منشية البكرى.. مدينة الأحزان

حمدى البصير Ýí 2011-09-05


منشية البكرى .. مدينة الأحزان

 

بقلم - حمدى البصير

هناك مدن نتوق إلى زياراتها ، ونستمتع برؤيتها والتجول فى شوارعها ومشاهدة مبانيها ، ونفرح ونبتهج عندما نلتقى بأقاربنا وأصدقائنا بها .

وأيضا هناك مدن لانحبها ، ونحاول أن نسقطها من جغرافية زاكرتنا ، لأننا نرتبط معها بذكريات سيئة أو وقائع مؤلمة ، بل ونشعر بإنقباض عندما تضطرنا الظروف لزيارتها ، ونشعر أن مبانيها الخرسانية الشاهقة قد تحولت فجأة إلى أطلال .

وكما أن هناك مدن أحب أن أزورها مثل مدينة الأسكندرية ، وأجد متعة فى التجول بالأحياء القديمة بها ، خاصة الملاصقة لكورنيش البحرالأبيض ، فإن هناك مدن لا أتوق إليها ولا أطيق زيارتها ، لأسباب شخصية عديدة ، ومن بين تلك المدن .. منشية البكرى فى شرق القاهرة .

فمنذ أيام قليلة ، وتحديدا فى أول أيام عيد الفطر المبارك ، تلقيت خبر وفاة صديقى وزميلى فى جريدة العالم اليوم ، الكاتب الصحفى صفوت الربيعى ، وقد توفى المغفور له فى منزله بمنشية البكرى بعد صراع طويل مع مرض السرطان اللعين .

وكنت قبل وفاة المرحوم صفوت بأسبوع قد تلقيت خبر وفاة والد صديقتى وزميلتى الكاتبة الصحفية ألفة السلامى ، وقد سافرت زميلتى ألفة إلى تونس للمشلركة فى جنازة والدها ، رغم ظروفها الصحية الصعبة حيث تعانى من ألام المرض اللعين ، وقد زاد من ألامها ، غربتها وبعدها عن أسرتها فى تونس ، وعدم رؤية والدها قبل وفاته ، بل إنها كانت حريصة على عدم معرفة أهلها فى تونس بحقيقة مرضها ، حتى لاتؤلمهم ، بل أنها طلبت منى ألا ألمح إلى مرضها ، بأن أدعو لها مثلا بالشفاء عندما نتواصل على الفيس بوك ، حتى لاتعرف أسرتها فى تونس إنها تعانى من المرض ، فهى إنسانة رقيقة المشاعر ومرهفة الحس إلى أقصى درجة .

والغريب أن الفة السلامى - حفظها الله - تسكن فى الشارع المقابل لمسكن المرحوم صفوت الربيعى ، فى منشية البكرى .

بل أن الصديق المشترك لى أن وألفة ، والمقرب لكلينا ، وهو الكاتب الصحفى عصام السباعى ، والذى يسكن فى منشية البكرى أيضا ، قد تعرض فى شهر يونيو الماضى لحادث مؤلم ، فقد إنقلبت سيارته قرب مدينة مرسى مطروح ، أثناء ذهابه لقضاء أجازة صيف هو وأسرته هناك ، وأسفر الحادث عن وفاة كلا من إبنه الأصغر يوسف ، والمغفور لها زوجته ، وقد أصيب السباعى - المؤمن الصابر - إصابة بالغة فى رقبته ، وأسأل الله أن يتم شفائه سريعا ، لأن الوسط الصحفى كله يفتقده بشدة .

وفى مدينة منشية البكرى أيضا ، وبالتحديد فى فندق رويال مارشال ، والمجاور لبيت المرحوم الربيعى ، توفى إبن عمى وشقيقى الكبير الدكتور أسامة الأباصيرى ،فى منتصف شهر يوليو من العام الماضى ، وقد لقى المرحوم اسامة ربه ، إثر سكتة قلبية مفاجئة أثناء نومه فى إحدى غرف الفندق ، فقد كان يعمل مديرا لإحدى شركات الإدوية بالقاهرة ، ويسكن فى ذلك الفندق ، لأنه مقيم بالأسكندرية .

وكانت صدمة قوية لى عندما تلقىت خبر وفاته ، كما كان على إصطحاب جثمانه لدفنه فى الأسكندرية ن وأنا غير مصدق ماحدث لأن الدكتور أسامه رحمه الله ، كان رياضيا وفى كامل صحته ، وإلتقيت به قبل وفاته بأيام قليلة ، وكان دائما متفائلا ويحدثنى عن المستقبل ، وهو لايعلم أن عمره فى الدنيا كان أياما معدودة .

لهذه الأسباب أصبحت منشية البكرى ، مدينة الأحزان بالنسبة لى ، وقد شعرت بإنقباض فى قلبى ، ومرارة فى حلقى ، بعد أن قمت بواجب العزاء فى منزل أسرة المرحوم صفوت ، ووقفت أسفل المنزل ، بعد أن أحسست بالإختناق والكأبة ، رغم أن ذلك اليوم كان ثاتى أيام عيد الفطر ، ووجدتنى لست قادرا على السير، عندما نظرت إلى عمارة ألفة ، ثم إلى فندق رويال مارشال ، وشعرت أن عصام السباعى يقضى أول عيد له بدون إبنه وزوجته فى شارع قريب منى حيث أقف ، ولكننى سرعان ماعدت إلى حالتى الطبيعية وإستغفرت الله العظيم ، وأجهرت بإيمانى بالله وبقضائه وقدره ، ودعوت بالرحمة والمغفرة ، لصفوت الربيعى ويوسف إبن عصام ، وزوجته ، ووالد ألفة السلامى وأسامة الأباصيرى ، رحمهم الله واموات المسلمين جميعا .

والغريب إن هذه المدينة " الكئيبة " كانت فى طفولتى مقصدا للنزهة والترفيه ، فأنا من مواليد حدائق القبة ، القريبة من منشية البكرى ، وكنت أذهب إليها أنا وبعض جيرانى فى " العيد " من أجل التنزه فى حدائقها ، ودخول سينما " الفالوجا " بها ، ورؤية منزل الرئيس الراحل عبدالناصر، الكائن بها ، بل أن بها مدرسة القبة الثانوية والذى كان أخى الأصغر محمد الأباصيرى يدرس فيها ، وكنت أزوره هناك وأسأل عن مستواه الدراسى ، من واقع سلطتى كأخ كبير له بعد وفاة والدنا .

ولكن أصبحت الأن أكره تلك المدينة ، لانها صارت بالنسبة لى مدينة أحزان ، ذات شوارع كئيبة ومظلمة ،ولا اعرف متى سأتصالح مع " منشية البكرى " ، ربما يعد أن تخفق رايات الأحزان وأرى البسمة مرة أخرى على شفاة ألفة السلامى وعصام السباعى وسهى صفوت الربيعى .

حمدى البصير

 

اجمالي القراءات 10584

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2010-07-24
مقالات منشورة : 165
اجمالي القراءات : 1,717,352
تعليقات له : 13
تعليقات عليه : 223
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt