لماذا نحن لسنا آلهة؟

سامح عسكر Ýí 2014-11-08


سؤال قد يبدو سطحياً أو مصادرة على المطلوب، لكن به دلالة قد يفهم الإنسان بها معنى أن يكون إنساناً أو إنساناً متدينا.

الإله كي يكون إلهاً يجب أن تكون له صفات الكمال التي من أجلها يُعبد ويُطاع، فصفات مثل القوة والحكمة والرحمة والمُلك تعني عندما تُطلق على الإله..كمال القوة وكمال الحكمة..إلخ، لكن عندما تُطلق على الإنسان تعني وجود القوة ووجود الحكمة.

وهذا معنى أننا لسنا آلهة..

فالقوة والحكمة لدى البشر موجودة لكن ليست مطلقة، ولأن البشر مختلفون ومتباينون فتتنوع هذه القدرة حسب طبيعة الاختلاف وبالتالي تتوزع هذه القدرة بين الناس .

لماذا هذا الكلام رغم بديهيته؟

لأن المتطرف لا يؤمن بهذا التصنيف، ويدعي لنفسه كل صفات الإله من كمال القدرة والحكمة والرحمة والمُلك، هو عندما يملك يريد أن يملك الجميع، وعندما يرحم يظن أن رحمته لا تساويها رحمة من بني جنسه، وهذا مبعث الشيطنة وأصل مشاعر الكراهية لديه، حقيقة حصر القيم الأخلاقية (كالرحمة) والقيم الكمّية(كالقوة) في نفسه، فيقوم مباشرة بنزع كل هذه القيم عن مخالفيه بمنطق لا حق للقوة أو للأخلاق إلا له ولجماعته أو مذهبه.

لا يؤمن مثلاً أن شعوب الصين واليابان رغم بوذيتهم ولادينيتهم أنهم أعظم منه أخلاقاً وأحرص منه على الصدق، وإن بدا له ذلك يقوم بترجمة ما يراه ويسمعه منهم بمنطق.."حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة"..والسبب أنه عاجز على أن يكون مثلهم،فضلاً على أنه يفكر بطريقة إلهية وليست بشرية –كما قلنا- وإلا السؤال في المقابل، من أدراك أن هؤلاء الصينيين واليابانيين حبطت أعمالهم ولا وزن لهم عند الإله؟

سيقول أن القرآن يُقر ذلك ، قلنا هذا باطل من وجهين، الأول: أن إحباط الأعمال على مدار القرآن مرده إلى الكفر بآيات الله، والكفر يعني معرفة حقائق هذه الآيات وإنكارها، فإذا لم يعرفها فهو ليس بكافر، الثاني: أن البشر جميعهم مؤمنون بآيات الله، ولكن بنسب تقديرية مختلفة، فأنت مثلاً تؤمن بوحدانية الله ولقاءه في الآخرة، هذه آية، بينما الصينيون هم أعظم منك أخلاقاً وأحرص على الصدق مع النفس والغير، وهذا إيمان بالإنسان الذي هو آية من آيات الله.

في المقابل من يُقلد أو يسعى إلى الفتنة هو ممن حبطت أعمالهم، قال تعالى في ذم التقليد واعتباره محبطاً للأعمال .." كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون" ..(التوبة:69)

كذلك من يسعى إلى الفتنة هو ممن حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة قال تعالى.." يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون".. (البقرة :217 )

أي أن الله لا يقول بإحباط الأعمال هكذا لغير المسلمين بتعسف، بل هناك شروط يجب توافرها في الشخص وقد يكون مسلما ويحبط عمله إذا حصل على شرط الكفر بآيات الله.

في تقديري أن أصحاب منطق.."إحباط الاعمال".. يعتقدون بالألوهية كشعور فوقي وبالحقد كشعور إنساني، فإطلاق أحكام الكفر في حق الغير يدل على نفس علوية تعني معرفة مصائر الناس، وهذه قرينة تدل على أن هؤلاء في حقائقهم يعتقدون أنهم آلهة وإن لم يفطن بعضهم لما هو عليه.

أما شعورهم بالحقد فيعنون به كل مخالف يرونه كاسراً لمنطق الألوهية الذي يحصر كل القيم الأخلاقية والكمّية فيهم، فيحقدون مثلاً على الصوفي إذا تواضع، وعلى الياباني إذا صدق، وعلى الأمريكي إذا تقدم، وعلى اللاتيني إذا أصبح شجاعاً.

لأن المتطرف في النهاية يعتقد بالفوقية كإله، وبالحقدكإنسان، الأولى هي مبعث الشيطنة لديه ..كما تقدم، والثانية هي مبعث العنف، فإذا ما تحقق للمتطرف أن يكون فوقياً أو حاقداً وصل إلى قمة الفساد ، وهؤلاء هم من تصدوا للأنبياء، إذ اعتقدوا بألوهيتهم وفوقيتهم ضمناً، وحقدوا على الأنبياء لشعورهم أنهم أعلى منهم شأناً وأرفع منزلة.

بني إسرائيل في القرآن هم رمز واضح لذلك

تطرفوا وتشددوا وعسّروا..فكان أن اعتقدوا الألوهية وحقدوا على كل مخالف نبيل، وشاع فيهم القتل حتى نزل فيهم قوله تعالى..." من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون".. (المائدة :32)

أي من أجل قتلهم لأنفسهم وللناس وإفسادهم كتبنا عليهم أن كل نفس بشرية يقتلونها هي عند الله كقتل الناس جميعا، وهذا قانون إلهي يُشبه حالات الطوارئ، أي أنه لو لم يكونوا من القاتلين أو المتطرفين ما كان الله أن يفرض عليهم قانوناً بهذا الشكل.

نحن بحاجة إلى أن نتعامل بذواتنا كبشر، وليس برغباتنا كآلهة، لأن معرفتنا بأنفسنا تكفل لنا معرفتنا بالله، فالبشر بشر والإله إله، ويوم أن يكسر أحد هذه القاعدة سينتشر الفساد ويعم القتل، ونكون كبني إسرائيل الذي نزل فيهم قانون طوارئ يُكبح جماحهم ويحد من فسادهم وفتنتهم.
اجمالي القراءات 6311

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2012-09-25
مقالات منشورة : 788
اجمالي القراءات : 7,600,044
تعليقات له : 102
تعليقات عليه : 411
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt