها منذ بعث نبيه من مضر‏. ).! .

من المشترك بين الخوارج والأمويين

1 ـ تعصب الأمويون للعرب وإحتقروا الموالى ، والخوارج مع رأيهم ( الديمقراطى ) فى الحكم فلم يبثوا دعوتهم بين الموالى فى العراق وفارس وخراسان . وهذا ما تنبهت له دعوة بنى العباس إذ إعتمدت على الخراسانيين ، وإنتشر التشيع فى فارس والعراق ، وكان أعمدته من الموالى.

2 ـ وإشترك الأمويون والخوارج فى موضوع السبى . مارسوا السبى فى حروبهم المحلية ، الخوارج كانوا يستبقون بعض النساء ( المسلمات ) للسبى ، والأمويون كانوا يسبون نساء الخوارج . وجدير بالذكر أن السبى جرى فى حروب الردة قبلها ، أى رجعت قريش والمرتدون الى ما إعتادوه فى حروبهم الجاهلية من سبى النساء ، ثم إرتكبوا نفس الفعل على نطاق عالمى وأوسع فى فتوحاتهم الباغية فى آسيا وأفريقيا .

2 / 1 : فى عهد عبد الملك بن مروان أرسل أخاه عبد العزيز بن مروان لقتال الخوارج الأزارقة ، فهزم الأزارقة ، وسبى زوجة زعيمهم ، تقول الرواية إن عبد الملك بن مروان : (   بعث أخاه عبد العزيز على قتال الأزارقة فهزم ، وأخذت زوجته بنت المنذر بن الجارود فأقيمت فيمن يزيد ، فبلغت مائة ألف . وكانت جميلة فغار رجل من قومها ، كان من رؤوس الخوارج ، فقال‏:‏ " تنحوا ما أرى هذه المشركة إلا قد فتنتكم . " فضرب عنقها‏. ) أى عرضها الأمويون للبيع ، ولأنها جميلة فقد تزايدوا فى ثمنها الى مائة ألف . وكان بين الحاضرين رجل من قومها كان من قبل من الخوارج ثم إنشق عليهم وإنضم للأمويين ، ولما رآهم يتزايدون فى سعرها شعر بالغيرة والعصبية فقتلها، وسماها ( مشركة ) . كان من قبل يصف الأمويين بالكفر والشرك ، فلما تركهم وإنضم للأمويين وصف الخوارج بالكفر والشرك ..

2 / 2 : وفى حروب الحجاج مع الجيش المنشق عنه تحت قيادة ابن الأشعث أسر الحجاج بعض النسوة اللاتى كُنّ فى الجيش المعادى ، فأغار ( بسطام من مصقلة بن هبيرة الشيباني، ) ( قائد الخوارج من قبيلة ربيعة ) على جيش الحجاج ، وإستنقذ ثلاثين إمرأة كن سبايا . وأطلقهن .   

3 ـ و كلاهما إستخدم الدين فى حربه ضد الآخر.

3 / 1 : زعم الخوارج أن الحكم ( السياسى ) لله جل وعلا وليس لقريش ، فقد ردّت عليهم قريش بحديث صنعوه يقول ( الأئمة من قريش ) .

3 / 2  ـ وبينما كان الخوارج يؤمنون أن قتلهم ( المسلمين ) جهاد ، فإن عبيد الله بن زياد وهو فى محنته عام 64  برّر كل جرائمه ومنها قتل الحسين ، ولكن قال عن قتاله وقتله للخوارج: (وأما قولك ليتني لم أكن قتلت من قتلت فما عملت بعد كلمة الإخلاصعملًا هو أقرب إلى الله عندي من قتل من قتلت من الخوارج ).!

3 / 3 : وتبادل الخوارج والأمويون إتهام بعضهم بأنه عدو الله .

3 / 3 / 1 : كان المهلب بن أبى صفرة يحارب الخوارج الأزارقة باسم عبد الله بن الزبير فلما هلك ابن الزبير إنضم المهلب الى عبد الملك وظل يحارب الخوارج ولكن بإسم عبد الملك بعد أن كان من قبل يتبرأ من عبد الملك. تقول الرواية : ( اقتتلت الأزارقة والمهلب بسولاف ثمانية أشهر أشد القتال ، فأتاهم قتل مصعب بن الزبير فبلغ ذلك إلى الأزارقة قبل المهلب فنادت الخوارج لعسكر المهلب‏:‏ ما قولكم في مصعب فقالوا‏:‏ إمام هدى قالوا‏:‏ فما قولكم في عبد الملك قالوا‏:‏ نحن براء منه قالوا‏:‏ فإن مصعب قد قتل وستجعلون غدًا عبد الملك إمامكم‏. فلما كان من الغد بلغ المهلب الخبر فبايع لعبد الملك فقالت الخوارج‏:‏ يا أعداء الله أنتم أمس تتبرأون منه وهو اليوم إمامكم‏.‏)

3 / 3 / 2 : فى موقعة دير الجماجم بين الحجاج الوالى الأموى والجيش الخارج عليه نادى الجيش الأموى الخوارج : (  يا أعداء الله قد هلكتم وقد قتل طاغيتكم! ).

4 : ومع كل هذه الحروب ضد الخارج فقد حافظ الفريقان على تأدية الصلاة . وقد تعرضنا للخوارج فى صلاتهم ، ونكتفى بروايتين عن قادة الأمويين :

4 / 1 : تحت عنوان ( ذكر غزوة الغور:عام 47  ) تقول الرواية : ( في هذه السنة سار الحكم بن عمرو إلى جبال الغور فغزا من بها، وكانوا ارتدوا، فأخذهم بالسيف عنوةً ، وفتحها وأصاب منها مغانم كثيرة وسبايا، ...) وتقول الرواية عن الحكم :  (.. فشرب وتوضأ وصلى ركعتين، وكان أول المسلمين فعل ذلك ثم رجع.) صلى ركعتين ثم قاتل باغيا وسبى التنساء ونهب وسلب . وهو يحسب أنه يحسن صنعا. ولماذا ؟ لأن أهل الغور ( إرتدوا ) أى ثاروا على الاحتلال العربى والظلم العربى.!
4 / 2 : عبد الله بن خازم الفاتح فى خراسان لحساب الأمويين قيل فيه أنه كانت له:( عمامة سوداء يلبسها في صلاة الجمعة والأعياد والحروب، فإذا أنتصر تعمم بها تبركا بها.

 

 

الفصل الثانى عشر : الصلاة الشيطانية بين الحجاج بن يوسف وشبيب الخارجى

 (1 ) عن الحجاج

مقدمة:

1 ـ الحجاج بن يوسف الثقفى ( 40 : 95 ) أشهر والى أموى ، فى بدايته كان معلما للقرآن ، ثم عمل شرطيا لدى عبد الملك بن مروان ، ولفت الانتباه بهمته وحزمه فأصبح رئيس الشرطة ، ثم كان الذى قضى على ابن الزبير ، وصار واليا على العراق وما يتبعه ، فأنقذ الدولة الأموية فى هذا الجزء الذى تأتى منه الفتن . أما شبيب الخارجى فهو : (شبيب بن يَزيد بن نعيم بن قيس الشيباني ( 26 : 77  ) أشهر قادة الخوارج وأشجعهم.  وقد تحارب الحجاج وشبيب ، وتشاركا فى أداء الصلاة ، وكان للمسجد منزلة فى هذا الصراع الحربى. 2 ـ وتشارك الأمويون والخوارج الحرص على الصلاة حتى فى الإقتتال بينهما. وفى عام  43 وفى الصراع بين معاوية والخوارج كان قتل (المستورد بن علفة ) الخارحى ، ونقتطف بعض ما جاء فى هذا تحت عنوان :  ( ذكر مقتل المستورد الخارجي:( ..فجعلت الخوارج كلما حملت عليهم انحازوا عنهم، فإذا عاد الخوراج رجع أبو الرواغ في آثارهم، فلم يزالوا كذلك إلى وقت الظهر، فنزل الطائفتان يصلون ثم أقاموا إلى العصر، .. فتقدم حتى وقف مقابل الخوارج ولحقهم معقل، فلما دنا منهم غربت الشمس فصلى بأصحابه وصلى أبو الرواغ بأصحابه وصلى الخوارج أيضاً.. ) . فيما نكتب لا تعنينا  التفصيلات ، بل ما جاء بين سطورها إشارة الى الصلاة أو المسجد . 

3 ـ وننتاول طائفة من أخبار الحجاج تجمع بين صلاته وإسرافه فى الدماء :

أولا : الحجاج بين الاسراف فى القتل والصلاة

1 ـ  عن تولية الحجاج واليا ( للصلاة ) على العراق عام 75 ، تقول الرواية عن دخوله الكوفة : (  فبدأ الحجاج بالمسجد ، فصعد المنبر وهو متلثم بعمامة خز حمراء فقال: علي بالناس ) أى بدأ بالمسجد ليلقى منه بيانه الأول للناس ، فالمسجد لم يعد بيت الله جل وعلا يعمره من يخشى الله جل وعلا ، بل هو بيت الشيطان ومسجد ضرار . وإجتمع الناس فظل ساكتا ملثم الوجه ، فإستخف به بعضهم وكانوا قد تعودوا الاستهزاء بالولاة . تقول الرواية عن الحجاج : ( .. وهو ساكت قد أطال السكوت، فتناول محمد بن عمير حصباء وأراد أن يحصبه بها وقال: " قاتله الله ما أغباه وأذمة! ..." ) وخطب الحجاج خطبة خطيرة على مثال خطبة زياد ابن أبيه من قبل ، فإرتعب ذلك الرجل إبن عمير ، تقول الرواية : ( فلما تكلم الحجاج جعلت الحصباء تنتثر من يده وهو لا يعقل به، )

2 ـ وعن خطبة الحجاج تقول الرواية : ( قال: ثم كشف الحجاج عن وجهه وقال:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ** متى أضع العمامة تعرفوني

.. إنّى لأرى رؤوساً قد أينعت وقد حان قطافها، إني لأنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى قد شمرت عن ساقها تشميراً .. إني والله يا أهل العراق ما أغمز كتغماز التين، ولا يقعقع لي بالشنان، ولقد فررت عن ذكاء، وجريت إلى الغاية القصوى. ثم قرأ(وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنةً بأتيها رزقها رغداً من كل مكانٍ فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون)  النحل:  )112 )). وواصل التهديد ، ومنه قوله لهم : (والله لتستقيمن على الحق أو لأضربنكم بالسيف ضرباً يدع النساء أيامى، والولدان يتامى، ) وعن تثاقلهم عن الانضمام لعسكر المهلب بن أبى صفرة المتجه لحرب الخوارج هددهم قائلا : (  وقد بلغني رفضكم المهلب .. وإني أقسم بالله لا أجد أحداً من عسكره بعد ثلاثة إلا ضربت عنقه وأنهبت داره!  ). بعدها أمر ( العرفاء ) بجمع الناس لحرب المهلب وإخباره عمّن يتخلف .

3 ـ حاولوا تهديده بالتكبير ( الله أكبر ) فخطبهم مهددا . تقول الرواية : ( فلما كان اليوم الثالث سمع تكبيراً في السوق ، فخرج حتى جلس على المنبر فقال: " يا أهل العراق وأهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق! إني سمعت تكبيراً ليس بالتكبير الذي يراد به وجه الله ولكنه التكبير الذي يراد به الترهيب، وقد عرفت أنها عجاجة تحتها قصف، يا بني اللكيعة وعبيد العصا وأبناء الأيامى ألا يربع رجل منكم على ظلعة، ويحسن حقن دمه، ويعرف موضع قدمه! فأقسم بالله لأوشك أن أوقع بكم وقعة تكون نكالاً لما قبلها وأدباً لما بعدها.) . هنا يصف تكبيرهم أنه ليس لوجه الله ، كما لو كان التكبير الذى يستعمله الأمويون لوجه الله جل وعلا. هو إستخدام سياسى للتكبير ، وكل فريق يزعم إحتكار رب العزة ( جل وعلا ) لنفسه. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

4 ـ وأمر بقتل شيخ طاعن فى السّن هو( عمير بن ضابىء التيمى ) ونهب داره ،عقابا على انه كان ممن إشترك فى قتل عثمان. وأمر مناديا ينادى : ( " ألا إن عمير بن ضابئ أتى بعد ثلاثة وكان سمع النداء فأمرنا بقتله، ألا إن ذمة الله بريئة ممن لم يأت الليلة من جند المهلب." ) هنا يجعل الذمة ( ذمة الله ) هو أيضا إحتكار لرب العزة ، كما لو أن رب العزة جل وعلا أعطاه تفويضا بالقتل. تعالى الله جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا. 

5 ـ بعدها ذهب الى البصرة ، تقول الرواية ( خرج الحجاج من الكوفة إلى البصرة واستخلف على الكوفة عروة بن المغيرة بن شعبة، فلما قدم البصرة خطبهم بمثل خطبته بالكوفة وتوعد من رآه منهم بعد ثلاثة ولم يلحق بالمهلب، فأتاه شريك بن عمرو اليشكري، وكان به فتق، وكان أعور يضع على عينه قطعةً.. فقال: أصلح الله الأمير، إن بي فتقاً وقد رآه بشر بن مروان فعذرني، وهذا عطائي مردود في بيت المال ، فأمر به فضربت عنقه، فلم يبق بالبصرة أحد من عسكر المهلب إلا لحق به.  ) أى كان لديه عُذر للتخلف عن القتال ، وعرض ألا يأخذ عطاءه أو مرتبه مقابل الإعفاء من القتال ، ولكن قتله الحجاج. وبهذا الارهاب تكامل جيش المهلب.

6 ـ كان الحجاج أول من عاقب بقتل من يتخلف عن الاشتراك فى ( الجهاد الأموى ) فى الغزو الخارجى او الحروب ضد الخوارج . إذ كان العرب يتقاضون عطاءا مقابل تجنيدهم فى الحرب ، وبعضهم كان يتخلف فيلحقه العقاب.  كان العقاب فى عهد عمر وعثمان وعلى التشهير ، ثم أضاف مصعب بن الزبير عقوبة حلق الرءوس واللحى ، ثم أضاف بشر بن مروان بن الحكم والى الصلاة فى العراق عقوبة التسمير . وجاء الحجاج فجعل عقوبة القتل. قال الشعبى أشهر رواة العصر الأموى : ( كان الرجل إذا أخل بوجهه الذي يكتب إليه زمن عمر وعثمان وعلي نزعت عمامته ويُقام للناس ويُشهر أمره، فلما ولي مصعب قال: ما هذا بشيء، وأضاف إليه حلق الرؤوس واللحى، فلما ولي بشر بن مروان زاد فيه فصار يرفع الرجل عن الأرض ويسمر في يديه مسماران في حائط، فربما مات وربما خرق المسمار كفه فسلم،  ..فلما كان الحجاج قال: هذا لعب، أضرب عنق من يخل مكانه من الثغر.).

 7ـ بدأ الحجاج مدينة واسط بين الكوفة والبصرة ،فى عام توليه العراق ( عام  75 )، وجعلها عاصمة له . وحرص فى تخطيطها على أن يتوسطها المسجد ، تقول الرواية ( .. فابتدأ في البناء من سنة خمس وسبعين فبنى القصر والمسجد والسورين وحفر الخندق في ثلاث سنين وفرغ في هذه السنة ) اى عام 78 . وتقول الرواية : ( ثم نقل إليها من وجوه أهل الكوفة وأمرهم أن يصلوا عن يمين المقصورة ، ونقل من وجوه أهل البصرة وأمرهم أن يصلوا عن يسار المقصورة ، وأمر من كان معه من أهل الشام أن يصلوا بحياله مما يلي المقصورة. ) . إبتدع معاوية بناء ( المقصورة ) فى المسجد بعد أن تعرض لمحاولة إغتيال من الخوارج، وصار عادة أن يبنى والى الصلاة مقصورة فى مسجده للحماية إذ صار المسجد موقعا حربيا . وهذا ما فعله الحجاج فى مسجد واسط. بنى المقصورة ثم حدّد مكانا لصلاة أتباعه من الكوفة وآخر لصلاة للبصريين وثالثا لصلاة أتباعه من الشام. ولم ينس أن يبنى فى واسط سجنا يقتل فيه الناس الأبرياء صبرا.

  8 ـ إشتهر الحجاج بالفصاحة ، وكان يحلو له أن يطيل فى خطبة الجمعة والتى جعلها الأمويون دعاية سياسية ، وأثار تطويله فى خطبة الجمعة إعتراض عبد الله بن عمر من قبل فإحتج ودفع ابن عمر ثمن إحتجاجه بأن قتله الحجاج غيلة. ومارس الحجاج تطويل خطبة الجمعة فإعترض عليه الحسن البصرى أشهر الزٌّهاد فى البصرة ، تقول الرواية عن الحسن ( البصرى ) : ( أقام الحسن حتى صلى الجمعة خلف الحجاج فرقي الحجاج المنبر فأطال الخطبة حتى دخل في وقت العصر فقال الحسن‏:‏ أما من رجل يقول‏:‏ الصلاة جامعة فقال رجل من تلامذة الحسن‏:‏ يا أبا سعيد أتأمرنا أن نتكلم والإمام يخطب فقال‏:‏ إنما أمرنا أن ننصت لهم إذا أخذوا في أمر ديننا فإذا أخذوا في أمر دنياهم أخذنا في أمر ديننا قوموا الصلاة جامعة ثم التفت إلى جلسائه فقال‏:‏ بعث إليكم أخيفش أعيمش ملعون معذب قوموا الصلاة جامعة فقام الحسن وقام الناس لقيام الحسن فقطع الحجاج الخطبة ونزل فصلى بهم وطلب الحجاج الحسن فلم يقدر عليه‏. ).

9 ـ ولأن الحجاج كان يعلّم الصبية القرآن فقد إشتهر أيضا بحُسن قراءته للقرآن . ( ..وقال ابن عوف: كنت إذا سمعت الحجاج يقرأ عرفت أنه طالما درس القرآن. ) .ولم يغير هذا شيئا فى إسرافه فى الدماء . قال أحدهم : ( سمعت الحجاج يقول: .. والله لو أمرتكم أن تخرجوا من هذا الباب فخرجتم من هذا حلت لي دماؤكم؟، ) أى إستحل القتل لأى مخالفة لأمره.

10 ـ بعد إنتصاره على الخارجين عليه فى معركة دير الجماجم أسرف الحجاج فى قتل الأسرى . فإشترط عليهم أن يبايعوه ولا بد لمن يبايعه أن يشهد على نفسه بالكفر. أى إنه كفر حين (خرج ) على دين الأمويين. تقول الرواية : ( ..وأخذ الحجاج يبايع الناس، وكان لا يبايع أحداً إلا قال له: اشهد أنك كفرت، فإن قال: نعم، بايعه، وإلا قتله، فأتاه رجل من خثعم كان معتزلاً للناس جميعاً فسأله عن حاله فأخبره باعتزاله، فقال له: أنت متربص، أتشهد أنك كافر؟ قال: بئس الرجل! أنا أعبد الله ثمانين سنة ثم أشهد على نفسي بالكفر! قال: إذاً أقتلك. قال: وإن قتلتني فوالله ما بقي من عمري إلا ظمء حمار. فقتله .. وأتي بآخر من بعده، فقال له الحجاج: أرى رجلاً ما أظنه يشهد على نفسه بالكفر. فقال له الرجال: أتخادعني عن نفسي؟ أنا أكفر أهل الأرض وأكفر من فرعون. فضحك منه وخلي سبيله.)

11 ـ وكان يسجن الناس بمجرد الشُّبهة . تقول الرواية فى تاريخ المنتظم لابن الجوزى (وُجد في سجن الحجاج ثلاثة وثلاثون ألفا ما يجب على أحد منهم قطع ولا قتل ولا صلب . ) أى أبرياء لا يستحقون العقاب . وكان سجنهم يعنى تركهم حتى الموت ، أو بتعبير عصرهم ( الموت صبرا ) ، تقول الرواية : ( أُحصي من قتله الحجاج صبراً فكانوا مائة ألف وعشرين ألفاً. ) وقيل فى وصف سجن الحجاج فى عاصمته ( مدينة واسط  ) : ( كان سجن الحجاج بواسط إنما هو حائط محوط ليس فيه مآل ولا ظل ولا بيت ، فإذا آوى المسجونون إلى الجدران يستظلون بها رمتهم الحرس بالحجارة . وكان يطعمهم خبز الشعير مخلوطًا به الملح والرماد ، فكان لا يلبث الرجل فيه إلا يسيرًا حتى يسود فيصير كأنه زنجي . فحبس فيه مرة غلام فجاءته أمه تتعرف خبره ، فصيح به لها ، فلما رأته أنكرته ، قالت‏:‏ " ليس هذا ابني كان ابني أشقر أحمر وهذا زنجي .! "  فقال لها‏:‏ " أنا والله يا أماه ابنك ، أنا فلان وأختي فلانة وأبي فلان . " فلما عرفته شهقت فماتت‏.)
12 ـ وبهذا نشر الحجاج الارهاب فى العراق. ونأخذ مثلا على ذلك مما ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى في ترجمة فقيه الكوفة في عهد الحجاج وهو " إبراهيم ألنخعي  " الذي عاش حياته في رعب من الحجاج حتى مات دون الخسمين بعد وفاة الحجاج ببضعة اشهر سنة 96 هجرية ، لقد أرسل الحجاج شرطيا للقبض على إبراهيم النخعى ، وكان عنده في البيت رفيقه إبراهيم التيمي فجاء الشرطي للبيت يقول : " أريد إبراهيم "، فأسرع إبراهيم التيمي يقول : "أنا إبراهيم ".  وسار مع الشرطي للحجاج وهو يعلم أن المطلوب هو  إبراهيم النخعى ، ولكن لم يرد أن يدل عليه، وجيء به للحجاج  فأمر بحبسه بدون تهمة ، يقول ابن سعد  "  ولم يكن لهم ظل من الشمس ولا كن من البرد ، وكان كل اثنين في السلسلة فتغير إبراهيم فجاءته أمه في الحبس فلم  تعرفه حتى كلمها ، فمات في السجن " .                                                          

وأثرت تلك الحادثة على سلوك الفقيه الشاب إبراهيم ألنخعي فسيطر عليه الرعب من الحجاج ما بقي الحجاج حيا . وظل حينا من الدهر مستخفيا في بيت صديقه أبي معشر تطارده وساوسه ومخاوفه من إرهاب الحجاج .   وكان في لقاءاته السرية مع أصحابه يستحل لعن الحجاج مستدلا بقوله تعالي " ألا لعنة الله علي الظالمين " ويتشجع أحيانا فيسب الحجاج . وإذا كان يجلس مع غرباء فإنه يأخذ جانب الحذر والتوجس مخافة أن يكون بينهم أعوان للحجاج ، وهو يتذكر وصية قالها له أحد أصدقائه : ( تذهب إلي المسجد الأعظم فيجلس إليكم العريف والشرطي ؟ ) ،ويكون إبراهيم ألنخعي أكثر حصافة فيقول لهم : ( نجلس في المسجد فيجلس إلينا العريف والشرطي أحب من أن نعتزل فيرمينا الناس برأي بهوي ..). أي كان  يخاف من الانزواء ، ويخاف أيضا من إظهار آرائه ، لذلك كان يظهر امام الناس انتقاده للمرجئة ويقول لبعض الشيعة علي مسمع الجالسين : ( أما إن عليا لو سمع كلامك لأوجع ظهرك ، وإذا كنتم تجالسوننا بهذا فلا تجالسوننا .). ولم يتخلص إبراهيم النخعي من شبح الحجاج إلا عندما بشره صديقه حماد بموت الحجاج يقول حماد: ( بشرت  إبراهيم بموت الحجاج فسجد ، وما كنت أري أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت إبراهيم يبكى من الفرح .). ومات إبراهيم النخعي بعد موت الحجاج ببضعة أشهر ، وقد اضطر أصحابه إلي دفنه ليلا وهم خائفون. لأن الارهاب الأموى كان سياسة دولة يقوم به ( والى الصلاة )  .

13 ـ وعدا هؤلاء قتل الحجاج آلافا مؤلفة بمجرد الظّن . تقول الرواية : ( وقال الحجاج ليزيد بن أبي مسلم‏:‏ كم قد قتلنا في الظنة قال‏:‏ ثمانين ألفًا‏. )

14 ـ ويقول ابن الجوزى فى المنتظم ، ( وهو عراقى ) : ( وبقي الحجاج في إمرته على العراق تمام عشرين سنة وكان مقدمًا على القتل والظلم ). (   .. ولما حضرته الوفاة استخلف على الصلاة ابنه عبد الله بن الحجاج، واستخلف على حرب الكوفة والبصرة يزيد بن أبي كبشة، وعلى خراجهما يزيد بن أبي مسلم، فأقرهما الوليد بعد موته ولم يغير أحداً من عمال الحجاج.)

 15 ـ هذا عن الحجاج ، فماذا عن غريمه ( شبيب ) ؟ وماذا عن حروبهما ؟

 

(2  )  بين الحجاج وشبيب الخارجى  : لمحة عن  ( شبيب بن يزيد بن نعيم الشيبانى ) وزوجته غزالة

1 ـ قيل إن أباه ( يزيد بن نعيم أبا شبيب كان ممن دخل في جيش سلمان بن ربيعة إذ بعث به الوليد بن عقبة على أمر عثمان بن عفان إياه بذلك مددًا لأهل الشام إلى أرض الروم ، فلما قفل المسلمون أقيم السبي للبيع ، فرأى يزيد بن نعيم جارية حمراء لا شهلاء ولا زرقاء طويلة جميلة تأخذها العين فابتاعها ، وذلك سنة خمس وعشرين أول السنة . فلما أدخلها الكوفة قال‏:‏ " أسلمي " فأبت ، فضربها ، فلم تزدد إلا عصيانًا ، فأمر بها فأصلحت له ثم أدخلت عليه فلما تغشاها حملت ، فولدت له شبيبًا في ذي الحجة يوم النحر ، وكان يوم السبت ، وأسلمت قبل أن تلده ). أى إشترك يزيد بن نعيم فى حملة فى غزو الروم فى خلافة عثمان، ورجعوا بالسبى من النساء ، وعرضوا نساء السبى للبيع فى المزاد على العادة. فرأى يزيد فتاة أعجبته فإشتراها ، وحملت بشبيب.

وعاش شبيب مع قومه ربيعة الناقمين على قريش ، وسرعان ما أصبح أشهر قواد الخوارج فى العصر الأموى. تزعّم شبيب فرقة الحرورية من الخوارج ، وهزم عشرين جيشا للحجاج وخمسة من قواده فى مدة سنتين فقط .

2 ـ زوجته غزالة مولودة فى الموصل . وشاركت زوجها شبيب فى حروبه ضد الأمويين. كانت غزالة قد نذرت لله جل وعلا أن تصلى فى مسجد الكوفة ، فصاحبت زوجها حين دخل الكوفة غازيا للمرة الثانية ، وكان مع غزالة مائتان من نساء الخوارج مسلحات ، ووصلوا الى المسجد الجامع فقتلوا الحراس ومن يصلى فى المسجد ، وخطبت غزالة على المنبر، هذا بينما هرب منها الحجاج متحصنا فى قصره .

3 ـ سجل هذا الشعراء، ومنهم عمران بن حطان ( ت 84 ) وهو من الخوارج الشراة ،من شيبان بن بكر بن وائل. كان الحجاج يطارد هذا الشاعر الخارجى ، فقال الشاعر يعيّره :  أسد علىّ وفى الحروب نعامة      ربداء  تجفل من صفير الصافر

هلا برزت الى غزالة فى الوغى      بل كان قلبك فى جناحى طائر

صدعت غزالة قلبه بفوارس              تركت منابذه كأمس الدابر  

وصار قوله ( أسد علىّ وفى الحروب نعامة ) مثلا . 

ونعطى بعض التفصيل ، وفيها لا نهتم بتحركات القتال فى المعارك بين الحجاج وشبيب. نختار فقط السطور التى جاءت فيها إشارة للصلاة والمسجد وما يتصل بجعل الصراع بينهما دينيا ؛ دين الأمويين ودين الخوارج .

أولا : الصلاة والمسجد فى صراع الحجاج وشبيب :

1 ـ ( دخل شبيب الكوفة : ..... وذلك أنه لما قتل صالح كان قتله يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقين من جمادى الآخرة ، فقال شبيب لأصحابه‏:‏ بايعوني أو بايعوا من شئتم فبايعوه ، فخرج فقتل من قدر عليه . وبعث الحجاج جندًا في طلبه فهزمهم فبعث إليهم سورة بن الأبجر فذهب شبيب إلى المدائن فأصاب منها وقتل من ظهر له ، ثم خرج فأتى النهروان ، فتوضأ هو وأصحابه وصلوا ، وأتوا مصارع إخوانهم الذين قتلهم علي بن أبي طالب فاستغفروا لإخوانهم وتبرأوا من علي وأصحابه ، وبكوا فأطالوا البكاء ثم خرجوا فقطعوا جسر النهروان ونزلوا في جانبه الشرقي ثم التقوا فهزموا سورة.. ) . شبيب قتل ( من قدر عليه ) وقتل من ( ظهر له ) ثم ذهب يحُجُّ وأصحابه الى النهروان حيث كانت معركة النهروان التى قتل فيها (على ) معظم الخارجين عليه ، فتوضأ هو واصحابه وصلُّوا ، وبكوا علي أسلافهم قتلى النهروان واستغفروا لهم. .

 2 : ( ...ثم جاء شبيب حتى دخل الكوفة ومعه زوجته غزالة، وكانت نذرت أن تصلي في جامع الكوفة ركعتين تقرأ فيهما البقرة وآل عمران، واتخذ في عسكره اخصاصاً، فجمع الحجاج ليلاً بعد أن لقي من شبيب الناس ما لقوا فاستشارهم في أمر شبيب، فأطرقوا، ) (.. أن غزالة امرأة شبيب نذرت أن تصلي في مسجد الكوفة ركعتين تقرأ فيهما البقرة وآل عمران فدخل بها شبيب الكوفة فوفت بنذرها‏.  ). أى هو تمام التحدى للحلاج ، أن تصلى فى جامع الحجاج والأمويين فى الكوفة ( وهو رمز دينى لحكمه )، وأن تقرأ فيهما سورتى البقرة وآل عمران . أى كانت تحفظ  أطول سورتين فى القرآن .!

3 : ( .. ذكر قدوم شبيب الكوفة وانهزامه عنها:..  وجاء شبيب فعسكر بناحية الكوفة وأقام ثلاثاً، فلم يكن في اليوم الأول غير قتل الحارث ، فلما كان اليوم الثاني أخرج الحجاج مواليه فأخذوا بأفواه السكك، وجاء شبيب فنزل السبخة وابتنى بها مسجداً .. ). وفى رواية أخرى :  ( ..ثم أقبل إلى الكوفة وبعث الحجاج إليه جيشًا فهزمهم وجاء شبيب حتى ابتنى مسجدًا في أقصى السبخة  ) فى خضم معاركه شبيب يبنى مسجدأ .

4 : ( .. وحمل عليهم شبيب بجميع أصحابه، فوثبوا في وجهه، وما زالوا يطاعنونه ويضاربونه قدما ويدفعونه وأصحابه حتى أجازوهم مكانهم، وأمر شبيب أصحابه بالنزول، فنزل نصفهم، وجاء الحجاج حتى انتهى إلى مسجد شبيب ثم قال: " يا أهل الشام هذا أول الفتح "، وصعد المسجد ومعه جماعة معهم النبل ليرموهم إن دنوا منه، فاقتتلوا عامة النهار أشد قتال رآه الناس...) الحجاج إستولى على ( مسجد شبيب ) وإعتبر هذا أول الفتح لأن المسجد مركزا حربيا ، وإعتلى المسجد ومعه فريق من الرُّماة ليرموا جيش شبيب إن إقتربوا من المسجد الذى إبتناه شبيب. المسجد هنا مركز حربى. . 

5 : ( .. فخرج الناس يلعنون عنبسة بن سعيد لأنه هو الذي كلم الحجاج فيه حتى جعله من صحابته، وصلى الحجاج من الغد الصبح واجتمع الناس ...) . الحجاج يصلى الصبح ويجتمع اليه الناس فى المسجد.! الصلاة الشيطانية يؤدونها ــ كالعادة ـ فى معاركهم . لأنها أحد طقوس دينهم الشيطانى .

6 ـ عندما إقترب شبيب من جيش الحجاج فى الأنبار لم ينس أن يصلى المغرب. تقول الرواية : ( فخرج في أثره حتى نزل الأنبار، وكان الحجاج قد نادى عند انهزامهم: من جاءنا منكم فهو آمن. فتفرق عن شبيب ناس كثير من أصحابه. فلما نزل حبيب الأنبار أتاهم شبيب، فلما دنا منهم نزل فصلى المغرب ..).

7 ـ وفى رواية أخرى عن شبيب : ( فلما بلغ عتاب سوق حكمة أتاه شبيب، وكان أصحابه بالمدائن ألف رجل، فحثهم على القتال، وسار بهم، فتخلف عنه بعضهم، ثم صلى الظهر بساباط وصلى العصر وسار حتى أشرف على عتاب وعسكره، فلما رآهم نزل فصلى المغرب،  ..)

8 : التوقيت التوقيت بوقت الصلوات

8 / 1 :  ( ..  وخرج الحجاج نحو الكوفة فبادره شبيب إليها ، فنزل الحجاج الكوفة صلاة العصر ونزل شبيب السبخة صلاة المغرب. ) التوقيت هنا بمواقيت الصلاة : الحجاج يصل وقت صلاة العصر فى الكوفة ، وشبيب يصل وقت صلاة المغرب فى موضع آخر.

8 / 2 : ( .. ومضى هو في مائتين إلى الميمنة بين المغرب والعشاء الآخرة حين أضاء القمر.. )

ثانيا : التكبير وإستعمال لفظ الجلالة

1 ـ  (ثم إن خالد بن عتاب قال للحجاج: ائذن لي في قتالهم فإني موتور، فأذن له، فخرج ومعه جماعة من أهل الكوفة وقصد عسكرهم من ورائهم فقتل مصاداً أخا شبيب وقتل إمرأته غزالة وحرق في عسكره. وأتى الخبر الحجاج وشبيباً، فكبر الحجاج وأصحابه، وأما شبيب فركب هو وأصحابه، وقال الحجاج لأهل الشام: احملوا عليهم فإنهم قد أتاهم ما أرعبهم. فشدوا عليهم فهزموهم، وتخلف شبيب في حامية الناس. فبعث الحجاج إلى خيله: أن دعوه، فتركوه ورجعوا، ودخل الحجاج إلى الكوفة فصعد المنبر ثم قال: والله ما قوتل شبيب قبلها، ولى والله هارباً وترك امرأته يكسر في استها القصب.). خالد بن عتاب قتل أخ شبيب وقتل غزالة فى هذه المعركة . وعندما عرف الحجاج صاح وأصحابه : ( الله أكبر ). ثم دخل الحجاج الكوفة وصعد منبر المسجد فيها وقال كلمة بذيئة فى حق غزالة (..وترك امرأته يكسر في استها القصب.! ) . نسى الحجاج أنه هرب منها متحصنا بقصره.!

2 ـ وعندما جاء الخبر بغرق شبيب فى نهر دجيل صاح سفيان قائد جيش الحجاج بالتكبير هو وجنوده : ( وكان أهل الشام يريدون الانصراف، فاتاهم صاحب الجسر فقال لسفيان: إن رجلاً منهم وقع في الماء، فنادوا بينهم: غرق أمير المؤمنين! ثم إنهم انصرفوا راجعين وتركوا عسكرهم ليس فيه أحد، فكبّر سفيان وكبّر أصحابه، )

3 ـ  ( ثم دعا حبيب بن عبد الرحمن الحكمي فبعثه في ثلاثة آلاف فارس من أهل الشام في أثر شبيب، وقال له: "احذر بياته وحيث لقيته فانزل له، فإن الله تعالى قد فل حده وقصم نابه"...). الحجاج ينسب إنتصاره على شبيب الى رب العزة جل وعلا بقوله : ( فإن الله تعالى قد فل حده وقصم نابه ) .

4 ـ  (   .. وحمل شبيب على خالد بن عتاب ومن معه وهو على ميسرة الحجاج فبلغ بهم الرحبة، وحمل على مطر بن ناجية وهو على ميمنة الحجاج فكشفه، فنزل عند ذلك الحجاج ونزل أصحابه وجلس على عباءة ومعه عنبسة بن سعيد، فإنهم على ذلك إذ تناول مصقلة بن مهلهل الضبي لجام شبيب وقال: ما تقول في صالح. فقال له مصقلة: برئ الله منك، وفارقه إلا أربعين فارساً. فقال الحجاج: قد اختلفوا،) . مصقلة الضبى من أتباع شبيب ، وإختلف معه فقال لشبيب : ( برىء الله منك ) . أى طالما تبرأ من شبيب فقد تبرأ الله من شبيب.!

5 ــ ( فاقتتلوا قتالًا شديدًا ، ثم حمل شبيب بجميع أصحابه ، ونادى الحجاج بجماعة الناس فوثبوا في وجهه فما زالوا يطعنون ويضربون ، فنادى شبيب‏:‏ " يا أولياء الله فى الأرض " ، ثم نزل وأمر أصحابه فنزل بعضهم  .. ) . شبيب يجعل أصحابه ( اولياء الله ).

‏6 ـ (.. وبلغ شبيب أن عبد الرحمن بالأنبار ، فأقبل بأصحابه فبيتهم فما قدر عليهم بشيء لأنهم قد احترزوا ، وجرت مقتلة وسقطت أيد وفقئت أعين ، فقتل من أصحاب شبيب نحو من ثلاثين ، ومن الآخرين نحو من مائة . فملّ الفريقان بعضهم بعضًا من طول القتال ، ثم انصرف عنهم شبيب وهو يقول لأصحابه‏:‏ " ما أشد هذا الذي بنا لو كنا إنما نطلب الدنيا ، وما أيسر هذا في جانب ثواب الله عز وجل."! ) شبيب يرى أن قتله الناس وقتاله الناس من أجل ثواب الله جل وعلا. 

7 ـ  (  وقام إليه زهرة بن حوية، وهو شيخ كبير لا يستتم قائماً حتى يؤخذ بيده، فقال له: أصلح الله الأمير أنك إنما تبعث إليهم الناس منقطعين، فاستنفر الناس إليهم كافة وابعث إليهم رجلاً شجاعاً مجرباً ممن يرى الفرار هضماً وعاراً، والصبر مجداً وكرماً. فقال الحجاج: فأنت ذلك الرجل فاخرج. فقال زهرة: أصلح الله الأمير، إنما يصلح الرجل يحمل الدرع والرمح ويهز السيف ويثبت على متن الفرس، وأنا لا أطيق من هذا شيئاً، وقد ضعف بصري وضعفت، ولكن أخرجني مع الأمير في الناس فأكون معه وأشير عليه برأيي. فقال الحجاج: جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله في أول أمرك وآخره، فقد نصحت. .. ). رجل نصح الحجاج فقال له الحجاج : " جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله. ".!!

8 ـ عن شبيب ووصوله الى قصر الحجاج ( ثم دخل الكوفة وجاء حتى ضرب باب القصر بعموده ثم خرج من الكوفة ، فنادى الحجاج وهو فوق القصر‏:‏ يا خيل الله اركبي‏. ). الحجاج يجعل خيوله ( خيل الله ).!! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. .

ثالثا : دين شبيب ضد دين الحجاج :

يتشاركان فى الصلاة الشيطانية ، وفى القتال ، وفى التكبير ، وكلاهما يزعم أن الله جل وعلا فى جانبه. يتشاركان فى عبادة الشيطان الذى أضلّهم وجعلهم يحسبون أنهم مهتدين ، وهما دينان مختلفان متصارعان ، ولكن تأديتهما الصلاة شكلا تجعل كلا منهم يعتقد أنه على الحق. ونعطى أمثلة :

1 ـ ( شبيب ) كان لقبه ( امير المؤمنين ) وكان يطلب من الناس أن يبايعوه ، وإلا قتلهم . وعندما قتل القائد الأموى عتّاب منع قتل الأسرى حتى يبايعوه خليفة ، فبايعوه خوف القتل ثم هربوا منه ليلا.تقول الرواية : (...وتمكن شبيب من العسكر وحوى ما فيه فقال‏:‏ " ارفعوا عنهم السيف"  ثم دعا إلى البيعة ، فبايعه الناس من ساعتهم ، وهربوا تحت الليل. )   

2 ـ وصيغة البيعة له هى شهادة: ( لاحكم إلا الله ) . تقول الرواية : (.. فرجع إليه ثمانية نفر فقاتلوه حتى بلغوا به الرحبة، وأتي شبيب بخوط بن عمير السدوسي فقال: يا خوط لا حكم إلا الله. فقال: إن خوطاً من أصحابكم ولكنه كان يخاف، فأطلقه؛ وأتي بعمير بن القعقاع فقال: يا عمير لا حكم إلا الله. فقال: في سبيل الله شبابي، فردد عليه شبيب: لا حكم إلا الله، فلم يفقه ما يريد، فقتله.). شبيب يعرض دينه على عمير ( لا حكم إلا لله ) ينتظر منه أن يردد نفس الشهادة بعده . لم يفعل فقتله.! 

3 ـ وكان الخوارج يقاتلون أهلهم الذين هم على دين الأمويين ، يعتبرونهم كفارا. وبعض أتباع شبيب من قبيلة (تيم ) وقد رأوا منه تهاونا فى قتال عشيرته الشيبانيين مع انهم يقتلون ويقتلون عشائرهم من بنى (تيم ) ، فهجموا على عشيرة شبيب يقتلونهم بدون إذن شبيب  ، فقال شبيب لقائدهم : ( ما حملك على قتلهم بغير أمري؟ فال: له: قتلت كفار قومي فقتلت كفار قومك، ومن ديننا قتل من كان على غير رأينا، وما أصبت من رهطي أكثر مما أصبت من رهطك، وما يحل لك يا أمير المؤمنين أن تجد على قتل الكافرين. قال: لا أجد ). ( تجد ) من الوجد ، وهو التعاطف . يتهمه بالتعاطف حزنا على قتل قومه ، وشبيب ينفى هذا.
4 ـ شبيب يحزن أن بعض قومه من ربيعة فى جيش الحجاج وهو يراهم كفارا ،ويعلن شعار دينه : ( .. ومضى هو في مائتين إلى الميمنة بين المغرب والعشاء الآخرة حين أضاء القمر، فناداهم: لمن هذه الرايات؟ فقالوا: رايات لربيعة. قال: طالما نصرت الحق وطالما نصرت الباطل، والله لأجاهدنكم محتبساً، أنا شبيب، لا حكم إلا الله، للحكم، اثبتوا إن شئتم! ثم حمل عليهم ففضهم، ) وحزن على قائدهم القتيل : ( ..  ثم وقف عليه وقال: ويحك لو ثبت على إسلامك الأول سعدت!  )

5 ـ وقبيل قتل ( عتّاب ) القائد للجيش الأموى قال له صاحبه زهرة بن حوية : (أحسنت يا عتاب، فعلت فعلاً لا يفعله مثلك. أبشر، فإني أرجو أن يكون الله، جل ثناؤه، قد أهدى إلينا الشهادة عند فناء أعمارنا ..) يعتبر مقتله شهادة عند الله  جل وعلا.

6 ـ وبعد مقتل زهير بن حوية وقف عليه شبيب حزينا : ( .. فانتهى إليه شبيب فرآه صريعاً فعرفه فقال: هذا زهرة بن حوية، أما والله لئن كنت قتلت على ضلالة لرب يوم من أيام المسلمين قد حسن فيه بلاؤك وعظم فيه غناؤك! ولرب خيل للمشركين هزمتها وقرية من قراهم جم أهلها قد افتتحتها! ثم كان في علم الله أنك تقتل ناصراً للظالمين. وتوجع له. فقال له رجل من أصحابه: إنك لتتوجع لرجل كافر. فقال إنك لست أعرف بضلالتهم مني، ولكني أعرف من قديم أمرهم ما لا تعرف، ما لو ثبتوا عليه لكانوا إخواننا ). شبيب يتحسر على صديقه زهير أنه مات كافرا بدين الخوارج ، مات على دين الأمويين مناصرا للظالمين.

7 ـ بلغ الأمويين الذروة فى الظلم ، وظلمهم جعل كثيرين يعتنقون دين الخوارج. بل جعل مطرف بن المغيرة بن شعبة ينضم للخوارج. أبوه المغيرة بن شعبة من أبرز قواد معاوية ، وهو من ثقيف المُضرية ، والى ثقيف ينتمى الحجاج بن يوسف (الثقفى )، لذا إهتم الحجاج بأبناء المغيرة فجعل عروة بن المغيرة واليا على الكوفة وجعل مطرف بن المغيرة واليا على المدائن ، وولى حمزة بن المغيرة على همدان. ومع هذا إنضم مطرف بن المغيرة الى شبيب خارجا على الحجاج. وكان هذا عام 75. تقول الرواية : (في هذه السنة خرج مطرف بن المغيرة بن شعبة على الحجاج وخلع عبد الملك بن مروان ولحق بالجبل فقتل‏...). الذى يعنينا هنا أنه كان خروجا على ( دين الأمويين ) أى كان إقتناعا بدين الخوارج. نفهم هذا حين إقترب شبيب من المدائن التى يحكمها مطرف ، وقبيل الحرب بعث مطرف الى شبيب يطلب منه وفدا من عنده يدارسهم القرآن ، تقول الرواية : ( .. وبعث إلى شبيب‏:‏ " ابعث رجالًا من صلحاء أصحابك أدارسهم القرآن فأنظر ما تدعون إليه.." ...    وبعثوا إليه رجالًا..) وترددوا اليه فإقتنع ( .. وما زالوا يترددون إليه حتى وقع في نفسه خلع عبد الملك والحجاج... فخرج وجمع رؤوس أصحابه وقال لهم‏:‏ " إني أشهدكم أني قد خلعت عبد الملك والحجاج فمن أحب فليصحبني ومن أبى فليذهب حيث شاء فإني لا أحب أن يتبعني من ليست له نية في جهاد أهل الجور‏." .).وبعث الحجاج بجيش هزمه وقتله.

وكان إحراجا للحجاج أن يخرج عليه أحد قواده وهو أيضا من أعيان قومه ثقيف وأبن للمغيرة بن أبى شعبه الذى مات على دين معاوية . لذا كان الحجاج يقول : ( إن مطرفاً ليس بولد للمغيرة بن شعبة إنما هو ولد مصقلة بن سبرة الشيباني، وكان مصقلة والمغيرة يدعيانه.. ) يقول صاحب الرواية معلقا : ( قال الحجاج ذلك لأن كثيراً من ربيعة كانوا من الخوارج ولم يكن منهم أحد من قيس عيلان . ). أى نسب مطرفا الى رجل من شيبان قوم شبيب وليس الى المغيرة بن أبى شعبة .

والواقع أن الصحابى ( الجليل ) المغيرة بن أبى شعبة كان زانيا محترفا مدمنا على الزنا مع كثرة نسائه وجواريه . وقد عزله عمر بن الخطاب بسبب إتهامه بالزنا. والحجاج يعتمد على الثقافة العربية المتوارثة . إذ كان متعارفا عليه أن العاهرة حين تلد طفلا تنسبه الى من تشاء من عشاقها. وهذا ما حدث مع الصحابى ( الجليل ) عمرو بن العاص ، إذ كانت أمه من البغايا العاهرات إسمها ( النابغة ) وحين ولدت (عمرا ) تنازعه كثيرون فإختارت أن تنسبه الى العاص من بينهم. وحافظ المغيرة وعمرو بن العاص ومعاوية وغيرهم على الصلاة الشيطانية.

 

 الفصل الثالث عشر : ولاة الصلاة الشيطانية فى مصر ( الأموية )

أولا : لمحة عن ولاة الصلاة فى العصر الأموى

من الروايات التاريخية نعرف أن الوالى الأهم فى الولايات هو ( والى الصلاة ) وقد يكون هو أيضا والى الخراج الذى يجمع المال ، وقد يكون هو القائد للجيش. بما يؤكد أهمية الصلاة ( الشيطانية ) فى دين قريش ، فالصلاة هى وسيلتهم للحصول على المال إلاههم الأعظم  . ونعطى أمثلة مما قاله المقريزى فى ( الخطط ) عن ولاة مصر ، يقول :

1 ـ ( قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري‏:‏ ولاه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما بلغه مصاب ابن أبي حذيفة وجمع له الخراج والصلاة ، فدخل مصر مستهل ربيع الأول سنة سبع وثلاثين ). جمع له الخراج والصلاة.

.2 ـ ( .. ثم وليها‏:‏ محمد بن أبي بكر الصديق من قبل علي رضي الله عنه وجمع له صلاتها وخراجها فدخلها للنصف من رمضان سنة سبع وثلاثين ) جمع له الخراج والصلاة.

3 ـ ( ثم وليها‏:‏ عمرو بن العاص‏:‏ ولايته الثانية من قبل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فاستقبل بولايته شهر ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين ، وجعل إليه الصلاة والخراج جميعًا وجعلت مصر له طعمة بعد عطاء جندها والنفقة في مصلحتها ) : (وجعل إليه الصلاة والخراج جميعًا  ). ويقول المقريزى عن نهاية عمرو بن العاص : ( وتوفي ليلة الفطر فغسله عبد الله بن عمرو ، وأخرجه إلى المصلى ، وصلى عليه ، فلم يبق أحد شهد العيد إلا صلى عليه،  ثم صلى بالناس صلاة العيد.  وكان أبوه استخلفه . وخلّف عمرو ابن العاص سبعين بهارًا دنانير والبهار‏:‏ جلد ثور ومبلغه أردبان بالمصري ، فلما حضرته الوفاة أخرجه وقال‏:‏ " من يأخذه بما فيه " ، فأبى ولده أخذه، وقالا‏:‏ " حتى ترد إلى كل ذي حق حقه. " ...فبلغ معاوية فقال‏:‏ نحن نأخذه بما فيه‏.). هنا يتردد الصلاة على عمرو صلاة الجنازة ، مع ذكر ما سرقه عمرو من المصريين .

4 ـ ( ثم وليها‏:‏ عتبة بن أبي سفيان من قبل أخيه معاوية بن أبي سفيان على صلاتها فقدم في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين ) يقول : ( على صلاتها ).

5 ـ ( ثم وليها‏:‏ عقبة بن عامر بن عبس الجهني من قبل معاوية وجعل له صلاتها وخراجها ) : يقول :  (وجعل له صلاتها وخراجها ).

6 ـ ( وكان صرفه ( أى عزله ) فولى مسلمة بن مخلد بن صامت بن نيار الأنصاري من قبل معاوية وجمع له الصلاة والخراج والغزو ). يقول : ( وجمع له الصلاة والخراج والغزو ).

7 ـ ( .. وجعل مروان صلاة مصر عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص أبو الأصبغ ولي من قبل أبيه لهلال رجب سنة خمس وستين على الصلاة والخراج ) ، أى إن مروان بن الحكم ولى إبنه عبد العزيز ( صلاة مصر ) أى جعله الوالى الأساس ، وجمع له ( الصلاة والخراج ). وهو الذى أنشأ حى ( حلوان ) وبنى فيه مسجدا ، فهو ( والى الصلاة ). 

8 ـ ( ولي‏:‏ عبد الله بن عبد الملك بن مروان من قبل أبيه على صلاتها وخراجها فدخل يوم الاثنين لإحدى عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة ست وثمانين وهو ابن تسع وعشرين سنة )، ولّى عبد الملك ابنه عبد الله ( الصلاة ) فى مصر وخراجها أيضا.

9 ـ ( فولي‏:‏ قرة بن شريك بن مرثد بن الحرث العبسي للوليد بن عبد الملك على صلاة مصر وخراجها فقدمها يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من ربيع الأول سنة تسعين ).يقول:(على صلاة مصر وخراجها).

10 ـ ( ثم ولي‏:‏ عبد الملك بن رفاعة بن خالد بن ثابت الفهمي‏:‏ من قبل الوليد بن عبد الملك على صلاتها وتوفي الوليد واستخلف سليمان بن عبد الملك فأقر ابن رفاعة) . يقول : (على صلاتها ).

11 ـ (   .. ثم ولي‏:‏ أيوب بن شرحبيل بن أكسوم بن أبرهة بن الصباح من قبل عمر بن عبد العزيز على صلاتها في ربيع الأول سنة تسع وتسعين . ) . يقول :( على صلاتها).

12 ـ ( وتوفي عمر بن عبد العزيز واستخلف يزيد بن عبد الملك فأقر أيوب على الصلاة ‏.). يقول : ( على الصلاة )  ـ

13 ـ ( وولي‏:‏ محمد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم من قبل أخيه هشام بن عبد الملك على الصلاة فدخل مصر لإحدى عشرة خلت من شوال سنة خمس ومائة ) . يقول : ( على الصلاة).

14 ـ ( فولي‏:‏ الحر بن يوسف بن يحيى بن الحكم من قبل هشام بن عبد الملك على صلاتها ، فدخل لثلاث خلون من ذي الحجة سنة خمس ومائة ) . يقول : ( على صلاتها ).

15 ـ ( ولي‏:‏ عبد الملك بن رفاعة ثانيًا على الصلاة ، فقدم من الشام عليلًا لثنتي عشرة بقيت من المحرم سنة تسع ومائة . )  . يقول : ( على الصلاة ) .

16 ـ ( ثم ولي أخوه‏:‏ الوليد بن رفاعة باستخلاف أخيه فأقره هشام بن عبد الملك على الصلاة ). يقول : ( على الصلاة)

17 ـ ( فولي‏:‏ عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي أبو الوليد من قبل هشام بن عبد الملك على صلاتها ) . يقول : ( على صلاتها ).

18 ـ ( ولي حفص بن الوليد الحضرمي ثانيًا باستخلاف حنظلة له على صلاتها ، فأقره هشام بن عبد الملك إلى ليلة الجمعة لثلاث عشرة خلت من شعبان سنة أربع وعشرين فجمع له الصلاة والخراج جميعًا واستسقى بالناس وخطب ودعا ثم صلى بهم ، ومات هشام بن عبد الملك واستخلف من بعده‏:‏ الوليد بن يزيد فأقر حفصًا على الصلاة والخراج ثم صرف عن الخراج بعيسى بن أبي عطاء لسبع بقين من شوال سنة خمس وعشرين ومائة وانفرد بالصلاة ) . يقول : (على صلاتها ) ،(  فجمع له الصلاة والخراج جميعا ) (وخطب ودعا ثم صلى بهم ) (فأقر حفصًا على الصلاة والخراج  )( وانفرد بالصلاة ).

19 ـ ( ثم قدم حسان لثنتي عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين ومائة على الصلاة ، وعيسى بن أبي عطاء على الخراج . ) . يقول : (  على الصلاة  ).

20 ـ ( ثم ولي‏:‏ المغيرة بن عبيد الله بن المغيرة الفزاري على الصلاة من قبل مروان فقدم لست بقين من رجب سنة إحدى وثلاثين ) . يقول : (  على الصلاة  )

21 ـ ( وولى‏:‏ عبد الملك بن مروان بن موسى بن نصير من قبل مروان على الصلاة والخراج وكان واليًا على الخراج قبل أن يولي الصلاة  في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين ومائة) . يقول : (على الصلاة والخراج وكان واليًا على الخراج قبل أن يولي الصلاة ) .

ثانيا : لمحة عن تطرف الأمويين فى إستنزاف المصريين وفى قتلهم

1 ـ الخليفة الفاسق عثمان بن عفان ( الأموى ) كان فاسدا جشعا ، لم يعجبه المقدار الذى كان يجبيه عمرو بن العاص من المصريين ، فعزله وولى مكانه أخاه من الرضاعة عبد الله بن أبى السرح ، وكان ابن أبى السرح من المرتدين سابقا. يقول المقريزى فى ( الخطط ) : ( وتوفي عمر ..في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وبويع أمير المؤمنين عثمان بن عفان .. فوفد عليه عمرو وسأله عزل عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن صعيد مصر ، وكان عمر ولاه الصعيد ، فامتنع من ذلك عثمان ، وعقد لعبد الله بن سعد على مصر كلها فكانت ولاية عمرو على مصر‏:‏ صلاتها وخراجها منذ افتتحها إلى أن صرف عنها أربع ) ( ثم جمع لعبد الله بن سعد أمير مصر صلاتها وخراجها ومكث أميرًا مدة ولاية عثمان ). ويذكر الواقدى أن ابن أبى السرح الذى كان واليا على الصعيد قد إشتكى الى عثمان يتهم عمرو بن العاص بأنه ( كسر الخراج ) أى لم يقم بالواجب فى تحميل المصريين أكبر قدر من السلب والنهب ( الخراج ) فما كان من عثمان إلا أن عزل عمرو بن العاص عن الخراج ، تقول الرواية : ( كتب عبد الله بن سعد الى عثمان إن عمرا كسر الخراج .. فعزل عمرا ، وأضاف الخراج إلى ابن أبي سرح .. ) ( وكان عمرو بن العاص على مصر لعثمان ، فعزله عن الخراج وأقره على الصلاة والجند . واستعمل عبد الله بن أبي سرح على الخراج ... ) . وأسرف ابن سعد فى تحصيل الجباية من الخراج والجزية بالظلم والعسف ، وإفتخر عثمان بهذا فى لوم لعمرو بن العاص.  

2 ـ  خلال حكم بنى مروان بن الحكم تطرف ولاة ( الصلاة ) فى العسف بالمصريين ، وظهر هذا التطرف بإقتران السلب والنهب بالقتل والتعذيب وقطع الأطراف والإذلال ، وأرهاب المصريين بتعذيب وإذلال رهبانهم وبطركهم وقياداتهم الدينية ، وهم الذين ساعدوا العرب من قبل فى فتح بلادهم وهزيمة الروم. وننقل فقرات مما ذكره المقريزى وهو يؤرخ لبطاركة مصر بعد الفتح العربى . وهى ناحية مجهولة فى تاريخ المصريين فى العصر الأموى ، والمقريزى ــ اشهر مؤرخ لمصر فى العصور الوسطى كان متعصبا ضد النصارى ، ولكنه نقل بعض ما سجله المؤرخون السابقون من سطور الأهوال التى لاقاها المصريون من ولاة ( الصلاة الشيطانية ) فى مصر الأموية .

ثالثا : نماذج من جرائم ولاة الصلاة الشيطانية فى مصر الأموية :

 1 ـ  يقول المقريزى فى الخطط عن البطرك الاسكندروس الذى استمر فى منصبه حوالى ربع قرن:( ومات سنة ست ومائة . ومرّت به شدائد صودر فيها مرّتين، أخذ منهفيهما ستة آلاف دينار، وفي أيامه أمّر عبد العزيز بن مروان فأمر بإحصاء الرهبان فأحصوا، وأخذت منهم الجزية عن كلّ راهب دينار.) هنا مصادرة للبطرك ( البابا )، وفرض للجزية على الرهبان .

2 وتعصب المقريزى يظهر فى قوله عن(المصريين):( النصارى،القبط ،الأقباط ) إذ لم يكونوا قد دخلوا فى الاسلام بعد، يقول :( ولما ولي مصر عبد الله بن عبد الملك بن مروان اشتدّ على النصارى.. واقتدى به قرّة بن شريك أيضًا في ولايته على مصر، وأنزل بالنصارى شدائد لم يبتلوا قبلها بمثلها.). هنا عبارة رهيبة لم يقم المقريزى بشرحها وتفصيلها ، ولنا أن نتخيلها فى ضوء الاضطهاد الذى عاناه المصريون فى عهد كراكلا ودقلديانوس ، أى باعتراف المقريزى تفسه فإنّ عبد الله إبن الخليفة عبد الملك بن مروان حين ولى مصر أنزل بأهلها شدائد لم يبتلوا بها من قبل حتى فى عهد فرعون موسى.!!.

3 ـ ثم يورد المقريزى بعض التفصيلات ، فيقول ( وكان عبد اللّه بن الحبحاب متولي الخراج قد زاد على القبط قيراطًا في كلّ دينار فانتقض عليه عامّة الحوف الشرقيّ من القبط فحاربهم المسلمون وقتلوا منهْم عدّة وافرة في سنة سبع ومائة.).أى إن والى الخراج هو الذى زاد الخراج أى الضرائب ـ وهو غير الجزية ـ  فثار المصريون فيما يعرف الآن بمحافظة الشرقية أو  الحوف الشرقى ، فأخمد الأمويون ثروتهم وقتلوا منهم (عدّة وافرة ) عام 107 هجرية .

4 ـ ( واشتدّ أيضًا أسامة بن زيد التنوخيّ ..على النصارى ( أى المصريين )، وأوقع بهم ، وأخذ أموالهم ، ووسم أيدي الرهبان بحلقة حديد فيها اسم الراهب واسم ديره وتاريخه، فكل من وجده بغير وسم قطع يده. وكتب إلى الأعمال بأن من وجد من النصارى وليس معه منشور أن يؤخذ منه عشرة دنانير . ثم كبس الديارات( أى الأديرة ) وقبض على عدّة من الرهبان بغير وسم فضرب أعناق بعضهم وضرب باقيهم حتى ماتوا تحت الضرب . ثم هدمت الكنائس وكسرت الصلبان ومحيت التماثيل وكسرت الأصنام بأجمعها، وكانت كثيرة ، في سنة أربع ومائة ، والخليفة يومئذٍ يزيد بن عبد الملك). ولأنّ مهمة متولّى الخراج هى سلب أموال المصريين بما يملأ خزائن الأمويين ويشبع نهمهم  للمال السّحت فقد أعطى والى الصلاة الشيطانية متولى خراج  مصر سلطة مطلقة عسكرية وقضائية وسياسية ؛ فهو الذى يقدّر الضرائب ، وهو الذى يقوم بجمعها ، وهو الذى يعاقب ــ بما شاء من عقوبة ـ المصرى الذى يعجز عن دفع المطلوب منه ، أى له مطلق الحرية فى توقيع أقصى العقوبة بلا رادع ، ومعه الجيش العربى يقتل به الفلاحين المصرين العاجزين عن دفع الضرائب . وواضح أن هذا الموظف السادى( أسامة بن زيد التنوخيّ متولي الخراج ) قد أستغلّ سلطته فى معاقبة الرهبان المساكين وإذلالهم بوسمهم بأن يفرض علي كل منهم وضع حلقة حديدية فى يده مدوّن فيها إسمه ومحل إقامته ، ويقطع يد من يضبط منهم بدون هذه الحلقة. ثم كان يغير على الأديرة يمارس ساديته ، فيعتقل من يشاء من الرهبان ، ومن يجده منهم لا يضع فى يده تلك الحلقة الحديدية يضرب عنقه أو يقتله تحت العذاب . ثم يهدم الكنائس ويكسر الصلبان والتماثيل ، ويحظر تنقل المصريين فى بلادهم ، فمن يسافر منهم بغير تصريح يدفع غرامة قدرها عشرة دنانير .

5 ـ ورسم الخليفة هشام بن عبد الملك بإزالة بعض الظلم ، ولكن لم ينفّذها الوالى حنظلة بن صفوان الذى بالغ فى الضرائب وقام بإحصاء المصريين وبهائمهم إحتقارا لهم ، بل ووسم المصريين كما فعل الوالى السابق بالرهبان ، وعوقب من لا يحمل الوسم فى يده بقطع يده . يقول المقريزى :( فلما قام هشام بن عبد الملك في الخلافة كتب إلى مصر بأن يجري النصارى على عوايدهم وما بأيديهم من العهد، فقدم حنظلة بن صفوان أميرًا على مصر في ولايته الثانية فتشدّد على النصارى وزاد في الخراج وأحصى الناس والبهائم وجعل على كلّ نصرانيّ وسمًا صورة أسد ، وتتبعهم فمن وجده بغير وسم قطع يده.). ،

6 ـ وبسبب هذا الظلم المتطرف نشبت ثورات الفلاحين المصريين فى الدلتا والصعيد، وهم المشهورون بالمسالمة ــ  فتم إخمادها بكل قسوة . يقول المقريزى : ( انتقض القبط ( أى ثار المصريون ) بالصعيد وحاربوا العمال ( أى جباة الضرائب )  في سنة إحدى وعشرين فحوربوا وقُتل كثير منهم) ، ( ثم خرج بجنس ( قائد مصرى  ) بسمنود وحارب وقُتل في الحرب وقُتل معه قبط كثير في سنة اثنتين وثلاثين ، ومات.).

7 ـ وبلغ الظلم مداه بالتنكيل بالبطرك القائد الدينى للمصريين وإذلاله وإهانته بين مواطنيه ، فقد إعتقله الوالى الأموى وفرض عليه غرامة لا يستطيع دفعها ، فإضطره الى أن يسير فى أنحاء مصر ومعه أساقفته يتسوّل منهم دفع الغرامة ، فما إستطاعوا سدادها كلها ، بسبب ما هم فيه من فقر، فعاد البطرك يائسا بائسا الى ذلك الوالى وأعطاه ما جمعه ، فأفرج عنه لأن الغرض كان إذلال البطرك ، وقد حدث ، يقول المقريزى :( وقبض عبد الملك بن موسى بن نصير أمير مصر على البطرك ميخائيل ، فاعتقله وألزمه بمال ، فسار بأساقفته في أعمال مصر يسأل أهلها ، فوجدهم في شدائد ، فعاد إلى الفسطاط ودفع إلى عبد الملك ما حصل له ، فأفرج عنه)

8 ـ وسقطت الدولة الأموية بهزيمة الخليفة مروان بن محمد فى موقعة الزاب أمام الجيش العباسى . وفرّ الخليفة الأموى المهزوم بجيشه الى مصر ، وانتهز المصريون الفرصة فثاروا أملا فى التخلّص من الظلم الأموى ، ولكن الخليفة الأموى المهزوم استخدم جيشه فى التنكيل بالمصريين كما لو كان قد أراد أن يعوّض هزيمته بالانتقام منهم . يقول المقريزى :( ثم خالفت القبط ( أى ثار المصريون) برشيد فبعث إليهم مروان بن محمد لما قدم مصر وهزمهم ) ويقول عما فعله مروان بن محمد وتنكيله بالمصريين وبالبابا أى البطرك المصرى: ( فنزل به بلاء كبير من مروان وبطش به وبالنصارى ) . ويقول عن فظائع ارتكبها مروان بن محمد بالقرى والمدن المصرية : ( وأحرق مصر وغلاتها ) ويقول عما فعله بالأديرة والراهبات من أسر وإغتصاب :( وأسر عدّة من النساء المترهبات ببعض الديارات ، وراود واحدة منهنّ عن نفسها ، فاحتالت عليه ودفعته عنها ـ بأن رغّبته في دهن معها إذا ادّهن به الإنسان لا يعمل فيه السلاح، وأوثقته بأن مكنته من التجربة في نفسها فتمت حيلتها عليه، وأخرجت زيتًا ادهنت به ثم مدّت عنقها فضربها بسيفه فأطار رأسها ، فعلم أنها اختارت الموت على الزنا )، أى أن هذه الراهبة المصرية الشريفة العفيفة أقنعت ذلك الخليفة الأموى الفاسق الفاجر مروان بن محمد الذى يريد إغتصابها بأنّ معها دهنا يقى الرقبة من الذبح فلا يستطيع السيف أن يقطعها،ودهنت رقبتها وطلبت من أن يجرب ضرب رقبتها بالسيف ليتأكد من قولها، فضرب رقبتها بالسيف فقطعها. فعلم أنها إختارت الانتحار والقتل لتحفظ شرفها ..!! لم يعلّق المقريزى محتجّا ..هل من تعليق   على هذا ..  يرحمكم الله جلّ وعلا ؟!!

9 ـ ويقول المقريزى : (وما زال البطرك والنصارى في الحديد مع مروان إلى أن قُتل ببوصير فأفرج عنهم‏.‏) أى ظل مروان يحتفظ بالبطرك وزعماء المصريين أسرى معه الى أن وصل جيش العباسيين وقاتل مروان وهزمه وقتله . وأفرج العباسيون عن البطرك وصحبه .

أخيرا : بهذا نعرف الوظيفة الحقيقية لوالى الصلاة ( الشيطانية ).!!

الفصل الرابع عشر : عمرو بن العاص والى الصلاة ( الشيطانية ) فى مصر

أولا : عمرو بن العاص ومصر

1 ـ فتح "عمرو " مصر وتولاها أربع سنوات في خلافة " عمر " ثم أربع سنوات في خلافة " عثمان"  وبعد أن عزله "عثمان"  أعاد " عمرو " فتح مصر لحساب " معاوية أثناء  الصراع بين " علي " ومعاوية ، وظل " عمرو " واليا علي مصر سنتين إلي أن مات سنة 42 هـ .

2 ـ وحين بدأ الخلاف بين " علي " و"معاوية " كان " عمرو " معتزلا وقد استشار ولديه " عبدالله " و" محمد" ماذا يفعل في تلك الفتنة ، فأشار عليه ابنه " عبدالله بن عمرو " أن يعتزل الفتنة وأشار عليه ابنه " محمد" أن يشارك فيها،  فقال " عمرو " لابنه " عبدالله": (  رأيك أسلم لي في ديني )، وقال لابنه " محمد" : ( رأيك أحسن لي في دنياي، إلا أنه أشر لي في آخرتي،).  ثم اختار الانغماس في الفتنة والانضمام إلي "معاوية " وعقد معه عهدا أن تكون له ولاية مصر طعمة له أي ضيعة خاصة به يأكل خيرها لنفسه مقابل أن ينتزعها من ولاة "علي" ويحمي ظهر " معاوية " في صراعه مع " علي".

3 ـ وفي ذلك الوقت كان معاوية قد استطاع أن يقتل والي مصر ابن أبي حذيفة بالمكر والحيلة ، وقتل الأشتر النخعى بالسُّم وهو فى طريقه واليا على مصر لصالح (على ) . وبعث " علي "   واليا آخر علي مصر ، هو " قيس بن سعد بن عبادة " المشهور بحنكته وسياسته . ورأي معاوية وعمرو أن ولايته علي مصر ستحبط أمالهما في ضم  مصر فأشاع معاوية بأن " قيس " من أنصاره سرا ، وأبلغ جواسيس " علي" ذلك إليه فعزل " قيس " وولي مكانه " محمد بن أبي بكر الصديق " وكان شابا متهورا واستطاع " عمرو " أن يهزمه ، وقتلوه ثم جعلوا جثته في جيفة حمار ميت  واحرقوه فيها .وذلك في 14 صفر سنة 38 هـ ، وبدأت بذلك ولاية " عمرو " علي مصر ليكون له وحده ايرادها وخيرها .

ثانيا : ماذ حدث من عمرو بن العاص والى الصلاة ( الشيطانية ) على مصر

بعد فتح مصر عيّن عمر بن الخطاب عمرو بن العاص والى الصلاة ( الشيطانية ) فى مصر . فما الذى فعله والى الصلاة الشيطانية فى مصر :

1 ـ بناء المسجد :

1 / 1 : بناء المسجد كانت مهمة والى الصلاة فى أى بلد إحتله العرب. ينقل المقريزى فى ( الخطط ) ( لما افتتح عمر البلدان كتب إلى أبي موسى وهو على البصرة يأمره أن يتخذ مسجدًا للجماعة ويتخذ للقبائل مساجد ، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى مسجد الجماعة‏. وكتب إلى سعد بن أبي وقاص وهو على الكوفة بمثل ذلك ، وكتب إلى عمرو بن العاص وهو على مصر بمثل ذلك . وكتب إلى أمراء أجناد الشام أن لا يتبددوا إلى القرى وأن ينزلوا المدائن ، وأن يتخذوا في كل مدينة مسجدًا واحدًا، ولا تتخذ القبائل مساجد فكان الناس متمسكين بأمر عمر وعهده‏. ).

1 / 2 : المسجد هو التبرير الدينى لإحتلالهم وظلمهم وفق دين قريش وخلفائها الفاسقين. وفى الدين القُرشى الأرضى جعلوا تلك المساجد التى بنوها فى ( الأمصار ) المفتوحة مقدسة ، وذكر المقريزى بعض الأحاديث فى هذا ، قال : ( خرّج الحافظ أبو القاسم بن عساكر من حديث معاوية بن قرة قال‏:‏ " قال عمرو بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ من صلى صلاة مكتوبة في مسجد مصر من الأمصار كانت له كحجة متقبلة فإن صلى تطوعًا كانت له كعمرة مبرورة‏.‏" ) ، وعن كعب‏:‏ ( من صلى في مسجد مصر من الأمصار صلاة فريضة عدلت حجة متقبلة ومن صلى صلاة تطوع عدلت عمرة متقبلة فإن أصيب في وجهه ذلك حرم لحمه ودمه على النار أن تطعمه وذنبه على من قتله‏.‏)

1 / 3  : والمسجد الذى بناه عمرو فى مصر فى ( الفسطاط ) أطلقوا عليه ألقابا دينية ، مثل ( الجامع العتيق ) و ( تاج الجوامع ) ، و ( جامع عمرو بن العاص ). أسموه جامع عمرو بن العاص لأنه أول مسجد أقيم فى مصر بإسم أول والى الصلاة فيها.

2 ـ رفض تحرير نساء السبى المصريات  

2 / 1 : بعد فتح مصر على يد عمرو بن العاص إنساح جيش الغزاة فى الريف المصرى المُسالم ينهب ويسبى النساء ويغتصبهن فى كل قرية ، ويبعثون بأربعة أخماس الغنائم ومن السلب والنهب والسبى الى عمر بن الخطاب فى المدينة ، ومنها يتوزع السلب والنهب فى الجزيرة العربية على الأعراب هناك . وتكاثر هذا السبى من الفتيات المصريات حتى ملأ مكة والمدينة واليمن . هذا ما يذكره الطبرى راويا عن جندى كان ممّن حضر فتح مصر .يقول الطبرى:(  ... وحدثني القاسم بن قزمان رجل من أهل مصر ، عن زياد بن جزء الزبيدي ، أنه حدثه أنه كان في جند عمرو بن العاص حين افتتح مصر والإسكندرية قال : افتتحنا الإسكندرية في خلافة عمر بن الخطاب في سنة إحدى وعشرين أو سنة اثنتين وعشرين .قال : لما افتتحنا باب اليون تدنينا قرى الريف فيما بيننا وبين الإسكندرية ، قرية فقرية ، حتى انتهينا إلى بلهيب قرية من قرى الريف يقال لها قرية الريش.وقد بلغت سبايانا المدينة ومكة واليمن ).!!.

2 / 2 : وفيما بعد جاء رجلان من المصريين يطلبان إسترجاع السبى فرفض عمرو بن العاص ، طبقا لما رواه الطبرى . تقول الرواية : ( وجاء أبو مريم وأبو مريام إلى عمرو وطلبا منه السبايا التي أصيبت بعد المعركة، فطردهما، فقالا: كل شيء أصبتموه منذ فارقناكم إلى أن رجعنا إليكم ففي ذمة. فقال عمرو لهما: أتغيرون علينا وتكونون في ذمة؟ قالا: نعم. فقسم عمرو ابن العاص السبي على الناس وتفرق في بلدان العرب. ). لنتذكر أن المصريين لم يذهبوا الى الحجاز يحاربون عمر بن الخطاب.

3 ـ فرض الجزية والخراج على المصريين

3 / 1 :يقول المقريزى : ( لما فتح عمرو بن العاص الإسكندرية بقي من الأسارى بها ممن بلغ الخراج وأحصي يومئذ ستمائة ألف سوى النساء والصبيان . ) كان هذا عدد سكان الاسكندرية فقط . تستمر الرواية : ( فاختلف الناس على عمرو في قسمهم فكان أكثر المسلمين يريد قسمها ) أى يريدون تقسيم أهل الاسكندرية سبايا وأرقاء وفق المعمول به فى دين البغى لديهم . تقول الرواية : ( فقال عمرو‏:‏ لا أقدر على قسمها حتى أكتب إلى أمير المؤمنين . فكتب إليه يعلمه بفتحها وشأنها وأن المسلمين طلبوا قسمها ، فكتب إليه عمر رضي الله عنه‏:‏ لا تقسمها وذرهم يكون خراجهم فيئًا للمسلمين وقوة لهم على جهاد عدوهم ، فأقرها عمرو وأحصى أهلها وفرض عليهم الخراج . ) ـ أى أمر الخليفة عمر بإستغلالهم يعملون ويدفعون الخراج. لنتذكر أن المصريين لم يذهبوا الى الحجاز يحاربون عمر بن الخطاب.

3 / 2 : هذا بالاضافة التى الجزية على الرءوس التى فرضها عمرو على أهل مصر طبقا للصلح الذى عقده مع المقوقس الحاكم الذى كان على مصر . فألزم المصريين بدفع دينارين سنويا . وبلغت الجزية 12 مليون دينار، فأصبح الوالى بعده عبد الله بن أبى سرح يجمعها 14 مليون دينار فى خلافة عثمان وبتوجيهاته .  لنتذكر أن المصريين لم يذهبوا الى الحجاز يحاربون عمر بن الخطاب.

4 ـ  : عمرو بن العاص يسلب كنوز المصريين بالقتل والارهاب

 4 / 1  ـ وشرهت نفس عمرو لكنوز الآثار المصرية وذهبها المدفون وما يتم الكشف عنه ،  فيذكر أبوعبيدة في كتابه " الأموال " والمقريزي في كتابه " الخطط " أن "عمرا "  أعلن لأهل مصر: أن من كتمنى كنزاً عنده فقدرت عليه قتلته!!. ونشر عمرو عيونه تتحسّس وتتجسّس عن من لديه كنوز فرعونية .

 4 / 2 : ونشر عمرو جواسيسه فى العمران المصرى من الاسكندرية الى الصعيد ، ويذكر المقريزى أن عمرو بن العاص جاءته إخبارية بأن مصريا  من الصعيد اسمه بطرس لديه كنز فرعونى، فحبسه عمرو واستجوبه فأصر الرجل على الإنكار، وجعل عليه الجواسيس فى السجن يحصون عليه أنفاسه فعلموا أنه يسأل عن راهب  بالطور ، فاستدعي " عمرو" ذلك المصري السجين ونزع خاتمه من يده ، وأرسل بالخاتم إلي الراهب برسالة مزيفة من بطرس تسأله عن الكنز، فصدًق الراهب الرسالة وبعث بمكان  الكنز، فعثر عليه عمرو وكان مقداره " 52 أردبا من الذهب أخذه " عمرو " وضرب "عمرو" رقبة " بطرس " وعلق رأسه على باب المسجد ( مسجد عمرو بن العاص والى الصلاة ) ، ليرهب المصريين ، فارتعبوا ،ومن كان منهم عنده كنز أسرع بتسليمه إلى عمرو. لنتذكر أن المصريين لم يذهبوا الى الحجاز يحاربون عمر بن الخطاب.

4 / 2 ـ  ويذكر المقريزى أن عمراً اعتقل مصريا آخر اتهمه بممالاة الروم واستجوبه ، وكانت التهمة ملفقة وبهدف إبتزاز الرجل المسكين ، بدليل أن عمرو بن العاص أطلق سراح الرجل بعد أن حصل منه على أكثر من خمسين أردباً من الذهب..!!.نكرّر ( 50 إردبا من الذهب .!!)..وهذا من رجل واحد فقط .. لنتذكر أن المصريين لم يذهبوا الى الحجاز يحاربون عمر بن الخطاب.

أخيرا : ثروة عمرو ( والى الصلاة الشيطانية ) من نهب أموال المصريين

1 ـ في ولايته الأخيرة علي مصر تضاعفت ثروة " عمرو " حتي أثارت حسد معاوية وخشي أن تستخدم تلك الثروة في تحقيق طموحه السياسي. وانتهي الأمر بينهما بالصلح علي أن تتحدد ولاية مصر " لعمرو" سبع سنين فقط  ضيعة خاصة، ثم تعود إلي الخلافة الأموية. إلا أن " عمرو " مالبث أن مات وقد ترك الأموال السائلة " 140" أردبا من الدنانير !!

2 ـ وحين حضرته الوفاة عرض علي ابنيه عبدالله ومحمد تلك الأموال المكدسة وقال: من يأخذها؟ فأبي ولداه وقالا : حتي ترد إلي كل ذي حق حقه أي أنهما اعتبراه مالا حراما . وبلغ معاوية الخبر فقال : ( نحن نأخذها ) . ومات عمرو واستولى الخليفة معاويةعلى كل تلك الأموال التى خلفها عمرو فى ميراثه وقال: نحن نأخذه بما فيه .. أى بما فيه من ظلم وسحت..!! 

3 ـ ومع ذلك فإن عمرو بن العاص كان أكثرهم ولاة الصلاة رفقاً بالمصريين بالمقارنة بمن جاء بعده .

 

 

الفصل الخامس عشر : صلاة الخلفاء الفاسقين العباسيين  : صلاة أبى العباس السفاح 

مقدمة

1 ـ الخلفاء العباسيون كانوا أكثر جُرأة من سابقيهم فى سفك الدماء الأساس ، لأنهم فى دعوتهم قبل تأسيس دولتهم منحوا دعوتهم شعار ( الرضا من آل محمد ) ونشروا دعايتهم بأنهم الأئمة المنتظرون الذين يقيمون العدل بدلا من جور الأمويين ، ودعموا هذا بالأحاديث التى إفتروها .

2 ـ وقبل تأسيس دولتهم كان قائدهم أبو مسلم الخراسانى يقتل بما يقال عنه التفويض الالهى. يستحل دم شخص برىء بمجرد أن يفترى حديثا . تقول الرواية : ( وكان أبو مسلم قد قتل في دولته ستمائة ألف صبراً.) أى حبسهم فى سجون وتركهم حتى الموت. وتقول عنه الرواية : ( وكان أبو مسلم قد سمع الحديث من عكرمة، وأبي الزبير المكي، وثابت الناتي، ومحمد بن علي بن عبد الله بن عباس، والسدير؛ وروى عنه إبراهيم ابن ميمون الصائغ، وعبد الله بن المبارك، وغيرهما.) أى تلقفه أساطين الدعوة العباسية السرية فأعدوه أيدلوجيا بأحاديثهم المفتراة ، وبها كان سهلا عليه أن يسفك الدماء. تقول الرواية : ( خطب يوماً فقام إليه رجل فقال: ما هذا السواد الذي أرى عليك؟ فقال: حدثني أبو البير عن جبابر بن عبد الله أن النبي، صلى الله عليه وسلم، دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه عمامة سوداء، وهذه وثياب الدولة، يا غلام اضرب عنقه.). سأله رجل سؤالا بريئا عن شعار السواد الذى إتخذه العباسيون فرد عليه بحديث ثم أمر بضرب عنقه.

3 ـ ومن الأساطير التى نشروها أن النبى محمدا قد بشّر العباس بأن ولده سيكونون الخلفاء ، ومع أنه عليه السلام لم يكن يعلم الغيب وليس له أن يتكلم فيه فقد حظيت هذه الأكاذيب الغيبية بالتصديق ، ورواها المؤرخون معتقدين صدقها ، منها قولهم : ( وكان بدء ذلك وأوله أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أعلم العباس بن عبد المطلب أن الخلافة تؤول إلى ولده، فلم يزل ولده يتوقعون ذلك ويتحدثون به بينهم.) وشاعت أحاديث تؤكد أن مُلك بنى العباس سيستمر الى قيام الساعة وحتى يسلمونه الى المسيح عندما ينزل بزعمهم ، وأحاديث أخرى تبشر بأسماء الخلفاء الباسيين وتشيد بهم ، وقد ذكر السيوطى هذه الأحاديث عن العباسيين بعد سقوط دولتهم ببضعة قرون فى كتابه ( تاريخ الخلفاء ) مما يدل على أن الأحاديث المصنوعة أقوى تاثيرا.

4 ـ وبهذا بدأ الكهنوت العباسى أى المستبد الفرعونى الذى يملك الدين والسياسة ، وهذا ما لم يجرؤ الأمويون على زعمه ، وربما لأنهم كانوا علمانيين مثل أسلافهم الذين عملوا بالتجارة خلافا للهاشميين الذين قاموا على سقاية الحاج ورعاية البيت الحرام.

5 ـ وعليه لم تعد الصلاة وحدها من شعائر عبادة الإله الأعظم ( وهو المال ) بل أضاف لها العباسيون الخطاب الدينى الصريح وتلقيب الخليفة بلقب ينسبه الى الله جل وعلا . وهذه الألقاب بدأت بأول خليفة ، وقد أعطى نفسه لقبا مُرعبا ( السفاح ) الذى يقتل بالتفويض الالهى ، ثم تلاه أخوه فلقّب نفسه بالمنصور ، ثم تلقب إبنه بالمهدى ، وبعده ( الهادى ) والرشيد ، ثم أصبح اللقب للخليفة أكثر جُرأة فتلقب اللاحقون بالمعتصم بالله الى المستعصم بالله ..

6 ـ وخلال هذا الدجل الدينى حاز العباسيون على كنوز الدنيا وسفكوا دماء الملايين . منهم حوالى مليون قتيل فى تأسيس دولتهم . ونعطى بعض التفصيلات فى خلافة السفاح .

أولا : الصلاة والخطبة :

1 ـ تقول الرواية عن الخليفة العباسى الأول ( أبو العباس السفاح :  عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ): ( ولما ولي الخلافة خرج يوم الجمعة فصلى بالناس ثم قال في خطبته‏:‏ " الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه وكرمه وشرفه وعظمة واختاره لنا وأيده وجعلنا أهله وكهفه وحصنه والقوام به والذأبين عنه والناصرين له وخصنا برحم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنبتنا من شجرته واشتقنا من نبعته وأنزل بذلك كتابًا فقال فيه‏:‏ قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى ‏"‏ فلما قبض الله رسوله قام بذلك الأمر أصحابه وأمرهم شورى بينهم فعدلوا وخرجوا خماصًا ثم وثب بنو حرب ومروان فابتزوها وتداولوها فاستأثروا بها وظلموا أهلها فأملى الله لهم حينًا فلما أسفوه أنتقم الله منهم بأيدينا ورد علينا حقنا وأنا السفاح المبيح الثائر المبير‏.‏ ). السفاح هنا يصلى ويخطب بالناس ويجعل نفسه السفاح المبير مستبيح الدماء باسم الله ( تعالى عن ذلك علوا كبيرا.) . أى له تفويض الاهى بالقتل والتسلط على الناس ونهب أموالى على هامش القتل .

2 ـ وفى نفس الخطبة قال : ( إنا والله ما خرجنا لنكثر لجينًا ولا عقيانًا ولا نحفر نهرًا وإنما أخرجتنا الأنفة من ابتزازهم لحقنا ولقد كانت أموركم ترمضنا لكم ذمة الله عز وجل وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة العباس أن نحكم فيكم بما أنزل الله ونعمل بكتاب الله ونسير فيكم بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم واعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج منا حتى نسلمه إلى عيسى ابن مريم‏.‏) هنا يكذب بملء فمه . وعد بالعدل وأخلف الوعد ، وزعم أن الخلافة ستظل فيهم الى نهاية العالم ، وكذب .

3 ـ  كان هذا هو ( خطاب العرش ) تقول الرواية : ( ثم نزل أبو العباس وداود أمامه حتى دخل القصر فأجلس أبا جعفر وأخذ البيعة على الناس في المسجد ) . وفى رواية أخرى : (ثم نزل أبو العباس وداود بن علي أمامه حتى دخل القصر وأجلس أخاه أبا جعفر المنصور يأخذ البيعة على الناس في المسجد، فلم يزل يأخذها عليهم حتى صلى بهم العصر ثم المغرب وجنهم الليل فدخل.) هنا الصلاة والخطبة ..والمسجد .! كان هذا فى شهر ربيع الأول عام 132 .

4 ـ وإذا كان الخلفاء الفاسقون الأوائل ( أبو بكر وعمر وعثمان ) أفهموا الأعراب أن غزوهم وقتلهم وسلبهم ونهبهم الأمم الأخرى هو جهاد إسلامى فإن الخلفاء الفاسقين العباسيين سفكوا دماء الأمويين بإتهامهم بالكفر . كان الأمويون فى نهاية عصرهم مثقلين بالاتهامات بالظلم فأرسوا اساسا لبنى العباس تمكنوا به من إستحلال دمائهم وأموالهم ، وصار قتالهم  الأمويين جهادا دينيا . فى معركة ( الزاب ) التى إنهزم فيها مروان بن محمد كان القائد العباسى عبد الله بن على ( عم الخليفة السفاح ) يقاتل وهى يقول : ( يار رب حتى متى نقتل فيك؟ .! ) ، وتثاقل العرب من جنود مروان بن محمد عن القتال ، فإذا دعا قبيلة طلبت أن يدعو غيرها ، فأمر رئيس الشرطة بالتقدم فرفض ، فتوعده مروان فتحداه قائلا ( وددت أن تفعل ذلك ) فاضطر الى أن يعطى جنوده الأموال ، نقول الرواية : ( فأمر بالأموال فأخرجت، وقال للناس: اصبروا وقاتلوا فهذه الأموال لكم. فجعل ناس من الناس يصيبون من ذلك، فقيل له: إن الناس قد مالوا على هذا المال ولا نأمنهم أن يذهبوا به. فأرسل إلى ابنه عبد الله: أن سر في أصحابك إلى قوم عسكرك فاقتل من أخذ من المال وامنعهم.) . إنهزم مروان وإستولى عبد الله بن على العباسى على معسكره ، وحاز ما فيه من أموال ( والمال هو غاية المُراد ) تقول الرواية : ( ..وكتب يومئذ عبد الله بن علي إلى السفاح بالفتح، وحوى عسكر مروان بما فيه فوجد سلاحاً كثيراً وأموالاً .. ) ( فلما أتى الكتاب السفاح صلى ركعتين وأمر لمن شهد الوقعة بخمسمائة خمسمائة دينار، ورفع أرزاقهم إلى ثمانين.) هنا صلاة شكر على النصر وعلى المال ، ومكافأة للمقاتلين المرتزقة برفع أجورهم . تقول الرواية ( وكانت هزيمة مروان بالزاب يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة ..)

5 ـ هرب مروان فطارده العباسيون حتى مصر . وقاد مطاردته فى صعيد مصر صالح بن على العباسى ، وأرسل فرقة يقودها الحسن بن قحطبة . تقول الرواية ( .. ومضى صالح ومن معه في طلبه إلى الصعيد  ...  وساروا حتى أدركوه بقريه من قرى الصعيد تسمى بوصير في أخر الليل ، وقد نزل الكنيسة ومعه حرمه وولده وثقله  ..) ودارت معركة إنتهت بقتل مروان ، تقول الرواية : (.. وأثخنته الجراح وحمل عليه رجل فقتله واحتزّ رأسه رجل من أهل البصرة كان يبيع الرمان ) وأمر الحسن بن قحطبة‏ القائد وقتها بإحضار بنت مروان الكبرى ، فوضع رأس أبيها فى حجرها ، تقول الرواية : ( .. فأجلسها ووضع الرأس في حجرها فصرخت واضطربت فقيل له‏:‏ ماحملك على هذا فقال‏:‏ " كفعلهم بزيد بن علي حين قتلوه فإنهم جعلوا رأسه في حجر زينب بنت علي. )

( وبعث برأس مروان إلى صالح بن علي فنصب على باب مسجد دمشق ، وبعث به إلى السفاح ). بعث القائد ابن قحطبة برأس مروان الى قائده الأعلى ( صالح بن على ) فبعث بها صالح الى الخليفة السفاح فى الكوفة ، وفى الطريق علقوها فى مسجد دمشق ( المسجد الأموى ) إعلانا بنهاية الحكم الأموى . ولم ينسوا إرسال الغنائم من الأموال والسلاح والسبى : ( ورجع صالح إلى الشام وخلف أبا عون بمصر وسلم إليه السلاح والأموال والرقيق.). وتقول الرواية عن وصول رأس مروان الى السفاح : : ( ولما وصل الرأس إلى السفاح كان بالكوفة، فلما رآه سجد ثم رفع رأسه فقال: الحمد الله الذي أظهرني عليك وأظفرني بك ولم يبق ثأري قبلك وقبل رهطك أعداء الدين! ). أى هو قتال دينى ، يبتغى وجه الشيطان.

ثانيا : الإقٌتتال بالدين يعنى المبالغة فى القتل أو القتل إستئصالا :

1 : إستأصل العباسيون من قدروا على قتله من الأمويين . وكانوا يعطونهم الأمان ثم ينكثون بالعهد. ومن الحوادث المشهورة أن عبد الله بن على الذى تولى الشام إستأمن اليه من كان فى دمشق من الأمويين ، فدعا  تسعين رجلا منهم الى طعام وقتلهم ، تحت عنوان : ( ذكر من قتل من بني أمية:) تقول الرواية :  ( ودخل شبل بن عبد الله مولى بني هاشم على عبد الله بن علي وعنده من بني أمية نحو تسعين رجلاً على الطعام.. ) إستنكر هذا الرجل إستضافة أولئك الأمويين فقال شعرا أثار عبد الله بن على فأمر عبد الله بن على بضربهم بأعمدة الحديد حتى ماتوا : ( فأمر بها عبد الله فضربوا بالعمد حتى قتلوا، وبسط عليهم الأنطاع فأكل الطعام عليها وهو يسمع أنين بعضهم حتى ماتوا جيمعاً. )

2 ـ .وقيل عن عبد الله بن على : (  وتتبع بني امية من أولاد الخلفاء وغيرهم فأخذهم، ولم يفلت منهم إلا رضيع أو من هرب إلى الأندلس وقتل سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس بالبصرة أيضاً جماعةً من بني أمية عليهم الثياب الموشية المرتفعة وأمر بهم فجروا بأرجلهم فألقوا على الطريق فأكلتهم الكلاب..! ) كان هذا عام 132

3 ـ فى عام 133 ( قتل داود بن علي من ظفر به من بني أمية بمكة والمدينة، ولما أراد قتلهم قال له عبد الله بن الحسن بن الحسن: يا أخي إذا قتلت هؤلاء فمن تباهي بملكه؟ أما يكفيك أن يروك غادياً ورائحاً فيما يذلهم ويسؤهم؟ فلم يقبل منه وقتلهم.)
4 ـ أكثر من هذا أن عبد الله بن على هذا إنتقم من الخلفاء الأمويين الموتى فى قبورهم ، تقول الرواية : ( .. وأمر عبد الله ابن علي بنبش قبور بني أمية بدمشق، فنبش قبر معاوية بن أبي سفيان، فلم يجدوا فيه إلا خيطاً مثل الهباء، ونبش قبر يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فوجدوا فيه حطاماً كأنه الرماد، ونبش قبر عبد الملك فإنه وجد صحيحاً لم يبل منه إلا أرنبة أنفه، فضربه بالسياط وصلبه وحرقه وذراه في الريح ).

5 ـ ووصل الإسراف فى القتل الى الحروب الخارجية :

5 / 1 : فى عام  133 : حارب أبو مسلم ملك فرغانة المتحالف مع ملك الصين " ( فالتقوا على نهر طراز فظفر بهم المسلمون وقتلوا منهم زهاء خمسين ألفاً وأسروا نحو عشرين ألفاً وهرب الباقون إلى الصين.)

5 / 2 : فى العام التالى : ( ذكر غزوة كش:وفي هذه السنة غزا أبو داود خالد بن إبراهيم أهل كش فقتل الاخريد ملكها، وهو سامع مطيع، وقتل أصحابه وأخذ منهم من الأواني الصينية المنقوشة المذهبة ما لم ير مثلها، ومن السروج ومتاع الصين كله من الديباج والطرف شيئاً كثيراً فحمله إلى أبي مسلم وهو بسمرقند، وقتل عدة من دهاقينهم،  ). هذا ملك سامع مطيع ، ولكن جريمته الكبرى أن لديه نفائس يطمع فيها أبو مسلم. والمال هو معبودهم الأكبر .    

ثالثا : الإقٌتتال بالدين يعنى نكث العهود والمواثيق

1 ـ قتل السفاح إثنين من الذين قاموا بالدعوة وساعدوا فى إرساء مُلك العباسيين ، وهما أبو سلمة الخلال وسليمان بن كثير ، بل وقتلوا الولاة الذين عينهم أبو سلمة الخلال فى فارس.

2 : وفى عام  133 : قتل سليمان بن على العباسى ( عم السفاح ) زعيم بنى المهلب فى الموصل. أعطاه أمانا ثم قتله. تقول الرواية : ( وفيها قتل عبد الرحمن بن يزيد بن المهلب بالموصل، قتله سليمان الذي يقال له الأسود بأمان كتبه له.)
3 ـ أما الفاجعة الكبرى فهى ما فعله أخ الخليفة السفاح وإسمه ( يحيى ) بأهل الموصل . تقول الرواية : ( وفي هذه السنة استعمل السفاح أخاه يحيى بن محمد على الموصل عوض محمد بن صول.وكان سبب ذلك أن أهل الموصل امتنعوا من طاعة محمد بن صول، وقالوا: يلي علينا مولى الخثعم، وأخرجوه عنهم. فكتب إلى السفاح بذلك واستعمل عليهم أخاه يحيى بن محمد وسيره إليها في اثني عشر ألف رجل، فنزل قصر الإمارة بجانب مسجد الجامع، ولم يظهر لأهل الموصل شيئاً ينكرونه ولم يعترض فيما يفعلونه، ثم دعاهم فقتل منهم أثني عشر رجلاً، فنفر أهل البلد وحملوا السلاح، فأعطاهم الأمان، وأمر فنودي: من دخل الجامع فهو آمن؛ فأتاه الناس يهرعون إليه، فأقام يحيى الرجال على أبواب الجمع، فقتلوا الناس قتلاً ذريعاً أسرفوا فيه، فقيل: إنه قتل فيه أحد عشر ألفاً ممن له خاتم وممن ليس له خاتم خلقاً كثيراً.فلما كان الليل سمع يحيى صراخ النساء اللاتي قتل رجالهن، فسأل عن ذلك الصوت فأخبر به، فقال: إذا كان الغد فاقتلوا النساء والصبيان. ففعلوا ذلك، وقتل منهم ثلاثة أيام، وكان في عسكره قائد معه أربعة آلاف زنجي، فأخذوا النساء قهراً. فلما فرغ يحيى من قتل أهل الموصل في اليوم الثالث ركب اليوم الرابع وبين يديه الحراب والسيوف المسلولة، فاعترضته امرأة وأخذت بعنان دابته، فأراد أصحابه قتلها فنهاهم عن ذلك، فقالت: له: ألست من بني هشام؟ ألست ابن عم رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ أما تأنف للعربيات المسلمات أن ينكحهن الزنج؟ فأمسك عن جوابها وسير معها من يبلغها مأمنها، وقد عمل كلامها فيه. فلما كان الغد جمع الزنج للعطاء، فاجتمعوا، فأمر بهم فقُتلوا عن آخرهم.). يضيق الصدر عن تحليل هذا. ففيه التطرف فى القتل ونكث العهد وأن يكون المسجد مركز هذه الفواجع .. هتلر لو قرأ هذا سينفطر قلبه حُزنا.

رابعا : الإقٌتتال بالدين يعنى قتل الذين يأمرون بالقسط من الناس .
 فى عام 133  : نقم ( شريك بن شيخ المهري  ) ببخارى على أبي مسلم معترضا على الإسراف فى القتل . تقول الرواية : ( ونقم عليه وقال: " ما على هذا اتبعنا آل محمد، أن نسفك الدماء وأن يعمل بغير الحق! " وتبعه على رأيه أكثر من ثلاثين ألفاً، فوجه إليه أبو مسلم زياد بن صالح الخزاعي فقاتله، وقتله زياد.  ).

أخيرا : مات السفاح عام 136 ، وتولى بعده أخوه أبوجعفر المنصور الذى قام بتوطيد الدولة العباسية بالحديد والنار وبالدجل الدينى والكهنوت الدينى. وكان مشهورا بجمع المال أو بعبادة المال حتى كان لقبه ( أبو الدوانيق ) . والدانق هو مثل المليم أو السنت .

 

الفصل السادس عشر : ولاة الصلاة الشيطانية فى مصر العباسية 

 

 أولا : نماذج من وصفهم بولاة الصلاة من خلال ما ذكره المقريزى فى ( الخطط ) :

مقدمة : اسلوب المقريزى أن يقول عن الوالى العباسى فى مصر :( فوُلّى ) ( وُلّى ) أى أصدر الخليفة قرار بتعيينه واليا . وحين يقول ( صُرف ) يعنى عزل الوالى. ويذكر إسم الخليفة وتاريخ التعيين وتاريخ عزله او صرفه عن الحكم. ولن نذكر كل التفصيلات ، إكتفاءا بوصف الوالى بأنه على الصلاة والخراج .  ونعطى أمثلة ، قال :

1 ـ (‏ أبو عون‏:‏ عبد الملك بن يزيد ... ولي صلاة مصر وخراجها.. في مستهل شعبان سنة ثلاث وثلاثين ومائة.. ).

2 ـ (  فولي‏:‏ صالح بن علي الثانية على الصلاة والخراج فدخل لخمس خلون من ربيع الآخر سنة ست وثلاثين ومائة .. ثم خرج صالح إلى فلسطين..سنة سبع وثلاثين فلقي أبا عون بالفرما فأمره على مصر صلاتها وخراجها ..فولي‏:‏ أبو عون ولايته الثانية من قبل صالح بن علي .. فاستخلف عكرمة على الصلاة وعطاء على الخراج ..).

3 ـ (   فوليها‏:‏ موسى بن كعب ..من قبل أبي جعفر المنصور .. سنة إحدى وأربعين ومائة على صلاتها وخراجها .. ) .

4 ـ ( فولي‏:‏ محمد بن الأشعث بن عقبة الخزاعي من قبل أبي جعفر على الصلاة والخراج ، وقدم لخمس خلون من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين ومائة .. ).

5 ـ ( وولي‏:‏ حميد ين قحطبة .. من قبل أبي جعفر على الصلاة والخراج .. سنة ثلاث واربعين ومائة.). 

6 ـ ( فولي‏:‏ يزيد بن حاتم .. من قبل أبي جعفر على الصلاة ..) .

7 ـــ ( وولي‏:‏ عبد الله بن عبد الرحمن .. من قبل أبي جعفر على الصلاة ..).

8 ـ ( فولي‏:‏ محمد بن عبد الرحمن  باستخلاف أخيه فأقره أبو جعفر على الصلاة .. ) .

9 ـ ( فولي‏:‏ موسى بن علي ..باستخلاف محمد بن خديج فأقره أبو جعفر على الصلاة.. ) .

10 ـ ( وولي‏:‏ عيسى بن لقمان بن محمد الجمحي‏:‏ من قبل المهدي على الصلاة والخراج ..).

11 ـ (  ثم ولي‏:‏ واضح مولى أبي جعفر من قبل المهدي على الصلاة والخراج ..).

12 ـ (  فولي‏:‏ منصور بن يزيد .. على الصلاة فقدم لإحدى عشرة خلت من رمضان سنة اثنتين وستين ومائة وصرف للنصف من ذي الحجة فكان مقامه شهرين وثلاثة أيام‏...).

13 ـ ( ثم ولي‏:‏ يحيى بن داود أبو صالح من أهل خراسان من قبل المهدي على الصلاة والخراج.. ) .

14 ـ ( وقدم‏:‏ سالم بن سوادة التميمي من قبل المهدي على الصلاة.. ).

15 ـ ( ثم ولي‏:‏ إبراهيم بن صالح  ..من قبل المهدي على الصلاة والخراج ..)

16 ـ ( ثم ولي‏:‏ موسى بن مصعب بن الربيع من أهل الموصل على الصلاة والخراج من قبل المهدي..) 

17 ـ ( ثم ولي‏:‏ علي بن سليمان .. من قبل الهادي على الصلاة والخراج .. فدخل في سنة تسع وستين ومائة ، ومات الهادي للنصف من ربيع الأول سنة سبعين ومائة وبويع هارون بن محمد الرشيد فأقر علي بن سليمان.. ) .

18 ـ ( ثم ولي‏:‏ موسى بن عيسى .. من قبل الرشيد على الصلاة ..)

19 ـ ( ثم ولي‏:‏ مسلمة بن يحيى ..من قبل الرشيد على الصلاة ثم صرف في شعبان سنة ثلاث وسبعين فوليها أحد عشر شهرًا‏.).

20 ـ ( ثم ولي‏:‏ محمد بن زهير الأزدي على الصلاة والخراج. ).

21 ـ (  ‏فولي‏:‏ داود بن يزيد... فولى داود الصلاة ..).

22 ـ ( ثم ولي‏:‏ موسى بن عيسى ..على الصلاة والخراج من قبل الرشيد ...   فولي سنة واحدة‏.).

23 ـ  ( ثم ولي‏:‏ عبد الله بن المسيب ..من قبل الرشيد على الصلاة .. سنة ست وسبعين ومائة. ) .

24 ـ ( فولي‏:‏ إسحاق بن سليمان .. من قبل الرشيد على الصلاة والخراج  ‏.).

25 ـ ( فولي‏:‏ هرثمة بن أعين من قبل الرشيد على الصلاة والخراج.. ).

26 ـ ( ثم ولي‏:‏ عبد الملك بن صالح .. من قبل الرشيد على الصلاة والخراج ..) ‏.

27 ـ ( فولي‏:‏ عبيد الله بن المهدي  .. من قبل الرشيد على الصلاة والخراج في يوم الاثنين لثنتي عشرة خلت من المحرم سنة تسع وسبعين ومائة ...فأعاد الرشيد موسى بن عيسى وولاه مرة ثالثة على الصلاة ..  وصرف في جمادى الآخرة سنة ثمانين ومائة‏.‏ فولى الرشيد عبيد الله بن المهدي ثانيًا على الصلاة  .. وصرف لثلاث خلون من رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة‏. ).

28 ـ ( فولي‏:‏ إسماعيل بن صالح  ..على الصلاة .. ) .

29  ـ (.. فولي‏:‏ إسماعيل بن عيسى ..من قبل الرشيد على الصلاة فقدم لأربع عشرة بقيت من جمادى الآخرة وصرف في رمضان‏. ).

30 ـ ( فولي‏:‏ الليث بن الفضل ..على الصلاة والخراج ..).

 31 :( فولي‏:‏ أحمد بن إسماعيل ..من قبل الرشيد على الصلاة والخراج.. فولى سنتين وشهرًا ونصفًا‏. ).

31 : ( ثم ولي‏:‏ عبيد الله بن محمد .. على الصلاة  ..).

32 ـ ( وولي‏:‏ الحسين بن جميل من قبل الرشيد على الصلاة وقدم لعشر خلون من رمضان ثم جمع له الخراج مع الصلاة في رجب سنة إحدى وتسعين .. وصرف ابن جميل لثنتي عشرة خلت من ربيع الآخر سنة اثنتين وتسعين ومائة‏.).

33 ـ ( فولي‏:‏ مالك بن دلهم بن عمير الكلبي على الصلاة والخراج وقدم لسبع بقين من ربيع الآخر...   وصرف مالك لأربع خلت من صفر سنة ثلاث وتسعين ومائة‏. ).

34 : ( فولي‏:‏ الحسن بن التختاح بن التختكان على الصلاة والخراج.. ) .  

35 ـ ( فولي‏:‏ حاتم بن هرثمة بن أعين من قبل الأمين على الصلاة والخراج ..) .

36 ـ ( فولي‏:‏ جابر بن الأشعث ..من قبل الأمين على الصلاة والخراج ..) .

37 ـ ( فولي‏:‏ عباد بن محمد .. من قبل المأمون على الصلاة والخراج ..  وصرف عباد في صفر سنة ثمان وتسعين ومائة فكانت ولايته سنة وسبعة أشهر‏.).

38 ـ ( فولي‏:‏ المطلب بن عبد الله بن مالك .. من قبل المأمون على الصلاة والخراج .. وصرف في شوال بعد سبعة أشهر‏. ).

39 ـ  ( فولي العباس بن موسى . من قبل المأمون على الصلاة والخراج ... ).

40 ـ  ( ثم ولي سليمان بن غالب .. على الصلاة والخراج سنة إحدى ومائتين .. ثم صرف بعد خمسة أشهر‏.).

41 ـ ( وأعيد السري بن الحكم ثانيًا من قبل المأمون على الصلاة والخراج .. ).

42 ـ ( فولي ابنه محمد بن السري أبو نصر أول جمادى الآخرة على الصلاة والخراج  ..).

43 ـ ( ثم ولي عبيد الله بن السري بن الحكم .. على الصلاة والخراج .. ).

44 ـ ( فولي عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب من قبل المأمون على الصلاة والخراج فدخل يوم الثلاثاء لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة ومائتين ..).

45 ـ  ( ثم ولي عيسى بن يزيد الجلودي باستخلاف ابن طاهر على صلاتها إلى سابع عشر ذي القعدة سنة ثلاث عشرة فصرف ابن طاهر وولي الأمير أبو إسحاق بن هارون الرشيد مصر فأقر عيسى على الصلاة فقط وجعل على الخراج‏:‏ صالح بن شيرازاد ..) .

46 ـ ( فولي عمير بن الوليد ..باستخلاف أبي إسحاق بن الرشيد على الصلاة .. فكانت مدة إمرته ستين يومًا‏.).

47 ـ ( فولي عيسى الجلودي ثانيًا لأبي إسحاق على الصلاة .. ) .

48 ــ  (  وولي على مصر عبدويه بن جبلة من الأبناء على الصلاة ..).

49 ـ ( وصرف وولي عيسى بن منصور بن موسى بن عيسى الرافعي ..فولي من قبل أبي إسحاق أول سنة ست عشرة على الصلاة .. ).

 50 ــ ( فولي موسى بن أبي العباس ثابت .. على الصلاة .. وصرف في ربيع الآخر سنة أربع وعشرين ومائتين فكانت ولايته أربع سنين وسبعة أشهر‏. ).

51 ـ ( فولى مالك بن كيدر .. على الصلاة وقد لسبع بقين من ربيع الآخر وصرف لثلاث خلون من ربيع الآخر سنة ست وعشرين فولى سنتين وأحد عشر يومًا ..) .

52 ـ ( فولي علي بن يحيى ..على صلاتها .. فكانت ولايته سنتين وثلاثة أشهر‏. ).

53 ـ ( ثم ولي عيسى بن منصور الثانية .. على صلاتها فدخل لسبع خلون من المحرم سنة تسع وعشرين ومائتين..).

54 ـ ( فولي هرثمة بن نضر الجبلي .. على الصلاة وقدم لست خلون من رجب سنة ثلاث وثلاثين ومائتين ..).

55 ـ ( فولي حاتم بن هرثمة .. على الصلاة وصرف لست خلون من رمضان‏.).

56 ـ ( فولي علي بن يحيى بن الأرمني الثانية .. على الصلاة.. ) .

 57 ـ ( فولي إسحاق بن يحيى ..من قبل المنتصر .. على الصلاة والخراج..).

58 ـ ( ..  فولي خوط عبد الواحد بن يحيى .. من قبل المنتصر على الصلاة والخراج فقدم لتسع بقين من ذي القعدة سنة ست وثلاثين ومائتين وصرف عن الخراج لتسع خلون من صفر سنة سبع وثلاثين وأقر على الصلاة ثم صرف سلخ صفر سنة ثمان وثلاثين بخليفته عنبسة على الصلاة والشركة في الخراج مستهل ربيع الأول‏. ).

59 ـ ( فولي عنبسة بن إسحاق .. من قبل المنتصر على الصلاة وشريكًا لأحمد بن خالد الضريقسي صاحب الخراج فقدم لخمس خلون من ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين ومائتين  ... وأضيف له الخراج مع الصلاة ثم صرف عن الخراج أول جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين وأفرد بالصلاة  ... وعنبسة هذا آخر من ولي مصر من العرب وآخر أمير صلى بالناس في المسجد الجامع ..).

60 ـ ( فولي يزيد بن عبد الله بن دينار أبو خالد من الموالي ولاه‏:‏ المنتصر على الصلاة فقدم لعشر بقين من رجب سنة اثنتين وأربعين  ..).

61 ـ (  فولي مزاحم بن خاقان . لثلاث خلون من ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين ومائتين على الصلاة من قبل المعتز ..‏. ).

62 ـ  ( فاستخلف ابنه أحمد بن مزاحم فولي باستخلاف أبيه على الصلاة إلى أن مات لسبع خلون من ربيع الآخر فكانت ولايته شهرين ويومًا فاستخلف أرجوز بن أولع طرخان التركي على الصلاة فولي خمسة أشهر ونصفًا وخرج أول ذي القعدة بعد أن صرف بأحمد بن طولون في شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين وإليه كان أمر البلد جميعه.. ).

63 ـ (  وولي منهم خمسة أمراء أولهم‏:‏ أحمد بن طولون ولي مصر من قبل المعتز على صلاتها فدخل يوم الخميس لسبع بقين من شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين .. ).

 64 ـ (  .. فورد كتاب المعتضد بولاية خمارويه على مصر هو وولده ثلاثين سنة من الفرات إلى برقة وجعل له الصلاة والخراج والقضاء وجميع الأعمال على أن يحمل في كل عام مائتي ألف دينار عما مضى وثلثمائة ألف للمستقبل ..).

65 ـ (  ‏ثم ورد كتاب المكتفي بولاية‏:‏ عيسى بن محمد النوشري ..فولي على الصلاة ..) ( .. وأقبل عيسى النوشري ومعه الحسين المادراني ومن كان معهما لخمس خلون منه فعاد النوشري إلى ما كان عليه من صلاتها والمادراني إلى ما كان عليه من الخراج ..)  (  وبويع جعفر المقتدر فأقر النوشري على الصلاة ..).

66 ـ ( ‏ثم ولي تكين الخزري أبو منصور من قبل المقتدر على الصلاة ..).

67 ـ (  ثم ولي‏:‏ ذكا الرومي ..من قبل المقتدر على الصلاة .. لثنتي عشرة خلت من صفر سنة ثلاث وثلثمائة ..).

68 ـ ( ثم ولي‏:‏ هلال بن بدر من قبل المقتدر على الصلاة ..)   .

  69 ـ ( فولي‏:‏ أحمد بن كيغلغ من قبل المقتدر على الصلاة ..) .

 70 ـ  ( فولي‏:‏ تكين المرة الثالثة من قبل المقتدر على الصلاة . ) .

 71 ـ  ( ثم ولي‏:‏ محمد بن طغج بن جف الفرغاني أبو بكر من قبل القاهر بالله على الصلاة ... وولي‏:‏ محمد بن طغج الثانية من قبل الراضي على الصلاة والخراج ..) .

ثانيا : ملاحظات :

1 ـ يتكرر قول المقريزى عن الوالى الأساس أنه الوالى على ( الصلاة ) (الشيطانية ) . وفى المقال التالى سنرى ما فعله مجرمو ولاة الصلاة الشيطانية بأهل مصر.

2 ـ لأهمية الخراج كان تعيين واليا للخراج ، وأحيانا يكون والى الصلاة الشيطانية هو والى الخراج.

3 ـ لأن المال هو معبودهم الأعظم فقد كان الحرص على ألا يبقى الوالى فترة طويلة حتى لا يتكاثر ماله من النهب ، ولذا كان يتكرر العزل والتولية ، ولهذا ايضا إشتد العسف بالمصريين بسبب الخراج بالذات ، وسنعرض لذلك فى المقال التالى.

4 ـ فى بداية العصر العباسى كان أكثر ولاة الصلاة ( الشيطانية ) من الأسرة العباسية ، ومن ذرية القادة العرب الموالين للعباسيين ، وبعد سيطرة القادة الأتراك على الخلافة العباسية أصبح ولاة الصلاة منهم.

5 ـ  وكان يحدث أن يتولى والى الصلاة مصر سواء كان عربيا أو تركيا فيظل فى بغداد ليحمى نفوذه ويرسل نائبا عنه يحكم مصر بإسمه.

6 ـ توقفنا عند الإخشيد ، وهو الذى أقام ولاية مستقلة فى إطار الخلافة العباسية كما فعل من قبله أحمد بن طولون. وكلاهما من ولاة الصلاة. ثم إحتل الفاطميون مصر .

 

الفصل السابع عشر : من إجرام ولاة الصلاة الشيطانية فى مصر العباسية 

 ( 1 )

هو موضوع مؤلم وطويل ، نكتفى منه بموجز مما كتبه المقريزى ، وقد كان متعصبا ، وننتظر أن يتجاهل الكثير من الوقائع . ولكنه المصدر التاريخى الهام المعتمد لنا. ونعطى هنا بعض لمحات من التاريخ المجهول للمصريين :

أولا : المقريزى فى تأريخه لولاة الصلاة يلمح الى بعض مظالمهم :

فى المقال السابق ركزنا عن ولاة مصر العباسية بوصفهم بولاة الصلاة. وكان المقريزة يذكر بعض المشهور من ظلمهم . ونعطى أمثلة . قال : 

1 ـ ( فولي‏:‏ موسى بن علي بن رباح باستخلاف محمد بن خديج ، فأقره أبو جعفر على الصلاة . وخرج القبط بهبيب في سنة ست وخمسين ، فبعث إليهم وهزمهم . وكان يروح إلى المسجد ماشيًا وصاحب شرطته بين يديه يحمل الحربة وإذا أقام صاحب الشرطة الحدود يقول له‏:‏ ارحم أهل البلاد فيقول‏:‏ أيها الأمير ما يصلح الناس إلا ما يفعل بهم ..!!). هذا فى خلافة المنصور العباسى. ثار الأقباط بسبب العسف وكثرة الضرائب . فهزمهم ( والى الصلاة ). وكان يرفض صاحب الشرطة برحمة الناس ، لأنه يرى أن هذا هو الأصلح للناس ، وهم له مستحقون . الناس هنا هم المظلومون ، وإلّا ما أشفق عليهم صاحب الشرطة . والحدود التى يذكرها المقريزى لا علاقة بتشريعات الاسلام ، ولكنها تشريع العباسيين ووالى الصلاة الذى كان مُطلق اليد فى قتل من يشاء وعقاب من يشاء دون رقيب أو مؤاخذة .

2 ـ ( ثم ولي‏:‏ يحيى بن داود أبو صالح من أهل خراسان من قبل المهدي على الصلاة والخراج فقدم في ذي الحجة وكان أبوه تركيًا وهو من أشد الناس وأعظمهم هيبة وأقدمهم على الدم وأكثرهم عقوبة ... .. وكان أبو جعفر المنصور إذا ذكره قال‏:‏ هو رجل يخافني ولا يخاف الله فولي إلى المحرم سنة أربع وستين‏.). الخليفة المنصور كان من جبابرة الخلفاء أجمعين . و كان من أتباعه ( يحيى بن داود ) وقد وصفه المنصور بأنه لا يخشى الله ولكن يخشى المنصور ، ولذلك قام الخليفة المهدى ابن الخليفة المنصور بتعيينه واليا على الصلاة والخراج فى مصر. لذا كان بمصر كما قال المقريزى : (وهو من أشد الناس وأعظمهم هيبة وأقدمهم على الدم وأكثرهم عقوبة ). ولا نعرف عدد ولا أسماء ضحاياه .. هذا الوالى للصلاة الشيطانية .

3 ـ ( ثم ولي‏:‏ موسى بن مصعب بن الربيع من أهل الموصل على الصلاة والخراج من قبل المهدي ، فقدم لسبع خلون من ذي الحجة المذكور ، فرد إبراهيم وأخذ منه وممن عمل له ثلثمائة ألف دينار ، ثم سيره إلى بغداد ، وشدد موسى في استخراج الخراج ، وزاد على كل فدان ضعف ما يقبل به ، وارتشى في الأحكام ، وجعل خرجًا على أهل الأسواق وعلى الدواب .... وكان ظالمًا غاشمًا ..). هنا يصادر شخصا ، ويتشدد فى سلب المصريين بزعم الخراج ، الى درجة مضاعفة الضريبة على الزراعة وفرض ضرائب على الاسواق والبهائم ، مع أخذه الرشوة .

4 ـ ( فولي‏:‏ إسحاق بن سليمان .. من قبل الرشيد على الصلاة والخراج ، مستهل رجب ، فكشف أمر الخراج ، وزاد على المزارعين زيادة أجحفت بهم فخرج عليه أهل الحوف فحاربهم فقتل كثير من أصحابه، فكتب إلى الرشيد بذلك فعقد لهرثمة بن أعين في جيش عظيم وبعث به فنزل الحوف فتلقاه أهله بالطاعة وأذعنوا فقبل منهم واستخرج الخراج كله ، فكان صرف إسحاق في رجب سنة ثمان وسبعين ومائة‏.). اسحاق هذا زاد فى الخراج فأشعل ثورة الأعراب ضده.

5 ـ ( فولي‏:‏ الليث بن الفضل البيوردي من أهل بيورد على الصلاة والخراج وقدم لخمس خلون من شوال ثم خرج إلى الرشيد لسبع بقين من رمضان سنة ثلاث وثمانين ومائة بالمال والهدايا ، واستخلف أخاه الفضل بن علي ، ثم عاد في آخر السنة وخرج ثانيًا بالمال لتسع بقين من رمضان سنة خمس وثمانين واستخلف هاشم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج وقدم لأربع عشرة خلت من المحرم سنة ست وثمانين ، فكان كلما غلق خراج سنة وفرغ من حسابها خرج بالمال إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد ومعه الحساب ، ثم خرج عليه أهل الحوف وساروا إلى الفسطاط فخرج إليهم في أربعة آلاف ليومين بقيا من شعبان سنة ست وثمانين ومائة واستخلف عبد الرحمن بن موسى بن علي بن رباح على الجند والخراج فواقع أهل الحوف وانهزم عنه الجند فبقي في نحو المائتين فحمل بهم وهزم القوم من أرض الجب إلى غيفة وبعث إلى الفسطاط بثمانين رأسًا وقدم فرجع أهل الحوف ومنعوا الخراج فخرج ليث إلى الرشيد وسأله أن يبعث معه بالجيوش فإنه لا يقدر على استخراج الخراج من أهل الأحواف إلا بجيش ، فرفع محفوظ بن سليمان أنه يضمن خراج مصر عن آخره بغير سوط ولا عصا ، فولاه الرشيد الخراج وصرف ليثًا عن الصلاة والخراج ، وبعث أحمد بن إسحاق على الصلاة مع محفوظ . وكانت ولاية ليث أربع سنين وسبعة أشهر‏. ) هذا الوالى على الصلاة ( الليث ) عرف كيف يرضى الرشيد ، فالإله الأعظم لديهم هو المال، لذا حرص على توصيله للرشيد عاما بعام ، ولكن ثار عليه الأعراب فى شرق الدلتا ( الحوف ) ، وكان واضحا أن التطرف فى جمع الأموال يؤدى الى ثورة الأعراب ، وإقترح محفوظ أنه يضمن دفع الخراج وبدون ثورة ، فكان عزل الليث.

6 ـ ( وولي‏:‏ الحسين بن جميل من قبل الرشيد على الصلاة وقدم لعشر خلون من رمضان ، ثم جمع له الخراج مع الصلاة في رجب سنة إحدى وتسعين ، وخرج أهل الحوف وامتنعوا من أداء الخراج  ...  وسار جيش الرشيد إلى بلبيس في شوال سنة إحدى وتسعين ومائة فأذعن أهل الحوف بالخراج. وصرف ابن جميل لثنتي عشرة خلت من ربيع الآخر سنة اثنتين وتسعين ومائة‏.). كالعادة أدى التطرف فى جمع الخراج الى ثورة الأعراب .

7 ـ ـ ( فولي‏:‏ مالك بن دلهم بن عمير الكلبي على الصلاة والخراج وقدم لسبع بقين من ربيع الآخر ، وفرغ يحيى بن معاذ أمير جيش الرشيد من أمر الحوف ، وقدم الفسطاط لعشر بقين من جمادى الآخرة فكتب إلى أهل الأحواف أن اقدموا حتى أوصي بك مالك بن دلهم فدخل الرؤساء من اليمانية والقيسية فأخذت عليهم الأبواب وقيدوا وسار بهم للنصف من رجب وصرف مالك لأربع خلت من صفر سنة ثلاث وتسعين ومائة‏.). كالعادة أدى التطرف فى جمع الخراج الى ثورة الأعراب .

8 ـ ( فولي العباس بن موسى . من قبل المأمون على الصلاة والخراج ... وتحامل على الرعية وعسفها وتهدد الجميع فثاروا ). كالعادة أدى التطرف فى جمع الخراج الى ثورة الأعراب .

9 ـ ( وأعيد السري بن الحكم ثانيًا من قبل المأمون على الصلاة والخراج فذمت ولايته )

10 ـ ( ثم ولي عيسى بن يزيد الجلودي باستخلاف ابن طاهر على صلاتها إلى سابع عشر ذي القعدة سنة ثلاث عشرة فصرف ابن طاهر وولي الأمير أبو إسحاق بن هارون الرشيد مصر فأقر عيسى على الصلاة فقط وجعل على الخراج‏:‏ صالح بن شيرازاد ، فظلم الناس وزاد عليهم في خراجهم فانتفض أهل أسفل الأرض وعسكروا ، فبعث عيسى بابنه محمد في جيش فحاربوه فانهزم وقتل أصحابه في صفر سنة أربع عشرة‏.). كالعادة أدى التطرف فى جمع الخراج الى ثورة الأعراب .

11 ـ ( فولي عيسى الجلودي ثانيًا لأبي إسحاق على الصلاة فحارب أهل الحوف بمنية مطر ثم انهزم في رجب فأقبل أبو إسحاق إلى مصر في أربعة آلاف من أتراكه فقاتل أهل الحوف في شعبان ودخل إلى مدينة الفسطاط لثمان بقين منه وقتل أكابر الحوف ). كالعادة أدى التطرف فى جمع الخراج الى ثورة الأعراب .

12 ـ ( .. وولي على مصر عبدويه بن جبلة من الأبناء على الصلاة فخرج ناس بالحوف في شعبان فبعث إليهم وحاربهم حتى ظفر بهم ، ثم قدم الإفشين حيدر بن كاوس الصفدي إلى مصر لثلاث خلون من ذي الحجة ومعه علي بن عبد العزيز الجروي لأخذ ماله فلم يدفع إليه شيئًا فقتله ، وصرف وولي عيسى بن منصور بن موسى بن عيسى الرافعي فولي من قبل أبي إسحاق أول سنة ست عشرة على الصلاة ، فانتقضت أسفل الأرض عربها وقبطها في جمادى الأولى ، وأخرجوا العمال لسوء سيرتهم وخلعوا الطاعة ، فقدم الإفشين من برقة للنصف من جمادى الآخرة ثم خرج هو وعيسى في شوال فأوقعا بالقوم وأسرا منهم وقتلا . ومضى الإفشين ورجع عيسى فسار الإفشين إلى الحوف وقتل جماعتهم . وكانت حروب إلى أن قدم أمير المؤمنين عبد الله المأمون لعشر خلون من المحرم سنة سبع عشرة ومائتين ، فسخط على عيسى وحل لواءه فأخذه بلباس البياض ، ونسب الحدث إليه وإلى عماله وسير الجيوش وأوقع بأهل الفساد وسبى القبط وقتل مقاتلتهم ثم رحل لثمان عشرة خلت من صفر بعد تسعة وأربعين يومًا‏.). هنا إشارة الى سبب مجىء الخليفة المأمون بنفسه الى مصر يحارب أهلها من الأعراب والأقباط معا ، وهذا بعد تكرار الثورات الى درجة خلع الطاعة ، وتحالف الأعراب مع الأقباط ضد ظلم ولاة الصلاة الشيطانية العباسية. وسنتعرض لهذا بالتفصيل لاحقا.

13 ـ (  فولي مزاحم بن خاقان . لثلاث خلون من ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين ومائتين على الصلاة من قبل المعتز وخرج إلى الحوف فأوقع بأهله وعاد ثم خرج إلى الجيزة فسار إلى تروجة فأوقع بأهلها وأسر عدة من أهل البلاد وقتل كثيرًا وسار إلى الفيوم فطاش سيفه وكثر إيقاعه بسكان النواحي وعاد‏. ). هنا تكرار الثورات الحروب بسبب الظلم فى فرض الضرائب.

14 ـ (  وولي منهم خمسة أمراء أولهم‏:‏ أحمد بن طولون ولي مصر من قبل المعتز على صلاتها فدخل يوم الخميس لسبع بقين من شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين ..  وورد كتاب المعتمد يستحثه في حمل الأموال فكتب إليه لست أطيق ذلك والخراج بيد غيري فأنفذ المعتمد نفيسًا الخادم بتقليد أحمد بن طولون الخراج وبولايته على الثغور الشامية فأقر أبا أيوب أحمد بن محمد بن شجاع على الخراج خليفة له عليه..). تخلص أحمد بن طولون والى الصلاة من والى الخراج ( إبن المدبر ) منتهزا فرصة جشع الخليفة المعتز وطلبه المزيد من المال، فجعله المعتز والى الخراج أيضا. وبهذا تهيأ ابن طولون لأن يستقل بمصر ، ونشبت حروب بينه وبين الدولة العباسية .

 15 ـ  وتولى بعده ابنه خمارويه فاتفق خمارويه مع الخليفة المعتضد على أن يدفع للمعتضد ما طلب من المال مقابل ...يقول المقريزى : (  وقدم من الشام لست خلون من ربيع الأول سنة ثمانين فورد كتاب المعتضد بولاية خمارويه على مصر هو وولده ثلاثين سنة من الفرات إلى برقة وجعل له الصلاة والخراج والقضاء وجميع الأعمال على أن يحمل في كل عام مائتي ألف دينار عما مضى وثلثمائة ألف للمستقبل ..). المال هو إلاههم الأعظم .

16 ـ وتولى المقتدر بن المعتضد . ( ثم ولي‏:‏ هلال بن بدر من قبل المقتدر على الصلاة فدخل لست خلون من ربيع الآخر وخرج مونس لثمان عشرة خلت منه ومعه ابن حمل فشغب الجند على هلال وخرجوا إلى منية الأصبغ ومعهم محمد بن طاهر صاحب الشرط فكثر النهب والقتل والفساد بمصر إلى أن صرف عنها في ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وثلثمائة وخرج في نفر من أصحابه‏.). هنا يذكر المقريزى إضطراب الأحوال وشغب الجنود وكثرة السلب والنهب والقتل والفساد بمصر.

 17 ـ  ـ ( فولي‏:‏ أحمد بن كيغلغ من قبل المقتدر على الصلاة وقدم ابنه أبو العباس خليفة له أول جمادى الأولى ، ثم قدم ومعه محمد بن الحسين بن عبد الوهاب المادراني على الخراج في رجب فأحضرا الجند ووضعا العطاء وأسقطا كثيرًا من الرجالة وكان ذلك بمنية الأصبغ فثار الرجالة به ففر إلى فاقوس وأدخل المادراني إلى المدينة لثمان خلون من شوال وأقام ابن كيغلغ بفاقوس إلى أن صرف بقدوم رسول تكين في ثالث ذي القعدة‏. ). إستمرار للإضطراب وما يعنيه من فساد.

  18 ـ ـ ( فولي‏:‏ تكين المرة الثالثة من قبل المقتدر على الصلاة وخلفه ابن منجور إلى أن قدم يوم عاشوراء سنة اثنتي عشرة وثلثمائة فأسقط كثيرًا من الرجالة وكانوا أهل الشر والنهب ونادى ببراءة الذمة ممن أقام منهم بالفسطاط وصلى الجمعة في دار الإمارة بالعسكر وترك حضور الجمعة في مسجد العسكر والمسجد الجامع العتيق في سنة سبع عشرة ولم يصل قبله أحد من الأمراء في دار الإمارة الجمعة .. ) . يقول المقريزى عن أتباع ولاة الصلاة انهم أهل الشّر والنهب. والناس على دين ملوكهم.

ثانيا : بالمناسبة : لمحة عن هذا الخليفة المقتدر

1 ـ تولى الخلافة طفلا عام 295 هجرية. وهو مولود عام 282 ، وهذا بنفوذ أمه جارية اسمها ( شغب ) وهى الجارية التى سيطرت على الخلافة العباسية. وقد عرضنا لها فى مقال بحثى منشور فى باب دراسات تاريخية.

2 ـ عن الخليقة المقتدر يقول ابن الجوزى فى تاريخه ( المنتظم ) : (ولما أراد الجلوس للبيعة صلى أربع ركعات وما زال يرفع صوته بالدعاء والاستخارة ، فبويع ولقب المقتدر بالله وهو ابن ثلاث عشرة سنة وشهر واحد وعشرين يومًا ولم يكن ولي الخلافة قبله أحد أصغر منه ‏. ) لاحظ صلاته الشيطانية.

3 ـ وعن أمواله وممتلكاته الخاصة يقول ابن الجوزى : ( .. وكان في بيت مال الخاصة خمسة عشر ألف ألف دينار وفي بيت مال العامة ستمائة ألف دينار ومن غير ذلك ما يتمم عشرين ألف ألف دينار ومن الفرش والآلة والجوهر ما يزيد قيمته على الكل .. ).

4 ـ وإنفرد هذا الخليفة الصبى بصفة فريدة هى الاستهتار بالمال الذى يجمعه ولاة الصلاة الشيطانية بالقتل والعسف . إذ بعثر الكنوز التى آلت للخلفاء العباسيين ممّن سبقهم . الأمويون آلت اليهم جواهر الأكاسرة وغيرهم ، ثم ورثها العباسيون ، وظل الخلفاء العباسيون يزيدون رصيدهم من الجواهر بإعتبارها ( عُدة الخلافة ) ، يشترون الجواهر من المال السُّحت الذى يجمعه ولاة الصلاة الشيطانية . تولى المقتدر فصار يوزع الجواهر على أتباعه مما أثار رءوس ( الدولة العميقة ) العباسية. يقول ابن الجوزى : ( كان جواهر الأكاسر وغيرهم من الملوك قد صارت إلى بني أمية ،  ثم صارت إلى السفاح ثم إلى المنصور واشترى المهدي الفص المعروف بالجبل بثلثمائة ألف دينار ، واشترى الرشيد جوهره بألف ألف دينار ، ولم يزل الخلفاء يحفظون ذلك إلى أن آلت الخلافة إلى المقتدر ، وهناك ما لم ير مثله ، وفيه الدرة اليتيمة زنتها ثلاثة مثاقيل ، فبسط فيه المقتدر يده ، ووهب بعضه لصافي الحرمي ، ووجه منه إلى وزيره العباس فرده ، وقال‏:‏ " هذا الجوهر عدة الخلافة ولا يصلح أن يفرق . " وكانت زيدان القهرمانة متمكنة من الجوهر فأخذت سبحة لم ير مثلها ، وكان يضرب بها المثل فيقال‏:‏ سبحة زيدان ، فلما وزر علي بن عيسى قال للمقتدر‏:‏ " ما فعلت سبحة جوهر قيمتها ثلاثون ألف دينار أخذت من ابن الجصاص ؟ " فقال‏:‏ " في الخزانة " . فقال‏:‏ " تُطلب" .  فطُلبت ، فلم توجد ، فأخرجه من كمه وقال‏:‏ " إذا كانت خزانة الجوهر لا تحفظ فما الذي يحفظ ؟ " وقال‏:‏ " عُرضت علي فاشتريتها. "  فاشتد ذلك على المقتدر ، ثم امتدت يد الخزانة في أيام القاهر والراضي إلى خزائن الجوهر فلم يبق منه شيء ‏.‏).

أخيرا : الأكاسرة والقياصرة والخلفاء الفاسقون وأعوانهم من ولاة الصلاة جمعوا الأموال وإكتنزوها ثم ماتوا وتركوها. وسيأتون يوم القيامة يحملون أوزارهم على ظهورهم ، منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وكل المستبدين .

 

من إجرام ولاة الصلاة الشيطانية فى مصر العباسية ( 2 )

أولاً:

من بداية الخلافة العباسية إلى سنة 235 هجرية فى خلافة المتوكل على الله العباسى:

فى هذه الفترة واصل الأقباط ثوراتهم على ظلم الولاة العباسيين، وكان الاضطهاد فى أغلبه رسمياً من السلطة الحاكمة التى تريد اعتصار الضرائب بالقسوة، والعنف فلا يجد الأقباط المسالمون طريقة إلا الثورة التى تنتهى بالهزيمة والمذابح.. ونعطى أمثلة سريعة:

1 ـــ  فى سنة 150 هجرية ثار الأقباط فى سخا وطردوا ولاة الضرائب فأرسل لهم العباسيون جيشاً يقوده يزيد بن حاتم، وهاجم الأقباط الجيش ليلاً وقتلوا بعض أفراده وهزموا بعض فصائله، إلا أن الإمدادات العباسية تلاحقت وحاصرت الأقباط وهزمتهم، وامتد الانتقام إلى حرق الكنائس. واضطر الأقباط إلى دفع غرامة قدرها خمسون ألف دينار للوالى العباسى سليمان بن على كى يكف عن حرق الكنائس إلا أنه أبى..يقول المقريزى : (,, فاشتد البلاء على النصارى واحتاجوا إلى أكل الجيف وهُدمت الكنائس المحدثة بمصر فهدمت كنيسة مريم المجاورة لأبي شنودة بمصر وهدمت كنائس محارس قسطنطين فبذل النصارى لسليمان بن علي أمير مصر في تركها خمسين ألف دينار فأبى . )

2 ــ وتولى بعده الوالى موسى بن عيسى العباسى فاستمع إلى نصيحة الأئمة المستنيرين من الفقهاء المشهورين بمصر مثل الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة، وقد أفتوا له بأن بناء الكنائس من عمارة البلد، فأذن الوالى بإعادة بناء الكنائس،..يقول المقريزى : ( فلما ولي بعده موسى بن عيسى أذن لهم في بنائها فبنيت كلها بمشورة الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة قاضي مصر واحتجا بأنّ بناءها من عمارة البلاد.)

3 ــ ولكن ظلت المظالم على حالها. فى سنة 156 هجرية عاد الأقباط للثورة فى بلهيت، فأرسل لهم الوالى موسى بن على جيشاً فهزمهم. يقول المقريزى : (خرج القبط ببلهيت سنة ست وخمسين فبعث إليهم موسى بن عليّ أمير مصر وهزمهم . )

4 ـ وفى الفتنة بين الأمين والمأمون يقول المقريزى : ( .. كانت الفتنة بين الأمين والمأمون فانتُهبت النصارى بالإسكندرية ، وأحرقت لهم مواضع عديدة ، وأحرقت ديارات وادي هبيب ونهبت فلم يبق بها من رهبانها إلاّ نفر قليل‏.‏ )

5 ـ وجاء المأمون لزيارة مصر وأنّب ولاة الصلاة واعتبرهم سبب المظالم والثورات، ومع ذلك كان المأمون أكثر ظلما إذ حارب الثوار من العرب والمصريين الأقباط ، وأنزل عقوبة القتل والسبى بحق الأقباط الثائرين ونسائهم وذريتهم، يقول المقريزى : (  وفي أيامه انتقض القبط في سنة ست عشرة ومائتين فأوقع بهم الإفشين حتى نزلوا على حكم أمير المؤمنين عبد اللّه المأمون فحكم فيهم بقتل الرجال وبيع النساء والذرية فبيعوا وسبى أكثره ). وسنتعرض لهذا فى المقال القادم. لكن يهمنا هنا موضوع الصلاة والتكبير ، إذ صدر أمر الخليفة المأمون لجنوده فى هذا العام 216 بالتكبير فى الصلاة ثلاث تكبيرات ، يذكر ابن الأثير : (  وفيها كتب المأمون إلى أسحاق بن إبراهيم يأمره بأخذ الجند بالتكبير إذا صلوأ،  فبدأ بذلك منتصف رمضان، فقاموا قياما ، وكبروا ثلاثأ،  ثم فعلوا ذلك في كل صلاة مكتوبة.) . هى صلاتهم الشيطانية .!
6 ــ  وكانت ثورة 216 هجرية هى آخر ثورات الأقباط الحربية، وبعدها اتبعوا طريق المقاومة السرية، ونحن ننقل معاناة الأقباط عن المقريزى وهو الذى لا يخفى تعصبه ضد النصارى، يقول فى التعليق على ثورة 216 هجرية وآثارها : ( ومن حينئذ ذلت القبط فى جميع أرض مصر ولم يقدر أحد منهم على الخروج على السلطان، وغلبهم المسلمون على عامة القرى، فرجعوا من المحاربة إلى المكيدة واستعمال المكر والحيلة ومكايدة المسلمين..)

ثانياً: فى عصر الخليفة المتوكل

1 ـ شهد عصر الخليفة المتوكل ظاهرة جديدة هى انتصار الفكر الحنبلى المتشدد وهزيمة الفكر المعتزلى العقلانى، وقد استمال الحنابلة ورواة الأحاديث الخليفة المتوكل إليهم، فجعل ( السُّنّة ) الدين الرسمى ، وارسل دعاتها الى الآفاق ، وبتأثيرهم دخلت الدولة العباسية فى اضطهاد مخالفيها فى المذهب والدين، فحوكم شيوخ التصوف وطورد الشيعة وهدم ضريح الحسين فى كربلاء، وصدرت قرارات لاضطهاد اليهود والنصارى، وانتشرت الروايات والفتاوى التى تضع الإطار التشريعى لتلك الممارسات، ومنها الحديث المشهور "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده..." ذلك الحديث الزائف الذى أثبتنا كذبه فى مقالة بجريدة الأحرار من حوالى ربع قرن ، والذى يعتبر الدستور العملى للتطرف حتى الآن..

2 ـ ترتب على هذا أن :

2 / 1 : اصبح إضطهاد الأقباط والمخالفين فى الدين والمذهب دينا أرضيا وفريضة تدعو اليها الأحاديث والفتاوى .

2 / 2 :  انتقل الاضطهاد للأقباط من دائرة الحكم والسياسة إلى الشارع والعوام، وساعدت الروايات والفتاوى وجهود الفقهاء والقصاصين وأهل الحديث فى شحن الأفراد العاديين بالكراهية ضد مخالفيهم فى المذهب سواء كانوا صوفية أو شيعة أو كانوا مخالفين لهم فى الدين أى من اليهود أو من النصارى.. وبالتالى تحول الاضطهاد الرسمى العنصرى للأقباط إلى اضطهاد دينى يشارك فيه المصرى المسلم ضد أخيه المصرى القبطى..

3 ـ وبمرور الزمن تعاظم تأثير تلك الروايات والفتاوى وأصبحت ركائز دينية تفرق بين أبناء الشعب الواحد وتباعد بينهم وبين الدين الحق الذى نزل على خاتم الأنبياء عليهم السلام. والمؤسف أن المسلم اليوم - إذا أراد أن يتدين - يجد أمامه كتابات اولئك الأئمة فيما يعرف الآن بكتب الفقه والسنن وقد احتوت على تلك الروايات والفتاوى فيأخذها عنهم كأنها الدين الحق ويصدق نسبتها الكاذبة للنبى محمد ، مع انها – أى تلك الأحاديث – قد كتبوها ونسبوها للنبى بعد موته بأكثر من قرنين من الزمان عبر اسناد شفهى مضحك. الا أن المسلم اليوم يصدق هذه الأحاديث المفتراة ويعتقد أن النبى محمدا عليه السلام قد قالها فعلا ، وعلى أساسها يعتقد أن كراهية المخالفين فى المذهب والاعتقاد من معالم الدين حتى لو كانوا من المسالمين الصابرين. والدليل على ذلك ما نراه فى عصرنا الراهن من اضطهاد للأقباط مع علو لنفوذ التيار الحنبلى السلفى والذى استعادته الدولة السعودية عبر مذهبها الوهابى وأصبح من علاماته التطرف والتعصب والانغلاق واضطهاد المخالفين والحكم بتكفيرهم وما يترتب على التكفير من سفك للدماء واستحلال للأموال..

أعاد ذلك لعصرنا الراهن ما ساد فى عصر الخليفة المتوكل العباسى من سطوة الفقهاء المتزمتين الذين سموا أنفسهم بأهل السنة واستمرت سطوتهم فى عصر من جاء بعده من الخلفاء حتى أصبحت سياسة متبعة . ثم اعاد التطرف الوهابى والنفوذ السعودى هذا التراث حيا فى عصرنا.وليس غريباً بعدها أن نعرف أن أئمة الحديث المشهورين عاشوا تلك الفترة من ابن حنبل إلى البخارى ومسلم والحاكم وغيرهم ،وقد أصبحوا الآن فى عصرنا آلهة منزهة عن الخطأ ومن يناقشهم - معتبرا اياهم بشرا يخطئون ويصيبون – يكون مصيره الاتهام بالكفر وإنكار السنة.!!

4 ــ ونعود إلى الروايات التاريخية فى سردها للتطور الجديد فى اضطهاد الأقباط فى هذه الفترة.

4 / 1 : فى سنة 235 هجرية أصدر الخليفة المتوكل مرسوماً يهدف إلى تحقير (أهل الذمة) فى كل الامبراطورية العباسية، وذلك بإلزامهم بارتداء زى معين ومظهر معين، مع هدم الكنائس الجديدة وتحصيل الضرائب والعشور من منازلهم وأن يجعل على أبواب بيوتهم صوراً للشياطين، ونهى المرسوم عن توظيفهم وتعليمهم عند المسلمين، وتسوية قبورهم بالأرض وألا يحملوا الصليب فى أعيادهم وألا يشعلوا المصابيح فى احتفالاتهم وألا يركبوا الخيول.. وقد طبق الولاة ذلك على أقباط مصر وأصبحت سنة متبعة.

4 / 2 : يذكرها ابن الأثير فى أحداث عام 235 . يقول ابن الأثير فى تاريخه ( الكامل ) : ( وفي هذه السنة أمر المتوكل أهل الذمة بلبس الطيالسة العسلية، وشد الزنانير، وركوب السروج بالركب الخشب، وعمل كرتين في مخر السروج، وعمل رقعتين على لباس مماليكهم مخالفتين لون الثوب، كل واحدة منهما قدر أربع أصابع، ولون كل واحدة منهما غير لون الأخرى، ومن خرج من نسائهم تلبس إزاراً عسليأن ومنعهم من لباس المناطق، وأمر بهدم بيعهم ( كنائسهم ) المحدثة، وبأخذ العشر من منازلهم، وأن يجعل على أبواب دورهم صور شياطين من خشب، ونهى أن يستعان بهم في أعمال السلطان، ولا يعلمهم مسلم، وأن يظهروا في شعانينهم صليبأن وأن يستعملوه في الطريق، وأمر بتسوية قبورهم مع الأرض، وكتب في ذلك إلى الآفاق.)

4 / 3 : وذكرها ابن الجوزى فى أحداث عام 239 ، يقول : (  ثم دخلت سنة تسع وثلاثين ومائتين ،

فمن الحوادث فيها‏:‏ أخذ المتوكل أهل الذمة بلبس رقعتين عسليتين على الأقبية والدراريع وكان ذلك في المحرم ، وأن تصنع النساء مقانعهن عسليات ، ثم أمر في صفر بأن يقتصروا في مراكبهم على ركوب البغال والحمير دون الخيل والبراذين ‏. )

4 / 4 : ويذكرها المقريزى فى ( الخطط ) فى عام 235 . يقول : ( ..وفي أيامه أمر المتوكل على الله في سنة خمس وثلاثين ومائتين أهل الذمّة بلبس الطيالسة العسلية وشد الزنانير وركوب السروج بالركب الخشب وعمل كرتين في مؤخر السرج وعمل رقعتين على لباس رجالهم تخالفان لون الثوب قدر كلّ واحدة منهما أربع أصابع ولون كلّ واحدة منهما غير لون الأخرى ومن خرج من نسائهم تلبس إزارًا عسليًا ومنعهم من لباس المناطق وأمر بهدم بيعهم المحدثة وبأخذ العشر من منازلهم وأن يجعل على أبواب دورهم صور شياطين من خشب ونهى أن يستعان بهم في أعمال السلطان ولا يعلمهم مسلم ونهى أن يظهروا في شعانينهم صليبًا وأن لا يشعلوا في الطريق نارًا وأمر بتسوية قبورهم مع الأرض . وكتب بذلك إلى الآفاق .  ثم أمر في سنة تسع وثلاثين أهل الذمّة بلبس دراعتين عسليتين على الذراريع والأقبية وبالاقتصار في مراكبهم على ركوب البغال والحمير دون الخيل والبراذين‏.‏ ).

5 ـ ومفهوم تلك القرارات أن يشارك الناس فى إلزام الأقباط بها، ومن هنا بدأ انغماس العوام فى اضطهاد الأقباط.. وتعلموا أن ذلك يعنى إظهار الإخلاص للإسلام، وانتقل ذلك الفهم الخاطىء لبعض الولاة المتدينين مثل أحمد بن طولون الذى استقل بمصر ذاتياً فى إطار الخلافة العباسية، وكان معروفاً بتدينه وجرأته على سفك الدماء لصالح سلطانه، ولم يكن الأقباط يشكلون خطراً على نفوذه، بل كان يستعين بهم فى دواوينه وأعماله ومع ذلك فقد قام بعمليات اضطهاد ضد الأقباط كأفراد ومنشآت دينية.. ولم تكن له فيها دوافع سياسية، مما يرجح أن دوافعه كانت دينية نتيجة تأثره بالفكر السلفى السنى السائد، وقد كان معروفاً بإخلاصه لذلك الفكر. والمقريزى يذكر أن أحمد بن طولون ألزم البطرك ميخائيل بدفع غرامة قدرها عشرون ألف دينار واضطره لبيع أوقاف الكنيسة، وفرض ابن طولون ضرائب جديدة على الأقباط..

6 ـ وحدث سنة 300 هجرية إحراق كنيسة القيامة فى الإسكندرية..

7 ـ وبعد انتهاء الدولة الطولونية اشتد الوالى ابن الجراح على الأقباط وألزم الرهبان بدفع الجزية فاستغاثوا بالخليفة العباسى المقتدر فأمر برفع الجزية عنهم اكتفاء بما دفعه عامة الأقباط.

8 ـ وأقام محمد بن طغج دولته الأخشيدية بمصر فأرسل فرقة من جيشه إلى مدينة تنيس على ساحل المتوسط فى سيناء فصادر ما فى الكنيسة الملكية بها.

9 ـ أصبح إضطهاد الأقباط شريعة دينية بما إقترفه الخليفة المتوكل ( على الله ) ، وبما إفتراه الحنابلة من أحاديث ، وخصوصا حديث ( من رأى منكم منكرا فليغيره ) ، وقد إعتبروا بيوت العبادة لمخالفيهم فى الدين والمذهب منكرا يجب إزالته.

 

من إجرام ولاة الصلاة الشيطانية فى مصر العباسية ( 3 )

أولا : سكن الأعراب فى مصر

1 ـ عمل الأمويون علي نقل بعض القبائل القيسية إلي مصر في شرق الدلتا أو ما كان يعرف بالحوف الشرقي وهو المنطقة بين الأرض الزراعية في الدلتا وشبه جزيرة سيناء وتحتلها الآن محافظات الشرقية والدقهلية والقليوبية والسويس والإسماعيلية وبورسعيد . وقبل خلافة هشام بن عبد الملك لم يكن من قبائل  قيس بمصر إلا بعض البيوت من قبيلتي فهم وعدوان ، ثم وفد ابن الحبحاب علي الخليفة هشام بن عبد الملك وسأله أن ينقل إلي مصر بعض قبائل أخري من قيس ، وكان ذلك في ولاية الوليد بن رفاعة علي مصر ، فأذن هشام في أن  يهاجر إلي مصر ثلاثة آلاف من قبائل قيس وأن يحول ديوانهم إلي مصر بشرط ألا ينزلوا الفسطاط عاصمة الحكم وقتها . ونزلت قيس بالمنطقة ، جاءوا من البادية العربية إلي بلبيس وما حولها ، وكان منهم مائة بيت من بني نضر ومائة بيت من بني سليم ، واستوطنوا المنطقة الزراعية القريبة من صحراء بلبيس وباشروا زراعتها ، وقاموا بتحصيل الصدقات والزكاة لصالح الدولة الأموية ، وكانوا يحملونها علي الإبل إلي الدلتا إلي ما يعرف بميناء السويس الآن ، وكان الرجل منهم يتكسب في نقل المحاصيل هذه أكثر من عشرة دنانير في الشهر .

2 ــ   ثم سمحت لهم السلطات بشراء الخيول والاتجار فيها فأثروا من تربية الخيول بسبب جودة المرعي واتساع الصحراء لنشاطها ، وكان أحدهم يشتري المُهر فلا يلبث المُهر عنده شهرا حتى يصلح  للركوب . وازداد ثراؤهم ووصلت الأخبار إلي أقاربهم من قيس في الجزيرة العربية فنزح إليهم خمسمائة بيت ، وبعدها بعام واحد جاء خمسمائة بيت آخر فصار في بلبيس وحدها ألف وخمسمائة بيت من قبائل قيس .

3 ــ وفي خلافة مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية كان واليه علي مصر الحوثرة بن سهيل الباهلي ، وقد مالت إليه قبائل قيس فتوافد علي مصر في عهده عناصر كثيرة ، حتى أصبح عددهم حينئذ أكثر من ثلاثة آلاف بيت . وحينئذ أصبح تركز القيسيين في شرق الدلتا ظاهرة تاريخية وسياسية لأنهم أثاروا القلاقل للدولة العباسية .

ثانيا : جاءت الدولة العباسية بسياسة جديدة ، وهى :

1 ـ احتلال الفرس موقع الصدارة ، ولم يرض العرب في بغداد وغيرها عن ذلك ، وحدث نوع من التوتر بين أعراب قيس الذين استوطنوا الحوف الشرقي وبين ولاة الصلاة العباسية في مصر ، تلك السلطات التي تركت الفسطاط وأقامت عاصمة جديدة هي العسكر .

2 ـ  وفرضت زيادة جديدة في الضرائب سنة 178 وهي زيادة أجحفت بالمزارعين الأقباط المصريين والأعراب معا ، مما ادى الى ثورة الأعراب . مثلا :

2 / 1 : كان الوالى على الصلاة فى مصر هو إسحاق بن سليمان بن علي العباسي ، وقد فرض زيادة فى الخراج ، فثار أعراب قيس علي تلك الزيادة وجمعوا فرسانهم وأقاموا لهم عسكرا منع تحصيل الضرائب ، فبعث إليهم الوالي العباسي جيشا لم يستطع إخماد ثورتهم ، فأرسل إلي هارون الرشيد يطلب المدد فأرسل  له بجيش هائل يقوده هرثمة بن أعين ، ونزل ذلك الجيش الحوف الشرقي فأخاف القيسيين وأذعنوا ودفعوا الخراج كله .

 2 / 2  ـ ثم أرسل الوالي العباسي رجالا يقيسون الأرض الزراعية ، ولم يعجب عملهم عرب قيس في الحوف الشرقي واتهموهم بعدم الأمانة في القياس ، واشتكوا إلي الوالي وهو الليث ابن الفضل البيودي فلم يهتم بهم . فجمعوا فرسانهم وساروا إلي الفسطاط والعسكر حيث يقيم الوالي ، فخرج إليهم الوالي في شعبان سنة 186 في أربعة آلاف جندي ، فالتقي معهم في معركة طاحنة في رمضان ومع أن جنوده انهزموا وتركوه في 12 رمضان إلا أنه  ثبت مع نحو المائتين من جنوده حتى هزم القيسيين وطاردوهم إلي غيتة ، وهي قرية بجوار بلبيس . وبعد هذا الانتصار بعث الوالي إلي بغداد بثمانين من رؤوس أكابر القيسيين ، ورجع إلي عاصمته .

2 / 3 : إلا أن تلك الهزيمة المنكرة لم تخضع القيسيين بل أثارت فيهم نزعة الثأر والانتقام فعادوا إلي منع الخراج ، وخشي الوالي أن يخسر أمامهم الجولة التالية ، فسافر بنفسه إلي بغداد في محرم سنة 187 ، وطلب من هارون الرشيد أن يزوده بجيش قوي لأنه لا يستطيع تحصيل الخراج من الحوف الشرقي إلا بقوة الجيش . وكان حاضرا محفوظ بن سليم ذلك المجلس ، فضمن للرشيد خراج مصر عن آخره بلا سوط ولا عصا ، فولاه الخراج وعزل الوالي ليث بن الفضل ..

2 / 4  ــ  مع الزيادة المطردة فى الضرائب إنضم الى قبائل قيس قبائل عربية أخرى تعيش فى مصر ، وإستمر الصراع حتى عصر المأمون ، حين تحالف الأقباط المصريون مع الأعراب ضد ظلم ولاة الصلاة العباسيين .  وأعلن الجميع الثورة العامة وخلعوا طاعة العباسيين في الدلتا كلها وفي صعيد مصر وطردوا الموظفين العباسيين.

 3 ـ وفى الدولة العباسية كان الخليفة يريح نفسه بأن يعين والى الصلاة على أن يورّد للخليفة مبلغا معينا كل عام ، ويترك له أن يحصّل أضعاف هذا المبلغ من المصريين كيف شاء . وفى احداث عام 205  تقول الرواية ( ومات نائب مصر السري بن الحكم بها، ونائب السند داود بن يزيد، فولى مكانه بشر بن داود على أن يحمل إليه في كل سنة ألف ألف درهم ) أى تم تعيين الوالى على ( الهند / السند ) مقابل دفع مبلغ مليون درهم سنويا ، وليس مهما كيف يجمعها أو المقدار الذى يجمعه .

4 ـ يضاف الى هذا ذلك التبذير الهائل فى هذا المال الذى يجمعونه بالسُّحت وبالقهر . وتجلى هذا فى عصر المأمون بالذات . ونعطى بعض أمثلة :

4 / 1 :وزعوا الأموال والضياع والجواهر فى زفاف المامون / بوران بنت الحسن بن سهل . ومدح الشعراء والمؤرخون المأمون ووصفوه بالكرم الزائد ، دون أن يتساءلوا عن مصدر هذه الأموال وكيف جىء بها اليه . ودائما يكون المستفيدون بهذا السخاء الشعراء والمنافقون والقواد .

4 / 2  ومدحوا عبد الله بن طاهر قائد المأمون وواليه على مصر بالسخاء . ونعطى أمثلة :

4 / 2 / 1 : فى أحداث عام  206‏ ، يقول أحد الرواة (  لما افتتح عبد الله بن طاهر مُضْر ونحن معه سوَّغه المأمون خراجها سنة ) أى منحه خراج مصر عاما بأكمله . تقول الرواية : ( فصعد المنبر فلم ينزل حتى أجاز بها كلها. ) أى فرق أيراد مصر كله على أصحابه وهو على المنبر.

4 / 2 / 2 :  وفى الحرب عام  210 بين عبد الله بن طاهر و عبيد الله بن السرى المتغلب على مصر إنهزم عبيد الله بن السرى وتحصن بالفسطاط ، تقول الرواية ( ودخل الفسطاط منهزمًا فأغلق على نفسه وأصحابه الباب ، فحاصره ابن طاهر ، فبعث إليه ليلًا ألف وصيف وألف وصيفة مع كل وصيف ألف دينار في كيس حرير .. ) . الوصيف والوصيفة ( رقيق من الذكور والاناث ) ومعهم مليون دينار ..!!

4 / 2 / 3  : (  موت طلحة بن طاهر بخراسان فولَى المأمون أخاه أبا إسحاق الشام ومصر وولى ابنه العباس بن المأمون الجزيرة والثغور والعواصم ، وأمر لهما ولعبد الله بن طاهر لكل منهم بخمسمائة ألف دينار . ) أى نصف مليون دينار لكل منهم .!

أدى هذا الى الثورة الكبرى على المأمون والتى إشترك فيها المصريون والأعراب معا.

ثالثا : الثورة المصرية على المأمون

1  ــ استمرت المعارك فيها سجالا منذ بداية الثورة في جمادي الأولي عام 216 إلي 10 محرم عام 217 حتى جاء الخليفة العباسي المأمون بنفسه وأخمد الثورة  . 

2 ـ وتُطلق المراجع القبطية على هؤلاء الثوار المصريين لقب ( البشموريين ) وتقول انهم كانوا يسكنون شمال الدلتا فى المنطقة الرملية الساحلية بين فرعي دمياط ورشيد ، ويعملون في إنتاج ورق البردي الذي كان العالم كله في ذلك الوقت يستخدمه لتسجيل علومه ومعارفه وفى مختلف أنشطه حياته اليومية..

ثاروا ضد الظلم أيام عيسى بن منصور الوالى  العباسى من زياده ظلم جباة الخراج (الضرائب) ومضاعفة الجزية ،وقد قاموا بطرد عمال الدولة ورفضوا دفع  الجزية. ارسل المأمون قائده الافشين بحربهم ، وفشل الافشين بسبب مناعة منطقتهم التى تحيط بها قنوات المياه ، وجهل جنود الافشين بالطرق والمسالك ، فكان البشموريون يتبعون حرب العصابات يختطفون جنود العدو ويقتلونهم على حين غفلة .

وبهزيمة الافشين جاء المأمون بنفسه ، وصحب معه إلى مصر البطرك ديونوسيوس بطرك إنطاكية واستعان به وببطرك الأقباط الأنبا يوساب، لإخماد ثورة البشموريين، وساعدوه بفرقة من خبراء الطرق والمسالك حتى تمكن من الانتصار على البشموريين .

وأحرق جيش المأمون بيوت البشموريين ، ولما رأى المأمون كثرة القتلى أمر جنوده بأن يتوقفوا عن قتلهم، ثم أرسلهم في طلب رؤسائهم وأمرهم أن يغادروا بلادهم . وسافروا على سفن إلى أنطاكية حيث أرسلوا إلى بغداد ، وكان يبلغ عددهم ثلاثة آلاف، مات معظمهم في الطريق.  أما الذين أسروا في أثناء القتال فقد سيقوا كعبيد  ، وبلغ عدد هؤلاء خمسمائة، فأرسلوا إلى دمشق وبيعوا هناك .

الخاتمة :

هذا ما فعله المأمون مع الثوار الأحرار ، وهو الذى أمر جنوده بزيادة التكبير فى الصلاة ، والذى كان يتفاخر بمدى حلمه وصفحه وتسامحه.

ألا لعنة الله جل وعلا عليهم أجمعين.!! 

 

 

 

 

 

الفصل الثامن عشر : الصلاة الشيطانية للخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله

الصلاة الشيطانية للخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله  ( 1 )

مقدمة

1 ـ إستولى جوهر الصقلى على مصر بسهولة واسس مدينة القاهرة والجامع الأزهر عام 358  هجرية 972 ميلادية  ، وإستمرت الدولة الفاطمية حتى أسقطها صلاح الدين الأيوبى بسهولة أيضا عام  567 هجرية / 1171 ميلادية .

2 ـ فيما يخص موضوعنا عن الصلاة الشيطانية للخلفاء الفاسقين الفاطميين نكتفى بالتركيز على ( الحاكم بأمر الله ). لا نراه مجنونا كما يتهمه المؤرخون ، ولكن نراه خليفة فاطميا صريحا لا يؤمن بالتقية الشيعية ، بل يمارس ما يراه حقا له ، كخليفة شيعى له أن يقتل من يشاء وأن يصدر من التشريعات ما يهوى حتى لو إستغرب الناس ، ثم هو الذى كشف المستور ، وهو تأليه الامام الشيعى فأعلن الألوهية . فى كل هذا أظهر خفايا دينه الشيعى وهتك أستاره . ساعدته ظروفه على هذا ، إذ تشرّب الحاكم هذا من بيئته الفاطمية ، وتولى الحكم صغيرا ، وتحت رعاية أخته الكبرى ست الملك . ثم تمرد عليها وإنطلق يتصرف  بلا تقية يطبق شريعته بهواه يقتل ويصدر التشريعات المضحكة ، وأحسّت أخته ست الملك بالخطر فقتلته غيلة.

3 ـ ونبدأ ببعض التفصيلات :

أولا :

الحاكم بأمر اللهوأخته ست الملك

1 ـ حكم الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله مصر والشام وأجزاء من العراق مع الحجاز وشمال أفريقيا في المدة ما بين (386ـ 411) هـ الموافق (996 ـ 1020م) . كان الحاكم في الحادية عشرة من عمره حين تولى الخلافة في يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من رمضان سنة 386هـ . وقع الحاكم تحت سيطرة ابن عمار ، ولم تتحمل ست الملك ذلك الوضع فتآمرت مع أخيها الصغير ( الحاكم ) على عزل ابن عمار . وكانت ست الملك تشارك أخاها سعادته ظناً منها أن خادمهم برجوان سيكون أفضل من ابن عمار .وأهدت ست الملك أخاها الخليفة ثلاثين فرساً مرصعة بالذهب والبللور وعشرين بغلة وخمسين خادماً ومائة تخت ثياب وتاجاً مرصعاً وأدوات ثمينة وتحفة فنية عبارة عن بستان من فضة مليء بالأشجار ، وذلك ابتهاجاً بالنصر .ولكن أفراح الحاكم وأخته لم تطل ، إذ ما لبث أن استبد برجوان الخادم بالأمر بعد أن كون لنفسه حرساً خاصاً وعقد صلحاً مع خصومه السابقين ومنهم ابن عمار في مقابل اعترافهم بسلطانه، وبعد أن تمكن له الأمر أصبح برجوان الخادم السابق يستخفّ بالخليفة ويسيء معاملته وينهب الأموال حتى بلغت ثروته أكثر من مائتي مليون دينار وخمسين أردباً من الدراهم والفضة واثني عشر صندوقاً من الجواهر بالإضافة إلى الممتلكات العينية . وفي غمرة فساده وطغيانه نسي برجوان أن الخليفة الصبي أصبح شاباً وأن أخته ست الملك معه تخطط له ، وفي النهاية نجح التخطيط فاستدعى الخليفة خادمه برجوان وقتله. ولا تزال إحدى حارات القاهرة تحمل اسم برجوان.

2 ـ بعد التخلص من برجوان إنفرد الحاكم بالأمر ، وبالتالى بدأت الجفوة بينه وبين أخته. ولسنا فى مجال التفصيل ، فقد كتبنا فى هذا فى مقالا بعنوان ( لغز الحاكم بأمر الله وست الملك ) فى ( دراسات تاريخية ). إنتهى الصراع بأن خططت ست الملك لإغتيال أخيها وبعد قتله عينت إبنه الظاهر خليفة.  وتمت البيعة للخليفة الظاهر الفاطمي إبن الخليفة الحاكم في يوم الأضحى سنة 411هــ ، وكان عمره وقتها ست عشرة سنة وثلاثة أشهر ، وعمته ( ست الملك ) هي التي ألبسته تاج الخلافة المرصع بالجواهر وجعلت على رأسه مظلة مرصعة وأركبته فرساً رائعاً بمركب ذهب مرصع بالجواهر ، وأخرجت بين يديه الوزير وكبار الدولة ، فلما تقدم الموكب هتف الوزير في الناس : يا عبيد الدولة مولاتنا ست الملك تقول لكم هذا مولاكم أمير المؤمنين فسلموا عليه ، فارتمى ابن دوَّاس بين يديه يقبل الأرض وتتابع بعده القواد والزعماء يعطونه العهد والميثاق ، وهمس أحد الغلمان قائلاً : لا أبايع حتى أعرف خبر مولاي الحاكم ، فأخذوه لوقته وغرقوه في النيل ، فارتعب الجميع ، وتم الأمر لست الملك والخليفة الصغير الذي ليس له من الأمر شيء..

ثانيا : أخذ الحالكم عن أسلافه الصلاة الشيطانية

1 ـ ونعنى بها كما سبق ـ تادية الصلاة وسيلة للظلم وسفك الدماء والسلب والنهب والفساد والاستبداد. وأهم مظهر لهذا هو المسجد ، وتأدية الصلاة . وقد كان المسجد والخطبة فيه تعنى الاعتراف بالخليفة . لذا قيل عن الحاكم (خُطب له على منابر مصر والشام وإفريقية‏.‏). أنشأ جوهر الصقلى القاهرة والجامع الأزهر ليكون القاعدة الدينية للخلافة الفاطمية. وجاء الحاكم فزاد أو زايد على جده بإنشاء ( جامع الحاكم ) و ( جامع راشدة ) .

2 ـ كان المؤرخون يذكرون خطبة الخليفة الفاطمى كأحد أنشطته السياسية الرسمية ،ونتعرف على رسوم وطقوس الصلاة والخطبة للخليفة الفاطمى فى صلاة الجمعة والعيدين مما كتبه المقريزى فى تاريخه :( إتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء ) :

2 / 1 : عن الخليفة المعز لدين الله الفاطمى ثالث الخلفاء الفاطميين وأول الخلفاء الفاطميين فى مصر قال المقريزى : ( وفي يوم عيد الفطر ركب المعز وصلى بالناس على رسمه وخطب‏.‏) (على رسمه :أى طبقا للنظم الرسمية للدولة ) .وتكرر هذا : ( وصلى المعز صلاة العيد وخطب على الرسم الذي تقدم ذكره وانصرف إلى القصر فأطعم على الناس‏.‏)

2 / 2 وعن ابنه الخليفة العزيز بالله قال :  ( عام 378  وفي يوم الجمعة عشرة شهر رمضان ركب العزيز إلى جامع القاهرة بالمظلة فخطب وصلى‏.) أى كان يسير بمظلة  ( شمسية ) فوقه ، ضمن شعائر الصلاة والخطبة . وجامع القاهرة هو الجامع الأزهر .

3 ـ وذكر المؤرخ ابن زولاق أنه صلى الجمعة خلف الخليفة المعز لدين الله الفاطمى ، قال : (‏ أنا سبحت خلفه في كل ركعة وفي كل سجدة نيفاً وثلاثين تسبيحة ، وكان القاضي النعمان بن محمد يبلغ عنه التكبير . وقرأ في الثانية بأم الكتاب وسورة والضحى ، ثم كبر أيضاً بعد القراءة ، وهي صلاة جده علي بن أبي طالب ، وأطال أيضاً في الثانية الركوع والسجود . وأنا سبحت خلفه نيفا وثلاثين تسبيحة في كل ركعة وفي كل سجدة ، وجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في كل،  فلما فرغ من الصلاة صعد المنبر وسلم على الناس يمينا وشمالا ، ثم نشر البندين اللذين كانا على المنبر فخطب وراءهما ، وكان في أعلى درجة من المنبر وسادة ديباج مثقل فجلس عليها بين الخطبتين ، واستفتح الخطبة ببسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ وكان معه على المنبر جوهر وعمار بن جعفر وشفيع صاحب المظلة ثم قال‏:‏ الله أكبر الله أكبر استفتح بذلك وخطب وأبلغ وأبكى الناس وكانت خطبته بخضوع وخشوع‏.‏ فلما فرغ من خطبته انصرف في عساكره وخلفه أولاده الأربعة بالجواشن والخوذ على الخيل بأحسن زي وساروا بين يديه بالفيلين‏.‏) . هنا طقوس فى الخطبة وهو على المنبر ، وهناك القائم بالمظلة أو الشمسية ، واسمه شفيع . وموكب فى دخوله الجامع الأزهر وموكب فى رجوعه القصر ( قصر الذهب ) . ومع أن الحاكم تولى الخلافة صبيا فقد كان يحرص على الصلاة والخطبة بنفسه ، كما سيأتى .

ثالثا :

جذور زعمه الألوهية فى تاريخ اسلافه .

1 ـ المعز الفاطمي هو الذي مدحه الشاعر ابن هانيء الاندلسي بقصيدة أولها

ما شئت لا ما شاءت الأقدار                فاحكم فأنت الواحد القــهار

ويقول فيه :

وإذا تمثل راكبا في موكب                  عاينت تحت ركابه جبريلا

هذا ما ذكره السيوطى فى تأريخه للقاهرة فى الجزء الأول من كتابه ( حُسن المحاضرة )

وهو ما قاله دُعاة تأليه الحاكم . تقول الرواية  : (  وكان دعاته إذا ركب يقولون‏:‏ السلام عليك يا واحد يا أحد ، " ويغلونفيه الغلُو المفرط‏.‏ )

2 ـ  وكان على رأس الدعاة لتأليه الحاكم بأمر الله حمزة والدرزي وخوتكين. وقد ثار الكثيرون على دعوة تأليه الحاكم فقتلوا خوتكين وبعض أتباعه, فهرب الدرزي وحمزة إلى بلاد الشام حيث نشرا هذه العقائد بين قبائل كلب وأوجدا فرقة الدروز في سورية ولبنان وشمال فلسطين  .

2 / 1 :  تقول الروايات عن الحاكم : (  وكان له سعي في إظهار كلمته فبعث دعاته إلى خراسان ، وأقامفيها مذهب الشيعة واستجاب له عالم . وكان أبو عبد الله أنوشتكين النجري الدرزي أول رجل تكلم بدعوته ، وأمر برفع ما جاء به الشرع ، وسير مذهبه إلى بلاد الشام والساحل ، ولهم مذهب في كتمان السر لا يطلعون عليه من ليس منهم‏.‏  وكان الدرزي يبيح البنات والأمهات والأخوات‏.‏  فقام الناس عليه بمصر وقتلوه ، فقتل الحاكم به سبعين رجلا‏.‏  وأنفذ الدرزي إلى الحجر الأسود برجل ضربه وكسره ، وادعى الربوبية‏.‏ وقدم رجل يقال له يحيى اللباد ويعرف بالزوزني الأخرم فساعده على ذلك ونشط جماعة على الخروج عن الشريعة‏.‏ وركب  يوما ..  في خمسين رجلا من أصحابه إلى مصر ، ودخل الجامع بدابته ، وأصحابه كذلك ، فسلم إلى القاضي رقعة فيها‏:‏ باسم الحاكم الرحمن الرحيم ، فأنكر القاضي ذلك ، وثار الناس بهم وقتلوهم وشاع هذا في الناس فلعنوه‏.‏ )

2 / 2 : وتقول رواية أخرى عن الحاكم : ( خرج يوما وعليه قباء أطلس وفي وسطه سيف فخلع القباءوقال‏:‏ هذا الظاهر قد خلعته ثم جرد السيف وقال‏:‏ هذا الباطن قد سللته‏.‏ ). فى دين التشيع يوجد ظاهر و باطن. الظاهر هو التمسك الظاهرى بالاسلام أو على حد قولهم ( ظاهر الشرع )، اما الباطن فهو تأليه الأئمة والعقائد الشيعية. والحاكم فى هذه الرواية ينكر الظاهر ويعلن الباطن المستور.

2 / 3 : وتقول رواية أخرى عنه : ( ..فأمر الرعية إذا ذكره الخطيب على المنبر أن يقوموا على أقدامهم صفوفا إعظاما لذكره .. فكان يفعل ذلك في سائر ممالكه حتى في الحرمين الشريفين .. ثم زاد ظلم الحاكم وعن له أن يدعي الربوبية فصار قوم من الجمال إذا رأوه يقولون: يا واحد يا أحد يا محي يا مميت).

أى إن الحاكم لا يأتى بجديد .

ما قاله ابن هانيء الاندلسي فى جده المعز لدين الله :

ما شئت لا ما شاءت الأقدار                فاحكم فأنت الواحد القــهار

قاله الحاكم عن نفسه وأمر الناس بقوله.

الفارق هو فى ( الظاهر المنافق ) والباطن المستور. والحاكم أعلن ما كان يستره أسلافه من الخلفاء الفاطميين الفاسقين. 

3 ـ  حتى رد الفعل المستنكر من المصريين كان واحدا ، وبما هو معروف عنهم من سخرية ظريفة يواجهون بها ما لا يحبون.

3 / 1 : فى مواجهة زعم المعز الفاطمى ثم إبنه العزيز علم الغيب صعد العزيز المنبر ليخطب كالعادة فوجد فيها ( بطاقة ) أى ورقة مكتوبا فيها :  

بالظلم و  الجور قد  رضينا  وليس بالكفر والحماقة

أن كنت قد أعطيت علم غيب         فقل لنا كاتب البطاقة 

3 / 2 : وكانت السخرية بالحكم أدهى وأمر وعلى رءوس الأشهاد فى موضوع علم الغيب بالذات ، وقد أتعبوه  بسخريتهم وتندرهم به في أوراق كانت تكتب له في صورة قصص أى شكاوى  ، يقول السيوطى : ( حتى عملوا صورة امرأة من ورق بخفها وإزارها في يدها قصة (أي عريضة شكوى ) فيها من الشتم شيء كثير ، فلما رآها ظنها امرأة فذهب من ناحيتها ، وأخذ القصة من يدها ، فلما رأي ما فيها غضب وأمر بقتلها ، فلما تحققها من ورق أزداد غضبا إلى غضبه ، وأمر العبيد من السودان أن يحرقوا مصر وينهبوا ما فيها من الأموال والحريم ، ففعلوا وقاتلهم أهل مصر قتالا عظيما ثلاثة أيام  ).!.

رابعا :

الحاكم أفرط فى سفك الدماء تعبيرا عن حق الإمام الشيعى فى قتل من يشاء

1 ـ  تحبّب جده المعز وابوه العزيز الى المصريين والأقباط ليستعينوا بهم ضد العرب والسنيين فى مصر من أتباع العباسيين . لذا دخل المصريون أفواجا فى الدين الشيعى ، فرأى الحاكم أن الوقت قد حان ليطبق التشريع الشيعى علنا وصراحة ، فأفرط فى سفك الدماء ، فلم يسلم منه القادة أو غيرهم . ونرى أن إفراطه فى سفك الدماء لا ينفصل عن لقبه ( الحاكم بأمر الله ) ولا عن دينه الشيعى الذى يؤله الأئمة ، وان لهم حق قتل من يشاءون بلا تبرير وبلا سبب .

2 ـ قالوا عن الحاكم : ( وكانالحاكم شديد السطوة عظيم الهيبة جريئا على سفك الدماء‏.‏.. ) ( وكان مهاباً عند أهل مملكته... ) (ووقف رجل للحاكم فصاح عليه فمات لوقته‏.‏ )

3 ـ إفراطه فى عموم القتل للجميع جاءت به الروايات ، ومنها : ( وعمّ بالقتل بين وزير وكاتب وقاض وطبيب وشاعر ونحوي ومغن ومختاروصاحب ستر وحمامي وطباخ وابن عم وصاحب حرب وصاحب خبر ويهودي ونصراني ، وقطع حتى أيدي الجواري في قصره‏.‏ وكان في مدته القتل والغيلة حتى على الوزراء وأعيان الدولة يخرج عليهم من يقتلهم ويجرحهم‏.‏ وخطفت العمائم جهاراً بالنهار وكان لعبيد الشراء في مدته مصائب وخطوب في الناس‏.‏ وكان المقتول ربما جُرّ في الأسواق  .!‏.‏ )

4 ـ وكان يمارس القتل بنفسه وبلا سبب، تطبيقا لحقّه الشرعى فى دينه الشيعى .

4 / 1 :  تقول الرواية عنه : ( وقتل الحاكم ركابيا له بحربة في يده على باب جامع عمرو بن العاص وشقبطنه بيده‏.‏)

4 / 2 : وتأتى رواية أخرى بالتفصيل : ( وفي يوم استدعى الحاكم أحد الركابية السودان المصطنعة ليحضر إلىحانوت ابن الأزرق الشواء ، فوقفه بين اثنين ، ورماه برمح ثم أضجعه ، واستدعى سكينا فذبحه بيده ، ثم استدعى شاطورا ففرق بين رأسه وجسده ، ثم استدعى ماء فغسل يده بأشنان ثم ركب‏.‏ وحمل المقتول إلى الشرطة فأقام ليلة ثم دفن بالصحراء‏.‏ ثم بعث المؤتمن بعد ثلاثة أيام فنبشه وغسله وأنفذ إليه أكفانا كفن بها ثم أمر قاضي القضاة بالصلاة عليه وأمر ألا يتخلف أحد فحضر الشهود وأهل السوق وصلى عليه قاضي القضاة ودفن بالقرافة وواراه قاضي القضاة وجعل التراب تحت خده وأمر ببناء قبره وتبيضه في وقته ففعل ذلك‏.‏ ) أى قتله بيده ومثّل بجثته ثم أقام له حفل تكريم بعدها..هتلر لو قرأ هذا كان سيغنى لأم كلثوم ( يا ظالمنى .! )

5 ـ وارتبط سفكه للدماء بكرمه وجوده ، تقول الروايات :

5 / 1 : ( وكان جوادا بالمال سفاكا للدماء قتل عددا كثيرا من أماثل دولتهوغيرهم صبرا وكانت سيرته من أعجب السير‏.‏..)

5 / 2 :( كان الحاكم أجود الخلفاء بماله وبه تفشت حاله فيماسفكه من الدماء التي لا يحصيها إلا الله‏.‏) .  5 / 3 : ( وفي السنة التي قتل فيها الحاكم أشاع أنه يريد أن ينزل في أول رمضان إلى الجامع ومعه الطعام فمن أبى الأكل قتله‏.‏ )

6 ـ والدين الشيعى أعطى للإمام الشيعى حق التشريع . وقد طبق هذا الخليفة الحاكم فى أوامره ونواهيه الغريبة فى التحريم ، مثل تحريم الملوخية وسمك القراميط ، وسنعرض لها لاحقا ، ولكن منها ما كان مضحكا الى درجة البكاء.  منها أن كان يمارس ( الحسبة ) بنفسه راكبا حمار يطوف به الأسواق ليتحرى عن الموازين والمكاييل والغش والأسعار . ولم تخطر هذه العقوبة العلنية التى شرعها الحاكم على بال هتلر نفسه. روى السيوطى : (.. وكان يعمل الحسبة بنفسه يدور في الأسواق على حمار له ، وكان لا يركب إلا حمارا ، فمن وجده قد غش في معيشته أمر عبدا أسود معه يقال له مسعود أن يفعل به الفاحشة العظمي .. ) من حق الشيعة أن يحمدوا الله جل وعلا أنهم لم يعيشوا عصر الحاكم بأمر الله . 

7 ـ والمصريون المشهورون بالصبر والسخرية إتسع لهم الوقت للسخرية من الحاكم. يروى السيوطى :

 7 / 1 :( وتتبع من يبيع العنب واشتد الأمر فيه بحيث لم يستطع أحد بيعه فاتفقأن شيخا حمل خمرا له على حمار وهرب ، فصدفه الحاكم عند قائلة النهار على جسر ضيق فقال له‏:‏ من أين أقبلت ؟  قال " من أرض الله الضيقة‏.‏" فقال‏:‏ " يا شيخ أرض الله ضيقة؟ "  فقال‏:‏ "  لو لم تكن ضيقة ما جمعتني وإياك على هذا الجسر‏.‏" . فضحك منه وتركه‏.‏  )

7 / 2 : ( وكان أمر ألا يُكشف مُغطّى ، فسكر رجل ونام في قارعة الطريق وغطى نفسهبمنديل ، فصار الناس يمرون به ولا يقدر أحد أن يكشف عنه‏.‏ فمر به الحاكم وهو كذلك فوقف عليه وقال له‏:‏ " ما أنت ؟ " فقال‏:‏ " أنا مغطى وقد أمر أمير المؤمنين ألا يكشف مغطى‏.‏ " ، فضحك وطرح عنده مالا وقال‏:‏ استعن بهذا على ستر أمرك‏.‏ ).

 

الصلاة الشيطانية للخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله ( 2 )

مقدمة :

1 ـ لم يكن الخليفة الفاطمى ( الحاكم بأمر الله ) مجنونا ، بل كان صريحا واضحا معبرا عن دين التشيع ونظرته فى ( حاكمية الإمام ) أو الخليفة الذى يكون معصوما متمتعا بالتأليه وصاحب الشرع الالهى  فى دينهم الأرضى . هذا هو ( الباطن ) المستور الذى كان يغلفه أساطين التشيع بالتقية أو ( الظاهر ) تظاهرا بالاسلام وشريعته. هتك الخليفة الحاكم هذا الستر الباطنى وأوضحه بأعمال خارجة عن المألوف .

2 ـ  ولم ينتبه أحد الى مدلول لقبه وهو ( الحاكم بأمر الله ) . كانت ألقاب أسلافه من الخلفاء كالآتى : ( عبيد الله المهدى ، القائم بأمر الله ، المنصور بنصر الله ، المعز لدين الله ، العزيز بالله ) ثم ألقاب من جاء بعده ( الظاهر لإعزاز دين الله ، المستنصر بالله ، المستعلى بالله ، الحافظ لدين الله ، الآمر بأحكام الله ، الظافر بأمر الله ، الفائز بنصر الله ،العاضد لدين الله ). كلهم إحتكر اسم رب العزة جل وعلا لنفسه شأن الدولة الدينية ( وهو ما حدث فى خلفاء العصر العباسى الثانى ). ولكن تميز ( الحاكم بأمر الله ) فى أن لقبه يعنى أنه يحكم بأمر الله ، أى مايقوم به من أحكام إنما هى أوامر الله ، وما يقترفه من كبائر ليست سوى شرع الله. لذا تصرف حسب هواه ـ وتقلب وتناقض مؤمنا أن ما يقوم به هو تجسيد لكونه ( الحاكم بأمر الله ). وتأكيدا لهذا لم يكتف بالأزهر مسجدا ، فأقام مسجدا حمل إسمه ( مسجد الحاكم بأمر الله ) وكان يخطب ويؤم فيه الصلاة وفق المراسيم الدينية للخلافة الفاطمية .

3 ـ فى المقال السابق نقلنا عن السيوطى ( 849 : 911 ) فى كتابه ( حُسن المحاضرة فى تاريخ مصر والقاهرة )، وقد نقل السيوطى أخبار الدولة الفاطمية عن مؤرخى العصر الفاطمى بالاضافة الى ما ذكره المقريزى فى ( خطط المقريزى ) . السيوطى كان متعصبا للعباسيين وصديقا للخليفة العباسى فى القاهرة ، وقد أرّخ لهم محتفلا بهم فى كتابه ( تاريخ الخلفاء).

4 ــ كان المقريزى ( 764 : 845 ) متعاطفا مع الفاطميين متأثرا بشيخه ابن خلدون. قام المقريزى بتجميع تاريخ الفاطميين فى الخطط المقريزىة وفى كتابه ( إتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء ). والعنوان يوضح إحتفاءه بالفاطميين . وقد نقل المقريزى  عن المسبحى وابن زولاق . وبسبب تعصبه فقد تجاهل الكثير مما يُشين الخلفاء الفاطميين ، وخصوصا خلال ربع قرن هى فترة خلافة الحاكم بأمر الله:( 386 : 411 هجرية: 996 : 1020 ميلادية ). وكرر بعض هذا فى (الخطط )

5 ـ ننقل منهما بعض ما أورده المقريزى مما يعبر عن حُكم الخليفة الحاكم بأمر الله وصلاته الشيطانية .

أولا : عام 386 :

وهو العام الذى تولى فيه الخلافة صبيا فى الحادية عشر من عمره . 

1 ـ قال عنه المقريزى  : ( أبو علي منصور بن العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله أبي تميم معد . ولد بالقصر من القاهرة المعزية ليلة الخميس الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وثلاثمائة في الساعة التاسعة والطالع من برج السرطان سبع وعشرون درجة . وسُلّم عليه بالخلافة في مدينة بلبيس بعد الظهر من يوم الثلاثاء عشري شهر رمضان سنة ست وثمانين وثلاثمائة .  ودخل القصر قبل صلاة المغرب. ) لاحظ دقة التوقيت ، وإتخاذ مواقيت الصلاة دليلا زمنيا.

2 ـ عن  طقوس دفن والده العزيز بالله قال : (وسار إلى قصره في يوم الأربعاء بسائر أهل الدولة ، والعزيز في قبة علىناقة بين يديه ، وعلى الحاكم دراعة مصمتة وعمامة فيها الجوهر، وبيده رمح وقد تقلد السيف فوصل إلى القصر ولم يفقد من جميع ما كان مع العساكر شيء. ودخله قبل صلاة المغرب .) الطفل الذى سيتم تنصيبه خليفة يرتدى عمامة فيها الجوهر يحضر جنازة والده ، ثم يدخل القصر ( قبل صلاة المغرب). هنا التوقيت بموعد الصلاة.

3 ـ تنصيبه خليفة قال : (ثم بكر( أى ذهب باكرا )  سائر أهل الدولة إلى القصر يوم الخميس ، وقد نصب للحاكم سريرمن ذهب عليه مرتبة مذهبة في الإيوان الكبير‏.‏ وخرج من قصره راكباً وعليه معممة الجوهر ، فوقف الناس بصحن الإيوان،  وقبلوا الأرض ومشوا بين يديه حتى جلس على السرير ، فوقف من مهمته الوقوف وجلس من له عادة الجلوس‏.‏ فسلم عليه الجماعة بالإمامة واللقب الذي اختير له وهو الحاكم بأمر الله‏.‏ وكان سنه يومئذ إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وستة أيام‏.‏) . عمامة مزينة بالجوهر وسرير من الذهب ومرتبة من الذهب ، وسجودهم أمامه يقبلون الأرض .. هل هذا من الاسلام ؟ ثم هو طفل فى الحادية عشر من عمره ، وقد أصبح إلاها عندهم وحاكما بأمر الله .!!. سبحانك هذا بهتان عظيم.!  

3 ـ  للمسجد دور حتى لو كان مسجدا صغيرا ، أو ( مصلاة ). بعضهم إعترض على تولية الحاكم ، وهم من شيوخ قبيلة كُتامة ( الأمازيغية ) وهم عسكر الفاطميين. وأعلنوا عن موقفهم بالتجمع فى ( المصلّى ). قال المقريزى : ( وكان جماعة من شيوخ كتامة تخلفوا عن الحضور وتجمعوا نحو المصلى‏.‏) وتمت ترضيتهم بالمال ، وهو إلاههم الأعظم . يقول : (وفي ثاني ذي القعدة تجمع الكتاميون عند المصلى فأنفذ إليهم واستحضرهم وتقرر أمرهم على النفقة فيهم فأنفق عليهم‏.‏ ).

4 ـ وتم تعيين أبن عمار فى وظيفة الوساطة بين الخليفة المؤلّه و( الرعية ). ويأتى هنا دور الجامع ، إذ تمّ فيه الاعلان عن تعيين ابن عمار. يقول : (  وقرىء سجل قرأه القاضي بالجامع ، يتضمنولاية ابن عمار الوساطة ، وتلقيبه بأمين الدولة وأمر الناس كلهم أن يترجلوا لابن عمار فترجلوا بأسرهم له‏.‏ ).

ثانيا : عام (  387  )

1 ـ ( في المحرم ورد سابق الحاج فأخبر بتمام الحج والدعاء للحاكم فيالحرمين‏.‏ ). كان الحجاز تابعا للفاطميين. وهذا ملمح آخر من إستغلال الدين عند الفاطميين.

2 ـ ( وفيه ضربت رقبة عيسى بن نسطورس‏.‏).

ثالثا : عام 389 ‏

1 ـ (  وقتل الأستاذ برجوان لأربع بقين من ربيع الآخر سنة تسع وثمانين وثلاثمائة وله في النظر سنتان وثمانية أشهر غير يوم واحد )

2 ( ومنع الناس كافة من مخاطبة أحد أو مكاتبة بسيدنا ومولانا إلا أمير المؤمنين وحده وأبيح دم من خالف ذلك )، أى لوقال أحدهم لشخص ما : سيدنا ومولانا فهو حلال الدم. لأنه الخليفة الصغير هو وحده سيدهم ومولاهم.

3 : ( وفي شوال قتل ابن عمار‏. ) . أى فى هذا العام تخلص الحاكم من برجوان وابن عمار . وهذا بتدبير أخته ست الملك.

رابعا : عام ( 391‏ )

1 ــ الحاكم يقتل كبار الموظفين :

1 / 1 ـ (  سنة إحدى وتسعين وثلثمائة: في المحرم : قتل الحاكم ابن أبي نجدة ، وكان بقالا ، فترقت أحواله حتى ولى الحسبة ، ودخل فيما لا يليق به وأساء في معاملة الناس ، فاعتقل ، ثم قطعت يده ولسانه ، وشهر على جمل ، وضربت عنقه‏.‏ ) . هذا بقال أثرى وبالرشوة صار المحتسب ، وصار له نفوذ متخيلا أنه لا بأس بهذا فى دولة هذا الخليفة الصبى. فعوقب بالاعتقال ثم بقطع يده ولسانه والتشهير على جمل ثم بالاعدام بقطع الرأس ، ليكون عظة لمن تسوّل له نفسه من أرباب الوظائف أن يعلو صوته.

1 / 2  ـ ( ثم وفيها قتل الحاكم مؤدبه أبا القاسم سعيد بن سعيد الفارقي يومالسبت لثمان بقين من جمادى الأولى ، وهو يسايره بأن أشار إلى الأتراك بعينيه بعد أن بيت معهم قتله ، فأخذته السيوف ، وكان قد داخل الحاكم في أمور الدولة وقرأ عليه الرقاع واستأذنه في الأمور كهيئة الوزراء‏.‏ ). هذا الطفل كان له معلم يعلمه ، وظل هذا المعلم يعلمه بعد أن صار خليفة ، ولكن أصبح المعلم يتدخل قيما لا يعنيه ، فكان قتله وهو يصاحب تلميذه الخليفة. هذا الخليفة لم يعش فى عصر أمير الشعراء (أحمد شوقى ) القائل : قُم للمعلم وفّه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا ).!

1 / 3  ـ قتل الحاكم من ( فهد بن ابراهيم ) أحد الرؤساء :  ( وفي ثامن جمادى الآخرة ضربت رقبة فهد بن إبراهيم ، وله منذ نظر في الرئاسةخمس سنين وتسعة أشهر واثنا عشر يوما‏.‏). وجاء أبو غالب بثروة أخيه القتيل الى قصر الخليفة ، وهى نصف مليون دينار ، فرفض الحاكم أخذها وأمر بتوزيعها على ورثة القتيل . ثم جاءت وشاية الى الخليفة أن أبا غالب تكلم كلمة فى حق الخليفة فأمر الخليفة بقتله وإحراقه دون أن يتثبت فى الأمر. يقول المقريزى : ( فحمل أخوه أبو غالب إلى سقيفة القصر من مال أخيه فهد جرايات فيها خمسمائة ألف دينار‏.‏ فلما خرج الحاكم سأل عنها فعرف خبرها فأعرض عنا وبقيت هناك مدة ثم أمر بها فردت إلى أولاد فهد وقال إنا لم نقتله على مال فحملت إليهم ثم رفع أصحاب الأخبار عن أبي غالب كلمة تكلم بها فقتل وأحرق بالنار‏.‏ )

1 / 4  ـ ( وفي خامس عشر من شهر رجب ضرب عنق أبي طاهر محمود بن النحويالناظر في أعمال الشام لكثرة تجبره وعسفه بالناس‏.‏ )

2 ـ فى هذه السنة بدأ تناقض الحاكم بين الخروج والانعزال فى القصر و، وبداية حظره التجول .

2 /  1 : الخليفة الطفل أراد اللهو فصار يتنزه ليلا فى شوارع القاهرة ، وأمر الناس بإشعال المصابيح ، فوجدها الناس فرصة للّهو واللعب ، وصارت فرصة للإنحلال الخلقى فمنع الخليفة الصغير خروج النساء فى الليل ومنع الرجال من الجلوس فى الحوانيت. قال المقريزى : ( وفي سنة إحدى وتسعين : واصل الحاكم الركوب في الليل كل ليلة ، فكان يشق الشوارع والأزقة وبالغ الناس في الوقود والزينة وانفقوا الأموال الكثيرة في المآكل والمشارب والغناء واللهو ، وكثر تفرجهم على ذلك حتى خرجوا فيه عن الحد ، فمنع النساء من الخروج في الليل ، ثم منع الرجال من الجلوس في الحوانيت‏. ) ( سنة إحدى وتسعين وثلثمائة: في المحرم واصل الحاكم الركوب في الليل في كل ليلة وكان يركب إلىموضع موضع وإلى شارع شارع وإلى زقاق زقاق‏.‏ وأمر الناس بالوقيد فتزايدوا فيه بالشوارع والأزقة وزينت الأسواق والقياسر بأنواع الزينة وباعوا واشتروا وأوقدوا الشموع الكبيرة طول الليل وأنفقوا الأموال الكثيرة في المآكل والمشارب والغناء واللهو‏.‏ ومنع الرجال المشاة بين يدي الحاكم أن يقرب أحد من الناس الحاكم فزجرهم وقال لا تمنعوا أحداً فأحدق الناس به وأكثروا من الدعاء له‏.‏ وزينت الصناعة وخرج سائر الناس بالليل للتفرج وغلب النساء الرجال على الخروج في الليل وتزايد الزحام في الشوارع والطرقات وتجاهروا بكثير من المسكرات وأفرط الأمر من ليلة التاسع عشر إلى ليلة الرابع والعشرين فلما خرج الناس عن الحد أمر الحاكم ألا تخرج امرأة من العشاء فإن ظهرت نكل بها‏.‏ ومنع الناس من الجلوس في الحوانيت‏.‏ )

2 /  2 ( وفي ربيع الأول قرئ سجل برفع المنكرات وإبطالها ، وبمنع ذلك ، فختم علىعدة مواضع فيها المسكرات لتراق‏.‏ )

2 / 3 . وفى شهر رجب : (.. وقطع الحاكم الركوب في الليل‏.‏ )..أى فرض على نفسه حظر التجول .

3 ـ  هذا العام شهد بداية قتل الحاكم لعوام الناس .  ( وقبض على رجل شامي قال‏:‏ لا أعرف علي بن أبي طالب وأقول إن النبيصلى الله عليه وسلم مرسل غير أني لا أعرف علي بن أبي طالب‏.‏ فحبس وروجع ، فأصر على أنه لا يعرف عليا ، فرفق به القائد حسين فلم يعترف بمعرفة علي رضي الله عنه ، فخرج الأمر بقتله فضرب عنقه وصلب‏ . )  .

3 ــ وفى هذا العام بدأ الحاكم إضطهاده للأقباط

3 / 1 : إعتقال الموظفين الأقباط ومصادرة أموالهم : (وقبضت أموال من قبض عليه من النصارى الكتاب‏.‏)

3 / 2 : بهدم كنيسة وإقامة جامع مكانها بإسم ( جامع راشدة ) وأقيمت فيه صلاة الجمعة. قال المقريزى : ( وابتدئ في عمارة جامع راشدة ، وكان مكانه كنيسة فبنى جامعاً ، وأقيمتفيه الجمعة ).. (وأمر بإتمام بناء الجامع الذي ابتدأ بعمارته العزيز على يد وزيره يعقوب بن كلس . وفيه كانت صلاة الجمعة فى أول شعبان : ( وفي غرة شعبان جمع في الجامع الجديد بظاهر باب الفتوح‏.‏  ).

 

 

الصلاة الشيطانية للخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله ( 3 )

نتابع ما سجله المقريزى عن الخليفة الحاكم الفاطمى فى كتابيه ( الخطط ) و ( إتعاظ الحنفاء ) من عام 393 : 396

أولا : ( سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائه: )

حدث فيها :

عن الصلاة الشيطانية والمسجد الشيطانى

1 ـ   كان هو الإمام فى الصلاة الشيطانية :

1 / 1 ـ فى شهر رمضان : ( وصلى الحاكم بالناس في رمضان صلاة الجمعة مرتين وخطب‏.‏)

1 / 2  ـ  فى عيد الفطر : ( وركب الحاكم لصلاة العيد بالمصلى فصلى وخطب وحضر السماط بالقصر علىرسمه في ذلك‏.‏ )

1 / 3  ـ  فى عيد الأضحى ( عيد النحر ): ( وصلى الحاكم بالناس صلاة عيد النحر ونحر في الملعب‏.‏)

2 ـ كان هو صاحب التشريع فى الصلاة الشيطانية

( وقبض على ثلاثة عشر رجلا ضربوا وشهروا على الجمال وحبسوا ثلاثة أيامبسبب أنهم صلوا صلاة الضحى . ) .  أى أصدر قرارا بتحريم صلاة الضحى ، وعاقبهم بسبب ذلك بالضرب والتشهير .!

3 ـ عمارة المساجد الشيطانية 

3 / 1 : بناء جامع راشدة  ( وابتدأ في عمارة جامع راشدة في سنة ثلاث وتسعين . )

3 / 2  (  ووقع الشروع في إتمام الجامع خارج باب الفتوح )

3 / 3 : هدم جامع سُنّى : ( وأمر بهدم جامع عمرو بن العاص بالإسكندرية‏.‏)

4 ـ المسجد مركز إعلان القرارات الرسمية :

 ( وفي شعبان خرج الكتاميون إلى باب الفتوح فترجلوا وكشفوارؤوسهم واستغاثوا بعفو أمير المؤمنين فأوصل إلى الحاكم جماعة منهم فوعدهم وكتب لهم سجل قرئ بالقصر والجوامع بالرضا عنهم وإعادتهم إلى رسومهم في التكرمة‏.‏ )

5 ـ المسجد الشيطانى مركز التعذيب وأيضا التكريم :

عوقب القاضى الحسين بن النعمان بالعزل وبالضرب فى الجامع . وفى الجامع أيضا جرى تكريمه . والتناقض فى التشريع أهم ملامح شخصية الحاكم. يقول المقريزى : ( وفي سادس عشره صرف الحسين بن النعمان عن القضاء‏.‏ وكان قد ضُرب في الجامع ، فندب الحاكم جماعة من شيوخ الأضياف يركبونمعه إلى كل مجلس فيه جماعة من الخاصة ، وأمر أصحاب سيوف الحلي بالمشي بين يديه في كل يوم‏.‏ فكان إذا حضر إلى الجامع العتيق وقام يصلي وقف جماعة الأضياف صفا خلفه يسترونه ولا يصلي أحد منهم حتى يفرغ من صلاته ويعود إلى مجلسه فإذا جلس في مجلسه كانوا قياما عن يمينه وشماله‏.‏ )

2 ـ عن القتل :

2 / 1 : القتل والحرق : الحاكم يتصرف كأنه إله يحرق من يغضب عليهم بالنار.!

2 / 1 / 1 : ( .. وفيها قتل أبو علي الحسن بن عسلوج في المحرم ، وأحرق‏.‏)

2 / 1 / 2  : ( وقتل علي بن عمر بن العداس في شعبان ، وأحرق‏.‏)

2 / 2 : القتل فقط :

( وقتل الأستاذ أبو الفضل زيدان صاحب المظلة لعشر بقين من ذي الحجةضرب عنقه‏.‏ )

( وفيها قتل سهل بن يوسف أخو يعقوب بن يوسف بن كلس الوزير بسبب قوةطمعه وكثرة شرهه . وعندما قدم للقتل سأل أن يدفع الساعة ثلثمائة ألف دينار عيناً يفدى بها نفسه فلم يجب‏.‏ )

( وقتل أيضا القائد أبو عبد الله الحسين بن الحسن البازيار من أجل أنهكان إذا دخل من باب البحر تكون رجله على عنق دابته ويكون الحاكم في المنظرة التي على بابه فتصير رجله إلى وجه الحاكم . وكان ابن البازيار قد اعتراه وجع النقرس . فعد ذلك الحاكم عليه دينا قتله به في شوال لسوء التوفيق‏.‏ )

2 / 3 : القتل لكثيرين :

(  وقتل علي بن عمر العداس والأستاذ زيدان الصقلي ، وعدة كثيرة من الناس )

2 / 4 : القتل والحرق لكثيرين :

( وفيها استأذن عبد الأعلى بن الأمير هاشم بن المنصور أن يخرج إلى بعضضياعه فأذن له الحاكم فخرج بجماعة من ندمائه فبعث الحاكم عينا يأتيه بخبرهم ، فصاروا إلى متنزههم  ، فأكلوا وشربوا وجرى من حديثهم أن قال أحد أولاد المغازلي المنجم لابن هاشم‏:‏ " لا بد لك من الخلافة فأنت إمام العصر‏." ‏. فلما عادوا ودخل ابن هاشم على الحاكم وجلس أخرج الحاكم من تحت فراشه سيفا مجردا وضربه به فحُمل من داره ، وكتب يعتذر عن ذنبه إن كان قيل عنه ، ويحلف ويذكر أن ضربته سالمة ، ويسأل الإذن في طبيب يعالجه فأجيب إلى ذلك‏.‏ فلما أفاق استأذن في الدخول إلى الحمام فأذن له ، فبعث الحاكم إلى الحمام من ذبحه فيه وأتاه برأسه‏.‏ وبعث إلى من حضر المجلس فقتلوا وأحرقوا بالنار ، وفيهم أولاد المغازلي وابن خريطة وأولاد أبي الفضل بن الفرات وفتيان من كتامة‏.‏ وتتابع القتل في الناس من الجند والرعية بضروب مختلفة‏.‏)

3 ـ إضطهاد النصارى

3 / 1 ـ ( وهدمت كنيستان بجانب جامع راشدة‏.‏)

3 / 2 ـ ( أمر الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمى باعتقال البطرك زخريس لمدة ثلاثة شهور. )

تناقض

1 ـ ( وفي رجب قرئ سجلان أحدهما فيه إنكار الحاكم على من يخاطبه فيالمكاتبة بمولى الخلق أجمعين. ) يتصرف الحاكم كأنه إله لا يُسأل عما يفعل ، وفيما بعد أعلن الالوهية ، وهنا يمنع من يقول له ( مولى الخلق أجمعين ).

2 ـ ( وقطع الحاكم الركوب في الليل ). إعتاد التنزه ، ثم إمتنع عن ذلك ، واصبح خبرا مذكورا فى تاريخه.

ثانيا : عام  395 ‏

عن الصلاة 

 1 ـ كان هو الإمام فى الصلاة الشيطانية :

1 / 1 : فى صلاة العيد : ( وركب الحاكم يوم عيد الفطر وعليه ثوب مصمت أصفر وعلى رأسه منديلمنكر وهو محنك بذؤابة والجوهر بين عينيه‏.‏ وقيد بين يديه ستة أفراس بسروج مرصعة بالجوهر وست فيلة وخمس زرافات،  فصلى بالناس صلاة العيد وخطبهم ، فلعن في خطبته ظالمه حقه والمرجفين به وأصعد معه قائد القواد وقاضي القضاة عز الدين‏.‏ ). إصطحب فى موكبه للصلاة بعض الحيوانات . هذا تشريع مضحك يعكس طقوسا جديدة فى صلاته العيد .

1 / 2 : طقوسه فى صلاة عيد الأضحى ( النحر ) :( ونزل الحاكم يوم النحرإلى المصلى فصلى بالناس وخطب ونحر بها ثلاث بدن وعاد إلى القصر فحضر السماط ثم نحر في الملعب إحدى وعشرين بدنة وواصل النحر أياماً‏.‏ )

1 / 3 : ـ كان هو صاحب التشريع فى الصلاة الشيطانية : تشريع بتحديد صلاتى الظهر والعصر :

( وقرئ سجل آخر بأن يؤذن لصلاة الظهر في أول الساعة السابعة ، ويؤذنلصلاة العصر في أول الساعة التاسعة‏.‏ )

2 ـ المساجد

2 / 1  : ( وفيه فرش جامع راشدة‏.‏)

2 / 2 : المسجد مركز إعلان القرارات الرسمية :

2 / 2 / 1  ـ الإعلان عن المواعيد الجديدة لصلاتى الظهر والعصر كانت فى المسجد : ( وقرئ سجل آخر بأن يؤذن لصلاة الظهر في أول الساعة السابعة ، ويؤذنلصلاة العصر في أول الساعة التاسعة‏.‏ )

2 / 2 / 2 : الاعلان فى المسجد بشتم ولعن الخلفاء السنيين : ( وكتب على أبواب المساجد وعلى الجوامع بمصر وعلى أبواب الحوانيت والحجر والمقابر سب السلف ولعنهم . )  ( وكتب في صفر على سائر المساجد وعلى الجامع العتيق من ظاهره وباطنهفي جميع جوانبه وعلى أبواب الحوانيت والحجر والمقابر والصحراء بسب السلف ولعنهم . )

 2 / 2 / 3ـ  الاعلان فى المسجد بإضطهاد أهل الكتاب: ( في سابع محرم قرئ سجل في الجوامع يأمر اليهود والنصارى بشد الزنارولبس الغيار وشعارهم بالسواد شعار الغاصبين العباسيين‏ )

2 / 2 / 4 ـ السجود للإله المولود الصغير : ( ولى العهد ) : 

 ( وكان سابع المولود فأخرج على يد خادم إلى قائد القواد فتسلمه حتىأعد المزين شعره وذبح عنه الشريف أبو الحسن النرسي العقيقة بيده وحمل عثمان الحاجب الدم والعقيقة فأمر له بألف دينار وفرس ملجم وعدة ثياب من أجل حمل الدم والعقيقة ودفع إلى المزين مائتا دينار وفرس‏.‏ وسمى المولود بالحارث وكنى بأبي الأشبال‏.‏ وخرج قائد القواد إلى سائر الأتراك والديلم والعرفاء وقال‏:‏ مولانا يقرأ عليكم السلام ويقول قد سميت مولاكم الأمير الحارث وكنيته أبا الأشبال‏.‏ فقبل الجميع الأرض وأكثروا الدعاء وانصرفوا‏.‏ وزينت البلد أربعة أيام‏.‏ )

3 ـ القتل 

3 / 1 : القتل والحرق : الحاكم يتصرف كأنه إله يحرق من يغضب عليهم بالنار.!

الحسين بن النعمان (  وهو أول قاض أحرق بعد قتله فإن الحاكم أحرقه بعد ما قتله في سادسمحرم الآتي ذكره‏.‏ ) ( وقتل قاضي القضاة حسين بن النعمان وأحرق بالنار )  ( وفيها قتل القاضي حسين بن النعمان ضربت رقبته ثم أحرق بالنار‏.‏ )

3 / 2 : قتل كثيرين :

3 / 2 / 1 : ( وقتل عدة أناس يزيد عددهم على مائة نفس ضربت أعناقهم وصلبوا وقتلعبد الأعلى بن هاشم من القرابة لأنه كان يتحدث بأنه يلي الخلافة وأنه كان يجمع قوما ويعدهم بولاية الأعمال‏.‏ )( وقتل عددًا كثير من الناس ضربت أعناقهم . )

4 ـ نشر الارهاب بين الجميع ، وطلب الأمان من الحاكم

4 / 1 : ( واشتد خوف الناس بأسرهم ، وقويت الشناعات وزاد الإضطراب ، فاجتمع كثير من الكتاب وغيرهم تحت القصر ، وضجوا يسألون العفو ، فكتب عدة أمانات لجميع الطوائف ، من أهل الدعوة وغيرهم من الباعة والرعية )

4 / 2 : قتل الحمّارين ( المكارية أو الركابية ) :

بعد إفتتاح مكتبة دار الحكمة توافد اليها يستأجرون الحمير التى يقودها الحمارون أو الركابية. فتزايد العدد فقتل الحاكم بعض الحمارين فسألوا الأمان : ( وفتحت دار الحكمة بالقاهرة وحمل إليها الكتب ، ودخل إليها الناس ، فاشتد الطلب على الركابية المستخدمين في الركاب وقتل منهم كثير عفي عنهم وكتب لهم أمان ) ( وفي جمادى الآخرة فتحت دار الحكمة بالقاهرة وجلس الفقهاء فيها وحملتالكتب إليها ودخلها الناس للنسخ من كتبها وللقراءة‏.‏..وانتصب فيها الفقراء والقراء والنحاة وغيرهم من أرباب العلوم وفرشت وأقيم فيها خدام لخدمتها وأجريت الأرزاق على من بها من فقيه وغيره وجعل فيها ما يحتاج إليه من الحبر والأوراق والأقلام‏.‏ .. وفيه اشتد الطلب على الركابية المستخدمين في الركاب بعد أن قتل منهم في يومين أكثر من خمسين نفسا ، فتغيبوا وامتنع أحد من الناس أن يمشي بين يديه غلام أو شاكري ، فكانت القواد ومن جرى رسمه أن يكونوا بين يديه يسيرون وحدهم وإذا نزل أحدهم للسلام أمسك خادمه الدابة ، ثم عفى عنهم وكتب لهم أمان‏.‏ )( وفيه منع كل أحد ممن يركب أن يدخل من باب القاهرة راكبا ، ومنع المكاريون أن يدخلوا بحميرهم ، ومنع الناس من الجلوس على باب الزهومة من التجار وغيرهم ، ومنع كل أحد أن يمشي ملاصق القصر من باب الزهومة إلى باب الزمرد‏. )( ثم أذن للمكاريين في الدخول وكتب لهم أمان‏.‏ )

4 / 3 : الحاكم يتصرف كأنه إله يحرق من يغضب عليهم بالنار.!

إزداد رعب الناس من أن يحرقهم الحاكم عندما جهّز مكانا للحرق ، فساروا فى مظاهرة الى قصر الحاكم وهم يقبلون الأرض يطلبون الأمان ، ووقفوا أمام القصر يتضرعون ويبكون :

 ( وفيه أمر الحاكم بشونة تحت الجبل ملئت بالسنط والبوص والحلفاء ،  فتخوفالناس كافة من يتعلق بخدمة الدولة من الأولياء والقواد والكتاب وسائر الرعية من العوام‏.‏ وقويت الشفاعات وكثر الاضطراب ، فاجتمع سائر الكتاب والمتصرفين من المسلمين والنصارى، وخرجوا بأجمعهم في خامسة إلى الرياحين بالقاهرة ، وما زالوا يقبلون الأرض حتى وصلوا إلى القصر ، فوقفوا على بابه يدعون ويتضرعون ويضجون ، ويسألون العفو عنهم ، ومعهم رقعة قد كتبت عن الجميع‏.‏ ثم دخلوا باب القصر وهم يسألون أن يعفى عنهم ولا يسأل فيهم قول ساع يسعى فيهم‏.‏ وسلموا رقعتهم لقائد القواد فأوصلها إلى الحاكم ، فعفا عنهم وأمرهم على لسان قائد القواد بالانصراف والبكور لقراءة سجل بالعفو عنهم فانصرفوا بعد العصر‏.‏ وقرئ من الغد سجل كتب نسخة للمسلمين ونسخة للنصارى ونسخة لليهود<">4 / 4 / 3 : صيغة الأمان : ( ..وهي بعد البسملة‏:‏ هذا كتاب من عبد الله ووليه المنصور أبي عليالإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين لأهل مشهد عبد الله إنكم من الآمنين بأمان الله الملك الحق المبين وأمان سيدنا محمد خاتم النبيين وأبينا علي خير الوصيين وذرية النبوة المهديين آبائنا صلى الله على الرسول ووصيه وعليهم أجمعين‏.‏ وأمان أمير المؤمنين على النفس والأهل والدم والمال‏.‏ لا خوف عليكم ولا تهديد بسوء إليكم إلا في حد يقام بواجبه وحق يوجد لمستوجبه‏.‏ فليوثق بذلك وليعول بأمان الله‏.‏ وكتب في جمادى الآخرة سنة خمسين وتسعين وثلثمائة‏.‏ )

5 : التسلية بقتل الأطفال بأمرهم بالقفز من سطح القصر :

( وفيه رسم الحاكم لجماعة من الأحداث أن يتقافزوا من موضع عال فيالقصر ورسم لكل منهم بصلة فحضر جماعة وتقافزوا فمات منهم نحو ثلاثين إنسانا من أجل سقوطهم خارجاً عن الماء على صخر هناك ووضع لمن قفز ماله‏.‏ )

6 ، قتل الكلاب :( وفيه أمر بقتل الكلاب فقتل منها ما لا يحصى حتى لم يبق منها بالأزقةوالشوارع شيء وطرحت بالصحراء وبشاطىء النيل وأمر بكنس الأزقة والشوارع وأبواب الدور في كل مكان ففعل ذلك‏.‏ ) ( وأمر بقتل الكلاب فقتل منها ما لاينحصر حتى فقدت . )

7 ـ سب السلف من الخلفاء السنيين

7 / 1 : ( وكتب على أبواب المساجد وعلى الجوامع بمصر وعلى أبواب الحوانيت والحجر والمقابر سب السلف ولعنهم وأكره الناس على نقش ذلك وكتابته بالأصباغ في سائر الموضع .. ) ( وكتب في صفر على سائر المساجد وعلى الجامع العتيق من ظاهره وباطنهفي جميع جوانبه وعلى أبواب الحوانيت والحجر والمقابر والصحراء بسب السلف ولعنهم ونقش ذلك ولون بالأصباغ والذهب وعمل كذلك على أبواب القياسر وأبواب الدور وأكره على عمل ذلك‏.‏ ولما دخل الحاج نالهم من العامة سب وبطش فإنهم طلبوا منهم سب السلف ولعنهم فامتنعوا‏.‏ )

7 / 2 :( وفيه فحش كثير وقدح في حق الشيخين رضي الله عنهما‏.‏)

8 : إضطهاد النصارى

8 / 1 :( في سابع محرم قرئ سجل في الجوامع يأمر اليهود والنصارى بشد الزنارولبس الغيار وشعارهم بالسواد شعار الغاصبين العباسيين‏.‏ )

8 / 2 : ( وفي سنة خمس وتسعين أمر النصارى واليهود بشد الزنار ولبس الغيار. ).

  9 ـ تشريعات بأوامر ونواهى مضحكة وعقوبة من يخالف :

9 / 1 : فى الطعام والشراب :

9 / 1 / 1 : ( ومنع الناس من أكل الملوخية والجرجير والتوكلية والدلينس وذبح الأبقار السليمة من العاهة إلا في أيام الأضحية.  ومنع من بيع الفقاع وعمله البتة ( الفقاع هو شراب الشعير المتخمر ) ، وأن لايدخل أحد الحمام إلا بمئزر ، ..ولا يباع شيء من السمك بغير قشر ، ولا يصطاده أحد من الصيادين . وتتبع اناس في ذلك كله ، وشدد فيه ، وضرب جماعة بسبب مخالفتهم ما أمروا به ونهوا عنه مما ذكر ) ( وقرئ سجل في الأطعمة بالمنع من أكل الملوخية التى كانت محببة لمعاويةبن أبي سفيان والبقلة المسماة بالجرجير المنسوبة إلى عائشة رضي الله عنها والمتوكلية المنسوبة إلى المتوكل‏.‏) ( وفيه المنع من عجن الخبز بالرجل والمنع من أكل الدلنيس ، والمنع من ذبح البقر التي لا عاقبة لها إلا في أيام الأضاحي وما سواها من الأيام لا يذبح منها ) .

 

الصلاة الشيطانية للخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله ( 4 )

من عام  397 : 399

سنة 397

عن الصلاة الشيطانية والمسجد الشيطانى

الصلاة :

1 ـ المعتاد فى رمضان وفى إمامته الناس فى صلاة الجمعة  : (  وجرى الأمر في الفطر على السماط ليالي رمضان وفي صلاة الحاكم بالناس يوم الجمعة على ما تقدم‏.‏ ) ، وفى إمامته لصلاة الجنازة : ( وتوفى الأمير منجوتكين لأربع خلون من ذي الحجة فصلى عليه الحاكم‏.‏  )

المسجد مركز إعلان القرارات الرسمية :

2 ـ كان فيه الإعلان بالحرية الدينية ( لا يشمل الأقباط واليهود ) وهو ضمن تناقضات الحاكم : (  وقريء سجل فيه يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون ، ولايعارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون ، وصلاة الخميس للذي جاءهم فيها يصلون وصلاة الضحى وصلاة التراويح لا مانع لهم منها ولا هم عنها يدفعون يخمس في التكبير على الجنائز المخمسون ولايمنع من التربيع عليها المربعون يؤذن بحي على خير العمل المؤذنون ولا يؤذي من بها لايؤذنون ، لايسب أحد من السلف ولا يحتسب على الواصف فيهم بما وصف والحالف منهم بما حلف لكل مسلم مجتهد في دينه اجتهاده . ). أى الحرية فى حساب وقت الافطار فى رمضان ووقت الإمساك ، ودون تدخل أصحاب رؤية الهلال. وحرية صلاة الخمبس والتراويح والتكبير خمسا أو أربعة فى صلاة الجنازة ، والأذان الشيعى بحى على خير العمل لا إلزام فيه ، ولا سب للسلف ، ولا عقوبة على من يمدحهم ، وحرية الاجتهاد.. كلام رائع .. ولكن ..تم إحراق صلبان الكنائس على باب المسجد ، مع مصادرة أوقافها أو ( احباسها ). وكان الاعلان عن هذا فى المسجد. : ( وقبض جميع ما محبس على الكنائس وجعل في الديوان وأحرق عدة صلبان على باب الجامع بمصر وكتب إلى سائر الأعمال بذلك‏.‏ )

اضطهاد النصارى واليهود

( وقبض جميع ما حُبس على الكنائس ، وجعل في الديوان وأحرق عدة صلبان على باب الجامع بمصر وكتب إلى سائر الأعمال بذلك‏.‏ ) ( وهدمت كنائس كانت بطريق المقس وهدمت كنيسة كانت بحارة الروم من القاهرة ونهب ما فيها . ) ( وكتب بهدم كنيسة قماسة .) ( واشتد بالأمر على النصارى واليهود في إلزامهم لبس الغيار. )

القتل والقطع لكثيرين

( وقتل كثير من الخدم ومن الكتاب ومن الصقالية بعدما قطعت أيدي بعضهم من الكتاب بالشطور على الخشبة من وسط الذراع ) ( وقتل القائد فضل بن صالح في ذي القعدة ) ( وجدد ديوان المفرد برسم من يقبض ماله من المقتولين وغيرهم )

الرعب وإعطاء الأمان

( وكتب عدة أمانات لعدة طوائف من شدة خوفهم ) .‏

الاستمرار فى التشريعات المضحكة وعقوبة من يخالف :

( وقبض على جماعة من أصحاب الفقاع (شرابٌ يُتَّخَذ من الشعير ، يُخمَّر حتّى تعلوه فُقاعاته ) والسماكين وكبست الحمامات وضربجماعة لمخالفتهم ما نهو عنه وشهروا‏.‏ ) ( وشهر جماعة وجد عندهم فقاع وملوخية ودلينس وضربوا ) ( وفي تاسع المحرم وهو نصف توت نقص ماء النيل ولم يوف ستة عشر فمنع الناس من التظاهر بالغناء ومن ركوب البحر للتفرج ، ومنع من بيع المسكرات ومنع الناس كافة من الخروج قبل الفجر وبعد العشاء إلى الطرقات ، واشتد الأمر على الكافة لشدة ما داخلهم من الخوف مع شدة الغلاء وتزايد الأمراض في الناس والموت‏.‏) ( وقطعت قراءة مجالس الحكمة بالقصر ، ووقع التشديد في المنع من المسكرات )

تناقض

1 ـ ( وفي تاسع ربيع الآخر أمر الحاكم بمحو ما هو مكتوب على المساجدوالأبواب وغيرها من سب السلف فمحي بأسره وطاف متولي الشرطة حتى أزال سائر ما كان منه‏.‏ وقرئ سجل بترك الخوض فيما لا يعنى واشتغال كل أحد بمعيشته عن الخوض في أعمال أمير المؤمنين وأوامره‏.‏) هذا مع قتل على أهون سبب.

وفي سنة سبع وتسعين أمر بمحسوب السلف فحمي سائر ما كتب من ذلك  

2 ـ فى الضرائب : ( .. وأعيدت المكوس التي رفعت ) وعكس ذلك : ( وكتب إبطال أخذ الخمس والنجاوي والفطرة ).

عام  398 :

الصلاة الشيطانية

( وقد صلى الحاكم بالناس صلاة الجمعة في جامع راشدة ،  وصلى صلاة عيدالفطر وخطب على ما جرت عادته به . وأصعد معه المنبر وقت الخطبة قائد القواد صالح بن علي ومالك بن سعيد القاضي والشريف النرسي وجماعة‏.‏ ) . لأن المسجد مركز للحكم فالحاكم يصطحب معه على المنبر جماعة من  كبار أتباعه. 

 ويستمر إحراق الصلبان أمام الجامع : ( وأحرق صلبان كثيرة على باب الجامع . )

إضطهاد النصارى

1 ـ المنع من إحتفالاتهم الدينية :( فلما كان ليلة عيد الشعانين منع النصارى من تزيين كنائسهم على ما هيعادتهم ، وقبض على جماعة منهم في رجب ، وأمر باحضار ما هو معلق على الكنائس وإثباته في دواوين السلطان وكتب إلى سائر الأعمال بذلك‏.‏ وأحرق صلبان كثيرة على باب الجامع )

 2 ـ منعهم من زيارة كنيسة القمامة فى القدس ، والأمر بهدمها ونهب ما فيها، وقد أراد تعميم هذا على كل الكنائس فخاف العاقبة . تقول الرواية : ( وفيها خرج النصارى من مصر إلى القدس لحضور الفصح بقمامة على عادتهمفي كل سنة بتجمل عظيم كما يخرج المسلمون إلى الحج فسأل الحاكم ختكين الضيف العضدي أحد قواده عن ذلك لمعرفته بأمر قمامة فقال هذه بيعة تعظمها النصارى ويحج إليها من جميع البلاد وتأتيها الملوك وتحمل إليها الأموال العظيمة والثياب والستور والفرش والقناديل والصلبان المصوغة من الذهب والفضة والأواني من ذلك وبها من ذلك شيء عظيم‏.‏ فإذا كان يوم الفصح واجتمع النصارى بقمامة ونصبت الصلبان وعلقت القناديل في المذبح تحيلوا في إيصال النار إليه بدهن البيلسان مع دهن الزئبق فيحدث له ضياء ساطع يظن من يراه أنها نار نزلت من السماء‏.‏ فأنكر الحاكم ذلك وتقدم إلى بشر بن سورين كاتب الإنشاء فكتب إلى أحمد بن يعقوب الداعي أن يقصد القدس ويهدم قمامة وينهبها الناس حتى يعفى أثرها ففعل ذلك‏.‏ ثم أمر بهدم ما في أعمال مملكته من البيع والكنائس فخوف أن تهدم النصارى ما في بلادها من مساجد المسلمين فأمسك عن ذلك‏.‏ )

عام 399

الصلاة الشيطانية

( ولم يركب الحاكم لصلاة عيد الفطر وصلى القاضي مالك بن سعيد بالناسفي المصلى وخطب‏.‏ ) ( وصلى القاضي بالناس صلاة عيد الفطر على الرسم‏.‏ ) : " على الرسم أو على رسمه أى حسب القانون السائد.

( وحمل سماط عيد النحر يوم التاسع من ذي الحجة على عادته غير أنه أبطلمنه الملاهي والخيال واللعب الذي كان يعمل في كل سنة‏.‏ ) ( وصلى القاضي بالناس صلاة عيد النحر وخطب‏.‏ ). هذا فى الجامع . أما الحاكم ، تقول الرواية :  ( وصلى الحاكم بالناس في المصلى صلاة عيد النحر وخطب ونحر وحضر السماط على رسمه‏.‏  )

تكرار الاعلان بالحرية الدينية فى رمضان :

( وفي رمضان قرئ سجل فيه يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون ولا يعارضأهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ويفطرون وصلاة الخمسين للذين بما جاءهم فيها يصلون وصلاة الضحى وصلاة التراويح لا مانع لهم منها ولاهم عنها يدفعون ويخمس في التكبير على الجنائز المخمسون ولا يمنع من التربيع عليها المربعون يؤذن بحي على خير العمل المؤذنون ولا يؤذى من بها لا يؤذنون لا يسب أحد من السلف ولا يحتسب على الواصف فيهم بما يصف والحالف منهم بما حلف لكل مسلم مجتهد في دينه اجتهاد‏.‏ ).‏

(وقرئ سجل في الجامع العتيق ( جامع الفسطاط ) بإقبال الناس على شأنهم وتركهم الخوضفيما لا يعنيهم وسجل آخر برد التثويب في الأذان والإذن للناس في صلاة الضحى وصلاة القنوت‏.‏ ثم جمع في سائر الجوامع وقرئ عليهم سجل بأن يتركوا الأذان بحي على خير العمل ويزاد في أذان الفجر‏:‏ الصلاة خير من النوم وأن يكون ذلك من مؤذني القصر عند قولهم‏:‏ السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله فامتثل الناس وعمل‏.‏ ) ( وقرئ سجل بترك الخوض فيما لا عيني والاشتغال بالصلوات في أوقاتها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وألا يخوض أحد في أحوال السلطان وأوامره وأسرار الملك‏.‏ )

ثم تناقض هنا : ( ومنع كل أحد من الناس أن يخرج من منزله قبل صلاة الصبح وبعد صلاةالعشاء واشتد الأمر في هذا واعتقل جماعة خالفوا ما أمر به‏.‏)

( وقرئ آخر في سائر الجوامع بتسكين قلوب الناس )

اضطهاد النصارى

( ولا يمشي اليهود والنصارى إلابالغيار وضربوا على ترك ذلك‏.‏ )

( ودرست كنائس كانت بطريق المكس وكنيسة بحارة الروم من القاهرة ونهبما فيها‏.‏ )

( وهدم دير القصير ونهب‏.‏)

( واشتد الأمر على اليهود والنصارى في إلزامهم لبس الغيار‏.‏)

القتل لكثيرين :

( وقتل في هذه الليلة كثير من الخدم والصقالبة والكتاب بعد أن قطعتأيديهم بالساطور على خشبة من وسط الذراع‏.‏ ) (  وقتل في هذه السنة عدة كثيرة من الخدام والفراشين والكتاب وغيرهم‏.‏)( وقتل أصحاب الأخبار عن آخرهم لكثرة أذيتهم الناس بالكذب عليهم وأخذهم الأموال من الناس‏.‏ )

 قتل القادة

( وفيها مات أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس المنجملثلاث خلون من جمادى الأولى وقتل القائد فضل بن صالح ضربت رقبته لتسع بقين من ذي القعدة‏.‏ ) ( قتل أبو أسامة جنادة أسامة بن محمد اللغوي لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة ومعه الحسن بن سليمان الأنطاكي النحوي واستتر عبد الغني بن سعيد وكان ذلك بسبب اجتماعهم بدار العلم وجلوسهم فيها‏.‏ ) ( وفيها قتل أبو علي بن ثمال الخفاجي متولي الرحبة من قبل الحاكم وملكها بعده صالح بن مرداس الكلابي متملك حلب‏.‏ )

 ومع إعلان الحرية الدينية نقرأ هذا الخبر : ( وقتل رجاء بن أبي الحسين من أجل أنه صلى صلاة التراويح في شهررمضان‏.‏ )

نشر الارهاب بين الجميع ، وطلب الأمان من الحاكم

( وقرئ آخر في سائر الجوامع بتسكين قلوب الناس وتطمينهم لكثرة مااشتهر عندهم وداخلهم من الخوف بما يجري من أوامر الحضرة في البلد‏.‏ ) ( وفي حادي عشر جمادى الآخرة قبض على عبد العزيز بن النعمان وطلب حسين بن جوهر ففر هو وابناه وجماعة‏.‏وكثر الصياح في دار عبد العزيز وغلقت حوانيت القاهرة وأسواقها‏.‏ فأفرج عن عبد العزيز ونودي في القاهرة بألا يغلق أحد‏.‏ وتخوف الناس من الحاكم فكتب عدة أمانات لأناس شتى‏.‏ )

( وفيه قرىء عدة أمانات بالقصر للكتاميين من جند إفريقية والأتراكوالقضاة والشهود وسائر الأولياء والأمناء والرعية والكتاب والأطباء والخدام السود والخدام الصقالبة لكل طائفة أمان‏.‏ ) ( وقرئت عدة أمانات بالقصر‏.‏)

الاستمرار فى التشريعات المضحكة وعقوبة من يخالف :

فى هذا العام 399 تكرر ما حدث عام 397 :

1 ـ  ( وفي تاسعه ( المحرم )وهو نصف توت أشيع وفاء النيل وخلع على ابن أبي الردادفابتدأ في النقص قبل أن يوفى ستة عشر ذراعا من تاسع عشر توت فأمر الناس كافةً بألا يتظاهر أحد منهم على شاطىء النيل بشيء من الغناء ولا يسمع في دار ولا يشرب في المراكب‏.‏ وكبست عدة دور وقبض على جماعة‏.‏  ونودي ألا يدخل أحد الحمام إلا بمئزر . وكسبت الحمامات وأخذ منها جماعة وشهروا من أجل أنهم وجدوا بغير مئزر‏.‏ ). وتكرر أيضا هذا التشريع فى الصلاة : ( ومنع كل أحد من الناس أن يخرج من منزله قبل صلاة الصبح وبعد صلاة العشاء واشتد الأمر في هذا واعتقل جماعة خالفوا ما أمر به‏.‏ )

2 ـ الجديد هنا تشريع بشأن سوق الرقيق : ( ومنع أن يدخل أحد إلى سوق الرقيق إلا أن يكون بائعا أو مشتريا وأفردالجواري من الغلمان وجعل لكل منهم يوم‏.‏ ) وتشريعات أخرى : ( ومنع من نصب الشراعات التي كانت النساء تنصبها في المقابر أيام الزيارة‏.‏ )

3 ـ ( وأشيع بين الناس بأن النبيذ يمنع من بيعه فازدحموا على شرائه وبيعمنه شيء كثير فعز حتى بيع كل عشر جرار بدينار ولم يوجد لكثرة طلابه‏.‏ وشهر جماعة وجد عندهم فقاع وملوخية وترمس ودلينس بعد ضربهم‏.‏ وقرئ سجل مندد فيه بشرب النبيذ وجميع أنواع المسكر‏.‏ وقرئ سجل في ربيع الأول بالمنع من حمل النبيذ والموز وحذر من التظاهر بشيء منه أو من الفقاع والدلينس والسمك الذي لا قشر له والترمس المعفن‏.‏)

تكرار تناقض

( وفي ذي القعدة أعيدت المكوس التي كانت رفعت‏.‏) ( وقرئ سجل بإبطال ما كان يؤخذ على أيدي القضاة من الخمس والفطرة والنجوى‏.‏ ) ( وفي يوم عيد الغدير منع الناس من عمله‏.‏ ) ( وقرئ سجل بقطع مجالس الحكمة التي كانت تقرأ على الأولياء في يومي الخميس والجمعة‏.‏ ).

 

الصلاة الشيطانية للخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله ( 5 )

( 401 : 403 )

عام 401

الصلاة والمسجد

صلاة العيد : ( .. وركب الحاكم لصلاة العيد على رسمه‏.‏)

المسجد مركزا لاعلان القرارات

1 ـ ( وقرئ سجل في سائر الجوامع فيه النهي عن معارضة الإمام فيما يفعله،  وترك الخوض فيما لا يعنى . وأن يؤذن بحي على خير العمل ، ويترك من أذان الصبح قول‏:‏ الصلاة خير من النوم . والمنع من صلاة الضحى وصلاة التراويح وإعادة الدعوة والمجلس على الرسم‏.‏ ) . هنا تشريع بالمنع من صلاة الضحى وصلاة الترويح وتعديل فى الأذان . وإعادة مجلس الدعوة الفاطمية بعد إلغائه . وهو ملمح من تناقض الحاكم وتخبطاته ، وهى كثيرة.

2 ـ ( وفي شعبان وقع قاضي القضاة مالك إلى سائر الشهود بخروج الأمر العاليالمعظم أن يكون الصوم يوم الجمعة والعيد يوم الأحد‏.‏ وأن يكون الخروج للحج في سابع شوال‏.‏ ) تشريع ببدء شهر الصوم ونهايته وموعد الخروج للحج.

3 ـ ( وخلع على قاضي القضاة مالك وقلد النظر في المظالم مع القضاء وقرئسجله بالجامع‏.‏ ) إعلان تعيين قاضى القضاة بالمسجد .

إستمرار المراسيم بإضطهاد النصارى

( وشدد على النصارى في لبس الغيار بالعمائم الشديدة السواد دون ماعداها من الألوان‏.‏ ) . وفى رواية : ( ومنع النصارى من الغطاس فلم يتظاهروا على شاطىء البحر بما جرت عادتهم به‏.‏ )

القتل

1 ـ قتل الوزير وهو يمارس عمله : ( وأقام ابن القشوري على رسمه ينظر عشرة أيام إلى ثالث عشره فبينا هويوقع إذ قبض عليه وضربت رقبته ، من أجل أنه بلغ الحاكم عنه أنه يبالغ في تعظيم حسين بن جوهر وأكثر من السؤال في حوائجه‏.‏ ) . وفى رواية :  (ثم صُرف ابن القشوريّ بعد عشرة أيام من استقراره وضربت عنقه وقُرّر بدله زرعة بن عيسى بن نسطورس الكاتب النصراني ولقبَ بالشافي ) 

2 ـ ( وقُتل الحسين بن جوهر وعبد العزيز بن النعمان في ثاني عشر جمادى الاّخرة سنة إحدى وأربعمائة وأحيط بأموالهما ). والتفاصيل فى رواية أخرى :  ( وفي ثاني عشر جمادى الآخرة ركب حسين بن جوهر وعبد العزيز بن النعمانعلى رسمهما إلى القصر فلما خرج المتسلم قيل لحسين وعبد العزيز وأبي علي أخي الفضل أطيعوا لأمر تريده الحضرة منكم‏.‏ فجلس الثلاثة وانصرف الناس فقبض على ثلاثتهم وقتلوا في وقت واحد وأحيط بأموالهم وضياعهم ودورهم فوجد لحسين بن جوهر في جملة ما وجد سبعة آلاف مبطنة حريرا من سائر أنواع الديباج والعتابي وغيره وتسع متارد صيني مملؤة حب كافور قنصوري وزن الحبة الواحدة ثلاثة مثاقيل‏.‏ وأخذت الأمانات والسجلات التي كتبت لهم‏.‏ ). كان معهم ( الأمان ) ولم يغن عنهما شىء ، فتم قتلهما بعد إستدعائهما .

3 ـ ( واعتقل ابن عبدون وأمر بعمل حسابه ثم ضربت عنقه وقبض ماله‏.‏) وفى رواية : ( وقُتل ابن عبدون وأخذ ماله )

أوامر ونواهى تشريعية غريبة

منع التنزه ( ومنع من الركوب في المراكب بالخليج وسدت أبواب القاهرة التي مما يليالخليج وأبواب الدور والطاقات المطلة عليه والخوخ‏.‏

 ( واشتد الأمر في منع المسكرات وتتبع مواضعها‏.‏)

( ومنع الغناء واللهو وأمر الاتباع مغنية وألا يجتمع الناس في الصحراءومنع النساء من الحمام‏.‏ )

( وقبض على جماعة بسبب بيع النبيذ واعتقلوا وكبست مواضع ذلك‏.‏)

منع الملوخية وسمك القراميط :

(  وضُرب جماعة وشُهروا من أجل بيعهم الملوخية والسمك الذي لا قشر له وبسبب بيع النبيذ )

عام  402

الصلاة :

( وصلى مالك بن سعيد بالناس صلاة العيد‏.‏)

( ولم يركب الحاكم لصلاة عيد النحر فصلى بالناس مالك بن سعيد وخطب‏.‏)

المسجد مركزا لاعلان القرارات:

( وقرئ سجل بمنع الناس من السفر إلى مكة في البر والبحر ومن حمل الأمتعةوالأقوات إليها فرد قوم خرجوا إلى الحج من الطريق‏.‏ )

( واستهل شعبان يوم الاثنين فأمر أن يجعل أوله يوم الثلاثاء وأخذ جميعما عند التجار من السلاح بثمنه للخزانة‏.‏ )

الاحتفالات الدينية :

( وحضر القاضي مالك إلى جامع القاهرة في ليلة النصف من رجب‏.‏)

‏( وفي رجب قطع الرسم الجاري من الخبز والحلوى الذي كان يقام فيالثلاثة أشهر لمن يبيت بجامع القاهرة في ليالي الجمع والأنصاف‏.‏ )

( في ليلة النصف من شعبان كثر إيقاد القناديل في المساجد وتنافسالناس في ذلك )

أوامر ونواهى تشريعية غريبة

1 ـ ( وفي جمادى الآخرة منع بيع قليل الزبيب وكثيره وكوتب بالمنع من حملهوألقى في النيل منه شيء كثير‏.‏ ) ( وأحرق زبيب كثير كان في محارق التجار‏.‏ )

2 ـ وروايات فى التفصيل :

( في المحرم قلدت الشرطتان لمحمد بن نزال وأمر بتتبع المنكرات والمنعمنها وألا يباع زبيب أكثر من خمسة أرطال ولا تباع الجرار‏.‏ ) ( وفي سنة اثنتين وأربعمائة منع من بيع الزبيب وكوتب بالمنع من حمله وألقي في بحر النيل منه شيء كثير وأحرق شيء كثير ومنع النساء من زيارة القبور فلم يُر في الأعياد بالمقابر امرأة واحدة ومُنع من الإجتماع على شاطىء النيل للتفرّج ومُنع من بيع العنب إلا أربعة أرطال فما دونها ومنع من عصره وطُرح كثير منه وديس في الطرقات وغرّق كثير منه في النيل ومُنع من حمله وقطعت كروم الجيزة كلها وسيّر إلى الجهات بذلك‏. ) ( ومنع من بيع العنب وألا يتجاوز في بيعة أربعة أرطال ومنع من اعتصاره فبيع كل ثمانية أرطال بدرهم وطرح كثير منه في الطرقات وأمر بدوسه ومنع من بيعه ألبتة وغرق ما حمل منه في النيل‏.‏ وبعث شاهدين إلى الجيزة فأخذ جميع ما على الكروم من الأعناب وطرحت تحت أرجل البقر لدوسه وبعث بذلك إلى عدة جهات‏.‏ ) ( وتتبع من يبيع العنب واشتد الأمر فيه بحيث لم يستطع أحد بيعه فاتفق أن شيخا حمل خمرا له على حمار وهرب فصدفه الحاكم عند قائلة النهار على جسر ضيق فقال له‏:‏ من أين أقبلت قال من أرض الله الضيقة‏.‏ فقال‏:‏ يا شيخ أرض الله ضيقة فقال‏:‏ لو لم تكن ضيقة ما جمعتني وإياك على هذا الجسر‏.‏ فضحك منه وتركه‏.‏ )

3 ـ ( وفيهتشدده في المسكرات والمنع من بيع الفقاع والملوخية والسمك الذي لا قشر له والمنع من الملاهي ومن اجتماع الناس في المآتم واتباع الجنائز والمنع من بيع العسل إلا أن يكون ثلاثة أرطال فما دونها‏.‏) ( وجمع الصيادون وحلفوا أنهم لا يصطادون سمكا بغير قشر ومن فعل ذلك ضربت رقبته وتوالى إحراق الزبيب عدة أيام بحضرة الشهود وتولى مؤنة الإنفاق على حمله وإحراقه متولى ديوان النفقات فأحرق منه ألفان وثمانمائة وأربعون قطعة بلغت مؤنة الإنفاق . ) ( وتشدد الأمر في الإنكار على بيع الفقاع والملوخية والسمك الذي لا قشر له‏.‏ ) ( وجمع الشطرنج من أماكن متعددة وأحرق‏.‏ )

4 ـ ( ومنع الناس من الاجتماع في المآتم ومن اتباع الجنائز‏.‏) ( ومنع النساء من الخروج بعد العشاء الآخرة‏.‏ ) ( ولم يخرج من النساء إلى الصحراء فلم تر امرأة على قبر‏.‏ ) ( ومنع من الاجتماع على شاطىء النيل ومن ركوب النساء المراكب مع الرجال وخروجهن إلى مواضع الحرج مع الرجال‏.‏)

إضطهاد النصارى

ومنع النصارى من الاجتماع في عيد الصليب وأن يظهروا في المضي إلىالكنائس‏.‏

 عام 403

الصلاة

( وصلى بالجامع العتيق ( أى جامع الفسطاط ) بمصر جمعة . وهو أول من صلى فيه من الخلفاءالفاطميين‏.‏

ومنع النساء من الجلوس في الطرقات للنظر إليه‏.‏)

( وفي رمضان صلى الحاكم بالناس مرة ، وفي جامعه براشدة ومرة بجامعه خارجباب الفتوح . )

( وركب في يوم الفطر إلى المصلى بغير شيء مما كان يظهر في هذا اليوممن الزينة والجنائب ونحوها فكان   في عشرة أفراس جياد بين يديه بسروج ولجم محلاةً بالفضة البيضاء الخفيفة ومظلة بيضاء بغير ذهب وعليه بياض بغير طرز ولا ذهب ولا جوهر في عمامته ولم يفرش المنبر‏.‏ ) ( وركب الحاكم يوم عيد الفطر إلى المصلي بغير زينة ولا جنائب ولا أبهة سوى عشرة أفراس تقاد بسروج ولجم محلاة بفضة بيضاء خفيفة وبنود ساذجة ومظلة بيضاء بغير ذهب عليه بياض بغير طرز ولا ذهب ولا جوهر في عمامته . ولم يفرش المنبر . ) ( وصلى صلاة عيد النحر كما صلى صلاة عيد الفطر من غير أبهة ونحر عنه عبد الرحينبن الياس بن أحمد بن المهديّ ) .

المسجد مركزا لاعلان القرارات:

قرارات هامة تتناقض مع الدين الشيعى :

1 ـ ( وفي رجب قرئ سجل بمنع الناس من تقبيل الأرض للحاكم وبمنعهم من تقبيل ركابه ويده عند السلام عليه في المواكب والانتهاء عن التخلق بأخلاق أهل الشرك من الانحناء إلى الأرض فإنه صنيع الروم وأمروا أن يكون للسلام عليه‏:‏ السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته‏.‏ ونهوا عن الصلاة عليه في المكاتبة والمخاطبة وأن تكون مكاتبتهم في رقاعهم ومراسلاتهم بإنهاء الحال ويقتصر في الدعاء على سلام الله وتحياته وتوالى بركاته على أمير المؤمنين ويدعى له بما سبق من الدعاء لا غير‏.‏ فلما كان يوم الجمعة لم يقل الخطيب سوى‏:‏ اللهم صل على محمد المصطفى وسلم على أمير المؤمنين علي المرتضى اللهم وسلم على أمراء المؤمنين آباء أمير المؤمنين اللهم اجعل أفضل سلامك على سرك وخليفتك‏.‏ ) (وأمر الحاكم أن لا يُقَبَّل أحد له الأرض ولا يُقَبِّل ركابه ولا يده عند السلام عليه في المواكب فإنّ الانحناء إلى الأرض لمخلوق من صنيع الروم وأن لا يزاد على قولهم السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ولا يُصلى أحد عليه في مكاتبة ولا مخاطبة ويقتصر في مكاتبته على سلام الله وتحياته‏. ونوامي بركاته على أمير المؤمنين ويدعي له بما يتفق من الدعاء لا غير فلم يقل الخطباء يوم الجمع سوى اللهمّ صلّ على محمد المصطفى وسلم على أمير المؤمنين علي المرتضى اللهمّ وسلم على أمراء المؤمنين آباء أمير المؤمنين اللهم اجعل أفضل سلامك على عبدك وخليفتك ومُنع من ضرب الطبول والأبواق حول القصر فصاروا يطوفون بغير طبل ولا بوق .  ). ( ومنع من ضرب الطبول والأبواق التي كانت تضرب حول القصر في الليل فصاروا يطوفون بغير طبل ولا بوق‏.‏)

2 ـ ( وأنزل من القصر سبع صناديق فيها ألف ومائتان وتسعون مصحفا إلىالجامع العتيق ليقرأ فيها الناس‏.‏)

3 ( وأحصيت المساجد التي لا غلة لها فكانت ثمانمائة مسجد ونيف فأطلق لهافي كل شهر تسعة آلاف ومائتا درهم وعشرون درهما لكل مسجد اثنا عشر درهما‏.‏ ) ( وأنزل إلى جامع ابن طولون ثمانمائة مصحف وأربعة عشر مصحفا‏.‏وأبطلت مكوس الحسبة وأذن للناس بالتأهب للحج في البر والبحر‏.‏ )

4 ـ ومنع الناس من عمل حزن عاشوراء‏.‏

5 ـ  ( ومُنع الناس من سَب السلف وضرب في ذلك وشهر . ) وتفصيل فى هذه الرواية : ( ومنع الناس من سب السلف وضرب في ذلك رجل وشهر ونودي عليه‏:‏ هذاجزاء من سب أبا بكر وعمر وتبرأ الناس‏.‏ فشق هذا على كثير من الناس وتجمعوا يستغيثون وهم يستغيثون في الطرقات‏.‏ فقرئ سجل بالقصر فيه الترحم على السلف من الصحابة والنهي عن الخوض في مثل ذلك‏.‏ ورأى في طريقه وقد ركب لوحاً فيه سب على السلف فأنكره ووقف حتى قلع‏.‏ وتتبع الألواح التي فيها شيء من ذلك فقلعت كلها ومحى ما كان على الحيطان منها حتى لم يبق لها أثر‏.‏ وشدد في الإنكار على من خالف ذلك ووعد عليه بالعقوبة‏.‏  )

 أوامر ونواهى تشريعية غريبة

( في محرم ختم على مخازن العسل وجميع ما عند التجار والباعة منه ورفعتمكوس الساحل‏.‏ وغرق في أربعة أيام خمسة آلاف وواحد وخمسون زيراً من أزيال العسل‏.‏ ) ( وقبض على جماعة بسبب اللعب بالشطرنج وضربوا وحبسوا‏.‏ ) ( وفي جمادى الآخرة اشتد الإنكار بسبب الفقاع والزبيب والسمك‏.‏ ) ( وتشدد في منع ذبح الأبقار السالمة من العيب ومنع النساء من الغناء والنشيد‏.‏ ) ( وضرب جماعة بسبب اللعب بالشطرنج )

القتل

الحاكم يشعر بالندم لأن أحد القادة مات دون أن يقتله الحاكم : ( وهلك زرعة بن عيسى بن نسطورس من علته في ثاني عشره فكانت مدة نظرهفي الوساطة سنتين وشهرا فتأسف الحاكم على فقده من غير قتل وقال ما أسفت على شيء قط أسفي على خلاص ابن نسطورس من سيفي وكنت أود ضرب عنقه لأنه أفسد دولتي وخانني ونافق علي وكتب إلى حسان بن الجراح في المداجاة علي وأنه يبعث من يهرب به إليه‏.‏) وتناقض هذا مع ما فعله مع أخوة هذا الرجل : (  وخلع على إخوته الثلاثة وأقروا على ما بأيديهم من الدواوين‏.‏ )

( وقبض على جماعة فاعتقلوا وأمر بضرب أعناقهم ثم أطلقوا‏.‏)

الرعب والأمان

( وكثر ابتياع الناس للسيوف والسكاكين والسلاح وحمله من لم يحمله قطمن العوام والصناع وكثر الكلام فيه فقرئ سجل على منابر الجوامع بتطمين الناس وإعراضهم عن سماع أقوال المرجفين‏.‏ )

إضطهاد النصارى

( وأمر النصارى إلا الحبابرة بلبس العمائم السود والطيالسة السود وأنيعلق النصارى في أعناقهم صلبان الخشب ويكون ركب سروجهم من خشب ولا يركب أحد منهم خيلا وأنهم يركبون البغال والحمير وألا يركبوا السروج واللجم محلاةً وأن تكون سروجهم ولجمهم بسيور سود وأنهم يشدون الزنانير على أوساطهم ولا يستعملون مسلما ولا يشترون عبدا ولا أمة . وأذن للناس في البحث عنهم وتتبع آثارهم في ذلك فأسلم عدة من النصارى الكتاب وغيرهم‏.‏ وشدد الأمر عليهم ومنع المكاريون من تركيبهم وأخذوا بتسوية السروج والخفاف ومنعوا من ركوب النيل مع نواتية مسلمين‏.‏ ) ( وفيه أمر النصارى بعمل ركب السروج من خشب الجميز‏.‏ وألزم النصارى أن يكون الصليب الذي في أعناقهم طوله ذراع في مثله وكثرت إهاناتهم وضيق عليهم وأمروا أن تكون زنة الصليب خمسة أرطال وأن يكون فوق الثياب مكشوفا ففعلوا ذلك‏.‏ ولما اشتدت عليهم الأمور تظاهر كثير منهم بالإسلام فوقع الأمر بهدم الكنائس وأقطعت بجميع مبانيها وبمالها من رباع وأراض لجماعة وعملت مساجد وأذن في بعضها وبيعت أوانيها‏.‏ ووجد في المعلقة بمصر وفي كنيسة بو شنوده مال جزيل من مصاغ وثياب وغيره‏.‏ ) ( وتتابع هدم الكنائس وكتب إلى الأعمال بهدمها فهدمت‏.‏

وأقطعت الكنائس والديارات بنواحي بمصر لكل من التمسها‏.‏)( وفي ثاني ربيع الأوّل منها هلك عيسى بن نسطورس فأمر النصارى بلبس السواد وتعلق صلبان الخشب في أعناقهم وأن يكون الصليب ذراعًا في مثله وزنته خمسة أرطال وأن يكون مكشوفًا بحيث يراه الناس ومُنعوا من ركوب الخيل وأن يكون ركوبهم البغال والحمير بسروج الخشب والسيور السود بغير حلية وأن يَسدّوا الزنانير ولا يستخدموا مسلماَ ولا يشتروا عبدًا ولا أمة وتتبعت آثارهم في ذلك فأسلم منهم عدّة. )( وهُدمت الكنائس وأخذ جميع ما فيها ومالها من الرباع وكتب بذلك إلى الأعمال فهدمت بها . )

تناقض فى إحسانه للناس :

1 ـ إختلط بالناس يأخذ منهم الشكاوى ( القصص ) ، تقول الرواية : ( وأخذ القصص بيده ووقف لأهلها وسمع كلامهم وخالطه العوام وحالوا بينهوبين موكبه‏.‏ )

 2 ـ ( وكثرت إنعامات الحاكم فتوقف أمين الأمناء حسين بن طاهر الوزان في إمضائها فكتب إليه الحاكم بخطه بعد البسملة الحمد للّه كما هو أهله‏:‏ أصبحتُ لا أرجو ولا أتقي إلاّ إلهي و له الفضل جدي نبي وإمامي أبي ودينيَ الإخلاصُ والعدل المال مال الله عز وجل والخلق عباد اللّه ونحن أمناؤه في الأرض أطلق أرزاق الناس ولا تقطعها والسلام )

3 ـ ( واستماحه قوم فوصلهم بصلات كثيرة ، وأهدى إليه قوم مصاحف فقبلهاوأجازهم عليها‏.‏ ووقف عليه اثنان من تربة عمرو بن العاص وشكوا أن حبسهما قبض عليه للديوان من أيام العزيز فخلع عليهما ووصلهما بألف دينار‏.‏ وكثرت في هذا الشهر إنعاماته فتوقف أمين الأمناء حسين بن طاهر الوزان في ذلك فكتب إليه الحاكم بخطه بعد البسملة‏:‏ الحمد لله كما هو أهله‏.‏ أصبحت لا أرجو ولا أتقي سوى إلهي وله الفضل جدّي نبيّي وإمامي أبي وديني الإخلاص والعدل المال مال الله عز وجل والخلق عباد الله ونحن أمناؤه في الأرض‏.‏ أطلق أرزاق الناس ولا تقطعها والسلام‏.‏ وكان يركب كل ليلة بعد المغرب‏.‏ ووقف إليه خراساني يذكر أنه أخذ منه متاع برسم الخزانة ولم يدفع إليه ثمنه فدفع إليه جميع ما كان له وهو نحو خمسة آلاف دينار فشق به البلد وكثر الدعاء للحاكم‏.‏  ونزع السعر وكثر الازدحام على الخبز ففرق الحاكم مالاً على الفقراء‏.‏) .

 

الصلاة الشيطانية للخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله ( 6 )

من عام 404 الى مقتله عام 411

إزداد التناقض فى تشريعات الخليفة الفاطمى الحاكم ، وإزداد خروجه على ثوابت الدين الشيعى ، ومنه أن جعل ابن عمه ولى العهد وإزداد كرمه مع الناس وعطاياه مع تمسكه بإضطهاد أهل الكتاب وإستمرار التشريعات فى تحريم الفقاع والقراميط وخروج النساء ، وأضاف تشريعات جديدة ، هذا مع إدمانه الخروج راكبا حمارا وبهيئة لا تليق . لذا تخلصت منه اخته ست الملك بالقتل حرصا على الدولة الفاطمية ودينها الشيعى . ونعطى مختارات مما جاء فى تاريخه فى سنواته الأخيرة.

عام 404

الصلاة

( وفي رمضان صلى بالناس في الجوامع الأربعة‏:‏ جامع القاهرة والجامعخارج باب الفتوح وجامع عمرو وجامع راشدة . وتصدق بأموال كثيرة . وركب لصلاة الجمعة بجامع القاهرة فازدحم الناس عليه بعد ركوبه من الجامع إلى القصر فوقف لهم وأخذ رقاعهم وحادثهم وضاحكهم فلم يرجع إلى القصر من كثرة وقوفه ومحادثته العوام إلى غروب الشمس ووقع صلات كثيرة‏.‏ ). هنا هو يصلى الجمعة فى مسجد عمرو بن العاص .

( ‏وفي يوم النحر ركب عبد الرحيم بالعساكر إلى المصلى فصلى بالناس وخطب ونحر بالمصلى وبالملعب ولم يعمل سماط بالقصر‏.‏ ) ولى العهد ابن عم الخليفة يصلى بالناس فى المصلى .

( وركب لصلاة العيد بغير زي الخلافة ومظلته بيضاء وعبد الرحيم يسايرهوهو حامل الرمح الذي من عادة الخليفة حمله وأصعده معه المنبر ودعا له‏.‏ ) الخليفة يصلى العيد بغير الزى الرسمى ومعه على المنبر ولى العهد .

المسجد

( وأقيم عبد الرحيم بن الياس وليّ العهد . وأمر أن يُقال في السلام عليه السلام على ابن عمّ أمير المؤمنين ووليّ عهد المسلمين وصار يجلس بمكان في القصر)

فى المسجد كان التنصيب الرسمى لولى العهد : ( ودعا فوق المنابر بنفسهلعبد الرحيم بن إلياس فقال‏:‏ اللهم استجب منى في ابن عمي وولي عهدي والخليفة من بعدي عبد الرحيم بن إلياس بن أحمد بن المهدي بالله أمير المؤمنين كما استجبت من موسى في أخيه هرون‏.‏ ) التفاصيل فى هذه الرواية : ( وفيه جمع سائر الناس على اختلافهم بالقصر وقرئ عليهم سجل بأن أبا القاسم عبد الرحيم بن إلياس بن أبي علي بن المهدي بالله أبي محمد عبيد الله قد جعله الحاكم بأمر الله ولي عهد المسلمين في حياته والخليفة بعد وفاته وأمر الناس بالسلام عليه وأن يقولوا له في سلامهم عليه‏:‏ السلام على ابن عم أمير المؤمنين وولي عهد المسلمين وتعين له محل يجلس فيه من القصر‏.‏ ثم قرئ السجل على منابر البلد وبالإسكندرية وبعث بذلك سجلاً إلى إفريقية فقرئ بجامع القيروان وغيره وأثبت اسمه مع اسم الحاكم في البنود والسكة والطراز‏.‏

فعظم ذلك على نصير الدولة أبي مناد باديس وقال‏:‏ لولا أن الإمام لايعترض عليه في تدبير لكاتبته ألا يصرف هذا الأمر وخلع على عبد الغني بن سعيد ودفع له ألف وخمسمائة دينار وخمس عشرة قطعة ثياب وحمل على بغلة ولرفيقه مثل ذاك‏.‏ )

( ونزل الذين عادتهم النزول في يوم عاشوراء إلى القاهرة من المنشدينوغيرهم أفراداً غير مجتمعين ولا متكلمين فما اجتمع اثنان في موضع‏.‏ ) أى منع الاحتفال بعاشوراء

إضطهاد أهل الكتاب

( في محرم أمر ألا يدخل يهودي ولا نصراني الحمام إلا ويكون مع اليهوديجرس ومع النصارى صليب‏.‏)

(  وفي سنة أربع وأربعمائة ألزم اليهود أن يكون في أعناقهم جرس إذا دخلوا الحمام وأن يكون في أعناق النصارى صلبان . ) ( وأمر اليهود والنصارى بالخروج من مصر إلى بلاد الروم وغيرها ).

تشريعات غريبة ومتناقضة 

نوردها على الترتيب ونترك للقارى التعجب من التناقض بينها :

( ونهى عن الكلام في النجوم فتغيب عدة من المنجمين وبقي منهم جماعةوطردوا وحذر الناس أن يخفوا أحداً منهم فأظهر جماعة منهم التوبة فعفى عنهم وحلفوا ألا ينظروا في النجوم‏.‏ )

( وأمر بغلق سائر الدواوين وجميع الأماكن التي تباع فيها الغلالوالفواكه وغيرها ثلاثة أيام من آخر حزن عاشوراء فلما كان يوم عاشوراء أغلقت سائر حوانيت مصر والقاهرة بأسرها إلا حوانيت الخبازين‏.‏ )

( وأكثر الحاكم في هذا الشهر من الصدقاتوإعطاء الأموال الكثيرة جدا‏.‏ )

( وأعتق سائر مماليكه وجواريه‏.‏)

( وبلغ الحاكم أن أبا القاسم علي بن أحمد الزيدي النقيب عليه عشرونألف دينار فوقع له بها مما عليه من الخراج وبعث له بثلاثة آلاف دينار أخرى‏.‏)

( وكثر ركوب الحاكم وهو بدراعة صوف وبيضاء وعمامة فوطة وفي رجله حذاءعربي بقبالين فأقبل الناس إليه بالرقاع ما بين متظلم أو مستمنح فأجزل في الصلات والعطايا ما بين دور ودراهم وثياب فلم يرد أحد خائبا‏.‏ )

( ورد ما كان في الديوان من الضياع والأملاك المأخوذة لأربابها وأقطعكثيرا من الناس عدة آدر‏.‏

وفي ربيع الأول بسط الحاكم يده بالعطاء‏.‏)

( وقتل الكلاب فقتلت بأجمعها)

( وأبطل مكس الرطب ومكس دار الصابون ومبلغه ستة عشر ألف دينار وأطلق أموالا جزيلةللصدقة‏.‏ )

( ونزل ليلة النصف من شعبان إلى القرافة ومشى فيها وتصدق بشيء كثيروأبطل عدة جهات من جهات المكس‏.‏ )

( ومنع النساء أن يخرجن إلى الطرقات في ليل أو نهار سواء أكانت المرأةشابةً أم عجوزاً فاحتبسن في بيوتهن ولم تر امرأة في طريق . وأغلقت حماماتهن . وامتنع الأساكفة من عمل خفاف النساء وتعطلت حوانيتهم‏.‏ )

( وفي سادس عشره وقع في الناس خوف وفزع من شناعة القول وكثرة إشاعتهبأن السيف قد وقع في الناس فتهارب الناس وغلقت الحوانيت فلم يكن سوى القلب‏.‏ )

( وضرب قوم خالفوا النهي عن بيع الملوخية والسمك الذي لا قشر لهوشهروا‏.‏ )

( وضرب كثير من النساء من أجل خروجهن من البيوت وحبسن‏.‏)

( وقرئ سجل بالمنع من تفتيش المسافرين في البحر والبر والنهي عنالتعرض‏.‏ )

 ( ومنع من عادته الطواف في الأعياد بالأسواق لأخذ الهبات من الرجالةوالبواقين‏.‏)

( ولم يعمل في القصر سماط ولا رؤيت امرأة ولا أبيع شيء مما عادته يباعفي الأعياد من اللعب والتماثيل‏.‏ )

( واشتد الأمر في منع النساء من الخروج وحبس عدة عجائز وخدم وجدن فيالطرقات‏.‏ )

( وقرئ سجل بأن كل من كانت له مظلمة فليرفعها إلى ولي العهد فجلس عبدالرحيم ورفعت إليه الرقاع فوقع عليها‏.‏ )

( وواصل الحاكم الركوب في العشايا‏.‏)

( واصطنع خادما وكاتبا أسود كناه بأبي الرضا سعد وأعطاه من الجواهروالأموال ما يجل وصفها وأقطعه إقطاعات كثيرة فقصده الناس لحوائجهم ولزموا بابه لمهماتهم فتكلم لهم مع الحاكم فلم يرد سؤاله في شيء‏.‏ وكان مما يسأل فيه إقطاعات للناس تتجاوز خمسين ألف دينار‏.‏ )

أفظع تناقض :

وقع ضحية تناقض الحاكم فى هذا العام إثنان هما ( الجرجائى ) . أمر الحاكم بقطع يديه هذا العام 404 . وكان الجرجائى كاتبا للقائد (غين ) . وكان الحاكم قد قطع يد القائد ( غين ) عام 401 ، ثم بعد قطع يدى الجرجرائى باسبوعين أمر الحاكم بقطع اليد الأخرى للقائد ( غين ) قطع يده الأخرى فصار القائد (غين ) مقطوع اليدين . ثم أنعم عليه الحاكم وأمر بمداوته ، ثم أمر بقطع لسانه . ثم جعله يسير فى موكب عظيم للقصر..!! تقول الروايات : ( وفي ثامن عشر ربيع الآخر أمر الحاكم بقطع يدي أبي القاسم أحمد بنعلي الجرجرائي فقطعتا جميعاً وهو يومئذ كاتب قائد القواد غين‏.‏ ) ( وفي ثالث جمادى الأولى قطعت يد غين بعد قطع يد كاتبه الجرجرائي بخمسة عشر يوماً وكانت يده الأخرى قد قطعت قبل ذلك بثلاث سنين وشهر فصار مقطوع اليدين‏.‏ ثم إن الحاكم بعث إليه بآلاف من الذهب وعدة أسفاط من الثياب وأمر بمداواته‏.‏  فلما كان في ثالث عشره أمر بقطع لسان غين فقطع‏.‏  وفى رجب  ركب قائد القواد غين إلى القصر في موكب عظيم فخلع عليه‏.‏) ( وفي ربيع الآخر أمر بقطع يدي أبي القاسم الجرجانيّ وكان يكتب للقائد غين ثم قطع يد غين فصار مقطوع اليدين وبعث إليه الحاكم بعد قطع يديه بألف من الذهب والثياب ثم بعد ذلك أمر بقطع لسانه فقُطع‏.‏)..

عام 405

قتل

( وفي سنة خمس وأربعمائة قتل مالك بن سعيد الفارقي في ربيع الآخر وكانت مدّة نظره في قضاء القضاة ست سنين وتسعة أشهر وعشرة أيام وبلغ إقطاعه في السنة خمسة عشر ألف دينار .) ( وفي جمادى الآخرة منها قُتِل الحسين بن طاهر الوزان فكانت مدّة نظره في الوساطة سنتين وشهرين وعشرين يومًا فأمر أصحاب الدواوين بلزوم دواوينهم ) ( وقتل ابني أبي السيد فكانت مدّة نظرهما اثنتين وستين يومًا وقلد الوساطة فضل بن جعفر بن الفرات ثم قتله في اليوم الخامس من ولايته. )

عام 407

الصلاة والمسجد

( وفي يوم الجمعة رابع رمضان ركب ولي العهد فصلى بالجامع الأنورالجديد بباب الفتوح في موكب الخلافة ثم صلى جمعة أخرى بجامع القاهرة ثم جمعتين بالجامع الجديد‏.‏)

( وركب ولي العهد يوم الفطر في موكب الخلافة وصلى بالناس في المصلىوخطب‏.‏ )

( ومنع مؤذنو القصر وجامع القاهرة من قولهم بعد الأذان‏:‏ السلام علىأمير المؤمنين وأن يقولوا بعد الأذان‏:‏ السلام من الله‏.‏ )

( واستمر على مواصلة الركوب إلى ليلة النحر قرب العشاء وشق البلدوالطرادون يفرقون الناس عنه‏.‏

وصلى ولي العهد صلاة عيد النحر ولم يضح بشيء ونهى الناس عن ذبحالبقر‏.‏ )

تناقضات

( في المحرم تزايد وقوع النار وكثر الحرق فيالأماكن فأمر الناس باتخاذ القناديل على الحوانيت وعلى أريافها وطرحت السقائف والرواشن )

( وأمر بقتل الكلاب فقتل منها كثير‏.‏)

( وعظم الحريق ووقعت في أمره شناعات من القول فقرئ سجل في الجوامعبزجر السفهاء والكف عن أحوال تفعل وأن يدخل الناس إلى دورهم من بعد صلاة العشاء‏.‏ فأغلقت الدور والحوانيت والدروب من بعد صلاة المغرب وكثر الكلام وعظم الترحم في الليل‏.‏ )

( وفيه ركب الحاكم مرتين فرفعت إليه الرقاع فأمر برافعيها فحبسوا‏.‏)

( وحبس عدة قياسر وأملاك مع سبع ضياع بإطفيح وطوخ على القراءوالمؤذنين بالجوامع وعلى ملء المصانع والمارستان وثمن الأكفان‏.‏ )

( وفي ربيع الأول واصل الركوب وأخذ الرقاع ووقف مع الناس طويلا . ثمامتنع من أخذ الرقاع وأمر أن ترفع إلى عبد الرحيم وإلى القاضي مالك وإلى أمين الأمناء فتناولوا الرقاع‏.‏ )

( وفي جمادى الأولى رد الحاكم على بني عمرو بن العاص حبس جدهم عمرو بنالعاص ) . هذا خروج على ثوابت الدين الشيعى الذى يلعن عمرو بن العاص .

( وتزايد ركوب الحاكم حتى كان يركب في اليوم الواحد عدة مرات وعظمتهباته وعطياته‏.‏ )

( ثم أمر بابتياع الحمير وصار يركبها من تحت السرداب إلى باب البستانإلى المقس ويغلق الأبواب التي يتوصل منها إلى المقس وقت ركوبه ومنع الناس من الخروج إلى هذه المواضع‏.‏ )

( وفي جمادى الآخرة  ....وركب الحاكم بصوف أبيض وعمامة مفوطة بمظلة مثلهاوولي العهد يسايره وعليه ثوب مثقل ومعهم الجواهر‏.‏ )

( واعتل الحاكم أياما فركب على حمار بشاشية مكشوفة وأكثر من الحركة فيالعشيات إلى المقس والتعدية إلى الجيزة وهو على الحمار‏.‏ ) ( وأكثر من الركوب في النيل‏.‏ ) ( وواصل الركوب في كل غداة وهو على الحمار‏.‏ ) ( وأكثر الحاكم فيه من الركوب فركب في يوم واحد ست مرات تارة على فرس وأخرى على حمار ومرة في محفة تحمل على الأعناق ومرة في عشارى في النيل بشاشية لا عمامة عليها‏.‏ ‏)

( وفيه كثرت صلات الحاكم ومواهبه وإقطاعاته للناس حتى خرج في ذلك عنالحد‏.‏

وخرج الحاكم عن المعهود في العطاء والإقطاعات حتى أقطع النواتيةالذين يجدفون به في العشاري وأقطع المشاعلية وكثيرا من الوجوه والأقارب وبني قرة فكان مما أقطع الإسكندرية والبحيرة ونواحيها‏.‏ )

 ( وقرئ سجل بأن يكون ما يرفعه الناس من حوائجهم في ثلاثة أيام يومالسبت للكتاميين والمغاربة ويوم الاثنين للمشارقة ويوم الخميس لسائر الناس كافة وأن يتجنبوا لقاء أمير المؤمنين ليلاً ونهاراً بالرقاع فما يتعلق بالمظالم فإلى ولي العهد وما يتعلق بالدعاوى فإلى قاضي القضاة وما استصعب من ذلك ينتهي إلى أمير المؤمنين‏.‏ )

( وتشدد الأمر في منع النساء من الخروج في الطرقات ومن التطلع فيالطيقان بأسرهن شبابهن وعجائزهن‏.‏ )

قتل

( وأكثر من فلما كان يوم السبت سادس عشري ربيع الآخر ركب في الليل علىرسمه إلى الجب وتلاحق به الناس وفيهم قاضي القضاة مالك بن سعيد فلما أقبل على الحاكم أعرض عنه فتأخر وإذا بصقلبي يقال له غادى يتولى الستر والحجية أخذه وسار به إلى القصور وألقاه مطروحا بالأرض فمر به الحاكم وأمر بمواراته فدفن هناك بثيابه وخفيه‏.‏ وكانت مدة نظره في الأحكام عشرين سنة منها ست سنين وتسعة أشهر قاضي القضاة وباقيها خلافة لبني النعمان‏.‏ )

 ( وبلغ الحاكم أن ثلاثة من الركابية أخذوا هبة منالرسول فأمر بقتلهم فقتلوا من أجل ذلك‏.‏ )

( وفي جمادى الآخرة ركب الحاكم ومعه أمين الأمناء الحسين بن طاهرالوزان على رسمه فلما انتهى إلى حارة كتامة خارج باب القاهرة أمر فضربت رقبة ابن الوزان ودفن مكانه‏.‏ فكانت مدة نظره في الوساطة سنتين وشهرين وعشرين يوما وكان توقيعه عن الحاكم‏:‏ الحمد لله وعليه توكلي‏.‏ وتقدم الأمر لسائر أرباب الدواوين بلزوم دواوينهم‏.‏

( وفي نصفه قتل ابنا أبي السيد حسين وعبد الرحيم ضربت أعناقهما بالقصرفكانت مدة نظرهما اثنين وتسعين يوما‏.‏ )

( وفي سابع عشره تقلد أبو العباس فضل بن جعفر بن الفرات الوساطة ولميخلع عليه فجلس ووقع ثم قتل في اليوم الخامس من جلوسه‏.‏ )

سنة 408

شهد هذا العام الدعوة الدرزية لتأليه الحاكم

( قدم مصر داع عجمي اسمه محمد بن اسماعيل الدرزي واتصل بالحاكم فأنعمعليه‏.‏ ودعا الناس إلى القول بإلهية الحاكم فأنكر الناس عليه ذلك ووثب به أحد الأتراك ومحمد في موكب الحاكم فقتله وثارت الفتنة فنهبت داره وغلقت أبواب القاهرة‏.‏ واستمرت الفتنة ثلاثة أيام قتل فيها جماعة من الدرزية وقبض على التركي قاتل الدرزي وحبس ثم قتل‏.‏ ثم ظهر داع آخر اسمه حمزة بن أحمد وتلقب بالهادي وأقام بمسجد تبر خارج القاهرة ودعا إلى مقالة الدرزي وبث دعاته في أعمال مصر والشام وترخص في أعمال الشريعة وأباح الأمهات والبنات ونحوهن وأسقط جميع التكاليف في الصلاة والصوم ونحو ذلك‏.‏ فاستجاب له خلق كثير فظهر من حينئذ مذهب الدرزية ببلاد صيدا وبيروت وساحل الشام . ) ولا تزال الديانة الدرزية حتى الان فى لبنان و فلسطين ( واسرائيل ).

سنة   409

العجب العُجاب

(  وأكثر الحاكم من الركوب فركب في يوم ستة مرّات مرّة على فرس ومرّة على حمار ومرّة في محفة تحمل على الأعناق ومرّة في عشاري في النيل بغير عمامة )

التخلص من ولى العهد : ( وولى عبد الرحيم بن الياس دمشق فسار إليها في جمادى الاَخرة سنة تسع وأربعمائة فأقام فيها شهرين ثم هجم عليه قوم فقتلوا جماعة ممن عنده وأخذوه في صندوق وحملوه إلى مصر ثم أعيد إلى دمشق فأقام بها إلى ليلة عيد الفطر وأخرج منها‏. ) وهذه الرواية تعطى تفصيلا : ( وفيها عزل الحاكم سديد الدولة عن دمشق ووليها عبد الرحيم بن إلياسوسار إليها لعشرين من جمادى الآخرة فبينما هو قصره إذ هجم عليه قوم ملثمون فقتلوا جماعةً من غلمانه ثم أخذوه ووضعوه في صندوق وحملوه إلى مصر‏.‏ فلم يكن بها أكثر من شهرين ثم أعيد إلى دمشق فأقام بها ليلة العيد‏.‏ وورد من مصر رجل يقال له أبو الداود المغربي ومعه جماعة وأخرجوا عبد الرحيم وضربوا وجهه وأصبح الناس يوم العيد وليس لهم من يصلي بهم‏.‏ وعجب الناس من هذه الأمور‏.‏ )

ثم التخلص من الزير ابن فلاح : (  في آخر شوال ركب الوزير علي بن جعفر بن فلاح إلى البرك التي قبلالخليج خارج القاهرة فثار عليه فارسان فأخذه أحدهما فألقاه وفرا فلم يعرف خبرهما وحمل إلى داره فمات من الأخذ‏.‏ )

 بعدها كان التخلص من الخليفة الحاكم نفسه عام 411 .

 

 

الفصل التاسع عشر : الصلاة الشيطانية فى الدولة المملوكية 

 

 مقدمة :

1 ـ كان مستغربا أن يحكم المماليك ( وهم رقيق سابقا) مصر ويمتد ملكهم الى حدود العراق وجنوب آسيا الصغرى مع الحجاز . المعارضة الكبرى بدأت من مصر ضد عز الدين أيبك أول سلطان مملوكى. لم يرض المصريون أن يحكمهم مماليك الأيوبيين . يقول المؤرخ المملوكى جمال الدين أبو المحاسن ( إبن تغرى بردى ) فى تاريخه ( النجوم الزاهرة ) : ( أن أهل مصر لم يرضوا بسلطان مسه الرق , وظلوا إلى أن مات السلطان أيبك وهم يسمعونه ما يكره حتى في وجهه إذا ركب في الطرقات ) ولذا اشتد هذا السلطان فى فرض هيبته على المصريين .  يقول المقريزى في حوادث سنة 648هـ التى شهدت قيام الدولة المملوكية البحرية : ( وفيها كثر ضرر المماليك البحرية بمصر، ومالوا على الناس ، وقتلوا ونهبوا الأموال وسبوا الحريم ، وبالغوا في الفساد حتى لو حكم الفرنج ما فعلوا فعلهم)، أى لو حكم الصليبيون مصر فإنهم- فى رأي المقريزى- لن يظلموا المصريين بالقدر الذى فعله بهم المماليك المسلمون.ويقول المقريزى في ترجمة للسلطان أيبك أول سلطان مملوكى (وكان ملكاً حازماً شجاعاً سفاكاً للدماء، قتل خلقاً كثيراً، وشنق عالماً من الناس بغير ذنب ليوقع في القلوب مهابته، وأحدث مظالم ومصادرات عمل بها من بعده) .أى أن السلطان أيبك استن سنة سيئة عمل بها خلفاؤه المماليك هى القسوة المتناهية فى قهر المصريين حتى لا يثوروا .

 2 ـ تصدى المماليك للمغول وهزموهم فى معركة عين جالوت 658 ، وتصدووا للصليبيين حتى إستأصلوا شافتهم باستيلاء الاشرف خليل بن قلاوون على عكا ثم صور وبيروت وانطرطوس وعثيلت وارواد ، وأنهي المماليك بذلك الحروب الصليبية التي بدأت قبلهم بنحو قرن ونصف القرن وخلصت لهم سيطرتهم على الشام .

 3 ـ وقع على كاهل السلطان الظاهر بيبرس عبء توطيد الدولة المملوكية ، وهو الذى أرهق الصليبيين بغاراته وارهق أيضا المغول حكام العراق. ولكنه فيما يخص موضوعنا أسّس الشرعية الدينية للدولة المملوكية بنقل الخلافة العباسية الى القاهرة ليكون الخليفة العباسى هو الذى يعقد شرعية السلطان المملوكى حين يتولى السلطة ، وبتأسيس المذاهب الأربعة وقضاتها السنيين ، وبناء المساجد . ونتوقف ببعض التفصيل :

أولا : إقامة الخلافة العباسية فى القاهرة بعد إحتلال المغول بغداد والعراق:

1 ـ لم ينس المماليك أن آخر خليفة عباسى فى بغداد إعترض على تولية شجرة الدر السلطنة بعد موت السلطان الصالح أيوب وهزيمة الحملة الفرنسية التى قادها لويس التاسع. لم يشفع عند الخليفة العباسى أسر لويس التاسع وإبادة جيشه بقيادة شجرة الدر والمماليك الذين إختاروها سلطانة فبعث يتندر إن كانت مصر قد خلت من الرجال. وتحاشيا لإغضابه والرأي العام معه فقد تم حل المشكلة بأن تتزوج من أيبك الداودار ، وتقاسما السلطة وصارت شجرة الدار تحكم ولكن من وراء ستار.

2 ـ دعا الظاهر بيبرس أحد أقارب الخليفة العباسي الذى قتله المغول عام 658 ونصبه خليفة في القاهرة . إلا أن بيبرس تخوف من الخليفة الجديد فحجر عليه ثم قرر أن يتخلص منه فبعثه بجيش صغير ليحارب المغول فهزم وقتل ، وعين آخر محله .

واقتصر دور الخليفة على مبايعة كل سلطان ، أى مجرد ( مأذون شرعى ) يقوم بعقد الشرعية السنية على السلطان المملوكى. بل كان الخليفة العباسى يعطى مشروعية دينية للحكام خارج الدولة المملوكية ، فقد جاء سفير ملك الهند يطلب من الخليفة العباسى بالقاهرة ومن السلطان قايتباى تقليداً له بالحكم  ، وفق ما ذكره المؤرخ ابن الصيرفى فى كتابه ( إنباء الهصر فى أنباء العصر ). 

3 : كان الخليفة العباسى الأول فى الترتيب الرسمى قبل السلطان نفسه، ومع ذلك لم يكن للخلفاء العباسيين فى دولة المماليك نفوذ. والسيوطي عاصر السلطان قايتباى وكان صديقا للخليفة العباسى فى القاهرة، وفى كتابه ( تاريخ الخلفاء ) أفرد جزءا للتأريخ للخلفاء العباسيين فى القاهرة . وفي حديثه عن علو شأن الخلافة العباسية في بغداد حتى مع ضعف سلطة الخليفة فى العصر العباسى الثانى قال السيوطى يتحسّر عن حال الخلفاء العباسيين في القاهرة:( وقد صار الأمر في زماننا إلى أن الخليفة يأتى السلطان يهنئه برأس الشهر، فأكثر ما يقع من السلطان في حقه أن ينزل عن مرتبته ويجلسا معاً خارج المرتبة، ثم يقوم الخليفة يذهب كأحد الناس ، ويجلس السلطان في دست مملكته. وقد حُدّثت أن السلطان الأشرف برسباى لما سافر إلى آمد لقتال العدو وصحب الخليفة معه كان الخليفة راكباً أمامه، يحجبه،( أى يعمل حاجباً أمامه)، والهيبة والعظمة للسلطان، والخليفة كأحد الأمراء الذين في خدمة السلطان.).

ويتفق معه المؤرخ ابن الصيرفى الذى يقول عن الخليفة العباسى فى عهده وهو ( المستنجد ) : ( ليس له في الخلافة إلا الإسم.)،.كان مجرد رمز تكتمل به ملامح  الدولة الدينية للنظام المملوكي. أما السلطان المملوكى فهو الحاكم الفعلي الذى يقود الجيش ويمثل السلطة الزمنية السياسية ويحيط عنقه بقلادات السلطة الدينية .

4 ـ وبها أصبحت الرموز الدينية للدين الأرضى السائد خدما للسلطان . ونستشهد بالمؤرخ ابن الصيرفى الذى كان معاصرا لما يسجله من أحداث فى تاريخه (إنباء الهصر ) يقول عن أحداث يوم السبت أول ربيع الثاني 877: ( صعد فيه قضاة القضاة لتهنئة السلطان بالشهر على العادة وكان يتقدمهم أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو العز عبد العزيز دام شرفه، فهنأه بالشهر، ثم دخل القضاة بعد أن جلسوا طويلاً بجامع الناصر ابن قلاوون ينتظرون الأذن، فإن السلطان نصره الله كان يلعب بالكرة هو والأمراء المتقدمون ، فلما فرغوا جلس بالحوض السلطانى تحت الدكة ، وكنت معهم ، فهنّوا ودعوا وانصرفوا ، ولم يتكلم أحد منه ببنت شفة". ) . الخليفة العباسى ( يصعد ) الى السلطان ليهنئه بأول الشهر العربى ( كالعادة ). ومعه القُضاة وضمنهم المؤرخ القاضى ابن الصيرفى . 

ثانيا : تأسيس النظام القضائى السُنّة بالمذاهب الأربعة

1 ـ يقول المقريزى عن السلطان الظاهر بيبرس : ( .. فلما كانت سلطنة الملك الظاهر بيبرس البندقداريّ ولي بمصر والقاهرة أربعة قضاة وهم شافعيّ ومالكيّ وحنفيّ وحنبليّ‏. ) وصار هذه سُنّة متبعة تٌام لها دور العبادة بأنواعها من مساجد ومؤسسات صوفية كالخوانق والزوايا والأربطة ، ومن يخرج عن هذا يتعرض للعداء كخارج عن الدين. يقول المقريزى : ( فاستمرّ ذلك من سنة خمس وستين وستمائة حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب أهل الإسلام سوى هذه المذاهب الأربعة وعقيدة الأشعريّ ، وعُملت لأهلها المدارس والخوانك والزوايا والربط في سائر ممالك الإسلام ، وعُودي من تمذهب بغيرها وأنكر عليه ، ولم يولّ قاض ولا قبلت شهادة أحد ولا قدّم للخطابة والإمامة والتدريس أحد ما لم يكن مقلدًالأحد هذه المذاهب ، وأفتى فقهاء هذه الأمصار في طول هذه المدّة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها والعمل على هذا إلى اليوم.) هذا ما قاله المقريزى ، وهو الحال حتى اليوم.  

2 ـ كان القضاء في العصر المملوكي نوعين: قضاء شرعى وقضاء سياسي. والقضاء الشرعى يرأسه القاضى الشافعي الذى يعين نوابا عنه في الأقاليم المصرية يقوم كل منهم بوظيفة القاضى في بلد، ويقوم القضاة الأحناف والمالكية والحنابلة بتعيين نواب عنهم أيضاً ولكن يقف القاضى الشافعي في المقدمة على رأس الهيئة القضائية الشرعية، ويختص إلى جانب ذلك بالنظر في أمر الأيتام والأوقاف وبيت المال، ثم هو خطيب الجامع الأعظم بالقلعة.وعدد نواب القضاة في الأقاليم أكثر من مائتى نائب أو قاض للحكم فى منطقته المحلية، وكل قاض منهم لقبه نائب أى ينوب عن قاضى القضاء في المنطقة التى بها المحكمة الشرعية. كان القضاء جزءا من الدولة المملوكية ، وكانوا يصعدون مع الخليفة العباسى الى السلطان يهنئونه بمقدم الشهر العربى. كما سبقت الإشارة اليه. وهم بهذا يمثلون خضوع الدين السنى للسلطان المملوكى.

3 ــ وكان السلطان المملوكى العسكرى مؤلها ، فقد كان من الطقوس الدينية، أو من المراسيم المملوكية وقواعد البروتوكول أن يسجد الناس أمام السلطان المملوكي أو أن يقبلوا الأرض بين يديه. كان الجميع يفعلون ذلك من الخليفة العباسى إلى القضاة الأربعة وسائر الأمراء. وكان التعبير المعتاد أن يقال أن فلاناً "صعد" إلى القلعة وقبّل الأرض بين يدى السلطان . وكلمة "صعد" كانت تتكرر في وصف أى زيارة يقوم بها أى شخص للسلطان لتوحي بتقديس السلطان وتأليهه، يقول ابن الصيرفي عن الأتابك أزبك قائد الجيش:( وصعد القلعة بعد عصر يومه المذكور، فقبّل الأرض.)،ويتكرر مع وصف السلطان بعبارات دينية مثل(المواقف الشريفة شرّفها الله وعظّمها ،) ففي وم (الأحد أول رجب 873) ووصل سفير الأمير حسن بك سلطان ديار بكر يقول ابن الصيرفي :( فصعد بين يدى المواقف الشريفة شرّفها الله وعظّمها، وقّبل الأرض.).   وقايتباى حين كان أميرا فى سلطنة السلطان المنصور عثمان بن جقمق كان يسجد له أيضا.وحتى في الرسائل الموجهة للسلطان يقال له:( وبعد تقبيل الأرض والدعاء للسلطان. )، وهذا ما كتبه الأتابك أزبك في رسالته. وحين يتعطف السلطان على أحدهم ويرفعه فوق مرتبته يسمح له بأن يقبل يده، وفي أحداث يوم الاثنين 5 جمادى الثانية 876 يقول ابن الصيرفى : ( صعد القاضى عبد البر بن الشحنة إلى السلطان وقبّل يده فأكرمه.).

4 ـ بهذا يمكن القول بأن الدولة المملوكية دولة عسكرية دينية إذا نظرنا الى مؤسساتها الدينية ووجود الخلافة العباسية فى القاهرة بما تمثله هذه الخلافة من كهنوت دينى ، وبما يتمتع  السلطان المملوكى من تأليه ، وهو الذى يطبق الشريعة السّنية بأعوانه من العلماء ورجال الدين، ومنشآت العصر كلها مدارس وخوانق ومساجد وجوامع لتدريس العلوم الدينية الشريفة، والخليفة العباسى يسجدون له ومعه قضاة ( الشرع الشريف ). وهم أعوانه فى الظلم حيث إرتبط طقوس العبادة بأشد أنواع الظلم المملوكى،ومعها المساجد الشيطانية المملوكية .  

ثالثا : تأسيس وإنتشار المساجد ( الشيطانية )

1 ـ المساجد قبل الظاهر بيبرس كانت معدودة ، اشهرها (الجامع العتيق ) فى الفسطاط ،   فى مدينة الفسطاط التى بناها عمرو . ثم بنى العباسيون مدينة العسكر ، وبنى فيها الوالى العباسى السرى بن الحكم  مسجد العسكر . وبنى أحمد بن طولون مدينة القطائع وبنى فيها مسجده ( أحمد بن طولون )  . ثم بنى جوهر الصقلى مدينة القاهرة والجامع الأزهر ، ثم بنى العزيز بالله الفاطمى  عام 380 جامعا أتمّه ابنه الحاكم فحمل إسم ( جامع الحاكم ) وبنى الحاكم مسجد راشدة وجامع المقس . ثم بنى صلاح الدين الأيوبى للصوفية خانقاه سعيد السعداء ليحارب بالتصوف السنى الدين الشيعى. واتصلت مبانى الفسطاط بالعسكر بالقطائع بالقاهرة ، واصبح فى العصر المملوكى يطلق عليها ( مصر والقاهرة ) . قال المقريزى فى ( الخطط ) : (  فلما كانت الدولة التركية ( المملوكية ) حدث بالقاهرة والقرافة ومصر وما بين ذلك عدة جوامع أقيمت فيها الجمعة وما برح الأمر يزداد حتى بلغ عدد المواضع التي تقام بها الجمعة فيما بين مسجد تبر خارج القاهرة من بحريها إلى دير الطين قبلي مدينة مصر زيادة على مائة موضع‏...) ( .. وقد بلغت عدة المساجد التي تقام بها الجمعة مائة وثلاثين مسجدًا‏. )، أى إمتلأت القاهرة بحوالى مائة مسجد أو جامع كبير تُقام فيه صلاة الجمعة ، هذا عدا المؤسسات الصوفية من زوايا وأضرحة وخوانق ورُبط ( جمع رباط ) .

2 ـ  كانت البداية فى سلطنة الظاهر بيبرس . كان صلاح الدين الأيوبى قد أغلق الجامع الأزهر الذى كان مركز الدين الشيعى . وظل معطلا مائة عام  حتى جاء الظاهر بيبرس فقام بترميم الجامع الأزهر ، واوقف عليه الأوقاف ، وأعاد فيه صلاة الجمعة ليكون معبرا عن دين التصوف السنى السائد فى الدولة المملوكية ، قال المقريزى فى (الخطط ) عن الجامع الأزهر : ( ثم أنه جدد في أيام الملك الظاهر بيبرس .. لما كانت يوم الجمعة الثامن عشر من ربيع الأول سنة خمس وستين وستمائة أقيمت الجمعة بالجامع الأزهر بالقاهرة ). وقام الظاهر بيبرس بتجديد جامع عمرو بن العاص ، كما إنه هو أول من أنشأ خانقاة فى العصر المملوكى. وقد أنشأها وهو أمير لم يكن قد تولى السلطنة. وقد وصفها المقريزى فقال : ( هذه الخانقاه من جملة دار الوزارة الكبرى التي تقدّم ذكرها عند ذكر القصر من هذا الكتاب وهي أجلّ خانقاه بالقاهرة بنيانًا وأوسعها مقدارًا وأتقنها صنعة بناها الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير المنصوريّ قبل أن يلي السلطنة وهو أمير‏. فبدأ في بنائها في سنة ست وسبعمائة وبنى بجانبها رباطًا كبيرًا يتوصل إليه من داخلها .) . ثم إنتشرت المؤسسات الصوفية بمساجدها وخوانقها وزواياها وأربطتها ، يقيم فيها صوفية يتخصصون فى الدعاء للسلطان والذى بنى هذه المؤسسة وجعل لها الأوقاف . وقد حرص المماليك في وثائق الوقف على المؤسسات الصوفية على إلزام الصوفية المعينين فيها بالدعاء لهم والاستغفار من أجلهم ليمارسوا الظلم وهم آمنون من غضب الله حسبما يعتقدون . وتمتعوا مع ذلك برضا أعوانهم من أولياء التصوف وحمايتهم في الدنيا والآخرة بزعمهم. ومن الطبيعي أن يهتم الواقف على المؤسسة الصوفية بإلزام الصوفية فيها بالدعاء له للتكفير عن ظلمه وفي اعتقاده أن ذلك كفيل بالغفران له مهما ظلم . وقد ورد في وثيقة وقف الغوري (ويتولى شيخهم الدعاء فيحمد الله سبحانه وتعالى  ثم يصلي كثيراً على نبيه ويهدي ثواب القراءة إلى حضرته الشريفة ثم في صحيفة مولانا السلطان  .. ثم في صحيفة نجله وصحيفة كريمته المرحومة خوند الصغرى).

رابعا :  إقتران الظلم بالصلاة الشيطانية 

1 ـ المماليك جىء بهم الى مصر من آسيا وأوربا ، وتعلموا فى هذا المناخ إرتباط الدين بالظلم دون تعارض بينهما. فكان أكثرهم تدينا هو الأكثر ظلما ، فلم يعد غريباً أن نقرأ في ترجمة الأمير تمراز أنه كان (يظهر التدين ويقرأ القرآن وبه بطش وظلم وجبروت وكان يعاقب العقوبة الشديدة المؤلمة على الذنب الصغير).  أما يلبغا السالمي فكان يضرب المظلوم (..ثم يصلي ثمان ركعات مع إطالة ركوعها وسجودها ، ولا يجسر أحد أن يترك الضرب دون فراغه) .

ويصور الشاعر الحراتي هذه الحالة الفريدة في أبياته فيقول :

 قد بلينا بأمير         &"RTL">بنى جامعاً لله من غير حله                         فجاء بحمد الله غير موفق

كمطعمة الأيتام من كد فرجها                 فليتلكِ لا تزني ولا تتصدقي

  وهو نفس التعليق الذي أورده أبو المحاسن على زين الدين الاستادار الذي (استولى على معاش الفقراء وأرباب التكسب وصار هو يأخذها ثم يبيعها بأضعاف أضعافها، حتى جمع من هذا المبلغ الخبيث أموالا كثيرة وعمر منها الجوامع والمساجد والسبل) ويقول فيه أبو المحاسن : فهو كما قال الشاعر :

 بنى جامعا لله من غير ماله  

                                 فكان بحمد الله غير موفق

كمطعمة الأيتام من كد فرجها     

                                 لكِ الويل لا تزني ولا تتصدق

 

3 ـ ويذكر أن زين الدين الاستادار هذا اشتهر بالاثنين معاً : الظلم وكثرة العمائر الدينية ، يقول فيه أبو المحاسن أنه (حسَن للسلطان أخذ جميع الرزق ( أى الأوقاف الخيرية ) التي على وجوه البر والصدقة . وبضواحي القاهرة ، وبتأثيره على السلطان عم البلاء غالب المسلمين حتى الجوامع والمساجد والفقهاء والفقراء وغير ذلك . ولما أثرى وكثر ماله من هذه الأنواع أخذ في عمارة الأربطة والجوامع والمساجد ، فعمّر جامعه بالقرب من داره بين الصورين عند باب سعادة ، ثم جامعه الذي بخط بولاق على النيل ، ثم جامعه الذي يخط الحبانية على بركة الفيل ، وفي غير القاهرة عدة أملاك وسبل ومساجد تفوت على الحصر , كل ذلك وهو مستمر على ما هو عليه وزيادة إلى أن كانت نكبته ) .

 4 ـ وقد بنى الأمير أقبغا المدرسة الأقبغاوية وجعل فيها صوفية . يقول فيها المقريزي ( وهى مدرسة مظلمة ليس عليها من بهجة المساجد ولا أنس بيوت العبادة شيء البتة) وذلك لأن أقبغا ـ حسبما يصفه المقريزي ـ ( كان من الظلم والطمع والتعاظم على جانب كبير) . وقد سخر في عمارة مدرسته كل صانع بالقاهرة ومصر : (وأقام بها أعواناً لم يُر أظلم منهم ، كانوا يضربون العمال ، وحمل لها الأصناف من الناس،  فكانت بين غصب وسرقة . ومع ذلك فإنه ما نزلها قط إلا وضرب فيها من الصناع عدة ضرباً مؤلماً , ويعبر ذلك الضرب زيادة على شدة عسف مملوكه الذي أقامه شاهداً بها ... فلما تمت جمع بها القضاة والفقراء ـ يعني الصوفية)

وقاسى العمال الفقراء  من السخرة والضرب في بناء تلك المنشئات الدينية  كما نلمح من النص السابق، حتى أن شدة الأمير قان بردى الأشرف في تسخيرهم دفعت المؤرخ المملوكي الارستقراطى أبا المحاسن إلى الاحتجاج الذي نحسه من النص التالي : ( ابتدأ الأمير سيف الدين قان بردى الأشرف في عمارة تربة عظيمة عند الريدانية (العباسية ) وشرع في ذلك أيام يسيرة ، ومع هذا ظلم في تلك الأيام الظلم الزائد وعسف الصناع وأبادهم بالضرب وباستعمالهم بغير أجرة ، فما عفّ ولا كفّ ، إلى أن أخذه الله أخذ عزيز مقتدر ).

5- واقترنت سيئات أخرى بالظلم ، مثل الرشوى فوصف يونس الداودارى بأنه ( كان يحب المال، ويأخذ الرشوة ، وعمّر مدرسة وخانقاه ورباطاً وزاوية وتربة وأحواض سبيل بالديار المصرية والشامية ).

6 ـ وبعضها إقترن بالشذوذ الجنسى الذى كان منتشراً بفعل الصوفية، وأدمنه بعض أرباب الدولة ، ومنهم السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، حتى يقال في حوادث سنة 735 ( وفيها كثر شغف السلطان (الناصر محمد)  بمملوكه الطنبغا الماردينى شغفاً زائداً فأحب أن ينشئ له جامعاً) .. وهكذا ارتبط الشذوذ الجنسى  بإنشاء جامع الماردينى المشهور، وارتبط بالطبع بالظلم فقد وصف المقريزي أصناف الظلم التي واكبت إنشاء ذلك الجامع .

7 ـ  وأسهم الظلم بطريق غير مباشر في ازدهار العمائر الدينية والوقف عليها .. ذلك أن المصادرات كانت أبرز سمات الانتقام من المهزوم أو الحصول على الأموال من الأغنياء والمباشرين فتحايل المماليك ـ سلاطين وأمراء ـ على تحصين أموالهم من المصادرة بعد وفاتهم بالبناء والوقف عليها وجعل ورثتهم متمتعين بعائد الوقف مشاركين فيه ، فكان أن استشرى الوقف على الأراضي الزراعية المصرية وأقيمت مؤسسات دينية تتعيش من ذلك الوقف . ومع ذلك فقد احتال الغالب على سلب أوقاف عدوه المغلوب بتشجيع القضاة المتصوفة، إذ  كان يتم استبدال الوقف ـ على الورق ،  أو يغّير كتاب الوقف على المؤسسة الدينية .

 

مع صلاتهم الشيطانية إضطهدوا الأقباط فى مصر المملوكية

مقدمة :

1 ـ لم تر الدولة المملوكية بأساً فى الاستعانة بالأقباط فى أعمالها الإدارية والمالية ، وفى نفس الوقت أوسعت للشيوخ نفوذاً فى إدارتها المدنية سواء ما كان خاصاً بالوظائف الديوانية كالوزارة أو كان خاصاً بالوظائف الدينية كالقضاء والحسبة ومشيخة الخوانق والمدارس والجوامع..

2 ـ وفى هذا العصر- المملوكى- تسيد التصوف السنى الحياة الدينية والعقلية ، وقامت الحركة العلمية فى المؤسسات الصوفية بتدريس مؤلفات الفقه والتفسير والحديث وعكف فقهاء العصر المملوكى على شرحها وتلخيصها وتقديس مؤلفيها . ومن ضمن هذه المؤلفات تحقير اهل الكتاب وإعتبارهم (أهل ذمة ) . وبالدراسة والتلقين تجذرت كراهية أهل الكتاب وخصوصا النصارى . يضاف الى ذلك الحروب الصليبية ، ومع إنتهاء الوجود الصليبى فى الشام فقد إستمرت المواجهة بين المماليك والفرنجة فى البحر المتوسط . عزّز هذا من عقيدة تقسيم العالم الى معسكر السلام والايمان ومعسكر الكفر والحرب ، وكانت النظرة للنصارى داخل ( معسكر المسلمين ) على أنهم يتبعون العدو الخارجى.

 3 ـ وهذا التشبع بأفكار التعصب وممارسته ساعد على تسيده عوامل أخرى منها أن التصوف نفسه فى العصر المملوكى تحول من الفكر النظرى الملىء بالتسامح الذى كان يردده الحلاج وابن عربى وابن الفارض- وأحياناً أبو حامد الغزالى- إلى طرق صوفية عملية تسعى للسيطرة على الشارع المصرى وتجتذب لها الأعوان والمريدين وتسترزق بالتجارة بالدين فى الموالد الصوفية وحول الأضرحة.. ومن هنا لم يعد لأولئك الشيوخ الجدد متسع للتنظير أو مناقشة الأفكار السلفية التعصبية لخصومهم الحنابلة، بل أن التصوف فى تأثيره الشديد على الحياة العقلية لغير الصوفية قد هبط بها إلى حضيض الجمود وإغلاق باب الاجتهاد وتعقيم الحياة العقلية النقدية، مما أدى إلى ترسيخ المتوارث من الفكر السلفى وتحصينه ضد النقد والنقاش بل وتقديس أئمة الحديث والفقه وأسفارهم ومؤلفاتهم..

ومن ناحية أخرى فإن أشياخ التصوف فى سعيهم نحو السيطرة على المريدين وقعوا فى التنافس، وامتدت ساحات التنافس لتشمل صراعاً داخلياً بين أشياخ الطريق الصوفى الواحد، وبين أشياخ الطرق الصوفية ذات الأصل الواحد، والطرق الصوفية المختلفة، ثم بين الصوفية ومشاهير الفقهاء أصحاب الصيت والأتباع، ثم امتدت المنافسة لتشمل صراعاً بين الصوفية والرهبان وأصحاب النفوذ الدينى بين الأقباط مع غيرة أصحاب الموالد الصوفية من احتفال أو مولد دينى للأقباط.. وذلك التنافس أدى إلى تعصب فاضطهاد فحوادث مؤسفة.

4 ــ وقريب من ذلك ما كان يجرى من تنافس سياسى على النفوذ إذ كان الحسد يلاحق بعض كبار الموظفين الأقباط فيلجأ بعض الشيوخ إلى إثارة الجماهير والفقهاء ضدهم وتثور حركات التعصب وتلجأ الدولة لترضية الشيوخ بالسماح باضطهاد الأقباط..

5 ـ وبعض الأقباط كان يعلن إسلامه لينجو من دائرة الاضطهاد ويدعم مركزه الوظيفى فى الدولة المملوكية التى تقوم إدارتها على الظلم والعسف.. ويستخدم ذلك الذى أسلم نفوذه الجديد فى الانتقام ممن ساموه الذل والهوان وهو قبطى.. وهكذا كانت تدور طاحونة التعصب والاضطهاد فى العصر المملوكى فوق رؤوس الجميع..

6 ـ ثم لا ننسى طاحونة الظلم المملوكى التى شملت الجميع ، ومن شأن هذا الظلم التى يأخذ شرعية دينية أن يكون أبرز ضحاياه المخالفين للدين الأرضى السائد.

7 ـ ونعطى أمثلة تاريخية للتحليل السابق نراعى ترتيبها حسب السنين..

 أولا : مأساة الراهب بولس الحبيس سنة 666 هجرية:

1 ـ وقصته مع الظاهر بيبرس تشبه قصة عمرو بن العاص مع القبطى بطرس صاحب الكنز الذى قتله عمرو بعد أن استولى على كنزه بالحيلة..

2 ـ كان الراهب بولس كاتباً نصرانياً ثم ترهب، وقد عثر على كنز فرعونى فأخفاه وأخذ يتصدق منه على فقراء المسلمين والأقباط ، وانتشر خبره فاعتقله السلطان الظاهر بيبرس وطلب منه ذلك الكنز فرفض . وقال للسلطان أنه يساعد بذلك الكنز الفقراء والمحتاجين ومعظمهم ممن يصادر السلطان أموالهم أى أن الأموال تصل للسلطان فى نهاية الأمر، وكأن الراهب قد أعطى ضوءاً أخضر للسلطان الظاهر بيبرس فى مصادرة الأقباط بالذات، إذ تكاثر ضحايا السلطان من الذين أوقع بهم المصادرات وفرض عليهم الغرامات وقام ذلك الراهب بدفع الغرامات عنهم وإعانتهم، وانطلق الراهب بولس يسير فى المدن والقرى يعين المحتاجين ويطلق بأمواله سراح المعتقلين والمحبوسين بسبب عجزهم عن دفع الغرامات والإتاوات ويتصدق على المحرومين من النصارى والمسلمين وغيرهم من النصابين محترفى الفقر، ومن النوادر التى تحكى أن بعضهم كان يقوم أمامه بتمثيلية، يقوم اثنان بجر رجل وهو يستغيث وهما يضربانه يمثلان دور رجال الشرطة فيستغيث المضروب بالراهب يقول له "يا أبونا أقضى ما علىّ من الديون، فيسأله الراهب عما عليه من الديون، ويكتب له ورقة بالمبلغ الذى يدعيه، فيأخذونه ويصرفونه من الصيرفى كما هو. ووصلت للسلطان الظاهر بيبرس ستمائة ألف دينار عن طريق ذلك الراهب فيما دفعه عن المحبوسين والمصادرين.

3 ـ ولم يكن ذلك الراهب يأكل من ذلك المال، بل كان طعامه ونفقاته من صدقات النصارى، ثم حدث حريق غامض فى حى الباطنية فى سنة 663 وانتشر فى أحياء أخرى بالقاهرة واتخذها السلطان بيبرس فرصة ليصادر كل أموال الراهب فاتهم اليهود والنصارى بإشعال ذلك الحريق، وأصدر أمراً بإحراق كل اليهود والأقباط، ولكى يتقن هذه التمثيلية فقد جمع كبار اليهود والنصارى تحت القلعة وأحضر الحطب والوقود، وكان عددهم ألوفاً وارتفعت استغاثاتهم بالسلطان، فعفا عنهم السلطان نظير غرامة قدرها خمسمائة ألف دينار.. وكما توقع السلطان بادر الراهب بولس بدفعها على أخرها.

4 ـ اكتسب هذا الراهب الصالح شهرة فى كل أنحاء مصر، وصارت تتبعه مظاهرات أينما سار تتبرك به وتطلب منه المساعدات والأموال.  وتكاثرت تلك المظاهرات فى مدينة الإسكندرية وأثارت غيظ العلماء والشيوخ فأرسلوا فتاويهم للسلطان تحتم قتل ذلك الراهب حتى لا يفتن المسلمين فى دينهم، ورآها السلطان فرصة شرعية ليتخلص من الراهب ويستولى على كنزه الخبيئ فاعتقله واستجوبه للمرة الثانية عن الكنز فرفض الراهب الاعتراف، فأمر السلطان بتعذيبه حتى يعترف.. واستمر الراهب تحت التعذيب إلى أن لفظ أنفساه الأخيرة ومات سنة 666 هجرية ومات معه سر الكنز .

ثانيا : الشيخ الصوفى خضر العدوى سنة 672 هجرية:

كان هذا الشيخ يتمتع باعتقاد السلطان الظاهر بيبرس.. ومشهوراً بانحلاله الخلقى وشذوذه الجنسى وتعصبه ضد النصارى فى الشام ومصر، وأفسح الظاهر بيبرس له المجال فهدم كثيراً من الكنائس فى الشام ومصر، ومن الكنائس التى هدمها بمصر كنيسة الروم بالإسكندرية التى يشاع أن فيها رأس النبى يحيى عليه السلام (يوحنا)، وقد تحولت على يد الشيخ خضر العدوى إلى مسجد وسماه (المدرسة الخضراء) وأنفق فى تعمير هذه المدرسة الأموال الكثيرة من بيت المال.

ثالثا : واقعة النصارى سنة 682 هجرية:

1 ـ بسبب الحروب الصليبية كان النصارى مقهورين فى سلطنة الظاهر بيبرس والسلطان المنصور قلاوون وانتهى ذلك بتولى السلطان الأشرف خليل بن قلاوون الذى أنهى الوجود الصليبى فى الشام. الأشرف خليل بن قلاوون أتاح للأقباط النفوذ وعين منهم كبار الموظفين الأقباط الذين تولوا الكتابة فى الدواوين، فأتيح لهم التنفيس عما فى صدروهم من مشاعر الانتقام، فتسلطوا على أرباب الحوائج من المسلمين يذلونهم.. وأدى ذلك فى النهاية إلى ما يعرف بواقعة النصارى سنة 682 هجرية.

2 ـ وبدأت الواقعة بالكاتب القبطى المعروف باسم "عين الغزال" وقد اتهم سمساراً مسلماً بتأخير ما عليه من أموال للأمير المملوكى الذى يعمل عنده الكاتب القبطى عين الغزال. ورأى الناس فى الشارع السمسار المسلم يعتذر للكاتب القبطى ويقبل قدمه وهو راكب حصانه والكاتب لا يزداد إلا تجبراً وهو يصمم على اعتقال السمسار وأخذه إلى بيت الأمير المملوكى، وتدخل الناس فى الشوارع وتجمهروا يحاولون تخليص السمسار من الكاتب وهو يرفض، فما كان من الناس إلا أن تكاثروا على الكاتب وألقوه من على دابته وخلصوا السمسار من يده. فذهب الكاتب إلى الأمير وأحضر عدة من الجنود وشرعوا فى القبض على الناس..

3 ـ وثارت العوام وساروا فى مظاهرة غاضبة إلى القلعة يهتفون "الله أكبر" فخاف السلطان من ثورة العوام حين عرف بما حدث ، فأمر باعتقال الكاتب القبطى عين الغزال وأصدر مرسوماً بعزل الكتبة الأقباط إن لم يدخلوا فى الإسلام ومن رفض منهم الدخول فى الإسلام ضربت عنقه. فاختفى الأقباط من الشوارع.. ووقع النهب فى بيوتهم.. والسبى فى بعض نسائهم، وأصبح الشارع مشحوناً بالمزيد من التعطش للعنف وأصبح المماليك أسرى للشعور الشعبى المتعصب ، فأمر السلطان بحفر حفرة كبيرة فى سوق الخيل لإحراق الكتبة النصارى، وحضر السلطان والأمراء، وتشفع الأمير بيدرا فى الأقباط.. وفى النهاية ارتضى الكتبة الدخول فى الإسلام، وكتبوا إقراراً بذلك.

4 ــ ويقول المقريزى يعلق على تلك الحادثة "فصار الذليل منهم بإظهار الإسلام عزيزاً، يبدى من إذلال المسلمين والتسلط عليهم بالظلم ما كان تمنعه نصرانيته من إظهاره . أى بمجرد النطق بالشهادة- أو الشهادتين- أنقذ كل منهم حياته وأصبح من حقه الانتقام من خصومه بسيف السلطة المملوكية وفى حمايتها.. وتلك ضريبة التعصب الدينى حين يسود مجتمعاً وينشر الفرقة والكراهية بين أبنائه.

رابعا : واقعة الوزير المغربى سنة 700 هجرية:

1 ــ قدم ذلك الوزير المغربى للقاهرة فى طريقه للحج واحتفت به السلطات المملوكية، ونزل ذلك الوزير المغربى يتجول فى القاهرة فى سوق الخيل فرأى رجلاً راكباً فرسه فى ثياب فاخرة وجماعة يمشون فى ركابه وحوله أصحاب الحاجات يتضرعون إليه ويقبلون قدميه وركابه وهو يصيح بغلمانه أن يطردوهم وهم يزدادون له خضوعاً، فسأل الوزير المغربى عن ذلك الراكب صاحب السلطان فعرف أنه كاتب نصرانى، فغضب وصعد للسلطان فلم يجده ووجد كبار الأمراء فأخذ يعظهم ويبكى ويحذرهم من نقمة الله إذ تركوا أعوانهم من الكتبة الأقباط يذلون المسلمين، ونجح الوزير المغربى فى إثارة الأمراء وانتهى الأمر باستصدار قرارات استرجعت مراسيم الخليفة المتوكل العباسى فى إلزام الأقباط بزى معين ومنعهم من ركوب الخيل، وكالعادة تطور الأمر بالوزير المغربى فقام يدعو لهدم الكنائس فوقف ضده قاضى القضاة المصرى ابن دقيق العيد وأفتى بأنه لا يجوز أن يهدم من الكنائس إلا ما استجد بناؤه، ولكن اضطر الأقباط إلى غلق بعض كنائسهم خوفاً عليها من الهدم..

2 ــ وانتقلت عدوى التخريب من الوزير المغربى إلى العوام فكثرت شكاويهم فى النصارى، وكالعادة استرضتهم السلطات المملوكية بالتضييق على الأقباط واليهود، ومنعهم من التوظف فى الدواوين.. ورآها العوام فرصة لفرض سيطرتهم على أغنياء الأقباط، فتتبعوهم بالضرب حتى اختفوا من الشوارع ولجأ بعضهم إلى إظهار الإسلام تكبراً من ارتداء الزى المفروض عليهم..

3 ــ وأدى ذلك الاضطهاد إلى تدخل ملك برشلونة إذ أرسل هدية للسلطان المملوكى سنة 703 هجرية ويرجوه إرجاع الأقباط إلى وظائفهم وفتح كنائسهم.. فاستجاب له السلطان وفتح كنيسة فى حارة زويلة وأخرى بالبندقانيين..

خامسا : حركة الشيخ البكرى سنة 714 هجرية:

والشيخ البكرى أحد الصوفية البارزين فى سلطنة الناصر محمد بن قلاوون، وأحد خصوم الشيخ ابن تيمية. وحدث أن عرف الشيخ البكرى أن النصارى استعاروا من قناديل جامع عمرو شيئاً فهجم الشيخ البكرى على الكنيسة ونكل بالنصارى فيها، ثم عاد إلى جامع عمرو وأهان الموظفين فيه، ووصل أمره للسلطان فعقد له مجلساً للتحقيق، فأخذت العزة الشيخ البكرى وأغلظ القول للسلطان وهو يتصور أن السلطان يخضع له ويتعظ، ولكن فوجئ بالسلطان يأمر بقطع لسانه عقاباً له على جرأته.. فانقلب الشيخ البكرى إلى حالة أخرى، وأخذ يستغيث بالأمراء يرجوهم التشفع له عند السلطان حتى لا يقطع لسانه، ورق له الأمراء فتشفعوا فيه عند السلطان.. فأمر السلطان بنفيه..

 سادسا : واقعة الإحراق العام للكنائس المصرية فى وقت واحد سنة 721 هجرية:

1 ـ فى كتابنا "السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة" المأخوذ عن رسالة الدكتوراة حققنا هذه الحادثة المجهولة والغريبة فى التاريخ المصرى وأثبتنا أن المسئول عنه هى حركة "أحمد البدوى" السرية الشيعية المستترة بالتصوف، إذ أنه بعد فشل تلك الحركة السرية فى قلب نظام الحكم المملوكى - لاقامة دولة شيعية تعيد الحكم الفاطمى لمصر والمنطقة - قامت بتفجير عملية ارهابية سرية لإحراج الدولة المملوكية: وهى التدمير العام للكنائس المصرية من الإسكندرية لأسوان فى وقت واحد وبطريقة واحدة..

2 ـ  إذ أنه بعد صلاة الجمعة يوم التاسع من شهر ربيع الأول سنة 721 هجرية فوجئ المصلون فى كل المدن المصرية التى بها كنائس بمجذوب مجهول الشخصية يقف صائحاً مضطرباً داعياً لحرق الكنائس، وحين يخرج المسلمون من المسجد يفاجأون بتدمير الكنائس فى المدينة وحرقها وقد سويت بالأرض . وفى ضوء الاعتقاد فى بركات المجاذيب الذى تسيد العصر المملوكى يؤمن الناس بأنها إرادة إلهية وانكشفت أمام بصيرة ذلك المجذوب "المكشوف عنه الحجاب". وسرعان ما يدب الحماس إلى العوام ويشاركون فى الإجهاز على ما تبقى من بنيان للكنيسة..

3 ــ ووصل إلى علم السلطان الناصر محمد بن قلاوون ما حدث ، جاءته الأنباء من ضواحى القاهرة بأن الكنائس فيها قد دمرت فى نفس الوقت وبنفس الكيفية.. وأن المجذوب المجهول قد صاح فى نفس الوقت وفى كل المساجد.. وفى اليوم التالى جاءت الأنباء من الإسكندرية والوجه البحرى والصعيد أن كل الكنائس- عدا الكنيسة المعلقة- قد أصابها الهدم والحريق فى نفس الوقت، أى فى ساعة الصفر. وبلغ عدد الكنائس ستين كنيسة.. وتعجب السلطان ووافق مقالة العلماء والقضاء على أنها إرادة الله، لأنه لا يستطيع بشر أن يفعل ذلك فى كل أنحاء مصر فى نفس الوقت، واقتنع السلطان برأى العلماء بألا يفعل شيئاً لأنها إرادة الله التى لا يقف فى وجهها إنسان.

4 ــ إلا أن الأقباط لم يقتنعوا.. وصمموا على الانتقام..

فى الأيام التالية فوجئ سكان القاهرة باشتعال الحرائق فى المساجد فى نواح مختلفة، ولا يكادون يفرغون من إطفاء حريق حتى يفاجئهم حريق آخر، واستراح المسلمون إلى التفسير الغيبى القائل بأنها إرادة الله، لولا أنهم اكتشفوا فتيلة كبيرة ملوثة بالنفط قد ألقيت على بعض المساجد مع توالى الحرائق فى الجوامع والخوانق والمدارس.. فأشارت أصابع الاتهام للأقباط، وسرعان ما ضبطوا بعض الرهبان متلبسين واعترفوا فأحرقت السلطات أربعة منهم.. وانطلق العوام فى إيذاء الأقباط، واندلعت المظاهرات وكادت أن تتحول إلى مذابح، وأسرعت السلطات المملوكية بالسيطرة على الأمور وقبضت على بعض العوام ومثيرى الشغب وكان منهم بعض المتعممين والتجار، وأمرت السلطات بقطع بعضهم نصفين، أو ما يعرف بالتوسيط، وتدخل الكبار وتشفعوا فى كبار المتهمين وأفرج عنهم . إلا أن الحريق لم ينقطع، وضبط بعض النصارى متلبسين واعترفوا تحت التعذيب، وعندما علم العوام بما حدث حاصروا القلعة وواجهوا السلطان بصيحة رجل واحد تدعو لنصرة الدين فخشع لهم السلطان وسمح لهم بقتل كل من وجدوه من النصارى، ثم تعدل الأمر بقتل من يلبس العمامة البيضاء من النصارى ومن يركب دابة، وفرض عليهم ركوب الحمير بهيئة مقلوبة ولا يدخلون الحمامات إلا وفى رقابهم جرس ولا يرتدى أحدهم زى المسلمين، وألا يعملوا فى الوظائف، وعزل جميع الأقباط من الوظائف..

5 ــ وكان ذلك أفظع اضطهاد واجهه الأقباط فى العصر المملوكى. وكانت له آثاره الداخلية والخارجية..

فعلى الصعيد الداخلى احتدم العداء والحقد الطائفى بين المسلمين والأقباط فى السنوات التالية كما سنرى..

وعلى الصعيد الخارجى اشتد غضب ملك الحبشة الذى كان يعتبر نفسه مسئولاً عن حماية الأقباط المصريين فبعث باحتجاج شديد اللهجة إلى السلطان الناصر محمد ويهدد فيه باتخاذ إجراءات مماثلة ضد المسلمين عنده ويهدد بتحويل مجرى النيل، غير أن الناصر محمد لم يعبأ بهذا التهديد ولذلك بدأ سلطان الحبشة واسمه "عمد صيهون" الحرب ضد الإمارات الإسلامية المجاورة له، وتابع ابنه "سيف أرعد" أعماله ضد التجارة المصرية وممتلكات المسلمين المجاورة له..

سابعا : ( النشو ) القبطى ينتقم من ( المسلمين )

1 ــ وتمكن أحد ضحايا الاضطهاد لسنة 721 هجرية من الانتقام لقومه الأقباط من المسلمين.. وهو النشو الذى أظهر الإسلام لدى السلطان الناصر محمد وسماه السلطان عبد الوهاب شرف الدين، وأظهر للسلطان الورع والفقر والزهد فحاز على ثقته وتعاظم نفوذه حتى أصبح المسيطر على الدولة المملوكية كلها لمدة سبع سنين وسبعة أشهر حتى قتله السلطان بعد تعذيب شديد فى يوم الأربعاء ثانى ربيع الآخر سنة 740 هجرية.

2 ـ وما فعله النشو بالمسلمين فى إطار السلطة المملوكية وتحت شعارها كان لا يمكن تفسيره إلا فى ضوء الانتقام لقومه بعد أن ضمن رضا السلطان الناصر محمد عنه.. وقد تنوعت مظالمه للمسلمين ما بين قتل ومصادرة ونفى وتقطيع أطراف وخصاء، وكانت مصادرته لوجوه الناس وأرباب المناصب والتجار والعوام لا تنقطع.. وكان يجتمع كل ليلة مع خواصه والمقربين منه يفكر فى طريقة جديدة للانتقام من المسلمين وفرض ضرائب جديدة عليهم أو الإيقاع بأصحاب المناصب أو سلب الأوقاف على المساجد وبيوت العبادة..

3 ـ وبرغم تنوع أعدائه واختلافاتهم وتفرقهم وصراعاتهم إلا أنهم اتحدوا ضد النشو، وحاولوا الكيد له مراراً إلا أن ثقة السلطان فيه وقفت حائلاً يحميه . وفى عهده ضاع صوت الاضطهاد ضد الأقباط.. بل أن اضطهاده للمسلمين جعلهم جميعاً يجتمعون فى المساجد للدعاء عليه.. وعندما علم النشو بذلك ما زال بالسلطان حتى منع الوعاظ من الوعظ. وتحدى النشو كبار الصوفية- وهم أصحاب النفوذ الدينى والشعبى- فطرد من مصر أشهر صوفى فى عصره وهو الشيخ الكردى الذى نفاه للشام، كما اعتقل شيخ خانقاه بهاء الدين أرسلان بالإسكندرية واتهمه بتهم باطلة . 4 ـ وفى النهاية ظهر للسلطان خيانته وسرقاته فاعتقله واعتقل أخاه وصهره وأعوانه، واكتشف السلطان حجم ما سرقه من أموال ونفائس.. فعذبه وقتله.. وكان التخلص منه يوم عيد، ذاعت فيه أساطير الكرامات وشتى الادعاءات ومنها أن النيل زاد ورؤيت المنامات الصالحة على حد قولهم، وسارت المظاهرات تحمل المصاحف والأعلام.

ثامنا : حركات فردية ضد النصارى :

 1 ـ سنة 838 هجرية : هدم الشيخ سليم لكنيسة جددها النصارى فى الجيزة.

2 ـ سنة 841 هجرية : هدم الشيخ ناصر الدين الطنطاوى لدير العطش الذى يقام عنده مولد سنوى يضاهى مولد السيد البدوى، فأحس الشيخ ناصر الدين الطنطاوى بالغيرة فما زال يسعى حتى هدم الدير..

3 ـ وكان مثله الشيخ النعمانى سنة 852 هجرية الذى تخصص فى هدم الكنائس التى يجددها أصحابها..

تاسعا : ـ مأساة عام 876 :

1 ـ سجلها المؤرخ ابن الصيرفى فى كتابه (إنباء الهصر بأناء العصر ) في أحداث الأربعاء 22 شوال 876 ، قال  : ( وقعت حادثة شنيعة غريبة قليلة الوجود والوقوع حُكى ... ) وبعد هذا الاستهلال في وصف الحكاية بالشناعة والندرة يقول مؤرخنا : ( حُكى أن شخصاً من المغاربة كان مقيماً بمسجد يعبد الله ويصلى ويؤذن ويقرأ ، كل ذلك بالمناوات من الجيزية ، على ما تواتر به النقل ، وصار له سُمعة وأبّهة ، فصار أولاد النصاري يسمعون قراءته فيسلموا ، فعزّ ذلك على أهلهم فتحيلوا على المغربي المذكور وخنقوه حتى تدلى لسانه فقطعوه وشقوا بطنه ، وقالوا له أنك تفتن أولادنا ، وحملوه ليلقوه في جُبّ ، فصاروا كلما توجهوا به إلى جُبّ يجدونه مردوماً ، إلى أن سقط في أيديهم ، وقبض عليهم الكاشف وجهّزهم إلى القاهرة ، فتسلمهم الوالى وأحضرهم بين يدى الأمير جانبك بن ططخ الفقيه أمير آخور كبير، فلم يأمر بقتلهم آنذاك حتى يعرضهم على السلطان ،وأمر بسجنهم. وكان العوام لما بلغهم ذلك تجمّعوا وتحزّبوا ورجموهم تحت القلعة إلى أن ماتوا، وقيل أن عدة النصاري ستة نفر ، فأما أحدهم لما شاهد الهول العظيم رفع إصبعيه بالتشهد إشارة إلى أنه أسلم فكفوا عنه وسجنوه، وبلغ السلطان نصره الله ذلك فتغيظ وتكلم معه الأتراك في العوام يقتلون بأيديهم ويمسكون لجام المماليك السلطانية، ويحكمون لأنفسهم ،فازداد غضب السلطان ،ورسم للوالى أن ينادى بالمدينة حسب المرسوم الشريف أن أحداً لا يحكم لنفسه ولا يقبض لجام مملوك وأمثال ذلك.).

2 ـ ونلاحظ أن عنصر التزيد والأساطير واضح في الرواية السابقة في وصف حال المؤذن القتيل وكراماته بعد قتله بحيث أنهم لم يجدوا مكاناَ يدفنونه فيه بعد أن قتلوه. أى إنها أساطير تم خلقها وتم نشرها، وقد شاعت ووصلت للقاهرة وصدقها العوام فيها ، فأثارت حفيظتهم ولم ينتظروا حكم القضاء، وتولوا هم إصدار الحكم وتنفيذه ولو كان الأمر مقنعاً للأمير جانبك أمير آخور الكبير لما انتظر أن يعرضهم على السلطان، وهذا ما نأخذه من رواية مؤرخنا، وهو يقول عن الأمير جانبك "فلم يأمر بقتلهم آنذاك حتى يعرضه على السلطان وأمر بسجنهم".  واغتاظ السلطان وأعوانه من تصرف العوام، ليس لأنهم خرقوا ناموس العدالة الإسلامية ولكن لأنهم خرقوا ناموس السياسة المملوكية التى تجعل القتل والحكم واستعمال السلاح مقصوراً على المماليك دون الشعب فلا يصح للعوام" أن يقتلوا بأيديهم ويمسكوا لجام المماليك السلطانية" لذا نودي في المدينة أن أحداً لا يحكم بنفسه ولا يقبض لجام مملوك" وإلا فإذا كان للشعب حرية استعمال السلاح فلا حاجة إذن لوجود المماليك.. وتلك هى فلسفة الوجود المملوكي.

3 ـ طبقا لهذه العقلية كانت عادة سيئة فى تلك العصور أنه إذا حدث أوبئة أو مجاعات ونقصان للنيل فمن السهل أن يعتبر ذلك غضباً من الله تعالى بسبب التهاون مع "أهل الذمة" والسماح لهم بممارسة شعائرهم، لذلك كانت ترتبط المجاعات والأوبئة أحياناً بحركات اضطهاد طائفية تستجلب رضى الله تعالى بظلم الأبرياء !!

أخيرا : يبقى أن نتذكر أن أولئك الظلمة كانوا يؤدون الصلاة الشيطانية فى مساجد شيطانية .!

 

الفصل العشرون : الصلاة الشيطانية للسلطان قايتباى أكثر السلاطين المماليك ورعا

 

(1 )

لمحة عن السلطان قايتباى  

 1 ـ السلطان قايتباى حكم من 872 : 901 ، قال عنه المؤرخ ابن الصيرفى أنه ( سلطان عظيم شجاع فارس معدود من الفرسان، دينِّ عفيف الفرج لا يلوط ولا يزني ولا يسكر وله ورد في الليل من صلاة وقيام .).  ( وفي الواقع فسلطان مصر الملك الأشرف أبو النصر قايتباى- نصره الله- سلطان عظيم شجاع فارس معدود من الفرسان، دينِّ عفيف الفرج لا يلوط ولا يزني ولا يسكر وله ورد في الليل من صلاة وقيام".).أى تميز السلطان قايتباى عن غيره من السلاطين والأمراء المماليك بأنه لا يقع فى الزنا ولا فى الشذوذ الجنسى الذى كان سائدا وقتها فى ظل حماية الشريعة السنية و سكوتها عنه . بل إنه يقوم الليل يصلّى ويقرأ الأوراد الصوفية على المعتاد وقتها .

2 ـ   وهو صاحب أكبر عدد من المنشئات الدينية من جوامع ومدارس وقباب ومساجد وسُبُل ( جمع سبيل لرعاية الأيتام وتعليمهم ) ، ومنها : جامع تمراز، جامع أزبك بن تتش، ، مدرسة ومقبرة قايتباى، مدرسة قايتباى في المدينة،  سبيل قايتباى،  قبة قايتباى، قصر  ومدرسة الروضة، جامع جانم، مدرسة أبوبكر بن مزهر، جامع قجماس، مدرسة أزبك اليوسفى ، ومسجد قايتباى بمدينة الفيوم  ومدرسه بقلعة  الكبش . ) . والطريف أن مسجد قايتباى مطبوع على الجنيه المصرى ، كما أن صورته محفوظة فى أوربا . 

3 ـ وقد قام المؤرخ ابن الصيرفى بتسجيل تاريخ السلطان قايتباى باليوم والشهر والعام فى تاريخه ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) . قمنا بتحليله فى بحث لنا منشور هنا عن المجتمع الصمرى تحت تطبيق الشريعة فى عصر قايتباى . ومنه نعطى معلومات عن الصلاة الشيطانية للسلطان قايتباى التى كانت ويلة للظلم.

لمحة عن المؤرخ ابن الصيرفى (على بن داود بن إبراهيم الخطيب الجوهرى الصيرفى (819-900)

1 ـ  هذا المؤرخ كتب تاريخه شاهدا على عصر قايتباى. عمل قاضيا يرى السلطان فى مطلع كل شهر، وكان وثيق الصلة بابن مزهر الأنصارى كاتب السّر للسلطان ، أى كاتم أسرار السلطان وسكرتيره الخاص والذى يقوم عنه بكتابة المراسلات للخارج والداخل. أى إن عمله كقاضى يجعله متفاعلا مع الشارع والناس ، مع صلته بالبلاط المملوكى . فهو مؤرخ ينقل أخبار عصره من مصادرها الأصلية ، خصوصا مجتمع الفقهاء والقضاة والمماليك بل والطبقات الشعبية التى  كان يحتكّ بها بطبيعة عمله . وقد غطّي كتاب (الهصر) عصر السلطان قايتباى، خصوصا السنوات الخيرة منه ، حيث كان يؤرخ لهذه السنوات باليوم والشهر،ويورد كل التفصيلات من موقع المشاهدة والمعاينة والمعاصرة والتفاعل مع الأحداث والمشاركة فيها، فقد كان ابن الصيرفي مصرياً صميماً اختلط الناس وعايشهم ومارس التجارة وعاش في الأسواق ثم اندرج في سلك الفقهاء والقضاة وخالط أرباب الحكم والجاه ومن موقعه بين الحكام والمحكومين سجل ما رآه وما عايشه فجاء تاريخه وثيقة حية لفترة غامضة من تاريخ المجتمع المصري في العصر الوسيط.

2 ـ ونستقى معلوماتنا عن الصلاة مما ذكره ابن الصيرفى فى تاريخه . وليست الصلاة عنوانا رئيسا فيما كتبه ابن الصيرفى فى التأريخ لقايتباى وعصره. جاءت إشارات عرضية عنها فى سياق عناوين أخرى تحوى تفصيلات كثيرة ، لذا نضطر الى ذكر تلك التفصيلات فى ذكر الصلاة والمساجد . ولأن السياقات تلك تحفل بالظلم فمن العدل أن نقول إنها صلاة شيطانية .

3 ـ ونضع تلك المقتطفات تحت عناوين كالآتى :

أولا : صلاة السلطان قايتباى اليومية

1 ـ يقول ابن الصيرفى ( وفي يوم الخميس 19 صفر 875 تشاجر الشيخ القاضى أبو بكر الأبشيهي مع القاضى شهاب الدين الصوفي بسبب وظيفة الخطابة في مدرسة المغلبية طاز. وانتهى الصراع بينهما بالوقوف أمام السلطان، وتدخلت أطراف في ذلك النزاع، يقول ابن الصيرفي: ( والمؤلّب على الأبشيهي- كما بلّغني الشيخ الإمام البرهان الكركي إمام المقام الشريف نصره الله .! ) أى كان الشيخ برهان الدين الكركي إمام مسجد القلعة والذى يصلى إماماً بالسلطان منضماً للشيخ شهاب الدين الصوفي ضد الشيخ أبى بكر الأبشيهي، وربما كان الشيخ برهان الدين الكركي هو الذى أوصل القضية إلى السلطان قايتباى. ولأن مؤرخنا ابن الصيرفي من محبي الشيخ برهان الدين الكركي كما يبدو من سطور تاريخه (- كما بلّغني الشيخ الإمام البرهان الكركي إمام المقام الشريف نصره الله .! ). ونفهم أنه كان للسلطان قايتياى شيخ يؤمه فى الصلاة اليومية ، والأغلب أن لا يحضر  هذه الصلوات اليومية خاصة بالسلطان لا يحضرها آخرون ، أى يؤديها السلطان خلف إمامه الخاص .

ثانيا  ـ صلاة السلطان الجمعة :

1 ـ ويفترق الوضع مع صلاة الجمعة التى كانت ضمن الطقوس الدينية السياسية ، توارثها العصر المملوكى عن العصور السابقة خصوصا العصر الفاطمى . 

2 ـ كان هناك نوعان من القضاء : القضاء الخاص بالأحوال الشخصية ، ويتولاه قُضاة الشرع ( السُنّى ) ، ثم هناك القضاء السياسي الذى لا علاقة له بالأحوال الشخصية، ويختص القضاء بالجنايات مثل الاعتداء أوالظلم والضرب والقتل وشئون الدواوين، ويتولى السلطان والأمراء مباشرة القضاء السياسي يعاونهم بعض القضاة، وكانوا يجلسون بالإسطبل السلطانى بالقلعة في أيام السبت والثلاثاء أول النهار ويوم الجمعة بعد الصلاة، وسار قايتباى على هذا الترتيب ، وكان يذهب إليه في موكب يعرف بموكب الإسطبل. وفى عصر قايتباى ( المتدين الورع ) تميّز وقت ما بعد صلاة الجمعة بجلوس السلطان للقضاء السياسى.

3 ـ ولم يكن قايتباى يتخلف عن صلاة الجمعة إلا عند المرض . يقول ابن الصيرفى : ( ولم يحضر السلطان صلاة الجمعة 16 محرم . وصعد الأمراء اليه فى القلعة ، ودخلوا بين يديه فسلموا عليه وسقاهم المشروب وعادوا لمنازلهم. ولم يطع أهل المدينة الأوامر فقاموا بهدم الزينة التى كانوا قد أعدّوها للإحتفال باستقبال السلطان . ) وبعد شفاء السلطان عقدوا له إحتفالا بعد صلاة الجمعة والتى حضرها السلطان ، وكان هذا يوم الجمعة 28  صفر يقول مؤرخنا : ( .. وركب السلطان من القلعة إلى الجامع وصلى الجمعة . ) .. ( وفرشت له الشقق المخمل من باب الحريم إلى باب الجامع .).

ثالثا :  خطبة الجمعة وخطبة العيد

من المعتقدات السائدة في العصر المملوكي الخوف على السلطان إذا كان العيد يوم جمعة وخطب فيها خطبتان، خطبة صلاة العيد وخطبة صلاة الجمعة، ومنشأ ذلك إلى ما تعود الخطباء من الدعوة للسلطان القائم، ومجيء خطبتين في يوم واحد يشير إلى احتمال قيام سلطانين، أى قيام فتنة وذهاب السلطان القائم والاتيان بسلطان آخر. وفي عصر عرف الصراعات السياسية المسلح كالعصر المملوكي التى كانت تعنى حروبا وفتنا وفوضى وسلبا ونهبا للبيوت والمتاجر كان لا بد أن يفتقد  الناس فيه الأمن، وكان أرباب السلطان هم أكثر الناس خوفا وقلقا وافتقاداً للأمن. من هنا كانت حساسية منصب السلطنة وما يتصل بها على المستوى الرسمى والشعبى ، مما سبّب رواج الاعتقاد فى خوف السلطان وآله من حدوث خطبتين فى يوم واحد . لذا كان القضاة يجتهدون في إخفاء رؤية الهلال إذا ترتب عليها مجيء عيد الفطر أو عيد الأضحى يوم الجمعة. ونعطى مثلين مما ذكره ابن الصيرفى :

1 ـ ـ في ليلة الثلاثين من شهر رمضان 875 توجه القضاة إلى مدرسة المنصور قلاوون لرؤية هلال شهر شوال وتحديد أول أيام عيد الفطر، واتفقوا على أنهم لم يروا الهلال حتى لا تكون خطبتان يوم الجمعة، يقول مؤرخنا في ذلك: ( ولم يُر الهلال ، وهو المقصود الأعظم ، لئلا تكون خطبتان في يوم فيكون ذلك بزعمهم على السلطان غير مشكور. فلا قوة إلا بالله.!!). وعلى ذلك جعلوا هلال شوال يوم السبت وجعلوا عيد الفطر يوم السبت، وتلاعبوا بالصيام وشوال تقرباً للسلطان.

2 ـ وفي عيد الأضحى 885 تكرر نفس العمل، وثبت بعدها أن أول ذى الحجة كان ينبغى أن يكون يوم الأربعاء، ولكنهم لم يفعلوا ذلك حتى لا يكون عيد الأضحى يوم الجمعة، يقول صاحبنا : ( وثبت شهر تاريخه بعد ستة أيام أن أوله الأربعاء، وعلى هذا يكون عيد النحر يوم الجمعة ويخطب   فيه بخطبتين.). وذلك ما لم يحدث بالطبع.

رابعا : التوقيت بالصلاة

تبعا للسابق كان التوقيت للأحداث بأوقات الصلوات . 

1 ـ يقول مؤرخنا : ( وفي يوم الجمعة 7 محرم 875 بعد صلاة الجمعة وصل المبشر من الحجاز المسمى قانصوه الجمالى وهو عريان وليس معه أحد سوى هجّان واحد وذكر أن الأعراب فى صحراء الجزيرة العربية سلبوه وعرّوه، ). ويذكر مؤرخنا أنهم ( رجعوا به إلى خيبر وأرادوا قتله، فنهضت امرأة منهم وأظهرت أبزازها ) فأنقذته منهم ( وحضر بهذه الحالة.). الشاهد هنا تسجيل وصولهم فى يوم كذا بعد صلاة الجمعة .

2 ـ ـ ويذكر ابن الصيرفي بعض التفصيلات عن خروج محمل الحجاج يوم الخميس 20 شوال 875  الى بركة الحاج حيث كانت محطة التجمع للحجاج ، وحدث بعض التأخير ، سجله ابن الصيرفى ، ويقول ضمن التفصيلات : (  .. وأقام الأول (أى الركب الأول) بالبركة إلى يوم الجمعة حادى عشر بعد الصلاة، فرحل إلى البويب، ورحل بعده المحمل صبيحة يوم السبت ثانى عشر، وحصل على الحجاج تشويش كبير برحيله، فإن العادة إذا رحل الأول بعد صلاة الصبح يرحل المحمل غد تاريخه بعد الظهر، فرحل هذا من الصبح الأكبر. فلا قوة إلا بالله.). يهمنا قوله : (وأقام الأول (أى الركب الأول) بالبركة إلى يوم الجمعة حادى عشر بعد الصلاة، ). هذا عن صلاة الجمعة فى طريقهم . وقوله : (فإن العادة إذا رحل الأول بعد صلاة الصبح يرحل المحمل غد تاريخه بعد الظهر، فرحل هذا من الصبح الأكبر. ) هنا إشارة الى صلاة الصبح . والمعنى أنهم فى سفرهم الى الحج كان التوقيت بالصلوات .

 3 ـ  يقول ابن الصيرفى عن إبن المقسى ، وهو أحد الشيوخ اللصوص : ( غير أنهم أيضاً ذكرواً أنه سيئ المعاملة جداَ، ومعلوم أن المعاملة هى الدين، وأنه إذا ابتاع شيئاً لايقول في نفسه إلا أنه ملكه،ولا يدفع ثمنه إلا لمن له جاه أو صولة أو شوكة أما الضعفاء والفقراء.. فنهاية ما عنده لهم كتابة الوصولات ، ويكتب بخطه بالصرف على كل وصل، أى وصل نحو العشر مرات ولا يصرف لهم شيئاً وغالبهم يضيع وصوله وغالبهم يتعب وغالبهم يترك والنادر من يتجوه- أى يبحث عن جاه- بأحد حتى يصل إلى بعض شيئ.). إذن نحن هنا أمام نصاب محترف يتقوى بنفوذه على أكل مال الضعفاء ويعطيهم "وصولات" غير قابلة لدفع، أو بتعبير عصرنا "شيك بلا رصيد". ومن خلال هذه المظالم أصبح ابن المقسي من كبار الأثرياء، ويقول عنه القاضى ابن الصيرفي: (   وسمعت أن جامع المقسي الذى هو متحدث عليه قطع غالب معاليم قومته، ( أى مرتبات موظفيه) ، وأبطل ملء فسقيته وغير ذلك ، فدعوا عليه عشاء وضحى وعصراً ومغرباً .والدعاء من المظلوم في الأسحار لا يخطئ.). أى إن ابن المقسي كما كان نهما في أكل أموال الضعفاء وقطع أرزاق الموظفين في المسجد الذى يقوم برعايته كان على العكس من ذلك كريماَ في تعامله مع ندمائه وجلسائه .  يهمنا ما جاء بين السطور عن الصلاة فى قوله : (فدعوا عليه عشاء وضحى وعصراً ومغرباً  )، أى كان المقيمون فى ذلك الجامع كانوا يدعون عليه فى صلوات العشاء والضحى والعصر والمغرب.

4 ـ ولا ننسى أن المقيمين فى بيوت العبادة كانوا موظفين وظيفتهم الصلوات الخمس وصلاة الجمعة والدعاء للسلطان وصاحب الوقف على ذلك المسجد أو الرباط أو الجامع أو القُبّة أو الخانقاه.

خامسا : اللباس الرسمى للسلطان للشتاء والصيف مرتبط بيوم الجمعة وصلاة الجمعة

1 ـ ويقول  مؤرخنا عن يوم الاثنين 26 شوال 873 : ( لبس السلطان الملك الأشرف نصره الله القماش الأبيض المعد لبسه للصيف على العادة في كل سنة، من غير موكب، وهذا بخلاف عادات الملوك، فإن العادة لا يلبس السلطان ذلك إلا في يوم الجمعة عند دخوله إلى الصلاة بموكب  عظيم،   . ) .

2 ـ وفي يوم الجمعة 12 جمادى الأولى 874 يقول : ( لبس السلطان القماش والصوف الملون المعد لبسه للشتاء في كل سنة عند دخوله لصلاة الجمعة . وتأخر عن العادة أكثر من عشرة أيام،) .

3 ـ وفي يوم الجمعة 29 جمادى الأولى 875 يقول:  ( لبس السلطان الصوف الملون ، وألبسه الأمراء الألوف بعد صلاة الجمعة . وتأخر لبسه عن العادة القديمة بعشرين يوماً، أعنى عن عادة الملوك المتقدمين مثل الأشرف برسباى وقبله، وعن السنة الماضية بعشرة أيام.).

4 ـ  وفي يوم الجمعة 15 ذى القعدة 876  ( لبس السلطان نصره الله القماش البعلبكي المعد لبسه للصيف قبل عادته بثمانية أيام، وقيل بثمانية عشر يوماً. ) .

 5 ـ وفي يوم الجمعة 27 صفر 886 الموافق 8 بشنس : ( لبس السلطان نصره الله القماش الأبيض المعد لبسه للصيف قبل صلاة الجمعة وسبق العادة بخمسة أيام، وما قارب الشيء يعطي حكمه.).

 سادسا : الصلاة فى السجون المملوكية

حتى السجون كانت فيها صلاة فى أوقاتها اليومية .  يقول المقريزى عن السجون التى كانت في عصره  ( إن ما يحدث فيها لا يجوز عند أحد من المسلمين، وذلك بسبب ما يتكدس فيها من الكثيرين في موضع ضيق، فلا يتمكنون من الوضوء والصلاة ، وقد يروى بعضهم عورة بعض ، ويؤذيهم الحر في الصيف والبرد في الشتاء، وربما يحبس أحدهم السنة وأكثر ولا جريمة له ويكون أصل حبسه على ضمان )، أى يكون مسجوناً لأنه ضامن للغير فى ديون ، أى مسجون بلا جريمة ومع ذلك يظل في السجن وقد لا يحس به أحد إلى أن يموت.

سابعا : العقوبة بسبب إهمال الصلاة فى المساجد

1 ـ أوائل ذى القعدة علم السلطان  قايتباى أن الشيخ صلاح الدين المكينى قاضى القضاة الشافعية جعل أحد الشهود قاضياً، واسمه أبو الخير الفيومي الذى كان متزوجاً بإحدى الجواري المعتوقات، وكان متورطاً في قضية سلب وفي لإحدى الأوقاف ضمن مجموعة من الشيوخ ، وقد استدعاهم السلطان وعرف أنهم يأكلون إيراد الوقف ولا يعطون المستحقين شيئاً ، بل ولا حتى يقيمون في شعائر الصلاة. وحقّق معهم السلطان بنفسه ، ولم يستطيعوا الدفاع عنه أنفسهم أمام السلطان . فأمر السلطان القضاة الأربعة بأن يعين كل منهم نائباً عنه للجلوس بالجامع الذى فيه الوقف وفحص مستنداته وموارده ومصروفاته ويعلمون السلطان بذلك.

2 ـ وفي أول شهر ربيع الآخر يروى إبن الصيرفى أن ( صعد القضاة لتهنئة السلطان بالشهر على العادة وصحبهم شخص اشتكي للسلطان القاضى الشافعي بسبب خان السبيل الذى تحت نظره ، وأخبر بأن بالخان مسجداً ، وأن الجمّالين جعلوه مخزناً لمتاع الجمال وخياطة الزرابيل، وأنه حاول منعهم فتغلب عليه أعوان القاضى الشافعي ). أى إن أعوان القاضى الشافعى جعلوا المسجد مزبلة للجمال والجمّالين مع أنهم القائمون على رعاية المسجد والانفاق عليه من الأوقاف الخاصة به. أى أكلوا أوقاف المسجد وجعلوا المسجد مزبلة بأجر. وعن طريق شيوخ آخرين منافسين لقاضى القضاة الشافعى تمكن هذا الرجل من الوصول للسلطان والشكوى اليه . أى أن التنافس بين الشيوخ ودسائسهم فى بعضهم كانت من عوامل فضحهم أمام السلطان. 

ثامنا : العقوبة على ترك الصلاة

القاضى علم الدين إبن الهصيم، يقول عنه مؤرخنا ابن الصيرفي "كان عرباً عن الإسلام كثير الميل إلى دين النصرانية مدمناً على السكر لا يكاد يوجد صاحياً لحظة، ولما تولى البباوى الوزر- أى الوزارة ـــ طلبه وضربه ثلاث علقات في مجلس واحد بسبب أنه لم يشهد صلاة الجمعة ). وقد مات يوم الأحد 7 ربيع الثانى 874 ودفن يوم 10 من نفس الشهر، وصلوا عليه بباب النصر، ويقول عنه ابن الصيرفي : ( ودفن بمقابر المسلمين ، والله أعلم بما هو عليه. !). هنا عقوبة للقاضى لأنه لم يشهد صلاة الجمعة.

أخيرا :

هذا السلطان الورع الذى يقوم الليل يقرأ الأوراد ويحرص على تأدية الصلوات الخمس بإمام خاص يؤمه فيها ، والذى أقام مساجد وبيوتا للعبادة .. هل كان عادلا يقيم القسط بين الناس أم كان ظالما ؟ هل كان بصلاته يؤمن بالله جل وعلا وحده أم كان بصلاته عبادته يؤمن بالمال إلاها أعظم ؟

 

 

( 2 ) صلاة السلطان الورع قايتباى من أجل المال (إلاههم الأعظم )

مقدمة :

1 ـ شأن الخلفاء الفاسقين وغيرهم من الملوك والسلاطين فالإله العظم لديهم هو المال ، وهم يستخدمون كل الوسائل لسلبه من ( الرعية ). وأكثرهم ظلما وجشعا هم الذين يستخدمون التدين فى تسريغ ظلمهم ونهبهم ، وبهذا تكون صلاتهم ليست لرب العزة جل وعلا بل للشيطان الذى يأمر بالفحشاء والمنكر.

2 ـ والسلطان قايتباى كان أكثر سلاطين المماليك ورعا بالمفهوم الصوفى ، ومن ورعه هذا تجلى جشعه فى جمع المال. كان قايتباى أغنى فرد فى دولته ، ولكنه لم يقنع بما لديه ، ولم يقنع بالضرائب المعتادة التى كان يجبيها أسلافه ففرض المزيد ، وتنوعت الضرائب فى عهده ، منها مكس البضائع- الجمارك، زكاة الدولة، وما كان يجبي إذا حضر مبشر بفتح حصن، وما يجبي من أهل الذمة، ما يجبي من التجار عند سفر العسكر إلى الحرب ، وعند وفاء النيل، ضمان القراريط من كل ما يباع من الأطيان بنسبة 2% من ثمن البيع حتى لو تكرر بيع الأطيان في الشهر الواحد، ثم ما يؤخذ من أهل الشرقية من الخيل والجمال والبقر إذا سرحوا للصيد في بركة العباسة. بالاضافة الى هذه الضرائب كان يحصل على الأموال السائلة والعينية بطرق مختلفة .

3 ـ وقد كان المؤرخ المملوكى الارستقراطى أبو المحاسن بن تغري بردي جريئا فى نقد السلطان قايتباى وجشعه ، ومات هذا المؤرخ سنة 874 فحرمنا من أخباره ونقده للسلطان ، وانفرد مؤرخنا ابن الصيرفي بالساحة يسجل الأحداث بالطريقة التى تحلو له في دفاعه عن سيده السلطان، وبمقارنة ما ذكره ابو المحاسن بما ذكره ابن الصيرفى نجد ابن الصيرفى تجاهل الكثير من مظالم قايتباى ، ونجد ابن الصيرفى منافقا يحاول الدفاع عن سيده السلطان قايتباى الذى كان يعمل قاضيا فى دولته يسير على طريقة شيخه المؤرخ القاضى ابن حجر العسقلانى بينما كان ابو المحاس حاد النقد يسير على طريقة شيخه المقريزى

ونعرض لأمثلة لما ذكره ابن الصيرفى :.

أولا :

 الهدايا الاجبارية ( التبرع الإجبارى )

بالإضافة إلى الضرائب كان للسلطان الحق في الحصول على هدايا (إجبارية) أو بتعبير عصرنا "تبرع إجبارى" وكيف يكون تبرعاً ويكون إجبارياً في نفس الوقت؟ هنا المأساة والملهاة أيضاً فى حكم العسكر قديما وحديثا حيث تستوجب السلطة سلب الثروة طوعا أو كرها.

1 ـ في شهر شعبان سنة 874 جاءت للسلطان تقدمه (أى هدية قدمت له) مقدارها مائتا ألف دينار .

2 ـ وكان يكفي للسلطان أن يشير من طرف خفي لتنهال عليه الهدايا (الإجبارية).. ففي يوم الاثنين 22 ذى القعدة 875 كان السلطان يتنزه على ساحل بولاق وهناك سأل عن بيت ابن مزهر وهو كاتب السر، وفي الصباح التالى جهز ابن مزهر للسلطان هدية من السكر المكرر عشرة قناطير ومن الأغنام السمينة عشرين خروفاً، ولولا الرغبة والرهبة ما تكلف كاتب السر كل هذا..

3 ـ  وكان السلطان يأخذ (الهدايا) لكى يطلق سراح المساجين السياسيين، ففي 7 ربيع الأول 875 أطلق السلطان سراح الأمير خاير بك الذى كان دوداراً في سلطنة الظاهر تمربغاً وذلك في مقابل عشرين ألف دينار، وكان الذى توسط في الصفقة المحتسب يشبك الجمالى وناظر الجيش.

ثانيا :

المآدب والضيافات

1 ـ يروى ابن الصيرفى نزهة للسلطان قام بها يوم الجمعة 10 ربيع الأول 875 وذكر ما استهلكه السلطان من هدايا، ولم يذكر بالطبع ما ارتبط بذلك من ضرر ونهب للفلاحين. يقول مؤرخنا : ( وكان السلطان نصره الله عزم في يوم الجمعة ـــ الذى هو العاشرـــ أن يتوجه إلى خليج الزعفران ويقيم به ثلاثة أيام للتفرج والتنزه، وجهز له المقر الأشرف الكريم العالم أمير داودار الكبير ـ دامت سعادته يشبك من مهدى ــ من الأغنام المعاليف (أى السمينة ) عشرين معلوفاً سعر سبعة دنانير الواحد ومن البداري خمسون بدرياً ومن الحلوى ثمانية قناطير ومن السكر ستة قناطير ومن الأرز والدجاج المعلوف ما قيمته مائة دينار وغير ذلك. وجهز المباشرون تقادمهم من سكر وحلوى وفاكهة وأرز ودجاج وغنم ومعاليف، وجهز أيضاَ المقر الزينى أبو بكر بن المقر المرحوم الزينى عبد الباسط عشرين معلوفاُ وفاكهة وحلوى وسكراً، فاقتضى الحال أن السلطان ركب يوم الجمعة بكرة النهار فسيرَّ ورجع إلى القلعة وبطل الفرجة.). فأرباب الوظائف وهم أرباب الظلم جهزوا للسلطان كل هذه الأطعمة من عرق الفلاح المصري الذى لم يتخيل حتى في الأحلام أن تؤخذ له صورة بجانب تلك الأكداس الشهية التى يسيل لها لعاب عدة بلاد من الفلاحين الجوعى.

2 ــ وعاد السلطان إلى نزهته تلك يوم الثلاثاء 14 ربيع الأول وظل فيها إلى يوم الجمعة 17 ربيع الأول حيث عاد للقلعة وصلى الجمعة بها بعد أن ذبحت له الذبائح من الأبقار المسمنة والأغنام المعاليف والحلوي والسكر والفاكهة، على حدّ قول مؤرخنا الذى يذكر ( وحتى من جملة ما صرفه عظيم الدنيا الداودار الكبير حفظه الله ألف دينار وقس على هذا المباشرين بأجمعهم، غير أن شخصاً مسجوناً بسجن الجرائم مشهوراً بالأذى والنحس كان قبض عليه من مدة فهرب من السجن ثم حصِّل ( أى قبضوا عليه) فرسم السلطان بكحل عينيه.).!.فالسلطان ذبحوا له الذبائح المسمنة مع الحلوى والسكر والفواكه وكان وقتاً سعيداً عند مؤرخنا ابن الصيرفي أن يتمتع السلطان بكل ذلك لولا أن شخصاً هرب من السجن ثم اعتقلوه وأمر السلطان بكحل عينيه بالحديد المحمى بالنار حتى فقد نظره كي لا يستطيع الهرب من السجن بعدها .!.  ونقم مؤرخنا على ذلك السجين الهارب لأنه عكر صفو الحفل بهروبه وما كان ينبغى له أن يفعل حتى لا يتعكر مزاج السلطان الورع .!!.

ثالثا :

السلطان قايتباى يصادر أموال الأحياء:

 والسلطان الورع قايتباى كان يصادر أموال الأحياء .ففي يوم الأربعاء 17 رجب 876 أمر السلطان بمصادرة ممتلكات ابن زوين كاشف- أى والى ـ الغربية، يقول في ذلك مؤرخنا "وارسل السلطان إلى الغربية بالحوطة على موجود ابن زوين الكاشف بها من صامت وناطقُ أحضروه فأخذ أحسنه ورد عليه أخسه". أى إغتصب منها ما يريد وترك ما لايريد. منتهى الكرم والأريحية .!!

رابعا :

 وكان السلطان قايتباى الورع يلتهم التركات ويأكل أموال اليتامي ظلماً.

فى شريعة السلطان الورع قايتباى كان يعتبر نفسه شريكاً ووارثاً في التركة على أساس أنه رئيس المماليك وسيدهم ، هذا ما نفهمه من الأحداث التالية :

1 ـ عندما مات الأمير يشبك جن 875 أخذ السلطان خيوله وجماله ومماليكه ويرقة ، ( أى عتاده الحربى) وكل متاعه . يقول ابن الصيرفي "وهكذا شأن الزمان". أى هذا هو الشرع  المعتاد.

2 ـ وعندما مات الأمير بردبك البجمقدار 875 بالشام بعث السلطان الأمير قجماس ليستحوذ على تركته وتركة داوداره أبى بكر وكان قد توفي هو الآخر، ووصل الأمير قجماس للقاهرة يوم الأحد أول جماد الثاني 875 ومعه تركة الاثنين، يقول ابن الصيرفي "فبلغنى أن النقد خاصة أربعون ألف دينار خارجاً عن القماش والصوف والسنجاب والسمور والقاقل والبعلبكي وهو شيء كثير جداً، وكذلك الذهب المزركش".

3 ـ وفي نفس اليوم الأحد أول جماد الآخر 875 حضرت بنت خوند شقرا للسلطان لتصالح على تركة زوجها فردها السلطان إلى حيث جاءت منه، فركبت أمها خوند شقرا إلى الداودار الكبير وسألته في أمر بنتها فرضى عنها السلطان بشرط أن تدفع عشرة آلاف دينار فامتنعت . فأمر السلطان بمصادرة كل التركة وجئ بالتركة للسلطان ليراها. ثم قرر السلطان في يوم الخميس 5 جماد الآخر اهداء كل التركة إلى الدوادار الكبير، وفي النهاية تم الصلح بينها وبين السلطان في شعبان 875 على أن تدفع للسلطان عشرين ألف دينار وتأخذ تركتها"

4  ـ ولذلك كان بعضهم يتقرب للسلطان بإفشاء أسرار تركات الغير، ومن ذلك أن الأمير تغري بردى قريب السلطان كان عينا للسلطان على الدودار الكبير، وبعد موت الداودار الكبير في الشام عين السلطان قريبه تغري بردي في الاستادرية الكبرى، يقول المؤرخ ابن الصيرفي في تعليل ذلك:  "وكيف لا وهو يسد الوظيفة ويطلعه على أموال أستاذه وذخائره وودائعه" أى كان يطلع السلطان على كل أموال الداودار الكبير مما سهل على السلطان أن يحصل عليها بعد موت الداودار، وكافأ تغري بردى بالوظيفة الكبري، أما ابن الداودار الكبير الذى كان طفلاً فقد ضاعت حقوقه.

5 ـ وإذا كانت شريعة السلطان المملوكي تبيح له مصادرة تركات أتباعه من المماليك فكيف تبيح له سلب تركات أعيان المسلمين ؟.

5 / 1 : التاجر ابن سويد ت 873 من أعيان مصر القديمة ، وكان فقيهاً تاجراً ترك مالاً كثيراً . وقد أخذ السلطان من الأولاد الورثة ستة آلاف دينار.

5 / 2 :  وتوفي في نفس العام حسن بن بغداد شيخ أعراب الغربية بمحلة مرحوم وكان لديه مال جزيل، يقول ابن الصيرفي عن ورثته "وأخذ السلطان منهم ما أرضاه".

5 / 3 : وتوفي التاجر ابن كرسون يوم السبت 6 ربيع الآخر 875 وخلف ولداً وبنتاً وزوجة ومالاً كثيراً، وكان ذلك التاجر معروفاً بالتقوي وإخراج الزكاة في موضعها، ويقول ابن الصيرفي عما حدث لتركته "واختلف الناس في أمره ، فمن قائل أن السلطان ختم على الموجود ( أى صادر التركة كلها ) ، ومن قائل أن السلطان لم يتعرض له ولكن ناظر الخاص- أى القائم على رعاية أملاك السلطان- لابد له من شيء ( أى لا بد أن ينال شيئا من التركة ) فإنه يتعلل على ورثته بأن في جهته مالاً من جهة المكوس ، ( أى عليه ضرائب من الجمارك ) ، والله أعلم.") أى لابد من سلب التركة بأى طريق. ومعناه أن زبانية السلطان كانوا يشاركونه في نهب أموال اليتامى ظلماً بعد وفاة عائلهم.

5 / 4 : وقد توفي الشيخ كمال الدين النويرى 873 وخلف من الذهب النقد تسعمائة دينار، وقد أخذ الوزير منها سبعمائة دينار خالصة غير ما أخذه مباشرو أرباب المواريث على حد قول ابن الصيرفي. فماذا تبقى للورثة ؟

خامسا :

سجن الضحية للحصول على أمواله : الاعتقال لابتزاز الأموال

1 ــــ وكان بعضهم يتفنن في إخفاء أمواله حتى إذا مات تمتع بها الورثة بعيداً عن علم السلطان، والسلطان من ناحيته كان يلعب معهم لعبة القط والفأر فلا يتردد في اعتقال المقربين للمتوفى ليدلوه على المستور من تركته. ففي عيد الأضحى سنة 885 اعتقل السلطان شاباً صغيراً هو ابن يحيي الأنصاري وقد مات أبوه، والسبب أن أخاه الكبير ذكر للسلطان أن أباه ترك مالاً خبيئة عند ذلك الشاب، فطلبه السلطان وقرره فاعترف الشاب أنه وجد من تركة أبيه خاتماً من عاج مخروط وله فص منقور فوجد تحت الفص ورقة مكتوب فيها "ذخيرتي في مكان كذا وأنكم تعطونها أو تقسموها بين أولادي النساء والرجال إلا ولدى الكبير فإنه أخذ حصته" وذكر الشاب أنه توجه فلم يجدها في المكان الذى ذكره، فاحتد السلطان عليه وأمر باعتقاله. ثم قام الشيخ زكريا الأنصاري بالتشفع فيه عند السلطان فأمر السلطان بتحليفه فحلف الشاب أنه ما أخذ الذخيرة (التركة)، يقول ابن الصيرفي "ثم أطلقه السلطان بعد أن عدد له أموراً من كذا ، وأنه في كل ليلة يضيع خمسين ديناراً على الرحابية (مغنية مشهورة في ذلك العصر) وأمثالها والله المستعان، وأخبار الناس عند هذا السلطان معروفه مضبوطة فنسأل الله الستر والسلامة ونعوذ بالله من كلام العدا واختلافهم".وهذا يعني أن للسلطان شرطة سرية كانت تراقب الورثة وأحوالهم وماذا كانوا قد خبأوا عن السلطان شيئاً. ونفهم من تعليق ابن الصيرفى مدى هلعه من السلطان الورع وأجهزته الأمنية ..

2 ـ وكثيراً ما يدفع الورثة الصغار الثمن حبساً بعد أن يضيع السلطان أموالهم. في يوم الاثنين 8 صفر 875 هربت زوجة المباشر بالبحيرة عندما علمت بوفاة زوجها حتى لا يستولى السلطان على التركة، فأمر السلطان باعتقال ولدها الصغير الذى ليس لها سواه وعمره أقل من عشر سنوات، يقول ابن الصيرفي "ورسم عليه لأجل أخذ المال". أى كان السلطان يقوم الليل يصلى ويقرأ القرآن ويرتل الآيات التى تجعل أكل مال اليتيم كالذى يأكل النار في بطنه.. ثم يختم بسجن الأطفال الأيتام إن لم يساعده أهلوهم على أكل أموالهم بالتى هى أحسن.

3 ـ وبعضهم كان يحتال لإخفاء أمواله أو النفيس منها حتى لا تضيع كلها في المصادرة إذا حصلت، وكان السلطان يلعب معهم نفس اللعبة فيحتال للحصول على كل الأموال الظاهرة والخفية، فقد أمر السلطان باعتقال عبد كان للاستادار زين الدين كما أمر باعتقال سكرتيره عبد الوهاب وباعتقال جاريته قمر، وكان السبب في اعتقال الثلاثة هو إرغامهم ليدلوا على الأموال المخبأة عند زين الدين الاستادار، وظل الجميع في السجن عدة أشهر حتى تم إطلاقهم في عيد الفطر 876.

4 ـ  وقد ترتبط المصادرة للمال بالمصادرة للحرية، أى السجن. ففي يوم الثلاثاء 21 جماد الأول 876 أمر السلطان بالقبض على صيرفي جدة ، واسمه ابن عبد الرحمن وأمر بأن يؤخذ منه عشرون ألف دينار، والسبب في سجن الصيرفي المسكين أن السلطان أراد اقتراض عشرة آلاف دينار من إحدي السيدات كانت أماً للمحتسب وشاهين والى جده، وقد طلب السلطان من المحتسب وشاهين والى جده التوسط لدى هذه السيدة ليقترض منها العشرة آلاف، ولكن السيدة اعتذرت وأظهرت العجز والفقر، فغضب السلطان وأمر باعتقال صيرفي جده ، وطلبه في خلوة ليعرف منه أسرار ومدخرات والى جده، ولما لم يحصل منه على طائل صادر منه عشرين ألف دينار. وابن الصيرفي بعد أن ذكر الحكاية قال يدافع عن السلطان دفاعا هزيلا مضحكا : "وفي الواقع فهذا السلطان آخر الملوك العادلة فإنه خوّل المحتسب وشاهين في البلاد المصرية والحجازية".!!. لم يذكر المؤرخ القاضى كيف يكون أغنى فرد فى عصره محتاجا الى الاقتراض من إمرأة .!

5 ـ ولم يقتنع السلطان باعتقال صيرفي جده، فقد جاءته معلومات بأن المحتسب وزوجته وشاهين نائب جده وأم أستاذهم الصاحب جمال الدين قد وضعوا أيديهم على جواهر وأموال وتقاسموها، فهدد السلطان الموظفين الآخرين الذين لهم اتصال بالموضوع، وهدد السيدة فأرسلت للسلطان خمسة آلاف دينار فردها إليها، وحدث الجفاء بين السلطان والمحتسب بسبب ذلك.  

 

(3 )

التعذيب هو  صلاة السلطان الورع قايتباى للحصول على المال ( إلاههم الأعظم )

مقدمة

1 ـ يمكن إعتبار التعذيب نوعا من الصلاة الشيطانية للحاكم المستبد المتدين ، يستخلص بها أموال الناس ، والمال هو إلاههم العظم ، والتعذيب هى صلاتهم الشيطانية فى ( التقرب ) لهذا الإله الشيطانى.! ونعطى بعض التفاصيل :

أولا : أنواع التعذيب  : تفنن المماليك في التعذيب:

التعذيب بالضرب:

1 ـ  كان الضرب هو الوسيلة المثلى للتفاهم مع المتهم في أى جناية حتى لو كان بريئاً مظلوماً، ففي يوم السبت 21 صفر 886 ضربوا الشريف الأكفاني المتهم بقتل زوجته ضرباً مبرحاً نحو خمسمائة مقرعة وعصياً.. ثم أمر قايتباى بحبسه في سجن المقشرة. ولم تثبت عليه التهمة . ولا يزال هذا ساريا فى مصر وغيرها.

2 ـ وكان الضرب أحياناً يفيد، ففي يوم الاثنين 20 صفر 877 شكوا تاجراً إلى الداودار الكبير يشبك من  مهدي أنه أخذ من التجار بضائع إلى أجل، وحين جاء الأجل رفض أن يدفع ما عليه بسبب ما عليه من ديون، فأمر الداودار بضربه، ولما ذاق الضرب المملوكي ( صار يصرخ ويقول: ادفع الحق..) فأمر الداودار أن يعمل أجيرا في الحفير ويدفعوا أجرته لمن له في ذمته شيء.

3 ـ لم يكن الضرب هو العقوبة الوحيدة، فالتكنولوجيا المملوكية في التعذيب كانت رهيبة..

عقوبة الشي بالنار:

ثانى أمير فى سلطنة قايتباى كان الداودار يشبك من مهدي . وهو صاحب القبة التى لا تزال حتى الآن تتوسط ما يسمى بميدان القبة . و ( القبة ) تعنى مسجدا مشهورا بالقبة التى تعلوه . هذا الأمير جمع بين التدين والقسوة المفرطة . وقد ظفر بأحد مشايخ الأعراب من بنى عدي فضربه بالمقارع وأمر بأن يشوى بين يديه بالنار وهو حى فصار يستغيث ولا يغاث، وأخر الأمر أطلقه ،بعد أن قيل للأمير الداودار: (لا يعذب بالنار إلى خالقها.) . وحدث ذلك يوم الخميس 14 ربيع الأول 874.

عقوبة السلخ والتشهير:

1 ــ أى سلخ جلد الضحية وهو حىّ .!!. وكان الضحايا من زعماء الأعراب الثائرين على الدولة.

2 ـ في يوم الأربعاء 18 ذى الحجة 873 أمر السلطان قايتباى بسلخ ابن سعدان أحد مشايخ الأعراب من مدينة فوّة. وفي يوم الخميس 5 جمادى الآخر 875 قبض الداودار الكبير يشبك من مهدى على ( عيسى ابن بقر) أحد مشايخ الأعراب وأمر بسلخه، ثم أمر السلطان بالتشفع فيه إذا دفع عشرة آلاف دينار، وجاء البشير إلى الضحية وهم يسلخونه فوجده قد قطعوا من رأسه قطعة فقال: أنا أوزن- أى أدفع الدنانير وأنقذ نفسه.

3 ـ وأحياناً كان السلخ مرتبطاً بالتشهير، أى يطاف بالمسلوخين المساكين في شوارع القاهرة ليتفرج عليهم الناس وينادى عليهم المشاعلى هذا جزاء من يفعل كذا، وفي النهاية يتم صلبهم حتى يموتوا أمام أعين الناس. وربما جاء تخويف الأطفال المصريين من ( ابو رجل مسلوخة ) من مشهد أولئك المسلوخين وهم يطاف بهم على أعين الناس الذين كانوا يصحبون أطفالهم . وفي يوم السبت 29 ذى الحجة 876 طافوا في شوارع القاهرة بثلاثة مسلوخين من أكابر أعراب بنى حرام ، كان قد قبض عليهم الأمير قنصوه من جوار غيط الشيخ إبراهيم المتبولى فسلخهم وجهزهم- على حد قول مؤرخنا- وبعد أن طيف بهم في القاهرة أرسلوا إلى خارجها ليصلبوا أياماً ويرتدع المفسدون من قطاع الطرق من الأعراب.

4 ـ  وتفنن المماليك في جريمة السلخ، فأحيانا كانوا يسلخون الضحية المسكين ثم يحشدون جلده تبناً أو قطناً يطوفون به في الشوارع جنبا الى جنب مع الضحية المسلوخ . ففى أواخر جمادى الأول  875 وصل ابن زوين كاشف الغربية وصحبته رجل من العريان يسمى عبد القادر حمزة مسلوخاً وقد حشي جلده قطناً ومعه عدة رؤوس آدميين مقطوعة ، وصار يشهرهم فى شوارع القاهرة ، إلى أن وصل به إلى بيت الداودار الكبير، وتصادف أن الأمير تمراز الشمسي رأى الضحية المسلوخ عبد القادر حمزة فعرفه، وكان تمراز كاشفاً للغربية قبل ابن زوين ، وكان يحمى عبد القادر حمزة وصديقا له ، فعندما رآه في ذلك الحال هجم على ابن زوين

وضربه.

ثانيا : التعذيب أرهب الموظفين من مقابلة قايتباى:

1 ـ لذا كان خوف موظفي السلطان عظيماً حين يستدعيهم للحساب، وكان خوفهم أعظم حين يعزلهم عن الوظيفة،وما يعنيه العزل من إحتمال السجن والمصادرة والتعذيب حسب السّنة السائدة . وقد هرب القاضى تاج الدين بن المقسى ناظر الأملاك السلطانية (ناظر الخاص) والسبب أن السلطان عزله، فبادر بالهرب خوفاً من المصادرة والتعذيب، وعيّن السلطان بدلاً منه ابن الكويز في يوم الخميس 12 شعبان 874.

2 ـ وفي يوم الاثنين 9 ربيع الآخر في نفس العام 874 مات القاضى المشهور فى عصره : عبد الرحيم ابن البارزي، مات خوفاً من السلطان.فقد جاء من الشام لمصر ، وأرسل هدية للسلطان فردها السلطان عليه غاضباً، وبلغه أن السلطان توعده قائلاً : ("عند من يهرب منى ؟ هذا هو وقع في القفص ). هلع المسكين مما سمع، يقول ابن الصيرفى:( واشتد مرضه بالصرع فمات.).مات خوفاًورعبا من السلطان الورع قايتباى .!!

3 ـ وعلينا أن نعذر الشيخ عبد الرحيم ابن البارزي حين مات خوفا ، فالشيخ عبد الرحيم يعى تماماً تفنن المماليك في التعذيب والعقوبات.ولعل الشيخ عبد الرحيم في أيامه الأخيرة كان يتذكر وهو يرتجف كلمة السلطان "عند من يهرب منى؟ هذا هو وقع في القفص" ولعل الشيخ عبد الرحيم كان له فهمه الخاص لعبارة السلطان "هذا هو وقع في القفص" وربما أدى تفكره في هذه العبارة إلى أن قضى نحبه. هذا لأن الشيخ عبد الرحيم شهد ما حدث للوزير الأهناسي في ربيع الأول 873 بعد أن صادره السلطان ( وأجرى  عليه العقوبة) على حدّ قول مؤرخنا ابن الصيرفى الذى أورد وصفا لما حدث لهذا الوزير ، إذ علّقه السلطان في شباك أو قفص حديد ( بأصابع يديه ، فما تحمل وأذعن ، ودفع للسلطان ألفى دينار".)، ولا ريب أن الشيخ عبد الرحيم ابن البازري حين قدم القاهرة عرف أن يحيي بن عبد الرازق صادره السلطان للمرة الثانية وظل يعذبه حتى طار لحم جسده ومات في 18 ربيع الأول 874 وكان تذكره لمأساة يحيي بن عبد الرازق مما عجل به إلى الموت في الشهر التالى يوم 9 ربيع الآخر 874 أى أن الشيخ عبد الرحيم "أخذها من قصيرها ومات"

ثالثا : تفنن المماليك فى القتل

القتل بالتوسيط:

1 ـ  والجبروت المملوكى إستخدم التعذيب حتى فى تنفيذ عقوبة القتل ، فلم يكتف في القتل بقطع الرقبة وإنما ابتدع التوسيط وهو قطع الضحية نصفين. وتلك إحدى منجزات الشريعة السنية فى العصر المملوكى .وهى تعبر عن رغبة المماليك فى أن ينفردوا وحدهم بالسلب والنهب ، لذا إستعملوا أفظع طريقة فى القتل لارهاب قطّاع الطرق من الأعراب وغيرهم لأنهم ينافسون المماليك فى نهب الناس .

2 ـ وشريعة التوسيط لها طقوسها : أن يعرى المحكوم عليه بالإعدام من الثياب ثم يثبتون أطرافه بالمسامير فى  خشبتين على شكل صليب ويطرح مصلوبا عليها ، ويوضع على ظهر جمل .وتسمى هذه العملية بالتسمير. وربما يطاف به في شوارع القاهرة على هذا الحال وهذا هو التشهير . ثم يأتى السياف فيضرب المحكوم عليه بقوة تحت السرة فيقسم الجسم قسمين من وسطه فتنهار أمعاؤه إلى الأرض.

3 ـ  في يوم السبت 13 ذى القعدة 875 أمر السلطان بتسمير ستة أشخاص من قطاع الطرق وأن يتم توسيطهم بقليوب، فأشهروهم على الجمال تحت قيادة الأمير يشبك بن حيدر صاحب الشرطة، وطبقا لما أورده ابن الصيرفى فقد ذكر  صاحب الشرطة عنهم "أنهم قتلوا رجلاً بقليوب وأخذ ماله وحرقوه بمستوقد . وأمثال ذلك من التهجم والقتل وقطع الطرق" ويستطرد مؤرخنا قائلاً "وذاك ذنب عقابه فيه، ووسطوا بقليوب أو قربها وعلقت جثثهم ليرتدع أمثالهم عن هذه الأفعال المنكرة . ) ويختم مؤرخنا بقوله ( ..رب سلّم !!.)

4 ـ وفي اليوم التالى وهو 14 من ذى القعدة 876 أمر السلطان بتسمير أربعة من العربان والمفسدين على الجمال، اثنان بالجيزة واثنان من غيرها، وأشهروهم بالبلد، ووسّطوا منهم اثنين بباب النصر بالقاهرة لقربهم من أعراب بنى حرام ووسطوا اثنين بمصر لقربهم من الجيزة.

5 ـ وحيكت أساطير عن موضوع التوسيط، يقول مؤرخنا "وبلغني أن شخصاً من العريان يسمى ابن زعازع قبض عليه الداودار الكبير لما بلغه من الجرائم والمفاسد، وأمر بتوسيطه، فضربه المشاعلى بين يديه نحو سبع عشرة مرة ، فلم يقطع فيه السيف بل ينقلب" وزعموا أنه معه حرزا يحميه من التوسيط.

6 ـ  وحمل التاريخ المملوكي بعض المآسي الدرامية للمحكوم عليهم بالإعدام.

قبل عصرنا بقرنين، أى في شهر جمادى الأول 680هـ يروى المقريزى أنهم قبضوا على قاطع طريق مشهور اسمه الكريدى، فسمّروه على جمل ، وأقاموا عليه أياماً يطوفون به في أسواق مصر والقاهرة ، وتعاطف معه الحارس الموكل به فقطع عنه الطعام والشراب، فلما جاع وطلب الطعام(قال له الحارس :إنما أردت أن أهون عليك لتموت سريعاً حتى تستريح مما أنت فيه، فقال له: لا تقل كذا فإن شر الحياة خير من الموت!! فناوله الطعام والشراب، فأتفق أنه شفعوا فيه ، فأطلقوه وسجنوه فعاش أياماً في السجن ثم مات). وأغلب الظن أنه مات بعد أن تسممت جراحه.

القتل بقطع الخصيتين:

1 ـ وتفنن المماليك في التعذيب وإيقاع العقوبة ووصل إلى مناطق لا تخطر على البال.في سنة879 أمر قايتباى بقطع خصيتى مملوك يقال له شاهين ، كان خازندار الأمير اينال الأشقر، لارتكابه جريمة خلقية، وصادفت هذه العقوبة وجود شخص يهودي خبير بالإخصاء بمصر العتيقة.

2 ـ  والأتراك- ومنهم كان أكثرية المماليك- كانت لهم معرفة بهذه النوعية العجيبة من القتل والتعذيب، وبدأ ذلك قبل عصرنا بستة قرون. إذ يذكر الطبرى أن الأتراك المتغلبين على الخلافة العباسية ثاروا على الخليفة المهتدي وقتلوه، ويحكي الطبرى كيفية قتله فيقول" أمروا من عصر خصيته حتى مات" وذلك سنة 256.3 3 ـ وأحيت الدولة المملوكية ذلك التقليد العجيب في القتل فمات بهذه الطريقة أول سلطان مملو"RTL">الصلاة الشيطانية والسجون المملوكية

مقدمة :

1 ـ لم يرد ذكر السجن فى القرآن الكريم تشريعيا ضمن العقوبات ، وجاء ذكره فقط  عن مصر فى قصة يوسف وفرعون ، ومنه نأخذ الملامح الآتية المعبرة عن النظام الفرعونى المصرى والذى لا يزال سائدا مع الديكتاتورية المصرية العتيقة العتيدة :

1 / 1ـ السجن وسيلة عقابية للمجرمين فى الدول الديمقراطية وطبقا لقانون عقوبات صاغته مجالس تشريعية وحكم به نظام قضائى يتحرى العدل . فى دولة الفرعون المستبد يكون العقاب بالسجن لمن يغضب عليهم المستبد وأصحاب النفوذ . لذا هددت إمرأة العزيز يوسف بالسجن إن لم يفعل بها الفحشاء ( يوسف 32 ) ، وهدد فرعون موسى نبى الله موسى بالسجن إن إتخذ إلاها غيره ( الشعراء 29 ) . أى إن المستبد وأعوانه يهددون بالسجن من لا يستجيب الى رغباتهم الدنيئة . كان هذا ـ ولا يزال ـ سائدا وساريا.

 1 / 2 ـ لا يوجد تعذيب فى سجون الدول المتقدمة ، لأن السجن فيها لاصلاح المجرمين وليس للإنتقام منهم . يختلف الوضع فى دولة المستبد ، فهو لا يكتفى بالزجّ بالأبرياء فى السجون بل يعذبهم جسديا. لذا إرتبط السجن المصرى بالتعذيب الأليم فى قول إمرأة العزيز لزوجها عن يوسف ( يوسف 25 ).

1 / 3 ـ والمتهم يتمتع بالاحترام ويتم بهذا خطابه رسميا حتى بعد إدانته وهو فى السجن . ولمست هذا بنفسى حين زرت سجنا أمريكيا . أما فى السجن المصرى فالأبرياء فيه يلاقون الإهانة والإذلال ، تعذيبا نفسيا مضافا للتعذيب الجسدى ، وهما مقترنان ، فالسجين يسمع اللعنات ويتلقى اللكمات. ونرى إرتباط السجن المصرى بالإذلال فى قصة يوسف ( يوسف 32 ).

2 ـ السجن المصرى الحالى يتشابه فى كثير مع السجن المملوكى من حيث الظلم المقترن بالصلاة الشيطانية ، وفى توقيع أكبر إيلام جسدى ونفسى بالضحايا . ولكن السجن المصرى الحالى يستعمل أحدث تكنولوجيا التعذيب التى لم تكن معروفة من قبل . ولكن كانت للسجن المملوكى إبداعاته أيضا. نتعرف عليها هنا.

أولا : لمحة سريعة :

 1 ـ بلهجة الفقهاء يقول المقريزى عن السجون التى كانت في عصره  ( إن ما يحدث فيها لا يجوز عند أحد من المسلمين، وذلك بسبب ما يتكدس فيها من الكثيرين في موضع ضيق، فلا يتمكنون من الوضوء والصلاة ، وقد يروى بعضهم عورة بعض ، ويؤذيهم الحر في الصيف والبرد في الشتاء، وربما يحبس أحدهم السنة وأكثر ولا جريمة له ويكون أصل حبسه على ضمان )، أى يكون مسجوناً لأنه ضامن للغير فى ديون ، أى مسجون بلا جريمة ومع ذلك يظل في السجن وقد لا يحس به أحد إلى أن يموت.

2 ـ و فزع بعض المماليك من قسوة الحياة في السجن وخصوصا سجن الجب بالقلعة .وقبل أن يتولى السلطنة كان الأمير المملوكى شيخ المحمودى نزيلا فى سجن شمايل ، وقاسى مما فيه ، فنذر إن نجا منه وأصبح سلطانا ليهدمنه . وعندما تولى السلطنة بلقب المؤيد شيخ أوفى بنذره فهدم سجن الجب فى القلعة  وسجن شمائل، ولكن قامت السجون الأخرى مثل أبراج القلعة والمقشرة بنفس الدور وأشنع. فالمستبد يحتاج الى الكثير من القصور ليتنعّم ويحتاج الى الكثير من السجون ليأمن على حياته وليرهب شعبه. والتعذيب ـــ وليس العدل ـــ هو أساس المُلك المستبد.

3 ـ  وفي عصر قايتباى ذكر ابن الصيرفي إشارات للسجون المعروفة في مصر وقتها والتى كانت مبنية قبل عصر قايتباى مثل سجن الإسكندرية وسجن الجرائم وسجن الديلم وسجن الشرع وسجن المقشرة، وهذا   بالإضافة إلى سجن البرج بالقلعة.

ثانيا : أشهر المساجين وأشهر السجون :

 1 ـ وكان نزلاء السجون من الأمراء المماليك ، كنتيجة للصراع فيما بينهم ، ووقوع بعضهم ضحايا لهذا الصراع والفتن والمؤامرات . وقد يصبح سجين سابق من الأمراء المماليك سلطانا فيما بعد ، وحدث هذا قبل عصر قايتباى ، كما حدث فى عصره ، فالملك الظاهر يلباى كان مسجوناً في عصر قايتباى في سجن الإسكندرية ومات فيه بالطاعون في ليلة الاثنين أول ربيع الأول 873.

2 ـ وفي سجن الجرائم أودع السلطان قايتباى جماعة من الأعراب المفسدين من الشرقية وذلك يوم السبت 5 محرم 874. وهرب من هذا السجن أحد المجرمين المشهورين يوم الجمعة 17 ربيع الأول 875، وقد تمكن المماليك من القبض عليه وأمر السلطان بكحل عينيه- أى بوضع الحديد المحمى بالنار على عينيه حتى عمى. واستطاع شيخ الأعراب ابن زامل من الهروب من ذلك السجن يوم الجمعة ربيع الثاني 876. وفي يوم الثلاثاء 17 شعبان 876 أطلق السلطان سراح حوالى أربعين مسجوناً من سجن الجرائم وسجن الشرع. كان هناك نوعان من السجون ، احدهما للمجرمين العاديين والآخر لمن يغضب عليهم السلطان .

ثالثا :  أشهر السجون السياسية :

  1 : ( سجن الديلم كان ) مخصصاً لمن يغضب عليه السلطان من أرباب الوظائف فقد سجن فيه السلطان القاضى ابن العيسي وسجن فيه الوزير قاسم جغيته.

  2 : سجن ( برج القلعة ) الذى اعتقل فيه ابن العيني إلى أن أذعن ودفع للسلطان ما أراد ، وكان ذلك في 17: 19 من جمادى الثانية 873. وفي نفس البرج حبس السلطان موسى بن كاتب غريب في شعبان 873، ثم اعتقل السلطان زين الدين الاستادار في رمضان من نفس العام، وصار موسي محبوساً في برج القلعة وغريمة زين الدين الاستادار محبوساً في برج أخر يقول مؤرخنا ابن الصيرفي، وفي رمضان 874 أمر السلطان بسجن أسرى شاه سوار في برج القلعة. والعسكر الذى يحكم مصر من عام 1952 إستخدم نفس السجن ( سجن القلعة ) ولا جديد تحت الشمس فى مصر.

رابعا : سجن المقشرة : أشهر سجون العصر المملوكى للمجرمين العاديين 

1 ـ وكانت المقشرة أشهر سجن في عصر قايتباى وفي عصر المقريزي أيضاً. والمقريزي يحدد موقع سجن القشرة بأنه بجوار باب الفتوح فيما بينه وبين الجامع الحاكمى (أى المنطقة المجاورة لباب زويلة الآن).

2 ـ وأصل تسميتها بالمقشرة أنه كان فيها القمح، وكان موضعها سجنا مشهوراً يسمى خزانة شمايل، وقد تم هدمه وأقيم مكان سجن المقشرة. وهذا السجن يضم برجاً في السور وموضع المقشرة وأضيف له الدورة المجاورة التى هدمت، وأصبحت بذلك المقشرة سجناً لأرباب الجرائم.

3 ـ ويقول عنه المقريزي" وهو من أشنع السجون وأضيقها يقاسى منه المسجونون من الغم والكرب، لا يوصف، عافانا الله من جميع بلائه .!!.

4 ـ وذكر ابن الصيرفي إشارات لما حدث في عصره في سجن المقشرة . وتحديد ( الإجرام ) يخضع لمزاج السلطان :

4 / 1 :  فقد أودع فيه السلطان أسرى الفرنج الذين أسرهم أهل ادكو.

4 / 2 : والفلاحون الغلابة يكونون مجرمين إذا عجزوا عن دفع الضرائب ، إذ أنهم ( كفروا بالمال : الإله الأعظم للسلطان الورع قايتباى) . يقول ابن الصيرف إنه كان فى هذا السجن ( سجن المقشرة ) جمع من الفلاحين ممن ( إنكسر عليهم مال للسلطان) ، أى سجنهم لعجزهم عن دفع الضرائب والرشاوى التى يفرضها عليهم أعوان السلطان من الكاشف ومن هم دونه. .ولأنهم مظاليم فقد تجرأ بعضهم وإشتكى للسلطان مخدوعا بورعه وتقواه و أملا فى عدله وإقتناعا بوضوح قضيتهم ، وكانت النتيجة فظيعة ، إذ أمر قايتباى بسلخ أربعة منهم بحضور الباقين فسلخوا ، وأرسلوا إلى البلاد فاشهروا بها ( ليرتدع بها أمثالهم )، على حد قول مؤرخنا ابن الصيرفي الذى يعلق على هذه المأساة قائلاً عن السلطان " فنصره الله نصراً عزيزاً". أى يدعو له بالنصر . لم يعرف الفلاحون الغلابة أنهم بشكواهم قد إزدادوا كفر بالمال ، وهو الإله الأعظم لقايتباى وغيره من الخلفاء الفاسقين .

خامسا : المساجين يملكهم السجانون : إجبار المساجين على التسول لصالح السجّانين :

1 ـ السجانون  ــ كانوا على دين ملوكهم  ــ يؤمنون أيضا بالإله العظم ( المال ) ، لذا كان لهم الحق فى إجبار المساجين على التسول لصالحهم ، والويل للمساجين إن لم يجمعوا لهم المال المطلوب.

 2 ـ ووصف المقريزي أحوال المساجين باختصار فقال أنه : ( لا يوصف ما يحل بأهلها من البلاء وأنه اشتهر أمرهم أنهم يخرجونهم في الحديد حتى يشحذوا وهو يصرخون في الطرقات قائلين: الجوع.. فما يصلهم من الصدقات يأخذ معظمه السجان وأعوان الوالى، ومن لم يحصل من المساجين على صدقات يبالغ السجان وزبانيته في عقوبته.).!

3 ـ  وقبل ذلك كانت خزانة شمايل أبشع السجون، وقد هدمها السلطان شيخ المحمودى يوم الأحد 10 ربيع الأول 818، وكان والى القاهرة يفرض على السجان فيها مقداراً يومياً من المال يحمله إليه، ويحصل السجان على هذا المال من شحاذة المسجونين.واستمر ذلك في عصر السلطان قايتباى باستمرار الظلم المملوكي.

4 ـ  في يوم الأحد 11 صفر 875 أمر السلطان الورع قايتباى ( بتوسيط سجين ( أى قتله بقطعه نصفين ) بعد أن أشهره على الجمال مسمرا يُطاف به فى الشوارع ، وعرضه الموكلون به أمام السلطان، والسبب في توسيطه وتسميره وتشهيره أنه كان مسجوناً بالمقشرة من سنين وقد قرر عليه السجان قدراً معلوماً كل يوم فكان يخرج في الحديد ويستعطى ويحضر ما عليه للسجان كل يوم، وحدث أنه لم يحصل في ذلك اليوم على ما يوفي بالمقرر عليه فأراد الهروب خوفاً من الضرب والعصر )، أى عصر قدميه بآلات التعذيب وآلات العقاب. يقول ابن الصيرفى : ( فحصل بينه وبين الجمدار مشاجرة وضربا بعضهما فأصاب الجندار ضربة فمات فقتلوا هذا به...".). أى حسبما يذكر المؤرخ ابن الصيرفي أن المسجون كان إذا لم يتسول للسجان قدراً كافياً يرضى نهمه فإنه يتعرض للضرب وعصر قدميه بآلات العذاب.

5 ـ وفي يوم الأحد 6 ذى الحجة 875 انتحر مسجون من سجن المقشرة لأنه خاف من العقوبة التى سينالها لأن ما حصل عليه من التسول كان أقل من المقرر عليه، يقول ابن الصيرفي:( ضرب شخص من الذين هم في سجن المقشرة ويسألون في الحديد صحبة الجندار،نفسه بسكين، فخرجت مصارينه في وسط السوق، وسبب ذلك أن هذا الذى قتل نفسه كان عليه مقرر في كل يوم للسجان ثلاثة أنصاف وللذى معه قدر أخر، فإن لم ينهض فيعاقب عقوبة شديدة ويجعلون رجليه في الخشب، وطال ذلك عليه فقتل نفسه، وحسابه على الله".).كان هذا هو ما ناله المسكين من عبارات التعزية من مؤرخنا القاضى ابن الصيرفى..!!

6 ـ وربما أدى انتحار ذلك المسجون المسكين إلى صحوة مؤقتة للضمير.. فقد أصدر قايتباى مرسوماً بألا يأخذ السجان من المسجون ولا من أقاربه شيئاً وأخذ عليهم التعهدات ألا يفعلوا ذلك.، وألّا يأخذ نواب القضاء والعاملين معهم شيئا من السجّانين ، إذ كان أعوان الوالى ــ وهو القائم بالقبض على المجرمين وتنفيذ أوامر الشرع السنى المملوكى ــ هم المتحكمين فى السجّانين يأخذون منهم الأموال ، والسجانون يرغمون المساجين على التسول لهم ولاعوان الوالى . وصدر ذلك المرسوم يوم الخميس 15 محرم 876، يقول مؤرخنا: ( أشهر النداء بالقاهرة أمام الوالى حسب المرسوم الشريف أن أحداً من النقباء والرؤوس النوب لا يأخذ من السجان على السجون الذى يودعه عنده شيئاً، وأن سجاناً لا يأخذ من أحد يزور السجون شيئاً ، وأن زوجة السجان لا تأخذ شيئاً في كل ليلة جمعة كما كانت عادتها، وأن يكتب عليهم قسائم بأن لا يعودا لذلك فكثرت الأدعية للسلطان.) .أى كان السجان وزوجته يستغلون المساجين وزوجاتهم وأهليهم.

7 ـ ومع صدور هذا المرسوم فإن الأمور عادت إلى ما كانت عليه، وعاد السجان يرغم المسجون على التسول لحسابه وإلا فأمامه العذاب الشديد..

8 ـ وكان بعض المساجين يثور على الوضع فيقتل الجندار أو الحارس كما حدث من قبل. في يوم السبت 16 من ذى القعدة 876 ( أمر السلطان بتوسيط لص مسجون" خرج يستعطي كعادته فقتل الجمدار المرسم عليه، قيل أنه عصر بيضه فمات، فرسم بتوسيطه".). أى إنّ هذا المسجون البائس قد تم قطعه نصفين .

سادسا : الهروب من السجن:

1 ـ ويبدو أن المساجين في السجن مقامات حتى في العصر المملوكى. فالسجين الثرى من مشايخ الأعراب كانت له امتيازات لا تتاح لغيره من الفقراء المساجين الذين عليهم أن يتسولوا ليرضوا جشع السجان والحراس ، إذ كانوا يغدقون المال على الحراس ، هو المال إلاههم الأعظم .

2 ـ وقد استغل بعض المساجين الأثرياء تلك التسهيلات ــــ التى اشتراها بماله  ــــ استغلها في الهروب، حدث ذلك يوم الجمعة 18 ربيع ثان 876.  كان ابن زامل أحد مشايخ الأعراب محكوماً عليه بالإعدام ومسجوناً على ذمة الحكم في سجن الجرائم، وكان السلطان يؤجل تنفيذ إعدامه حتى يوفّي ابن زامل ما عليه من ديون لديوان السلطنة، ثم نقلوه من سجن الجرائم ، وأودعوه بقاعة المسجونين بين الصورين، بالقرب من بيت الأتابك أزبك قائد الجيش المملوكي،( وهو الذى تحمل حديقة الأزبكية بالقاهرة إسمه حتى الآن ) والأتابك أزبك هو الذى قبض عليه. وقد وثق ابن زامل علاقته بالقائمين على حراسته في قاعة السجن، وصار الحراس يخرجون به كل ليلة والحديد في عنقه لزيارة بعض أصحابه بالقاهرة حيث يأخذ منهم الأموال ويأكل أجود الطعام ثم يعطى حراسه المائة درهم والمائتي درهم. واستمر على ذلك  إلى يوم هروبه ، حيث خرج كعادته وكان معه اثنان من الحراس أحدهما حارس السجن، وقد قال لحارس السجن أنت أولى بأن تأخذ كل الدراهم، وأغراه بأن يصحبه وحده ويترك زميله، وتوجه معه وهو في الحديد إلى الباطلية، وهناك في المكان الذى أراد الدخول فيه كان هناك كمين ينتظر، فضربوا الحارس حتى أغمي عليه، وفكوا وثاق ابن زامل وأركبوه فرساً وهربوا به، واستمر الحارس ملقى على الطريق إلى أن أدركوه.

 

( 5 ) قضاة الشرع زبانية السلطان الورع فى الظلم

أولا : 

الدولة المملوكية كانت دولة عسكرية دينية أو دينية عسكرية. وبصفتها الدينية كانت تمارس الظلم على أنه شريعة دينية ، وتؤدى الصلاة على أنها وسيلة تقربهم الى شيطانهم أو إلاههم الأعظم وهو المال النرتبط بمقدار السلطة.

2 ـ والدولة المملوكية كانت تسير على قدمين : العسكر والفقهاء ، وكلاهما تلقى تعليما دينيا .

2 / 1 : المماليك كانوا رقيقا يؤتى بهم الى مصر ، فيتعلمون ما يقال لهم أنه ( الاسلام ) ، يحفظون بعض القرآن ويتعلمون معالم الدين السنى ، بالاضافة الى فنون القتال ، وبالممارسة يتعملون فنون التآمر ، حيث يتم عتق المملوك ويصير جنديا وينفتح أمامه طريق الترقى المحفوف بالتآمر والمكاره، قد يصل الى السلطنة أو ما دونها وقد يلقى حتفه أو يدخل السجن قبل أن يصل الى أعلى أو بعد أن يصل الى أعلا. وفى كل هذا هو منغمس فى خدمة طاحونة الظلم المتلفع بعباءة الدين ، ويمارس الصلاة الشيطانية يحسب أنه بها يحسن صُنعا.

2 / 2 : نفس الحال مع الفقهاء . كانوا يتعلمون دين السنة الصوفى فى المدارس والزوايا والأربطة والمساجد والقباب والجوامع والقباب والخوانق. وهى لم تكن فقط بيوتا للعبادة بل كانت تحتوى على قاعات للعلم والدرس ومكتبات بالاضافة الى أمكنة التعبد . وفى وثائق الوقف عليها كان يتم تحديد واجبات المدرسين ونوعيات الكتب فى الحديث والتفسير والعقائد . ويتخرج أحدهم فيتنافس فى الحصول على وظيفة ، وقد يصل الى وظيفة ديوانية ، وأعلاها أن يكون ناظرا للخاص ( مشرفا على أملاك ومالية السلطان ) أو كاتب السّر ، الذى يكتب للسلطان مكاتباته الرسمية ، وقد يكون أقل من ذلك ..وهناك الوظائف الدينية مثل المحتسب الذى يراقب الأسواق والشوارع ، والقضاة . وفى كل الأحوال يصل الفقيه الى منصبه الديوانى أو الشرعى ليس بالكفاءة ولكن بالرشوة ، فشراء الوظائف كان رسميا من خلال ديوان ( البذل والبرطلة ). وفى كل هذا هو منغمس فى خدمة طاحونة الظلم المتسربل بعباءة الدين ، ويمارس الصلاة الشيطانية يحسب أنه بها يحسن صُنعا.

3 ـ وطاحونة الظلم المملوكى كانت تلتهم الجميع من مماليك وفقهاء .المملوك الخاسر لا يلقى رحمة ، والفقيه الذى يصل بالبذل والبرطلة يتعرض للمصادرة والتعذيب حتى يعترف بما خبّأه من سرقات ، ودون خجل . لذا كان نفاق السلطان أهم ملامح الطقوس الدينية ، لا فارق بين العسكر والفقهاء ، ولا فارق بين قاضى القضاة وأتابك العسكر (أى قائد الجيش ) .

4 ـ ولم يكن عصر قايتباى هو العصر الوحيد فى التعذيب والظلم والنهب، هو فقط كان المشهور بالورع والتقوى بين سلاطين المماليك ، ولكن التعذيب كان لازمة من لوازم الحكم العسكرى المملوكى ، وكل حكم عسكرى يستأثر بالثروة والسلطة ويقهر المواطنين بالتعذيب حتى لا يثوروا ، ويستخدم الدين ( الأرضى ) وفقهاءه لاسكات الناس ، بل يحضهم على الدعاء للسلطان الظالم بالنصر (على الشعب ) .  

5 ـ   ولا ننسى أن من فقهاء العصر المملوكى عصر التعذيب من لا يزالون يتمتعون بالتقديس حتى الآن ، ومنهم ابن تيمية وابن كثير وابن القيم وابن حجر. وكان منهم فى عصر قايتباى السخاوى والسيوطى والبقاعى والبلقينى..( وشيخ الاسلام وقتها ) زكريا الأنصارى ...وعلماء الأزهر. جميعهم سكتوا عن التعذيب ولم يعترضوا عليه إذ رأوه حقا للسلطان الراعى ، وله حق التصرف فى الرعية كيف شاء. بل كان بعضهم يتعرض للتعذيب فلا يشكو بل يسكت ويجتهد فى إرضاء السلطان والاستمرار فى عمله معاونا لدولة الظلم . ولا ننسى أننا ننقل وقائع التسجيل العملى لتطبيق الشريعة السنية عن مؤرخ قاض هو ابن الصيرفى.

6 ـ هذا لا يمنع من وجو أقلية محترمة من الفقهاء مثل القاضى ابن جماعة والمؤرخ المقريزى الذى عمل محتسبا فترة من الوقت وكان حاد النبرة فى تأريخه لمماليك عصره . ومنهم من نافق وتصاغر مثل الفقيه المؤرخ ابن حجر العسقلانى والفقيه المؤرخ العينى . وسار على طريقة ابن حجر تلميذه المؤرخ القاضى ابن الصيرفى.

7 ـ وابن الصيرفي يمثل الطبقة التى ينتمى إليها فيما يكتب، ويعبّر عنها بصدق، وإذا كان القضاة يمثلون الشرع السّنى ،فإن ذلك الشرع السّنى وممثليه كانوا في خدمة السلطان وفي ركابه أينما سار. وكان أولئك القضاة ومشايخ الإسلام يجدّدون للسلطان عبوديتهم له في مطلع كل شهر عربي حيث يصعدون إلى القلعة يدعون له ويقبّلون الأرض بين يديه فى صلاة فيها الدعاء وقراءة الفاتحة والتسليم والركوع والسجود . وهو كان يتدلل عليهم وينشغل عنهم باللعب والنزهة فيأتون له في اليوم التالى. وهم بين الخوف منه والتقرب اليه كانوا له راكعين ساجدين وفق المراسم البروتوكولية فى الدولة المملوكية . ولا يخجلون من جعل هذا إسلاما، وأنهم ( قُضاة الشرع الشريف ).! ونعطى أمثلة من نفاق القاضى ابن الصيرفى .

ثانيا : ابن الصيرفى منافقا للسلطان قايتباى

1 ـ ذكر ابن الصيرفي ما حدث لمجاهدى ( ادكو ) المدينة الساحلية المصرية ، وقد  هزموا مركباً افرنجياً واستولوا عليه وسلبهم الأمير قجماس حقوقهم، فجاءوا يستغيثون بالسلطان فاعتقلهم مع الأسرى الفرنجة وضربهم وأهانهم وحزن الناس من أجلهم، ولا يخفي الصيرفي حزنه من أجلهم ولكن لا ينسي مع ذلك الدفاع عن سيّده قايتباى فيقول: ( فما هان على غالب الناس ترسيم على أهل ادكو فإنهم مجاهدون صلحاء وصنعوا جميلاً غير أن مولانا السلطان نصره الله غُطّي عليه أمرهم.). ابن الصيرفى لا يذكر السبب الحقيقى وهو ان شجعان مدينة ادكو انتصروا على مركب الفرنجة فى الوقت الذى تقاعس فيه قائد المماليك هناك وهو الامير قجماس . وكان ممنوعا أن يحمل المصريون السلاح أو أن يباشروا القتال حتى لو كان دفاعا عن وطنهم لأنها مسئولية العسكر فقط. ولا جديد تحت شمس مصر العسكر .!

2 ـ ولا يملّ مؤرخنا من ترديد نفس الحجة وهى أن السلطان لا يعلم، فهو يتحدث عن مظالم 875 وآثارها السيئة على الناس فيقول كما لو كان يتكلم عن حال الشعب المصرى الآن تحت حكم السيسى :  ( وأما الناس فصاروا ثلاث أثلاث، الغني افتقر والمكتسب ما يفي بنفقته، والفقير فبعد أن كان يسأل في الرغيف صال يطلب لُبابة... وأما غير ذلك فمن جهة: الظلم والجور والأحكام الباطلة وانتهاك حرمة الشرع وبهدلة القضاة والفقهاء وعدم نصره المظلوم، وفشا هذا الأمر وانتشر.).

ثم يسارع بتبرئة سيده قايتباى ، فيقول : ( وفي الواقع فسلطان مصر الملك الأشرف أبو النصر قايتباى نصره الله، سلطان عظيم شجاع ، فارس معدود من الفرسان، ديِّن عفيف الفرج.. وله ورد في الليل من صلاة وقيام.. ولو بلغه المقربون لحضرته ما يحصل على المظلومين.. لا نصف المظلومين من الظالمين.).

3 ـ وذكرنا سجن الفلاحين ممن ( إنكسر عليهم مال للسلطان) على حد قول ابن الصيرفى ، فسجنهم في ذلك السجن البغيض، أى سجنهم لعجزهم عن دفع الضرائب والرشاوى التى يفرضها عليهم أعوان السلطان من الكاشف ومن هم دونه. .ولأنهم مظاليم فقد اشتكي بعضهم للسلطان أملا فى عدله وإقتناعا بوضوح قضيتهم ، فأمر قايتباى بسلخ أربعة منهم بحضور الباقين فسلخوا ، وأرسلوا إلى البلاد فاشهروا بها ( ليرتدع بها أمثالهم )، على حد قول مؤرخنا ابن الصيرفي الذى يعلق على هذه المأساة قائلاً عن السلطان " فنصره الله نصراً عزيزاً". أى يدعو له بالنصر.!

4 ـ وسبق ما حدث للأمير يحيي بن عبد الرازق الاستادار ت 874 من تعذيب أفضى الى موته وهو فى الثمانين من العمر ، وذكر ابن الصيرفى تفاصيل مصادرته وتعذيبه حتى الموت ، ويقول معلقا مدافعا عن سيده قايتباى : ( أنه صودر تسع عشرة مرة ، وأحتاج حتى باع حوائج بيته وقماش خيوله بعد بيع أملاكه.. واستمر على ذلك إلى أن صادرة الملك الأشرف أبو النصر قايتباى- عز نصره- أول مرة وثانية ، وهو معذور فيه ، فإنه يدعى فقراً..". أى يستحق هذا المسكين القتل بالتعذيب لأنه يزعم الفقر. ولا عذر له ، ولكن العذر كل العذر للسلطان الورع قايتباى .!!

5 ـ الأمير قاسم إبن جانبك جىء به للسلطان ومعه تركة زوجته المتوفاة ، يقول ابن الصيرفى :  ( فلما تمثلوا به بين يد السلطان- نصره الله- سأله عن التركة ، فأجاب جواباً نابياً خشناً ، فغضب وأمر بضربه بالمقارع، فتباطأوا في حل أزراره ، فرسم بشق أثوابه فشقوها ، وضرب مقارع ..، وسجن حتى يقوم للذخيرة ( أى لخزينة السلطان ) بما يرضى صاحبها".). إبن الصيرفى حين يذكر السلطان كان يدعو له بالنصر.!

ثالثا : الأمراء المتدينون على دين قايتباى فى الظلم والتدين

1 ـ  الأمير يحيي بن عبد الرازق الاستادار الذى مات تحت التعذيب عام 874 ،  قال عنه ابن الصيرفى : ( أنّه عمّر الجوامع العظيمة .. وعمّر الحمامات الهائلة والدور المفتخرة العظيمة، وعمل معروفاً زائداً في الفضل من مغسل وأكفان ومواراة الميت برمسه من الحمّالين والحفّارين وغير ذلك، وصنع أيضاً صنيعاً جميلاً  في الغلاء للفقراء من تفرقة خبز ودقيق وقمح لكل أحد بقدر ما يلائمه، وكان يحسن لذوى البيوت ويتفقدهم . ) وإلى هنا كلام جميل.. إلا أننا نقرأ أيضاً أنه : ( كان قد أخرب دور أمر المدركين والفلاحين والمباشرين، وقال عنه أبو المحاسن: وأما أفعاله في مباشرته فكانت بالضد أيضاً ، وهو أنه كان كثير الظلم والجور والعسف وأخذ الأموال الخبيثة ثم يعمّر من ذلك الجوامع والمساجد والأوقاف على البر ويرسل السحابة (الطائفة التى ترافق الحجّاج لرعايتهم ) إلى الحجّاج في كل سنة لأجل الفقراء والمساكين، فهذا أيضاً بالضد.).  

2 ـ وظيفة المحتسب كانت قصرا على الفقهاء فقام قايتباى بتعيين أحد الأمراء محتسبا ، ومؤهلاته أنه كان مشهورا بالتدين ن فقاسى منه أهل القاهرة الشدائد ، قال عنه ابن الصيرفى : ( وباشر يشبك المذكور الوظيفة المذكورة لم يكشف البلد بنفسه ولا مرة واحدة ، ولا يعرف أحوال الرعايا والمسلمين إلا من أعوانه الذين في خدمته، فصاروا أرباب أموال وأقمشة ودور وخيول وبغال وحمير، وهو ماسك البقرة يحلبها فإنه لا يتعاطي شيئاً.. وهذا في غاية الترفع أن يقف على سوقي أو وزّان أو بيّاع ويعتبر أوزانهم ، بل تحضر أعوانه له بمن لا يعطونهم المعلوم المعهود عندهم ( أى الرشوة المقررة ) فيضربهم ثلاث علقات: واحدة على مقاعده وأخرى على رجليه وأخرى علي أكتاقه.. وأما أحكامه فبالبحت وأما أخلاقه ففي غاية الشراسة.. هذا مع دينه المتين ومحافظته على الصلاة والصيام.).. وفى يوم الثلاثاء 16 صفر 875  رفض بائع تين غلبان أن يدفع الرشوة لزبانية المحتسب فاحتملوه إلى ذلك الطاغية فضربه الثلاث علقات المعهودة ، وأشهره فى المدينة أى طيف به فى الطرقات، ثم صلبه على باب دكانه في هيئة فظيعة، يقول ابن الصيرفي : ( ضرب المحتسب شخصاً من السوقية يبيع التين ثلاث علقات واحدة على مقاعده وأخرى على رجليه وواحدة على أكتافه، وأشهره بالمدينة على عادته التى يفعلها عرياناً مكشوف الرأس ، ثم رسم بصلبه بذراعه على حانوته وقررت يده الأخرى إلى ظهره، ولطخه عسلاً ، وأوقفه في الشمس ، فتسلط عليه النحل والزنبور والذباب وقاسى من العقوبة مالاً يوصف".).!! فهل كان ذلك البائع المسكين سارقاً أو قاتلاً؟ بالطبع لا، فكل ما هنالك أنه لم يستطيع دفع الاتاوة ربما لأنه لا يملكها. يقول ابن الصيرفي يعلل تلك العقوبة الهائلة "وسبب ذلك أن رسله الذين هم من جهته .. كانوا إذا طلبوا البلص- أى الرشوة- من فقير وامتنع ، ذكروا لأستاذهم عنه ما أرادوا ، وهو سريع الحدّة سريع الغضب لا يثبت في الأحكام فيطلبه ويفعل به ما ذكر.). ويقول عن تدينه السطحى : (هذا مع دينه المتين ومحافظته على الصلاة والصيام) . .!

رابعا :  تعذيب الفقهاء لاستنزاف أموالهم 

تعرض للتعذيب أولئك الفقهاء فى وظائفهم الدينية كالقضاء او وظائفهم الديوانية مثل النظارة والوزارة الاستادارية القضاة . كانوا يتسلطون على الناس بنفوذهم ينهبون الأموال ويأخذون الرشاوى والاتاوات بعلم السلطان ، وحين يوكل اليهم مصادرة زملائهم وغيرهم كانوا يسلبون لأنفسهم جزءا من الأموال المصادرة وينهبون بعض الأشياء العينية ويخفونها عن عيون السلطان، ولكن كان كل ذلك بعلم السلطان. لذا كان يلزمهم بأن يأخذ نصيبه بطرق متعددة ، منها أن يعزل الموظف ويعيده بعد أن يدفع رشوة للسلطان ، أو أن يعزله ويصادر أمواله ، أو أن يفرض عليه غرامة . وقد يستخدم التعذيب معه ليعترف بالمخبأ من أمواله . والعادة أن يصمد القاضى أو الموظف للتعذيب فلا يعترف بكل ما لديه لأن أمواله هى سبيله للنجاة إذ يستطيع بها فيما بعد شراء نفس المنصب أو منصب آخر وتعويض ما فات بنهب الناس . وهكذا دارت طاحون التعذيب تلتهم الظالمين ، وهم بدورهم يلتهمون الشعب المسكين ، وهم والسلطان يحافظون على تأدية صلاتهم الشيطانية . ونعطى أمثلة :

1 ـ  في يوم السبت 13 ربيع الأول 873 غضب السلطان قايتباى على قاضى قضاة دمشق ابن الصابوني وضربه بين يديه بقاعة الدهيشة بالقلعة، لأنه لم يدفع للسلطان المال الذى طلبه منه وهو مائة ألف دينار، ولم يزل يضربه حتى أذعن، فحملوه إلى الحبس ليدبر أمره في الدفع.  في يوم الثلاثاء 14 ربيع الثاني 873 سافر القاضى ابن الصابوني إلى دمشق بعد عزله ومصادرته وحبسه بعد أن التزم للسلطان بدفع المائة ألف دينار، وسافر معه السيفي جانبك الخاصكي ليحرسه ويرافقه حتى يسدد ما التزم به.

2 ـ  وفي يوم السبت15 جمادى الثانية 873 أمر السلطان باعتقال ابن العينى بالبرج في القلعة بسبب ما تأخر عليه من المال وظل محبوساً بذلك البرج إلى يوم الأربعاء 19 جمادى الثانية ، ثم أطلقه السلطان بعد أن حمل المال، فأكرمه السلطان وألبسه التشريفة ورجع لداره مكرماً معظماً.!! 

  3 ـ وفي شوال 876 تولى الحافظ القطب الخيضرى قضاء القضاه بدمشق وكتابه السر بها بعد أن قاسى أهوالاً من التعذيب، وقرر عليه السلطان ثلاثين ألف دينار، فدفع بعضها والتزم بدفع الباقى، وأعاده السلطان للولاية بعد ما فرضه عليه ، وأكرمه السلطان فأنزله ضيفاً في داره التى كان بها حين كان أميراً ، وزاره السلطان في تلك الدار فوجده نائماً فما أراد أيقاظه،، وحين استيقظ وعلم بزيارة السلطان إليه وهو نائم أرسل هدية للسلطان، فلم يقبلها السلطان وأخبر أنه ما حضر إلا ليزوره . وهكذا تغير حال السلطان معه من التعذيب إلى الإكرام والحنان ، بعد أن دفع له المال. وبعدها أرسل السلطان بالكشف على ثروة القطب الخيضري قاضى القضاة بدمشق وكاتب السر بها ومصادرة ما لديه، فلم يوجد لديه شيء . وعزموا على القبض عليه وإرساله للقلعة، ولكنه اختفي وحضر للقاهرة سراً، وكان من أمره أن قبض عليه السلطان ولاقي أهوالاً عاد بعدها لمنصبه مكرماً بعد أن دفع للسلطان ما أرضاه عنه .لا رضى الله عنه ولا رضى عن السلطان .!!

5 ـ وقد سبق للسلطان في شهر رجب من نفس العام أن أصدر مرسوماً للشام بإعادة القاضى الحنفي إليها عوضاً عن القاضى الحلاوى المعزول عن القضاء وأمر بأن يدفع غرامة عشرة آلاف دينار فإن امتنع فلابد من إرساله مسجوناً للقلعة ، فأذعن القاضى الحنفى .  

 

الفصل الحادى والعشرون : عن الصلاة الشيطانية والمساجد الشيطانية

مقدمة : فى التسجيل التاريخى لحروب الطُّغاة التوسعية لا يحدث رصد لتأديتهم شعائر دينهم من صلاة وغيرها. يحدث هذا فقط لدى الطُّغاة الذين يستخدمون الدين الأرضى فى حروبهم التوسعية . ولهذا جاء ذكر الصلاة بين سطور التأريخ للخلفاء الفاسقين وتابعيهم من السلاطين . المؤرخون لم يقصدوا التأريخ للصلاة ، ولكنهم فى تسجيلهم ذكروا الصلاة ضمن تفصيلات الغزوات وما كان يصحبها من قتل وسلب ونهب وإغتصاب وسبى . هى هنا صلاة شيطانية ، وكانت تُقام لها مساجد شيطانية.

2 ـ كل الشعوب تحمل كراهية شديدة لمن قام بغزو أوطانها وقتل أبطالها وإستنزاف خيراتها . يختلف هذا مع شعوب المحمديين الذين يقدسون الخلفاء الفاسقين والصحابة الفاسقين ، تحول أولئك الفاسقون الى آلهة معصومة من الخطأ ، لأنه قامت حولهم أديان ارضية كانوا فيها الآلهة المقدسة ، وهذا لأنهم قاموا بجرائمهم يرفعون راية الاسلام ، وهى فى الحقيقة راية الشيطان ، ويؤدون الصلاة التى تأمرهم بالفحشاء والمنكر عكس الصلاة الاسلامية التى تنهى عن الفحشاء والمنكر : (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ )﴿٤٥﴾ العنكبوت).

3 ـ إمتد تقديس الخلفاء الفاسقين الى من يسير على دينهم من السلاطين والحكام المستبدين ، وفى مساجدهم يتم إستخدامها سياسيا للدعاء للسلطان والدعاء على خصومه ، واصبحت مساجدهم الشيطانية لتأكيد عبودية الشعب للسلطان المستبد ، كان هذا فى العصور الوسطى ، ولا يزال حتى الان فى بلاد المحمديين الذين لا يزالون يعيشون فى العصور الوسطى ــ عصور الظلام ، يثيرون سخرية العالم المتقدم وإستهزاءه وإحتقاره.

4 ـ قبل أن ندخل فى مبحث التواتر نتوقف فى كلمة ختامية عن مغزى الصلاة الشيطانية والمساجد الشيطانية للتأكيد على ما سبق .

أولا : تشريع الخلفاء الفاسقين

1 ـ يقول جل وعلا : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿١٩٠﴾ البقرة ). القتال فى الاسلام هو لرد عدوان قائم من قوم معتدين ، والمؤمنون المسلمون منهيون عن الاعتداء لأن الله جل وعلا لا يحب المعتدين .

الخلفاء الفاسقون بفتوحاتهم الاجرامية طبقوا تشريعا يقول : ( وقاتلوا فى سبيل الشيطان الذين لا يقاتلونكم ، وإعتدوا إن الشيطان يحب المعتدين ).!

2 ـ عبقرية الشيطان تتجلى فى الآتى :

2 / 1 ـ إستمرارهم فى تأدية الصلاة شكليا بعد قطعها عن المقصد الأسمى منها ، لم يعد المقصد الأسمى للصلاة إجتناب الفحشاء والمنكر بل أصبح هدف صلاتهم الفحشاء والمنكر وما يتبعه من غزو وسلب ونهب وسبى فضائل دينية .!

2  / 2 : الشعوب التى لا تعتدى على المسلمين ولم تُخرجهم من ديارهم مفروض إسلاميا أن يتعامل معهم المسلمون بالبر والقسط لأن الله جل وعلا يحب المقسطين ، هذا ما قاله رب العزة جل وعلا  : ( لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿٨﴾ الممتحنة ) . فى الدين العملى الذى إبتدعه وطبّقه الخلفاء الفاسقون أصبح من لم يعتد على المسلمين ومن لم يخرجهم من ديارهم كافرا يجب دينيا قتالهم وإحتلال أوطانهم وقتل أبطالهم وسلب ثرواتهم وسبى وإسترقاق أطفالهم ونسائهم.! كل هذا وهم يؤدون صلاتهم الشيطانية .

2 / 3  ـ لم يظهر الشيطان لهم بنفسه يقول لهم اعبدونى وصلّوا لى وإتخذونى إلاها. صدّر لهم الشيطان إلاها بديلا هو المال فأصبح إلاههم العظم ، اليه يتقربون بالقتال والسلطان ، واليه يتقربون بصلاة يستحلون بها ما حرّم الله جل وعلا ، وبالتالى فهى صلاة شيطانية.

ثانيا : الخلفاء الفاسقون فى حضيض الكفر لذا فصلاتهم شيطانية :

1 ـ  نبدأ بأنواع الاعتداء المحرم فى الاسلام :

1 / 1  ـ التكذيب بآيات الله ، قال جل وعلا : ( ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ) ﴿٧٤﴾  يونس ) ، ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴿١٠﴾ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ﴿١١﴾ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ) ﴿١٢﴾ المطففين )

1 / 2 ـ تحريم ما أحل الله جل وعلا فى الطعام : قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿٨٧﴾ المائدة ) ( وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّـهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ﴿١١٩﴾ الانعام )

1 / 3  ـ تحريم الدعاء لله جل وعلا بدون تضرع أو بعلو الصوت ، كما يفعل الذين إتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغناءا ، قال جل وعلا : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿٥٥﴾ الاعراف )

1 / 4  ـ تحريم الاعتداء على الزوجة ، قال جل وعلا : ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّـهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿٢٣١﴾ البقرة ).

1 / 5 ـ تحريم الاعتداء الحربى ، يقول جل وعلا : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿١٩٠﴾ البقرة ). والتحريم هنا قاطع ولا مجال فيه للتأويل أو الأعذار حتى فى التعامل مع المجرمين الذين يصدون عن المسجد الحرام ،  قال جل وعلا : (  وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۖإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿٢﴾ المائدة ). ووصف الله جل وعلا كفار قريش الذين نقضوا العهد بعد فتح مكة فقال عنهم :( لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ ﴿١٠﴾ التوبة )

1 / 7 ـ التأكيد على حُرمة قتل نفس بشرية واحدة إلا بالقصاص ، وتكرر هذا بأسلوب القصر والحصر فى قوله جل وعلا:(وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ) الانعام  ﴿١٥١﴾ ( الاسراء 33) (وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ) الفرقان ﴿٦٨﴾ )

1 / 8 : وتوعّد الله جل وعلا من يقتل النفس المؤمنة البريئة متعمدا بالغضب واللعنة والعذاب العظيم فى الاخرة ، قال جل وعلا : ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴿٩٣﴾ النساء ) . هذا فى قتل نفس مؤمنة ومسالمة واحدة فكيف بقتل الملايين ؟

1 / 9 : وحتى فى ساحة القتال وفى مواجهة جيش معتد فإن الجندى فى هذا الجيش المعتدى إذا نطق بكلمة السلام فيحرم قتله ، قال جل وعلا فى الاية التالية :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّـهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّـهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴿٩٤﴾ النساء ).

2 ـ الخلفاء الفاسقون طبقوا دينا جعلوا من الفرائض الدينية إستحلال قتل من لم يعتد عليهم وسلب أمواله وإسترقاق ذريته ، ووصلت ضحاياهم وضحايا من سار على سُنّتهم بالملايين . ولتدعيم هذا الدرك الأسفل من الكفر حافظوا على تأدية صلاة شكلية . هى صلاة شيطانية .

3 ـ الله جل وعلا وصف صلاة المنافقين بالخداع والمُراءاة ، قال جل وعلا : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿١٤٢﴾ النساء ) وجعلهم فى الدرك الأسفل من النار ، فقال جل وعلا : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴿١٤٥﴾ النساء ) إلا إنه جل وعلا أخبر بإمكانية توبتهم فقال : ( إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّـهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّـهِ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴿١٤٦﴾ النساء ). هؤلاء هم المنافقون الذين فضحوا أنفسهم بأقوالهم وأفعالهم ونزلت الايات تعلق عليهم . ولكن هناك من مرد على النفاق وكتم نفاقه وضبط لسانه وجوارحه وحافظ على صلاة شكلية يتقرب بها للنبى ، ولم يظهر منهم ما ينزل بشأنه تعليق قرآنى ، فنجحوا فى أن يكونوا الأقرب للنبى ومن ثم خلافته بعد موته فإرتكبوا جريمة الفتوحات ، لذا كان من أواخر ما نزل فى القرآن التنبيه مقدما على خطرهم ، وأنهم لن يتوبوا ، بل سيعذبهم الله جل وعلا مرتين فى الدنيا ثم ينتظرهم عذاب عظيم فى الآخرة ، قال جل وعلا :( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴿١٠١﴾ التوبة ). كانوا يصلون وقد مردوا على النفاق ، ثم أصبحوا الخلفاء الفاسقين وحافظوا على صلاتهم وهم يحطمون دين الاسلام ، يرتكبون بإسمه الفظائع . لا يوجد وصف لصلاتهم سوى أنها صلاة شيطانية .

ثالثا : الخلفاء الفاسقون فى حضيض الكفر لذا فمساجدهم شيطانية :

1 ـ كانت لقريش مساجد فى مكة ، وصفها رب العزة بأنها مساجد الله برغم ما كان يحدث فيها من مظالم ، مثل منع المؤمنين من دخولها ، قال جل وعلا : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّـهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿١١٤﴾ البقرة )، ومثل إعلان الكفر فيها فقال جل وعلا لهم : ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّـهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ أُولَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴿١٧﴾ التوبة )( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّـهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّـهِ أَحَدًا ﴿١٨﴾ ( الجن ). مساد الخلفاء الفاسقون فيها الكفر العقيدى والكفر السلوكى ، وهى تعلن حربا مستمرة لله جل وعلا ورسوله.

2 ـ واقام منافقو المدينة مسجدا وصفه رب العزة جل وعلا بالضرار وفضح ما كانوا يفعلون فيه تحت ستار الصلاة ، قال جل وعلا : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)التوبة). هنا نلاحظ :

2 / 1 : مسجد الضرار فى المدينة إقتصر على التآمر خفية ، وظل فى الظاهر محافظا على توجهه الاسلامى الى درجة أن النبى كان يذهب اليه يصلى فيه ويقوم فيه . أما مساجد الضرار التى اقامها الخلفاء الفاسقون فقد كانت مراكز علنية فى حرب الاسلام .

2 / 2 : لم ينتج عن مسجد الضرار فى المدينة إسالة دماء ، أما مساجد الضرار التى أقامها الخلفاء الفاسقون فهى مسئولة عن حمامات دم .  

2 / 3 : المنافقون ( الصحابة ) كانوا يقسمون كذبا على أنهم ما فعلوا ، والله جل وعلا شهد بأنهم كاذبون . أى هم يعرفون أن ما يفعلون هو خطأ ومخالف للإسلام . أما الخلفاء الفاسقون فقد فرضوا مساجدهم لتنشر الكفر بالاسلام على أنه الاسلام .

2 / 4 : الله جل وعلا نهى النبى محمدا عليه السلام عن مسجد الضرار الذى أقامه المنافقون الصرحاء وقال له : (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً  ). هذا عن مسجد هو أقل ضررا من مساجد الضرار التى أقامها الخلفاء الفاسقون . لو دعا مؤمن الى إجتناب الصلاة فى تلك المساجد لاتهموه بالكفر . أى هى مساجد تدعو لدين الشيطان والصلاة فيها شيطانية تبررالإثم والعدوان والظلم والبهتان .

2 / 5 : المؤلم أننا توارثنا هذه المساجد الشيطانية ، من أول مسجد تأسس على البغى فى عهد أبى بكر الى مساجد السلاطين المستبدين فى عصرنا الحديث  مثل مسجد ( محمد على ) فى القلعة بالقاهرة الى غيره من مساجد يحرص المستبد على بنائها وصرف الملايين فى زخرفتها من المال السُّحت . ويؤدى فيها المحمديون صلاة شيطانية يسمعون فيها أنواعا مختلفة من الكفر تحت مسميات الحديث النبوى والتفاسير ، وفيها تقديس المستبد وتقديس الأولياء والطاغوت الدينى والسياسى .

أخيرا :

1 ـ ووصلت الصلوات من حيث الشكل بالتواتر العملى. وهو ما سمح به الشيطان ؛ أن يتمسكوا بشكل الصلاة ولكن أن تكون فى حرب الله جل وعلا ورسوله.   ندخل الآن فى موضوع التواتر.

 

بين الصلاة القرآنية للمسلمين والصلاة الشيطانية للمحمديين
بين الصلاة القرآنية للمسلمين والصلاة الشيطانية للمحمديين
دراسة أصولية تاريخية
د أحمد صبحى منصور
هذا الكتاب
كانت الكتابة الأولى لهذا الكتاب فى منتصف الثمانييات عن الصلاة فى القرآن الكريم ، ثم هو الآن يظهر تحت عنوان ( بين الصلاة القرآنية للمسلمين والصلاة الشيطانية للمحمدين ) فى دراسة أصولية تاريخية . تم نشره مقالات هنا ، وننشره الآن كتابا كاملا.
أحمد صبحى منصور
more