تصدع الإخوان(غرور القوة المتوهمة)

سامح عسكر Ýí 2012-10-22


هناك ثمة رابط بين فهم المجتمع والدين يتمثل في النظر للواقع وممارسته وذلك عن طريق أناس يتمتعون بقدرٍ من الذكاء، وإن حيل بين هذين النوعين من ربط فأتخيله في وجود الخلط بين سلطة التاريخ وسلطة الدين، فمبجرد الخلط يعتقد الإنسان أن دينه تاريخه والعكس..وهذا غير صحيح..فالحياة الإنسانية حافلة بأحداث ومُدركات كان فيها النجاح والفشل قرين كل سائل، وبالطموح الإنساني ينجذب نحو مجده الماضي -بل ويريد تكراره- وإن لم يكن بالتطابق، فلكل عصر معطيات وشواهد ستؤثر حتماً في تفريغ العقلية الذهنية من التصور والمماثلة ،وإن كان هناك من منطلق أخلاقي عبر نظرية فريدة فلا تكفي ..وفي الغالب يعي الإنسان –المفكر-هذه المسألة، لذلك كنت من الداعين لتفصيل أي رؤية سياسية مبنية على واقع تاريخي وإخضاعها لمسائلة قوانين وعلوم العصر.

الإنسان في العصر الحالي بلغ أرقى وأعظم مراتب العلم والإدراك، وحين رصده لأي رؤية خاصة وإن كانت أيدلوجية ذات خلفية دينية فيقوم "الإنسان المفكر" في هذه الحالة بعملية تجريد للأيدلوجيا وإخضاعها لسلطة العقل والمقارنة وإذا لم يقنع بها يهم بنقدها...هذا في حال الرؤية من منظور الضعف أو الاشتباه وأصحاب هذه الرؤية أكثرهم من العرب ، لذلك كان العقل العربي يتعاطى مع المسألة-في الغالب-وكأن هناك تهديد حقيقي لهويته فتخرج إشكالياته في صورة ردود أفعال، ذلك لأن الوعي العربي لم ينضج بعد بفكرتي الديمقراطية والحرية، حتى أنه يجهل آلياتهم أو كونهم آليات، وفي الغالب يخضعهم للرؤية الدينية والتي -وبتأثير الثقافة-ينحط برؤيته فلا يرى سوى نفسه أو من معه..أما من يرى بمنظور القوة فأكثرهم من ذوي الحضارة الغربية ذلك لأن القضية لديهم مُجربة وهذه إحدى ثمرات البراجماتية، حتى أن المنتمين إليهم من الأتراك-كمثال-باتوا يفكرون بنفس طرائقهم وإن كان ما يجمعهم مع العقل العربي لا يكفي للانتقال لمنظور آخر أوالاشتباه .

في ظل هذا الوضع يكون الاحتكام للتاريخ دربٌ من الجهل، ولَكَم رأينا حضارات وعوالم جديدة ارتقت بالإنسان ولم تقف حيال ما يشتهيها من السلطة موقف الطامح للغزو فتقريباً القضية متشابهة ، ذلك لأن من يعيب على الآخر تاريخه فهو يعاني من نفس العيوب، والشاهد يبقى في الاعتبار بالحاضر ومعايشته والخروج من ربقة التقليد والجهل الذي وإن ضرب أمة فيقتل أول ما يقتل.. "الإرادة واليقين"..فيتيه الإنسان بين دروب التجارب ويصبح مجرد ردود أفعال، وأعتقد أن الواقع العربي الآن لا يخلو من هذه الحالة..ولكن تبقى هذه الحالة رهينة كي تنسلخ من خطاب.."الوحي البشري"..لبلوغ النهضة..وسبب تسمية هذا الخطاب بهذا الإسم ليقين أكثرية التيار الإسلامي وخاصة جماعة الإخوان المسلمين بأنهم يتحركون بناءً عن وحي، وإذا واجهتهم بتقصيرهم وقصورهم المعرفي والعقلي فيجيبون من مرجعية التاريخ ، وإذا استشكلت على التاريخ يكون الجواب حاضر في قوله تعالى.."إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء"..تقريباً هو خطاب واحد مُفعم بالتاريخ حتى مع تحالف المعارضة ضدهم فيعتقدون بتكرار"غزوة الأحزاب" وأن الجميع قد تآمر عليهم لطمس معالم الدين،أو بازدياد كم الضغط عليهم فيتذكرون حصار قريش للرسول، حينها لا تفسير لتلك الحالة إلا عبر الرؤية السيكولوجية التي تُشرح الوعي الإخواني -وبفعل التناقض والضمور المعرفي- نرى أمامنا عملية إزاحة نفسية يقوم بها الحدس الإخواني دون شعور، فيُعللون ضعفهم بجبروت وطغيان خصمهم ،وقصورهم المعرفي في فساد معرفة الآخر، وكذلك هزائمهم بأنها ابتلاء وامتحان، وكأن الضمير والوجدان الإخواني في إجازة شبة رسمية من التخطيط والتتبع والرصد.

هذه الحالة تكون أقرب إلى غرور القوة"المتوهمة" من سلوك التواضع الأخلاقي، فعالم السياسة عالم متغير ، وهو حجة على كل ضعيف ومتواكل، ذلك لأن النجاح السياسي يستلزم بناء مجتمع معنوى قائم على الروابط الأدبية والأخلاقية، أما العمل السياسي -ففي الغالب- لا يتقيد بهذه الروابط لسيادة القوة النفعية وسلطة الذات على التحرك والسلوك، فسلطة الذات هي الواجهة أمام إرادة الشعوب، والقوة النفعية هي لتجميل سلطة الذات أمام تلك الإرادة الشعبية، لذلك كانت صورة المجتمع الفاضل في العقل الجمعي الإخواني والقائمة على الود والتراحم هي مستحيلة عملياً، وهي صورة طوباوية لا تصلح سوى للقصص والحكايا الأدبية و"النزوات"الشعرية وبالتالي فمقدمات النجاح تكاد تكون معدومة، هذا في حال تحقق تلك الصورة في الذات الإخوانية وهذا لم يحدث وبفضل عدم حدوثه رأينا ونرى يومياً سلوكاً إخوانياً نفعياً وعدم الاكتراث بمعارف الآخر واتجاهاته بل ومخاصمتها في سلوك أقرب إلى العدوانية منه إلى السلمية،فأي ناقد خصم وأي مخالف مشروع لخصم. 

أخيراً فأعظم دليل على غرور"القوة المتوهمة"في العقل الجمعي الإخواني هو طريقة تعاملهم مع من انسلخ عنهم كتنظيم وكجماعة، حتى وإن ظل على عهد الإخوان الفكري فهو لديهم مشروعاً لخصم،حتى لو كان قيادياً كبيراً أو أفنى عمره في خدمة التنظيم والدعوة فيهجرونه ويسيئون معاملته، ونسوا هؤلاء أن الله أمر الإنسان أن تكون معاملته للناس كافة بطريقة واحدة وسلوك واحدة ووسائل واحدة فلا فرق بين عربيٍ وأعجمي ومؤمنٍ وكافر وصالحٍ وطالح..يقول الله تعالى مخاطباً رسوله.."وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيرا".."وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين"..فهي رسالة دعوية لتوجيه الناس إلى الخير ولسيادة روح السلام والبناء، أما أنه وبمجرد الخلاف والخروج من ربقة التنظيم يكن الإنسان مشروعاً لخصم فهذا هو اتباع الهوى بعينه، وأن الإسلام الحقيقي لا زال غائباً عن الإخوان كسلوك، فالمعرفة والعلاقات الاجتماعية لا يمكن حصرها في التوجه السياسي أو حتى الديني وإلا انتزع الإنسان من ذاته بواقي الخير والصمود وخرج إلى فسيح الشر والعدوان.

اجمالي القراءات 6799

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2012-09-25
مقالات منشورة : 788
اجمالي القراءات : 7,590,221
تعليقات له : 102
تعليقات عليه : 411
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt