رقم ( 6 )
الفصل الرابع : بين اللعن والتعذيب

الفصل الرابع : بين اللعن والتعذيب
المقال الأول :
  : معنى اللعن 
أولا : الملعون يعنى البعيد : ـ الشجرة الملعونة أى البعيدة .
1 ـ  قال جل وعلا عن رؤية النبى محمد عليه السلام لجبريل فى المرة الثانية ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) النجمَ  )، أى رأى جبريل عند (السدرة ) أى الشجرة الموضووفة بأنها ( سدرة المنتهى ) أى الشجرة البعيدة جدا أو التى هى منتهى البُعد . وهذه رؤية برزخية فى إحدى عوالم البرزخ . وفى هذا المستوى البرزخى توجد (جنة المأوى) ، ربما تكون الجنة التى يعيش فيها من يُقتل فى سبيل الله جل وعلا ، وربما كانت الجنة التى عاش فيها آدم وحواء قبل أن يخدعهما الشيطان ويتسبب فى نزولهما الى أرضنا المادية التى هى الأقل مستوى مما يتخللها من عوالم البرزخ . 
2 ـ ولأن ما رآه خاتم النبيين كان آية خاصة به عليه السلام لم تتوفر لغيره من الأنبياء:
2 / 1 :  فإنه لم يرها بعينيه بل بنفسه البرزخية ، لذا فإن بصره المادى توقف عن الرؤية الحسية ، أو تجمّد  أو ( ما زاغ وما طغى ) ، والعين البشرية المادية لا بد أن ترمش خصوصا عندما ترى شيئا غريبا ، تجمدت عيناه عليه السلام فقد رأى من آيات ربه الكبرى فى جزء من عوالم البرزخ . 
2 / 1 : وبالتالى هو نفسه يعجز عن وصف ما يرى لأن ما رآه لا يستطيع لسانه البشرى أن يصفه ، وتعجز إدراكاته البشرية عن التعبير عنه . هذا عنه فكيف بنا ؟ هذا عنه فكيف بمفتريات  أحاديث المعراج ؟!
2 / 3 :ولهذا جاء التعبير القرآنى عن هذه الشجرة وما يحوط بها وما يغشيها بتعبير تقريبى: ( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى )،  هو تعبير فضفاض يعطى الحرية للتخيل ، ومهما كان التخيل فهو مخالف للحقيقة . 
2 / 4 : إن الاسراء آية خاصة به عليه السلام ، وهى رؤية خاصة به عليه السلام ، قال جل وعلا  : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا  ) (1) الاسراء ) وعليه ، فإن حديث الناس عن هذه الرؤية التى لم يروها ها يعتبر فتنة وضلالا ، إذا يتحدثون بجهل عمّا لا يعلمون وما لا يرون ، قال جل وعلا : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ )(60) الاسراء).   الآية الكريمة تشير الى الرؤية التى رآها عليه السلام ، والى الشجرة التى رآها ، وهذه الشجرة موصوفة هنا بالملعونة،أى البعيدة ، وهو نفس الوصف بأنها : ( سدرة المنتهى).
ثانيا : لعنه الله يعنى طرده وأبعده : 
لعن ابليس يعنى طرده من برزخ الملأ الأعلى للملائكة  فى السماوات الى برازخ الأرض  :
1 ـ إبليس كان من الملأ الأعلى من الملائكة . قال جل وعلا لخاتم النبيين يحدد مهمته : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) ص )، وأمره جل وعلا أن يعلن عن النبأ العظيم حين رفض ابليس ـ وكان من الملائكة من الملأ الأعلى ـ السجود لآدم. كان ابليس من الملأ الأعلى مع الملائكة المقربين فترتب على ذلك طرده ولعنه . قال جل وعلا عنه :  (  قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) ص ). أى إننا  لم نستفد من هذا الدرس الذى تكررر كثيرا فى القرآن الكريم وعظا لنا وتذكيرا بتاريخ أبينا آدم . والنبى محمد لم يكن علم بهذه الخصومة التى حديث بين الملأ الأعلى  من الملائكة :  (  مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإٍ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) ص). عن هذه الخصومة بين ملائكة الملأ الأعلى بشأن السجود لآدم قال جل وعلا عنها: ( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ (74)ص ).  أى برفضه طاعة أمر ربه جل وعلا كان ابليس من الكافرين ، أى أصبح من الكافرين وكان من قبل من الملائكة العليين ، ودار حوار بينه وبين ربه جل وعلا: ( قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَاسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) ص ).  أى صمّم على عصيانه ، فطرده ربه جل وعلا من الملأ الأعلى :   (  قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) ص ) . وهذا الطرد يعنى اللعنة الالهية :  (  وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) ص) أى لعن أو طرد الى يوم القيامة .!
2 ـ  تكررت قصة رفض ابليس السجود لآدم ، وطرده . وفيها يقترن معنى اللعن بالطرد ، ومنه ما جاء فى سورة الحجر  : (  قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) الحجر)، وفى سورة النساء فى لعن ابليس :  ( لَعَنَهُ اللَّهُ )(118) النساء )
3 ـ لعنه وطرده الله جل وعلا من الملأ الأعلى . وبذلك خرج من الملائكة نهائيا ، واصبح من الجن ، قال جل وعلا :  ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ )(50)الكهف) . ( كان ) فى الآية الكريمة تعنى ( اصبح ) مثل قوله جل وعلا فى نفس القصة : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ (34) البقرة) ، أى حين(  أبى واستكبر ( كان من الكافرين ) أى أصبح من الكافرين. 
4 ـ وخلافا للقواعد النحوية التى إخترعها العصر العباسى فإن مصطلح ( كان) له معانى كثيرة ، منها ( أصبح ) أو ( صار ) كما جاء عن صوم رمضان : (  فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (185) البقرة ) أى من أصبح مريضا أو على سفر ، ومثله عن الحج فى نفس السورة: ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ. ) 196 ) البقرة ). 
 بطرد إبليس من الملائكة والملأ الأعلى منهم( اصبح من  الجن ) كما سبق فى قوله جل وعلا : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ )(50)الكهف) وحيث صار من الجن فقد أصبح له إسم آخر هو الشيطان ، وهذا الشيطان هو الذى أغوى آدم وزوجه . المراد هنا أن إبليس حين طرده الله جل وعلا يعنى لعنه ، فاللعن هو الطرد والإبعاد . 
ثالثا : الطرد أو اللعن من البرزخ العلوى فى السماوات الى البرزخ السفلى فى برازخ الأرض :
1 ـ لمزيد من التوضيح فإن رب العزة جل وعلا أخبرنا أنه خلق سبع سماوات وسبع أرضين مثلهن ، وأن أوامره تنفذ بينهن ، حيث يتخلل البرزخ الأعلى  ما دونه من برازخ ، قال جل وعلا : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12) الطلاق ).
2 ـ الأسفل ( أسفل سافلين ) والأضعف هو عالمنا المادى الذى يشمل  الأرض التى نعيش عليها والأجرام السماوية من نجوم ومجرات . يتخلل هذا العالم المادى السفلى عوالم برزخية تعلوه وبالترتيب؛ فأرضنا المادية ( الأولى ) يتخللها برزخ الأرض الثانية ، والأرض الثانية يتخللها برزخ الأرض الثالثة ، والأرض الثالثة يتخللها برزخ الأرض الرابعة ، والأرض الرابعة يتخللها برزخ الأرض الخامسة ، والأرض الخامسة يتخللها برزخ الأرض السادسة ، والأرض السادسة يتخللها برزخ الأرض السابعة ، والأرض السابعة يتخللها برزخ السماء الدنيا ( القريبة )، والسماء الدنيا يتخللها برزخ السماء الثانية ، والسماء الثانية يتخللها برزخ السماء الثالثة . والسماء الثالثة يتخللها برزخ السماء الرابعة . والسماء الرابعة يتخللها برزخ السماء الخامسة . والسماء الخامسة يتخللها برزخ السماء السادسة . والسماء السادسة يتخللها برزخ السماء السابعة . 
3 ـ نحن فى أرضنا المادية تتخللنا كل برازخ الأرض وبرازخ السماوات السبع .على الترتيب،  تعيش فى برازخ الأرض الست الجن والشياطين ، وفيها الأنفس البشرية التى لم تدخل الأجنة الخاصة بها بعد مثل أنفس أحفادك فى المستقبل ، والأنفس التى دخلت إختبار الحياة ثم ماتت وعادت الى برزخها ، والى البرزخ تغادر نفسك جسدك مؤقتا بالنوم لتستريح من سجن جسدها المادى . وفى برازخ الأرض يعيش المقتولون فى سبيل الله جل وعلا  يتمتعون برزق الرحمن جل وعلا ، وفيه يتم تعذيب فرعون وقومه وقوم نوح . وفيه كان يعيش آدم وزوجه يغطى جسدهما المادى أنوار تلك الجنة البرزخية ، فلما أكلا من الشجرة المحرمة ظهرت سوءاتهما ـ أى جسدهما المادى إيذانا بهبوطهما أسفل الى أرضنا المادية السفلى .  وفى برازخ الأرض تعيش الجن ، واليها هبط  ابليس بعد طرده من الملأ الأعلى ، وقابل آدم وزوجه فى الجنة البرزخية ، وخدعهما .
4 ـ الآية الكبرى لخاتم النبيين أنه رأى جبريل فى بقعة من البرزخ . ولا يمكن للعين البشرية أن ترى هذا . ولا يمكن لنا فى جسدنا المادى أن نرى الملائكة التى هى من عوالم البرزخ . والملائكة حين قابلت آدم ولوط كانت متجسدة فى صورة بشرية ، وهكذا الروح جبريل حين تكلم مع مريم .ولأننا فى أرضنا المادية لا يمكن أن نرى عوالم البرزخ الأرضية أو السماوية فقد حذرنا ربنا جل وعلا من الشيطان فقال عنه وعن ( قبيله) أى المخلوقات البرزخية: ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ  ) الأعراف 27) ) . كان آدم وحواء يرون عوالم البرزخ  الأرضى السّت حين كانا فى البرزخ  الأرضى . بنزولهما وصيرورتهما فى الجسد المادى إنتهى هذا بالنسبة لهما وبالنسبة لنا أيضا . 
5 ـ وتعيش الملائكة فى برازخ السماوات السبع ، كل منها له مكانه ومقامه المعلوم  المحدد حسب وظيفته  : ( وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) الصافات ) . وفى الأعلى منها ملائكة الملأ الأعلى .ودونها تعيش مخلوقات البرازخ الأرضية الست ، فى الأرضين الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة  والسابعة ، وكلها تتخللها البرزاخ الأعلى فى السماوات ، فالأعلى يتخلل ما دونه ، وهكذا . 
6 ـ بالتالى فإن ملائكة البرازخ السماوية تتخللنا ، ومنها ملائكة تسجيل الأعمال ، كما أن الجن والشياطين فى برازخهم الأرضية يتخللوننا ، ومنها القرين الشيطانى الذى يتحكم فى  ( نفس ) الكافر فيضله عن الهدى ويجعله يحسب نفسه على الهدى، لا يراه فى حياته الدنيا ، ولا يراه إلا يوم القيامة . وقلنا إن النفس تنتمى الى عالم البرزخ ، منه أتت واليه تعود . قال جل وعلا عن الموت ورجوع النفس الى برزخها : (  حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون ).
7 ـ هذا تفصيل ضرورى لنعرف منه طرد ابليس من الملأ الأعلى وأنه اصبح بهذا من جنس الجن ولم يعد مسموحا له العيش فى برازخ السماوات .  وحيث صار من الجن وفى مستواهم البرزخى الأرضى فقد أصبح مع ذريته ومع بقية الجن يتسمعون الى السماوات ومن فيها من الملأ الأعلى من الملائكة، فتلاحقهم الصواعق تمنعهم من الاقتراب من السماء الدنيا نفسها ، قال جل وعلا عن برزخ السماء الدنيا :  ( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإٍ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) الصافات ).( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) الملك ) (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلاَّ مَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18)  الحجر). وبنزول القرآن الكريم حدثت إهتزازات شعرت بها الجن فقالت :  (  وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً (9) الجن ). 
8 ـ هذا عن (لعن ) أى طرد ابليس . فماذا عن لعن وطرد أتباعه فى الدنيا وفى الآخرة ؟ وما صلة هذا بآلية النعيم فى الجنة والعذاب فى الآخرة ؟ 
المقال الثانى 
الشيطان اللعين الرجيم وإيقاع البشر فى عذاب الجحيم 
أولا : ابليس الرجيم والشيطان الرجيم 
1 ـ فى موضوع لعن ابليس ولعنه وطرده من الملأ الأعلى تكرر وصفه بالرجيم ، قال له جل وعلا : (  فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) الحجر ). هنا جاء وصفه مقدما بأنه رجيم ، ثم بعدها تأكيد اللعنة عليه الى يوم الدين . وتكرر هذا فى سورة ( ص ) : ( قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) ص). 
2 ـ التطبيق العملى  حدث بعد طرده من الملأ الأعلى وصيرورته فى برازخ الأرض وقد أصبح إسمه ( الشيطان).  أصبح من الجن وأصبح وذريته يسترقون السمع على حواف السماء الدنيا . وهنا ترجمهم الصواعق . وبهذا يكتسب الشيطان وصف ( الرجيم) . قال جل وعلا :  (  وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلاَّ مَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18) الحجر)  . وبهذا أيضا جاء وصف السماء الدنيا بأنها ( رجوم ) أى ( راجمات  للشياطين ، قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ )(5) الملك ). وهذا يذكرنا بالسلاح المعروف براجمات اللهب . 
ثانيا : الشيطان الرجيم وإغواء البشر 
1 ـ توعد ابليس ابناء آدم بإغوائهم ليدخلوا معه النار ويعانوا معه عذابها : ( قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) ص).
2 ـ وإنقاذا للبشر منه أرسل الله جل وعلا الرسل بالكتب الالهية ، فكان الشيطان هو الذى يحطم أمنية كل رسول فى أن يؤمن كل أتباعه ، قال جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) الحج). الله جل وعلا أتاح للشيطان حريته فى الإغواء وأتاح للبشر حريتهم فى الايمان أو الكفر إختبارا لهم . 
3 ـ ومن أهم وسائل الشيطان أن يوحى الى أوليائه وحيا ينسبونه لرب العزة ، وهؤلاء الذين يذيعونه هم أعداء الأنبياء ، أى لكل نبى عدو من المجرمين أولياء الشيطان ، وسيتبرأ خاتم المرسلين يوم القيامة من أتباع الشيطان الذين إتخذوا القرآن مهجورا .قال جل وعلا عنهم : ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31) الفرقان )
4 ـ وعن الوحى الشيطانى لأعداء الأنبياء قال جل وعلا :  ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) الانعام) . أى بمشيئته جل وعلا توجد ملايين النسخ من الأحاديث الشيطانية فى الكتب المقدسة عند السنيين والشيعة والصوفية والمسيحيين والبهائيين والبوذيين والهندوسيين ..الخ . وفى مقابلها حفظ الله جل وعلا القرآن الكريم ليكون عليهم حُجّة يوم القيامة . 
5 ـ أنزل الله جل وعلا هذا القرآن نذيرا للعالمين :  ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً (1) الفرقان  )،  أى نذيرا لهم من عذاب الجحيم ، وأنزله رحمة للعالمين: (  وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الانبياء )،  فمن آمن به وعمل بما فيه أنقذته رحمة رب العالمين من العذاب المهين. ولقد قال جل وعلا عن رحمة القرآن الكريم لمن يتعظ به فى حياته وقبل مجىء الأجل : ( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) يس ). 
6 ـ وكان عليه السلام فى حياته يعظ الأحياء بهذا القرآن :  ( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45) ق ) (وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51)الانعام) (وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)الانعام ). 
7 ـ وفى هذا الكتاب نذكّر بالقرآن الكريم فى موضوع العذاب ، ونحذّر من الشيطان الرجيم .
ثالثا : حفظ الله جل وعلا الوحى القرآنى من تنصت الشيطان والجن :
1 ـ حفظ الله جل وعلا القرآن الكريم :  (  إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر  )  .ولهذا الحفظ ثلاث مراحل : حفظه عند نزوله على قلب النبى ، وحفظه وهو فى قلب النبى وعلى لسانه وحفظ النبى فى تبليغه ، وأخيرا حفظه مكتوبا بنفس طريقته الفريدة فيما يسمى بالمصحف الى قيام الساعة . ونتوقف مع حفظه فى التنزيل وفى الدعوة والتبليغ على يد خاتم النبيين ـ عليهم جميعا السلام . 
2 ـ الأولى : حفظه عند التنزيل : سبقت الإشارة الى الآيات الكريمة :  ( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإٍ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) الصافات )،  وقول الجن : (  وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً (9) وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (10) الجن ).
3 ـ هنا حفظه جل وعلا للوحى القرآنى لحظة انتقاله من العالم العلوى الى قلب النبى محمد فى عالمنا المادى، والقلب فى مصطلحات القرآن هى النفس أو الفؤاد . وهذا المستوى اللامادى البرزخى  لا نعرف عنه شيئا وهو الذى يكتنف عالمنا المادى ويتخلله ويتجاوزه وينعدم الزمن الذى نعرفه وتتجاوز السرعة حدود معرفتنا البشرية طبقا لاشارات القرآن الكريم. هنا فان حفظ الوحى كان بمنع تداخل البث الموجى  القرآنى من كائنات ذلك العالم غير المادى من الجن والشياطين . يقول جل وعلا ــ متحديا الإنس والجن ـ عن تحصين برازخ السماوات والأرض  : (  يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ (33) الرحمن ). السلطان هنا هو السماح الإلهى . بدونه قال جل وعلا: (  يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ (35) الرحمن ).
رابعا : عصمة الرسول فى تبليغ القرآن الكريم 
والثانية بعد نقل الوحى القرآنى على يد جبريل مكتوبا مطبوعا فى قلب النبى . وفيها لم يكن فى وسع النبى ـ  وهواه البشرى وضعفه الانسانى ــ  أن يؤثر فى حفظ هذا الوحى أو فى تبليغه ، قال له جل وعلا فى خطاب مباشر خاص به وحده :  (  يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) المائدة ). 
ونتتبع وسائل هذا الحفظ فى الآتى : 
1 ـ أمر النبى بالاستعاذة بالله العظيم من الشيطان الرجيم :
1 / 1 : أمر الله جل وعلا رسوله أن يستعيذ به من الشيطان الرجيم فى كل أحواله ، وتكرر هذا الأمر كثيرا لتحصين النبى من وسوسة الشيطان وهو قائم فى التبليغ . قال جل وعلا : ( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) فصلت ) ( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) الاعراف ) (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)  المؤمنون ) (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) الفلق ) (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) الناس).
1 / 2 : وأمره جل وعلا أن يستعيذ بربه من الشيطان الرجيم خصوصا إذا قرأ القرآن الكريم:  (  فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) النحل).
1 / 3 : كما أمره ربه جل وعلا أن يستعيذ بالله العظيم من أتباع الشيطان الذين يجادلون فى آيات القرآن الكريم ، قال جل وعلا عنهم :  ( إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)  غافر ).
1 / 4 : وكل هذه الأوامر موجهة لنا نحن أيضا . 
2 ـ كما نزل التهديد للنبى إذا لم يقم بواجبه فى التبليغ : 
2 / 1  : أمره جل وعلا أن يعلن أنه لن يجيره ولن ينقذه أحد من ربه إلا بتبليغ القرآن الكريم : ( قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلاَّ بَلاغاً مِنْ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً (23) الجن ).
2 / 2 : وقام أتباع الشيطان بمحاولة التأثير على النبى ليفترى لهم وحيا شيطانيا ، وكادوا أن ينجحوا بمكرهم الذى تزول منها الجبال ، فنزل التهديد له من رب العزة : ( وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74) إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً (75)الاسراء).
2 / 3 : وأكّد جل وعلا أن النبى لو تقوّل على ربه فسيُنزل به عذابا يراه الناس ولا يستطيعون حجز هذا العذاب عنه . قال جل وعلا :  (  تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ (44) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) الحاقة ).
3 ـ مع هذا أكّد رب العزة جل وعلا تحكمه جل وعلا  فى وحيه القرآنى حتى بعد وصوله الى قلب النبى :
3 / 1 : فهناك ( رصد ) من الملائكة للتأكد من تبليغ الرسول للرسالة ، قال جل وعلا: ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (28) الجن ).
3 / 2 : ردا على زعم أتباع الشيطان الرجيم أن النبى هو الذى إفترى القرآن الكريم قال جل وعلا:  (  أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَأْ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)الشورى ). أى لو حدث تدخل شيطانى فى قلب النبى يؤثر على الوحى فيه بوضع أباطيل فإن الله جل وعلا يحفظ ويحمى قلب النبى ويمحو هذا الباطل ويحق الحق القرآنى بكلماته . 
3 / 3 : بل لو شاء الله جل وعلا لأذهب القرآن من قلب النبى ، لو لا رحمته جل وعلا : ( وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً (86) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (87) الاسراء ). 
4 ـ متابعة النبى بالأوامر حتى لا يطيع أتباع الشيطان الرجيم :
4 / 1 : فى أوائل ما نزل فى مكة قال له جل وعلا  يحذره من طاعة الكافرين ومداهنتهم : ( فَلا تُطِعْ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)  القلم). 
2 / 2 : وفى المدينة أمره ربه جل وعلا بالتقوى وأن يتبع القرآن الكريم متوكلا على ربه جل وعلا ، ونهاه عن طاعة الكافرين والمنافقين، قال له فى خطاب مباشر خاص به وحده : : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3) الأحزاب ) (وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (48) الاحزاب).  
أخيرا : بالنسبة لنا : 
1 ـ علينا أن نستعيذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم إذا وسوس لنا بمعصية وإذا قرأنا القرآن الكريم . 
2 ـ وقد أقسم رب العزة جل وعلا أن القرآن الكريم لا يمسُّ إلا القلب الطاهر الذى لا يؤمن بأحاديث الشيطان تمسكا بالايمان  بالقرآن وحده حديثا ويبغى الهداية فيه وحده. قال جل وعلا :  (  فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) الواقعة ).
المقال الثالث 
تفصيلات فى اللعن 
نقتصر على الآيات التى فيها(اللعن) :
أولا :إرتباط اللعن بالبُعد عن رب العزة جل وعلا : 
1 ـ يأتى اللعن مرادفا لكلمة ( بُعدا ) من الإبعاد ، أى الطرد من رحمة رب العزة جل وعلا . عن إهلاك قوم عاد ولعنهم قال جل وعلا :  ( وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60) هود).
2 ـ لذا تأتى كلمة ( بُعدا ) بمعنى اللعنة . قال جل وعلا عن قوم عاد أيضا: ( فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41) المؤمنون ).
3 ـ  وفى إهلاك قوم نوح قال جل وعلا :  (  وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) هود ). ( بُعدا ) أى لعنا لهم . وفى إهلاك قوم ثمود قال جل وعلا :  (  كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68) هود ). وعن إهلاك قوم شعيب ( مدين ) قال جل وعلا: ( كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) هود). وعن أُمم كثيرة أهلكها الله جل وعلا قال رب العزة :  ( ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (44)  المؤمنون).
ثانيا : إرتباط اللعن بغضب الرحمن جل وعلا :  ( لعن الله يعنى غضب الله ) 
1 ـ جاء هذا مفهوما 
1 / 1 : من قوله جل وعلا عن الكافرين من بنى اسرائيل: (  لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) المائدة ). فى البداية ( اللعن ) فى الاية 78 . ) وفى نهاية ( الآية) 79 : سخط الله ، أى غضبه. 
1/ 2 : ومن قوله جل وعلا  : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ (9) النور) .  إن كذب الزوج فى إتهام زوجته بالزنا فقد حاقت به لعنة الله جل وعلا. وإن أنكرت الزوجة وكانت كاذبة فعليها غضب الله جل وعلا ، فغضب الله هو لعنة الله . 
2 ـ وجاء صريحا :
2 / 1 : فى العقوبة التى تحيق بمن يقتل شخصا مؤمنا مسالما بريئا ، قال جل وعلا: (  وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93) النساء )
2 / 2 : فى عقوبة المنافقين والمشركين فى قوله جل وعلا : ( وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً (6) الفتح )
ثالثا : إرتباط اللعن بالضالين :
1 ـ جاء هذا مفهوما من قوله جل وعلا عن الكهنوت الذى يكتم آيات الله :  ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)  البقرة ). هنا اللعن لهم إذا ماتوا على ماهم عليه من كتمان الحق . ثم قال عنهم جل وعلا: ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)  175 ) البقرة). فى الاية السابقة وصف لهم بأنهم إشتروا الضلالة بالهدى ، أى ضالون مُضلٌّون . 
رابعا : إرتباط اللعن بالغضب الالهى وبالضالين 
ـ جاء هذا صريحا فى قوله جل وعلا  : ( قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) المائدة ).   هنا اللعن والغضب بأولئك الموصوفين بأنهم ( أضلُّ عن سواء السبيل ). 
2 ـ لهذا ندعو الله جل وعلا فى كل صلاة ونحن نقرأ الفاتحة أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله جل وعلا عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين . فالمغضوب عليهم هم الضالون . وفى مقدمتهم المحمديون والمسيحيون والبوذيون .!
خامسا : إرتباط اللعن بعذاب النار 
1 ـ من بعض الآيات السابقة يتضح ربط اللعن الالهى بعذاب النار يوم القيامة:
1 / 1 : فى لعنة وعذاب من يكتم الحق القرآنى قال جل وعلا :  (  إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) البقرة).
1 / 2 : فى العقوبة التى تحيق بمن يقتل شخصا مؤمنا مسالما بريئا ، قال جل وعلا : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93) النساء ).  هذا جزاء من يقتل شخصا واحدا ، فكيف بالخلفاء الفاسقين الذين قتلوا الملايين من أبى بكر الى آخر خليفة عثمانى ؟ وكيف بالمستبدين فى العالم غربا وشرقا وشمالا وجنوبا ، فيما مضى وفى عصرنا وما بعده ؟  سبحان القائل جل وعلا : ( وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) ابراهيم). 
1 / 3 : وفرعون إمام للمستبدين من بعده.عنه قال جل وعلا عن لعنه وعذابه : ( يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99) هود )، وقال جل وعلا أيضا عنهم  : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنْ الْمَقْبُوحِينَ (42) القصص ). 
1 / 4 : الكفرة من بنى اسرائيل قال جل وعلا عن لعنهم وعذابهم :  (  لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنسِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) المائدة  ).
1 / 5 : فى عقوبة المنافقين والمشركين فى قوله جل وعلا  عن لعنهم وعذابهم : (  وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً (6) الفتح  ).
2 ـ ونضيف الى ما سبق : 
2 / 1 : كل من يموت كافرا ملعون ومأواه عذاب النار فى خلود بلا تخفيف ، قال جل وعلا :  ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ (162) البقرة). وقال جل وعلا أيضا فى لعنهم وعذابهم  : ( إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (65) الاحزاب ).
2 / 2 : وقال جل وعلا عمن يموت كافرا منافقا : (  وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) التوبة). من يتوب عن النفاق ينجو من الدرك الأسفل من النار ، قال جل وعلا  : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147) النساء ). وهذا أيضا وعظ للمحمديين المنافقين الذين يزعمون الايمان بالقرآن وهم يؤمنون بحديث آخر معه. 
2 / 3 : فى لعن الكافرين بالقرآن وعذابهم ، قال جل وعلا :  ( كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) آل عمران ). وهو وعظ للمحمديين  للتوبة والصلاح قبل الموت . 
2 / 4 : والكهنوت الذى يكتم الحق سيشهد عليهم الأشهاد يوم القيامة .قال جل وعلا عن لعنة هذا الكهنوت يومئذ : ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) غافر )، وقال أيضا رب العزة جل وعلا : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) هود). 
2 / 5 : وهناك من كان يؤذى الله جل وعلا ورسوله ، وهذا مستمر فى كل عصر بإفتراء أحاديث ونسبتها للوحى الالهى . أولئك توعدهم رب العزة باللعن والعذاب المهين.قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً (57) الاحزاب). 
3 ـ يضاف الى ذلك اللعن فى  داخل النار 
3 / 1 : هناك لعن يأتيهم من الخارج وهم فى النار . قال جل وعلا : (  وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الاعراف ).
3 / 1 : وهناك تلاعن بين أهل النار وهم فيها يعانون من عذابها :
3 / 1 / 1 : قالها ابراهيم عليه السلام لقومه : ( وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ويَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) العنكبوت). هنا تلاعن فيما بينهم .
3 / 1 / 2 : وهناك تلاعن حسب وقت إلقائهم فى النار ، قال جل وعلا  : ( قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنْ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38) الاعراف ).
3 / 1 / 3 : والمستضعفون يلعنون سادتهم من الكهنوت . قال جل وعلا : ( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68) الاحزاب ).
سادسا :  أصناف من الملعونين 
لعن الكافرين من أهل الكتاب :
1 ـ دعاهم رب العزة أن يؤمنوا بالقرآن إيمانا إجماليا فقد نزل مصدقا لما معهم ، فكفروا به ، فحاقت بهم اللعنة ، قال جل وعلا : ( وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ (88) وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) البقرة ). وقال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (47) النساء ).
2 ـ  ومنهم من كان يحرّف كلام الله، قال جل وعلا : (  مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46) النساء ).
3 ـ ومنهم من كان يشهد زورا يزعم أن كفار قريش أهدى من المؤمنين ، قال جل وعلا: (   أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (51) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (52) النساء ).
4 ـ ومنهم من وقع فى سبّ الله جل وعلا: ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ) ( 64 ) المائدة ) 
5 ـ ومنهم من نقض عهد الله جل وعلا وميثاقه ، قال جل وعلا: ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13 ) المائدة. )
لعن العصاة من الصحابة 
1 ـ منهم من رمى المحصنات العفيفات بالزنا ، فجعلها رب العزة حكما عاما بلعن من يفعل ذلك ، قال جل وعلا :  ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) النور ) 
2 ـ أنبأ رب العزة مقدما أنهم سيقعون فى الفتنة الكبرى ، حيث يتقاتلون ويقطعون أرحامهم ويفسدون فى الأرض، قال جل وعلا  : (  فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) محمد ).  جاء بعدها لعنهم : ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) محمد ).  هذا ينطبق على زعماء الفتنة الكبرى : على ومعاوية والزبير بالأساس، إذ تجمعهم صلات قرابة قريبة ، قاموا بتقطيعها فى حرب الجمل . 
المقال الرابع
اللعن فى آلية التعذيب : القريبون ... والملعونون المُبعدون
مقدمة :
1 ـ  لنتذكر أننا ندعو الله جل وعلا أن يهدينا الصراط المستقيم ، ليس صراط المغضوب عليهم ولا الضالين الملعونين المطرودين من رحمة مالك يوم الدين  يوم الدين .  
2 ـ اللعن يوم القيامة هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله يوم الدين . بالتالى نتصور أنه كلما كان الناس قريبين من الله جل وعلا يوم القيامة كانوا داخلين فى رحمته ، وإذا كانوا بعيدين عنه كانوا فى عذابه . ولكى يكون الفرد قريبا من ربه لا بد أن يقترب فى حياته الدنيا من ربه بالايمان والعمل الصالح  بالتقوى ، أى يكون سابقا ومُسارعا فى الطاعة . بدون ذلك يكون قد وضع نفسه فى عذاب النار ، بعيدا ( ملعونا ) عن ربه جل وعلا . ونعطى بعض التفصيلات : 
أولا : أصحاب الجنة وأصحاب النار 
1 ـ فى سورة الواقعة تقسيم للناس الى ثلاثة أقسام : السابقون واصحاب اليمين ، وهما فى الجنة ، ثم أصحاب المشأمة أو أصحاب الشمال ، وهم أهل النار ، قال جل وعلا : ( وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) الواقعة).
2 ـ اصحاب المشأمة هم الملعونون المطرودون من رحمة الرحمن الرحيم . يتم وضع سور بينهم وبين اصحاب الجنة . باطنه الذى يلى أصحاب الجنة فيه الرحمة ، وظاهرة الذى يلى أصحاب النار فيه العذاب ، قال جل وعلا :  ( فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)الحديد) 13 ) .)، وبهذا يتم حجبهم عن رحمة الرحمن الرحيم . قال جل وعلا فى وصفهم وفى وضعهم :  (  كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ (16) المطففين).
ثانيا : الملعونون فى الأسفل ، واهل الجنة فى الأعلى 
1 ـ يأتى وصف الجنة بالعلو ، قال جل وعلا عن أصحابها :  ( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) الحاقة ).  وقال أيضا : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) الغاشية ).  وقال عن كتاب أعمالهم :   (  كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) المطففين ) أى هم فى الأعلى . 
2 ـ وفى داخل هذا ( العُلُوّ ) درجات بناء على علمه جل وعلا بأعمالهم ، قال جل وعلا: ( يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 11) المجادلة ). ، وقال جل وعلا أيضا :  (  وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ الْعُلا (75) طه ).  
3 ـ وبناء على هذا التدرج يكون التقسيم لآهل الجنة من سابقين مقربين ومن أصحاب اليمين . ويكون السابقون هم المقربين أى الأقرب من غيرهم للرحمن جل وعلا ، ثم يليهم اصحاب اليمين ، ثم السور الفاصل وفيه الملعونون المحجوبون عن ربهم ، بسبب ما ( ران ) أو تراكم على قلوبهم من عصيان وكفران ، قال جل وعلا : ( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) المطففين  ).  ماتوا وقد صدئت قلوبهم بالكفر والعصيان، فأصبحوا بها يوم القيامة محجوبين عن رحمة الرحمن الرحيم جل وعلا . وهذا ما فعلوه بأنفسهم ، وما ظلمهم الله جل وعلا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون . 
أخيرا : المقصد الوعظى هنا : 
1 ـ بإمكانك أن تصدر قرارا بأن تكون من المقربين ، وأن تكون فعلا يوم القيامة من السابقين المقربين . عليك فقط أن تسارع فى الخيرات وأن تتسابق فى الطاعات. قال جل وعلا : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران). هنا المسارعة بالعمل الصالح والايمان الخالص برب العزة جل وعلا لا إله إلا هو . أى المسارعة بالتقوى لتستحق أن تكون من المتقين فلا يدخل الجنة إلا المتقون .المسارعة تعنى ( الزمن )  أى تسارع قبل أن يأتيك الأجل ، هذا يعنى العمل اليومى بالطاعة ، من الصلاة والصدقة وذكر الله جل وعلا والصيام والحج للمستطيع ، وسائر عمل الخيرات . كل زمن يمضى يتم تحميله بعملك ، ولا يمكن أن تسترجع زمنا فات ، لذا لا بد أن تسارع بتحميل زمنك بالطاعة، وإذا عصيت فلا بد أن تسارع بالتوبة . هذا معنى المسارعة الى المغفرة . 
وقال جل وعلا :  (  سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) الحديد ). ( سابقوا ) هنا بالعمل ، أى تتسابق مع غيرك ليس فى اللهو واللعب والعصيان ، بل فى الحصول على الغفران . 
2 ـ لكى تكون يوم القيامة من ( المقربين ) لا بد أن ( تقترب ) من ربك بالتقوى ، قال جل وعلا :  (  وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) سبأ ). ( زُلفى ) يعنى قربى . الله جل وعلا  قال  عن تقديم الهدى فى الحج : ( لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ (37) الحج ). إنه جل وعلا يقبل منك التقوى بالإيمان والعمل الصالح . وبالتقوى تكون من أهل الجنة . وقال جل وعلا عن بعض المؤمنين الذين ( يتقربون ) الى الله جل وعلا بالطاعات : ( وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمْ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) التوبة ). بهذا التقرب من الله جل وعلا فى حياتهم الدنيا سيكونون داخلين فى رحمته . وعندما تسجد لربك تكون قريبا من ربك جل وعلا ، قال جل وعلا لخاتم الأنبياء:( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ 19) العلق). هذا إذا كنت خاشعا فى سجودك .!
3 ـ معظم المحمديين يعبدون الوسائط لتقربهم الى الله جل وعلا ( زلفى ).  يتوسلون بالقبور المقدسة وبمن يجعلونهم أولياء ذوى صفات إلاهية . هم فى عقيدتهم يجعلون رب العزة بعيدا عنهم ، أى يباعدون ما بينهم وبين ربهم جل وعلا ، أى يجعلون أنفسهم ( ملعونين ) بعيدين عنه جل وعلا . هذا مع أنه جل وعلا قريب منك بحيث لا تحتاج الى واسطة أو كهنوت ، بمجرد أن تسأله جل وعلا يكون قريبا منك ، قال جل وعلا :  (  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) البقرة )، لم يقل ( وإذا سألك عبادى عنى فقل لهم إنى قريب . ليس هنا ( قل ) لمنع الواسطة تماما . إنه جل وعلا أقرب اليك من حبل الوريد، قال جل وعلا: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) ق  ) ، وهو جل وعلا الأقرب اليك حتى آخر لحظات حياتك ، عند الاحتضار، قال جل وعلا : ( فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) الواقعة)  . ومن هنا كان ( القريب) من أسمائه الحسنى جل وعلا   : ( إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) هود ) ( إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) سبأ ). 
4 ـ بإمكانك أيضا أن تضل وتعصى وتطغى ، بإمكانك أن تقرر مباشرة أو ضمنا أن تكون من أهل النار . وهذا ما يحدث من الأغلبية الساحقة من البشر . فى حياتهم الدنيا يعتادون العصيان ويبررونه ، وبعضهم يجعله دينا ، وهم يحسبون أنهم مهتدون وأنهم يحسنون صنعا ، قال عنهم جل وعلا :  ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلالَةُ إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) الاعراف ) (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106 ) الكهف ).
 ويأتى يوم القيامة وقد تغطى قلبه بسواد أعماله ، فلا يجد له مكانا فى رحمة الرحمن الرحيم . 
5 ـ والله جل وعلا لا يخلف الميعاد ، وهو جل وعلا ليس منحازا لأحد . ولقد وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالجنة ، كما وعد الذين كفروا وعملوا السيئات بالنار . قال جل وعلا : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) المائدة  ). 
6 ـ والمحمديون يحفظون الفاتحة عن ظهر قلب ، ومنهم من يؤدى الصلاة ، ويقرأ فيها الفاتحة فى كل ركعة ، ويقول لاهيا : ( إهدنا الصراط المستقيم ) ، وقد يقولها وهو منشغل بالتفكير فى معصية ، ثم إذا خرج من صلاته عاد الى معصيته . أى يقول ( إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين )،  وهو بما يرتكبه من المغضوب عليهم الضالين . بل بعضهم يتخذ من صلاته ــ الحركية الخالية من الخشوع ــ وسيلة للعصيان ، فطالما يؤدى حركات  الصلاة ، فما عليه بعدها مهما إرتكب من عصيان ومن طغيان . وهذا هو المعتاد من المتدينين بالدين أرضى . تراهم ركعا سجدا ، وتراهم أيضا أفسد الناس ، إذ قد حصل هلى مُبتغاه ، وهو سيماء الصلاة فى وجهه ، وأصبح مشهورا بين الناس بأنه  متدين ، ويصبح تدينه هذا وسيلته للتميز ويحصل على التقدير بين الناس ، وبعدها  قد يتسيد ويتسلط على الغير بصلاته هذه .!. 
هؤلاء ـ إن ماتوا بهذا ـ فهم ملعونون يوم القيامة وسيكونون عن رحمة ربهم محجوبين .
كتاب العذاب والتعذيب : رؤية قرآنية
كتاب العذاب والتعذيب : رؤية قرآنية
هذا الكتاب تم نشره مقالات ، وننشرها الآن فى هذا الكتاب عن العذاب والتعذيب فى رؤية قرآنية ، عن عذاب الله جل وعلا للمستحقين له فى الدنيا ثم فى الآخرة. ثم فصل عن التعذيب فى مصر الفرعونية.
more