عقدة الاضطهاد عند الإخوان(2)

سامح عسكر Ýí 2013-07-21


 

بالتأكيد موقف تركيا من ثورة يونيو يثير استحسان الإخوان، وهو يمثل قشة النجاة بين أمواج متلاطمة ربما تقذفهم خارج مصر أو خارج التاريخ، ويعود ذلك إلى أن الوعي الأردوجاني يشبه الوعي الإخواني من حيثية تصور الدين والسياسة إلى حد كبير، رغم تصريح أردوجان من قبل بأن العلمانية هي الحل الأمثل للتقدم، بينما كان الإخوان يصرخون من العلمانية جهراً وهم يمارسونها سرا، ليقينهم بأن إشكالية السلطة والمعارضة تفرض عليهم تبادل الأدوار والمواقع في النظام الديمقراطي.



بل كان دستورهم الذي فرضوه على الشعب علمانياً صِرفاً بتحقيقه كافة المبادئ التي قامت عليها العلمانية، بل كان سلوكهم في مصر علماني كونهم يفصلون بين الدين من حيثيته كعبادة وأخلاق وبين السياسة من حيثيتها كإدارة وأحزاب تتنافس على السلطة، وقد استمعنا من قبل إلى وزير الأوقاف الإخواني.."طلعت عفيفي"..يصرح بأن على الخطباء أن لا يتحدثون في السياسة...وهذا مبدأ من مبادئ العلمانية بأن أماكن العبادة مختلفة عن أماكن السياسة والحُكم...وبالتالي كانت وظائفهم مختلفة ومتباينة من حيث المنهج.

تفسيري الوحيد لهذا التناقض والتعارض لديهم هو أن النزعة الشكلية عن الدين تسيطر على خيالات الإخوان والسلطة في تركيا بشكلٍ واضح، فحجاب زوجة أردوجان يمثل لديهم جوهر الدين، رغم أن جميع بنوك تركيا ربوية، وكافة قوانين تركيا مدنية تتعارض مع رؤية.. "الإسلاميين"..للحُكم..كذلك فحجاب زوجات الإخوان يمثل نفس القيمة، فهم على استعداد أن يجاهدوا بأنفسهم من أجل الحجاب..ولكنهم غير مستعدين للتضحية بأنفسهم من أجل الفقير والقضاء على الربا وإرساء العدالة السياسية والدينية والاجتماعية، بل هم على استعداد للحرب مع الحرية بحجة الولاء والبراء، رغم أن الحرية أصل من أصول الدين لا يقوم الدين إلا به.

هكذا كان هو التحالف الإخواني الأردوجاني يظهر لنا بأنه تحالفاً شكلياً لا يمثل جوهر الدين ويتعارض مع المنطق السياسي الذي يحكمه المصلحة، وقد بدت لنا تجلياته في الخيانة التركية للشعب السوري بدعمها للإرهابيين وإيوائها لإخوان سوريا وتسليحهم للقضاء على ما تبقى من سوريا أرضاً وشعبا..كذلك في جعل تركيا مسرحاً تُقام عليه كافة عروض الأسلمة السياسية ووكراً تجتمع فيه كافة ضباع الإرهاب والعنف في العالم، بل يجري الترويج في تركيا للطائفية واستعمال مصطلحات وألفاظ تزيد من حدة الاحتقان الطائفي كألفاظ.."السنة والجماعة والتحالف السني"..وما إلى ذلك من ألفاظ أصبح ترويجها في الإعلام التركي شيئاً معهودا..وهم مع كافة هزائمهم وثورات الشعوب ضدهم لا توجد لديهم أي بوادر لمراجعة هذه المناهج الكارثية.

ربما تأتي هذه المراجعة ولكن ليس قبل الإقرار بأن الالتزام بقواعد اللعبة الديمقراطية يتفق مع جوهر الدين، وبذلك يجري نزع الرغبة الحادة في السلطة كونها جامحة قد تتخطى حاجز الديمقراطية إلى الانفراد بالرأي وتكوين جبهات على أساس عقدي أو أيدلوجي مثلما حدث في مصر، فالرغبة الجامحة في السلطة من قِبَل الإخوان أجبرتهم على تكوين جبهات سياسية على أساس عقدي وأيدلوجي معاً، فتم استبعاد كل من يختلف مع الإخوان من حيث هذه الرؤية الثُنائية.. وجرى تغليف هذا العمل بمواقف بعض المنتفعين لئلا يُقال أن الإخوان إقصائيون.

ولكن ما فضحهم أنهم لعبوا هذه اللعبة بسذاجة بالحرص على نوعية ودرجة المادة الفكرية والسياسية التي يقدمونها للإعلام، بينما ظلوا على مستوى القواعد يروجون لهذا المنهج الإقصائي معتبرين أن الشعب والإعلام في غفلة عن هذه الأعمال، كذلك وعبر هذا التحالف الإقصائي ظهر لدينا من هم أقل في المستوى من حيث العقل والكفاءة، فرأينا الشيوخ وهم يتحاكون بمناماتهم الخُزعبلاتية عن أن الله سينصر الإخوان والرئيس السابق مرسي، ولم ينتبهوا إلى أن الشعب كان يُحمّل مسئولية ما قاله الشيوخ للجماعة وللرئيس، كونهم يتحدثون من على منبر الجماعة ويقفون معها في صفٍ واحد، ويقدمون خطاباً واحدا.

هم حتى الآن في أدبياتهم لا يستطيعون فض الاشتباك بين ما هو سياسي وبين ما هو ديني، بدليل أنهم ينفون عن أنفسهم تُهمة التكفير وفي نفس الوقت يُجاهرون بأن الخصومة ليست مع الإخوان ولكنها مع الإسلام، فلم يكن لخطابهم الديمقراطي أي مصداقية قد تُشجع الآخر على الحوار، فظهر من سلوكهم بأنهم يقولون ما لا يفعلون، وأن التقية أصبحت عنوان الجماعة بشكلٍ واضح، وهذا كله نتيجة لرفضهم فك أي روابط تنظيمية ما بين الأحزاب والجماعات الدينية المسيطرة على توجهات هذه الأحزاب.

هذه التركيبة العقلية والمنهجية للجماعات الدينية لم تكن سهلة التفكيك كي يجري اعتمادها كمنهج حقيقي وواضح، فحسب الرؤية الديكارتية لا تكون الفكرة صادقة إلا بوضوحها وإلا فهي كاذبة، ويعود ذلك إلى أن وضوح الفكرة تكن قابلة لتصورها في كل المواقف، فكل فكرة لها دور وظيفي تؤديه ضمن النظام الكوني، وعدم وضوحها يعني أن هناك خللاً في تصور هذا النظام الكوني، هم حتى الآن ورغم مآسيهم مع الشعب والجيش غير قادرين على التخلص من وهم الخلافة والأستاذية المسيطر على خيالات الحمقى منهم..وهذه دلالة الخلل المنهجي لديهم والذي يفرض أن تكون الأفكار قابلة للتطبيق بنزعها من عمومها وشمولها إلى إجراءات وتطبيقات على الأرض.

ليس هكذا فحسب بل يجب أن تتسق مع المعايير التي وضعوها لأنفسهم، وفي تقديري أنه لا يوجد معيار واحد استطاعوا تحقيقه، فالإسلام يكرم المرأة ورغم ذلك هي فتنة ويجب ختانها وضربها وأن دورها في المجتمع ثانوي وما إلى ذلك من إجحاف في حق المرأة، فكيف لهم أن يقولوا أن الإسلام يكرم المرأة بعد كل هذا التجاوز؟!..قِس على ذلك مسائل أخرى جميعها إشكاليات تراثية وفقهية لها تجليات سياسية واجتماعية في وعي الجماعات، فلو كانوا بحق يريدون تسويق صورة الإسلام السَمِحة فكان عليهم أن يبادروا بالنظر في التراث، وأن يقبلوا الاجتهاد في حقه، عدا ذلك فسيظهر من سلوكهم ما تمتعض منه الجماهير، ويعرفون أن ما تروجه الجماعات الدينية ليس هو الإسلام الصحيح..

هم وقعوا في هذه الأزمة وأصبحوا بين طرفي كماشة ،من جهة الجماهير والمثقفين، ومن جهة الأحزاب وأرباب السياسة، فجهلهم بالتراث وانسياقهم وراء التقليد الفج أثّر على وعيهم بالمفاهيم العصرية، وعجزوا عن تكوين فكرة واقعية عن الدولة الحديثة، ولمن يريد التأكد من وضوح هذه الأزمة لديهم فليُراجع ما حدث معهم من صدام مع مؤسسات الدولة التنظيمية والخدمية، فلو كانوا يفهمون ما هي الدولة ما كان لهم أن يصطدموا معها..هم بكل الأحوال كانوا ضد الدولة العصرية من كل الجوانب، ومفهومهم عن الدولة لا يتسق مع كونها جمهورية ديمقراطية دستورية، فهم يريدونها دولة دينية تحل فيها المحكمة الشرعية محل المحكمة الدستورية،وهذا يفسر صدامهم الفاضح مع هذه المحكمة التي وحسب آلياتها ووظيفتها اصطدمت مع أحلام الجماعة التي رأت في الدستور والمحكمة المختصة به عائقاً أمام تكوين الحكومة "الإسلامية" التي بشرنا بها كبار مفكري الجماعة في عصر التبشير بالمشروع المسمى"بالإسلامي".

أصبحنا في الأخير أمام فكرة مغلوطة أرادت تحقيق أهداف، وكلما ظهر عجزها عن تحقيقها لجأوا للتعليل بأسباب ميتافيزيقية، وغضوا الطرف عن المكون الأصلي للمشكلة وتأخرهم بل وعجزهم عن تحقيق هذه الأهداف، هذا المكون كان ينبغي أن يمس جدار المعرفة لا جدار الدين، فالمعرفة لا حدود لها بينما الدين يناقش جانباً أو عدة جوانب معرفية بعضها أصل، وهو مع ذلك لا ينفتح على كافة المعارف، فظن هؤلاء أنه وبالدين وحده يستطيعون إقامة مشروع سياسي وديني متكامل ..وهذه دروشة لا علاقة لها بالواقع، بل الدين نفسه يرفضها، كون الدين بالأصل يحض على التوسع في المعارف والعلوم، ولكنه لم يناقشها ولم يتعرض لها لا أصلاً ولا فرعا.

فالنظام الديني يتطلب المعرفة بأحوال الناس لإنزال الفقه عليهم، وإلا فسيكون الإفتاء المعلوم على أشياء مجهولة، كيف يُفتي الرجال في أحوال النساء وهم يجهلون مشاعر الأنثى وتكوينها الفسيولوجي والفكري؟.. كيف يُفتي البعض ممن فتح الله عليهم بالمال في أحوال الفقراء؟..بل كيف يُفتي الفقير في أحوال الأغنياء؟...وهكذا..نحن أمام معضلة شاملة تسببت في تكوين رواسب وأحقاد ومظالم شتى..إن تنظيم هذه المسائل هو من صميم المعرفة، وهي عماد من أعمدة النظام الديني والذي يُقصد به النَسَق الفكري لا النظام السياسي، فثمة فارق بين تجارب الحُكم السياسية وبين علاقة العبد بربه، وكما أشرنا من قبل بأن الفصل التام بين الدين والدولة هو ضرورة أخلاقية تفرضها معايير الدين، وأن الخلط بين الدولة والسياسة هو الذي يُنتج هذا التعارض واللبس لدى العديد ممن تعلقوا بالألفاظ على حساب المقاصد.

اجمالي القراءات 8034

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2012-09-25
مقالات منشورة : 788
اجمالي القراءات : 7,607,556
تعليقات له : 102
تعليقات عليه : 411
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt