كتاب الحج ب 2 ف 8 :( تواتر الانحلال الخلقى الجاهلى فى مكة وخارجها )

آحمد صبحي منصور Ýí 2013-02-20


كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين

الباب الثانى : الدين السّنى وصناعة تشريع الحج .

الفصل الثامن  : تواتر الانحلال الخلقى الجاهلى  فى مكة وخارجها

مقدمة : كان الانحلال الخلقى فى الجاهلية هو الأرضية الاجتماعية التى تأسس عليها تواتر قريش الباطل فى مناسك الحج . وقد استمر هذا الانحلال الخلقى بعد الاسلام بانتصار قريش ، مما ساعد على استمرار التواتر القرشى فى الحج . لذا نعطى فكرة سريعة عن هذا الانحلال الخلقى الذى كان تمهيدا لعودة التواتر الباطل فى مناسك الحج بعد موت النبى عليه السلام .    

المزيد مثل هذا المقال :

 أولا : الانحلال الخلقى فى العصر الجاهلى  

1 ـ لا يخلو أى مجتمع من وجود الفواحش . ولكن قد تتحول من ظاهرة إنسانية عادية الى حالة مرضية ( من المرض ) عندما تسود وتصبح عادة إجتماعية ودينا. وهذا ما ساد فى مكة وكان لبّ التواتر القرشى فى الحج كما سنعرض له فى الفصل القادم .

2 ـ ثقافة الانحلال الخلقى فى العصر الجاهلى تعتبر المرأة سلعة بشرية للمُتعة، وهذا أساس التشريع السّنّى الوهابى نحو المرأة والمتاُثّر بالثقافة العربية الجاهلية. وهذه الثقافة نتاج للحياة الصحراوية ، حيث لا إستقرار ينشىء دولة كالبيئة النهرية ، حيث يتعاون الرجل والمرأة فى البيت والحقل ، بل قبيلة أشبه بدولة متحركة يتسيدها الذكور ، وتتعيش فيها القبيلة على تتبع مواطن العُشب والكلأ ، وتتقاتل مع القبائل الأخرى حول الماء والعشب ، وبالتالى فالرجل هو يتكفّل بالانفاق على المرأة والدفاع عنها  . وفى مجتمع يتعيش على الاغارات كان السلب والنهب للابل والمال والمتاع مقترنا بسبى النساء ، ولم يكن عيبا أن تستسلم المرأة لمن يسبيها طالما عجز زوجها عن حمايتها ، فهى مملوكة لمن يقدر على حمايتها . وفى سيرة مشاهير الفوارس العرب نجد تفاخرهم بسبى العشرات من النساء، وطال السبى أمهات كثيرات بلا عيب ولا حرج . هذا الى ما عرفه العرب من أنواع مختلفة من الزواج ، كان بعضها تقنينا للزنا مثل زواج الاستبضاع ، أى يرسل الزوج زوجته لتعاشر رجلا آخر وسيما أوقويا لتنجب منه إبنا يشبهه، أو يتزوج عدة رجال إمرأة واحدة يتبادلون الزنا بها فإذا حملت تلصق الوليد بمن تشاء منهم . الى جانب ذلك عرف العرب ( أصحاب الرايات الحمر ) أو ( إحتراف البغى ) ، وكان تجارة يمتهنها الأشراف والملأ من القوم بلا عيب ولا حرج . وهذا مفهوم فى مجتمع صحراوى ذىطبيعة متحررة يعيش فى مناخ حار وسط فراغ ويحتاج الى التسلية ، ولم يمتلك من ترف التسلية إلا القليل ، فكان الزنا وسيلة المتعة .

3 ـ ولشيوع الزنا وإدمانه بين الأشراف بلا نكير فقد لحق التحسين اللغوى كلمة (الزنا ) فتحول فى لسانهم الى ( بغاء) من (إبتغى وبغى واشتهى ورغب فى ). وحتى الآن يقال فى الجزيرة العربية ( أبغى ) أى أريد وابتغى . وكان يقال فى الجاهلية ( أبتغى بغيا ).

ولم يكن الزنا عارا يحمله أبناء العاهرات ، فقد كانت النابغة ام (عمرو بن العاص)( بغيا ) أشهر (عاهرة) فى مكة وأرخصهن أجرة،(. . فوقع عليها أبو لهب وأمية بن خلف الجمحي وهشام بن المغيرة  وأبو سفيان والعاص بن وائل السهمي .. فولدت " عمرا ... فأدعاه كل منهم ، فحكمت أمه فيه فقالت : هو من العاص . فقال أبو سفيان : . اما أني لا اشك أني وضعته في رحم أمه . فأبت الا العاص .).!!.

ومشهور إستلحاق زياد بن ابيه بأبى سفيان، لارتباطه بأحداث تاريخية فارقة ، وقد تعرضنا لهذا بالتفصيل فى سلسلة مقالات ( وعظ السلاطين ) ، وفى عام 42 تم الاستلحاق، إذ عقد الخليفة معاوية مجلسا أحضر اليه وجوه الناس ، وأحضر من يشهد لزياد ، وكان فيمن حضر أبو مريم السلولي.(.. فقال له معاوية‏:‏ بم تشهد يا أبا مريم ؟ فقال‏:‏ أنا أشهد أن أبا سفيان حضر عندي وطلب مني بغيًا ، فقلت له‏:‏ ليس عندي إلا سمية، فقال‏:‏ إيتني بها على قذرها ووضرها ، فأتيته بها ، فخلا معها ، ثم خرجت من عنده ، وإن إسكتيها لتقطران منيًا‏ ..).

4 ـ وهذا الانحلال الشائع المتعارف عليه بلا إنكار أوجد ما يعرف بطبقة ( أولاد الزنا ) ، واشتهر من هذه الطبقة الشاعر ( الحطيئة )، وهو شاعر مخضرم أدرك الجاهلية وعاش حتى خلافة ( عمر ) ، وقد أسلم ثم ارتدّ وهجا أبا بكر ، ثم عاد الى الاسلام .  قالوا عنه : ( إنه كان من أولاد الزنا الذين شرفوا .ونسبه متدافع بين القبائل . (أى كانت علاقات أمه على مستوى القبائل).  وامّه كان اسمها الضرّاء ، وقد سالها من أبوه ؟ فخلطت عليه فقال :

تقول لى الضراء لست لواحد   ولا اثنين فانظر كيف شرك أولئكما

وأنت أمرؤ تبغى أبا قد ضللته     هبلت ، ألمّا تستفق من ضلالكا

وكان الذى تزوج أمه من ولد الزنا أيضا ، واسمه الكلب بن كنيس ، أى كان معروف الأب .

 ثانيا : موقف الاسلام فى مواجهة هذا الانحلال الخلقى

1 ـ  ولم تكن يثرب ( المدينة ) بمعزل عن هذا الانحلال الخلقى ، وبعد هجرة النبى عليه السلام والمسلمين اليها نزلت تشريعات القرآن فى الاصلاح الدينى والأخلاقى ، ومنها مواجهة هذا الانحلال .

2 ـ وبعض هذه التشريعات نزلت تعلّق على ما يحدث فى المدينة مثل غيرها، مثل تحريم زواج الاستبضاع ( الممتحنة 12 )، وكان من حق مالك الجارية أن يضاجعها فنزلت تشريعات الاسلام تجعل للجارية مهرا، ولا يضاجعها مالكها إلا بعقد زواج ومهر ، كما حرّم رب العزة زواج السفاح وزواج الأخدان وجعل عقوبة المملوكة نصف عقوبة الحرّة فى الزنا المثبت :( النساء 24 : 25) بعدها قال جل وعلا للمؤمنين:( يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27)(النساء). وواضح أن الذين يتبعون الشهوات هم ارباب الانحلال الخلقى. وردّا على إستنكافهم من الزواج بالجوارى المملوكات نزل القرآن يشجّع على الزواج بالصالحين والصالحات من الرقيق مع وعد بأن يغنيهم الله جل وعلا من فضله::(وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) النور) ويحضّ على العفّة الجنسية ويشجع على تحرير الرقيق بالمكاتبة ، ويحرّم إكراه الجارية على احتراف الزنا ، ولا يجعل عليها عقوبة بسببب الإكراه : ( وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) النور).وبعدها يقول جل وعلا للمؤمنين :( وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِنْ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34).( النور).

3 ـ وحيث تكاثرت أعداد أبناء الزنا فقد شاع التبنى وأصبح للأبن بالتبنى نفس حقوق الابن الحقيقى ، فنزل تشريع القرآن يمنع هذا ، ويأمر بأن يحمل الابن المتبنى إسم أبيه الحقيقى إن كان معروفا ، وإلا فهو أخّ فى الدين لكل المسلمين: ( وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5)( الاحزاب ).

4 ـ وكان للمنافقين فى المدينة دور سىء سلبى فى الحض على المنكر وتشجيعه ، وقام بهذا الدور الرجال منهم والنساء يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، فتوعّدهم الله جل وعلا بالعذاب : (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)(التوبة). كانوا( يحبّون) أن تشيع الفاحشة بين الذين آمنوا، وتوعّد رب العزة بعقوبة دنيوية وأخروية من ( يحب) أن تشيع الفاحشة فى المؤمنين:( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19) النور) .على أنهم لم يكتفوا بالأمنيات ، بل قرنوها بالعمل ، فقد كان فى المدينة نساء متبرجات يتتبعهن الزناة فنزل تشريع خاص فى الزى المحتشم للإفلات من مطاردة أولئك الزناة :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا )( الاحزاب 59 ).

5 ـ ولقطع الطريق على الزنا فقد إتّخذ التشريع الاسلامى تدابير إستثنائية لتجفيف مقدماته ووسائله ، منها آداب الاستئذان من الخارج (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27: 29 ) النور ) وفى الداخل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ..) (58: 59) وأمر النساء المتقدمات فى السّن بالعفة والاقتصاد فى الزينة:( وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّوَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)( النور)، ونزل تشريع الزى والزينة وتحريم مقدمات الزنا كالنظرة الشهوانية والأمر بالعفة عن الزنا :( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا )،وتنتهى الآية بالأمر للمؤمنين بالتوبة أملا فى الفلاح يوم القيامة:(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)  )(النور 30 : 31 )..ونزلت عقوبة مائة جلدة فى الزنا المثبت بالدليل عند الاصرار عليه وعدم التوبة منه ، ومنع الزواج من الزانى والزانية ، وثمانين جلدة عقوبة من يقذف المحصنات العفيفات بلا دليل، وعقوبة الحرابة لمن يقطع الطريق يقتل ويسبى ويغتصب.

ثالثا : الفتوحات أعادت الانحلال الخلقى فى عصر الراشدين بسلب ثروات الأمم المفتوحة

1 ـ على إن الاسلام لم يحتل سوى فترة زمنية قصيرة فى خضم هذا التواتر الجاهلى فى الانحلال الخلقى ، ومنتظر أن لا تجد تعاليمه الإصلاحية وحربه للزنا والفواحش أذنا صاغية فاستمرت مع الصحابة فى عهد الخلفاء الراشدين والأمويين وهم الأقرب الى عهد النبوة المُضىء، وعزّزها الدور السلبى للفتوحات التى  أعادت الثقافة الجاهلية فى السلب والنهب والسبى تحت شعار الجهاد الاسلامى ، وهذا التضليل الذى تم إرتكابه واقعيا ما لبث أن قام الدين السّنى بتشريعه وجعله فريضة ، ويمارسها الآن الوهابيون وينسبونها للاسلام .!!.

2 ـ وفي تاريخ الطبري مئاتالصفحات عن القتل والسلب والسبي فى الفتوحات ، نقتطف هذه الاسطر التي يحكيها احد الجنود العربوهو " محفز" الذي شارك في موقعة جلولاء سنة 16 هـ ، في ايران ، يقول ( ودخلواالمدائن ، ولقد اصبت بها تمثالا لو قسم في بكر بن وائل لسد منهم مسدا ، عليه جوهرفأديته ) أي سلمه للجيش .. الي ان يقول ( فاذا امرأة كالغزال في حسن الشمس فأخذتهاوثيابها ، فأديت الثياب ، وطلبت في الجارية حتي صارت لي ، فاتخذتها ام ولد : الطبري  [4/ 26 : 27 ) ويذكر الطبري عن غنائم العرب بعد فتح المدائن ما يفوق الخيال ، منالذهب والجواهر وكنوز كسري وعرشه ، حتي كانوا يجدون بعض البيوت مليئة بالذهبوالجواهر ، وجمعوا اطنانا من عطر الكافور وحسبوه ملحا فخلطوه بالطعام فأصبح شديدالمرارة ( تاريخ الطبري 3/19 :20 ، تاريخ ابن كثير 7/ 66 : 67  [.

3 ـ وأصبح كبار الصحابة بليونيرات بمفهوم عصرنا : (عثمان ) مع شدة كرمهوكثرة عطاياه كان له يوم مقتله ثلاثون الف الف درهم وخمسمائة الف درهم ومائة الفدينار ، وقد نهبها الثوار الذين قتلوه ، بالاضافة الي ما قيمته مائتا الف دينار منالاصول.(الزبير ابن العوام) : كانلديه  35 الف الف درهم ومائتا الف دينار ، ويقال 51 الف الف درهم او 52 الف الفدرهم ، بالاضافة الي مساكن وعقارات وخطط في الفسطاط والاسكندرية والبصرة والكوفة ،كما ترك غابة او بستانا هائلا بيع بـ الف الف وستمائة الف.(عبد الرحمن بن عوف) : مات سنة 32 هـ قبيل عثمان ، ترك ذهبا كانوا يقطعونه بالفئوس حتي محلت ايدي الرجالمنه.( سعد ابن ابي وقاص) : ترك 250الف درهم ، ( ابن مسعود) : توفي 32 هـ وكان من ضحايا عثمان وقد حرمه عثمان من عطائهسنتين ومع ذلك ترك 90 الف درهم.(طلحة بن عبيد الله ): كان فييده خاتم من ذهب فيه ياقوته حمراء ، وكان ايراده من ارضه في العراق الف درهم يوميااو ما بين 400 الي 500 الف درهم سنويا في رواية اخري ، وترك بعد موته الفي الف درهمومائتي الف درهم ، و مائتي الف دينار ، وترك اصولا وعقارات بثلاثين الف الف درهم.وترك مائة بهار مليئة بالذهب في كل بهار ثلاثة قناطير او اثنين من الارادب ، أيترك 300 اردبا ذهبا او 200 قنطار ذهبا ( طبقات ابن سعد 3/ 53 ، 76 ، 77، 157) ( المسعودي مروج الذهب 1/ 544 : 545[.( عمرو بن العاص ): ترك عندموته سبعين بهارا من الذهب ، أي 210 قنطارا او 140 اردبا من الذهب ، واثناء موتهعرض هذه الاموال علي اولاده فرفضوا وقالوا : حتي تعطي كل ذي حق حقه ، أي اعتبروهاسحتا ، فلما مات عمرو صادر معاوية هذا المال وقال ( نحن نأخذه بما فيه ) أي بما فيهمن سحت وظلم ( خطط المقريزي 1/ 140 ، 564 ).  ويذكر المسعودي في مروج الذهب ( 1/ 544) ان زيد بن ثابت حين مات ترك من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفئوس سوي الاموالوالضياع ، ومات يعلي بن امية وخلف خمسمائة الف دينار وديونا علي الناس وعقارات تبلغ300 الف دينار[..

4 ـ هذا بالاضافة الى الضرائب ( الخراج ) و الجزية . يقول  ابن سعد  عن ( عمر بن الخطاب ) : ( وضع الخراج علي الاراضين ، والجزية علي جماجم اهل الذمة فيما فتح منالبلدان ، ووضع علي الغني ثمانية واربعين درهما ، وعلي الوسط اربعة وعشرين درهما ،وعلي الفقير اثني عشر درهما ، وقال : لا يعوز " أي لا يرهق" رجل منهم " أي الفقراء" درهم في الشهر : الطبقات الكبرى لابن سعد 3/ 202 ).

أى إنّ الفقراء المعدمين في البلاد المفتوحة كانت تؤخذ منهم الاموال لاثرياء العرب الذينتكدست لديهم الاموال من الغنائم والخراج والجزية . ذلك ان كل كنوز وثروات الفرسوالمصريين وثروات وكنوز الروم التي تركوها في الشام ومصر ، كل ذلك سلبه العرب فيالفتوحات ، واقتسموه فيما بينهم ، فأصبحوا وقتها اثرى اثرياء العالم ، ومع ذلك لميتورعوا عن اخذ الجزية حتي من الفقراء المعدمين لتصب في جيوب اولئك الاثرياءالمتخمين بالكنوز . وذلك ليس مجرد تخمين ولكنه استنتاج لما جاء في تاريخ ابن سعد عنعمر ، فأبو هريرة جاء لعمر بخمسمائة الف درهم فوزعه علي الناس ، وجاء الي عمر كل منعثمان وابن عباس فأعطاهما مالا كثيرا ، يقول ابن عباس معبرا عن كثرة ذلك المال (اماعثمان فحثا ، واما انا فجثيت لركبتي ) أي كانوا يعبئون المال بكل ما يستطيعون ، وفيموقف اخر يقول ابن عباس ( دعاني عمر بن الخطاب فأتيته فاذا بين يديه نطع عليه الذهبمنثور حثا ، قال : هلم فاقسم هذا بين قومك ) وبعث عمر الي ام المؤمنين زينب بنت جحشبكومة ذهب ، فلما رأتها فزعت منها واستترت منها ، ثم القت عليها ثوبا ، وقالتلخادمتها ( اقبضي منه واذهبي به الي بني فلان ، وما زالت توزعه حتي نفذ ) ، واستمرعمر يوزع هذه الكنوز والاموال وهو يقول : لأزيدنهم ما زاد المال ، لأعدنه لهم عدا ،فأن اعياني لأكيلنه لهم كيلا ، فأن اعياني حثوته بغير حساب ) ويقول في موقف اخر] واني لأرجو ان اكيل لهم المال بالصاع ) : ( الطبقات الكبري لابن سعد 3 / 207 ، 215:[ 218 ) أي ان الذهب اصبح لديهم اكواما يوزعه عمر كما يوزع القمح والشعير ، بينمايأخذون الجزية والضريبة من فقراء مصر والعراق والشام وفارس ، وهم– أيالفقراء- مستحقون للزكاة اصلا في شريعة الاسلام التي تنهي عن اكتناز الذهب والفضة ،فضلا عن سلبها من اصحابها ظلما وعدوانا.وهذه الأموال الضخمة توارثها الأبناء والأحفاد فى العصر الأموى وأعانتهم على الترف والمجون على نحو ما سنذكره بعد قليل .

رابعا : الفتوحات أعادت الانحلال الخلقى فى عصر الراشدين بسبى نساء الأمم المفتوحة

1 ـ بالفتوحات إمتلأت الجزيرة العربية وعواصم المسلمين فى دمشق والكوفة والبصرة والفسطاط بنساء السبى  من أجمل الجميلات العالم، وأصبحن سلعة رخيصة للمتعة الحرام . وبسرعة تناسى الصحابة شرع الله جل وعلا، لأن ثقافتهم المتوارثة فى السلب والنهب والسبى عادت أقوى وتحت شعار الجهاد الاسلامى الذى أرساه أبو بكر وعمر بتشجيع وتعضيد من الأمويين الذين ورثوا كل هذا فى النهاية .

2 ـ لقد عرفت الجاهلية تشريع السبي والاسترقاق على نطاق ضيّق وبسيط مقارنة بالفتوحات . وقلنا إنّ الجاهلية  كانتتستحل الاموال والاعراض في الغارات المتبادلة بين القبائل ، ولم يكن عيبا سبيالنساء العربيات وتداولهن بين ايدي الغزاة حسب الاكثر قوة . وقد أعيد هذا فى الفتوحات فى التعامل مع الأمم المفتوحة التى لم تبدأ العرب المسلمين بالعدوان . وبهذا أعيد إنتاج ثقافة السبى والاسترقاق على أوسع نطاق . لقد كان فارس الجاهليةاثناء ظهور الاسلام هو عمرو بن معدي يكرب اشهر من سبي السبايا في الجاهلية ، ثماسلم ثم ارتد ثم عاد الي الاسلام ، وعاد معه طليحة بن خويلد الذي ادعي النبوة فيحركة الردة ثم عاد الي الاسلام ، وقد بعث عمر بطليحة بن خويلد وعمرو بن معدي يكربللمشاركة في فتوحات فارس وليمارسا نفس ما كانا يفعلان في الجاهلية من سبى وسلب ، وكان عمرو بن معدي يكرب يروي لعمر بن الخطاب مآثره فيسبي النساء في الجاهلية ( مروج الذهب : 1/ 538 : 541 ). وبنفس العقلية توجه عمرو بن معدي يكرب للفتوحاتيقتل ويسلب ويسبي . وذكر ابن حجر بلاءه في الفتوحات في ( الاصابة 3/ 18 ).

3 ـ وفى الوقت الذى تمتع فيه الرجال بالسبايا فقد عانت نساؤهم من الحرائر ممن الاهمال والجوع الجنسى ممّا شجع على الانحلال . كما أدى غياب الرجال فى الغزوات والفتوحات الى شيوع الفاحشة فى مجتمع المدينة، وكانت مشكلة عانى منها (عمر)  فكان يسير ليلا يتجسّس على البيوت ومعه ( الدرة ) المشهورة ليؤدب بها من يستحق ، واثناء طوافه الليلي بالمدينة سمع امرأة تنشدشعرا:

تطاول هذا الليل تسريكواكبه               وارقني ، ألا ضجيع  ألاعبه ؟!!

فسأل عنها عمر فعرف انزوجها غائب في الغزو منذ عدة اشهر ، فكتب الي امراء الجيش الا يغيب زوج عن اهلهاكثر من اربعة اشهر) . وعن سيره يتجسس على الناس ليلا يقول ابن سعد عن ( عمر ): ( وهو أول من عسّ في عمله بالمدينة وحمل الدرة وأدّب بها .). ويروى ابن سعد : ( بينما عمر بن الخطاب يعسّ ذات ليلة إذا امرأة تقول‏:‏ ( هل من سبيل إلى خمرفأشربها أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج ) فلما أصبح سأل عنه فإذا هو من بني سليم فأرسلإليه فأتاه ، فإذا هو من أحسن الناس شعرا وأصبحهم وجها ، فأمره عمر أن يطمّ شعره ، ففعل،فخرجت جبهته فازداد حسنا ، فأمره عمر أن يعتمّ ،  ففعل ، فازداد حسنا ، فقال عمر : لا والذينفسي بيده لا تجامعني بأرض أنا بها ،  فأمر له بما يصلحه وسيرّه إلى البصرة .) أى نفاه الى البصرة لأن النساء فى المدينة إفتتنّ به . ولكن هل بذلك تم ّ حل المشكلة ؟ وماذا عن نساء البصرة ..والكوفة ومكة ؟ .

ويروى ابن سعد : ( خرج عمر بن الخطاب يعس ذات ليلة ، فإذا هو بنسوة يتحدثن ، فإذا هن يقلن : أيأهل المدينة أصبح ؟ ( أى أجمل ) فقالت امرأة منهن : أبو ذئب . فلما أصبح سأل عنه ، فإذا هو من بني سليم، فلما نظر إليه عمر إذا هو من أجمل الناس ، فقال له عمر : أنت والله ذئبهن . مرتين أوثلاثا ، والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أنا بها . قال : فإن كنت لا بد مسيّرني فسيرنيحيث سيّرت إبن عمي ، يعني نصر بن حجاج السلمي. فأمر له بما يصلحه وسيّره إلى البصرة .) أى كانت البصرة منفى للرجال الذين يخشى عمر من إفتتان النساء بهم . ولا ذنب لهؤلاء الرجال ، وإنما هو الاشتهاء والحرمان الجنسى لدى نساء غاب عنهن أزواجهن فى مجتمع لا يعرف سوى الجنس متعة حسّية .

على أن بعض من بقى فى المدينة من الشباب فارغا بعيدا عن المشاركة فى الغزو قد وجد فى أولئك النسوة الجائعات شغلا ، وكانت الأخبار تصل الى أزواجهن فى الغزو. ومع إن أولئك الزواج كانوا يتمتعون بنساء السبى فى البلاد التى يفتحونها فقد كان بعضهم يحتج على زوجته لو جاءته أخبار بعلاقتها مع فلان من الشباب ، وبعضهم كان يرسل الى ( عمر ) يشكو له . يروى ابن سعد ( أن بريدا قدم على عمر، فنثركنانته ، فبدرت صحيفة ، فأخذها فقرأها ، فإذا فيها‏ شعرا فيه يشكو مرسل الرسالة من رجل إسمه ( جعدة ) يعاشر النساء المغيبات ، اى اللاتى غاب عنهن أزواجهن . وتنتهى الرواية وقد استدعى عمر هذا الجعدة وجلده مائة جلدة ( ..  ونهاه أن يدخل على امرأة مغيبة .).

وتطرّف ( عمر ) فى عقوبة الخمر ومطاردة أهل المجون العلنى  ، يقول ابن سعد : ( وهو أول من ضرب في الخمر ثمانين ، واشتد على أهل الريب والتهم وأحرق بيت رويشد الثقفيوكان حانوتا )، ( وغرّب ربيعة بن أمية بن خلف إلى خيبر ، وكان صاحب شراب فدخل أرض الرومفارتد) .

ولم يمنع هذا من تكاثر الانحلال فى المدينة بدليل كثرة عدد اللقطاء فى المدينة، ويذكر ابن سعد عناية عمر  باللقطاء :( وكانإذا أتي باللقيط فرض له مائة درهم وفرض له رزقا يأخذه وليه كل شهر ما يصلحه ثمينقله من سنة إلى سنة وكان يوصي بهم خيرا ويجعل رضاعهم ونفقتهم من بيت المال ) . أى أن ظاهرة اللقطاء كانت هائلة إستوجبت من عمر أن يجعل لهم نصيبا فى بيت المال ، ويفرض لهم مرتبات وعطايا لهم ولمن يقوم بشأنهم . فإذا كان هذا فى المدينة تحت ذقن ( عمر ) ولحيته وفى وجود درّته وقسوته وتجسّسه وتحرّزه فكيف بالحال فى بقية المدن وفى الصحراء العربية حيث الانطلاق والحرية ؟.جدير بالذكر ، أنّه بعد عمر لم ترد هذه الأخبار عن شيوع الانحلال الخلقى فقد أصبح ظاهرة مسكوتا عنها لا تستحق ّ التسجيل ، فهناك ما هو الأهمّ ، وهو أحداث الفتنة الكبرى.

4 ـ وبالانحلال الخلقى الشائع والمعتاد اشتهر بعض كبار الصحابة فى خلافة عمر ، ومنهم المغيرة بن أبى شعبة الذى كان ( زير نساء ) يهوى الزنا مع كثرة جواريه وكثرة زيجاته . فى شهرته النسائية تقول الروايات أنه لما كان يوم القادسية طعن المغيرة بن شعبة في بطنه فجئ بامرأة من طيئ تخيط بطنه فجعلت تخيطه فلما نظر إليها وهي تخيط قال : ألك زوج؟  قالت : وما يشغلك ما أنت فيه من سؤالك إياي؟!!. و يعترف المغيرة أنه رجل مطلاق يكثر من طلاق النساء دون مبرر ، قال : لقد تزوجت سبعين امرأة أو أكثر ..وكان تحت المغيرة بن شعبة أربع نسوة ، فصفّهن بين يديه وقال : أنتن حسنات الأخلاق طويلات الأعناق ، ولكني رجل مطلاق ، فأنتن طالقات.وكان ينكح أربعاً جميعاً ويطلقهن جميعاً.  
واشتهرت واقعة زنا المغيرة بن شعبة في البصرة . ورويت هذه الواقعة على ألسن المحدثين و أصحاب السير و السنن ، واشتهرت فلا مجال لإنكار أصلها ، و إنما خلط الرواة في بعض تفاصيلها . ومجمل القصّة أنّ المغيرة بن شعبة وهو أمير البصرة فى خلافة عمر كان يذهب سراً ليزنى بامرأة من ثقيف يقال لها الرقطاء ولها زوج من ثقيف يقال له الحجاج بن عتيك ، فلقيه أبو بكرة يوماً فقال : أين تريد ؟ قال : أزور آل فلان ، فأخذ [أبو بكرة] بتلابيبه و قال : إن الأمير يُزار ولا يزور.وكانت المرأة التي يأتيها جارة لأبي بكرة . فبينما أبو بكرة في غرفة له مع أخويه نافع وزياد ورجل آخر يقال له شبل بن معبد ، وكانت غرفة جارته تلك محاذية غرفة أبي بكرة ، فضربت الريح باب غرفة المرأة ففتحته فنظر القوم فإذا هم بالمغيرة ينكحها ، فقال أبو بكرة : هذه بلية قد ابتليتم فانظروا . فنظروا حتى أثبتوا ، فنزل أبو بكرة فجلس حتى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة ، فقال له أبو بكرة : إنه قد كان من أمرك ما قد علمت فاعتزلنا ، فذهب المغيرة وجاء ليصلي بالناس الظهر فمنعه أبو بكرة وقال : لا والله لا تصلي بنا وقد فعلت ما فعلت ، فقال الناس : دعوه فليصل إنه الأمير.! فقال : اكتبوا إلى عمر فكتبوا إليه .... وسار المغيرة ، حتى قدم على عمر ، فجلس له عمر ودعا به وبالشهود . وشهد ثلاثة على المغيرة بن شعبة بالزنا بالتفصيل   وهم أبو بكرة ، ونافع ، ونفيع ، وزياد ،   فأما زياد فقال : رأيت نفساً تعلو ، و استاً تنبو ، ورأيت رجليها على عنقه كأنهما أذنا حمار ، ولا أدري يا أمير المؤمنين ما وراء ذلك ، فأسقط عمر الشهادة ولم يرها تامة .

خامسا : لمحة سريعة عن الانحلال فى العصر الأموى   

1 ـ كان هذا فى عصر عمر . وتفاقم الأمر فى العصر الأموى ، فبعد  مأساة الحسين وأقتحام المدينة ومكة وثورة ابن الزبير عمل الأمويون على شغل أبناء المهاجرين والأنصار باللهو والمجون ، وأغدقوا عليهم بألأموال  حتى لا ينشغلوا بالسياسة ، وهم أصلا قد ورثوا ثروات آبائهم الصحابة التى جاءت من الفتوحات . وبهذه الأموال والفراغ وكثرة الجوارى المجلوبات من الخارج من شتى أنحاء العالم  تحولت المدينة ومكة الى ماخور كبير.  واشتهر فيها أرباب الغناء من الرجال والنساء والمخنثين . ومنهم سلاّمة ومعبد وابن عائشة وجميلة ومالك بن أبي السمح.

ومن مشاهير الزناة الشاعر العرجى حفيد الخليفة عثمان ، وسهيل بن عبد الرحمن بن عوف مالك المغنية سلّامة التى عشقها عبد الرحمن القس ّ ، وقد انتشرت قصة سلّامة وغرام العابد الناسك بها ، ووصلت إلى دمشق حيث كان الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك مشهوراً بالمجون باحثاً عن الجديد من المتع ، وعرف أن سلامة وحبابة قد وصلتا إلى النهاية في الشهرة فبعث من اشتراهما له ، وسافرت سلامة إلى دمشق وحظيت مع حبابة لدى الخليفة الماجن . ولعلنا نذكر فيلم أم كلثوم ( سلّامة ).

ومن المشاهير من أبناء الزنا فى العصر الأموى كان المغنى ( محمد إبن عائشة ) الذى لم يكن يعرف له أب ، فكان ينسب الى أمه . ولقّبه أعداؤه بابن عاهرة الدار . وكانوا إذا استحسنوا صوته قالوا ( أحسن ابن المرأة ) .واشتهر بجودة الغناء و الغرور الشديد . وقالوا عنه إنه كان يفتن من يسمعه يغنى ، وأنه أفسد بغنائه فتيان المدينة . وكان أشهر المعجبين بصوته الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب والخليفة الوليد بن يزيد الأموى .

كل هؤلاء اشتهروا وذكرهم التاريخ بسبب صفاتهم الشخصية ، ولكن الالاف من أبناء الزنا أهملهم التاريخ الذى لا يذكر سوى الزعماء والقادة و النابغين .

 وبعض الخلفاء الأمويين كان متهما بالفواحش وترك الصلاة ومنهم يزيد بن معاوية ، صاحب الفواجع الثلاث : قتل الحسين وآله فى كربلاء ، وانتهاك حرمة مكة والمدينة .وحين ثارت المدينة على يزيد وخلعت طاعته كان زعيم الثوار عبدالله بن حنظلة الإنصارى الذى خطب فى قومه قبيل موقعة الحرة قائلا عن يزيد ( إن رجلا ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة ، والله لو لم يكن معى أحد من الناس لأبليت لله فيه بلاء حسنا )  ( الطبقات الكبرى لأبن سعد ج5 ، 47 – تاريخ المنتظم ج6، 19 ) وقد وقعت موقعة الحرة سنة 63 هــ وفيها انتهكت حرمة المدينة وإغتصب جنود الأمويين نساء المدينة وافتضّوا أبكارها . وكان من القتلى زعيم الأنصار يومئذ ابن حنظلة . وتكرر نفس الإتهام للخلفاء الأمويين فى عهد عبد الملك بن مروان ، قاله سعيد بن جبير فى موقعة دير الجماجم ، قال  (قاتلوهم على جورهم فى الحكم وخروجهم من الدين وإماتتهم الصلاة ) ( طبقات ابن سعد ج6، 185 ) .

 وأتيح للخليفة يزيد بن عبد الملك أن يتفرغ للهو والخمر والمجون حتى مات شابا بسبب الانحلال الخلقى. إذ  مات حزنا على مغنيته حبابة ، ظل شاردا بجانب جثتها لا يريد دفنها ، فلما أرغموه على دفنها لبث بعدها قليلا ثم مات .!

بعده كان ابنه الوليد بن يزيد بن عبد الملك أكثر منه إنحلالا.  قال ابن كثير فى تاريخه ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/3‏)‏  : إن عمه الخليفة هشام بن عبد الملك أراده أن يقلع عن الخمر ليؤهله للحكم من بعده فجعله أميرا على الحج سنة 116 فما كان منه إلا أن (أخذ معه كلاب الصيد خفية من عمه، حتى يقال‏:‏إنه جعلها في صناديق ..قالوا‏:‏ واصطنع الوليد قبة على قدر الكعبة، ومن عزمه أن ينصب تلكالقبة فوق سطح الكعبة ويجلس هو وأصحابه هنالك، واستصحب معه الخمور وآلات الملاهيوغير ذلك من المنكرات، فلما وصل إلى مكة هاب أن يفعل ما كان قد عزم عليه من الجلوسفوق ظهر الكعبة خوفاً من الناس ومن إنكارهم عليه ذلك،).

 وتولى هذا االوليد بن يزيد بن عبد الملك الخلافة فانطلق فى مجونه للنهاية ، حسبما يقول المؤرخون ((تاريخ الكامل لابن الأثير 4/ 486 ، المنتظم لابن الجوزى 7/236 -248 ). قالوا : (ثقل ذلك على الناس ورماه بنو هاشم وبنوالوليد بالكفر والزندقة وغشيان أمهات أولاد أبيه وباللواط وغيره )، (وكان هذا الرجل مجاهراً بالفواحش مصرّاً عليها، منتهكاً محارم الله عزوجل، لا يتحاشى من معصية‏.‏وربما اتهمه بعضهم بالزندقة والانحلال من الدين، وقد روي أن أخاه سليمان كان من جملة من سعى في قتله، قال‏:‏ أشهدأنه كان شروباً للخمر، ماجناً فاسقاً، ولقد أرادني على نفسي الفاسق !!. ) وقالوا فيه  )كان مشهورا بالالحاد مشتغلا باللعب واللهو والشراب ) . وقد ثار عليه ابن عمه يزيد بن الوليد وقتله وتولى بعده.  وفى أول خطبة لابن عمه يزيد بن الوليد الذى قتله وتولى الخلافة بعده قال عنه (كان جبارا مستحلا للحرم ..ما كان يصدق بالكتاب ولا يؤمن بيوم الحساب ).  ورووا أنه فتح المصحف يوما يستفتح به ـ أى يرى حظه في أول آية يقرؤها ـ  فرأى فيه قوله تعالى " واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد " فألقى المصحف ورماه بالسهام وهو يقول:

تهددنى بجبار عنيد            فها أنا ذاك جبار عنيد

اذا ما جئت ربك يوم حشر     فقل يارب خرقنى الوليد

أخيرا

فى هذا العصر هل نطمع فى وجود إصلاح لمناسك الحج فى مكة ؟ وإذا كان الأمويون أرباب الفسوق والعصيان قبل وبعد النبى عليه السلام ، فهل ننتظر منهم إصلاحا ؟

اجمالي القراءات 12454

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (4)
1   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الخميس ٢١ - فبراير - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[71199]

ملاحظة على هذا المقال :عذرا لعدم الاستطراد فى بحث تفاصيل الانحلال الخلقى

يحتاج الى كتاب كامل هذا الموضوع عن الانحلال الخلقى لدى العرب خلال قرون قبل الاسلام وحتى نهاية العصر الأموى عام 132 . لذا أوجزناه هنا فى مقال بحثى قصير . وبالتالى فقد تركنا تفصيلات اعتبرناها غير ضرورية ، وإن كانت أساسية عندما يكون البحث اساسا عن الانحلال الخلقى ، ولكننا هنا نعطى مجرد لمحة عنه تمهيدا لموضوع التواتر الباطل فى الحج لدى قريش باعتبار أن هذه الخلفية الاجتماعية فى الانحلال الخلقى كانت المسرح الذى مورس من خلاله التحريف فى مناسك الحج .


أضطر لهذا التعليق لأنه يحزّ فى نفسى كباحث أن أغفل متعمدا تفصيلات تاريخية هامة فى موضوع الانحلال الخلقى تدخل ضمن المسكوت عنه فى تاريخ الصحابة ، ولكنها غير هامة فى موضوع ربط الانحلال الخلقى بالتحريف فى مناسك الحج.


ودائما أنصح أبنائى الباحثين أن يكون البحث شرحا لعنوان البحث وتفصيلا له لا يتعداه.


والله جل وعلا المستعان ..


2   تعليق بواسطة   سليم قزق     في   الجمعة ٢٢ - فبراير - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[71213]

تاريخ ما سكت عنه التاريخ

معلومات هامة  لم أكن أعرف شيئا عنها  ....لم استطع تمالك مشاعري التي اهتزت على كبائر افعال المسؤلين في الدولة الاسلامية على حداثة انشائها ،وعلى نمط الحياة الاجتماعية وتصرف الناس (المواطنين -الرعايا) تجاه العلاقات الاجتماعية بينهم ...ارتكاب (الزنا) المحرم ،والتفاخر به  وتواتر رواياته حتى وصل الينا ..كل ذلك يجعلنا تتظر حولنا في ايامنا هذه .....اين نحن ؟ ومن نحن؟ والى من ننتسب ؟ وبمن نفتخر ؟.....!!! معذرة  لا أستطيع المواصلة


3   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   السبت ٢٣ - فبراير - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[71218]

شكرا أستاذ سليم قزق ، واقول :

آسف لو كان هذا المقال قد سبّب لك ضيقا .. فكم عايشت الضيق سنوات طوالا فى شبابى البحثى ، وأنا أقرأ هذا المسكوت عنه فى التاريخ والتراث ، وكم حزنت وتشككت وانتباتنى الحيرة ، ولكن النجاة من هذا كله تأتى من القرآن الكريم . تعلمت من تدبر القرآن الكريم أن أقيم فارقا بين الاسلام كما جاء فى القرآن الكريم وبين ما فعله المسلمون فى تاريخهم وتراثهم ، وهكذا نفس الفارق بين الاسلام ومسلمى اليوم . وإذا كان رب العزّة ينتقد خاتم النبيين ومن سبقه من الأنبياء عليهم السلام فهذا دليل على ان دين الله جل وعلا لا يمثّله بشر ، لأنه لا يوجد بشر معصوم من الخطأ ، وقد أكّد رب العزة فى آيتين فى سورة النحل وسورة فاطر أنه جل وعلا لو أخذ الناس بظلمهم وبما كسبوا ما ترك على الأرض من دابة ، ولكن يؤخر المؤاخذة الى يوم الحساب . هذا يشمل كل دواب الأرض ، وبالتالى البشر والأنبياء .


أراحنى القرآن الكريم  من حزنى وضيقى مما أقرأ  فى التاريخ والتراث ، وبادرت بكتابة أربع كتب عام 1985 قررتها على قسم التاريخ بجامعة الأزهر وكليات أخرى كنت أقوم بالتدريس فيها ، منها كتاب عن ( الأنبياء فى القرآن الكريم ) والأربعة الأخرى عن تاريخ المسلمين وتراثهم الفكرى ، وحدثت المواجهة التى انتهت بتركى الجامعة وسجنى عام 1987 . بالمناسبة منشور مقال هنا عن ان النبى نفسه عليه السلام لا يمثّل الاسلام ، فالاسلام أوامر ونواهى ( إفعل ولا تفعل ) ويستحيل أن يتجسّد بشر هذه الاوامر والنواهى ، وإلا فما الداعى ليوم الحساب الذى سيتم فيه حساب الأنبياء ؟ وما الداعى لتحذير النبى وعتابه ولومه لو كان ( روبوتا ) ينفذ الأوامر تلقائيا بلا إرادة ؟


أما الأمويون فحسبما جاء فى تاريخهم هم أئمة الضلال فى قريش قبل وأثناء وبعد نزول القرآن . فلا تحزن أخى العزيز ..الاسلام بقرآنه المجيد هو الأعظم .. وفيه الهدى والسلوان .


ولك خالص محبتى ..


أخوك أحمد


4   تعليق بواسطة   محمد مهند مراد ايهم     في   الإثنين ٢٥ - فبراير - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[71227]

أشكرك يا دكتور

معظم التشريعات والأحكام الفقهية التي قرأتها في كتب السنة والشيعة في حقيقتها تعود إما لأصول جاهلية (كما في موضوع الحجاب والجهاد )


أو لأصول يهودية كما في أحكام الطهارة والصلاة


أو لأصول مسيحية كما في تقديس النبي في الأذكار والصلاة


وهذا سيكون بعون الله محور الموضوع الذي سأطرحه لاحقا استكمالا لبحثي الذي بدأته منذ سنتين (البحث القرآني بين التراث والحداثة )


فشكرا لك يا دكتور فقد  فتحت لي آفاقا


 


 


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4980
اجمالي القراءات : 53,331,730
تعليقات له : 5,323
تعليقات عليه : 14,621
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي