رقم ( 5 )
الفصل الثالث : إستعجال العذاب

الفصل الثالث : إستعجال العذاب 
المقال الأول
 الكافرون وإستعجال عذاب الدنيا 
 اولا : إعتادت الأمم السابقة وإستعجال الهلاك / العذاب : 
 1 ـ قوم نوح إستعجلوا العذاب :  ( قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (32) هود  )..
2 ـ وقوم عاد قالوا لنبيهم هود : ( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (70) الاعراف ).  كانت الريح تحمل لهم بشرى الأمطار والرخاء . وجاءهم سحاب إستبشروا به خيرا ، لم يعرفوا أنها ريح ستدمرهم . فى البداية قالوا له : ( أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23) الاحقاف ).  ثم رأوا الريح تستقبل واديهم فإستبشروا بالمطر : ( فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) الاحقاف).
3 ـ وقالها قوم ثمود لنبيهم صالح  : ( يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) الاعراف ). 
4 ـ وقالت مدين للنبى( شعيب : ( فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنْ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (187)  الشعراء ).
5 ـ وقالها قوم ( لوط) : (  إئْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ  ) العنكبوت 29 ).). 
6 ـ هم جميعا كانوا يؤمنون بالله مع إيمانهم بأولياء وآلهة اخرى ووقوعهم فى الفساد بدرجة جعلتهم يستكبرون ويطلبون الهلاك إستخفافا بالرسول وتحديا لرب العزة جل وعلا . لذا كان الانتقام عادلا يستجيب لرغبتهم .
ثانيا : قريش وإستعجال الهلاك / العذاب :
قال جل وعلا لخاتم النبيين عليهم جميعا السلام  : ( مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ )(43) فصلت  )، أى ما يقال لك من وحى بالرسالة الالهية قيل للرسل من قبلك ، وما يقال لك من قومك من تكذيب ، قيل للرسل من قبلك ، وما يقال لك من إستعجال العذاب قيل للرسل من قبلك . وفى إستعجال قريش للعذاب نضع الملاحظات الآتية : 
 رفضهم القرآن هو سبب إستعجالهم العذاب : 
1 ـ قال جل وعلا عن القرآن الكريم : ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (195)الشعراء ).   بعدها قال جل وعلا إن ما جاء فى القرآن جاء من قبل فى الكتب السماوية السابقة :  (  وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ ) 196(الشعراء ). ولهذا كان يعلمه علماء بنى إسرائيل  ويكفى فى هذا دليلا للعرب ولقريش على ان القرآن كلام رب العالمين: ( أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197)). الشعراء ) .ولكن قريشا جحدوا القرآن ، ولن يؤمنوا به إلا حين ينزل بهم العذاب : ، قال جل وعلا : ( وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ (203). الشعراء ) . هذا مع أنهم يستعجلون العذاب، فقال جل وعلا عنهم بعدها: ( أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) الشعراء ).  
2 ـ وذكر رب العزة إصرارهم على التكذيب بالقرآن الى درجة أنهم دعوا الله جل وعلا إنه لو كان القرآن من عند الله فليعذبهم الله جل وعلا بحجارة من السماء أو بعذاب أليم : : ( وإذ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) الأنفال ).. 
 متى يقع بهم العذاب الدنيوى ؟ 
1 ـ جاء بعدها شروط وقوع العذاب بقريش ، قال جل وعلا : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)  وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ ۚ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) الانفال 34 ).  ) ، اى لا يقع بهم العذاب الدنيوى طالما يستغفرون الله ، وطالما لم يخرجوا النبى من مكة وظل قائما فيهم . وسيقع بهم العذاب لو أخرجوه ، وقاموا بصّد المؤمنين عن المسجد الحرام . نزل هذا فى المدينة بعد الهجرة وقيام قريش بفرض حظر الحج على المؤمنين . ومعنى هذا أنهم تعرضوا لعذاب بعد هجرة المؤمنين من مكة . 
2 ـ وجاءت إشارة عن عذاب حلّ بقريش فى مكة فى قوله جل وعلا  : ( وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) المؤمنون). واضح هنا ان العذاب كان ( ضُرُّا ) أى ضائقة إقتصادية حلّت بهم ، فقد تجرّأت  القبائل العربية على تهديد قوافل قريش بعد إن إهتزّت هيبتهم فى هزيمتهم فى موقعة بدر وبعد فشلهم فى موقعة الأحزاب.    وتشير الآية التالية الى عذاب شديد حاق بهم ، قال جل وعلا  : (  وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ  حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ )المؤمنون 76 : 77 ).).
3 ـ ثم هناك عذاب مستقبلى أنبأ به رب العزة فى سورة الأنعام المكية ، وتحقق فى الفتنة الكبرى حين تقاتلت قريش مع نفسها ومع الأعراب الخوارج خلال خلافة على بن ابى طالب . قال جل وعلا : ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ   (65)  الانعام ). هذا هو الذى حدث فى الفتنة الكبرى ، ولا يزال يحدث بين المحمديين الوهابيين السنيين والمحمديين الشيعة . والسبب جاء فى الآية التالية ، وهو تكذيب قريش للقرآن الكريم  : ( وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66). ثم يقول جل وعلا على هذه النبوءة المستقبلية : ( لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)الانعام ) . وهناك إشارة أخرى لهذا العذاب المستقبلى فى الدنيا ردا عليهم وهم يستعجلون هذا العذاب: ( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) النمل ).
موقف النبى محمد من إستعجالهم العذاب :
1 ـ كان يضيق صدره من إلحاهم بإستعجال العذاب ، فنهاه رب العزة جل وعلا وقال له :  ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) 35 )   )الاحقاف )،  لأن موعد عذابهم مقرر سلفا ، قال له ربه جل وعلا ينهاه عن التعجل لعذابهم : (  فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً (84) مريم ). 
2 ـ   وأمره ربه أن يقول لهم إن أمر العذاب بيد الرحمن جل وعلا ، ولس بيده ، ولو كان بيده لأنزله بهم وانتهى الأمر:  (  قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) الانعام ).
3 ـ وأكّد جل وعلا أنه هو وحده صاحب الأمر فى العذاب الدنيوى ـ والأخروى ـ وأمر رسوله أن يقول لهم هذا :  (  قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) الانعام ).
4 ـ  ولن يحلّ إلا بالقوم الظالمين : (  قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) الانعام) ، وقال جل وعلا  عن نجاة المتقين : ( وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) الزمر). 
4 ـ ولهذا العذاب الدنيوى موعد حتمى لا فرار منه ، غير إن رحمته جل وعلا تقتضى تأجيله لإعطاء مهلة للتوبة لمن رغب فى التوبة، قال جل وعلا  : ( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمْ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (58) الكهف ).
5 ـ وهنا نفهم دورا للعذاب الدنيوى ، أنه وسيلة لمن يريد التوبة الصادقة ، عند عذاب الدنيا يسارع بالرجوع الى الله جل وعلا تائبا نادما ، قال جل وعلا  : ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) السجدة  ).  وهناك الصنف الآخر الذى أدمن الظلم متمسكا بالباطل ، قال جل وعلا عنه فى الآية التالية :   (  وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ (22) السجدة ). وهذا ينطبق على المحمديين اليوم ، وهم الذين يكفرون بالقرآن طالما يتعارض مع أحاديثهم.  
6 ـ والعادة أن الظالمين الكافرين يعترفون بالظلم عند وقوع العذاب بهم ، قال جل وعلا عن قريش: (  وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ) الانبياء 46 )) . وهذا الايمان الفجائى الوقتى لا ينفع ولا يُجدى،فهو نفس الحال مع كفار الأمم السابقة حين حلّ بهم العذاب ، فأعلنوا ــ دون جدوى ــ إيمانهم بالله جل وعلا وحده وكفرهم بالآلهة الأخرى ، قال جل وعلا :  (  فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85) غافر). 
أخيرا :عذاب المحمديين الدنيوى بسبب كفرهم بالقرآن الذى إتخذوه مهجورا 
1 ـ تظل القضية الأساس: هل تؤمن بالله جل وعلا وحده وتكفر بأى ولى أو شريك معه ؟ أم تؤمن بالله وبأولياء وشركاء معه ؟ ، وهذا يعنى الكفر بالله الذى لا إله معه ولاشريك له فى مُلكه.
2 ـ  أولئك الخاسرون إضطروا الى قولهم ( آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ )،  قالوها بعد فوات الأوان  فلم تنفعهم .  ثم وهم فى النار سيقال لهم :  ( ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا )(12) غافر ) . 
3 ـ اكثرية البشر لا تؤمن بالله جل وعلا وحده إلاها.!!.. لآ بد أن يكون إيمانهم بالله وبآلهة أخرى معه ، يجعلون الألوهية شركة بين الله وغيره ، قال جل وعلا :  ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) يوسف ). 
4 ـ ونعيد القول بأن هذا ينطق على المحمديين بالذات، لذا ينزل بهم اليوم العذاب الدنيوى ، ففى الآية التالية يحذرهم من عذاب الدنيا ومن عذاب الآخرة الذى يأتى بغتة :  (  أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (107) يوسف )،  ثم تأتى الآية التالية عن دعوة النبى محمد وسبيله ، وهو  القرآن  الذى هو بصائر للناس ، وعن( أهل القرآن) أو من يسير على سبيله عليه السلام يدعو للقرآن وكفى :  (  قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف). .
5 ـ مع وجود القرآن الكريم محفوظا من لدن الله جل وعلا فلا يزال المحمديون يقدسون مع الله جل وعلا آلهة كثيرة اسموها محمدا وعليا وأبا بكر وعمر وعثمان والحسين وعائشة والبخارى والمهدى المنتظر وغير المنتظر..الخ . لا يكتفون بالله جل وعلا وحده إلاها ووليا وشفيعا .  بل تتسع قائمة التقديس لديهم بحيث لا يبقى من تقديس لرب العزة سوى أقل من واحد فى المائة . ولهذا ينزل بهم العذاب الدنيوى يفضحهم فى العالم كله . لأنهم معهم القرآن المحفوظ من لدن الله جل وعلا ، ومع هذا يتخذونه مهجورا .
6 ـ  بل إن دعوتنا السلمية الاصلاحية لهم بالاحتكام الى القرآن الكريم لا تزيدهم إلا طغيانا وكفرا ، نفس موقف أسلافهم من القرآن الكريم، قال جل وعلا لرسوله عنهم : ( وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً ) (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) المائدة ) 64 ،68 ) )
7 ـ أليس كذلك ؟   
 
المقال الثانى :
   الكافرون وإستعجال عذاب الآخرة  
أولا : تنوع كفرهم بالساعة  ( اليوم الآخر ) الى : 
 1 ـ  إعلان كفرهم الصريح باليوم الآخر : يبدو هذا فى قولهم : ( مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (24) الجاثية )، وهى نفس مقولة العلمانيين المتطرفين اليوم . والله جل وعلا يصفهم بالجهل وعدم العلم . وقال رب العزة جل وعلا عنهم وعن عقابهم:  (  بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (11) الفرقان ) ، وقال جل وعلا يأمر الرسول بالرد على كفرهم بالساعة: ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ  ) 3 ) سبأ ) 
2 ـ صناعة يوم آخر على هواهم : هناك تعبير مصرى شائع وكافر يقول : "  سعيد الدنيا سعيد الآخرة  ".  أى إن الأثرياء فى الدنيا أصحاب الثروة هم أيضا السعداء فى الآخرة . . وسبق بهذا زعم احدهم أنه سيأتى يوم القيامة غنيا له مال وولد ، ونزل الرد عليه فى القرآن الكريم ، لأنه يعبر عن ثقافة مستمرة الانتشار فى صناعة يوم آخر بالهوى يفوز فيه المجرمون . قال جل وعلا : (( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً (78) كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنْ الْعَذَابِ مَدّاً (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً (80) مريم ).  يلفت النظر هنا قوله جل وعلا ردا عليه : ( أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً) ، وهو ردُّ مسبق على أئمة المحمديين الذين إخترعوا أحاديث الشفاعة يصنعون بها يوما للآخرة حسب هواهم ، إجتراءا على غيب الرحمن ، وكما لو كانوا قد أخذوا من الرحمن عهدا ووعدا بذلك . 
3 : بعضهم يكفر باليوم الآخر ، ثم يتحسب أنه على إفترض مجيئه فسيفوز فيه ، أى يجمع بين الكفر باليوم الآخر الحقيقى وصناعة يوم آخر بديل  يفتريه على هواه يتمتع فيه بالجنة مهما أجرم ومهما ظلم . وطبعا يجدفى  الكهنوت فرصته ، يبيع له صكوك الغفران ، يأخذون منه المال ويعدونه بالجنة ، وما يعدونه إلا غرورا . ولكنها تظل صناعة رائجة لأنها مطلوبة لاستمرار الظلم ، وبهذا يتحقيق هدف الشيطان الذى يقرن الإضلال بالتمنى ، وهو القائل عن بنى آدم : ( وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ )(119)النساء) ولكى يستمر الضلال والفساد لا بد أن يقترن بوعود شيطانية ( أمنيات ) بالشفاعات ودخول الجنة. ، وقال جل وعلا عن الشيطان وعن  أتباعه فى الآية التالية : (  يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً (120) أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً (121) النساء).
 وقد حذّر رب العزة الناس جميعا من وعد الشيطان الكاذب وخداعه وغروره ، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان ).  ويوم القيامة سيتبرأ الشيطان من أتباعه وهو معهم فى جهنم معترفا لهم بأنه وعدهم بالباطل وأن الله جل وعلا وعدهم بالحق ، وأنه ما أجبرهم على طاعته : ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ابراهيم ). ومع وجود عشرات الآيات التى تؤكد على نفى شفاعة البشر يوم الدين فإن المحمديين يكفرون بها إيمانا منهم بالأحايث الشيطانية فى البخارى وغيره ، بما يجعلهم مستحقين لعذاب الرحمن فى الدنيا وفى الآخرة . هم ضحايا غرور الشيطان يجمعون بين الكفر بالآخرة وتصور يوم آخر ، ولسان حالهم يقول : ( وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) فصلت ).
4: الجدال  . بعضهم يصل به الانكار لليوم الآخر الى درجة الجدال ، مثل هذا الجاهل الذى تساءل عن إحياء عظام الموتى التى تحللت ، ونزل الرد عليه: ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79 ) يس) .ويصل بهم الغلو فى الكفر الى التحدى ببعث آبائهم ، قال جل وعلا عنهم  (  إِنَّ هَؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (36) الدخان ).
  5 : أيضا وصل التطرف فى كفرهم باليوم الآخر الى إستعجالهم لهذا اليوم ، وما يتضمنه من عذاب لهم .
ثانيا : الرد على إستعجالهم عذاب الآخرة :
1 ـ يقترن إستعجالهم عذاب الدنيا بإستعجالهم عذاب الآخرة ، يبدو هذا فى تكرار أسئلتهم للنبى عن موعد قيام الساعة وتكرار الرد منه بأنه لا يعلم الغيب . ثم فى إستعجالهم عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، يوجهون أسئلتهم للنبى ويأتيه الأمر بالرد عليهم ، وبأنه لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا  : (  وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (49) يونس )،  ثم يأتى التساؤل : لماذا تستعجلونه وهو إذا أتاكم ليلا أو نهارا فستعلنون إيمانكم من هوله :  (  قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ أَالآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) يونس ). 
هذا عن إستعجالهم عذاب الدنيا ، وتاتى الاشارة الى عذاب الآخرة فى قوله جل وعلا لهم عنه فى الآية التالية: (  ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52) يونس ).
2 ـ  وتتنوع الردود على إستعجالهم عذاب الآخرة :
2 / 1 : النهى عن الاستعجال لأن الأمر الالهى بقيام الساعة قد صدر فعلا من رب العزة ، وسيقطع وقتا فى فى الزمن البرزخى الى أن يتحقق فعلا فى الزمن الأرضى ، قال جل وعلا : ( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل ).
2 / 2 : وعن الفارق بين الزمن البرزخى والزمن الأرضى يقول جل وعلا فى نفس السياق عن  إستعجال عذاب الآخرة ) :   وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) الحج ). . 
2 / 3 : هذه الحياة الدنيا هى مجرد ( يوم ) يأتى بعده ( يوم آخر ) بفتح الخاء  ، أو  ( يوم آخر ) بكسر الخاء .) وعن الفارق بين يوم الدنيا  واليوم ألاخر ) أو مدة يوم الدنيا والذى سيعقبه اليوم الآخر يقول جل وعلا عن إستعجالهم عذاب الآخرة : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَرَاهُ قَرِيباً (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10 ) المعارج ). هذه الحياة الدنيا هى مجرد يوم فى الزمن الالهى ( وليس البرزخى ) ، ومقداره خمسون ألف سنة . خلالها يصعد الروح جبريل والملائكة الموكلين بالأقدار الى منتهى الرحلة فتقوم الساعة ، ويأتى رب العزة مع عالم جديد يبرز فيه الناس لرب العالمين : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) ابراهيم ). وعن عذابهم يوم القيامة يقول جل وعلا بعدها : (  وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51)ابراهيم.  يأتى بعده البلاغ للناس وعظا لهم : ( هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (52) ابراهيم  ) 
أخيرا : الوعظ   للكافرين
1 ـ هذا البلاغ للناس يأتى فى سياق استعجال الكافرين للعذاب ،يقول جل وعلا : ( خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (38) الأنبياء ).  يأتى وعظهم بعدها بتصوير لمحة من عذاب النار: (  لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمْ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَ (40) الانبياء )،  وبتصوير صراخهم عند قوع العذاب بهم: ( حَتَّىٰ إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ) ( المؤمنون 64 ) )، وبتأنيبهم وهم فى العذاب بتذكيرهم بالعذاب الذى كانوا يستعجلونه: (  يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ 14) الذاريات ). 
2 ـ وايضا يأتى الوعظ مقدما للعُصاة حتى يتوبوا . قال جل وعلا يخاطبهم ويعظهم : ( قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) الزمر) .  واوضح رب العزة جل وعلا لهم سبيل التوبة الصادقة التى تنجيهم من العذاب الأخروى فقال: ( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ (59) الزمر).
ودائما : صدق الله العظيم .!!
 
المقال الثالث :
   العذاب  يأتى فجأة ( بغتة  ) ( وهم لا يشعرون )
  أولا  ـ عذاب الدنيا يأتى بغتة : 
1 ـ عن الأمم التى أهلكها رب العزة قال جل وعلا يعظ كفار العرب وغيرهم : ( كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمْ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26) الزمر)، وعن خطوات الاهلاك الذى ينتهى بالعذاب البغتة قال جل وعلا : (  وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95) الاعراف ) . أى أخذهم العذاب بغتة وهم لا يشعرون . وفى تصوير لهذا العذاب المفاجىء لهم فى الدنيا يقول جل وعلا : ( قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26) النحل). أى يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أى يأتيهم بغتة .  
2 ـ وقال جل وعلا عن اللاحقين يعظهم ويحذرهم فى نفس السورة : ( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) النحل ).
ثانيا : عذاب الآخرة يأتى بغتة للكافرين 
1 ـ عذاب يوم القيامة سيأتى بقيام الساعة فى الوقت المحدد سلفا أو(الأجل المسمى )، أو التوقيت الذى تمت تسميته وتحديده من لدن رب العزة جل وعلا . وحين إستعجله مشركو العرب قال جل وعلا ردا عليهم : ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) العنكبوت 53 ). ). هنا إشارة الى أن الكفر مستمر باليوم الآخر . 
2 ـ الدافع لاستعجالهم هو كفرهم بالقرآن الكريم ، وطلبهم معجزة حسية بديلة وإستعجالهم الساعة ونزول العذاب بهم إن كان القرآن هو الحق من عند الله : ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (31) وإذ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(32) الانفال ).
3 ـ وحتى الآن فالكفر مستمر بالله جل وعلا وباليوم الآخر وبالقرآن الكريم ، والمحمديون الذين يزعمون الايمان بالقرآن الكريم هم أشد الناس كفرا بالقرآن الكريم وبرب العالمين وأشد الناس كفرا باليوم الآخر . وأفعالهم تنطق بهذا كل يوم وعلى مستوى العالم . 
4 ـ والتعبير القرآنى : (لا ريب فيه)  تكرر وصفا للقرآن الكريم واليوم الآخر، ومنه قوله جل وعلا : ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)البقرة) (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ (25) آل عمران ). المؤمنون بالله واليوم الآخر وبالقرآن الكريم يشفقون من أن يروا أو يشهدوا قيام الساعة ، قال جل وعلا : (  الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنْ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ )(49). الأنبياء )، وتأتى الآية التالية عن القرآن الكريم: ( وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (50) الانبياء)  . ويقول جل وعلا عن القرآن الكريم الذى نزل بالحق والميزان وبقرب موعد الساعة :  (  اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) . الشورى ) ، وتأتى الآية التالية بإختلاف موقف الكافرين الذين يستعجلون قيام الساعة عن المؤمنين المشفقين منها: (  يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18) الشورى ).
5 ـ عدم ايمانهم بقيام الساعة وإستعجالهم لها يعنى أن قيامها ستكون مفاجئة لهم ، أو تأيتيهم بغتة وهم لا يشعرون . ونتدبر قوله جل وعلا عن موقف الكافرين بالقرآن الكريم الذين يرتابون فيه ولا يؤمنون به :  (  وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) الحج) ، أى سيظلون فى تشككهم بالقرآن الى أن تقوم الساعة فجأة أو أن يحلّ بهم عذاب دنيوى عقيم . ويقول جل وعلا عمّن يكفر باليوم الآخر :  (  قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) الانعام)،  أى تقوم الساعة بغتة فتفاجئهم وكانوا منكرين لها فيتحسرون على تفريطهم فى النيا ، ويأتون يوم القيامة يحملون أوزارهم على ظهورهم . 
6 : ولذا جاء الوعظ قبل أن تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (66)الزخرف) 
ثالثا : معنى البغتة الزمنى :
 1 ـ   وتكرر سؤالهم النبى عن موعد الساعة ، وتكررت الاجابة أنه لا يعلم ، وفى بعض الاجابات جاء وصف مجيئها بالبغتة  : (  يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (187) الاعراف ).
2 ـ تفسير ( بغتة ) أنه أسرع من سرعة الضوء ، وهذا مجرد تشبيه لإختلاف مستويات الزمن،ويأتى التعبير بالتشبيه ب:  ( لمح البصر) ،قال جل وعلا:( وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 77) النحل) ( وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)  القمر).
رابعا : معنى البغتة  ( المفاجئة ) 
1 : ويأتى تفسير آخر بالمفاجأة ، أى ( وهم لا يشعرون ).  قال جل وعلا فى خطاب ينطبق على المحمديين بالذات :   (  أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ(107)  يوسف)  . كما قال جل وعلا عن القرآن الكريم الذى يكفر به المحمديون : ( كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ (203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) الشعراء ).  هنا ايضا مجىء العذاب بغتة وهم لا يشعرون .
2 ـ الكفر بالآخرة وبالقرآن الكريم مبعثه إرادة الناس الدنيا وإستغراقهم فيها لهوا ولعبا وتنافسا وتصارعا وتكاثرا بالأموال والأولاد . وهم لا يشعرون بإقتراب قيام الساعة ، وقد قالها رب العزة جل وعلا من أكثر من 14 قرنا :  (  اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) الأنبياء). وهذا ينطبق على المحمديين بصورة تفوق الوصف .
3 ـ  وقد أنبأ رب العزة بأن أشراط الساعة قد جاءت فعلا ، ومع ذلك سيكون مجيؤها بغتة لأولئك الذين إستغرقتهم الحياة الدنيا، وهذا ينطبق على حال المحمديين  ، قال جل وعلا :  ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) محمد  )،  فقد تقطعوا وتفرقوا الى مذاهب وأحزاب كل حزب بما لديهم فرحون ، يفرحون بالنفط وغير النفط وسيظلون فى غمرتهم الى أن تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون.
4 ـ وقد أكّد رب العزة  جل وعلا يؤكد أن ( أُمّة الاسلام ) هم أتباع الأنبياء فى كل زمان ومكان ، أى أُمة عالمية  فوق الزمان والمكان ، ولكن الذى حدث هو التفرق ، وتحول الناس الى ( أمة المسيح  ) و ( أمة محمد )  و( أمة بوذا .).الخ . قال جل وعلا :  (  وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54) أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ (56) المؤمنون ) . 
5 ـ أولئك لا يعرفون أن أشراط الساعة جاءت بنزول القرآن آخر رسالة إلاهية ، وفيه أشراط الساعة ومنها ما نراه الآن من التقدم العلمى الهائل فى الكرة الأرضية :  (  إنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) يونس )،  وبغتة ستقوم الساعة وستكون عذابا شديدا لمن يشهدها ، وهذا ما حذّر منه رب العزة جل وعلا الناس جميعا فقال لهم فى خطاب مباشر : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) الحج ).
6 ـ بقيام الساعة وتدمير السماوات والأرض وخلق سماوات بديلة وأرض بديلة يأتى يوم البعث ، فيعتقد المجرمون أنهم لبثوا مجرد ساعة : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) الروم )، أو مجرد يوم أو بعض يوم : (  يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) النازعات ) ، ويظل هذا الشعور معهم حتى يوم الحشر : (  وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46)  يونس ) .لذا قال جل وعلا للنبى محمد عليه السلام ألّا يستعجل العذاب للكافرين لأنهم يوم يرونه كأنما لبثوا يوما أو بعض يوم : ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)الاحقاف).
7 ـ واقع الأمر أنهم بالموت يفقدون الاحساس بالزمن ، ثم عند البعث يتخيلون أنهم لبثوا يوما أو بعض يوم . لذا حذرهم رب العزة جل وعلا من عذاب قريب :  (  قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) سبأ  )( إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا (40)  النبأ ).  حين نزلت هذه الآية بالعذاب القريب كان كفار قريش أحياء ، لم يبق لهم على قيام الساعة إلا ما تبقى لأحدهم من سنوات عمره حيا ثم موته ودخوله البرزخ حيث لا زمن ، كمثل النائم أو مثل أهل الكهف ومثل الذى مر على قرية فنام مائة عام ثم بعثه رب العزة فظن أنه نام يوما أو بعض يوم. لا زمن فى البرزخ ،برزخ النوم والموت .  ثم تقوم الساعة فيظن أنه مرّ عليه ساعة أو يوم أو يعض يوم . يعنى بقى له عن عذاب القيامة بضع سنوات ثم يوم أو بعض يوم . هذا معنى العذاب القريب والذى يأتى بغتة .
 
 
كتاب العذاب والتعذيب : رؤية قرآنية
كتاب العذاب والتعذيب : رؤية قرآنية
هذا الكتاب تم نشره مقالات ، وننشرها الآن فى هذا الكتاب عن العذاب والتعذيب فى رؤية قرآنية ، عن عذاب الله جل وعلا للمستحقين له فى الدنيا ثم فى الآخرة. ثم فصل عن التعذيب فى مصر الفرعونية.
more