سلسلة دراسات قرءآنية :
تابع تدبر ودراسة القرءآن الكريم

محمد صادق Ýí 2008-03-16


سلسلة دراسات قرءآنية

الدرس التــاسع 

كلمات ومعانى

القرءآن هو كلام اللـــه المنزل على رسوله محمد – عليه الصلاة والسلام – والذى تحدى به الانس والجن والعالمين.. ولم يتحد اللـــه به الملائكة، لأن الملائكة ليس لهم اختيارات يعملون بها انما يفعلون ما يؤمرون. ومن هنا يمكن أن نقول أن القرءآن تحدى كل القوى التى لها اختيار أو التى لها قدرة العقل والفكر والاخت⁣يار.


فهذا التحدى جاء ليثبت المعجزة..معجزة القرءآن..فكان لا بد أن تجئ مع كل رسول معجزة تثبت صدقه فى رسالته وفى بلاغه عن اللـــه، وان المعجزة التى تأتى فهى تكون فيما نبغ فيه هذا القوم حتى يكون التحدى نابغا وقويا واثباتا لقدرة اللـــه تعالى. فلقد جاء كل نبى الى قومه بمعجزة من جنس ما نبغوا فيه. فمن أمثلة ذلك موسى عليه السلام بمعجزة السحر، وعيسى عليه السلام فى المعجزات التى أيده اللـــه بها من نفس جنس ما نبغوا فيه قومه فى ذاك الوقت.
وكذلك محمد عليه الصلاة والسلام، انزل عليه القرءآن وقومه أهل بلاغة وفصاحة فجاء لهم بمعجزة من جنس ما نبغوا فيه وهو بلاغة القرءآن.
ففى القرءآن إعجاز لا يتنبه اليه العقل إلا بعد أن ينشط ويتدبر وهنا يتبين أبعاد جديدة لما يقال، بل ان هذا الاعجاز يوجد أحيانا فى حرف، فان حرف فى القرءآن يمكن أن يحمل معنا لم نتنبه اليه إلا بعد التحرى والدراسة. لذلك جعل اللـــه سبحانه هذا القرءآن للعالمين، للناس أجمعين وهو الدين الكامل لكل البشر. وعلى ذلك يجب ان يكون له مفهوم وعطاء لكل جيل وإلا لاستقبل الأجيال بلا عطاء وبذلك يكون قد جمد.
والقرءآن متجدد ولا يجمد أبدا، أى ان هناك ءايات من القرءآن تعطينا الآن عمقا جديدا فى معناها، ذلك العمق لم يكن أحد يصل إليه بالفهم الدقيق فى أول وقت نزول القرءآن.
ولكى تكون هذه النقطة واضحة يجب أن نفرق بين شيئين: أولا..الاحكام الخاصة بالعبادات، كلمة إفعل ولا تفعل، الحلال والحرام. هذه الأحكام لا تغير فيها ولا تبديل ولا إجتهاد فيها لأن اللـــه سبحانه هو الذى يحدد لنا كيف نعبده... وثانيا.. الاشياء المتصلة بقوانين الخلق والكون، تلك الأشياء التى لم يكن للعقل البشرى الاستعداد العلمى وقت نزولها ليفهم عمق معناها، هذه متروكة للتدبر والدراسة فتتطور معناها وتعطى عمقا جديدا جيلا بعد جيل حسب الاستعداد العلمى لكل جيل.
مثال بسيط لتوضيح هذه النقطة... قال سبحانه " رب المشرق والمغرب " وفى مكان آخر " رب المشرقين والمغربين " وفى موضع ثالث " رب المشارق والمغارب "، فان عطاء القرءآن فى الآية الأولى لم يبلغ عطاءه فى الثانية وكذلك لا يلغى عطاءه فى الثالثة. فان التقدم العلمى الذى لم يغير الآيات ولكن غير مفاهيم هذه الآيات. فالآيات ثابتة منذ نزولها ولكن الجيل الأول الذى نزلت عليه هذه الآيات لم يكن لديهم العلم الكاف للتعمق فى هذه الآيات أكثر من أن هنا شرق وهناك غرب ويطلق عليه مشرق ومغرب.
أما الآن إذا دمجنا العلم بشكل الأرض وحركة دورانها حول نفسها وحول الشمس وتأييد بالآيات التى تقودنا إلى هذا العلم نجد أن هناك مفاهيم جديدة غير المفاهيم وقت نزولها.
وأبسط تفسير للمشارق والمغارب أن فى مكان ما وفى وقت معين نصلى الظهر هنا وفى مكان آخر فى نفس الوقت شخص آخر يصلى العصر وشخص أخر فى مكان آخر فى نفس الوقت يصلى الفجر... وهكذا.

فإذا أردنا أن نتدبر ءايات القرءآن وبلاغته فإننا لا بد أن نتناول دقة اللفظ والتعبير الوارد فى القرءآن الكريم. وان هذا اللفظ والدقة فى التعبير جزءا من سنة اللــه التى سن عليها القرءآن وهى تبيانا لكل شيئ. ففىهذا التبيان لا بد أن يكون بليغا ودقيقا فى تعبيراته وفى نفس الوقت يجذب قلب السامع له. ومن هاتين الصفتين قال سبحانه لقد يسرنا القرءآن للذكر. فقد استخدم كل شئ فى اللغة ليبين كل شئ فى كتابه الكريم، فكان تبيانا وسهلا فى نفس الوقت.

ودقة التعبير يمكن أن تكون فى حرف كما قلنا سابقا ومثال لذلك قال تعالى:
" قل سيروا فى الأرض " فلماذا لم يقل سيروا على الأرض فى حين ان العادة والمألوف نجد اننا نقول ..أنا أسير على الأرض..، " فى " تقتضى الظرفية، التفدم العلمى فى جيلنا هذا عرفنا ان الأرض ليس بمعناها المادى فقط، أى أنها ليست الماء والأرض أو الكرة الأرضية وحدها، ولكن الأرض هى بغلافها الجوى، فالغلاف الجوى جزءا من الأرض.
وان اللـــه استخدم لفظ " فى " وليس " على " لأنه فى الحقيقة العلمية للكلام اننا نسير على سطح الأرض وليس على الأرض، ولكن نسير فيها بين السطح والغلاف ومن هنا فنحن نسير فى الأرض. فكان مفهوم هذه الآية وقت نزولها يختلف تماما عن وقتنا هذا. والأمثلة كثيرة فى هذا الشأن فعلينا مراعاة الأسس التى ذكرناها مسبقا على ان تكون إما مجتمعة كلهاأو بعضها للوصول إلى أقرب ما يمكن من حقيقة التدبر والى أقرب المفاهيم صحة وسلامة.
هذا هو القرءآن الذى يجب أن نتدبره.. والتدبر هو التمييز والتوازن بين الأمور وادراك الحقائق وعصمة الضمير.. بذلك نكون قد اتقينا عذاب اللـــه يوم لا ينفع فيه خلة ولا شفاعة ولا يقبل منها عدل ونكون قد دخلنا فى زمرة المتقين، لعل اللـــه يرضى علينا عبادا له ونرتضى به ربا لنا...
فالأمر صريح: "كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ" ص:29

كلمات لا تتغير ولا تتبدل فى الآية عن موضعها
يعتبر القرءآن الكريم هو قاموس اللغة العربية لمن أراد التدبر والدراسة. فالمعلم هو الرحمــن سبحانه والكلمات هى كلمات اللـــه. ومن الدراسة والتدبر فى كلمات اللــه نجد ان الألفاظ والكلمات المستخدمة فى القرءآن، انه من العسير وفى بعض الحالات من المستحيل تبديل لفظا بلفظ أو حرفا بحرف، وذلك على عكس أى كتابة لأى كاتب باللغة العربية، فنجد أنه من السهل فى هذه الحالة ان نستبدل ونغير فى الكلمات كيفما نشاء ونجد أن المعنى يظل كما هو تقريبا. أما القرءآن الكريم فإنه من العسير أن نستبدل فى الآية لفظا بلفظ أو حرفا بحرف.
فان لكل لفظ أو حرف أداة من الأدوات التى جاء بها القرءآن، طابع فريد فى موضعها الصحيح من الآية لا يشترك معها طابع آخر مهما تقارب بينهما أوجه الشبه.

من هذه الكلمات التى من العسير استبدالها - كمثال والقرءآن ملئ من هذا – كلمة " الفعل " و" العمل ". يستخدم كاتبوا اللغة العربية لفظ الفعل ومشتقاته ولفظ العمل ومشتقاته ويعتبرواأن أحد هذين اللفظين مرادفا للآخر، وعلى هذا فنجد انه قد أصبحت من العادة ان ليس هنك فارق يذكر بين اللفظين، الأمر الذى جعل من اليسير معه استبدال أحد اللفظين بالآخر دون ان يحدث تعديل فى المعنى. بالاضافة إلى ان كتب اللغة وقواميسها تؤكد ان لفظ " الفعل " معناه " العمل " وانه ليس بينهما فارق.

ولكن القرءآن هو قاموس اللغة العربية يقول غير ذلك..والقرءآن يثبت ان هناك فارق بين اللفظين وان تفسير أحد اللفظين بالآخر فى ءآية من ءايات اللـــه فى القرءآن يضيع الفرصة على العقول فى فهم مرامى القرءآن وأهدافه. فالقرءآن لا يخلط بينهما وانما لكل لفظ منهما مفهومه وموضعه الخاص به الذى لا يمكن استبدال احدهما بالآخر وإلا لأختل المعنى الذى يريده اللـــه فى هذا الموضع من الآية. والذى ينبه إليه اللـــه فى كتابه بقوله:
" أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرا " النساء: 82
ولا شك أن القرءآن الكريم هو قول الفصل فى أى موضع نختلف فيه ولعلنا نقول اننا سوف لا نتعرض لمرادفات هذين اللفظين وايضا سنتعرض لبعض الأمثلة فقط وليس كلها:

فلنبدء أولا بلفظ الفعل:
فهناك فعل اللـــه – فعل الانسان – وفعل الملائكة
فعل اللـــه: يتكرر لفظ الفعل ومشتقاته فى القرءآن وفيما يتعلق بحق اللـــه تعالى الذى ينزل الضرر المادى على المجرمين، فى أى مكان وفى أى زمان وبأى طريقة هو سبحانه يختارها فهى تارة ريح شديدة ويعلن سبحانه خبر تلك الريح ويعبر عنها بلفظ " فعل "
" ألم تر كيف فعل ربك بعاد " الفجر:6
فماذا فعل اللـــه بقوم عاد؟ سوى أن ارسل عليهم ريحا صرصرا فى يوم نحس مستمر. ثم هى تارة طير صغير الحجم يدخل طرفا فى معركة مع الأفيال الضخمة ثم يعلن اللـــه ذلك ويستخدم لفظ " فعل ". " ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل " الفيل:1
فماذا فعل اللـــه بأصحاب الفيل؟ سوى أنه ارسل عليهم طيرا أبابيل بحجارة من سجيل.
وفى سورة الأنبياء:16-23 قال سبحانه:
" وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ {16} لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ {17} بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ {18} وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ {19} يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ {20} أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ {21} لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ {22} لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {23}
فتعبير " ان كنا فاعلين " يعنى ان كنا محدثين مثل هذا الانقلاب الخطير بالكون منزلين به مثل هذا الضرر البالغ، وكذلك تعبير " لايسأل عما يفعل " يعن لا يسأل عما يحدث من ضرر وقلب نظام الكون.
وفى سورة الحج: 18 " وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء {18} أى ان اللـــه يوجب العذاب والهوان على من يريد ان يحط من قدره، وهذا إنزال الضرر المادى.

فعل الانسان:
مما سبق نتبين أن لفظ " الفعل " يعبر عن الحاق ضرر مادى بالغير تظهر آثاره دون أن يلحق بالمحدث أى ضرر كما هو الحال بشأن اللـــه أما بشأن الانسان فإن لفظ الفعل يعبر عن إلحاق ضرر مادى تظهر آثاره بغض النظر عما سيلحق المحدث ضررا أم لا وسواءا كان بطريقة مباشرة أم غير مباشرة، ولا يجب أن يلحق لفظ " الفعل " وصف بأنه سئ أو حسن، وانما هو نفسه يحمل فى ذاته معنى الضرر بالغير، ويمكننا أن نشير بإختصار أن لفظ " الفعل " معناه الحاق الضرر المادى بالغير.
ونلاحظ أيضا ان فى التدبر لآيات القرءآن نجد ان فى جميع ءاياته استخدم لفظ " الفعل " فيما يتعلق بحق اللـــه وفيما يتعلق بالانسان وفى موضعان يتعلق بالملائكة.. إن هذه المواضع جميعها تشير إلى نفس الاتجاه والمفهوم وتصل إلى نفس الهدف ولا يشذ واحد منها على الاطلاق.

ومن أمثلة استخدام لفظ الفعل فيما يتعلق بالانسان:
قال تعالى: فى سورة يوسف " قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ {10}
فعبر القرءآن بقوله " إن كنتم فاعلين " أى أن مؤامرة إبعاد يوسف ستكون ضارة لأبيه لأنه سيفقده وضارة ايضا ليوسف لأنه سيفقد والده، وهو بالطبع ضرر مادى.
وفى موضع آخر.. فى سورة الأعراف " وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا " {28} بمعنى وإذا الحقوا ضررا ماديا بمن وقعت عليه حادثة الفاحشة.
وفى سورة البقرة " وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ " {231}
فهنا استخدم اللـــه لفظ " يفعل " أى يلحق ضررا ماديا بإمساكهن ضرارا.

فعل الملائكة:
الملائكة ايضا يفعلون، ينزلون الضرر المادى بأمر اللـــه على من يشاء من عباده. ولقد ورد لفظ يفعلون فيما يتعلق بالملائكة مرتين فى القرءآن الكريم، فكانتا هاتان المرتان إلحاق الضرر المادى سواء فى الدنيا أو الآخرة:
" وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ {49}
يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " {50}
هنا لا يمكن استبدال لفظ يفعلون بلفظ يعملون مع الاحتفاظ للآية بنفس المعنى الذى توحى إليه فلفظ يفعلون هو حال تنزل الملائكة بالضرر والعذاب على الكافرين اثناء لحظات الموت واذا تدبرنا قول اللــه فى سورة الأنعام:
" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ " {93}
وهو إنزال الضرر المادى عذاباعلى الظالمين وحيث يقول اللـــه:
" وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ " {50}
وفى سورة محمد أيضا:
" فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ "{27} هذا كله فى الدنيا أما فى الآخرة فانهم يفعلون ايضا ما يؤمرون.
" َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ " {6}
وهم الذين ذكرهم اللـــه فى سورة المدثر26-31 ونضيف هنا أن للملائكة عملا حسنا بإذن ربهم كما أن لهم فعلا بإذن ربهم وعملهم الحسن وفعلهم يقومون به فى الدنيا والآخرة. أما عملهم الحسن فسنتعرض له فى الجزء الثانى عند تدبر لفظ " الفعل ".

ثانيا لفظ العمل:
فهناك عمل اللـــه – عمل الانسان – عمل الملائكة – عمل الشيطان
مما سبق وضح لنا أن لفظ الفعل معناه هو إحداث الضرر المادى بالغير، ولم يلحق به صفة، أما لفظ العمل ومشتقاته لابد من أن يلحقه صفة لتبين ما إذا كلن حسنا أو سيئا. أما إذا لم يلحقه صفة يستنبط من سياق الكلام صفة هذا العمل ان حسنا أو سيئا، أو أن يكون هناك اختيار بين الحسن والسيئ. ويمكن أن نقسم العمل إلى معنوى ومادى ( ولكل منهما حسن وسيئ ).
عمل اللـــه:
يجب أن نتنبه أن عمل اللـــه كله خير سواءا كان عمل مادى أو معنوى، وأيضا يجب أن نشير إلى أنه فيما يتعلق بحق اللـــه لم يرد لفظ العمل أو مشتقاته فى جميع ءآيات القرءآن غير مرة واحدة بلفظ " عملت "فى سورة يس 71:
" أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ " {71}
هنا يبرز اللـــه فى قوله تعالى " مما عملت ايدينا " حجة من الحجج على قدرته فعبر عنها للناس فى لباس مادى يظهر فى العالم الخارجى فتشعر به الحواس وتطمئن بقدرت اللـــه.
" مما عملت أيدينا " أو مما تولينا نحن احداثه ولم يقدر على إحداثه غيرنا والمفروض أن نكون نحن المالكون ولكن هو القادر فقد خلقها وجعلها هم (الناس) لها مالكون وكأنهم هم المتصرفون تصرف المالك لها.
والتعبير " مما عملت إيدينا " يشير إلى أن هذا الحدث وهنا الأنعام، شيئ واحد من الكل - الذى عملت أيدينا – فهذا جزاء مما عملت أيدينا وخلقناها لكم ونجد أنه تعالى فى مواضع أخرى يوضح أنه ليس فقط الأنعام ولكن كل شيئ من صنعه تعالى وملكه وسخره والانه وطوعه لحاجة البشر. حكمة بالغة وقدرة فائقة ليس لها مثيل. فيجب أن نتدبر ونتدبر لأن هناك الكثير الذى لا ينتهى حتى يوم القيامة من عطاء هذا القرءآن الكريم.

عمل الانسان:
عمل معنوى (حسن وسيئ) – عمل مادى (حسن وسيئ) – وعمل يجمع بينهما.
المعنوى الحسن:
أولا للمؤمنين: قال تعالى فى سورة الأحقاف 15-16: " قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ..... أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا... "
المعنوى السيئ: قال تعالى فى سورة فاطر 36-37 :
" وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ....وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ .... "
المادى الحسن: قال تعالى فى سورة محمد 4-6
" وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ {4} سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ {5} وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ "{6} أنظر سورة السجدة: 16و17
ثانيا غير المؤمنين: قال تعالى فى سورة ابراهيم:18
" مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا
كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ "{18} فهنا يكون لفظ أعمالهم يرجع إلى الأعمال الحسنة وقد مثلها اللـــه بالرماد.
المادى السيئ: القرءآن لم يتحدث عن الكافر فيما يتعلق بلفظ العمل أو مشتقاته وإنما تحدث فقط عن المؤمن الذى يأتى العمل المادى السيئ ، فاتحا أمامه أبواب الأمل فى الرضا واللـــه لا يريد لعباده الكفر. فالمؤمن الذى يضعف أمام نزغ الشيطان، فاللــه يفتح أمامه أبوابا من الرحمة حتى يقوى إيمانه ولا ييأس من رحمة اللـــه، يقول تعالى فى سورة النساء: 110
" وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا "{110}
هنا لم يستخدم اللـــه لفظ يفعل الذى يعبر عن الحدث المادى الضار وانما اختار لفظ يعمل ووصفه بأنه سيئ، ونجد أن اللـــه بين لنا كيف أن لفظ العمل هو الضار بالغير فيقول فى سورة الحجرات: 6
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ "{6}
العمل المجتمع بين المعنوى والمادى:

هذا النوع من العمل هو من اختصاص اللـــه تعالى فى الحساب فقال فى سورة يس: 54
" فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ "{54} استخدم اللـــه هنا لفظ تعملون بما يقوم عليه من القسمين المعنوى والمادى، وأراد اللـــه ان يوضح لنا هذا حيث نتدبر وندرس فقال مفسرا لما سبق فى سورة الكهف: 49
" وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا "{49}
عمل الملائكة: ذكر لفظ العمل أو مشتقاته فى القرءآن الكريم مرة واحدة فيما تعلق بالملائكة فى سورة الأنبياء:26و27
" وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ {26} لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ "{27}
ومن عمل الملائكة فى الدنيا قال تعالى " الذين تتوفاهم الملائكة طيبين..." وعن عمل الملائكة فى الآخرة قال تعالى فى سورة الرعد:23-24
" وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ {23} سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ{24}
عمل الشيطان: " وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ " سورة سبأ 12
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {90}
فان عمل الشيطان هنا هو الوسوسة وليس عمل الخمر والميسر المادى وانما هذا من عمل الانسان.
الخلاصة: أن لفظ الفعل يعبر عن الحاق ضرر مادى بالغير، أما لفظ العمل أو مشتقاته فيجب أن يلحقه وصف هذا العمل سيئا أم حسنا، وفى بعض الأحيان لا يلحقه صفته فإما تفهم من سياق الكلام وإما ان يكون هناك تخيير بين الحسن والسيئ، ولا نغفل عن أن لفظ العمل الحسن للانسان هو الايمان.

بعون اللـــه فى الدرس القادم سنختم موضوع تدبر ودراسة ءآيات اللـــه بعرض أمثلة بخطوات مقترحة للتدبر إن شاء اللـــه تعالى.

اجمالي القراءات 13839

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   زهير قوطرش     في   الإثنين ١٧ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[18364]

الأخ محمد

أولا .حياك الله ،وأطال في عمرك ،وأعطاك الصحة ،وجزاك الله خيرا عن كل كلمة تكتبها لنا من على هذا الموقع ،لإنك تملك أسلوبا سهلاً يفهمه حتى  عامة الناس إن هم دققوا في تلك المعاني، وصدقني في كل مقالة من مقالاتك اتعلم شيئا جديداً ،وأعلمه لمن حولي ,اطلب إليهم ان ينقلوا ذلك الى  الأخرين ،تصور كم ستنال من الحسنات على كل حرف كتبته إن شاء الله ،رغم قناعتي أنك من الذين يعملون ويجاهدون ،ولا يبغون إلا رضى الله عز وجل .شكرا لك وخاصة لتوضيحك معنى العمل والفعل الذي جرى عليهما نقاشا ًطويلاً .


2   تعليق بواسطة   محمد صادق     في   الثلاثاء ٠١ - أبريل - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[19307]

اخى الحبيب الأستاذ زهير قوطرش

أخى زهير، صدقنى ان كل تعليق لك على اى مقالة كتبتها كان ينتابنى الخجل حتى لا استطيع الرد وانى لا استحق كل ما قلته فى كل تعليقاتك. وانى افتخر بمعرفتك والتعامل معك حتى ولو بعدت الشقة ولكن اشكر اللــه تعالى على وجود هذا الموقع الذى كان السبب فى هذا اللقاء وأدعو من اللــه السميع العليم أن يديم عليك نعمه ويحسن خاتمتنا ويلحقنا بالصالحين.


لك منى ألف تحية وكل تقدير والسلام عليكم ورحمة اللـــه وبركاته.


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-10-30
مقالات منشورة : 443
اجمالي القراءات : 7,003,525
تعليقات له : 699
تعليقات عليه : 1,402
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Canada