فلسفة الأخلاق(لوحة التواضع)

سامح عسكر Ýí 2012-10-05


 

في الحلقة السابقة وقفنا عند الحوار عن ماهية الأخلاق، كنا وأصدقائي وكأننا في حفلة سمر ، لم نشعر بالوقت يمر إلا بعد أن فوجئنا بصلاة العصر وقد حانت، فقمنا على الفور لآداء الصلاة، وبعد العودة وقف صديقي أحمد.."صاحب المنزل"..مُعلناً عن ميعاد وقت تناول الغذاء، فقام من مكانه يتجه إلى المطبخ ثم دار هذا الحوار:

قلت: إلى أين تذهب ياأحمد؟

أحمد: سأذهب لأساعد زوجتي في تحضير الغذاء.

قلت:ولكن كيف تتركنا دون أيٍ من طرف صاحب المنزل وبمفردنا؟

أحمد: عادي جدا البيت بيتكم.

قلت: ومن أي مرجعية تريد التضحية بشعورنا على حساب مساعدة زوجتك؟!..وهل تعلم أننا سنجلس غرباء قلقين مهما قيل لنا بان البيت آمن؟!

أحمد:مرجعيتي هي التواضع، فقد تعودت مع زوجتي على هذا الفعل.

قلت:وما هو التواضع لديك؟وهل هو حقيقة يقينية أم ماذا؟..وكيف الحال لو تعارض تواضعك مع إهمالك لشعور أصدقائك؟!

أحمد: ياعزيزي سامح لا تنسى أنك عرّفت الأخلاق سابقاً بأن لها صنوف ومجالات فلماذا تستكثر ذلك على التواضع؟!..أنا عندما أتواضع مع زوجتي فهذا من باب المودة والرحمة وتعميق الألفة، كذلك فالتواضع لدي حقيقة يقينية لتحصيل الخير وحب الناس والشعور بالراحة.

قلت: إذاً أنت تمارس التواضع لأجل منفعتك الخاصة، فجميع ما ذكرت مفاده نفعٌ ذاتيٌ لك، والأصل في التواضع هو حب الآخر أياً كان إنساناً أو حيوان نباتاً أو جمادا...فالأثر المحسوس من جانبك قد لا يشعر به الآخر، ومع ذلك تظن أنك تفعل خيرا بينما الحقيقة أن فِعلك في الغالب ليس له معنى بل سيضر أحيانا.

أحمد:هل تقصد أنني وبتواضعي قد أضر آخرين؟!..هذا تعريف جديد لم أسمع عنه !!..ورغم ذلك أنا لا يهمني شعوراً مخفياً أكثر من ابتسامة الآخر في وجهي أو أشعر بمودته لشخصي، فما يهمني هو العلن ما دمت ألتزم بحُسن الخُلق ..أما أسرار الإنسان فليست مِلكاً لأحد..سبحانه علّام الغيوب.

قلت: هل ترى التواضع أمامك كصورة؟

أحمد: والأخلاق عامة.

قلت: والأخلاق عامة.

أحمد: لا فالتواضع مفهوم كلي منطقي عَرَضه في الذهن واتصافه أيضاً في الذهن..وكذلك شتى صنوف وأنواع الأخلاق.

قلت: إذاً ومن أدراك أن ما تفعله هو تواضع في مقابل عِلمُك بأننا كأصدقاء لك سنتضرر،إن معنى عدم وجود صورة للتواضع في ذهنك فهذا يعني أن المسألة بحاجة منك لإعادة نظر،ومن يُدريك أنه وبجلوسك معنا تكون قد حققت التواضع على حقيقته، فنحن أصدقائك بحاجة لمودتك وألفتك ، وحبك لنا ليس كحبك لزوجتك، فإذا اعتقدت بتحصيل الخير وحب زوجتك فنحن أولى لأننا ضيوف مؤقتين وسنذهب في أقرب أجل.

أحمد: كلامك يحمل في مضمونه عقد موازنة، والموازنة تعتني بالشيئين الأقرب لبعضهم في التفسير، وأنت تعتقد -منذ بدء الحوار- أنني أؤذي شعورك ومنير، فكيف تجتمع لديك الموازنة مع جزمك بشعورك بالأذى.

قلت: لا أحد يخطئ في تفسير مشاعره ياأحمد، لا تنسى تعريفنا للعلم الحضوري من قبل، ثم الموازنة تُعقد في حال مقابلة شيئين يجتمعان في جنس وفصل ونوع وصنف واحد، فالتواضع قيمة إنسانية حقيقية، أما خدمتك لزوجتك فهي قيمة معنوية روحية، وهي- لدي- اعتبارية وليست قيمة حقيقية، فهذه الخدمة قد يُفسرها شخص بأنها براجماتية لما ينتج عنها من منفعة تتحقق...أما تواضعك إن لم يتحقق منه نفعٌ للآخر قبل منفعتك فهو في حقيقته أنانية.

أحمد:بالعكس أن لا أري القيم إلا قيمة واحدة حقيقية، فالتواضع عندي كمساعدة زوجتي يجمعهم"إنكار الذات والتضحية والإيثار" وهذه القيم التي لا أعتبر تصنيفها على نحو ما فعلت، ولكن إذا كان الإشكال ينحصر في موازنتك فأنا اتفق معك.."إجمالاً"..أنه ينبغي علينا الموازنة بين شيئين يربطهم صلة قرابة أو تشابه.

قلت: هكذا بدأنا نتفق وسنقف على قوله تعالى.."واخفض لهما جناح الذل من الرحمة"..كقولٌ فصل هو عماد التواضع أمام الكبار وذوي الهيبة، فتواضعك أمام والدك لا يقل عن تواضعك أمام ضيوفك، فنحن قد نتحمل أنفسنا في الشارع أو على القهوة ، أما أن نتحمل بعضنا في بيوت بعضنا فالوضع يختلف، وكذلك نحسب أننا على علمٍٍ بالتواضع وكيفيته، فقط نختلف في إسقاطه وتعريفه حين يتغير محله بالمؤثرات والظروف.

إلى هنا وقف أحمد برهة يفكر ثم أخذ قراره بالاستئذان لدقيقة كي يستأذن زوجته كي يجلس معنا حتى تحضير الغذاء..

اجمالي القراءات 9088

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2012-09-25
مقالات منشورة : 788
اجمالي القراءات : 7,597,257
تعليقات له : 102
تعليقات عليه : 411
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt