رسالة من حزب الكنبة

سامح عسكر Ýí 2013-08-30


من الأخطاء المشهورة لدينا هو أننا نظن إمكانية توجيه أو تغيير الآراء السلبية المعروفة لدينا بأمثلتها العامية.."مالناش دعوة-ومن خاف سلم-وخلينا في حالنا".. ومع اعتراضي على هذا التوجه إلا أنني مجبر على مناقشته من جوانب أخرى لا تقل أهمية..فالخطأ في تصورنا نقل هذا الرأي إلى ساحة العمل وهو يرى أن هذه الساحة قد تمس أمنه ومصالحه، لأن قضية الأمن والمصلحة لديه هي الأساس، وهي فوق كل اعتبار، ويتساوى في ذلك الغني مع الفقير، حتى أبناء الطبقة الوسطى -القريبين إلى فكرة المعارضة- فالأمن لديهم أصل لا غِنى عنه، ومع شعورهم بالخوف من الاستبداد- أن يجعلهم فقراء- إلا أنهم يعجزون عن تحريك الشارع.

مبدأياً هذا التوجه السلبي هو إنساني وإن كنا نراه سلبياً إلا أن وجوده ضروري للحفاظ على البِنية العامة للمجتمع وإبعادها عن ساحات الصراع...ففي المجتمعات التي تختفي منها هذه الطبقة تكاد تكون مجتمعات حربية لا تفارقها الأزمات ، وهي تعمل دوماً على تبريد الأجواء وإشاعة روح التصالح ونبذ الخلافات، أي أن سلبيتها تُقابل نزعة لديها مألوفة تحافظ على قِيم المجتمع وأصالته.

في كل مجتمع سنرى هذه الطبقة بوضوح، وفي تقديري أنها طبقة تتسم بالاستقلال لابد منها، وأبنائها في مجملهم قد لا يُألون بالاً للصراع السياسي، ولكن نشاطهم داخل المجتمع لا يقل نشاطاً عن الشرائح الأخرى، فهم يواجهون الفساد والظلم مثلما يواجهه الآخرون، ومُخطئ من يظن في هؤلاء شر على المجتمع بل هم خير...سيكونون شراً في حالة واحدة وهي إذا امتنعت طبقة المفكرين والنُشطاء عن دورهم في إصلاح المجتمع، وقتها سيكونون حلقة من حلقات الجهل والفقر والظلم، ويخرجون من هذه الحلقة فور مبادرة طبقة المفكرين في الظهور العلني والشجاعة في طرح آرائهم..سيظلون على جانبهم السلبي من الناحية العملية، ولكن من الناحية النظرية سينشطون كذلك في طرح آرائهم وتوسيع رقعات الحوار.

لو أردنا تقريب المسألة ذهنياً فلدينا في مصر هذه الحالة واضحة تكاد لا تُخطئها العين، فبعد عقود طويلة من حصار طبقة المفكرين والنشطاء إما داخل السجون أو داخل الكُتب ..كان الشعب المصري في معظمه سلبياً وانتشر هذا التوجه وفشت في الناس تلك المقولات الدالة على نفسية وعقلية تلك الشريحة، على أن الشعب المصري كان كذلك ولكن كان مشهوداً له بالسِلمية ونُصرة قضايا الأمن القومي سواء الوطني أو العربي أو الإسلامي، والسبب كان- ولا يزال- في طبيعته الغير حِزبية والغير طائفية مما يُقلل معه الاهتمام بالجانب السياسي عدا ما يخص مصالحه وطريقة معيشته.

ولكن ما إن خرج المفكرين من أقبيتهم ووصلت أفكار النشطاء إلى العامة حتى شاع بين الشعب المصري الكلام في السياسة بل وفي النقد..تلك الحالة لا تُفارق أذهان الفلاسفة ويضعون لها التصورات والتنبؤات، وأولى التنبؤات -التي وفي تقديري أنها حدثت -هي أن الشعب المصري قد نجح في إعادة الوعي القومي لديه، وإزالة الرواسب النفسية والحواجر العقلية بينه وبين الجهاز الأمني بالكامل، وهذه هي أولى الخطوات التي تؤسس لبناء مجتمعي وسياسي فريد داخل الدولة.

من جهة أخرى فالجانب الثوري لدى هذه الشريحة معدوم، لأن الثورة تتطلب فكرة الخروج عن المألوف، وهؤلاء لا يعقلون هذه الفكرة، بل يرون في المألوف حالة طبيعية وضرورية لبقائهم وبقاء مجتمعهم، ولا نقصد بالجانب الثوري السياسي فقط بل بالجانب الثوري الديني وتجديد التراث والنَظَر في الأدلة..لأنه وفي تقديري أن هذه الشريحة هي الأقرب لحالات التطرف من غيرها، والسبب في استستلامها للجهل وعدم السؤال،حتى إذا ما نَشِطَ الشيوخ في ترويج آرائهم فلن يساعدهم إلا أبناء هذه الطبقة..كل هذا في حال ضعف طبقة المفكرين والنشطاء، لأن ضعف هذه الطبقة كافٍ-وحسب نظرية الفراغ-لشيوع الجانب المتطرف والإقصائي لدى العامة.

ما حدث في مصر مؤخراً والثورة على الإخوان هو أن المفكرين والنُشطاء قد نجحوا في الوصول إلى هذه الشريحة، ساعدهم في ذلك -كما قلت من قبل -عنصرية الإخوان وتعاليهم على أبناء الشعب، إضافة إلى الكم الرهيب من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي رافقت حُكم الإخوان، لكن –وهذه زبدة المقال-أن تلك الشريحة السلبية لا زالت عُرضة للاستغلال ولتكرار تجربة الإخوان، وليكن في المعلوم أيضاً أن رفض الشعب للإخوان هو رفض يمس جانب الهوية بالأساس، لأن الإخوان جماعة عنصرية زرعت لها هوية خاصة داخل المجتمع المصري..فإذا ظهرت لنا جماعة أخرى أو تيار آخر –على نفس شاكلة الإخوان- يُعالج قضية الهوية ويلتزم معها بأفكار الجماعة فقد ينجح في استغلال هذه الطبقة لصالحه.

اجمالي القراءات 7237

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2012-09-25
مقالات منشورة : 788
اجمالي القراءات : 7,600,095
تعليقات له : 102
تعليقات عليه : 411
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt